ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الأحزاب
السياسية : أي دور و أي مردودية
؟؟ نزهة
المكي - آغدير تعتبر
الاحزاب السياسية فضاء عام ،
مهمتها تأطير الجماهير على اساس
فكر معين بهدف تأهيلهم للمشاركة
في الحياة السياسية العامة ،
وبقدر تواجد قيادات واعية
داخلها قادرة على التوفيق بين
التوجهات الانسانية داخل
المجتمع ، ماديا و نفسيا ، و
إحداث تفاعلات ايجابية بينها و
بين الاحزاب التي تنتمي اليها ،
بقدرما ستحصد من تأييد و يكون
باستطاعتها توسيع ساحتها
الشعبية . الا ان
من اهم الادوار المنوطة
بالاحزاب السياسية هي مهمة
التأطير السياسي : وهذا يتطلب
التثقيف السياسي أما الثقافة
السياسية كما عرفها البعض هي :
"مجموعة من الاتجاهات
والمعتقدات والمشاعر التى تعطى
نظاما ومعنى للعملية السياسية
وتقدم قواعد مستقره تحكم تصرفات
أعضاء التنظيم السياسى" كما
عرفها البعض كونها : "القيم
والمعتقدات والاتجاهات
العاطفية للافراد حيال ما هو
كائن فى العالم السياسى . " اما
التحدي الاكبر الذي يواجه
القادة السياسيين فهو احداث
وحدة نفسية بين كل قطاعات الشعب
او على الاقل احداث انسجام و
توافق بين قطاعات واسعة منه
مستفيدين من كل
المعطيات الثقافية و
الايديولوجية و العقائدية التي
تتحكم في سلوكيات الافراد و
الجماعات داخل الوطن الواحد ثم
توجيهها نحو الهدف المنشود وهو
التاثير على القرار السياسي و
دفعه للتغيير و الاصلاح حسب ما
تقتضيه المصلحة العامة . هذه
المهمة لا يمكن ان تنجح الا اذا
كان للقائد السياسي او المؤطر
السياسي ثقافة عامة ، فالثقافة
السياسية هي جزء من الثقافة
العامة للمجتمع ، سواء كانت
اقتصادية او اجتماعية او
عقائدية ، بل ان الثقافة
السياسية لا يمكن ان تتشكل في
وضع صحي ايجابي إلا اذا نهلت من
ثقافة المجتمع العامة و عرفت
كيف تستفيد من جوانبها المضيئة
و تفعيلها لاجل خدمة الهدف
المنشود و تجنب التصادم مع اي
فكر أو معتقد أو تيار، لان هذا
الامر معناه التصادم مع قطاعات
من الشعب قد تتسع احيانا فيشكل
التصادم كارثة عظمى على المجتمع
. و تجدر
الاشارة الى ان الثقافة
السياسية متحركة و متغيرة حسب
ظروف المجتمع ، التاريخية
والاقتصادية و السياسية و
الاجتماعية ، فهي لا تقبل
المنطق التقليدي التراثي و
استنساخ الثقافة السياسية
للمجموعات البشرية الاخرى حتى
لو كانت من نفس المجتمع او داخل
النطاق الجغرافي الواحد ، بل
انها تختلف داخل الاطار الزمني
نفسه حسب موقعها الجغرافي
فالثقافة السياسية لاهل
الحواضر ليست كما نظيرتها في
البوادي و الارياف و ان كانت
هناك قواسم مشتركة ، فالثقافة
السياسية لاهل الحواضر تتسم
عامة بالانفتاح و العقلانية ،
اما الثقافة السياسية لاهل
البوادي و الارياف فتميل اكثر
نحو التقليد و التحفظ و الوفاء
لثقافة السلف كما السعي
لاستنساخ التجارب القديمة ، و
كلا الفريقين تمثله نخبا سياسية
داخل هياكل تنظيمية تشكل قوى
ضغط على الحكومات و اجهزة
السلطة ، و في مقدمتها الاحزاب
السياسية وهذه الاخيرة تكون
عادة في المناطق الحضرية و لها
امتدادات تصل لمناطق الارياف و
البوادي ولو بشكل محدود ،
لهذا فالتحدي الاكبر الذي
يواجه المثقف و المؤطر السياسي
داخل الحزب هو ايجاد آليات
التوافق و تحقيق الانسجام بين
الفئتين ، و يمكن ان يتم له ذلك
بشكل ايجابي إذا اهتم بالفئة
التي تمثل نقطة التواصل و
الاتحاد ، وهي العامة ، عامة
الشعب التي تتشكل من فئات
متعددة المشارب و الافكار و
المستويات الاجتماعية و
الثقافية كما الاهواء و
التيارات ، و هي كذلك المساحة
الاوسع و الاكبر من المجتمع ،
لذلك هي انسب مختبر لجميع
الافكار و الاطروحات السياسية ،
فالانجح منها هو من يستطيع
استمالة هذه الفئة أو ما يطلق
عليه سياسيا " الراي العام
" الى جانب مشروعه السياسي و
يجد الاليات المناسبة لتحقيق
اهدافه او مشروعه السياسي . في
العقود الاخيرة و تحديدا بعد
انهيار الاتحاد السفييتي ، عرفت
الاحزاب السياسية بشكل عام
تراجعا ملحوظا ، ولم تعد تلعب
نفس الدور التي خلقت لاجله ،
فاحزاب المعسكر الشرقي فقدت
دعامتها الاساسية بعد انهيار
الاتحاد السفياتي ولم تعد لها
نفس الفعالية أو التأثير
الايجابي على الحياة السياسية ،
بل انشغلت بالدفاع عن كياناتها
التنظيمية اكثر من الدفاع عن
قضايا المجتمع ، أما احزاب
المعسكر الراسمالي فقد استقرت
بيدها السلطة ولم تعد بحاجة
للاهتمام بالتغيير ، بل اصبحت
مهمتها الاولى الحفاظ على الوضع
و الدفاع عن الحكومات التي
تظللها و ترعى مصالحها . اذا
كانت تلك اهم الاسباب الموضوعية
التي ادت الى تراجع دور الاحزاب
السياسية و تقلص مردوديتها ،
فإن هناك اسباب ذاتية كثيرة
امعنت في هذا التراجع بل يتنبأ
بعض الدارسين في حقل العلوم
السياسية بنهايتها إذا استمر
الحال كما هو عليه الآن . و من
تلك الامراض التي اصابت الاحزاب
السياسية و التي تهدد حياتها : ـ ظاهرة
الانشقاقات ، وهي ناتجة عن عدم
وجود آلية ديمقراطية لتصريف
السلط و المهام ، هذه الالية
التي لا يجب ان تكون كما التي في
المؤسسات الادارية العمومية و
التي تعتمد
الشهادات او مدة الخدمة
كمعيار للترقية و إنما على
مردودية المناضل و مدى اجتهاده
في ترجمة برنامج الحزب عملا
ملموسا يستفيد منه المجتمع ،
كما انتشار مرض التحلق و التملق
للقيادة او الزعامة مما ينتج
حالات من التشرذم و الشللية
داخل الحزب الواحد تؤهله للمزيد
من الانشطارات . ـ
اعتمادها على آليات تقنقراطية
و ادارية صرفة في التعامل مع
المناضلين و حركتهم داخل
الاحزاب السياسية او الراغبين
في الانتساب بعيدا عن المعايير
الفكرية و الاهداف الانسانية
التي هي اساس وجودها ، مما اتاح
الفرصة للمنتفعين و اشباه النخب
في تقلد مناصب قيادية رغم
افتقادهم للفكر و الوعي السياسي
الكافي ، وعجزهم الكامل عن
تحويل خطاباتهم السياسية الى
واقع ملموس و الخروج ببرنامج
الحزب و رآه الى حيز التفيذ كما
ايجاد الاليات المناسبة لتنفيذ
ذلك ، بل في احيان كثيرة لا تعبر
هذه النخب عن وجود برنامج للحزب
او لا تهتم به لان شغلها الشاغل
هو التهافت على المناصب
القيادية التي يمكن ان تقودها
لتأمين وظيفة أو حقيبة وزارية
في الحكومة . ـ تحول
النضال الحزبي من الدفاع عن
قضية الى الدفاع عن ايديولوجيات
و افكار او منافع مادية ، و بذلك
اتسعت الهوة بين النخب السياسية
و القواعد الشعبية مما ادى كذلك
بالشباب للعزوف عن الحياة
السياسية و فقدان الثقة
بالزعامات السياسية مما حال دون
ضخ دم جديد في عروقها لتستمر في
الحياة معتمدة على الحبل السري
الذي يصلها بالسلطة الحاكمة و
استجداء رجال المال و الاعمال
لتعزيز مكانتها على الساحة حتى
و ان كانوا بعيدين كل البعد عن
ضمير الحزب و فكره السياسي ، فلا
غرابة بعد ذلك ان نرى في
برلماناتنا و وزاراتنا ، تجار
مخدرات و اقطاعيين و رجال اعمال
لا يحترمون حقوق العمال ممثلين
لاحزاب يسارية و منظمات
ديمقراطية !!! ـ الا
ان اهم مؤشر على تراجع دور
الاحزاب السياسية و الذي ينبئ
حسب راي بعض الدارسين بنهايتها
هو اعتمادها على العلاقات
العائلية و الاجتماعية بمختلف
اشكالها كالابناء و الاقارب و
المصاهرات و الاصدقاء في تاليف
ساحتها الشعبية و تاهيل
قياداتها المستقبلية دون
العناية بالمؤهل الفكري و
الكفاءة او مدى قدرة هؤلاء
المرشحين للقيادة
على ترجمة برنامج الحزب و
سياساته على ارض الواقع لخدمة
القضية و المصلحة العامة ،
الشيء الذي ادى الى الانكفاء
على الذات و اقفال سبل التجديد و
الابداع داخل الحزب ، كما شعور
قطاعات واسعة بالحيف و التهميش
و فقدان الثقة بهذه الهياكل
التنظيمية و قياداتها السياسية بناء
على ما سبق ، تراجع دور الاحزاب
السياسية بشكل ملحوظ في الحياة
السياسية كما تراجعت مردوديتها
بشكل اكبر لتنشغل بالدفاع عن
شعاراتها و وجودها على الساحة
بدلا عن الدفاع عن قضايا
الجماهير و الوطن ، الشيء الذي
ادى بالشباب الى العزوف عنها و
ممارسة انشطتهم السياسية داخل
تجمعات اخرى تتسع لطموحاتهم و
تستوعب افكارهم و برامجهم مثل
مواقع الانترنيت و المنتديات و
التجمعات الشبابية العالمية
مثل صفحات الفيس بوك الذي ينشط
فيه الان ما يقارب العشرين
مليون شاب عربي ، يشكلون
مجموعات متعددة اصبح لها تأثير
واضح على الحياة السياسية في
الوطن العربي ، و استقطبت
منظمات عالمية انسانية و حقوقية
كما الصحافة العالمية ، و نجحت
في جعلها تهتم اكثر بالقضايا
الملحة للوطن العربي و الدفاع
عن الديمقراطية و قضايا الشباب
، بينما لم تنجح الاحزاب
السياسية في استقطاب هذه
الطاقات الشبابية و الاستفادة
من افكارها و ابداعاتها ، بل
جعلتها تحس ان افضل وصفة لخنق كل
آمالها و الحد من طموحاتها هي
الانتساب لحزب سياسي !! فأي دور
و أي مردودية لهذه الاحزاب
السياسية ، بل اي مصير ينتظرها
؟؟ . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |