ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
التعذيب
القاتل... في مراكز التحقيق
السورية وليد
سفور* التعذيب
حتى الموت فعل مأثور اعتدنا
سماعة بين الفينة والأخرى ...
والموت نتيجة التعذيب أمر آخر
مأثور ... والمنع من السفر طلباً
للطبابة والاستشفاء وترك
المريض يفترسه الموت أمر ثالث،
فمتى تنتهي هذه الرواية المأساة!
ومتى يختم آخر فصولها (بالشمع
الأحمر)! قبل بضعة أيام انتشر
خبر موت طالب الثانوية العامة
همام وليد رقية تحت التعذيب بعد
اعتقال لم يطل ثلاثة شهور. ما هي
الجناية التي ارتكبها حتى يحكم
عليه بهذه النهاية المأساوية؟
لا أحد يعلم والسلطة لا تجيب..
وتتكرر الحوادث فقبل شهرين قتل
رياض خليل بعد أقل من شهرين على
اعتقاله مع ولديه ولفق تقرير
بأنه مات جراء نزيف معدي لم
يمهله. وسبقه في فترة الصيف
المهندس رياض شعبوق الذي تلقى
لكمات ورفسات وحشية غير محسوبة -من
عناصر غير مسؤولين عن أعمالهم-
قضت عليه سريرياً قبل أن تقضي
عليه نهائياً ؟ لكن ما سبب
الركلات والرفسات واللكمات؟ هم
يطلبون ابنه المتخلف عن خدمة
العلم وهو يقدم لهم الوثائق بأن
ابنه خدمها وأنهاها ويتطور
الجدل لأنه لم يحترم إرادتهم (الخاطئة)
فتكون النهاية القاتلة!
ومحمد علي رحمون الذي
اعتقلته مخابرات القوى الجوية
على خلفية ارتفاع ضريبة مكان
عمله، وسلمت جثته لأهله خلال
ساعات على اعتقاله مكسر الأسنان
منزوع الأظافر مهشم الرأس.
لماذا؟ لأنه شتم الحكومة في
ثورة انفعاله من إجراءات تعسفية.
جغرافية الضحايا مهمة وذات
مغزى، فهذا من دمشق والآخر من
حمص والثالث من حلب. وهذا عربي
وذاك كردي. هذه
الأمثلة العابرة لأعداد تستعصي
على الحصر تختطف من البيوت
ومقار العمل والشوارع وتختفي
لتظهر من جديد جثثاً لا حراك
فيها. هل أصبح المواطن في بلدنا
مشروع جثة هامدة لأجهزة
المخابرات والأمن! وهل ما حدث في
العام المنصرم ليوسف الجبولي
ومحمد أمين الشوا وأحمد موسى
الشقيفي وياسر السقا وعبد
الغفور عبد الباقي يمكن أن يحدث
لأي مواطن! ببساطة الصلاحيات
واسعة والأجهزة عديدة ومتنافسة
والحالة من سئ إلى أسوأ
والمواطن لا قيمة له. يقودنا
ممارسة هذا النوع من التعذيب
إلى حقيقة كررتها منظمات حقوق
الإنسان المحلية والعالمية وهي
أن السلطة في بلدنا تستخدم
التعذيب بصورة روتينية ونظامية
وعلى كل المستويات وليس هناك
مساءلة لعناصر وضباط الشرطة
والمخابرات مهما تكن النتائج.
بل هناك في لوائح تنظيم عمل هذه
الأجهزة "ما يحميهم إذا
ارتكبوا هذه الجرائم أثناء
تأديتهم لواجباتهم الوظيفية".
وبالتالي فالفقرة الثالثة من
المادة الثامنة والعشرين من
الدستور السوري التي تنص على
أنه: "لا يجوز تعذيب أحد
جسدياً أو معنوياً أو معاملته
معاملة مهينة ويحدد القانون
عقاب من يفعل ذلك" فقرة معطلة
ومغيبة أثناء الممارسة الفعلية
لمباشرة هذه الأجهزة لأعمالها.
وينطبق نفس التعطيل على الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان الذي
وقعت عليه سورية والذي تنص
مادته الخامسة على أنه
: "لايعرض أي إنسان
للتعذيب ولا للعقوبات أو
المعاملات القاسية أو الوحشية
أو الحاطة بالكرامة". الحديث
في هذين المقامين عن حظر
التعذيب ليس أكثر من عبث ولغو
كلام لأجهزة المخابرات التي لا
تلقي بالاً لمثل هذه القواعد
والنظم، فكيف إذا تحدثنا عن
التعذيب القاتل. وهذا يدل دلالة
قاطعة أن الأجهزة الأمنية
والمخابرات السورية تعدم في
تأهيلها وتدريبها الحد الأدنى
من حقوق الإنسان ثقافة وممارسة. تعمد
السلطات الأمنية السورية إلى
التكتم أحياناً وتستخدم
صلاحياتها في إرهاب أسرة الضحية
بأن لا يكشفوا عن موته وأن لا
يقيموا له مجلس تعزية وغالباً
ما يتم دفن الضحية سريعاً تحت
أعينهم بدون دعوة مشيعين وبرفض
السماح بالكشف عن جثمانه حتى لا
تظهر عليه آثار التعذيب، وفي
أحيان أخرى تزعم أنه أصيب بنوبة
قلبية عاجلته، وفي حالات موثقة
أجبرت السلطات أسرة المتوفى على
توقيع وثائق باستلام الميت حياً
سالماً من أي أذى! وقد نقل عن أسر
بعض المعتقلين أن السلطات
أخبرتهم بأن "المتوفى" قتل
في العراق أو في لبنان أو في
مكان آخر بينما اعتقل قبل فترة
من قبلها ، فهل كلفته بمهمة هناك
وأخرجته من السجن ثم استلمته
جثة هامدة، أم أن الأمر لا يعدو
أكثر من (عصة القبر فوق الموتة)
لذوي الضحية الذين لا حول ولا
قوة لهم سوى تدافع مشاعر الحب
والتعاطف مع قريبهم الغالي (ضحية
التعذيب القاتل) والخوف من (غول
المخابرات) الذي لا يتعاطف ولا
يرحم. كتب لي
أحد المدافعين عن سلوك السلطة
معلقاً على تقرير العام الماضي
للجنة السورية لحقوق الإنسان:
"إن موت عشرة أو عشرين
مواطناً تحت التعذيب على امتداد
عام لا
يشكل ظاهرة مقلقة". وقال: "إن
بعض مثيري الشغب لا بد من
إخراسهم مرة واحدة ولا بد من
تلقين طويلي اللسان درساً
بليغاً". وبالتالي فهذه "الحوادث
المنفردة – حسب زعمه- مفيدة
للمجتمع وضرورية لضبط حركة
ذراته المتناقضة"! فهل هذا
منطق السلطة؟ تطويع المواطنين
لإرادتها القسرية وإدماجهم
بالعنف واستخدام كل الأساليب
المتاحة ضدهم. ليس
السؤال عن عدد الذين يموتون
تحت التعذيب في مراكز
التوقيف والاستجواب والتحقيق،
بل عن مبدأ مباشرة التعذيب
وسبب هذه الممارسة المتوحشة ضد
الموقوفين على خلفية التعبير عن
الرأي أو المعارضة السياسية أو
حتى (النرفزة العابرة). هل
ممارسة التعذيب من أي نوع مبرر؟
وهل ممارسة التعذيب المفضي إلى
الموت مسموح به؟ بل كيف تبرر
السلطة لنفسها إزهاق أرواح
مواطنين سواء كان ذلك لشبهة أو
جناية المعارضة؟ وما موقف الشعب
السوري ومنظمات المجتمع المدني
فيه من حوادث الموت تحت
التعذيب؟ هل
أحكامها انتقائية أو مسيسة أو
طرفية أو وطنية عامة؟ وأين موقف
منظمة الأمم المتحدة بالذات
وفرقها المختصة من هذه
الممارسة؟ لن اتحدث عن موقف
غيرها لأن في تقارير بعضها
ومواقفها تسييس ومتاجرة لأغراض
شتى في كثير من الأحيان. ولا اود
أن ألتفت عن الموضوع لضرب أمثلة
تقوي وجهة نظري وتدعمه. خلاصة
الأمر أن التعذيب مبدأ مرفوض
قانونياً وإنسانياً وعرفاً،
لكن السلطة تقدم عليه لحماية
مواقفها الضعيفة من مصادرة
الحريات، وعجزها عن القيام
بواجباتها بصون حرية الفرد
وكرامته وصون الوطن وبيضته
والتفاتها إلى المصالح الفردية
والفئوية على حساب أمن المجتمع
ومصلحته. يشترك في جريمة
التعذيب حتى الموت الذي تمارسه
السلطة كل ساكت عن رفض هذه
الجريمة وإدانتها، كل حسب
مسؤوليته وموقعه. المواطنون
ومنظمات المجتمع المدني
ومنظمات حقوق الإنسان والأحزاب
السياسية والجمعيات الدينية
والأهلية إن لم تستنكر هذه
الجريمة وترفضها فسوف يكون لها
منها نصيب، وإن استنكرتها
ورفضتها فربما يعاني بعض
أفرادها ولكن لمصلحة حسم هذه
الجريمة والخلاص منها. الاعتماد
على الجهات الخارجية والأمم
المتحدة لتنتصر لنا يعني انتظار
الرياح واتجاه هبوبها، وفي كل
الأحوال ستكون خلاف مصلحة الوطن
وساكنيه، والتعويل عليها وعلى
أمثالها يعني ارتهان البلاد
والعباد لنموذج ليس أفضل من
النموذج العراقي البائس. ـــــــ *ناشط
سوري في حقوق الإنسان ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |