ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
"لبنان
الديمقراطي" .. ترفضه الأنظمة
غير الديمقراطية الطاهر
إبراهيم* يوم نال
لبنان استقلاله في أربعينيات
القرن العشرين، توافق
اللبنانيون على صيغة من الحكم
تقاسمت فيه طوائفه الثلاث
مؤسسات الحكم، ويسميها
اللبنانيون الخصوصية اللبنانية.
صحيح أنها لم تكن تؤمن لكل طائفة
ما تتمنى، لكنها كانت كافية كي
يعيش الناس في لبنان في بحبوحة
من الحرية والديمقراطية لم تكن
عند غيرهم من بلدان الجوار. في
ذلك الوقت ربما كان هناك بعض
شخصيات سياسية تطمح أن يكون لها
ميزات أكثر مما تستطيع تحصيله
من خلال الصيغة المتوافق عليها،
إلاأن هذه الميزات كانت أقل من
أن يحسدها عليه أبناء الوطن
وأكثر من أن تشعر بمرارة
الحرمان، لأن الجميع كان يملك
حدا أدنى من الكرامة والحرية،
بحيث لا يشعر بعقدة النقص طالما
أن الكل متقاربون بما يحصلون
عليه. وعندما
بدأت الانقلابات تتوالى في
بلدان عربية مجاورة، كان
المغضوب عليهم من رجال العهد
السابق يلجئون إلى لبنان هربا
من سطوة الحكم الجديد، فكانوا
يجدون فيه الملاذ الآمن بعيدا
عن متناول يد السلطة الجديدة في
بلادهم. بعض هؤلاء كان يقنع من
الغنيمة بالملاذ الآمن. غير أن
بعضهم الآخر كان يحن إلى لعودة
إلى الكرسي في وطنه فهو يتحرك
بحرية تامة في لبنان ويتصل
بأنصاره في وطنه الذين لمّا
يكشفهم الحكم الجديد بعد. لبنان
لا يريد أن يقيد حرية ضيوفه. بل
لم تكن هناك سلطة فيه تستطيع
تجاوز ما تواضع عليه اللبنانيون
يوم توافقوا على العيش المشترك،
وربما يكون لبنان قد أُتِيَ من
هنا. هذه
الأريحية اللبنانية لم يستسغها
الإنقلابيون الجدد في دول
الجوار. فهم قد سنوا في بلدانهم -بعد
استيلائهم على الحكم- صيغة تقول:"من
ليس معنا فهو ضدنا". ولأن
الإنقلابيين الجدد
لا يستطيعون أن يفرضوا هذه
الصيغة في لبنان، لأن لبنان
يحكمه اللبنانيون من خلال صيغة
العيش المشترك التي تواضعوا
عليها، إذن لابدّ أن يجدوا
لبنانيين يرضون أن يكونوا "عيونا"
لهم في لبنان أو أعوانا. وهكذا
استطاعت أيدي الانقلابيين أن
تصل إلى معارضيهم، فهرب البعض
خارج لبنان ومن بقي كان نصيبه
الاعتقال أو الاغتيال. هكذا
وجدنا لبنان وقد انتقص شيء من
سيادته، لأنه لم يستطع أن يؤمن
الحماية لضيوفه. لكن اللبنانيين
بقوا ديمقراطيين فيما بينهم
يقبلون فيما بينهم صِيَغ
الاختلاف التي هي إحدى حسنات
الديمقراطية. بعض
انقلابيي دول الجوار اعتبروا
ديمقراطية لبنان ضارة، لأنهم
يخشون العدوى منها في بلدانهم.
ولأنهم لا يستطيعون تغيير
الدستور اللبناني الذي ينصّ على
الديمقراطية وتداول السلطة،
إذن لا بد أن تبرمج هذه
الديمقراطية اللبنانية بحيث
تصب في ما تريده دول الجوار ،
لكن من خلال أبناء لبنان أنفسهم.
البعض من
أبناء لبنان كانوا يطمحون إلى
لعب أدوار لم يكن يستطيعون
لعبها من خلال الصيغة التي كانت
سائدة حسب الخصوصية اللبنانية
التي بيناها آنفا، والتي كان
سياسيوها يأتون من بيوتات شاركت
في صنع الاستقلال عن فرنسا،
فالتقى طموحهم مع رغبات دول
الجوار التي أرادت تغيير واقع
لبنان. لا
نبالغ إذا زعمنا أن أول خطوة في
ترويض لبنان وحرفه عما تواضع
عليه أبناؤه في بداية
الاستقلال، كانت يوم ألقت الدول
العربية عن كاهلها مسئولية
الفلسطينيين في اتفاق القاهرة
عام 1970، حيث سمح للفلسطينيين
بأن يستوطنوا لبنان، لا كما هو
الحال في سورية أو في الأردن أو
في لبنان قبل اتفاق القاهرة، بل
ترك الأمر على الغارب، فعمل
ياسر عرفات على إقامة حكومة "الفاكهاني"
في بيروت. المسيحيون
رفضوا هذا الأمر لأن ذلك من شأنه
الإخلال بديموغرافية لبنان،
لأن الفلسطينيين غالبيتهم
العظمى من المسلمين، وسيؤثر ذلك
على تقاسم المؤسسات الحكومية
مناصفة بين المسلمين
والمسيحيين في لبنان، فانطلقت
الحرب الأهلية في 13 نيسان 1975.
ولم يكن هذا بداية حروب الإخوة
الأعداء فحسب، بل كان بداية
انحسار سلطة اللبنانيين على
وطنهم، بل أصبحوا وكلاء لمن
يحكم لبنان من خارج لبنان. كما
لم تعد تقتصر الحرب على
المسيحيين وفدائيي "عرفات"
فحسب، بل اتسع الأمر حتى لم يعد
المؤرخ الماهر يتبين عدد
المتداخلين في تلك الحرب، من
داخل لبنان وخارجه. نستطيع
القول أن الحرب وضعت أوزارها
يوم اتفق اللبنانيون في "الطائف"
عام 1989 على دستور مكمل للدستور
اللبناني. لكن الجنرال "ميشيل
عون" الطامح دائما إلى
الرئاسة، شعر كأن "الطائف"
سحب البساط من تحت قدميه، فأعلن
حرب تحرير لبنان ضد الجيش
السوري الذي اعتبر "الطائف"
وجودَه شرعيا بضوابط مرحلية
تنتهي بانسحابه نهائيا من لبنان.
لكن هذه المرحلية ما كانت
لتنتهي بالانسحاب لولا ضغط
المجتمع الدولي الذي أدى إلى
انسحاب الجيش السوري بعد اغتيال
الرئيس "رفيق الحريري"
يرحمه الله عام 2005. حرب تحرير
لبنان انتهت بهروب الجنرال "عون"
إلى باريس تحت جنح الليل،
بترتيب أمريكي فرنسي. استطاعت
سورية تأليف قلوب لبنانيين
طامحين إلى السلطة من مختلف
الطوائف، خصوصا الذين ما كانوا
ليصلوا إلى الوزارة بغير دعم
سوري. هؤلاء سماهم اللبنانيون
"زوار دمشق". بعد "الطائف"
برز على الساحة اللبنانية حزب
الله كحليف قوي لدمشق. كان
مختلفا عن غيره من الحلفاء حيث
فرض نفسه بالتقاء مصلحته مع
مصلحة النظام السوري. إذا كان
الجيش السوري خرج من لبنان في 26
نيسان 2005، فقد خلفه حزب الله
لإسكات أي
صوت معارض في لبنان كي لا يعود
لبنان ديمقراطيا إلا من حيث
الشكل فقط. انتخابات نيابية؟
نعم. بالحصص المتفق عليها حسب
الدستور؟ نعم. رئس جمهورية
مسيحي ينتخب من مجلس النواب؟
نعم. رئيس حكومة مسلم سني تنتخبه
الأكثرية؟ نعم. أليست هذه أركان
الديمقراطية في الدول
الديمقراطية؟ نعم. لكنها في
لبنان أصبحت ديمقراطية جوفاء،
وشكلاً من دون مضمون. فحزب الله
بسلاحه فرض لنفسه حق "الفيتو".
وإلا
فلا رئيس جمهورية فعال، ولا
حكومة تحكم، إلا من خلال
التوافق! لكنه التوافق الذي
يريده حزب الله ومَن وراءه في
إيران، وربما في سورية. وإلا
متى كان على مؤسسة القضاء أن
تتكيف كما يريد أهل السياسة؟
ومتى كان على أهل القتيل أن
يطلبوا من المحكمة أن تغلق
أبوابها إرضاء للمتهمين؟ ... يا
لها من ديمقراطية تخضع لوصاية
مَن استقوى بسلاحه على أبناء
وطنه .. ثم يزعم أنه سلاح مقاوم! ــــــ *كاتب
سوري ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |