ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
التزوير الإعلامي الإسباني .. حين
تنتهك حرمة السلطة الرابعة بقلم:
د. إدريس جندا ري*
عادة ما تطلع علينا خطب
رنانة عصماء؛ في الخطاب
الإعلامي الغربي؛ حول حرية
الإعلام؛ و حول مصداقيته؛
باعتباره سلطة رابعة؛ تحضر في
تكافؤ مع السلطات (التشريعية و
التنفيذية و القضائية).
لكن الكثير من الأحداث
الجارية؛ تؤكد بالملموس زيف هذه
الادعاءات؛ و خصوصا حينما يتعلق
الأمر بالقضايا العربية-الإسلامية
العادلة؛ حيث تغيب المصداقية و
تغيب أخلاقيات المهنة؛ و تتحول
السلطة الرابعة إلى وزارة دفاع؛
تطلق الصواريخ في جميع
الاتجاهات؛ و بشكل عشوائي؛ بل و
تفجر في الكثير من الأحيان
عبوات ناسف؛ على طريقة إيتا
الباسكية و منظمة القاعدة.
و لنا في المقاربة
الإعلامية الغربية؛ للأحداث
الجارية في العراق و فلسطين و
أفغانستان و اليمن و المغرب...
خير نموذج؛ حيث يتحول الصحافيون
إلى مخبرين؛ و تتحول وكالات
الأنباء إلى وكالات
للاستخبارات؛ تسعى إلى توجيه
الرأي العام؛ في اتجاه الأجندة
التي ترسمها اللوبيات
الاقتصادية و السياسية.
مناسبة هذا الحديث؛ ترتبط
بما يجري الآن في إسبانيا؛ من
مذابح رهيبة في حق السلطة
الرابعة؛ و التي يدعي جيراننا
الأسبان؛ أنهم سادتها الذين
أرسوا دعائمها؛ عبر نضالاتهم؛
ضد نظام فرانكو؛ و ضد إرهاب
منظمة إيتا الباسكية . لكن سرعان
ما تنفضح هذه الادعاءات في ساحة
الأحداث؛ و بشكل بشع يدعو إلى
التقزز و القرف.
عملت الصحف و القنوات
التلفزيونية الإسبانية؛ على
تغطية الأحداث الجارية في مدينة
العيون المغربية. و لعل المتابع
لما تنشره و تبثه وسائل الإعلام
هاته؛ ليظن منذ البداية؛ أنه
يتابع نشرات وكالات المخابرات و
ليس وكالات الأنباء .
و لعل ما أفاض الكأس؛ و رسم
صورة بشعة لوسائل الإعلام
الإسبانية؛ هو إقدام الإعلام
المكتوب و المرئي؛ على ممارسة
التزوير و الكذب الذي يجرمه
القانون. فقد نشرت صحف إسبانية؛
و على نطاق واسع صورة لطفل
فلسطيني؛ أصابه رصاص الإجرام
الصهيوني؛ و تم ربط هذه الصورة
بأحداث مدينة العيون؛ وذلك
لاتهام المغرب بممارسة الإبادة
في حق أطفاله من الصحراويين
المغاربة .
و بشكل متزامن و ممنهج؛ بثت
قناة إسبانية صورة مفبركة؛
لجريمة قتل وقعت في مدينة الدار
البيضاء؛ حيث أقدم مختل عقليا
على قتل أربعة من أفراد عائلته؛
وقد بثت القناة الإسبانية هذه
الصورة بكونها ترتبط بأحداث
العيون .
و في كلا الحالتين حضرت
الصورة؛ كما حضر التعليق و حضر
التحليل الصحفي... لكن كل هذا حضر
في سياق مختلف؛ ينافي كل أدبيات
مهنة الصحافة؛ بل و ينافي كذلك
كل أخلاقيات المجتمعات
المتحضرة التي تحترم نفسها.
و كأننا بجيراننا الإسبان؛
قد أصابهم السعار؛ و اختلط
عليهم الحابل بالنابل؛ و تحولوا
إلى ممارسة النصب و الاحتيال؛
لإقناع الرأي العام الإسباني و
العالمي؛ و بكل الوسائل
المزورة؛ أن المغرب قد مارس
جرائم حرب (موهومة) لا وجود لها
على أرض الواقع؛ إلا في مخيلة و
كالات أنباء؛ تدعي زورا أنها
تمارس مهنة المتاعب و الضمير
الحي اليقظ .
إننا على وعي تام بأن
المجتمع المدني الإسباني؛ و معه
وسائل الإعلام؛ تخدم أجندة
الدولة الإسبانية؛ التي تقود
حربا بالوكالة على المغرب. و في
أتون هذه الحرب القذرة؛ عادة ما
يروج جيراننا الإسبان أنهم
يمتلكون صحافة حرة؛ و يمتلكون
مجتمعا مدنيا قويا؛ و هذا ما
يفرض نفسه بقوة –حسب رأيهم-
داخليا و خارجيا. لكن دعنا نكون
صرحاء؛ هل الحرية تعني تزوير
الحقائق؟ و هل هناك صحافة لا
تخدم أجندة سياسية و اقتصادية؛
سواء أكانت مكشوفة أم خفية ؟
هل سيقبل جيراننا الإسبان
أن تنشر مثلا صحفنا و قنواتنا
الوطنية؛ صورا مزورة؛ تتهم من
خلالها الدولة الإسبانية؛
بممارسة الإبادة في حق الشعب
الإسباني؛ هل كانت ستشفع
أسطوانة حرية الصحافة (المشروخة)
؟ أم إن القضية أكبر من ذلك؛ و
تستدعي تدخل القضاء؛ الذي يجب
أن ينظر في هذه الجرائم
الإعلامية؛ كغيرها من أشكال
التزوير و القرصنة المعروفة؛ في
المجال الإعلامي ؟
لقد تضررت القضايا المغربية
العادلة لوقت طويل؛ من المقاربة
الإعلامية الإسبانية؛ التي
تتعامل مع المغرب دائما؛ كعدو
في ساحة الحرب؛ يجب إطلاق النار
عليه؛ حيث تتوارى إلى الخلف كل
أخلاقيات مهنة الصحافة؛ و تندفع
الغرائز الاستعمارية؛ معبرة عن
حقد دفين؛ قل نظيره في العالم .
و لعل ما يؤكد اعتبارنا هذا؛
هو ذلك الحضور الإعلامي الوازن؛
أثناء محاكمة مجموعة التامك؛ من
انفصاليي الداخل؛ حيث كان
الإعلامي يصطف إلى جنب
الانفصالي؛ و يردد معه نفس
الشعارات؛ التي تعتبر المغرب
مستعمرا و المغاربة معمرين؛ و
ذلك ضدا على أبسط الأدبيات
المتعارف عليها في مجال
الصحافة؛ و على رأسها الموضوعية
و الحيادية في تغطية الأحداث و
نقلها.
و بالإضافة إلى ذلك؛ فإن
الصحافيين الإسبان يحضرون إلى
المدن الصحراوية؛ ليس
باعتبارهم يحملون بطاقة مهنية؛
و لكن باعتبارهم امتدادا لجبهة
البوليساريو؛ حيث يرددون
شعاراتها؛ و قد يتجاوز بعضهم
ذلك؛ لتنفيذ وقفات و اعتصامات؛
في تحد سافر للقانون و لمشاعر
السكان .
هذه مشاهد يومية؛ يعيشها
المغاربة مع الإعلام الإسباني؛
الذي تحول إلى بوق لجبهة
البوليساريو؛ يدافع عن
أطروحتها بعماء غريب؛ من دون
بذل و لو جهد بسيط في فهم و
استيعاب الظاهرة الانفصالية؛ و
هذه وظيفة الإعلام الحقيقي الذي
يحترم نفسه؛ و يحترم المشاهد و
المستمع و القارئ .
إن المغرب و هو يرد بقوة؛
شعبيا و إعلاميا و حكوميا؛ على
هذه المذابح البشعة التي مارسها
الإعلام الإسباني؛ في حق السلطة
الرابعة؛ فهو يسعى إلى تنبيه
الرأي العام الوطني و الإقليمي
و العالمي؛ إلى خطورة المقاربة
الإعلامية التي تتبعها وسائل
الإعلام الإسبانية؛ في مقاربة
قضاياه الوطنية العادلة.
و إذا كانت لوبيات المجتمع
المدني و اللوبيات الإعلامية في
إسبانيا؛ تستعمل قضايانا
كأوراق انتخابية رابحة داخليا؛
تسعى من خلالها إلى إحراج صناع
القرار السياسي؛ لتغيير
سياستهم الخارجية تجاه المغرب؛
بخصوص الكثير من القضايا
العالقة بين الجانبين؛ بدءا
بمدينتي (سبتة و مليلية) و الجزر
المحتلة؛ و مرورا بقضايا أخرى؛
ترتبط بالهجرة و الصيد البحري ...
فإن قمة الوقاحة هي أن تعمد إلى
ممارسة النصب و الاحتيال لتغيير
وجهة الرأي العام الإسباني؛ و
من تم إحراج الحزب الحاكم . و هذا
ما يجب على الحكومة الإسبانية؛
أن تتوقف عنده بحذر كبير؛ لأن
حرية الإعلام في ممارسة سلطته
الرابعة؛ لا تعني بتاتا؛ تزوير
الحقائق و إعلان حرب بالوكالة
على قضايا المغرب العادلة .
و هذا إن كان يضر بقضايا
المغرب العادلة؛ فهو يشوه
الصورة الإعلامية لإسبانيا لدى
الرأي العام العالمي؛ و يفقدها
المصداقية؛ التي تعتبر
الرأسمال الحقيقي الذي يفتخر به
أي خطاب إعلامي احترافي و نزيه .
و هذا التوجه هو الذي يجب أن
يخوضه إعلامنا الوطني؛ مدعوما
بنخبنا الثقافية و السياسية؛ في
ظل تمادي الإعلام الإسباني في
حربه الوقحة ضد قضايانا الوطنية
العادلة؛ و ضد صورة المغرب التي
يلطخها كل يوم في الوحل؛ زورا و
كذبا .
إن توجهنا يجب أن ينصب على
فضح كل أنواع الكذب و التزوير
التي تمارسها وسائل الإعلام
الإسبانية؛ سواء المرئية و
المسموعة منها؛ أو المكتوبة. و
إذا كنا قد كشفنا عن هذه الصور
المزورة؛ التي تروج للأكاذيب
باعتبارها رسائل إعلامية؛ فإن
هذا لا يتجاوز قطعة الثلج التي
تخفي جبل الجليد.
و ذلك لأن الصحف الإسبانية؛
بمختلف توجهاتها و خطوطها
التحريرية؛ قد أدمنت لسنوات
العداء للمغرب؛ و هي تنشر في كل
يوم مقالات و أخبار؛ تفتقد أبسط
شروط الموضوعية و الحياذ و
المنطق العلمي. و هذا هو ما يجب
أن نتوقف عنده بحذر شديد؛ عبر
الكشف عن زيفه؛ باعتماد التحليل
الدقيق؛ و باعتماد المعطيات
الدقيقة؛ و هذا ما يجب أن يتحمله
إعلامنا الوطني؛ المرئي منه و
المسموع و المكتوب؛ كما يجب على
نخبنا السياسية و الثقافية؛ أن
تنخرط في هذه المهمة الوطنية. ــــــــ * كاتب و
باحث أكاديمي مغربي ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |