ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الفلسطينييون
ومرحلة "ما بعد الفصائل" عريب
الرنتاوي تعاني
فصائل الحركة الوطنية
الفلسطينية، أعراض شيخوخة
متفاقمة، معظمها بلغ من الكبر
عتيّا، وأنى تكون له القدرة على
التجدد والتجديد، والنهضة
والاستنهاض، إنها مرحلة "أرذل
العمر"، حيث يقف الجسم عاجزاً
عن التصدي لأمراضه، وحيث يبدأ
جهاز المناعة "المكتسبة
والفطرية" بفقدان مناعته
وحصانته." فتح،
احتفلت مطلع العام، بالذكرى الـ"46"
لانطلاقتها، وقبلها بأيام،
كانت الجبهة الشعبية تحتفل
بذكرى تأسيسها الـ"43"،
وبعدها بأسابيع قليلة، ستحتفل
الجبهة الديمقراطية بالذكرى
الـ42" وبين هذه المناسبات /
التواريخ، تندرج ذكرى تأسيس
فصائل أقل شأناً. وهي على
مشارف الخمسين من عمرها، يتعين
على فصائل العمل الوطني
الفلسطيني، أن تجري جردة حساب
تاريخية مع الذات، يتعين على
قادتها المؤسسين و"التابعين"
و"تابعي التابعين"، أن
يجيبوا على سؤال رئيس، ستتفرع
منه عشرات الأسئلة والتساؤلات:
ما الذي انطلقنا من أجله قبل
أربع أو خمس عشريات من السنين؟...ما
الذي أنجزناها؟...أين الخلل؟...هل
ما زلنا قادرين على النهوض
باعباء المرحلة الراهنة
والقادمة؟...أية خيارات...أية
بدائل؟...ما العمل؟. لا أحد
يريد أن يزعج نفسه بالبحث عن
إجابات على هذه الأسئلة، الجميع
يتخذ من "الانطلاقة"
مناسبة للاحتفال واستعراض ما
"تبقى من عضلات مترهلة"،
والبرهنة على "أن الأحداث
جاءت لتثبت صحة وجهة نظره
وتحليله وموقفه"، الجميع
يعيش في "حالة إنكار"، وهو
وإن اعترف ببعض جوانبها
ومظاهرها، إلا أن ذلك غالباً ما
يحدث بشكل موسمي، وجزئي، ودائما
من دون إلقاء التبعة والمسؤولية
على "الذات"، بل رميها على
"الآخر"، و"الآخر"
هناك مساحة مفتوحة يرمى إليها
بكل الخصوم والمنافسين،
المحليين والإقليميين
والدوليين. لا أحد
يجادل في إخفاق الحركة الوطنية
الفلسطينية في إنجاز برنامج "العودة
والتحرير"، لا أحد بمقدروه أن
ينكر أن الأرض الفلسطينية ما
زالت محتلة ومحاصرة، وأن ملايين
اللاجئين ما زالوا يعيشون ذيول
نكبتهم، وأن القدس، عاصمة
الدولة، تخضع لأبشع وأوسع
عمليات الأسرلة والتهويد. وإن
كان ثمة من إنجاز لهذه الحركة –
لا يجوز التقليل من شأنه – فهو
أنها بعثت الهوية الوطنية للشعب
الفلسطيني، وإعادت تموضعه على
خريطة المنطقة، بعد عقدين من
المصادرة والتبديد والطمس. فتح
كبرى التنظيمات، ومفجرة الثورة
الفلسطينية المعاصرة، حاضنة
الهوية والكيانية
الفلسطينيتين، فتح هذه تحولت
إلى "جيش" جرار من
الموظفين، لا تجمعهم مرجعية ولا
تربطهم ببعضهم أكثر من "بطاقة
العضوية"، وأحسب أن مؤتمرها
العام السادس، الذي أُريد له أن
يكون "رافعة" للإنقاذ، قد
تحوّل إلى شاهد على استفحال
الأزمة، وتخطيها مرحلة
المعالجات الممكنة. لقد فقدت
فتح دورها الاستنهاضي الوطني،
وأصبحت جزءاً من المشكلة بدل أن
تكون جزءا من الحل، وتحديداً في
سنوات "فراغ القيادة"
الخمس الأخيرة. في
المقابل، لا تبدو الفصائل
الأخرى، الشريكة في المنظمة
والحركة الوطنية و"النشأة"
و"الانطلاقة"، في حال
أحسن، لقد تحوّلت إلى تنظيمات
"مايكروسكوبية" متضائلة،
مرتبطة وتابعة مالياً
وسياسياً، لا تقوى على الابتعاد
عن "مصل فيّاض" الشهري،
أكثر من بضعة أشهر، قيادتها هي
هي، لم تتجدد إلا بالوفاة
الطبيعية أو الاستشهاد أو "بلوغ
مرحلة ما بعد التقاعد"، جيل
"الشباب" من قيادتها،
متربع على عرش مكتبها السياسية
منذ "الهزائم الأولى" في
مفتتح السبعينييات وحتى يومنا
هذا، وبصورة تذكر بنماذج وأنماط
حكم "إلى الأبد" في دولنا
ومجتمعاتنا. بنيوياً،
ليس الحركة الوطنية
الفلسطينية، بصيغتها الفصائلية
المعروفة، قادرة على إنتاج
الجديد، لقد فقدت قدرتها على
استئناف المسيرة، وتحول عملها
الكفاحي، إلى طقوس ومناسبات
وبيانات واجتماعات، أما في ساحة
الصدام مع الاحتلال، فهي حاضرة
بصورة رمزية، في أحسن الأحوال. والمؤسف
حقاً، أن بلوغ فصائل الحركة
الوطنية الفلسطينية "سن
اليأس"، لم يفض إلى نشؤ بدائل
قادرة على استنئاف مشروع تحرري،
نهضوي وتاريخي، فحركتي حماس
والجهاد، الشابتين، أظهرتا
عجزاً عن ملْ فراغ المنظمة
والحركة الوطنية وفصائلها،
وهما في السلطة والمعارضة،
أخفقا في فتح أفق أمام الشعب
الفلسطيني، وفي ظني أن "شيخوخة"
هذه الفصائل ستكون مبكرة، وربما
لا تستغرق وقتاً أقل من الوقت
الذي احتاجته فصائل العمل
الوطني لبلوغ محطتها الأخيرة،
وهذا موضوع بحاجة لبحث مطوّل،
لا يتسع له هذا المقام. أخطر ما
في "تآكل" الظاهرة
الفصائلية، هو العجز عن إنتاج
النخب والطلائع، والعجز عن
استيعاب ما ينشأ منها خارج
المنظومة الفصائلية. ثمة هجرة
ونزيف مستمرين للكادر من
الفصائل، لم يبق فيها الكثير،
بل ولم يبق فيها أفضلها، كثيرون
ممن لا زالوا "نشطاء" في
صفوفها، تحكمهم معادلة "مكره
أخاك لا بطل"، وللإكراه أشكال
وصور وأسباب عديدة، منها ضغط
"المُخصص"، ومنها أيضا، أن
ثلاثة أجيال من المناضلين، ما
عادوا يتقنون عمل شيء غير
الاجتماعات والمناقشات، لقد
فصلهم "المُخصص" عن
المجتمع والحياة المدنية وبدد
حاجتهم لبناء علاقات العمل
والانخراط في تنظيماته،
والتعلم من مقتضياته، لقد باتوا
شرائح واسعة من المناضلين
القدامى، التي تعيش إلى جوار
المجتمع وليس في قلبه، وهي
شرائح مكتفية ذاتياً، ليس
بالمعنى المالي فحسب (طالما أن
هناك مخصصات وتقاعد) بل
وبالمعنى النفسي والاجتماعي
كذلك. إن عجز
الفصائل عن استيعاب النخب،
والأخص إنتاجها، لا يعني أن
المجتمع الفلسطيني قد كف عن
انتاج نخبه السياسية والفكرية
والثقافية والاجتماعية، فهذه
النخب موجودة في الوطن والشتات
والمهاجر، لكنها ضائعة،
مبعثرة، لم تقرر بعد أن تأخذ
زمام أمرها بيدها، فكثير منها
مازال ينتظر ظهور "غودو" من
بطن هذا الفصيل أو تلك المنظمة،
وإلى أن تدرك هذه النخب أن
مستقبلها ومستقبل شعبها، رهن
بيدها ومبادرتها، سيظل المشهد
الفلسطيني برمته، يدور في دوامة
الأزمة. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |