ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
قصة
سقوط الأندلس.. العبر والدروس (1-2) محمد
فاروق الإمام إن
قراءة التاريخ والغوص في صفحاته
إن لم تكن هناك عظات وعبر ودروس
من وقائعه وأحداثه يمكن إسقاطها
على الحاضر ومجرياته وتقلباته
فإن قراءة هذا التاريخ يكون
مضيعة للوقت وعبث لا فائدة منه..
ولعل تقليب صفحات تاريخنا في
الأندلس فيه الكثير من العظات
والعبر والدروس التي يمكن
إسقاطها على حاضرنا الأليم
وزماننا الرديء فالتاريخ يعيد
نفسه.. فقد فقدنا سبتة ومليلة،
وفقدنا الأهواز، وفقدنا
زنجبار، وفقدنا معظم فلسطين،
وفقدنا جزر طنب الكبرى وطنب
الصغرى وأبو موسى، وها نحن في
الطريق لفقدان جنوب السودان،
والحبل على الجرار...! وحري
بأمة العرب أن تقيم جامعات
ومراكز بحوث ودراسات لإعادة
دراسة التاريخ والوقوف عند
أحداثه وتقلبات أزمانه من قوة
وضعف، وقراءة حال الأنظمة
والحكومات التي تعاقبت على سدة
الحكم وما يمكن الاستفادة من
سلوكها ونظم حياتها وإدارة
الشؤون فيها لاستخلاص العبر
والاستفادة من الدروس، ونتمنى
على الحكام العرب الذين يمسكون
بصولجان الحكم في بلداننا أن
يخصصوا بعض الوقت من يومهم في
مطالعة التاريخ وقراءة أحداثه
للاستفادة من تجارب السلف وأين
كان النجاح وأين كان التراجع،
فالتاريخ مرآة الأمم تعكس
الماضي على الحاضر والعكس صحيح،
ولعل دراسة تاريخ فردوسنا
المفقود الأندلس هو من أهم ما
يمكن أن يُستفاد منه، وعالمنا
العربي يمر في نفس التجربة
الأليمة والمريرة التي تعرضت
لها إمارات الأندلس، من حيث
الانغماس في الملذات والانقسام
والصراع والتنابذ والتشرذم،
والضياع في متاهات ودهاليز
شيطنة السياسة القائمة على
الأحقاد والفبركة والتخوين
والاتهام والإساءة، وتصنيف
الأنظمة بين رجعية وتقدمية
وثورية ومعتدلة وممانعة
ومستسلمة، والاعتماد على
الأجنبي في حل خلافاتنا
والتقوّي به على بعضنا البعض،
دون إعمال العقل أو التبصّر في
الأمور، واستغلال ما في أيدينا
من ثروات وإمكانيات وموقع
إستراتيجي، يخولنا أن نكون في
مقدمة الأمم التي تهيمن اليوم
على العالم، فالصين والهند
واندونيسيا والبرازيل وفنزويلا
وماليزيا وجنوب أفريقيا كنا قد
سبقناها بعقود في كل مناحي
الحياة العلمية والاقتصادية
والثقافية، فما بالنا وقد تقدمت
علينا كل هذه الدول في كل
المجالات الحيوية التي جعلت
منها أمم تفرض احترامها على
الآخرين ويحسب لها ألف حساب في
موازين القوى العالمية. يحدثنا
التاريخ عن أمير أموي هو عبد
الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد
الملك بن مروان، لم يثنه زوال
دولة آبائه وأجداده عن التطلع
إلى تجديد شباب هذه الدولة،
فيمم وجهه نحو الأندلس التي لم
تكن قد استقر فيها الأمر
للعباسيين الذين ورثوا الخلافة
الأموية، فتمكن من تجديد خلافة
بني أموية في الأندلس بعد
سقوطها في دمشق، بعد مطاردة
عنيفة وطويلة وخطيرة من قبل
العباسيين له، تجشم خلالها
المهالك والأهوال والصعاب. وقد نجح
(صقر قريش) – كما لُقب فيما بعد
- أن يتوارى عن عيون مطارديه
العباسيين حتى وصل إلى فلسطين،
ومنها إلى مصر، ثم إلى المغرب
بعد خمس سنوات من التنقل
والتخفي عن أصحاب الرايات
السوداء ودعاتهم وجواسيسهم. عند
وصول عبد الرحمن إلى الأندلس
كان قد عين العباسيون يوسف بن
عبد الرحمن الفهري والياً
عليها، وقد حاول الفهري مقاومة
عبد الرحمن الداخل وأنصاره،
ومنعه من دخول الأندلس، لكنه
هُزم أمام الشاب الأمير في أول
لقاء بينهما عندما التقيا سنة
139هـ/756م، ودخل عبد الرحمن
قرطبة، وأقام للأمويين فيها
خلافة جديدة وملك جديد في
الأندلس. ولم تنجح كل
محاولات العباسيين على عهد
الخليفة العباسي جعفر المنصور
ومن بعده هارون الرشيد في
استرداد الأندلس، كما لم تنجح
محاولات ملك الفرنجة القوي
(شارلمان) في استغلال
ظروف الاقتتال والصراعات بين
الأمويين والعباسيين على حدود
مملكته في القضاء على صقر قريش،
وتمكن عبد الرحمن من إقامة دولة
شامخة البنيان، عزيزة الجانب.
وعاش ثلاثين عاماً يبني ويقوي
من دعائم دولته. فلما
مات سنة 172هـ/788م كان قد ترك
وراءه دولة قوية البنيان
توارثها أبناؤه من بعده،
تولاها هشام ابنه، ثم عبد
الرحمن الثاني، إلى أن وصل
الأمر إلى عبد الرحمن الثالث
الملقب بالناصر، الذي وصف
المؤرخون عهده بالعهد الذهبي،
فقد وصلت الأندلس في عهده إلى
قمة الازدهار والتقدم والرقي
والغنى والقوة والمنعة. وقد دام
حكم الناصر هذا نصف قرن، نعمت
الأندلس فيه بأعز وأرغد فترات
حياتها في ظلال عدل الإسلام
وسماحته، وطلبت ود هذه الدولة
العظيمة الممالك الإفرنجية
المحيطة بها، وأصبحت قرطبة،
والمدن الأندلسية الأخرى، كعبة
العلوم، ومقصد طلاب العلم،
ومنارات الثقافة العالمية
الراقية.. وكلنا يذكر البعثة
البريطانية التي أوفدها إلى
قرطبة جورج الثاني ملك إنكلترا
والغال والسويد والنرويج وعلى
رأسها ابنة شقيقته الأميرة
(دوبانت) لطلب العلم، وقد بعث مع
ابنة شقيقته هدايا ثمينة ورسالة
إلى الخليفة الأموي قال فيها:
(بعد التعظيم والتوقير، فقد
سمعنا عن الرقي العظيم الذي
تتمتع بفيضه الصافي معاهد العلم
والصناعات في بلادكم العامرة؛
فأردنا لأبنائنا اقتباس نماذج
من هذه الفضائل لتكون بداية
حسنة في اقتفاء أثركم لنشر
أنوار العلم في بلادنا التي
يسودها الجهل من أركانها
الأربعة..).
وفي سنة
350هـ/961م توفي الخليفة عبد
الرحمن الناصر، فتربع على عرش
الأندلس من بعده ولده الحكم بن
عبد الرحمن الناصر، ثم حفيده
الطفل هشام الضعيف الذي تسلط
عليه الحجاب والمستعربين
والصقالبة، وكان أقوى هؤلاء
الحاجب المنصور محمد بن عبد
الله بن أبي عامر المعافري،
الذي تمكن من تصفية كل مناوئيه
ومنافسيه في القصر، وحكم باسم
الأمويين نيابة عن أم الخليفة
(صبح) الجارية الأسبانية التي
كانت في سنوات الخليفة الحكم
الأخيرة سيدة البلاط القوية
النافذة، التي كانت تتدخل في
اختيار الوزراء والقادة وكبار
موظفي القصر، وتمكن المنصور
من تحويل الخلافة لنفسه
ولأبنائه من بعده، مكوناً
خلالها الدولة المنسوبة إليه،
والمسماة بـ(الدولة العامرية)،
التي لم تعمر طويلاً بعد موته. ثم عادت
الأمور إلى الأمويين في فترات
قصيرة قلقة، إلى أن قضي عليهم
قضاء أخيراً في الأندلس سنة
422هـ/1031م، وعلى أنقاضهم قامت
مجموعة دويلات هزيلة في الأندلس
عرف عهدها بعهد (دويلات
الطوائف)، الذي كان من أكثر عهود
المسلمين في الأندلس مرارة
وتفككاً وضعفاً وانحداراً نحو
هاوية السقوط والذوبان (كحال
العرب اليوم بعد سقوط الخلافة
العثمانية وتشرذمهم إلى 21 دولة،
لكل منها علم ونشيد وطني وجواز
سفر وحدود، موزعين ما بين دول
رجعية وتقدمية بحسب
الإيديولوجيات الثورية الحاكمة
في بعض البلدان العربية ودول
ممانعة واعتدال بحسب تصنيفات
الغرب). وعندما
بدأت الدولة الأموية في الأندلس
بالترنح، وأوشكت الخلافة على
السقوط، لم تسقط دفعة واحدة
لصلابتها ومنعتها، ولما كانت
لها من هيبة في عيون أعدائها.
لقد ولي
أمر الخلافة طفل في السابعة من
عمره هو (هشام بن الحكم) ولما
لم يكن بإمكانه حكم البلاد، فقد
كانت أمه (صبح) الجارية
الإفرنجية وصية عليه، ولم
تستطع صبح هذه أن تنفرد بالسلطة
لتهيّبها من ذلك ومنازعتها
الأمر من بعض المتنفذين في
القصر (الحجاب والمستعربين
والصقالبة)، إذ لم يكن من السهل
قيادة سفينة هذه الدولة العظيمة
التي – لا نغالي إن قلنا أنها –
كانت الدولة الأعظم في محيطها،
فاختارت (صبح) الحاجب المنصور
ليتصدى بحنكته وشكيمته وذكائه
وإقدامه لهذا الأمر الجلل، على
خلفية ثقتها به من خلال ما كان
يلبي لها من طلبات وينفذ لها من
أعمال أيام حياة زوجها الخليفة
الحكم، وكان هذا الحاجب يمتلك
قدرات كبيرة من الذكاء والهمة
والإقدام والمبادرة والدهاء
والسياسة، إضافة إلى طموحات
كبيرة لم تنتبه إليها الوصية
على العرش (صبح). وقد نجح
هذا الحاجب – كما قلنا - في
تصفية كل المنافسين والمتنفذين
في القصر من حجاب وصقالبة
ومستعربين، ليصبح السيد الوحيد
ويحول الخلافة الأموية في
الأندلس إلى ملك ينتسب إليه،
ويرثه أبناؤه من بعده، وقد جعل
أمر الخليفة (الطفل) والوصية
عليه (صبح) في قبضته!!
تاركاً لبني أمية الاسم الرمزي
والخلافة الصورية والخطبة على
المنابر، وتمثل عهده
بالاستبداد والتسلط والرعب
والحروب والصراعات والغزو
لبلاد الفرنجة التي غزاها أكثر
من خمسين غزوة لم يهزم في واحدة
منها.
ولم يمض
أكثر من أربعين سنة حتى كانت
دولة العامريين قد أصبحت آخر
ومضة تمثلت فيها دولة الخلافة
الأموية في الأندلس، وبسقوط
دولة العامريين، التي أرادت
وراثة ملك بني أمية على أساس غير
شرعي أو مقبول لدى الناس، انفرط
عقد دولة الأمويين في الأندلس،
وهوت الدولة الشامخة التي ملأت
سمع الدنيا وبصرها بما وصلت
إليه من قوة ومنعة وعلم وعظمة
وعمران وتمدن وثراء. وقام على
أنقاضها عصر (دويلات الطوائف)
الذي كان من أضعف وأردأ ما عرف
المسلمون من عصور الضعف والتفكك
والهوان في تاريخهم. لقد ورث
خلافة الأمويين أكثر من عشرين
حاكماً في أكثر من عشرين مقاطعة
أو مدينة (وهذا قريباً من أرقام
دولنا العربية الحالية)، وقد
انقسم هؤلاء الحكام إلى بربر
وصقالبة ومستعربين، وعرب
(مضريين ويمنيين)، وكانت بينهم
حروب قومية وعرقية وطائفية، لم
يخمد أوارها طيلة السنوات التي
حكموا فيها، ولقد ترك هؤلاء
الملوك المستذلون الضعاف ملوك
الفرنجة يتجرؤون عليهم
ويتلاعبون بهم ويتقدمون في
بلادهم ويقضمون أرضهم ويغنمون
مدنهم، في حين انشغل هؤلاء
الملوك بحروبهم ومنازعاتهم
الداخلية، والاستعانة بالفرنجة
ضد بعضهم البعض، وتسابقهم على
كسب ود الفرنجة وحمايتهم،
وامتهنوا في ذلك كرامتهم وكرامة
الأمة، فدفعوا الجزية صاغرين،
وتنازلوا طوعاً عن بعض مدنهم
وقلاعهم لأمراء الفرنجة،
وحاربوا في جيوشهم ضد المسلمين
من إخوانهم في المدن الأخرى من
أرض الأندلس الإسلامية. ولا
يستطيع المرء أن يزعم أن
باستطاعته أن يحصي كل مآسي
ومساوئ الفترة المسماة بفترة
دويلات الطوائف رغم غنى التاريخ
بها. ولقد
أدى التنافس بين هذه الدويلات
إلى رفعة منزلة الشعراء
والأدباء والمغنين والمغنيات،
ولم يكن ذلك حبا في الأدب أو
إعجاباً بفن الموسيقى والطرب،
وإنما كان ذلك من جملة أساليبهم
الإعلامية في الحرب التي كان
يشنها بعضهم على البعض، وفي
محاولة تحصيل المجد والشهرة
القائم على بريق زائف ومغانم
رخيصة (كحال إعلام دولنا في هذه
الأيام الذي يصطنع هالة مزيفة
للحكام ويرفع من شأنهم، ويزم
ويقدح ويمتهن آخرين بحسب
الأهواء والخصومات). وقد
اشتهر من بين ملوك هذه الدويلات
المتنافسة أسرة بني عباد، التي
نبغ فيها المعتمد بن عباد كأمير
مشهور شجاع، وكشاعر كبير ذي قلم
سيال لا يبارى!! ولقد
استفحل الخلاف والتنافس بين هذه
الدويلات وملوكها كاختلاف
الضباع على أشلاء فرائس الأسود،
في مقابل استفحال ضعفهم في
مواجهة العدو الحقيقي
(الفرنجة)، فكانوا خير من تمثل
قول الشاعر فيهم: أسد علي
وفي الحروب نعامة *** ربداء تجفل
من صفير الصافر وكان من
نتائج ذلك طمع الفرنجة في
أشبيلية وفي المدن الأندلسية
الأخرى. ولئن
كان للمعتمد بن عباد من فضل، فإن
ذلك الفضل لن يكون إلا في
محاولته مقاومة هذا الخطر حين
رأى دنوه من أبواب عاصمة
ملكه. ولم يكن
أمامه من مخرج، وقد عجز عن توحيد
كلمة الملوك من حوله للتصدي
لأطماع الفرنجة وأجندتهم، غير
الاستعانة بدولة المرابطين في
المغرب العربي، وأرسل إلى
أميرها يستغيث به ويستنجده،
وعندما كان بقية ملوك الطوائف
يبدون خشيتهم مما أقدم عليه
المعتمد، قال لهم كلمته
المشهورة : (لأن أرعى الإبل
عند يوسف خير من أن أرعى
الخنازير عند ألفونسو). ولبى
أمير المرابطين يوسف بن تاشفين
استغاثة المعتمد على عجل وتقدم
على رأس جيش عرمرم عبر به البحر
لنجدة المسلمين في الأندلس وحقق
في (معركة الزلاقة) سنة (479
هـ/ 1086م) انتصاراً كبيراً
على الفرنجة كان من أثره مد عمر
دولة الإسلام في الأندلس لنحو
أربعة قرون. ولم
يلبث أن بسط ابن تاشفين يده على
تلك الدويلات وجعلها في عداد
ملكه، بعد أن قضى على ملوكها
وأمرائها واحداً بعد الآخر، بعد
أن أوغر قادة جنده صدره عليهم،
حسداً منهم على ما كان يعيشه
هؤلاء الملوك من بحبوحة ورغد
وثراء، متهمين هؤلاء الملوك
بمحاولة الغدر والخيانة. وقد
حاول بعضهم (كما روت بعض كتب
التاريخ) الاستعانة بالفرنجة
على ابن تاشفين، ولكن الفرنجة
كانوا في حينها أضعف من أن
يقدموا على أية حماقة يعرفون
سوء عاقبتها. وفي
مدينة (أغمات) بالمغرب
الأقصى كانت نهاية أشهر ملوك
الطوائف المعتمد بن عباد حيث
قبع بقية أيامه في سجنه غريباً
فقيراً ذليلاً لا يجد من
يواسيه أو يخفف من آلامه،
(وكان الأجدر بابن تاشفين أن
يرفع من قدره ويعزه ويجله ويعرف
لهذا الرجل مكانته بعد أن أطاح
بملكه!!). لقد
أهمل ملوك الطوائف واجباتهم وما
عليهم من حقوق تجاه شعوبهم
وأوطانهم، وما عليهم من واجبات
تجاه إعداد الجيوش للتصدي
للأعداء، فنغص الله كل شيء
عليهم حتى الموت، كما قال ابن
صمادح الطائفي حاكم ( ألمرية
) وهو يحتضر ويسمع أصداء
الهجوم على قصره، (فليبحث ملوك
الطوائف في كل عصر عن الحياة،
حتى لا يبحثوا ذات يوم عن الموت
فلا يجدوه، وحتى لا ينغص الله
عليهم كل شيء حتى الموت..
فتلك سنة الله.. ولن تجد لسنة
الله تبديلا !!). ـــــــــــــ قصة سقوط الأندلس.. العبر
والدروس (2-2) محمد
فاروق الإمام كانت
السنوات الأولى من القرن الخامس
الهجري/الحادي عشر الميلادي
تحمل في أحشائها إرهاصات سقوط
الأندلس.. فقد سقطت الدولة
العامرية، آخر حامية للدولة
الأموية وأمنع معاقلها في
الأندلس. وكان
البربر قد هاجر كثير منهم إلى
الأندلس بحثا عن سلطة أو زعامة،
وكان الصقالبة وهم مجموعة كبيرة
من أبناء الفرنجة الذين تربوا
في رحاب القصور وغدوا الحراس
المؤتمنين، وتعود إليهم
المشورة والرأي في حياة سكان
هذه القصور صغيرها وكبيرها،
يشكلون بدورهم عنصراً مهماً في
مواجهة البربر والمستعربين
والعرب (المضريين واليمنيين) في
الحياة السياسية والاجتماعية
والاقتصادية الأندلسية. ومن هذه
القوميات والعرقيات المتنافسة
تشكل الوجود الأندلسي في بداية
القرن الخامس الهجري/الحادي عشر
الميلادي.. فلما سقطت
خلافة الأمويين الإسلامية في
الأندلس، نتيجة وقوعها في أتون
مشاحنات داخلية وصراعات قومية
وعرقية.. تحركت كل هذه
الطوائف التي تشكل نسيج الدولة
الأندلسية تبحث عن السلطة
والتملك، بدلاً من أن تتحد
قواهم في مواجه الفرنجة
المتربصين المجاورين لهم،
وبدلاً من أن يرفعوا راية
الإسلام والجهاد .. كأمل
ينقذ أندلسهم من التحدي
الإفرنجي الطامع بهم..
بدلاً من هذا كله..
انساقوا وراء أحقادهم القومية
والعرقية والطائفية وإذكاء
نعراتهم العصبية فيما
بينهم!! وظهر في
الأندلس أكثر من عشرين دولة
يتقاسمها الأندلسيون والبربر
والعرب والصقالبة
والمستعربون.. فقد قامت في
كل مدينة دولة، بل ربما اقتسم
المدينة أكثر من طامع
ومنافس. واستمر أمر هذه
الدول أو هذه المدن المتنافسة
التي عرف حكامها بملوك
الطوائف.. استمر أمرها
أكثر من خمسين سنة..
أُمتهن فيها الإسلام
والمسلمون، وتوسل كل ملك منهم
بالفرنجة ضد إخوانه المسلمين،
ووقف ابن حيان (مؤرخ الأندلس)
يستشف ما وراء الحجب من مدلهمات
الأمور وما يحمله الغد المظلم
من فواجع، ويقول لأهله
بمرارة: يا أهل
أندلس شدوا
رواحلكم ** فمـا المـقام بها إلا
من الغلـط
الثوب
ينسل من أطرافه وأرى ** ثوب
الجزيرة منسولاً من الوسط من جاور
الشر لا يأمن بوائقه ** كيف
الحياة مع الحيات في
سفط لقد
أخفق ملوك الطوائف في أن يلموا
شعثهم، وأن يتوحدوا في مواجهة
الخطر المحدق بهم، فقد كان كل
واحد منهم يعتقد أنه الأحق
بالقيادة والزعامة.. ومن
عجيب المقادير أن (ألفونسو
السادس) ملك قشتالة وليون
واستوريا، كان يتظاهر بحماية
هؤلاء الملوك المسلمين بعضهم من
بعض، ويأخذ منهم الجزية
والإتاوات التي يرفع من قيمتها
سنة بعد أخرى، واستطاع أن يعد
عدته من أموال هذه الإتاوات
التي كان يفرضها عليهم ليلتهمهم
بها واحداً بعد الآخر..
وكان أول ما التهمه ألفونسو من
أرض المسلمين تحت سمع وبصر
هؤلاء المتنافسين والمتنازعين
والمتصارعين على الفتات، بل
وبمساعدة بعضهم.. حاضرة
الأندلس مدينة طليطلة سنة 478 هـ/
1085م. وعند وقوع هذه الفاجعة
تأكد لدى أكبر ملك من ملوك
الطوائف (المعتمد بن عباد) أن
ألفونسو لن يتوقف عند طليطلة
فهو يريد التهام الأندلس كل
الأندلس.. وفكر في وسيلة
تنقذ بقية الأندلس..
وساقته الأقدار إلى حل واحد لم
يكن له خيار فيه. لقد قرر
أن يستنجد بالمرابطين المسلمين
الموجودين في المغرب الأقصى –
كما ذكرنا - كقوة إسلامية ناشئة،
يمكن أن تقدم له العون وتوقف زحف
الفرنجة. وقد نجح المرابطون في
إيقاف الزحف الإفرنجي، وأذلوا
كبرياء ألفونسو في معركة
الزلاقة، واستردوا كثيراً من
مدن الإسلام، ولم يحاول
الأندلسيون بناء أنفسهم..
أو يحاولوا الاستفادة من إبعاد
خطر الفرنجة عنهم، ويعيدوا
حساباتهم ويعيدوا بناء ذاتهم..
لقد اعتادوا الاستعانة
بإخوانهم المغاربة، فقد أعماهم
ما بين أيديهم من مال وما ينعمون
به من رغد الحال وما يتفيؤون من
ظلال وما يسكنون من قصور وما
يملكون من جوار وقيان. وبقيت
دولة الأندلس حية تنبض بالحياة
بفضل المرابطين ثم الموحدين ثم
بني مرين.. وبقيت مملكة
غرناطة الإسلامية وحدها أكثر من
مئتي عام تصارع الموت من أجل
البقاء، كما تصارع خيوط الشمس
الأفق. ولكن
قانون الحياة كان قد قال
كلمته.. فإن الذين أخفقوا
في أن يجعلوا من أنفسهم قوة
قادرة على التمسك بالحياة ما
كان ينفعهم أن يستصرخوا إخوانهم
في المغرب أو يستنجدوا بهم كلما
حاق الخطر بهم وأراد وجودهم
وكيانهم!! وشهد
القرن السابع الهجري/الثالث عشر
الميلادي سقوط معظم القلاع
والمدن الإسلامية الأندلسية
واحدة بعد الأخرى بيد الفرنجة،
ولم تفلت منه - إلى حين - سوى
مملكة غرناطة، التي لم تلبث بعد
قرنين - أن لقيت حتفها. وعلى
امتداد الأندلس - شرقيه وغربيه -
بدأ الفرنجة يسوقون المسلمين
المفككين، المتناطحين بالألقاب
والرايات والقيان والجواري
والمغنين والمغنيات والترف
والفسق والفجور، المنقسمين في
ولائهم بين ملوك الفرنجة..
يسوقونهم إلى حتفهم الأخير.
فبعد سقوط الموحدين في الأندلس،
انفرط عقد هؤلاء، فلم يعد
يجمعهم جامع من خلافة إسلامية
جامعة، أو من استجابة لتحد
خارجي، أو من عقيدة متفوقة
تشتعل أعماقهم بها، ويبحثون عن
رفعها أكثر مما يبحثون عن رفعة
أنفسهم وتوفير ملذاتهم
وترفهم.. ولذا؛ فقد تبع
سقوط الموحدين التمهيد لسقوط
كثير من مدن الأندلس كمرسية
وبلنسية وقرطبة والشرق
الأندلسي.. ثم الغرب
الأندلسي الذي كانت عاصمته
أشبيلية!! لقد عرف
أهل أشبيلية بعد سقوط الموحدين،
أنهم أصبحوا وحيدين ولابد لهم
من حماية خارجية تعودوا عليها
وركنوا إليها، بعد أن أخفقوا في
الاعتماد على الذات..
فأرسلوا بيعتهم إلى الأمير أبي
زكريا الحفصي أمير الحفصيين في
تونس الذين ظهروا في المغرب بعد
سقوط الموحدين، لكن الرجال
الذين أرسلهم الأمير الحفصي إلى
أشبيلية أساءوا معاملة الناس
وأظهروا الفساد.. فاضطر
أهل أشبيلية إلى طردهم، وبدءوا
في الاعتماد على أنفسهم، وألغوا
المعاهدة المجحفة التي كانوا قد
أبرموها مع ملك قشتالة فرناندو
الثالث. وكان
لنقض بيعتهم للحفصيين وطرد
رجالهم، ومن ثم إلغاء المعاهدة
التي عقدوها مع ملك قشتالة
نذيراً ببداية النهاية
لأشبيلية، وقد فقدوا العون
الإسلامي الخارجي، (فقد كانت كل
دول الإسلام منشغلة شرقها
وغربها بصد حملات أو حروب أو
منازعات، وكان كل أمير أو ملك
يغني على ليلاه).. وأعلنوا
- بإلغائهم المعاهدة - الحرب على
قشتالة، ولم تكن ظروفهم مهيأة
لدخول مثل هذه الحرب. وقد
شهدت سنة 644هـ/1246م بداية التحرك
الإفرنجي ضد أشبيلية، وتمكنوا
من الاستيلاء على حاميتها في
هذا العام.. وكان ذلك
بمساعدة ابن الأحمر ملك غرناطة
وفقا لمعاهدته مع
فرناندو..! وفي
العام التالي تقدمت الجيوش
الإفرنجية مرة أخرى إلى
أشبيلية، وقد نجحت في الاستيلاء
على عشرات من المدن التابعة لها
بفضل تدخل ابن الأحمر، ومنعه
هذه المدن من القتال بحجة أن
القتال عبث وجنون ومهلكة (وفي
زماننا من يقول بمثل هذه
النظرية)...!!! وتم
حصار أشبيلية وتطويقها من جميع
الجهات بالكتائب الإفرنجية.
وبالكتيبة التي يقودها ابن
الأحمر المسلم، مشتركين جميعاً
في تشريد أهلها وسحق حاميتها
ومقاتليها.. ولعل وجود
راية ابن الأحمر تخفق بين رايات
الفرنجة المحاصرة
للمسلمين.. كان أشد وقعاً
عند أهل أشبيلية الذين استماتوا
في الدفاع عن مدينتهم.. وظلم ذوي
القربى أشد مضاضة.. من وقع
الحسام المهند.. وهذا ما حصل عند
غزو الأمريكيين والغرب العراق
واحتلاله!! لقد وقف
أهل أشبيلية الشرفاء نحواً من
سنة يدفعون الحصار الإفرنجي
المدعوم من ابن الأحمر..
وقد نجحوا في إيقاع الفرنجة في
أكثر من كمين وأصابوهم بالهزيمة
أكثر من مرة. وقد حاولوا - وهم
يتصدون للحصار بلحم أجسادهم -
الاستنجاد بالمغرب دون
جدوى.. بينما توالت
النجدات على الفرنجة، حتى نجح
هؤلاء في منع المؤن عن المسلمين
المحاصرين في أشبيلية..
فنفدت الأقوات ودب الجوع في
أوصال المدينة المجهدة، حتى أكل
أهلها الدواب والكلاب والقطط
والجرذان وكل ما يدب على الأرض
قبل أن يستسلموا...
!! وكان
قضاء الله .. وخرج
المسلمون الأشبيليون من
مدينتهم وفق شروط المعاهدة
المذلة والقاسية.. خرجوا
نازحين إلى مدن إسلامية أسبانية
أخرى لم تلبث أن سقطت الواحدة
تلو الأخرى، وكان الفرنجة
يغيرون عليهم ويقطعون عليهم
الطرق ويسلبوهم ما بأيديهم من
زاد أو متاع أو مال، ولم تسلم
النساء من السبي والأطفال من
الخطف!! لو كان
هؤلاء المسلمون في مئات المدن
التي استسلمت دون قتال بواسطة
ابن الأحمر أو خوفاً من الموت أو
حباً في السلامة والبقاء
.. لو كان هؤلاء قد اتحدوا
وقاتلوا.. أو لو أنهم
قاتلوا تحت أي ظرف.. ما
كانت النتيجة ستصبح شراً من هذا
الحال الذي لقيه المسلمون في
الأندلس!؟. لكنها
سنة الله في حركة التاريخ..
فعندما يتم الخروج على قوانين
السماء تتجمع عوامل الفناء
فيغلق باب العودة..
فتتحقق الإبادة.. ويتحقق
الموت في شكل مجموعة من
الكوارث.. سنة الله ولن
تجد لسنة الله تبديلا !! إن قصة
خروج العرب من الأندلس لم تكن
قصة عدو قوي انتصر عليهم بقدر ما
كانت قصة هزيمتهم أمام
أنفسهم.. قصة ضياعهم وأكلهم
بعضاً بعضا كما تأكل النار
الحطب. وكان
سقوط (قرطبة ) أكبر معاقل
الإسلام في الأندلس سنة 633هـ/1235م
البداية للسقوط التام في
الأندلس . وقد
اضطر ابن الأحمر مؤسس مملكة
غرناطة إلى أن يهادن ملك
قشتالة، وأن يعقد معه صلحاً
لمدة عشرين سنة، وأن يسلم له -
بناء على شروط الصلح - مدينة
جيان وما يلحق بها من الحصون
والقلاع، وأن يتنازل عن أرجونة
وبيع الحجار وقلعة جابر وأرض
الفرنتيرة.. واعترافه
بالطاعة لملك قشتالة والتعهد
بأن يؤدي إليه جزية سنوية قدرها
مائة وخمسون ألف مرافيدي
(العملة الإسبانية)، وأن
يعاونه في حروبه ضد أعدائه
(إخوانه المسلمين!) وعندها
استغل ملك قشتالة هذا الصلح
ليتفرغ لضرب المسلمين الآخرين،
هاجم مدينة أشبيلية قاعدة غربي
الأندلس كله.. وكانت هناك
كتيبة إسلامية أرسلها ابن
الأحمر تهاجمها معه (كما
قلنا) فسرعان ما سقطت أشبيلية
الإسلامية حاضرة الثقافة
الإسلامية الرفيعة - بيد
فرناندو الثالث ملك قشتالة سنة
646هـ/1248م وبمعونة ابن الأحمر. وعندما
كاد أمد الصلح بين ابن الأحمر
وبين ملوك قشتالة ينتهي بعد
(العشرين سنة) سعى ابن
الأحمر لتجديد الصلح.. وفي
سبيل ذلك تنازل لقشتالة عن عدد
كبير من بلاد الإسلام قيل إنها
بلغت أكثر من مائة بلد وحصن!
فقد كان كل شيء عند هؤلاء ممكناً
التنازل عنه بعد أن استعبدوا
الدنيا وأعمتهم السلطة وتخلوا
عن الإسلام وقيمه ومبادئه
والاعتزاز به (واليوم يعيد
التاريخ نفسه فهذه السلطة في
رام الله تتنازل عن ثوابت الأمة
ومقدساتها والقضية الفلسطينية
كي تنصب نفسها على دولة تقوم على
الفتات التي يتكرم به الصهاينة
عليها). وفي
الشرق الأندلسي كان شيء من هذا
يحدث على نحو أعتى وأقسى وأمر،
ففي (بلنسية).. كان آخر
أمراء الموحدين هناك (أبو زيد
بن أبي عبد الله) يلجأ إلى
الأعداء الفرنجة بعد انهيار
ملكه في بلنسية تحت ضربات
منافسه (أبي جميل زيان)..
وكان هذا الخائن العاق الجاحد
يشهد مع ملك أرجوان كل غزواته ضد
المسلمين.. ولم يكتف بهذا
المصير التعس.. فاتخذ
قراره (بالتنصر والانسلاخ عن
الإسلام)...!! وبينما
كانت مدن بلنسية الكبرى وقراها
وحصونها تتداعى ما بين سنوات
(630-636هـ/1223- 1238م) كان (أبو
زيد) يبذل جهوده مع الفرنجة في
حروبهم ضد المسلمين..
ويعاونهم في التعرف على نقاط
الضعف لدى أبناء دينه وجلدته
الذين انسلخ عنهم. وفي الوقت
نفسه كان ابن الأحمر يساعد ملك
قشتالة بكتائبه ضد إخوانه
المسلمين. وبقيت
غرناطة صامدة عصية حية زاخرة
بالفكر الإسلامي والرقي
الحضاري والإبداع المدني قرنين
كاملين.. وكان شعور
الغرناطيين بأنهم أمام عدو محيط
بهم من كل جانب، يتربص بهم
الدوائر، وينتظر الفرصة
السانحة لالتهامهم، وبأنه لا
أمل لهم في النصرة من خارج
الأندلس، كما حدث لابن عباد
عندما انتصر له ابن تاشفين،
فدول الإسلام شرقها وغربها كانت
منهمكة في صراعات داخلية وحروب
قبلية وغزو خارجي، وبأنه لابد
لهم من الاعتماد على
أنفسهم.. كان هذا الشعور
باعثهم الأكبر على الاستعداد
الدائم.. ورفع راية الجهاد
والتمسك بإسلامهم. وبهذا نجحت
غرناطة في أن تظل إلى سنة ( 897
هـ/1492م) سيدة الأندلس الإسلامي
ومنارة العلوم وشعلة الحضارة
الإسلامية الباقية في أوربا. لكن
الأعوام القريبة من عام السقوط
شهدت تطوراً في الحياة
الأندلسية.. فعلى المستوى
الإفرنجي بدأ اتحاد كبير ضم
أكبر مملكتين مسيحيتين
مناوئتين للإسلام.. وهما
مملكتا أرجوان وقشتالة، وقد
اندمجت المملكتان في اتحاد
توجاه بزواج (إيزابيلا) ملكة
قشتالة من (فرناند) ملك
أرجوان.. وكان الحلم الذي
يراود الزوجين الملكين
الكاثوليكيين ليلة زفافهما هو
دخول غرناطة.. وإشهار
زواجهما في قصر الحمراء، ورفع
الصليب فوق برج الحراسة في
غرناطة - أكبر أبراجها – وفي
المقابل فقد كان هناك خلاف
كبير قد دب داخل مملكة غرناطة
ولاسيما بين أبناء الأسرة
الحاكمة، وتم تقسيم مملكة
غرناطة الصغيرة إلى مملكتين،
تهدد كل مملكة منهما الأخرى
وتقف لها بالمرصاد.. مملكة
في العاصمة الكبيرة (غرناطة)
يحكمها أبو عبد الله محمد علي
أبو الحسن النصري (آخر ملوك
غرناطة) ومملكة في (وادي
آش) وأعمالها يحكمها عمه أبو
عبد الله محمد المعروف بالزغل.
وقد بدأ
الملكان الكاوثوليكيان هجومهما
على المملكة الأضعف (وادي
آش) سنة (894هـ/1489م)، ونجحا في
الاستيلاء على وادي آش وألمرية
وبسطة.. وغيرها والقضاء
على الزغل، ليصبحا على مشارف
مدينة غرناطة. وعندما
قررا إنهاء الوجود العربي في
الأندلس أرسلا إلى السلطان أبي
عبد الله النصري يطلبان منه
تسليم مدينة الحمراء الزاهرة،
ويتعهدان بالإبقاء عليه حياً
يعيش في غرناطة تحت
حمايتهما.. وعرف عبد الله
أن هذا الطلب إنما يعني
الاستسلام بالنسبة لآخر ممالك
الإسلام في الأندلس، فرفض
الطلب، ودارت الحرب بين
المسلمين والفرنجة واستمرت
عامين .. يقودها ويشعل
الحمية في نفوس المقاتلين فيها
فارس مسلم من هؤلاء الذين
يظهرون كلمعة الشمس قبل الغروب
(موسى بن أبي الغسان). وبفضل
هذا الفارس وأمثاله وقفت غرناطة
في وجه الملكين الكاثوليكيين
عامين وتحملت حصارهما القاسي
سبعة أشهر.. لكن مع
ذلك.. لم يكن ثمة شك في
نهاية الصراع.. فأبو عبد
الله الذي لم يحفظ ملكه حفظ
الرجال. والانقسام العائلي
والخلاف الداخلي في المملكة في
مقابل اتحاد تام في الجبهة
المقابلة.. مضافاً إلى
ذلك حصاد تاريخ طويل من الضياع
والقومية الجاهلية والصراع
بعيداً عن الإسلام.. عاشته
غرناطة وقد ورثته عن الممالك
التي سبقتها في السقوط.. كل هذه
العوامل قد عملت على إطفاء آخر
منارة إسلامية في الأندلس. وقبل أن
يركب أبو عبد الله الصغير
(آخر ملوك غرناطة) سفينته
مقلعاً من عاصمة ملكه وملك
آبائه، مودعا آخر أرض علا فيها
النداء الخالد (الله أكبر.. الله
أكبر) في أوروبا بعد ثمانية قرون
عاشتها في ظلال الإسلام
واستضاءت بهدي نوره... في هذا
الموقف المفجع العنيف.. وقف
أبو عبد الله الصغير فوق هضبة
البادول المطلة على الأندلس
ورأى مملكة غرناطة تزهو على
الدنيا أمامه وقد رحلت عنه إلى
الأبد يبكي بألم وحرقة ضياع هذا
المجد.. فتزيده أمه كمداً
بقولها: (ابكِ كالنساء ملكاً
مضاعاً لم تحافظ عليه مثل
الرجال!!). ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |