ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 12/01/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

وجوه من زمن الجاهلية 

أ. محمد بن سعيد الفطيسي

azzammohd@hotmail.com

         يقول أحد الأدباء ( أمران لا يحدد لهما وقت بدقة , النوم في حياة الفرد , والانحطاط في حياة الأمة , فلا يشعر بهما إلا إذا غلبا واستوليا ).

         ولقد شاهدت في عمري المحدود – ولا زلت أشاهد – الكثير من الأمثلة الحية على هذا الاتجاه المؤسف – أي – مشاهد وصور تراجع مكانة هذه الأمة العظيمة الخالدة – أطال الله عمرها – وعجل فرجها , أمثلة من حياة أجيال قدر لها أن تدفع ضريبة وثمن هروبها من تكاليف العزة والحرية والكرامة , فيسجل في سفر التاريخ أنها كانت الأجيال – المحسوبة على هذا الدين العظيم , وهذه الأمة الكريمة , - والتي فزعت من مواجهة النور , وتاهت في خضم الحياة , وضلت في زحمة المجتمع والحضارة الإنسانية . 

         فعجبا لأمة يخشى بعض أبناءها السير في النور والطرقات الفسيحة الواسعة , فلا ترتاح نفوسهم وأفئدتهم الخائفة وتَطْمَئِنُّ سوى في الطرقات الضيقة والأزقة المظلمة الموحشة , يخشون الكلمة الصادقة والنقد البناء والنصيحة الهادفة والدعوة الى الحق لأنهم مدركون تمام الإدراك لقوة تيارها وتأثيرها على الآخرين , يخشونها مخافة المتخمين من الجوع , والأغنياء من الفقر , ومن تعود على الراحة والدعة ولو تحت سياط الذلة والعبودية , فهم كما قال الحق عزوجل فيهم { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ , وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ , كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ , يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ , هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } صدق الله العظيم .

         كم يشبهون سكان ذلك العالم التجاري المفلس الذي واجهه محمد صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته الى حد بعيد , العالم الحائر الضال المادي الذي اختار العمى على النور , والظلال على الهدى , العالم الذي قامت قيامة جاهليته لان الله اختار من بينهم رجلا رشيد يدعوهم الى الكلمة الصادقة , ويوجههم الى أخطاءهم , وينتقد فساد تصرفاتهم وسلوكياتهم وحكوماتهم التجارية الجاهلية , فاجلبت على الداعي صلى الله عليه وسلم بخيلها ورجلها , وجاءت بحدها وحديدها , { وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } صدق الله العظيم .

         نعم ..... وقفت قريش بتجارها وساستها وقادتها وكبراءها وعدتها وعتادها أمام الدعوة الكريمة والكلمة الصادقة بالرفض والمواجهة والحرب لأنهم كانوا خائفون على تجارتهم وأموالهم القائمة على أكل أموال الناس بالباطل , والمتاجرة بشقاء الفقراء والبؤساء والضعفاء , خائفون على سلطتهم وسلطانهم ومناصبهم القائمة على الظلم والتعصب والجبروت والقمع , لان الدين الجديد يساوي بين الغني والفقير , والمالك والمملوك , ولان الدين الجديد يرفض كل أنواع العبودية والكبت والطائفية والتفرقة والعنصرية , وهم بالطبع يقتاتون من وراء هذا , وبدونه لا يمكن لهم الاستمرار والبقاء في هذه الحياة , فهم أشبه بالطفيليات التي تقتات على الفاسد النتن من الجيف والقاذورات .

         تلك كانت مقومات ذلك النصر الخالد في ضمير الكون , الضارب في جذور الحياة , الذي ترتفع به ملايين الأصوات في مشارق الأرض ومغاربها , وتترنم به ملايين الشفاه , لان الإسلام في صميمه حركة تحررية ثورية , تبدأ في ضمير الفرد وتنتهي في محيط الجماعة , أنه أعظم انقلاب في التاريخ الإنساني , كونه حطم طاغوت التمييز والعنصرية والتفرقة والمذهبية والطائفية , ودمر رموز الفساد والظلم ومن يعيشون على شقاء الآخرين وقوتهم وأرزاقهم , ( فإذا رأيت المظالم تقع وإذا سمعت المظلومين يصرخون , ثم لم تجد الأمة الإسلامية حاضرة لدفع الظلم , وتحطيم الظالم , فلك ان تشك مباشرة في وجودها ).

         وها نحن اليوم وبعد ألـ 1432 سنة من ذلك الانقلاب التاريخي العظيم الذي حطم أغلال العبودية والرق والقهر والكبت وكل أنواع الظلم والفساد , وانتزع من تجار قريش سياطهم وسلطتهم , وأعاد الى المظلومين والمقهورين والبؤساء والضعفاء مكانتهم الإنسانية والاجتماعية , وغير وجه الكون الحالك المظلم , الى آخر مشرق منير صالح للحياة بكرامة وعزة وإنسانية , نرى عودة تلك الثلة المتاجرة بقوت الشعوب وعرقهم , بحريتهم وكرامتهم , بأفكارهم وآراءهم , بل واستفحال قوتهم ومكانتهم في كل أرجاء هذه الأمة العظيمة .

         نعم .... نرى عودة ثانية لتجار قريش وسياطهم وقسوة قلوبهم , نراهم في كل شخص يتمثل لنا على تراب هذه الأمة العظيمة الخالدة في صورة الظلم والطغيان والجبروت والقهر , في صورة الأغنياء الذين لا تهمهم سوى بطونهم المتخمة بينما إخوة لهم في مشارق الأرض ومغاربها تئن من الجوع والمرض والفقر والفاقة , نشاهدهم في صور الحكومات التي ترفض الشرفاء والمخلصين من أبناءها , لتستبدلهم بعملاء الاستعمار وتجار الكلمة الرخيصة والأدب المنحل والعبيد الذين يهربون من الحرية , ولا يجدون أنفسهم إلا في سلاسل الرق. 

         نراهم في كل أشكال المتاجرة بالإنسانية والحرية والعدالة في كل أرجاء هذه الأمة الغالية , في القهر والجوع والظلم الذي نراه في عيون أطفال العراق وفلسطين وكل شبر عزيز على تراب هذه الأمة العظيمة , نراه في صورة المسئول الخائن الذي حول ثروات الأوطان والشعوب الى مزارع له ولابناءه ومن يحسبون عليه , بينما يعيش بقية أبناء وطنه وأمته عيشة قاسية مرة , نراه في صور الذين قدر لهم ان يملكوا المطارق ومفاتيح السجون والمعتقلات , فلا يقذفوا في غياهبها سوى الأبرياء والشرفاء الذي رفضوا الانسياق لمواكب العبودية والارتزاق والعمالة للاستعمار وأعوانه وأشكاله .

         وكما ان تجار وساسة قريش الأولى قبل 1432 سنة قد ابتكروا وسائل التنكيل بالأحرار والشرفاء والمخلصين لامتهم وعقيدتهم وأوطانهم ومبادئ الكرامة والفضيلة والكلمة الحرة الصادقة والنقد البناء , كذلك فعل تجار قريش في القرن الحادي والعشرين , والذين لا يختلفون عنهم كثيرا , سوى أنهم أكثر قسوة وظلم , ويملكون من صور التنكيل المتقدمة ما عجزت عن اختراعه قريش الأولى , بل – والله – ان أولئك في الجاهلية لأرحم ألف مرة من قريش الجاهلية في القرن الحادي والعشرين .

          إنما وعلى الرغم من ثبات تلك الحقائق المرة  , فان هناك حقائق أخرى لا تقل عنها ثبوتا , حقائق تشير الى ان المستقبل للأحرار والشرفاء والمخلصين لامتهم وعقيدتهم , وان ملكية هذه الأمة العظيمة الخالدة سترد يوما لأصحابها الحقيقيين , أصحابها الذين يخافون على عزتها وكرامتها ومجدها , لا على جيوبهم ودفاتر شيكاتهم وأرصدتهم البنكية ووظائفهم الرسمية , وقد دلت التجارب الماضية كلها على أن الأرض الطاهرة الزكية ترفض قبول الغث الفاسد من الحشائش , { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ } صدق الله العظيم.

         فإلى الذين قدر لهم ان يكونوا أحرارا أو عبيدا في سوق قريش , الى الأغنياء الذين تمتلئ بهم غرف الإنعاش بسبب التخم " اتقوا الله في جياع هذه الأمة " , الى الآمنين في دورهم تذكروا إخوة لكم في فلسطين والعراق وكل شبر في هذه الأمة الغالية وهم يعيشون تحت وطأة الظلم والقهر والاحتلال , والى أصحاب الجاه والسلطة والمناصب , وكل من قدر الله له مكان المسؤولية في هذه الأمة , اتقوا الله في أماناتكم ومناصبكم فانتم يوم القيامة ستسالون عن كل ذلك , الى هؤلاء جميعا نقول لهم قول الحق عزوجل : { وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } صدق الله العظيم.

ــــــــ

*باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية – رئيس تحرير صحيفة السياسي التابعة للمعهد العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ