ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 23/11/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

قل للمليحة في الخمار الأسود .....

الخطاب الاشهاري و المكر السياسي !!!

بقلم نزهة المكي

قل للمليحة في الخمار الأسود        ماذا فعلت بزاهد متعبد

قد كان شمر للصلاة ثيابه        حتى خطرت له بباب المسجد

ردي عليه صلاته وصيامه         لا تقتليه بحق دين محمد

لقد كانت هذه الابيات و قصة المليحة صاحبة الخمار الاسود هي اول مبادرة اشهارية في تاريخ العرب متكاملة و تستجيب لبنود الدعاية و الاشهار كما وضعها خبراء هذا المجال في العصر الحديث ، فالاعلان او الاشهار هو عملية الترويج لسلعة او فكرة عبر وسائل مختلفة منها الصحف و التلفاز و المذياع و الملصقات بالشوارع و غيرها من الوسائل التي يتعامل معها الجمهور، كما الكلمة و الاسلوب الشيق الذي يصل بالمتلقي لدرجة الافتتان و الاقتناع،  و بالتالي التعامل الايجابي مع السلعة او الفكرة المعروضة ، و هذه العملية لا  تخلوا من المبالغة و الخداع

قبل ظهور هذه الوسائل الحديثة كانت عملية الاشهار تتم في الاماكن العامة التي يتجمهر فيها الناس بشكل يومي ، في دور العبادة كالمساجد و في الاسواق، وعبر المنادي أو المنشد و الراوي او الخطيب و كل هؤلاء لابد ان تتوفر فيهم شروط معينة كحسن الصوت و جهوريته أو ظرف الراوي و بلاغة الخطيب و غيرها من المواهب و الامكانيات التي تجذب المتلقي و تؤثر به

تعتبر قصة المليحة ذات الخمار الاسود و الزاهد المتعبد من ادق و اروع ما صيغ في عالم الدعاية و الاشهار ، فالحكاية لم تكن حقيقية الا من مفبركها او مبدعها ، وهو الشاعر مسكين الدرامي، شاعر من القرن الثاني الهجري اشتهر بشعره في الغزل وقيل ان اسمه ربيعة بن عامر ، انقطع للعبادة و الزهد و ترك الشعر و التسكع في الاسواق ، التقى ذات يوم صديقا له كان يعمل في التجارة يعاني من مشاكل في تسويق سلعته التي كانت عبارة عن اخمره عراقية اقبلت النسوة على كل الوانها الا الاسود منها مما اثر كثيرا على ارباحه ، فصاغ له الشاعر الابيات السابقة و طلب منه ان يوكلها لمن يحسن الغناء كي يصدح بها في اسواق المدينة ، فذاع الخبر و توهمت النسوة ان شاعرنا قد رجع عن زهده بسبب افتتانه بمليحة كانت ترتدي خمارا اسود فتهافتت النسوة على الاخمره السوداء عسى ان تضفي عليهن من الجمال و الحسن ما يفتن الناظرين و يجلب لهن الحظ و السعادة ,

هذا الغرض و هذه النتيجة هي ما تود وكالات الاشهار بلوغه مع المتلقي، وهي تروج لبضائعها كي يزيد عليها الطلب ، فلا نكاد نجد اعلانا يقتصر على عرض السلعة بما تحتويه من مكونات و طريقة استعمالها، بل ان خبراء الاعلان و الاشهار يبدعون بوضع واقتراح الظروف المناسبة لاستعمالها، و يبالغون في الترويج لمنافعها، وهم يروجون في نفس الوقت لافكار و ثقافات مرتبطة بسلعتهم و بضاعتهم، فمن يدخن سيجارة من نوع " ما " هو انسان يشعر بالثقة اكثر بنفسه، فهي سيجارة رجل الاعمال الناجح او الرجل صاحب المزاج العالي او الرجل الانيق و صاحب الذوق الرفيع ، و من تستعمل صابون "كذا" او مسحوق " ما " فانها تعرف من الاستقرار العائلي و السعادة الزوجية اكثر من غيرها ، وهكذا فكل سلعة هي مصحوبة بعدد من الافكار و الثقافات تؤثر بشكل قوي على السلوكيات . 

 الاعلان إذن و الاشهار يساهم كثيرا في  تشكيل الذوق العام و الراي العام و التاثير على الامزجة ، و السلوكيات و إخضاع الجماهير لاتجاه فكري معين .

في البداية كانت عملية الاشهار تعنى اكثر من الترويج للسلع و الرفع من مستوى الاستهلاك، اما الان فقد اصبح هاجسها الاول الترويج للافكار و السياسات ، فالسلع نفسها التي كانت الهدف اصبحت وسيلة تستخدم للترويج للمصالح السياسية  حتى اصبح الاقتصاد جزء من السياسة او كلاهما متداخلان و لا فصل بينهما، ففي المؤتمرات و المنتديات الاقتصادية الكبرى تحدد اهم السياسات و تناقش اهم المعضلات السياسية التي تحدد مصير الكثير من الشعوب كالقضية الفلسطينية التي شهدنا لها في السنة الماضية ذلك العرض الفاضح و المساومة الرخيصة بين مؤتمري قطر الاقتصادي و نظيره الكويتي و قبلهما مزاد شرم الشيخ المنبثق عن سوق دافوس للتجارة السياسية الكبرى 

في عشرينيات هذا القرن و بعد اكتمال المنظومة الاعلانية بادواتها الفتاكة من سينما و مذياع و  ملصقات اشهارية و تحولها الى اداة قادرة على اقناع و اخضاع المتلقي، أمرت السيدة اكيلر وهي موظفة سامية في الحكومة الفيديرالية الامريكية من رجال الاعمال الامريكيين و ارباب وكالات الاشهار ربط مصالحهم و بضائعهم بالقيم و المؤسسات الامريكية والتناغم  بين المصالح المالية والتجارية من جهة وبين المصالح القومية للبلاد من جهة اخرى ، فالظرف كان يشهد تدفق اليد العاملة و المهاجرين الجدد للاراضي الامريكية من جنسيات و اجناس متعددة بهدف البحث عن فرص عمل و تكوين ثروات، لذا فالمصلحة تقتضي ادماج هؤلاء الوافدين و جعلهم يتشبعون بثقافة البلاد لتكوين مجتمع متجانس تسيطر عليه المفاهيم و العادات و السلوكيات الامريكية

الا ان هذا الامر لم يعد يقتصر على الداخل الامريكي، بل اصبح الاشهار و الاعلان يمد نفوذه خارج البلاد، فالترويج  للبضائع و السلع، صار يعني التروج للثقافة الامريكية و للنموذج الراسمالي، مما مهد لغزوات استعمارية واسعة النطاق و رغم ان الامريكيين كانوا احسن و ابرع من وظف الاشهار و الاعلان لمصالحهم السياسية، الا ا ن اول من وضع اسس النوع من الاعلان و الاشهار هو "جوزيف گوبلز" أحد أقطاب النظام النازي الذي يعتبر أول من جعل من الدعاية السياسية علم وفن في آن واحد. فقد سخر لها عددا من السينمائيين والصحفيين و المثقفين و مختصين في علوم الاتصال و التواصل وآخرون في علم نفس الجماهير (La psychologie des foules) . كل ذلك لتطويع الشعب و اخضاعه للسياسة التي تختارها حكومته،  و قد كان يردد في هذا الاطار : " ليس هناك أمر أسهل من قيادة الشعب إلى حيث نريد، يكفيني أن أنظم حملة إشهارية تبهره وسوف يسقط في الفخ !!! "

من هنا تتضح خطورة الاعلان و الاشهار في المجال السياسي، فقد تراجعت معه الافكار و القيم والمبادئ و الاخلاق لصالح قوة الالوان و الشعارات الجذابة و ما يرصد لها من امكانيات و اعتمادات مالية هائلة، لذلك اضحت السلطة بيد الاكثر مالا و الاكثر دهاء ، دهالقة المكر و الخداع، مَن لهم القدرة على قيادة   شعوبا باكملها نحو الفخاخ المنصوبة بدل قيادتهم للحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة و التقدم و الرقي ..

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ