ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مشهد عربي قاتم يعلن فشل دولة الاستقلال العربية
في إدارة تمايزاتها الاجتماعية هيثم
شلبي ساعات
فقط تفصلنا عن حفلة الندب
الجماعي المتوقع على ضياع جزء
من خريطة عالمنا العربي الكبير،
والتي اعتدنا شكلها في كتب
الجغرافيا المدرسية، بعد أن
تعلن نتائج الاستفتاء على مصير
جنوب السودان، والتي جهّزنا
الإعلام العربي والغربي لتقبل
"النتيجة الحتمية" باختيار
أهل الجنوب الانفصال عن أشقاء
الشمال، هذا مع انتكاس الجهود
السلمية الشكلية الخاصة بالبحث
عن حل سلمي لمشاكل إقليم
دارفور، مما يجعل البعض يرشحه
لتكرار مسيرة الجنوب و"تقرير
مصيره". يأتي
هذا الحدث الجلل وقد بلغ
الاحتقان الطائفي في مصر ذروة
جديدة بين المسلمين والأقباط،
أو لنقل بين فئة من المسلمين
وأخرى من الأقباط، حتى نكون
أكثر دقة ونخرج من لغة التعميم
المعتمدة في إعلامنا العربي.
احتقان تجسد في تفجير كنيسة
القديسين في الإسكندرية، وهو
التفجير الذي سارعت معظم
الأصوات المصرية لتوجيه أصابع
الاتهام في المسؤولية عنه
"للخارج"، "خارج" ينسب
تارة لإسرائيل، وأخرى يأخذ شكل
القاعدة، بل وحتى حماس وحزب
الله!!! دون أن يتحدث كثيرون عن
أية مسؤولية داخلية عنه، كما لم
يتحدثوا عن مسؤولية داخلية تجاه
سابقه (انفصال جنوب السودان)،
واكتفوا بترداد اسطوانة
مسؤولية الخارج الإمبريالي
الصهيوني، والمؤامرات الغربية
المستهدفة تفتيت وطننا العربي. مشاهد
تزداد قتامة عندما نستحضر حماس
أكراد العراق لزيادة هوامش
"استقلالهم" عن المركز
العربي، بنفس الحماسة الذي
تستعد فيه منطقة البصرة ذات
الأغلبية الشيعية (من يدري،
فربما يكون السنة قد انقرضوا
منها، لأن إعلامنا العربي لا
يلقي بالا لمثل هذه المواضيع)
لتكريس "استقلالية"
مماثلة، بعد أن رأت نجاح
الأكراد في مسعاهم. انقسام
أوضح لا يبدو أننا سنشهد نهاية
قريبة له، يتمثل في
"إمارتي" غزة ورام الله،
"كانتوني" دولة فلسطين
العتيدة التي يطبّل الكثيرون
منا لبدء حملة الاعتراف بها قبل
أن تنشأ، تقابله بوادر انقسام
في يمننا السعيد بين شماله
وجنوبه، وتوتر اجتماعي يجتاح
تونس، وبوادر مماثلة في
الجزائر، لتنضاف إلى التوتر
المستحكم في منطقة القبايل بين
الأمازيغ (نسميهم خطأ في الشرق
البربر) وباقي أشقائهم العرب في
بلد المليون شهيد، والذي يصعّده
بعض الغلاة الأمازيغ إلى حد
المطالبة بتقرير مصير مماثل لما
حظي به سكان جنوب السودان. والغريب
أن النظام في الجزائر السائرة
على درب المطالبة بتقرير مصير
أبناء مناطق القبايل من بعض
غلاة أبنائها، لا يزال يدافع عن
نفس "اليافطة" تجاه جاره
المغربي، الذي لا يزال صلبا في
رفض تطبيقها على جزء من أبنائه
في أقاليمه الجنوبية –وهو محق
في رفضه هذا- بعد أن رأى إلى أين
تفضي هذه الموجة، وقديما قالوا
أن تجريب المجرب من العته. هذا
دون أن نذكر الصومال ودويلاته،
ولبنان وطوائفه وتوتر الأوضاع
بين أغلبيته وأقليته، واختلاف
مقارباتهم تجاه قضاياه
الوطنية، خياراته السياسية،
وإدارة مستقبله. تململ طائفي
بين الشيعة والسنة نرى مظاهره
وتجلياته بدرجات متفاوتة في
مملكتي البحرين والسعودية،
وكذا الكويت. أما الأردن،
فالجدل لا يزال محتدما بشكل
ظاهر ومضمر بين "الشرق
والغرب" أردنيين، أو بين من
هم من أصل فلسطيني ومن هم
أردنيين "أصليين"، أما
سوريا المحتفظة بتماسكها
الاجتماعي، فإن التوتر الذي ساد
مناطقها "الكردية" يمكن أن
يطل برأسه في أي وقت، دون أن
تكون بمنأى طبعا من التوترات
المرتبطة بالتفاوت الاجتماعي،
هامش الحريات السياسية
والديمقراطية، وغيرها من
القضايا المرتبطة بهذه
المجالات. نسوق
هذه الأمثلة، لنؤكد عدم وجود
بلد عربي واحد يبتعد تماما عن
أسباب التوتر المتعددة، والتي
سقنا فقط أمثلة عليها دون أن
نستعرضها كاملة، ولنضع الأصبع
على خلل يشترك في عنوان عام هو
"فشل دولة الاستقلال العربية
في إدارة تمايزاتها
الاجتماعية" وتحصين
مجتمعاتها في وجه محاولات العبث
الخارجية بهذا النسيج
الاجتماعي، وهي المحاولات التي
لا تخفى على طلبة الابتدائي،
ولا نحتاج لمن ينفيها رفضا
لنظرية المؤامرة، أو لتأكيدها
وكأنه أرخميدس. هذا
الفشل في إدارة تمايزاتنا
الإثنية، الدينية، الطائفية،
المذهبية، العرقية، اللغوية،
الجغرافية، الاقتصادية،
الطبقية، ...الخ، والذي طالما
لاحت بوادره في هذا البلد أو
ذاك، ووصلت نتائجه إلى الشكل
المتفجر حاليا في معظم الدول
العربية، يحتاج لوقفة من جميع
القوى الحية والمسؤولة في
مجتمعاتنا، من قبل ممثلي جميع
هذه التمايزات البعيدين عن
الندب والتخوين، المؤمنين
بوحدة مجتمعاتنا المدركين بأن
هذه التمايزات يجب أن تعود مصدر
غنى كما كانت على امتداد
تاريخنا الحضاري العربي
الإسلامي. إن
حقيقة وجود "جهات خارجية"
تسعى لتحويل تمايزاتنا إلى مصدر
مؤسس للانقسام وليس التكامل،
يجب أن لا يعفينا من البحث عن
مسؤوليتنا عن هذه الهشاشة التي
تتبدى ملامحها في جميع هذه
الساحات، ونرى تبعاتها بأم
أعيننا في جميع الأمثلة
السابقة، منطلقين من الإدراك
بأن الفاتورة سيدفعها جميع
أبناء هذه المجتمعات، عربا
وكردا وأمازيغ وأفارقة، مسلمين
ومسيحيين ويهود، شيعة وسنة،
سلفيين ومعتدلين، أصوليين
وعلمانيين، فقراء وموسرين،
نساء ورجالا. لقد حان
الوقت لأن لا تبقى أنظمتنا
ومترجميها الإعلاميين
والمثقفين متمترسة خلف
"خصوصيتنا" كمبرر للبقاء
استثناء عن معايير إدارة الشأن
المحلي كما هو متعارف عليها
دوليا، الديمقراطية، ثقافة
دولة القانون، المحاسبة، قواعد
الشفافية في إدارة الصفقات
العمومية، وغيرها من المعايير
المشتركة بين مختلف دول العالم،
التي لم تبرر خصوصيتها الخروج
عليها. إن
تشخيص أوضاعنا الراهنة بدقة،
والتأسيس لمرحلة جديدة عنوانها
"الإدارة السلمية"
لاختلافاتنا داخل المجتمع
الواحد، وبين هذا البلد والآخر،
والبحث عن إجابات مشتركة
للتحديات المشتركة، كلها مداخل
لا غنى عنها من أجل التأسيس
لبداية صحيحة يمكن من خلالها
وقف التداعيات الخطيرة التي
نشاهدها، وهي بداية تتناقض
بالتعريف والضرورة مع مفاهيم
الحزب الواحد، العدد
اللامتناهي من فترات الحكم،
توريث الحكم للأبناء والأقارب،
سيادة فقهاء الفضائيات على
المشهد الديني، وما يترتب على
هذه السيادة من فقه التفسيق
والتبديع والتكفير، وبرامج
الفتاوى والحلال والحرام،
التهرب من المساءلة، غياب
العدالة الاجتماعية في توزيع
الثروة، وغيرها من المفاهيم
والممارسات التي تبعدنا من
امتلاك مشروع مجتمعي قطري وقومي
يساهم الناس في صياغته، تنفيذه،
حمايته، وتقاسم أعبائه
ومنافعه، بدلا مما يجرى حاليا
من تحمل لأعبائه وحرمان من
فوائده. كما
يقتضي وقف التدهور الحاصل،
ابتعاد الأنظمة العربية
الشقيقة، عن اللعب على وتر
التمايزات الاجتماعية لبعضها
البعض، مرة تحت دعوى حماية حقوق
الأقليات، أو التنوع المذهبي
والإثني، وأخرى تحت راية "دعم
مبدأ تقرير المصير"، لأن
تطبيق هذا المبدأ الذي اعتادت
أن ترفعه الشعوب المستعمرة في
وجه مستعمريها، لا يصح رفعه
وتشجيعه من قبل صحراويي المغرب،
قبايليي الجزائر، شيعة لبنان،
أقباط مصر، أكراد العراق... الخ،
وإلا لأصبح عندنا أكثر من
أربعين دولة عربية، بل وحتى
عشرات الدول العربية، لأن الفرز
سيطال مع الوقت القبائل
والمناطق المختلفة، لتصبح جميع
دولنا العربية في مساحة البحرين
وعدد سكان قطر. لقد آن
الأوان لتعريف جديد لوحدتنا
العربية المنشودة، يقتصر في
مرحلته الأولى على الأقل، على
كلمات يسهل حفظها، بأنها وحدة
تكفل "حرية تنقل الأشخاص
ورؤوس الأموال" بين جميع
الدول العربية. كما أن السمات
المستجدة لتحديات العقد الثاني
من قرننا الحادي والعشرين،
تتطلب ردودا منسقة عابرة للحدود
العربية، بشكل يتجاوز التنسيق
المعتاد بين وزراء الداخلية
العرب، ليشمل وزراء كل تخصص
عربي، صحة وتعليم وتجارة وصناعة
وطاقة ..الخ. وهو تنسيق غير مدفوع
بالعاطفة، بل بالمصلحة، أو لنقل
أنه الاستجابة الوحيدة القابلة
للنجاح في مواجهة التهديدات
التي تواجهها جميع الأنظمة
والمجتمعات العربية بدون
استثناء، والذي يكفل وحده وقف
الانهيارات الجماعية الحاصلة،
في شتى المجالات، وبدء عكس
المسار الهابط، وتدشين رحلة
الألف ميل نحو الكرامة والكفاية
لمواطنينا، والعزة والحرية
لأوطاننا. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |