ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
إسرائيل
و"دفرسوار" الاتصالات
اللبنانية عريب
الرنتاوي إن
قُدّر لأحد أن يكتب عن "حروب
الجاسوسية" في المنطقة
وحولها، فإن لبنان بلا شك،
سيحتل المساحة الأوسع في كتب
التاريخ والسير والمذكرات،
فعلى أرضه وأجوائه ومياهه
وفضائه، تدور أشرس معارك
الجاسوسية الإقليمية والدولية،
بعد أن تحوّل البلد الصغير، إلى
محطة ومنصة، تتقاطع فيها
وحولها، مختلف الأجهزة
الاستخبارية العالمية. أمس
أنبأنا وزير الاتصالات
اللبناني بتفاصيل
"الاجتياح" الإسرائيلي
لشبكات الاتصالات اللبنانية،
الأرضية والخليوية، ونجاح
أجهزة المخابرات الإسرائيلية
في التحكم بهذه الشبكة، وبصورة
مثيرة للهلع، فالمسألة لم تعد
مسألة "تنصت غبي" على
المكالمات الهاتفية، بل تحكمٌ
بها، وتفخيخها ببرامج وشرائح
تجعلها مطواعة، وخاضعة للتحكم
عن بعد، ومن غرف الموساد
وأقبيتها السوداء، فيما يشبه
"الدفرسوار" اللبناني،
ولكن عبر أسلاك الهواتف وأثيرها
وتردداتها. أخبرنا
الوزير اللبناني، ومعه رئيس
اللجنة النيابية المختصة،
وفريق من الخبراء والتقنيين
والصحفيين، بأن إسرائيل اخترقت
المقاومة عبر أجهزة الاتصالات،
وأن سلاح الجو كان بمقدوره أن
يصل لهدفه بعد ثوانٍ من رفع
سماعة الهاتف، وأن حركة
"الهدف" أو حامل الجهاز
الخليوي المرصود، قابلة للتبع
لحظة بلحظة، ومترا بمتر،
والأخطر من كل وذاك وأدهى
وأنكى، أن الموساد كان قادراً
على إجراء الاتصالات الهاتفية
وإرسائل الرسائل القصيرة، من
هواتف كوادر حزب الله، ومن دون
علمهم، بل ومن دون أن يترك أثراً
في "داتا" الاتصالات على
فعلته النكراء. أي أن
الموساد بات بمقدوره أن يزرع
هاتفاً خلوياًَ داخل هاتف
"الهدف" يرسل ويستقبل
خلسة، ما شاء لمن يشاء، وأن هذه
المهمة لم يعد إنجازها مشروطاً
بوجود شبكة من العملاء ن داخل
لبنان، بل بات ممكناً من شمال
فلسطين المحتلة، بعد أن أمكن
لإسرائيل تزويد الشبكة
اللبنانية، بمحطات تقوية، توصل
بثها إلى داخل الحدود
الإسرائيلية، وتمكن عملاء
الموساد من الدخول الحر والآمن
وغير المحدود على الشبكة
والخطوط. أنت لم
تعد تثق بمن يحدثك على الطرف
الآخر من الخط، هل هي زوجتك، أم
موظفة في الموساد تعمل على خط
هاتفي "شقيق" لخط زوجتك،
أنت لا تستطيع أن تثق بما تستقبل
من رسائل، بل ولا تثق بأرشيف
الشركات، كون التحكم
بـ"الداتا" يتم عن بعد، ومن
خلال شبكة الانترنت، حيث أصبح
بمقدور موظف الموساد، أن يقرر
خطياً بأنك كنت في طرابلس فيما
أنت لم تغادر بيتك في صيدا،
وببراهين دامغة تصدر من قبل
"داتا" الاتصالات حول حركة
هاتفك الخليوي. بمقدور
الجهاز أن يشطب مكالمات ويضيف
رسائل، لا ناقة لك بها ولا جمل،
بمقدوره أن يخلق لك "فضحية"
من العيار الثقيل، تودي بك
وبعائلتك لأبد الآبدين،
بمقدوره أن "يورطك" بجريمة
لا ضلع لك فيها ولا يد، طالما
أنه يستطيع أن يزرع معلومات في
"داتا" الاتصالات، عن
وجودك في مسرح الجريمة، وعن
اتصالات أجريتها مع المنفذين،
وأن يخلق شبكات افتراضية، تتهم
بتعقب الضحية وملاحقتها. لقد كان
حزب الله والناطقين باسمه
يقولون أن الاتهام الظني
الموجّه للحزب بنيى على معلومات
عن "الاتصالات"، وأن هذه
المعلومات مشكوك في صدقيتها
تماماً، وكنا نعتقد أن خلف هذه
"التوضيحات" من الحزب،
دوافع سياسية، هدفها درء
الاتهام الموجه إليه، إلى أن
جاء العرض التقني الذي أذهلنا
بتفاصيله حول حجم الاختراق
الإسرائيلي للشبكات اللبنانية،
وما كان وما يزال بمقدور
إسرائيل أن تفعله عبرها، فبتنا
من المصدقين لرواية الحزب عن
احتمالات "الفبركة"
الإسرائيلية لكل المعلومات
التي قادت التحقيق في جريمة
اغتيال الرئيس الحريري، وبتنا
على قناعة أشد، بأن المحكمة
الدولية تتجه لأن تكون، أداة
فتنة في لبنان، بدل أن تكون
ضمانة للحل والاستقرار
والحقيقة والعدالة. وبمناسة
الحديث الأوروبي – الأمريكي
المستمسك بالمحكمة والداعم
لها، بل والمدّعي بأنها تنسجم
مع أرقى المعايير الدولية، فإن
المراقب لتقارير "سي بي سي"
ومن قبلها "دير شبيغل"
و"لوفيغارو"، يعجب كيف
يمكن للمعايير الدولية أن تجيز
كل هذه التسريبات الإعلامية
لمداولات المحكمة، وكيف يمكن
لقرار الاتهام الظني أن يطوف
بكل العواصم والصحف ووسائل
الإعلام الكبرى، قبل
أن تنطق به المحكمة، وكيف
يجيز المحققون الدوليون كل هذه
الخفة في التعامل مع تحقيق على
هذا القدر من الأهمية والخطورة،
وهي خفة بلغت ذروتها في في
الأيام الأخيرة، بالاتهام
الموجّه إلى العقيد وسام الحسن،
رئيس فرع الأمن والمعلومات،
مسؤول أمن الحريري، الأب
والابن، وأحد أركان 14 آذار
والمستقبل، وصديق معسكر
الاعتدال العربي وابنه المدلل،
والذي نشرت صوره في كل العالم
بالأمس، بوصفه متهماً بالضلوع
مع حزب الله في تدبير جريمة
الاغتيال، فأية عدالة وأية
معايير دولية يجري الحديث عنها
الآن. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |