ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
إلى
متى ستظل تراهن الأنظمة
الشمولية المستبدة على هوان
الشعوب وتخاذلها؟! محمد
فاروق الإمام عندما
هاج الشعب الفرنسي وماج وثار
بعد احتقان طويل وصبر على حكامه
وانتفض في ثورته الشهيرة عام 1789
ليطيح بجلاديه ومجوّعيه
ومفقريه وناهبي ثروة الوطن،
استغربت ملكة فرنسا تجمع هذه
الحشود أمام قصرها. فسألت أحد
خدمها: لماذا يتجمع هؤلاء الناس
هنا؟ فقال الخادم: إنهم جائعون
يا جلالة الملكة!! قالت
الملكة: لماذا لا يأكلون؟ فأجاب
الخادم: لا خبز ولا طحين ولا
طعام عندهم، فقالت أطعموهم
البسكويت!! واليوم
يثور الجائعون والعاطلون عن
العمل في مدينة سيدي بوزيد
التونسية ويواجهون بلحم
أجسادهم الهزيلة قوات الأمن
التونسية المتخمة المتوحشة بعد
صبر طويل واحتقان مرير..
يتظاهرون من أجل الحياة الكريمة
والعيش الآمن مطالبين بحقهم
كتونسيين من ثروات الوطن
الهائلة التي يحتكرها أبناء
الطبقة الحاكمة ليتقلبوا
بنعيمها في مقابل حرمان
الملايين التونسيين من أبسط
حقوقهم في هذه الثروة وتأمين
العمل لهم وقد حازوا أعلى درجات
العلم بجهدهم وصبرهم وجلدهم
ممنين النفس بغد كريم يعوضون
فيه السنين العجاف التي عاشوها،
ليصدم هؤلاء بأن أحلامهم قد
تبخرت وآمالهم قد ضاعت، وأنه
مكتوب عليهم الفقر والجوع
والعري والبطالة لأنهم لا
ينتسبون إلى الطبقة العلية من
حكام البلاد أو أعوانهم أو
خدمهم أو المطبلين والمزمرين
والهتافين لهم. فهذا
الشاب محمد البوعزيزي يقدم على
الانتحار رغم ما يحمل من شهادات
علمية عالية، وقد ارتضى لنفسه
أن يكون بائع خضار على عربية
واهنة العجلات ليؤمن مايسد به
جوعته وجوعة أهله ويوفر أبسط
حاجاتهم، بعد أن يأس من تأمين
عمل كريم له اعتماداً على ما
يحمل من شهادة علمية تؤهله لتبؤ
عمل وظيفي كحال أقرانه ممن
تخرجوا معه وكانت الوظائف
بانتظارهم، بينما هو تشققت
قدماه من كثرة الوقوف وتقديم
الطلبات لدوائر الدولة صاحبة
الاختصاص دون جدوى، وقد استكثر
عليه أعوان الأمن في مدينته
عليه أن يكون بائع خضار بحجة عدم
حصوله على ترخيص من السلطات،
فاعتدوا عليه وصادروا بضاعته،
وعندما تقدم بشكوى لسلطات
الولاية وجد الأبواب موصدة في
وجهه، وعندها سكب البنزين على
جسده وأضرم النار فيه حتى ينهي
حياة الذل والعبودية. النظام
الشمولي المستبد الحاكم فعل كما
فعلت ملكة فرنسا قبل ما يزيد على
قرنين ومنح آلاف سكان ولاية
سيدي بوزيد الجائعين والعاطلين
عن العمل كعكة من الكيك (15 مليون
دولار) ليتقاسموها، فكانت ردة
فعل هؤلاء الجائعين العاطلين عن
العمل مزيداً من الغضب والغليان
والتظاهر والتحدي حتى سقط منهم
العشرات بين قتيل وجريح ومعتقل. إذاعة
هولندا العالمية أذاعت تقريراً
لمراسلها في تونس (عمر الكدي)
نقل فيه الصورة كاملة عن أسباب
الانتفاضة الجماهيرية الحاشدة،
حيث اندلعت المواجهات العنيفة
مع رجال الأمن الذين سارعوا
لتطويق هذه الحشود وتفريقم
بالحديد والنار. (يرى
كثير من المراقبين أن سبب
اندلاع انتفاضات عنيفة من حين
إلى آخر في مناطق الجنوب
التونسي – كما جاء في تقرير
الإذعة الهولندية -
يرجع إلى حرمان هذه المناطق
من التنمية، التي عادة ما يتم
تركيزها في المناطق الساحلية،
وسبق أن شهدت مدن الحوض المنجمي
اشتباكات عنيفة، كما شهدت مدينة
بن قردان الحدودية مع ليبيا
أعمال عنف غير مسبوقة بعد أن
أقفلت الحدود الليبية التي
يعتمد عليها الكثيرون من أهالي
بن قردان. وها هي مدينة سيدي
بوزيد تؤكد على وجود احتقان
شديد يحتاج فقط إلى قطرة واحدة
ليفيض الكأس، على غرار ما فعل
محمد البوعزيزي). ويؤكد
محمود الغزلاني - أحد أصحاب
الشهادات العليا من العاطلين عن
العمل - في حديث لإذاعة هولندا
أنه (لم يبق أمام شباب الجنوب
التونسي إلا النزوح إلى الشمال
للحصول على عمل، أو الهجرة في
قوارب الموت نحو أوروبا، ولكن
هناك اكتظاظاً شديداً في
المناطق الساحلية وعادة لا يجد
هؤلاء العمل الذي يرغبون فيه.
وبالرغم من شهاداتهم الجامعية
يضطرون للعمل في أي شغل يجدونه،
أما ليبيا التي كانت تمتص عدداً
كبيراً من شباب الجنوب التونسي
فقد زادت فيها نسبة البطالة عما
هي عليه في تونس). أما
الناشط الحقوقي التونسي إياد
الدهماني فيقول: (هناك حالة من
الاحتقان السياسي والاجتماعي
في البلاد، وغياب لكل الأطر
للحوار والتفاوض مع السلطة، مما
يحول هذا الاحتقان في لحظة من
اللحظات، وبفعل وجود حدث معين
إلى انفجار الوضع، مثلما حدث في
منطقة الحوض المنجمي، ومدينة
الرديف تحديداً، أو مثلما حدث
في بن قردان، أو مثلما حدث أيضاً
ولو بشكل ونسب متفاوتة في مدن
أخرى مثل الصخيرة، أو بوسالم،
أو جندوبة أو أريانة). أما عن
سبب التناقض بين معدلات النمو
في تونس ومعدلات البطالة فيقول
الدهماني: (هذه
التنمية غير كافية لخفض نسبة
البطالة، بمعنى أن نسبة التنمية
التي يفتخر بها النظام، والتي
يقول إنها وصلت إلى خمسة
بالمائة على مدى عدة سنوات، لم
تخفض نسبة البطالة في البلاد
بشكل عام، لأنه عندما وصل
الرئيس بن علي إلى السلطة سنة 1987
كانت نسبة البطالة 15 %، واليوم
تصل هذه النسبة حسب الأرقام
الرسمية إلى 14.6 %. كما أن ثمار
هذا النمو لم توزع بشكل عادل،
بالإضافة إلى وجود أزمة
اجتماعية نتيجة لتوزيع الثروة
في البلاد، حيث تواصل الفقر عند
طبقات وفئات كبيرة من الشعب
التونسي، وبروز ثروات هائلة لدى
قطاع محدود، وعدد قليل من
الفئات القريبة من الحكم، التي
استغلت نفوذها لبناء هذه
الثروات). وعن سبب
اتخاذ الحكومة التونسة دائما
التعامل مع هذه الأحداث من خلال
القبضة الأمنية؟ يجيب الدهماني
قائلا: (النظام التونسي نظام
منغلق، ليس فيه فضاءات للحوار.
وبنية النظام هي بنية استبدادية
وبالتالي فهو مبني على أن
التعامل الأمني كفيل بفرض الأمن
في البلاد. وهذا التوجه يثبت
اليوم عدم نجاعته على المستوى
المتوسط أو البعيد الأمد، ولهذا
تطالب قوى المعارضة بضرورة
إجراء حوار وطني يشارك فيه
الجميع، من أجل مراجعة هذه
السياسات، ومن أجل تنمية
اقتصادية واجتماعية تكفل
التوازن الجهوي). وبالرغم
من التعتيم الشديد حول الأحداث
التي شهدتها سيدي بوزيد إلا أن
هذه الأحداث على عكس الأحداث
الماضية، حظيت بنشر واسع على
صفحات مواقع التواصل
الاجتماعي، وخاصة موقع الفيس
بوك، الذي نشر الناشطون به ما
يجري ساعة بساعة، وهو ما يؤكد أن
السلطات فقدت القدرة على مجاراة
الناشطين. وتجدر
الإشارة هنا إلى أن تونس تعد من
أكثر الدول ممارسة للرقابة على
الإنترنت، وفقاً لتقارير دولية.
وتتعرض الكثير من المواقع، خاصة
الخبرية والحقوقية، إلى الحجب
باستمرار. لكن رغم ذلك تمكن
ناشطون تونسيون من إيجاد نافذة
تمكنوا من خلالها من نشر أحداث
مدينة سيدي بوزيد ساعة بساعة،
مع صور ومقاطع فيديو وتعليقات
صوتية من داخل الحدث. الأنظمة
المستبدة والشمولية
والديكتاتورية الفاسدة، التي
تجسم على صدر شعوبها في مشرق
الوطن العربي ومغربه لعقود
طويلة، أما آن لها أن تتعظ
وترعوي من مثل هذه الأحداث، وما
جرى في بلدان المنظومة الشيوعية
السابقة، أم أنها ستظل متغولة
في فسادها وبغيها وجبروتها
واستبدادها واستئثارها بثروات
الوطن ونهبها، وقد استمرأت قهر
الشعوب وإذلالها وتجويعها
وتفقيرها؟ أم أنها ستظل تراهن
على خنوع هذه الشعوب واستكانتها
وقبولها بالضيم والذل والقهر
والاستبداد؟! ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |