ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الدور
الأوروبي غائب ومغيب (يظل
الأمل العربي في دور قريب
لأوروبا مجرد اجترار لأمنيات لن
تتحقق في أي مستقبل منظور) بقلم
نقولا ناصر* استضاف
مركز الزيتونة للدراسات
والاستشارات مؤتمرا في بيروت
حول "السياسة الخارجية
الأوروبية تجاه القضية
الفلسطينية" يومي الثالث
والرابع من الشهر الماضي بينما
فتح مركز الدراسات العربي –
الأوروبي في باريس مؤخرا باب
الحوار حول سؤال: "لماذا
الاتحاد الأوروبي غائب عن لعب
دور رئيسي في مسار السلام في
الشرق الأوسط"، مما يسلط
الضوء على خطورة استمرار غياب
الدور السياسي الأوروبي على
الأمن والاستقرار الاقليمي في
حوض البحر الأبيض المتوسط بعامة
وفي الحديقة العربية الجنوبية
للقارة الأوروبية بخاصة. ومن
يتذكر بأن "ألمانيا الهتلرية
حرقت اليهود، وبريطانيا عوضتهم
عن محرقة هتلر بدولة على أرض
العرب، وفرنسا مكنتهم من
التقنية النووية للتفوق على قوة
العرب، وفرنسا وبريطانيا دخلوا
الحرب سنة 1956 نصرة لاسرائيل ضد
العرب"، كما قال الدبلوماسي
التونسي السابق حسن المحنوش في
حوار مركز باريس، لا يمكنه طبعا
الحديث عن "غياب الدور
الأوروبي في المنطقة، لكن
المحرر السابق لصحيفة لوموند
ديبلوماتيك ورئيس جمعية
الصحفيين الفرنسية المتخصصة في
المغرب والشرق الأوسط، د. ألين
جريش، قال في ورقته لمؤتمر
الزيتونة ببيروت إن "الشكل
الحالي" الذي يتميز ب"الغياب"
بدأ في سبعينيات القرن العشرين
الماضي ومر في ثلاثة مراحل
الأولى من سنة 1970 إلى اتفاق
أوسلو عام 1993 بدلت أوروبا
خلالها نظرتها للقضية
الفلسطينية من قضية لاجئين إلى
"قضية وطنية" والثانية
مرحلة التسعينيات من القرن
الماضي التي خسرت خلالها أوروبا
"الدور السياسي لصالح
الولايات المتحدة" والثالثة
خلال العقد الأول من القرن
الحادي والعشرين الحالي حيث "تقاربت"
أوروبا مع اسرائيل و"طورت
علاقات قوية سياسية واقتصادية
وعسكرية" معها "ورفضت أي
ضغط جدي" عليها. مما
يعني أن "الغياب" الأوروبي
هو وصف غير دقيق إذا تذكرنا بأن
أول مبادرة للسلام بعد العدوان
الاسرائيلي في حرب عام 1967 كان
يقودها الأوروبي السويدي غونار
يارينغ باسم الأمم المتحدة،
وتذكرنا بأن قوات اليونيفيل
التي تلبس القبعات الزرقاء في
جنوب لبنان حاليا تتكون في
معظمها من أوروبيين ويقودها
أوروبيون، لكي يقتصر الغياب
الأوروبي على غياب سياسي عن لعب
دور فاعل في "عملية السلام"
فحسب، وهو غياب يلعب دورا
سياسيا اساسيا في اطالة أمد
الاحتلال الاسرائيلي للأراضي
العربية في فلسطين وسوريا
ولبنان، ويصب في خدمة سياسية
أميركية تحتكر إدارة الصراع
أكثر مما تسعى إلى حله بينما
المصالح الأوروبية في المنطقة
ليست أقل "حيوية" من
المصالح الأميركية، مما يطرح
السؤال: هل هذا
الغياب الأوروبي ناجم عن عجز أم
هو غياب مدروس يستهدف ترسيخ
وجود دولة المشروع الصهيوني في
فلسطين، واستخدام الأراضي
العربية المحتلة عام 1967 رهينة
لا يفرج عنها إلا بعد انتزاع
اعتراف عربي واسلامي كامل بهذه
الدولة علما بأن إنشاءها كان
مشروعا أوروبيا في المقام
الأول، وقد لفت النظر مؤخرا
اتفاق قطبي الانقسام الفلسطيني
الراهن اللذين لا يتفقان على
شيء - - أي
حركة "حماس" ومنظمة
التحرير الفلسطينية - - على
تحميل بريطانيا المسؤولية عن
وعد بلفور الشهير والدولة
والأوضاع الكارثية التي تمخضت
عنه؟ ثم ان
الحديث عن "غياب" الدور
الأوروبي مثير للاستغراب حقا،
فكيف يكون هذا الدور غائبا
عندما يكون الاتحاد الأوروبي
عضوا في اللجنة الرباعية
الدولية (مع الأمم المتحدة
والولايات المتحدة وروسيا)
للسلام في الشرق الأوسط، ويملك
العضوان البريطاني والفرنسي
فيه حق النقض "الفيتو" في
مجلس الأمن الدولي، ويمثل
أوروبي (توني بلير) اللجنة
الرباعية، ويمثل أوروبي آخر
الأمم المتحدة في المنطقة (روبرت
سري) ويمثل الاتحاد الأوروبي
نفسه في المنطقة أوروبي ثالث هو
مارك أوتى ، وعندما تكون أوروبا
هي اكبر الممولين لسلطة الحكم
الذاتي الفلسطيني في الضفة
الغربية لنهر الأردن، وتنسق بعض
دوله الرئيسية مع فريق المنسق
الأمني الأميركي السابق كيث
دايتون والحالي مايكل مولر، كما
قال أوتى في لقاء مع "القدس"
المقدسية في منتصف الشهر قبل
الماضي؟ لقد هلل
أصحاب المشروع الفرنسيون ومعهم
بقية الدول الأوروبية الأعضاء
لانشاء "الاتحاد المتوسطي"
باعتباره "حدثا تاريخيا"
يؤسس لدور أوروبي فاعل ومستقل
في المنطقة لكن هذا المشروع لم
ينطلق بعد ويكاد يتحطم على صخرة
الصراع العربي الاسرائيلي.
لكن ما
زال غياب الدور السياسي للاتحاد
الأوروبي المستقل عن التبعية
للولايات المتحدة حقيقة سياسية
تتجلى على الأخص في مساعي إيجاد
حل سلمي عادل للصراع العربي –
الاسرائيلي. وكان العاهل
الأردني الملك عبد الله الثاني
يعبر عن موقف زملائه القادة
العرب عندما أكد مؤخرا على
أهمية الدور الأوروبي في "عملية
السلام" العربية –
الاسرائيلية خلال لقاءاته
الأخيرة مع زواره من القادة
الأوروبيين، ومثله كان الرئيس
السوري بشار الأسد، في مقابلته
الأخيرة مع جريدة الحياة
اللندنية عندما قال إن الأوروبي
هو الذي "أضعف دوره السياسي"
وبالتالي هو الذي "عزل نفسه
عن المنطقة" سياسيا. ويثير
أمين عام جامعة الدول العربية
عمرو موسى في كل لقاءاته مع
القادة الأوروبيين داخل
المنطقة وخارجها موضوع قيام
الاتحاد الأوروبي بدور سياسي
أكبر في المنطقة، لكن دون طائل
حتى الآن. ويبدو
وزير الخارجية الأميركي الأسبق
هنري كيسنجر إما أنه كان صاحب
رؤية صائبة بعيدة النظر أو أنه
كان يعلن سياسة خارجية ثابتة
لبلاده عندما قال في سنة 1974 "إن
الأوروبيين لن يكون منهم فائدة
في محادثات الشرق الأوسط خلال
مليون سنة"، وفي الحالة
الثانية يكون الدور الأوروبي
مغيبا بقرار أميركي، لا غائبا. والدور
السياسي الأوروبي الغائب أو
المغيب المطلوب عربيا في
المنطقة ليس مقتصرا على الصراع
العربي - الاسرائيلي، فهو جزء لا
يتجزأ من التبعية السياسية
والعسكرية الأوروبية للولايات
المتحدة منذ تخلت القارة
الأوروبية لها عن صنع القرار
الدولي بعد الحرب العالمية
الثانية، وعندما تستقل أوروبا
بقرارها السياسي والعسكري فإن
ذلك سيكون إيذانا بانتهاء
الهيمنة الأميركية على قرارها
ويصبح الأمل واقعيا في حلول
سلام واقعي في المنطقة. فالاتحاد
الأوروبي يفتقد النفوذ السياسي
الذي يتناسب مع وزنه الاقتصادي
ليس في الوطن العربي ومحيطه
الشرق أوسطي فقط، بل عالميا
أيضا. فعلى سبيل المثال، فإن "الاتحاد
الأوروبي هو ممول كبير أكثر منه
لاعبا كبيرا. ومع أننا نساهم ب 40%
من ميزانية الأمم المتحدة،
فإننا نواجه صعوبات في ايجاد
اطار عمل قانوني لارسال الممثلة
العليا الليدي (كاثرين) آشتون
للتحدث باسم الاتحاد الأوروبي
في الجمعية العامة (للأمم
المتحدة) في نيويورك"، كما
قال وزير الدولة الألماني فيرنر
هوير في جامعة مالطا مؤخرا. وفي
أوائل الشهر قبل الماضي نشر
المجلس الأوروبي للعلاقات
الخارجية على موقعه الالكتروني
تقريرا يظهر تدهورا في التأييد
للاتحاد الأوروبي في الأمم
المتحدة، وذكر التقرير على سبيل
المثال بأن 127 دولة من 192 دولة
عضو في الهيئة الأممية تدلي
عادة باصواتها ضد مواقف الاتحاد
الأوروبي الخاصة بحقوق الانسان
في الجمعية العامة. وتجلى تآكل
النفوذ السياسي للاتحاد
الأوروبي في الأمم المتحدة
مؤخرا عندما عجز الاتحاد عن
الحصول على "وضع مراقب متقدم"
في الجمعية العامة بقرار أجل
منح الاتحاد هذه الصفة صدر
بأغلبية 76 صوتا ضد 71 صوتا. وقال
المجلس الأوروبي للعلاقات
الخارجية في تقريره إن الاتحاد
عجز عن الحصول على دعم الولايات
المتحدة لمنحه هذه الصفة، إذ
اشترطت واشنطن الحصول على
ضمانات بمنع منظمات اقليمية
أخرى، مثل الاتحاد الافريقي
ومنظمة المؤتمر الاسلامي، من
التقدم بطلبات مماثلة للحصول
على "وضع المراقب" نفسه إن
حصل الاتحاد الأوروبي عليه. لكن
الاتحاد الأوروبي ما زال لا
يتحدث بصوت واحد، مما يجعل
الاتحاد يتحدث بلغات متعددة حسب
موقف كل دولة عضو فيه على حدة،
فالاتحاد على سبيل المثال ليس
ممثلا في مجلس حقوق الانسان
التابع للأمم المتحدة بجنيف
وليس في الجمعية العامة فقط.
وللتغلب على غياب صوت واحد
للاتحاد في المحافل الدولية
تعكف المفوضة السامية للاتحاد
الأوروبي للسياسة الخارجية
والأمن البارونة البريطانية
آشتون منذ تولت مهام منصبها على
انشاء "وزارة خارجية"
للاتحاد الأوروبي (خدمة العمل
الخارجي الأوروبي -
EEAS) كان من المفترض أن تكون قد بدأت عملها في
الأول من كانون الأول / ديسمبر
الجاري وتمكن الاتحاد كما
قالت من "التحدث بصوت واحد"
بعد أن مهدت معاهدة لشبونة
الطريق لذلك ووافق البرلمان
الأوروبي على انشاء وتمويل هذه
الخدمة أوائل الثلث الأخير من
الشهر قبل الماضي. لكن الوقت ما
زال مبكرا لكي يتفاءل المطالبون
العرب بدور سياسي أوروبي أكبر،
ف"وزارة خارجية" الاتحاد
الأوروبي الجديدة، كما قالت
آشتون، يمكنها أن تقدم "توصيات"
حول السياسة الخارجية والأمن
غير أن القرار الفعلي يظل لدى
المجلس الوزاري للاتحاد. ومعادلة
السلام العربي – الاسرائيلي
الجارية عبثا منذ مؤتمر مدريد
عام 1991 ما زالت محكومة بالفشل
بسبب الاحتكار الأميركي تحديدا
لرعايتها، فالعلاقة
الاستراتيجية الوثيقة أكثر من
اللازم بين الولايات المتحدة
وبين دولة الاحتلال الاسرائيلي
لا تجعل واشنطن مؤهلة في أي
مستقبل منظور للمخاطرة بالضغط
على تل أبيب، والوضع الراهن
الناجم عن الحماية الأميركية
يجعل دولة الاحتلال مرتاحة
تماما في احتلالها وتجد في
استمرار الوضع الراهن أفضل
خياراتها. ولا بد
من ضغط دولي قوي لكسر هذه الحلقة
المفرغة، وأوروبا هي الأكثر
تأهيلا والأكثر مصلحة في ممارسة
ضغط كهذا يغير من معادلة موازين
القوى التي أنتجت الوضع الراهن،
لكن أوروبا ما زالت إما عاجزة أو
غير راغبة في ممارسة دور كهذا
بالرغم من الخطر المباشر الذي
يمثله الوضع الراهن على أمنها
واستقرارها بينما يفصل المحيط
الأطلسي الولايات المتحدة عن
النتائج المباشرة المحتملة
لانفجار هذا الوضع. لقد وصف وزير
الخارجية الفرنسي السابق
برنارد كوشنير استبعاد الاتحاد
الأوروبي من اطلاق المفاوضات
الفلسطينية – الاسرائيلية
المباشرة مؤخرا بأنه "معيب"،
لكن مدير معهد كارنيجي الأميركي
في أوروبا فابرايس بوثير وصف
احتجاجه بأنه مجرد "ضجيج
سياسي، .. فالاتحاد الأوروبي ليس
له أي تاثير على المفاوضات، ولا
يوجد أي دور له ليشغله". لذلك
سوف يظل الرهان العربي على
الولايات المتحدة مجرد لهاث
وراء وهم بينما يظل الأمل
العربي في دور قريب لأوروبا
مجرد اجترار لأمنيات لن تتحقق
في أي مستقبل منظور. ــــــــــــ * كاتب
عربي من فلسطين ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |