ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
العلاقات
الروسية – اليابانية "جزر
الكوريل نموذجا" أ.
محمد بن سعيد الفطيسي
ينظر البعض الى التوتر
الأخير في العلاقات الروسية –
اليابانية على انه خلاف محصور
في قضية جزر الكوريل المتنازع
عليها بين الطرفين منذ وقت طويل
, والتي أعاد إشعال فتيلها من
جديد الزيارة التي قام بها
الرئيس الروسي ديمتري ميدفديف
الى تلك الجزر يوم الاثنين
الموافق 1
/ 11 / 2010 م , وان
كان ذلك صحيحا من جهة ما , فانه
من جهة أخرى يقلل كثيرا من حقيقة
الصراع التاريخي والجيوسياسي
بين القوتين منذ عقود طويلة ,
والتي يمكن إرجاعها الى ما قبل
العام 1786م تقريبا , وبالتالي فان
تحليل الأسباب الحقيقية للتوتر
والخلاف بين قوة عالمية عابرة
للقارات كروسيا , وأخرى مؤهلة
لتكون جزءا من منظومة القوى
القارية والإقليمية خلال العقد
الثالث من القرن الحادي
والعشرين , لابد ان يأخذ منحنى
ابعد بكثير من صراع تكتيكي
محدود حول تلك الجزر .
وبالعودة بشكل مختصر الى
التاريخ نجد أن التوتر في
العلاقات الروسية – اليابانية
يعود على اقل تقدير الى القرن
السابع عشر ميلادي حين وصلت
حدود جغرافيا الإمبراطورية
الروسية الكبرى الى تخوم جزر
الكوريل الجنوبية , ففي عام 1786 م
أصدرت الإمبراطورة يكاتيرينا
الثانية مرسوما ضمت بموجبه جزر
الكوريل للإمبراطورية الروسية ,
وفي العام 1798م
( جاء اليابانيون ليزيلوا
الشواخص الروسية وينصبوا أعمدة
لهم تنص على ان هذه الأرض تعد
ملكية للإمبراطورية اليابانية ,
وقد أنشئت في جزيرة هوكايدو
اليابانية في عام1802
الهيئة الخاصة باستيطان جزر
الكوريل , ومنذ ذلك الحين اكتسبت
عملية التوسع اليابانية طابعا
منتظما , وتقدم المبعوث الروسي
نيقولاي ريازانوف الذي وصل إلى
طوكيو عام 1805 باحتجاج للحكومة
اليابانية بسبب ان كل الأراضي
الواقعة شمالي ماتسماي أو
هوكايدو تعد ملكية للإمبراطور
الروسي , إلا أن اليابانيين لم
يكفوا عن مطامحهم في الجزيرة
وغدت جزيرة ساخالين موضوعا آخر
لادعاءاتهم.
استمر الشد والجذب بين
الطرفين حول تلك الجزر حتى
بداية القرن التاسع عشر , حين
وقعت روسيا مع اليابان اتفاقية
لترسيم الحدود بين البلدين , (
وبعد 20 عاما تنازلت الحكومة
الروسية عن جميع جزر الكوريل
لمصلحة اليابان ، مقابل امتناع
الأخيرة عن المطالبة بسخالين ,
وبعد 30 عاما نشبت حرب بين روسيا
واليابان , ذهب القسم الجنوبي من
سخالين بنتيجتها إلى السيطرة
اليابانية , في إطار الحرب
العالمية الثانية وتحديدا في
سبتمبر من عام 1945م
سيطرت القوات السوفيتية على
سخالين الجنوبية وعلى جزر
الكوريل , وفي عام 1946م
أصدرت رئاسة مجلس السوفيت
الأعلى مرسوما يقضي بضم المناطق
المذكورة إلى أراضي جمهورية
روسيا الفيدرالية الاشتراكية
السوفيتية ) .
إذا فالصراع الروسي –
الياباني هنا , هو صراع جيوسياسي
أولا , بدأ في القرن السابع عشر
ميلادي مع تمدد الإمبراطورية
الروسية نحو ما يعتبره
اليابانيون اليوم جزءا من
الإمبراطورية اليابانية آنذاك ,
كما انه صراع سيكولوجي ثانيا :
كون تلك الصراعات التاريخية
الجيوسياسية تركت وراءها تركة
ثقيلة ومتراكمة من مشاعر الحنق
والغضب المتبادل بين القوتين
منذ ما يقارب القرنين من الزمن ,
كما أننا نعتبره من جهة ثالثة :
صراع إثبات وجود , حيث تنظر
روسيا الى المسالة على أنها
مسالة قومية ووطنية وسيادية
يصعب التنازل أو التخلي عنها ,
وكذلك تنظر إليها الحكومات
اليابانية المتوالية منذ نهاية
الحرب العالمية الثانية وحتى
يومنا هذا .
وقد اتخذ الطرفين خلال
العقود الثلاثة الأخيرة العديد
من الخطوات التي نستطيع ان نطلق
عليها بخطوات " عرض العضلات
" أو " إثبات الحق " , وهو
ما يؤكد نظرتنا سالفة الذكر ,
والتي نؤكد فيها على ان المسالة
هي اكبر بكثير من مجرد نزاع
جغرافي على جزر , وان تلك الجزر
ليست سوى جزء من قائمة طويلة من
التقاطعات والخلافات
الإستراتيجية والتاريخية بين
الدولتين , بينما وجهة النظر
التي نتصورها تشير الى ان
القضية تدور حول مسالة التحولات
الجيوسياسية في النظام العالمي
القادم , فاليابانيون والروس
يتطلعون الى الحصول على اكبر
قدر ممكن من المكانة والقوة
والسيطرة الجغرافية على خارطة
الشطرنج الدولية خلال العقد
الثاني من القرن الحادي
والعشرين , وبتخلي احد الأطراف
عن جزء مما يعد بالنسبة له جزء
من سيادته الوطنية والقومية
والتاريخية والجغرافية , هو نوع
من الاستسلام والرضوخ للقوة
الأخرى .
ولتوضيح تلك النظرة لابد من
رسم بعض الخطوط
والأفكار التحليلية حول
سياق إثبات وجهة النظر سالفة
الذكر , حيث انه وعلى سبيل
المثال لا الحصر وفي نهاية
العام 2009م , وبداية العام الحالي
2010م انتصر
في اليابان الحزب الديمقراطي
الذي كان معارضا خلال الأعوام
الثلاثين الماضية , والذي اعتمد
في شعاراته السياسية على فكرة
استعادة الأراضي الشمالية – أي
- جزر الكوريل ، وأصبح هذا
المبدأ أساسا في السياسة
الخارجية لهذا الحزب , كما قام
الحزب الديمقراطي الحاكم
حاليا بتمرير مشروع قانون
الأراضي الشمالية , وهو أول
وثيقة رسمية في البرلمان
الياباني تنص على أن جزر
الكوريل تُعد جزءا لا يتجزأ من
الأراضي اليابانية .
كما يشير سيرغي لوزيانين
نائب مدير معهد الشرق الأقصى
التابع لأكاديمية العلوم
الروسية الى (أن هناك سببا آخر
يتعلق بتعزيز مواقف اليابان
الدولية خلال السنوات الخمس
الأخيرة , ففور وصوله إلى السلطة
– أي -
الحزب الديمقراطي الحاكم ,
بدا بالتحدث عن إعادة النظر في
السياسة الخارجية اليابانية ,
وعن توسيع استقلال اليابان ،
وطالب بسحب القواعد العسكرية
الأمريكية ، وبالعضوية الدائمة
في مجلس الأمن الدولي ، وبدأت
إدانة الدول النووية بما فيها
كوريا الشمالية ) , هذا بخلاف
الموارد الطبيعية والموقع
الاستراتيجي للجزر , والتي تنظر
إليها اليابان على أنها جزء من
اقتصادها السيادي.
من جهة أخرى وفي ظل هذه
الظروف كذلك لا تستطيع روسيا
بصفتها دولة عظمى إهمال مشروع
كمشروع قانون الأراضي الشمالية
الذي أعلنه الحزب الياباني
الحاكم كشعار سياسي وانتخابي له
, لذلك اعتبرته – أي – روسيا
بمثابة إعلان حرب عليها , أو غض
الطرف عن تلك الشعارات السياسية
ذات الطابع التوسعي
والإمبراطوري التاريخي , أو
تجاهل الطموح والنزعة
اليابانية الى ان تكون قوة
أسيوية إقليمية وربما عالمية
بعد ذلك على حساب المصالح
وجغرافية الإمبراطورية الروسية
, كما أن تلك الجزر هي منطقة هامة
استراتيجيا وعسكريا لأمن روسيا
الاتحادية , وتعد إحدى القواعد
الإستراتيجية العسكرية
للغواصات والأسطول الروسي ,
وتقديم هذه الأراضي إلى اليابان
قد يعني تقويض للأمن الوطني
الروسي.
ونتصور شخصيا ان هذا الأمر
– أي – زيارة الرئيس الروسي
ميدفديف الى تلك الجزر يعد
بمثابة توجيه
رسالة سياسية مباشرة وقوية
لليابان والحزب الحاكم , لسان
حالها يقول : انتبهوا أيها
اليابانيون, فانتم أمام الدب
الروسي , كما أننا نعتقد ان
اختيار الزمن الذي حدثت فيه هذه
الزيارة هو وقت مخطط له بدقة
ودهاء سياسي وبشكل مسبق , - ونقصد
– ان هذه الزيارة حدثت بعد حضور
الرئيس الروسي ميدفديف قمة
روسيا- آسيان في هانوي بفيتنام ,
وهو ما يمكن ان تعتبره روسيا
دوليا عذرا دبلوماسيا يساعدها
على تخفيف حدة أعراض الزيارة
الجانبية .
وتأتي هذه الزيارة اللافتة
، وهي الأولى لرئيس روسي منذ
العام 1945م لتلك الجزر ، قبل قمة
مقرر انعقادها لمنتدى التعاون
الاقتصادي في آسيا والمحيط
الهادي (آبك) باليابان في 13 و14 من
الشهر الجاري بحضور زعماء
المجموعة التي تتألف من 21 دولة ,
ونقلت وكالة كيودو اليابانية
للأنباء عن وزير الخارجية
الياباني سيجي مايهارا قوله : إن
بلاده أوضحت لموسكو موقفها بأن
"الأراضي الشمالية أراض
يابانية " ، وطالبها بالتصرف
على هذا الأساس , وكان مايهارا
يتحدث خلال اجتماع مع السفير
الياباني لدى موسكو ماساهارو
كونو الذي استدعي مؤقتا إلى
بلاده للتشاور معه عقب زيارة
الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف
لإحدى الجزر الأربع المتنازع
عليها والمعروفة باسم جزر
الكوريل في روسيا والأراضي
الشمالية باليابان , وجاء
التحذير الياباني بعدما قالت
روسيا إن ميدفيديف يعتزم القيام
بزيارات أخرى للجزر، مما عمق
خلافا كبيرا مع طوكيو.
من جهتها , سارعت روسيا إلى
رفض التحذير الياباني ، وقالت
على لسان وزير خارجيتها سيرغي
لافروف للصحفيين في موسكو إن
بلاه ليست بحاجة إلى أي نصيحة في
هذه المسألة، معتبرا أن الجزر
المتنازع عليها أرض روسية ، وأن
الرئيس لا يأخذ النصيحة من أحد
حينما يقرر أيا من المناطق
الروسية سيزور , وقال لافروف إنه
لا يرى وجود علاقة بين ما يفعله
الرئيس في الداخل وبين جولته
الخارجية ، مشيرا إلى صدفة
تزامن توقيت الزيارة المحتملة
مع الجولة التي سيقوم بها
الرئيس ميدفيديف لعدد من دول
المنطقة .
و- من وجهة نظرنا الشخصية –
فان اقرب السيناريوهات
المطروحة لنهاية هذا الملف , هو
في ان تستمر اليابان في تصعيد
لهجة اتهاماتها الى روسيا حول
هذه الجزر , وهو ما سيؤدي
بالتدرج الى إضعاف العلاقات
السياسية والاقتصادية بينهما ,
وفي أسوأ الظروف والاحتمالات
الممكنة سيتم قطع العلاقات
الدبلوماسية , إنما ذلك لن يؤدي
الى نشوب صراع إقليمي أو حرب
محتملة بين الطرفين على المدى
القصير على اقل تقدير , ومع بعض
التدخلات الدبلوماسية الخارجية
سيتم لاحقا عودة الطرفين الى
نقطة الصفر وتجميد القضية , على
ان ذلك لن يكون حائلا دون احتدام
الصراع بين القوتين حول العديد
من القضايا السياسية
والجيوسياسية التي قد تؤدي
مستقبلا بهما الى المواجهة
والحرب على المدى المتوسط . ـــــــ *باحث
في الشؤون السياسية
والعلاقات الدولية
, رئيس تحرير صحيفة السياسي
التابعة للمعهد العربي للبحوث
والدراسات الإستراتيجية ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |