ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 16/12/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

السياسات الحكومية السورية تجاه الاستقطاب الطائفي

مركز التواصل والأبحاث الاستراتيجية

يتناول هذا المقال التحليلي طبيعة السياسيات السورية الحكومية تجاه القضايا ذات الأبعاد الدينية والطائفية، ويحاول شرح المآلات والمخاطر التي يمكن أن تؤدي إليها، واحتمالات انتقال الشحن الطائفي الإقليمي إلى سورية في ظل الظروف الحالية الحساسة

"التحدي الأكبر الذي تواجهه البلاد هو التطرف القائم في المنطقة والحفاظ على علمانية المجتمع"، هذه العبارة قالها الأسد في مقابلة مع قناة أمريكية مؤخراً في الوقت الذي كانت الحكومة تصدر فيه سلسلة من القرارات بشؤون دينية بشكل غير مباشر كقضية فصل المدرِّسات المنقبات، ومنع الرموز الدينية في المجال العام (السريانية خصوصاً)، وإخضاع المدارس المحسوبة على جماعات دينية (القبيسيات خصوصاً) لمراقبة أمنية استثنائية وسحب الرخص من بعضها. وتثير هذه القرارات مجموعة من الأسئلة عن الخلفية التي أدت إلى صدورها المفاجئ بدون مقدمات، وعما إذا كانت بالفعل هي جزء من مواجهة "التطرف القائم في المنطقة والحفاظ على علمانية المجتمع"؟ ومغزى التوقيت الذي صدرت فيه؟ وما إذا كانت جزءاً من السياسات الحكومية السابقة، أم أنها تعكس تغييراً جديداً فيها؟ وهل يمكن لهذه القرارات أن تحقق بالفعل الأهداف المعلنة لها؟ وإلى أي مدى سيوثر الشحن الطائفي على ضفتي الحدود السورية (العراق ولبنان) على نتائجها؟

 

شهدت السياسات الحكومية في قضايا ذات أبعاد دينية تقلبات عديدة بدءاً من تسلم الأسد الابن للسلطة، وبإمكان مراقب خارجي لمجريات الأحداث أن يرى بأن جزءاً من هذه السياسات على الأقل تفرضه توازنات داخلية قائمة على أساس حفظ استقرار النظام واستمراره، بغض النظر عن ماهية هذه التوازنات وطبيعة النظام نفسه، لكن من الواضح أن سياسات ليِّنة اتخذت في بداية الولاية الأولى للرئيس الجديد تجاه الجماعات الدينية الإسلامية سرعان ما انهارت لصالح سياسات أكثر تشدداً بعد ربيع دمشق. إلا أن هذه السياسات المتشددة والتي اتخذت في الغالب طابعاً أمنياً حازماً سرعان ما تحولت إلى سياسات داعمة لخطاب ديني جهادي مقاوم في نهاية عام 2002! وجرى انقلاب على هذه السياسة مرة أخرى باتباع سياسات أمنية صارمة وقاسية مع الإسلاميين بدءاً من عام 2004، وفي منتصف 2005 بدأت مرة أخرى سياسات جديدة تتسم ببعض الليونة وتدعم مظاهر التدين وتقلل من القيود عليها، ولم يأت عام 2007 حتى عادت السياسات الحكومية إلى التشدد

 

من الصعب فهم هذه السياسات في إطار حاجات داخلية فحسب، حتى ولو كانت تلك الحاجات هي استقرار النظام واستمراره. في المقابل من اليسير جداً تفسير هذه السياسات بالارتباط بالأحداث الخارجية، وفي هذا الإطار يمكن النظر إلى التواريخ الفاصلة في الأحداث العالمية والإقليمية التي أثرت على العالم وعلى سورية بشكل خاص. بهذا المنظور يمكن فهم "التسامح" الذي أبدته السلطات الحكومية في بداية عهد الأسد الابن على أنه جزء من مد الجسور شبه المقطوعة بين المجتمع والسلطة القائمة فيه، في إطار مشروع متفائل بالتغيير كان الجميع متفائلاً به بعد سنوات عصيبة من حكم الأسد الأب. لكن أحداث أيلول في الولايات المتحدة أثبتت أن المسألة كانت نوعاً من سياسة ضبط اجتماعي بعد انتقال السلطة لا أكثر، فما أن أطلق الأمريكيون "الحرب على الإرهاب" حتى كانت الحكومة السورية أول المستجيبن، وقد وجدت أن المناخ العالمي يختصر عليها الطريق، فلجأت إلى سياسات أمنية لتقدم نفسها إلى العالم كشريكة بارزة في مكافحة الإرهاب. هكذا يمكن أيضاً تفسير دعم الخطاب الجهادي عند الإحساس بالخطر على أبواب الحرب في العراق في نهاية 2002، وكذلك ما حدث عام 2005 من ضغوط دولية على سورية بسبب قضية الحريري والانفراجات التي بدأت تحققها سورية في جدار عزلتها الدولية بدءاً من 2008

 

أياً ما يكن تفسير السياسات السورية فإنه بالتأكيد هذه السياسات سريعة التقلب ومضطربة إلى حد كبير بل أكثر من ذلك متناقضة! يسهل من خلالها فهم القرارات التي صدرت مؤخراً على أنها جزء من هذا التقلب، لكن من جهة أخرى التقلب ذاته ينضبط باستراتيجية تحكمه، وهذه الاستراتيجية تستند كلياً على مبدأ الحفاظ على النظام، سواء كان هذا الحفاظ في مواجهة تحديات داخلية أو تحديات خارجية، والنقطة الثانية في هذا الاسترتيجية الجديدة هي التعامل مع الدين والمسائل الدينية بوصفها جزءاً يمكن استخدامه للمحافظة على النظام سواء بسياسات مضادة له، أو سياسات ترعاه حسب طبيعة التحديات وما إذا كانت داخلية أو خارجية. بهذا المعنى يمكن القول أيضاً أن السياسات الأخيرة وعموم القرارات الحكومية التي تتخذها السلطات في سورية تسير على هذا النظام، الشيء المهم في الاستراتيجية التي تولد هذا النظام أنها تخضع السياسات والقرارات لحاجات النظام وليس لحاجات المجتمع، وأحد أبرز نتائج ذلك هو التقلب الشديد للسياسة حسب تقلب مصالح النظام، وارتباط هذه السياسات الحكومية بمتطلبات السياسة الخارجية للنظام بالدرجة الأولى

وليس مصادفة أن تكون القرارات الأخيرة وتصريحات المسؤولين السوريين المبررة لها، في وقت يقترب فيه صدور القرار الظني ويتعرض فيها حليفها الرئيس في لبنان حزب الله لاتهامات قيادات وأعضاء فيه بالضلوع في جريمة اغتيال الحريري، بالتالي تخويف الغرب من تصاعد الأصولية في سورية وفي الوقت نفسه إرسال رسالة للعالم الغربي بأن سورية تدافع عن القيم الغربية ذاتها. وبقدر ما تبدو هذه القرارات الأخيرة منسجمة مع الحاجة الخارجية تبدو في الداخل نافرة ومثيرة للاستهجان وفي بعض الأحيان مستفزة، وبقدر ما تبدو مفاجأة للشريحة الأوسع للسوريين، فإنها تبدو طبيعية ومألوفة للناظرين إلى التغيرات في المحيط الإقليمي والأخطار الجديدة التي بدأت تتهدد النظام

 

خطورة هذه السياسة لا تتوقف عند حدود الإرباك الاجتماعي وإضعاف الدور الأخلاقي والقيمي للدين، بل تتعداها أيضاً إلى تعزيز الإحساس بالانتماء الديني والطائفي على حساب الانتماء السياسي الوطني، لأن التقلبات السريعة تعزز عدم الثقة بالسلطات الحكومية وتزيد من مساحة الاعتراض الاجتماعي الذي يخفض درجة الانسجام بين الدولة ومجتمعاتها إلى أدنى حد. الخطير في الأمر أن نتائج هذه السياسات تدعم الشحن الطائفي الموجود على ضفتي سورية الشرقية والغربية، وأن بعض القرارات التي قد تكون مستفزة يمكن تتسبب باندلاع عنف غير محسوب العواقب

أهم ما يجب عمله لمواجهة هذا التحدي ليس في اتخاذ مزيد من القرارات من أجل علمنة المجتمع أو الحفاظ على العلمنة المتبقية فيه وحسب، وإنما في أن تكون هذه القرارات مبررة في ظل حاجات داخلية بالدرجة الأولى، وأن يكون تقبلها من الشريحة الأوسع من السوريين أمر متوقع بشكل طبيعي. والنظر إلى حاجات النظام للاستمرار ليست سبباً كافياً لاتخاذ قرارات ذات نتائج بهذه الخطورة؛ فسورية تشهد في السنوات الأخيرة تصاعداً خطيراً في الخطاب الطائفي حتى وإن كانت تعبيراته الإعلامية غير منتشرة على نطاق واسع، لكنه منتشر في الحديث الشعبي بشكل واسع، وإذا ما تم استرجاع ذاكرة أحداث الثمانينات (وهي لا تزال حية بطبيعة الحال) فإن الأمر يصبح خطيراً فعلاً، صحيح أن هناك عوامل عديدة لعبت دوراً في تغذية انبعاث الخطاب الطائفي غير السياسات الحكومية، لكن من المؤكد أن السياسات الحكومية تتحمل المسؤولية الأكبر في ذلك

سيكون محتماً على صاحب القرار أن يلاحظ بأن التقلبات والتناقضات في السياسات أمر بالغ الخطورة، إذا ما أراد الوصول إلى قرارات وسياسات فاعلة، فرهان استجابة المجتمع للقرارات الحكومية تنبع بالدرجة الأولى من شعور المواطنين بأن القرارات متخذة في صالحهم وفي إطار متطلباتهم وحاجاتهم، وبالدرجة الثانية من قوة السلطة القانونية التي تدعمها. وواقع الحال أن السياسات الحكومية المتقلبة بسرعة والمتناقضة تعزز الشعور بالمسافة التي تفصل بينها وبين المجتمع، إذ إن التغيرات الاجتماعية أبطأ بكثير من سرعة التغيير في هذه السياسات، وحتى يتم تلافي ضعف الثقة بين المجتمع والدولة أو بين النظام والشعب، لا بد من وقف التقلبات السريعة وملاحظة الانعكاسات الاجتماعية وتفهم المخاوف التي قد تنتج عنها، والعمل على تسويق القرارات الحكومية بشكل يضمن تطبيقها طوعياً قبل أن يكون الأمر مفروضاً بقوة السلطة

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ