ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
العالم بعد العام 2010 : (
إسقاطات جيوسياسية مستقبلية ) أ.
محمد سعيد الفطيسي*
عندما ولد القرن العشرين -
كتب زبغنيوبريجنسيكي في كتابه
الفوضى , الاضطراب العالمي عند
مشارف القرن الحادي والعشرين –
كان ثمة أمل يساور البشرية بوضع
شبه مستقر في مختلف أرجاء
العالم , فقد عاشت القوى الكبرى
فترة طويلة نسبيا من السلام ,
ولم تعكر صفو الهدوء الذي خيم
على العالم في أعقاب حرب فينا
عام 1815م إلا حرب القرم
التي اندلعت في الفترة من
عام 1853- 1856م , وكذلك الحرب
الفرنسية البروسية في الفترة من
1870 - 1871م
.
وإذا كنا لا نختلف مع
بريجنسيكي في ان العالم وقتها
كان يتأمل من القرن التاسع عشر
ان يكون قرنا للأمل والاستقرار
والهدوء كما جاء في كتابه , إلا
أننا نختلف معه كثيرا في مقولة
أن البشرية في القرن التاسع عشر
لم يعكر صفوها بعد حرب فينا عام
1815م سوى حربين فقط , هما حرب
القرم التي
اندلعت في الفترة من عام 1853- 1856م
, وكذلك الحرب الفرنسية
البروسية في الفترة من 1870 -
1871م .
والحقيقة أننا نستطيع ان
نقول بان هناك ثمة أحداث أخرى
شهدها القرن الـ 19 , كانت لا تقل
شراسة وفوضوية عما تطرق إليه
بريجنسيكي في كتابه سالف الذكر ,
وهي بالطبع جزء من كل ما شكل
الصورة الحقيقة لصراع الأنظمة
والقوى السياسية خلال تلك
الفترة التاريخية التي لا يمكن
أن ندعي بأنها مستقرة سياسيا ,
ومن أبرزها : النزاع بين روسيا
والنمسا في الفترة من 1849 – 1850م ,
وتدخل الروس في المجر , هذا
بالإضافة الى نزاع بولغراد
ومقاطعات الدانوب , والحرب
الايطالية ونسف تسوية فيينا في
الفترة من 1858م – 1861م , والأزمة
البولونية ونهاية الوفاق
الفرنسي الروسي في الفترة من 1861
– 1863م , هذا بالإضافة الى عزل
فرنسا أوروبيا ونهاية التفوق
الفرنسي الذي أعقبه الحرب
الفرنسية البروسية في الفترة من
1870 - 1871م
.
هذا بالإضافة الى الأزمة
الشرقية الكبرى في الفترة من 1875
– 1878 م , والحرب الروسية –
التركية وقيام عصبة الأباطرة
الثلاثة , والاحتلال الألماني
لشبه جزيرة كايو تشو , وانتفاضة
البوكسر والحرب الصينية –
اليابانية , والتدخل الأوربي ضد
اليابان , والإعلان الفرنسي –
الروسي حول الصين , والحرب
الروسية – اليابانية , وربما
كانت حرب البوير هي الأخيرة في
حروب وصراعات ذلك القرن , حيث
نشبت في أكتوبر من العام 1899م .
كذلك ومما يجب عدم تغافله
عربيا من أحداث جسام خلال تلك
الفترة هو ما هز تونس والمغرب
والتحكم الانجليزي – الفرنسي
في مصر , ومن ثم التدخل
البريطاني فيها , هذا بالإضافة
الى الكثير من الأحداث السياسية
والصراعات التي هزت أوربا خلال
تلك الفترة التاريخية .
وبالرجوع الى التاريخ فإننا
نستطيع ان نؤكد بان جل الصراعات
والحروب الكبرى كانت تدور على
الخارطة الأوربية خلال القرنين
الـ 18 و 19 مع ولوج مؤثر الى
الخارطة الأسيوية بالطبع , إنما
لا نستطيع ان نقول بان قارة أسيا
كانت هي المحرك الأساسي للتاريخ
السياسي حينها , كما ستكون لاحقا
خلال القرنين العشرون والحادي
والعشرين .
المهم في الأمر بأنه ومع
إطلالة اليوم الأول من العام 1900م
– وكما يقول بريجنسيكي –
( كان التفاؤل يسود اغلب
العواصم الكبرى , فقد بدت البنية
الكونية مستقرة , فيما كان الأمن
والفكر خصلتين جليتين
للإمبراطوريات المتواجدة آنئذ )
, والحقيقة أن ذلك لم يكن صحيحا
الى حد كبير , فعهود الاستقرار
كانت قد انتهت وولت الى غير رجعة
مع العام الذي سبق بداية القرن
العشرون , وإذا كانت هناك حروب
أو صراعات أو تحالفات قارية
يمكن ان تتشكل لترسم ملامح
القرن الجديد , فان أكتوبر من
العام 1899 بدأ هو الوقت المناسب
لذلك – يقول ذلك أستاذ التاريخ
الأوربي , أ.ج.ب.تايلور في كتابه
الصراع على سيادة أوربا .
وهو ما أكد عليه بريجنسيكي
لاحقا بقوله : لقد أمسى القرن
العشرون على نقيض ما تأمل منه ,
فقد أصبح القرن الأكثر دموية
وكراهية في تاريخ الإنسانية ,
فالأبعاد الفريدة لإراقة
الدماء في هذا القرن إنما هي
نتاج نضالات وجودية مركزية
هيمنت عليه وحددت هويته , وهي
نضالات قد أفضت بدورها الى اشد
انتهاكين جماعيين وأخلاقيين في
عصرنا , نقلا قرن الأمل الى واحد
ميزته الجنون المنتظم , فقد شمل
الانتهاك الأول عن حرب طويلة
ومدمرة , ليس فقط بضحاياها من
العسكر , بل من المدنيين أيضا ,
إنها الحربان العالميتان , وما
لا يقل عن ثلاثين حربا دولية
كبرى أخرى أو أهلية ) .
وبالرجوع لاستقراء ابرز
واهم الشرارات التي أشعلت تلك
الصراعات سالفة الذكر والتي
أشار إليها بريجينسكي – وهي –
الحربين العالميتين الأولى
والثانية وثلاثين حربا أخرى ,
نستطيع ان نلخص أهما في التالي :
الشراكة الفرنسية الألمانية
التي أوقفت اليابان عند حدها في
العام 1895م , وعصيان البوكسر في
العام 1900م , وإقصاء ايطاليا من
الحلف الثلاثي , والإعلان
الفرنسي – الروسي حول الصين في
20 / 3 / 1902م , وإخفاق المفاوضات
الفرنسية مع اسبانيا , وإخفاق
بريطانيا في إحياء الوفاق
المتوسطي – يمكن الرجوع لمزيد
من الاطلاع على هذه الفترة الى
المراجع التالية : بيبليوغرافيا
التاريخ الأوربي لجي راغتز ,
والتواريخ العامة للعلاقات
الدولية لدبيدور , وغيرها
الكثير من الأبحاث والدراسات
التي تتناول تلك الفترة
التاريخية تحديدا .
المهم في الأمر ان أول حروب
القرن العشرون لم تتأخر كثيرا ,
حيث وقعت بعد 4 سنوات تقريبا –
ونقصد - الحرب الروسية
اليابانية في العام 1904 – 1905م ,
تلاها إخفاق التحالف الروسي
الألماني , ثم الاتفاق الفرنسي
الألماني حول المغرب , فالوفاق
الانجليزي الروسي , كذلك ضم
البوسنة والهرسك في 1908م , والدعم
الألماني للنمسا والمجر ,
وهزيمة روسيا في الأزمة
البوسنية , ثم الاحتلال الفرنسي
لفأس , والأزمة الانجليزية
الألمانية , كذلك الهجوم
الايطالي على تركيا ثم حروب
البلقان في الفترة من 1912 – 1914 ,
وهي الفترة والأحداث التي شكلت
عوامل الحرب العالمية الأولى في
أوربا في العام 1914م .
ولو قمنا بمحاولة إسقاط
التاريخ الى الأمام , أو الى
الوراء , وتحديدا على العقد
الأول من القرن الحادي والعشرين
, فإننا سنشاهد تشابها بين
صراعات وأحداث تلك الفترتين
التاريخيتين 1900- 1910م والفترة من
2000م – 2010م , مع اختلاف اللاعبين
والسيناريوهات بالطبع , إنما
تبقى الحروب والصراعات
والأطماع هي المرافق الدائم
للتاريخ السياسي .
فقد شكلت أحداث الحادي عشر
من سبتمبر من العام 2001م وبدون
الرجوع الى أسبابها السياسية
والأيديولوجية الشرارة
الرئيسية لأهم الأحداث
السياسية التي شكلت ملامح العقد
الأول من القرن الحادي والعشرين
, وهي : غزو أفغانستان بعد تلك
الأحداث مباشرة , ومن ثم غزو
العراق في العام 2003م , والحرب
الإسرائيلية على لبنان في العام
2006م , وغزو روسيا لجورجيا في
العام 2008م , والحرب التي شنتها
اليمن والسعودية ضد الحوثيين في
اليمن مع نهاية العام 2009م.
هذا بالطبع بخلاف أحداث
العنف والتفجيرات الدموية التي
هزت العديد مدن أوربا واسيا ,
نتيجة استفحال ظاهرة الإرهاب
وانتشار العنف والطائفية
والقومية , كما لا يجب ان نتناسى
بعض تلك الظواهر والأحداث التي
برزت على مائدة الأحداث خلال
العقد الأول من القرن الحادي
والعشرين كعودة ظاهرة القرصنة
البحرية , والانقلابات السياسية
, ووصول سعر النفط الى أكثر من 100
دولار للبرميل , وانتخاب أول
رئيس للولايات المتحدة
الاميركية من أصل أفريقي .
خلاصة الأمر وكما سلف
وأكدنا , ان الحروب والصراعات هي
المرافق الدائم للتاريخ
السياسي والتحولات العالمية
خلال اغلب القرون الماضية ,
وبالتالي فإننا لا نتصور –
شخصيا – بان عقدا من العقود
الإنسانية يمكن ان يمر بسلام
دون ان تضع الحروب والصراعات
بصمتها عليه , ومن هذا المنطلق
وقياسا على هذا المبدأ فإننا
سنحاول تشريح وتفكيك الملفات
الساخنة التي يمكن ان تتسبب
بإشعال فتيل الحروب والصراعات
خلال العقد الثاني من القرن
الحادي والعشرين .
ومن ابرز الملفات العالمية
الساخنة – وهي على المدى القريب
- , والتي يمكن ان نقول بأنها
قابلة للاشتعال خلال السنوات
العشر القادمة هي : ( 1 )
الملف النووي الإيراني , والذي
يمكن ان يتسبب بحرب عالمية في
الشرق الأوسط , ويمكن ان تمتدا
الى أوربا والولايات المتحدة
الاميركية . ( 2 )
الملف الكوري الشمالي , والذي
يمكن ان يتسبب بحرب عالمية في
شبه الجزيرة الكورية , ولن
تستثني منه الولايات المتحدة
الاميركية والصين وروسيا
واليابان . ( 3 ) ملف
الصراع على المياه في أفريقيا. ( 4 ) ملف
الفراغ الاوراسي الممتد من
القرم في البحر الأسود الى
الشرق مباشرة على امتداد الحدود
الجنوبية لروسيا وصولا الى
مقاطعة زيانجينغ الصينية , هذا
مع الاحتمال الكبير لعودة
الصراع بين روسيا والدول
المتمردة على البيت السوفيتي
القديم . ( 5 ) ملف
التدخلات الإنسانية ,
بدخول الولايات المتحدة
الاميركية والصين وروسيا في
نزاعات لا يستبعد ان تدور رحاها
في القارة الأفريقية وبحر قزوين
على المصالح والهيمنة تحت مظلة
التدخلات الإنسانية وحماية
الديموقراطية .
وبالطبع فان هناك ملفات
إقليمية توشك ان تتسبب بإطلاق
شرارات صراعات وحروب عالمية
مفتوحة وموسعة
لا تقل مأساوية وفتك
بالبشرية عن تلك الملفات سالفة
الذكر , ومن أبرزها : ( 1 ) ملف
تقسيم السودان وانعكاساته على
المنطقة. ( 2 )
الحروب الطائفية والقومية
والأثينية والأهلية والتي
ستشكل ما يقارب من الـ 70 % على
اقل تقدير من أسباب الصراعات
والحروب التي ستشتعل خلال القرن
الحادي والعشرين , وستنال
أفريقيا نصيب الأسد منها , ولن
تكون دول الخليج العربي والدول
العربية بمعزل عنها تحديدا .
وبتصوري - وكما ان العقد
الثاني من القرن العشرون قد شهد
حربا عالمية هي حرب العالمية
الأولى والتي قامت في أوروبا ثم
امتدت لباقي دول العالم خلال
أعوام ما بين 1914 و1918م , فليس هناك
من مستبعد ان يشهد العالم خلال
العقد الثاني من القرن الحادي
والعشرين حربه العالمية الخاصة
, باعتبار ان الحروب الواقعة بين
الحرب العالمية الثانية والعام
2010م لم تكن صراعات عالمية
بالمعنى السياسي المتعارف عليه
, كما انه لا يستبعد كذلك ان يشهد
العالم حروبا قارية وإقليمية
خلال هذه المرحلة , ومن المرجح
من - وجهة نظري الشخصية – ان جل
تلك الحروب ستدور رحاها فوق
القارتين الأسيوية والأفريقية .
وبالرغم من ان الملامح
السياسية والجيوسياسية الدولية
التي سترافق العقد الثاني من
القرن الحادي والعشرين لا تدفع
نحو هذا التوجه والتوقع
المأساوي الكارثي , - واقصد –
حرب كونية ينقسم فيها العالم
الى أكثر من قيادة مركزية أو حلف
أو تكتل , إلا ان ذلك لا يعني
قطعا دليلا على استمرارية ذلك ,
فمثل هذه الصراعات والحروب لا
تحتاج لأكثر من عود كبريت ورجل
مجنون ومقامرين دوليين لإشعال
فتيلها الكوني , ولا اتقد ان
عالمنا اليوم يخلوا من هذه
الجوقة المريضة .
ـــــــــــ *باحث
في الشؤون السياسية والعلاقات
الدولية –
رئيس تحرير صحيفة السياسي
التابعة للمعهد العربي للبحوث
والدراسات الإستراتيجية. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |