ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
العائلات
التي تنهب تونس الشتيوي
لوطفي إن
موضوع الفساد في تونس، الذي كتب
عنه كثيرون ينطوي على تحويل أو
تحريف وجهة الموارد المالية أو
الخدمية من الا ستفادة العامة
إلى العائلات الخاصة النهابة،
إذ غالباً ما يتطلب هذا التحريف
تحويلاً للأموال إلى مصارف
وبنوك أجنبية، ما سبب حدوث
تسريبات ضارة بالإقتصاد الوطني
تعمل على زيادة عرقلة التنمية
الإقتصادية. والفساد في تونس له
علاقة بالمتغيرات الإقتصادية و
الاجتماعية الناجمة عن سياسة
الخصخصة، التي بدأ النظام
يطبقها منذ مجيء الرئيس بن علي
إلى السلطة. وفي ظل غياب قوانين
صارمة ضد الاحتكار تعني الخصخصة
استبدال احتكار القطاع العام
باحتكار القطاع الخاص، وهذا
يؤدي إلى استشراء الفساد بكلفة
إقتصادية واجتماعية كبيرة. هناك
حاجة إلى موازاة التخصيص مع
وجود قوانين ضد الاحتكار لدرء
الفساد، وهذه القوانين كانت
علامات أساسية في التطور
الإقتصادي في الدول الرأسمالية
المتقدمة. يعمل الفساد في تونس
على تقزيم التنمية الإقتصادية،
ويعمل أيضاً على مفاقمة الفقر،
لأن الطبقة السياسية الحاكمة
التي وصلت إلى السلطة في الـ 7 من
نوفمبر 1987، أحاطت نفسها فجأة
ببهارج السلطة ومفاتنها، لا
سيما سبل الوصول إلى الموارد
المالية والسلطة الاستثنائية
في منح العقود والمجاملات. وقد
اجتهدت هذه الطبقة السياسية
التي تلوثت بالفساد حتى ا
لنخاع، بعد أن ذاقت ثماره في جعل
الفساد منهجياً ومستديماً
بذاته، بحيث أنه تحول إلى »مؤسسة
«. كما أن ممارسات الفساد في
تونس ليست مجرد ممارسات فردية
خاصة لهذه العائلة أو تلك من
العائلات النهابة، كما جاء في
حيثيات قضايا الفساد الكبرى
التي تم عرضها في هذا الفصل من
الكتاب، وإنما هي تتحرك من خلال
» أطر شبكية « و » مافيات «
منظمة، وهكذا تكتسب ممارسات
الفساد طابعاً مؤسساتياً في
إطار تلك » المنظومات الشبكية «.
إن للفساد آثاراً سلبية ومدمرة
على الاستثمار الأجنبي
والمساعدات الأجنبية، والتنمية
الإقتصادية، حيث أن الفساد يعوق
التنمية السياسية ويقوض
الفعالية والكفاءة الإدارية،
وشرعية القادة السياسيين
والمؤسسات السياسية. غير أن
الفساد ما كان له أن ينتشر في
تونس، وينمو ويزدهر، لولا أنه
لم يجد » بيئة حاضنة للفساد «.
هذه البيئة الحاضنة للفساد، هي
الدولة البوليسية بزعامة
الرئيس بن علي، الذي ترك العنان
للفساد يستشري في تونس، ولم
يمارس أي دور في كبح جماحه. بل أن
هذه الديكتاتورية البوليسية
لجأت إلى تأسيس علاقات وروابط
مع رجال » البزنس « لاقتسام
العمولات والصفقات والغنائم
ليس فقط كنتيجة لضعف رموزها
أمام إغراءات المال والثراء،
وليس فقط بدافع تأمين المستقبل
وإنما أيضاً لضرورات البقاء في
السلطة. وكلما تعززت علاقات
الطرفين وتشابكت مصالحهما قويت
دافع الطبقة الأخيرة لحماية
النظام وإحاطته بسياج من الولاء
مدفوع الثمن. وهذا تحديداً ما
ساعد بن علي على الاحتفاظ
بالسلطة طويلاً. وحين تكون
السلطة السياسية القائمة هي
التي تحث على الفساد، لا بل،
تدفع إليه دفعاً منظماً ، كما هي
الحال بالنسبة لسلطة السابع من
نوفمبر في تونس، فإن الفساد
يصبح »مؤسسة«. فكما يقول المثل
الشعبي » المال السايب يعلّم
السرقة «. إن
الفساد ليس ظاهرة تونسية، أو
عربية فقط، بل هو ظاهرة عالمية.
وقد كشف النقاب عن فضائح للفساد
في الدول الرأسمالية المتقدمة،
في الولايات المتحدة الأميركية
وأوروبا الغربية واليابان طيلة
عقدي الثمانينات والتسعينات.
وبينت الدراسات الحديثة جداً
التي تناولت بالتحليل ظاهرة
الفساد وعلاقته بالإقتصاد
العالمي، أن الرشوة تعمل على
تشويه الأسواق العالمية،
وتعرقل التنمية الإقتصادية عن
طريق إحلال الكسب غير المشروع
محل النوعية والأداء
والملاءمة، وتقوض الخضوع
للسياسة الديمقراطية. كما أن
الفساد يضعف الحكومات غير
المستقلة، ويهدد الديمقراطيات
الناشئة. إن السؤال المطروح
تونسياً وعربياً هو: هل يمكن
انتهاج سياسة واضحة لمكافحة
الفساد على المستوى الوطني
والعربي ؟. إن
مكافحة الفساد، تتطلب توافر
الإرادة السياسية، ومشاركة
المجتمع المدني، وتقوية
المؤسسات، فضلاً عن دور التعاون
الدولي. ويرجع الدكتور محمود
عبد الفضيل في دراسته القيمة عن
إقتصاديات الفساد، إلى أن
القضاء على التداعيات السلبية
للفساد على عملية التنمية
ومسيرة التقدم في الوطن العربي،
يتطلب التحرك على المحاور
الرئيسية التالية: 1 - محور
توسيع رقعة الديمقراطية
والمساءلة: ويقتضي ذلك توسيع
دائرة الرقابة والمساءلة من
جانب المجالس التشريعية
والنيابية، والأجهزة الرقابية،
ومنظمات المجتمع المدني لتحقيق
درجة أكبر من » الشفافية « في
العقود الدولية والعطاءات
وإتفاقيات المعونة، للقضاء على
ما يسمى ب ـ » الفساد الكبير «.
وليس هناك من شك في أن الضمان
الحقيقي لحل » مشكلة الفساد «
حلاً جذرياً يكمن في تداولية
السلطة، حتى لا يعشش الفساد
طويلاً ويتم توارثه والتستر
عليه. وهنا يبرز دور هام منوط
بالإعلام والصحافة في تسليط
الضوء على » الفساد الكبير « في
أعلى المواقع، مع توافر
الضمانات القضائية اللازمة
لحصانة الصحفي ورجل الإعلام. 2 -
محور الإصلاح الإداري والمالي
: لا بد من وضع القواعد
والضوابط اللازمة لمنع »التداخل
« بين الوظيفة العامة وممارسة
النشاط التجاري والمالي (
بالأصالة أو بالوكالة ) لمنع
اختلاط المال العام والمال
الخاص. وهذا يقتضي بدوره إعادة
النظر في اللوائح المالية
والإدارية، وتشديد القيود
والضوابط والقضاء التدريجي على
مفهوم » الدولة – المزرعة «. 3 -
محور إصلاح هيكل الأجور
والرواتب :
ولكي يمكن محاصرة الفساد عند
أدنى المستويات، لابد من تحسين
أوضاع صغار الموظفين وكبارهم في
الخدمة المدنية، من حيث مستوى
الأجور والمرتبات وبما يتمتعون
به من مزايا، حتى تصبح تلك
الأجور والمرتبات أداة لـ »
العيش الكريم « (Living wages)،
مما يساعد على زيادة درجة حصانة
» صغار الموظفين « و » كبارهم «
إزاء الفساد والمفسدين، وبما
يساعد على القضاء على
» الفساد الصغير « بأشكاله
المختلفة. وغني عن القول أن
محاصرة الفساد وتقليص مساحته،
يقتضيان التحرك على » المحاور
الثلاثة « في وقت واحد.. إذ إن
إصلاح هيكل الرواتب والأجور
وتحصين »الموظف العام « لا
يكفيان وحدهما للقضاء على هذه
الآفة المستأشرة ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |