ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الإمام
الذهبي (673
– 748هـ = 1274 – 1348م) محمد
عادل فارس هو
الإمام شمس الدين أبو عبد الله
محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز
الذهبي، الحافظ المحدّث المؤرخ
المحقق. تركماني الأصل، كما يدل
عليه اسم جد أبيه قايماز، من أهل
ميا فارقين. ولد
بدمشق في شهر ربيع الآخر سنة 673هـ
من أبوين كريمين متوسطي الحال،
وهما للثراء أقرب. فوالده شهاب
الدين أحمد كان بارعاً بصنعة
الذهب المدقوق التي تدر عليه
مالاً وفيراً حتى أصبح من ذوي
الغنى واليسار، وأمّه ابنة علم
الدين أبي بكر سنجر بن عبد الله
المعروف بغناه، كان مديراً
للمناشير بديوان الجيش. رحل إلى
القاهرة، وطاف كثيراً من
البلدان، وكُفّ بصره حين أصبح
شيخاً في الثمانية والستين. طلبه
العلم: في كنف
هذه الأسرة الصالحة المتعلّمة
تربّى شمس الدين الذهبي، فطلب
العلم في الصغر فدُفِع إلى أفضل
المؤدبين، وأخْبَرِهِم بتعليم
الصبيان، علاء الدين علي بن
محمد المعروف بالبصبص، فأقام في
مكتبه أربع سنين، ثم انتقل إلى
شيخه مسعود بن عبد الله الصالحي
فلقّنه القرآن وقرأ عليه أربعين
خَتمة، ثم أخذ بمجالسة الشيوخ
والسماع منهم، وكان جُلُّ
اهتمامه ابتداءً بالقرآن
الكريم والسنة المطهّرة، فحفظ
القرآن الكريم بقراءاته
المتواترة، وشَرَعَ بالتلقي عن
شيخ القرّاء بدمشق جمالِ الدين
إبراهيمَ بن داودَ، المعروفِ
بالفاضلي، ولكنْ توفّي الشيخُ
ولما يُتِمَّ (الذهبي) جميعَ
القراءات السبع عليه، وكان في
الوقت نفسِه يتلقى على مقرئ
دمشق أبي إسحاق إبراهيمَ بنِ
غالي، فقرأ عليه ختمةً جامعةً
للقراءاتِ السبع. ولم
يتجاوز العشرين عاماً حتى أصبح
متقناً عارفاً للقراءات
المتواترة، أصولِها ومسائِلها،
فألّف (المقدمةَ في التجويد). وتنازل
له شيخه شمسُ الدين محمدُ بن
عبدِ العزيز الدمياطي ثم
الدمشقي، عن حَلْقته في الجامع
الأموي، أوائلَ سنة 693هـ، فكان
أوَّلَ منصب علمي يتولاه الذهبي
رحمه الله. وبمثل
شَغَفِهِ بالقرآن الكريم كان
اهتمامه بالسنة النبوية، فقد
أمضى جُلَّ عُمُره في هذا
العلم، فقرأ وسمع وأخذ عن كل من
لَقِيَه من أهل العلم. بيئته: عاش
الذهبي في عصر كانت دمشقُ
تَعِجُّ فيه بالمدارسِ التي
أصبحت مركَزَ إشعاع يغيّر
الحياة الفكرية، فأدّت دورها في
خدمة الأمة، حيث تعاضد الحكام
والعلماء والموسرون على
إحيائها، وكان لهذه المدارس
دورٌ في إذكاء النزاعات
المذهبية حَسَبَ شيوخ كل مدرسة،
وآرائهم الفقهية، ومذاهبهم
العَقَدِيّة، فولّدت نشاطاً
علمياً برز في المحاورات
والمناقشات والمؤلفات في ذلك
العصر. وكان من أبرز شيوخها
أحمدُ بنُ تيمية (661 – 728هـ)
وعَلَمُ الدين القاسمُ بنُ
محمدٍ البرزالي (665 – 739هـ)
والحافظ المِزّي (654 – 742هـ)
والحافظ الإمام ابن كثير
الدمشقي (700 – 774هـ)، فَوَثَّق
الذهبي صلته بهم فكانوا له
شيوخاً وأقراناً أثّروا به
علماً وسلوكاً، وأثنى عليهم في
تراجمه لهم ثناءً عطراً. اهتمامه
بعلم الرجال والتاريخ: اهتم
بالسيرة والتاريخ والمغازي
وتراجم الرجال، حتى برع فيها،
فاختَصَرَ من أمهات الكتب ما
يزيد على الخمسين كتاباً في شتى
العلوم، إلا أن عنايته بالسنة
النبوية جعلت منه محدّثاً
حافظاً يُرجَع إلى قوله،
ويُعتدُّ بحُكْمه، جمع بين
الرواية والدراية، فكان يجرّح
ويعدّل ويعلّل ويستنبط حتى قيل
فيه: محدث عصره، كما عُدّ مع
المزّي مؤرّخَيْ القرن الثامن
الهجري. مكانته لقد بلغ
الذهبي درجة تمنّاها أئمة
أعلامٌ من بعده، فقد نُقِلَ أن
ابن حجر العسقلاني (ت: 852هـ) شرب
ماء زمزم سائلاً المولى جلّ
وعلا أن يَصِل إلى مرتبة الذهبي
في الحفظ والفطنة!. وبلغ من
مكانته في نقد الحديث وتمحيص
درجاته أن الإمام أبا عبد الله
الحاكم النيسابوري (ت: 405هـ) كان
قد ألّف كتاباً سمّاه "المستدرك"
وفيه يذكر الأحاديث النبوية
التي يرى أنها صحيحة وفق شروط
الإمام البخاري، أو شروط الإمام
مسلم، أو شروطهما معاً... بمعنى
أنه يقول: لو أن الإمامين
البخاري ومسلماً طبّقا شروطهما
على هذه الأحاديث لوضعاها في
صحيحهما!. وجاء
علماء آخرون فرأوا أن الإمام
الحاكم قد توسّع في تطبيق هذه
الشروط، وحكم على أحاديث
بالصحة، وهي ليست كذلك. لكن
الإمام الذهبي تتبع، الأحاديث
التي ذكرها الحاكم في "مستدركه"،
واحداً واحداً، فوافقه على
بعضها، ولم يوافقه على بعضها.
وقد كان قول الذهبي كالقول
الفصل، فصار المحققون يقولون:
صححه الحاكم، ووافقه الذهبي!.
فتكون هذه الموافقة شهادة على
سلامة الحكم الذي أصدره الحاكم،
فيما وافقه. وكان
شيخنا عبد الفتاح أبو غدة ينقل
قول بعض النقاد عن الإمام
الذهبي أنه لو وقف فوق قنطرة،
ومرّ أمامه أبناء آدم منذ ولد
آدم حتى عصره هو، لقال لك عن كل
منهم: هذا فلان بن فلان، ويمتاز
بكذا وكذا. وهذا القول وإن جرى
مجرى المبالغة لكنه يعني أن
علمه بالرجال قد بلغ شأواً
عظيماً. أعماله
وآثاره العلمية: تولّى
الذهبي الإقراء والتدريس وهو
شاب في مقتبل العمر، كما تولّى
الخطابة بمسجد كَفَربَطْنا
بغوطة دمشق. وفي سنة (718هـ) توفّي
أحمدُ بن محمد الوائلي شيخُ دار
الحديث بقرية أم الصالح، فكان
الذهبي خلفاً له، كما تولّى دار
الحديث الظاهرية سنة (729هـ)
خلفاً لشيخها شهابِ الدين أحمدَ
ابنِ جَهْبَل، ولما توفي شيخه
ورفيقه علَمُ الدين البرزالي
سنة (739هـ) تولّى مكانه في تدريس
الحديث في المدرسة النفيسية
وإمامتها. ولما
انتهتْ عِمارةُ دارِ القرآن
والحديث التِنْكِزِيّة سنة (739هـ)
تولّى مشيخة الحديث بها، كما
تولّى مشيخةَ دارِ الحديث
الفاضلية، ودار الحديث
العُرَويّة. أما
مؤلفاته فقد جمعها بعض الباحثين
المتخصصين فأوصلها إلى (215)
مؤلفاً، ما بين تصنيف واختصارٍ،
وجمعٍ وتعليقٍ وتخريجٍ،
ورسائلَ في شتى العلوم الشرعية،
المطبوع منها تسع وعشرون
مصنّفاً، وباقيها مخطوط،
عُرِفَ مكانُ وجودِ بعضها في
رفوف المكتبات العالمية،
وبعضُها لا يزال مدفوناً لم
يُعْثَر إلا على اسمه، أما
المطبوع منها فهي أعظم من أن
يشار إلى مكانتها في فَنّها، كـ"تذكرة
الحُفّاظ"، و"دول الإسلام"
و"المشتبه في الأسماء
والأنساب" و"تهذيب تهذيب
الكمال" و"المستدرك على
مستدرك الحاكم" و"سِيَر
أعلام النبلاء"، و"ميزان
الاعتدال". توفي
الشيخ رحمه الله قَبْل منتصف
ليلة الإثنين الثالث من ذي
القَعْدة سنةَ (748هـ)
ودفن في مقابر باب الصغير
بدمشق، وصلى عليه جمع غفير، في
مقدمتهم تلاميذه الأعلام
كالصفدي والسبكي... رحمه
الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح
جناته. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |