ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
أين الحقيقة في علاقة الإخوان بالأميركيين والإنكليز
وفاروق؟ الطاهر
إبراهيم* ابتداء،
لم أستطع أن أعرف ما الذي أراد
أن يقوله الأستاذ غسان المفلح
في مقاله الذي نشرته جريدة
"النهار" في 28 تشرين الثاني
2010 تحت عنوان "الإخوان
المسلمون والإرهاب والإسلام
السياسي". لن أدقق في متابعتي
هذه في كل ما ورد في المقال، وما
يعنيني هنا هو أن أصوّب بعض ما
وجدته فيه بحاجة إلى تصويب حتى
لا يظن القارئ أن كل ما جاء في
المقال مسلّم به. فالأستاذ
المفلح ذكر
قصة مختلقة، لم يقل بها أحد في
القرن العشرين، حتى من أعداء
الإخوان المسلمين المعروفين،
وهو ما نقله عن الكاتب المصري
عبد الرحيم علي: (حيث طلب حسن
البنا الذي اغتيل عام 1949 من
السفارة الأميركية تكوين مكتب
مشترك بين الإخوان والأميركيين
لمكافحة الشيوعية على أن يكون
معظم أعضائه من الإخوان، وتتولى
أميركا إدارة المكتب ودفع
مرتبات أعضاء الإخوان فيه). أين
هو التوثيق في هذه الرواية يا
أستاذ غسان؟ ما كتبه عبد الرحيم
لا يعتبر توثيقا، وإلا كان عليه
أن يأتي بالمصدر ويضعه أمام
أعين القراء.
لم يكتف
المفلح بما أورد من قصة مختلقة
عزاها إلى عبد الرحيم علي، بل
بنى عليها قوله: (هذا الطلب، إن
صح، فهو يدل على عمق العلاقة
كتبادل مصلحي). وكان على المفلح
أن يدقق تاريخيا في صحة مقولة
عبد الرحيم ويبحث في الكتب التي
أرّخ فيها أصحابها للعلاقة
المحتدمة بين الإخوان المسلمين
والأميركيين في مصر، حيث تدل كل
الوقائع الصحيحة عن العداء
المستحكم من قبل واشنطن تجاه
الإخوان وحتى تاريخ اليوم. ثم
ينطلق المفلح بخيالاته التي
استوحاها مما كتبه عبد الرحيم
علي ليزعم: أن (الاغتيالات من
جهة والتحالف بين القصر المحمي
من الانكليز والأخوان المسلمين
من جهة ثانية، هما ما ميز
المرحلة التأسيسية للإخوان وما
بعدها حتى منتصف الخمسينات من
القرن العشرين). من أين جاء
المفلح بالتحالف بين الإخوان
المسلمين وفاروق، وما نشر عن
وقائع اغتيال حسن البنا، التي
كتبت فيها الكتب الضخمة، يقود
بشكل خيطي إلى مسوؤلية الملك
فاروق عن اغتيال البنا رحمه
الله تعالى.
كان لا بد من وقفة عند هاتين
المعلومتين المختلقتين. فقد
أدرك الإنكليز من هو حسن البنا
ومن هم الإخوان المسلمون في مصر
منذ السنة الأولى التي أسس فيها
الشيخ جماعة الإخوان المسلمين
في مدينة الإسماعيلية في مصر،
وكان يعمل فيها مدرسا، وكان
عمره 22 عاما عند تأسيس هذه
الجماعة؟ لكن الواضح أن ذخيرة
الأستاذ المفلح القليلة في هذا
المجال لم تسعفه ليقدم تصورا
ولو أوليا عن طبيعة الخصومة
المستحكمة بين الإنكليز
كمحتلين لمصر وبين الإخوان
الذين كان واضحا عندهم من هم
الإنكليز؟ كما كان
على المفلح أن يتأكد أن مصادره
التي ينقل عنها حيادية فقد قيل:
(إذا كنت ناقلا فالصحة أو مدعيا
فالدليل). فهو لم ينقل عن ثقات.
أورد هنا حادثة تعطي القارئ
فكرة أولية عن العلاقة المحتدمة
بين الغرب المسيحي والإخوان
المسلمين، وقد كان الشاهد فيها
سيد قطب، ولم يكن قد انتظم بعد
في جماعة الإخوان المسلمين. فقد ذكر
قطب أنه كان مريضا يتطبب في
مستشفى في أميركا (كان موفدا من
قبل وزارة الثقافة المصرية إلى
أميركا)، حيث رأى إحدى الممرضات
توزع الحلوى، فسأل عن السبب
فقيل له لقد قتل أكبر عدو
لأميركا وهو حسن البنا. ويكفي أن
نعرف أن فاروق ملك مصر يوم مقتل
البنا أمر أن لا يخرج في جنازته
إلا أبوه وأمه وزوجته، ثم انضم
لموكب الجنازة مكرم عبيد
السياسي المصري المسيحي
المشهور بوطنيته. القضية
الأخرى التي كان على المفلح أن
لايقفز فوقها هي معرفة السبب
الذي من أجله اغتيل حسن البنا؟
ولأنه لم يبحث هذه القضية
المهمة، فلا نعلق عليها اختصارا
للوقت . وقبل أن
ننطلق لتعقب باقي ما كتبه مفلح
في مقاله، نلفت
نظر القارئ إلى مقولته:
(والتحالف بين القصر المحمي من
الانكليز والأخوان المسلمين)
ونسي أن الإخوان المسلمين كانوا
يقودون عمليات فدائية ضد ثكنات
الجيش الإنكليزي في قناة
السويس، وذلك قبل ثورة 23 يوليو
واستمرت هذه المقاومة إلى ما
بعد قيام الثورة. وعلى
النقيض مما هو معروف تاريخيا،
فإن مفلح يقول: (إن الغرب لم
يستخدم مفهوم الإسلام الأصولي
إلا في العقد الأخير من القرن
الماضي، بل كان يستخدم مفهوم
الصحوة الإسلامية إبان
السبعينات والثمانينات لمواجهة
المد اليساري). والحقيقة
والواقع أن الغرب هو من اتهم
الإسلاميين، - والإخوان على وجه
الخصوص- بالأصولية. أما
الإسلاميون وانطلاقا من
سبعينات القرن العشرين، فكانوا
يمتدحون صعود التوجه الإسلامي
في البلدان العربية ويسمونه
"صحوة". ولعل تسمية
الأصولية الإسلامية قد جاءت من
موقف صاحب مجلة "المنار"
الشيخ "محمد رشيد رضا" (1865 -
1935) الذي هاجم دعاة الإفرنج وقال
عنهم: (أما هدفهم فهو هدم الدين
وتغيير "أصول" الشريعة عبر
الدعوة إلى إدخال القوانين
المدنية وفصل الدين عن الدولة).
الغرب كان يعتبر الأصولية هي
"رفض الآخر"، ولا يختص بها
أتباع دين معين، فهناك أصولية
إسلامية وأصولية مسيحية
وأصولية يهودية. لعله من
المفيد أن نذكّر بقضية تغيب عن
كثير من الناس، وهي أن الاجتياح
الغربي لبلاد المسلمين في
القرون الوسطى أسماها المؤرخون
الإسلاميون "حروب
الفرنجة". أما "الحروب
الصليبية" فهي تسمية أطلقها
المؤرخون الغربيون على تلك
الحروب.
لقد فشل
المفلح أن يصل إلى جوهر العلاقة
التي حاولت واشنطن أن تبنيها مع
الجهاديين، وكان ذلك في
أفغانستان في ثمانينات القرن
العشرين، حيث كانت تغض الطرف عن
المعونات التي كان الإسلاميون
يرسلونها إلى الأفغان. وكانت
واشنطن نفسها تسلح الحركات
الأفغانية لمحاربة جيوش
السوفيات الغازية، وكانت
تسميهم يومئذ "المجاهدين".
ويوم زحفت الجيوش الغربية وغزت
أفغانستان بعد أحداث 11 ايلول،
وتصدى لها المقاتلون الأفغان
أنفسهم الذين قاتلوا السوفيات
قالت عنهم واشنطن: "إنهم
إرهابيون". ولم يكن هنالك من
فرق بين السوفيات الذين غزوا
أفغانستان والأميركيين الذين
غزوها. فلماذا كانت حرب
المقاتلين الأفغان ضد السوفيات
حربا جهادية؟ ويوم غزا
الأميركيون أفغانستان قالوا عن
المقاومة الأفغانية إنها
إرهاب؟ كنت أتمنى أن يقدم لنا
المفلح، منه أو من غيره، تعريفا
واضحا وصريحا لـ "لإسلام
السياسي" الذي هو من المفترض
أن يكون عماد المقال. ثم ينطلق
بعد ذلك ليؤسس لعلاقة الإخوان
المسلمين بالإسلام السياسي. ثم
إنه لم يتبنّ علاقة الإخوان
المسلمين بالإرهاب ولم ينفها
عنهم فبقي الأمر معلقا عنده. ثم
ما هي العلاقة بين الإسلام
السياسي والحداثة حيث قال
المفلح بصريح العبارة: (الإسلام
السياسي مفرز حداثوي). الغرب
وخصوم الإسلاميين في الداخل
يعرّفون الإسلام السياسي بأنه:
(توظيف الإسلام لخدمة السياسة،
وليس العكس). أما الإخوان
المسلمون فقد اعتبروا السياسة
جزءا من الإسلام. قال الشيخ حسن
البنا مخاطبا إخوانه: (أيها
الإخوان إذا قيل لكم إلامَ
تدعون؟ فقولوا: ندعو إلى
الإسلام الذي جاء به محمد صلى
الله عليه وسلم، والحكومة جزءٌ
منه، والحرية فريضة من فرائضه.
وإن قيل لكم هذه سياسة، فقولوا
هذا هو الإسلام ونحن لا نعرف هذه
الأقسام وإن قيل لكم: أنتم دعاة
ثورة، فقولوا نحن دعاة حق وسلام
نعتقده ونعتز به. فإن ثرتم علينا
ووقفتم في طريق دعوتنا فقد أذن
الله أن ندفع عن أنفسنا وكنتم
الثائرين الظالمين). ــــــــ *كاتب
سوري ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |