ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 20/11/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

حتى لا يصبح العيد مجرد مناسبة

أ. محمد بن سعيد الفطيسي

azzammohd@hotmail.com

        عيدٌ , بأيّ حالٍ عـُدتَ يا عيدُ ؟ وأمتنا الإسلامية العظيمة الخالدة تعاني ويلات الحصار والظلم وتكالب الأمم عليها من كل حدب وصوب , وبأيّ حالٍ عـُـدتَ يا عـيــدُ ؟ وجراحنا تزداد اتساعا وعمقا مع الأيام والليالي والسنوات , فهذه فلسطين الحبيبة , أرض الطهر والرسالات , تعيش تحت وطأة الاحتلال الصهيوني الغاشم منذ ما يزيد على نصف قرن , ويمر العيد تلو العيد , وشعبها العربي المناضل يعاني كل أنواع الظلم والامتهان والإرهاب , وقدسها الشريف ومسجدها الأقصى الغالي يدنسه يهود .

          وهذه عراق المجد والحضارة , وأرض الإباء والعروبة والتاريخ , واقع تحت ظلم الاحتلال الصهيو ـ أميركي البغيض , والسلطويين وأطماع الطامعين الحاقدين في ثرواته وخيراته , في وقت يتجرع أبناءه البسطاء كل أشكال الألم والحزن والعذاب والمرارة , فبأيّ حالٍ عـُدتَ يا عـيدُ ؟ وأرض المسلمين تئن من جراح التفرقة والفرقة والانقسام والتجزئة والخلافات , وتموج بها أمواج الخلافات والنزاعات بين أبناء الوطن الواحد , ويزداد رصيد كياناتها المؤهلة للانقسام والتجزئة كل عام.

         فما أجمله من عيد , لو عم السلام والسكينة الكائنات والكون بأسره , وعاش العالم عدالة السماء , وعدل الأديان , وسماحة الأنبياء , وتذوقت هذه الأمة العظيمة , وأبناؤها طعم الاستقرار والأمن والتوحد بعد طول عناء , وما أجمله من عيد , لو وجد العالم الإسلامي والعربي بأسره طريقه إلى الوحدة والاجتماع من جديد , فيحلق كل منا في هذا اليوم , كطائر عاشق في روعة وبهاء سماء الخالق عز وجل , مغردا بأجمل الأناشيد والألحان لهذا الكون والحياة , فرحا بهذا الصباح الرائع الجميل , متشحا بأجمل ثيابه , مهنئا بولادة فجر جديد رائع , يحمل بين أحضانه موسما للابتسامة والسرور , وما أجمل العيد , لو مر علينا جميعا بمعايدة من نحب , واحتضان من لهم في قلوبنا أغلى المشاعر والأحاسيس والعواطف دون ألم وحزن وجراح ودماء.

       فهو فجر للمعايدة واللقاء , وصباح كاسمه تنسى فيه الخلافات والأحزان , وتحطم فيه أسوار الفرقة والتناجش والتحاسد والتباغض والتباعد , ويوم يملأه الحب والسلام والطمأنينة والسكينة , ولحظات تمتد فيها الأيادي بالرحمة والمودة والأخوة إلى جميع المسلمين , فلا مذهبية ولا طائفية ولا نظرة دونية , بل وحدة إسلامية تجمع جميع طوائف المسلمين .

        يقول الخالق عز وجل في محكم كتابه العزيز : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) ( الفتح , 29 ) , ويقول نبي هذه الأمة عليه أفضل الصلاة والسلام :- " لا تباغضوا , ولا تحاسدوا , ولا تدابروا , ولا تقاطعوا , وكونوا عباد الله إخوانا , ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم , حينها فقط سيكون العيد عيدا حقيقيا , أشبه بحديقة غناء يملأ أركانها السرور والمسرات , وأرض تتمنى أن ترتمي في أحضانها الفراشات , وموسم تهفو الإنسانية بأسرها إليه , وتشتاق إلى عودته الأرواح والقلوب , ذلك لكونه عيدا للأمة بأسرها , لا يستثنى منه وطن عن وطن , أو إنسان عن آخر .

       فلأجل هذا الحب الإنساني المتكامل الذي علمنا إياه نبي الرحمة والإنسانية , وهذه الأخوة الإسلامية الرائعة , كان لزاما على كل فرد من أفراد هذه الأمة , وعلى وجه التحديد في مواسم أفراحها , أن يستشعر العيد من خلال معاناة الآخرين , فيهتم لهمومهم , ويتألم لجراحهم , ويحس بمعاناتهم , فلا تأخذه مواسم الأفراح بعيدا عنهم , ولا تجنح به أشرعة السعادة حيث يتناسى جراح هذه الأمة وما يعانيه كل فرد من أفرادها , بل وجب عليه ان يراعي مشاعرهم من خلال هذه المناسبات بالوقوف معهم , ومد يد العون للمحتاجين والضعفاء منهم .

         - ونحن هنا - لا نطالب هذه الأمة بلبس وشاح السواد , أو بالتخلي عن الفرح والسرور في مثل هذه المناسبات الدينية , بل نطالب بالاقتصاد في مشاعرنا , فلا نبالغ بالسرور, ولا نغالي في الأحزان , بل هي الوسطية في كل شئ , كما هو حال هذه الأمة , تقودها أخلاق مبنية على تعاليم الإسلام الخالد , ودين التكافل والرحمة التي لم تستثن أيا من مخلوقات الله في هذا الكون العظيم , أخلاق تعلمتها من أعظم قادة الدنيا , وأكثرهم نبلا ورحمة وشفقة بالعالمين , يقول عزوجل ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) صـدق الله العظيم

(الأنبياء - 107).

        فهو النبي الذي أخرج العالم من ظلام الجاهلية والأنانية , وحررها من قيود النفس وأهوائها وشهواتها , ( حتى إذا خرج الشيطان من نفوسهم , بل خرج حظ نفوسهم من نفوسهم , وأنصفوا من أنفسهم إنصافهم من غيرهم , وأصبحوا في الدنيا رجال الآخرة , وفي اليوم رجال الغد , لا تجزعهم المصيبة , ولا تبطرهم نعمة , ولا يشغلهم فقر , ولا يطغيهم غنى , ولا تلهيهم تجارة , ولا تستخفهم قوة , ولا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا , وأصبحوا للناس القسطاس المستقيم , قوامين بالقسط شهداء لله , ولو على أنفسهم أو الوالدين والأقربين , وطأ لهم أكناف الأرض , وأصبحوا عصمة للبشرية ووقاية للعالم ) .

        وهكذا كانت مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم , ومن بعده الخلفاء الراشدين والتابعين , ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين , ومن سار على نهجهم وسلك سبلهم , شموع يستنار بها في الأخلاق والمعاملات وطريقة قضاء المناسبات , ويستطيع العالم بأسره أن يستشعرها من خلال معالمها الإنسانية وبكل جلاء , يقودها الإيمان الصحيح في الأخلاق والتصرفات , وميول أبنائها وتلاميذها , وذلك من خلال سيرهم وحياتهم وأسلوب عيشهم , وطريقة فرحهم وحزنهم , فهي ثبات أمام المطامع والشهوات , واستهانة بزخارف الدنيا وملذاتها ومظاهرها الخاوية , وعجائب يضرب بها المثل في الانقياد والطاعة والأخوة والتراحم , ولذلك جعلهم الله شهداء على العالمين , يقول عز وجل في محكم كتابه العزيز ( ملة أبيكم إبراهيم , هو سماكم المسلمين من قبل , وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ) ( الحج - 78 ).

        فكان من أعظم ما زرع في نفوس أبناء هذه الأمة , الاهتمام بأمر المسلمين وقضاياهم ومشاكلهم , يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم ( من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ) , كما قال صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد , إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) , وفي الحديث الصحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم , لذا كان لابد أن يكون لنا في هذه الأيام عضة , وتفكر في حال هذه الأمة وما آلت إليه من تراجع وتقهقر بعد سنوات من المجد والعزة واعتلاء هرم القيادة العالمية .

         وأن نستشعر في نفوسنا أوضاع إخوتنا في مشارق الأرض ومغاربها , فلا تلهينا الأفراح والمسرات عن آلامهم وأحزانهم , ولا تشغلنا مواسم السرور عن معاناة الأمة ومصابها الجلل في عدة مواضع من جسدها الخالد , كما هو الحال في أرض الرسالات والطهر فلسطين , وفي أرض العروبة والمجد العراق الحبيب , وما يحدث في لبنان والسودان والصومال والاحواز وسبته ومليلة , وغيرها من دول العالم الإسلامي والعربي وحواضره .

        فكيف ننسى في غمرة أفراحنا بهذا العيد إخوة لنا في فلسطين وهم محرومون من الصلاة في أطهر بقاع الأرض وأشرفها , ونقصد المسجد الأقصى الشريف ؟ أو أن ننسى الآلاف من المعتقلين منهم في سجون الاحتلال الصهيوني الغاشم , أو المشردين واللاجئين خارج أوطانهم في بلاد الغربة , وهم محرومون من الارتماء على تراب وطنهم وثرى أرضهم , أو رؤية أفراد أسرهم وأطفالهم , وكيف ننسى ما يحدث للشعب العراقي العربي المسلم في هذه الأيام التي يفترض أن تكون سعيدة لجميع أبناء هذه الأمة ؟ وهم يدفعون ثمن الحرية وضريبة الشموخ أمام جحافل الغزاة والمحتلين لهذا الوطن العربي العزيز .

         نعم .... يجب ألا ننسى في نشوة أيام العيد كل شبر من أرض مسلمة أو عربية مغتصبة , أو أن نتناسى دموع وآهات كل أم فقدت طفلها الرضيع برصاصة من يد آثمة صهيونية أو أميركية أو غاصبة , أو طفل حرم من حضن أمه وأبيه في هذه الأيام الجميلة , وأن نتذكر كل شهدائنا ومعتقلينا في سجون الغربة والاحتلال , وعشرات الآلاف من المعوقين والجرحى والمرضى , والذين يتطلعون إلى فرحة عيد وموقف مواساة وأمن من جوع أو خوف ؟

        وأخيرا لابد أن نجعل من أعيادنا هذه , مناسبة تقتضي من الأمة أن تعيد حساباتها نحو نفسها , ونحو مهمتها العالمية والكونية , وأن تسترجع قيمتها المعنوية وحاضرها ومستقبلها , وتستذكر التاريخ والحضارة التي صنعتها , كما لابد لأبناء هذه الأمة من التمسك بتعاليم دينهم , وعلى رأسها نبذ الخلافات الطائفية والمذهبية والعرقية , والعودة إلى الوحدة والتوحد تحت راية القرآن وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم , والوقوف معا في مواجهة جميع التحديات والمعضلات التي تعانيها الأمة بأسرها , ابتداء من مشاكلها الداخلية في مختلف مجالات الحياة , إلى ما يحيق بها من أخطار خارجية , يقول تعالى في محكم كتابه العزيز ( وأن هذه أمتكم أمة واحدة , وأنأ ربكم فاعبدون صدق الله العظيم.

ـــــــ

*باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية , رئيس تحرير صحيفة السياسي التابعة للمعهد العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ