ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 21/12/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

مصنع المناضلين

محمد سيف الدولة

Seif_eldawla@hotmail.com

كان لدينا فى مصر مصنعا وحيدا لتربية وإعداد الشباب وطنيا وسياسيا .

و كان هذا المصنع هو الجامعات المصرية .

كان الشباب يدخلونها مادة خام ، ويتخرجون منها وقد تحول معظمهم الى كوادر وطنية مُسيَسة واعية بكل ثوابتنا الوطنية ومدركة ومستوعبة لكل هموم البلد ومشاكل الناس .

ولقد اكتسبت الجامعة هذا الدور بسبب تميزها عن المؤسسات و التجمعات الأخرى بخمسة خصائص محددة :

1) الخاصية الأولى هى انها تضم داخل أسوارها نموذجا مصغرا لمصر ، فطلابها يمثلون كل المشارب والاتجاهات والطبقات والمناطق وهو ما يمكنهم جميعا من المشاركة فى أوسع دوائر للتفاعل والحوار والمعرفة والنشاط والتدريب بشكل لن يتكرر ثانية فى حياتهم .

 

2) الخاصية الثانية هى ان غالبية الطلبة بطبيعة الحال متحررون من معظم المسئوليات والالتزامات والضغوط التى يعيشها باقي الناس فى المجتمع ، مما يعطيهم حرية أكبر بكثير فى الحركة والتعبير والمعارضة والغضب والتمرد .

 

3) الخاصية الثالثة هي ان الشاب فى هذا المرحلة من عمره يكون بكرا ( لسه بخيره ) لم تكسره الحياة بعد ، لم يتعلم أمور المرونة والمهادنة والنفاق والخضوع والخنوع  والتوفيق والتلفيق وباقي قائمة اللعنات التي تصيبنا بها الحياة العملية .

 

 

4) الخاصية الرابعة هي ان ضخامة أعداد الطلبة وتجمعهم فى مكان واحد ، تجعل منهم قوة ذات شان ، و جماعة ضغط يعمل لها ألف حساب ان هى اتفقت على موقف او على قضية ما .

 

5) الخاصية الخامسة : هى ان الحركات الطلابية تكون عصية على العزل والحجب والحصار ، فالأولاد لهم أهل وبيوت وأحياء وقرى ونجوع على امتداد مصر كلها ، يعودون اليها كل يوم أو كل اسبوع ، يغذونها بما تعلموه ، ويؤثرون فيها ويتأثرون بها .

كما إنها عصية على التشهير التى تقوم به الدولة ضد كل معارضيها ، فهم لا يزالون صغارا أبرياء يفكرون ويتحركون على الفطرة والسجية .  وأى تجريح فيهم لن تكون له مصداقية . 

* * *

لكل ما سبق لم يكن غريبا أن يكون طلبة الجامعة هم طليعة المجتمع فى مظاهرات 1968 ضد أحكام الطيران ، وطليعته فى 1971 و1972 فى الضغط على النظام من أجل التعجيل بالحرب وتحرير الأرض .

ولم يكن غريبا أن تكون معظم القيادات الحالية لكافة الأحزاب والقوى والجماعات السياسية المختلفة هي ابنة و خريجة هذا المصنع العريق . تربت كلها فى ساحاته ، وبعد تخرجها واصلت أدوارها فى مؤسسات البلد الرسمية أو الشعبية ، المعارضة أو الحكومية .

* * *

ولأن الجامعة كانت هكذا مصنعا دائما للوطنية والوطنيين .

ولأن الوطنية بالضرورة ، ضد الأمريكان والصهاينة وحلفاءهم من الفاسدين وأغنياء الحرب والسلام .

ولأنها بالضرورة مع فلسطين والمقاومة والأمة العربية والإسلامية وكل المظلومين والمقهورين فى العالم .

ومع أغلبية الشعب من الناس البسطاء الطيبيين أصحاب البلد الحقيقيين .

لذا ، كان لابد للنظام المصري الأمريكى الجديد ، نظام كامب ديفيد ، وهو يعيد صياغة مصر على مقاس أمن إسرائيل ومصالح الأمريكان  ، أن يقوم فورا بإغلاق هذا المصنع بالضبة والمفتاح .

وبالفعل تم تحريم وتجريم العمل السياسى بالجامعة بموجب اللائحة الطلابية لعام 1979 ، في نفس العام الذى وقعت فيه مصر وإسرائيل معاهدة السلام .

ولتأمين الوضع الجديد بالقوة ، تم تأسيس البوليس السياسي للطلبة ، المسمى بحرس الجامعة .

الذى تولى مهمة حصار ومطاردة ووأد أى تحركات طلابية داخل الحرم الجامعى .

* * *

  ومن يومها لم يعد لدينا فى مصر مصدرا مركزيا لإعداد الشباب وطنيا وسياسيا.

  بل أصبح العمل الوطني الجاد تهمة يعاقب عليها القانون .

  وتم حرمان جيل كامل على امتداد أكثر من 30 عاما من التربية الوطنية، ثم تم تجريده بالتدريج من قيم الانتماء وحب الوطن .

  وحتى أولئك الطلاب الذين تمكنوا من تحصيل تربية وإعداد وطنى وسياسى من مصادر أخرى ، أصبحوا يشعرون بالغربة والعزلة داخل الحرم الجامعى الحالى ، الذى يعاملهم وكأنهم ظاهرة شاذة أو متطرفة أو مخيفة أو ثقيلة الظل .

  وهو ما انعكس بوضوح على حالة معظم القوى الوطنية المعارضة فى المجتمع ، التى انقطع عنها المدد الجماهيري الطبيعى التلقائى ، حين كان الخريجون يواصلون نشاطهم الوطنى والسياسى فى مؤسساتها ، ويضخون دماء جديدة    كل عام فى شرايينها ، مما ساهم فى إيقاف نموها وتطورها ، فانحصرت وضعفت و تقلص تأثيرها وتضاءلت قواعدها وكادت أن تندثر .

* * *

وهو ما يتوافق تماما مع الأهداف الصهيونية فى مصر ، والتى عبر عنها أحد قادتهم بوضوح حين قال : ان السلام مع مصر على المستوى الشعبى لم يتحقق بعد ، وانه على إسرائيل أن تنتظر رحيل الجيل الحالى ،  وميلاد جيلا مصريا جديدا لا يعاديها .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ