ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
تونس
ومنها النبأ الأول والأخير عريب
الرنتاوي فجأة،
ومن دون انتظار، تربعت تونس
الخضراء على رأس قائمة أولويات
السياسة والإعلام في المنطقة
والعالم، واحتفظت بمكان
الصدارة للأسبوع الثاني على
التوالي، حيث "الثورة
الشعبية" التي لم تتخذ لنفسها
لوناً يميزها على طريقة "الثورات
الحمراء" و"البرتقالية"
و"الخضراء" وغيرها، وحيث
التغيير يقرع الأبواب، أبواب
تونس والمنطقة برمتها، ومن حيث
لم نحتسب ولم نتوقع، لا نحن ولا
غيرنا، ولا "التونسيين"
أنفسهم. تونس
تقدم دروساً بالغة الغنى
والتعقيد، لكل من هو بحاجة لأن
يتعلم، والظاهر تماماً أننا
جميعاً بحاجة لأن نتعلم، بعد أن
فقدنا لسنوات وعقود، قدرتنا على
"التعلم" و"الإحساس" و"المبادرة"،
وبعد أن تبلّدت حواسنا
ومشاعرنا، وتلبّد الضباب في
عقولنا وفوق رؤوسنا. درس
تونس الأول، موجّه للأنظمة
والحكومات، بأن لا تركننّ أبداً
للهدوء الذي يخيم على
مجتمعاتنا، فهو هدوء مضلل، وهو
من نوع الهدوء الذي يسبق
العاصمة...فلا يطمئنن أحدٌ إلى
حالة الاستبعاد والاستلاب التي
فرضت على مجتمعاتنا وشعبونا،
فلا أحد يدري متى يحدث التحوّل،
ومتى "تفيض الكأس الملآنة"،
ومتى ينقلب السحر على الساحر،
ومتى يتحول الاستجداء من "مهنة"
الجماهير المستضعفة ووظيفتها
اليومية، إلى وسيلة الحكام
لاسترضاء الشوارع ودرء غضب
الجماهير التي قررت على ما
يبدو، أن تشبّ عن كل طوق. درس
تونس الثاني، موجّه لبطانة
السوء، التي زيّنت للحاكم أنه
الأب والأخ الأكبر، الملهم
والمهيب، الفذ والحكيم، "معبود
الجماهير" و"حبيبها"،
صاحب القامة التي لا تطاولها
قامة في الفهم والعقل والذكاء
والإيثار والمبادرة...بطانة
السوء التي صوّرت للحاكم أنها
وحدها الأكثر إخلاصاً له
وللبلاد والعباد، وأنها الأدرى
بمصالح الناس من الناس أنفسهم،
هذه البطانة، هي أول من ركلها
الرئيس التونسي بقدميه عندما
اقترب الطوفان من القصر
الرئاسي، وعلى "البطانات
النظيرة" في عواصم عدة، أن
تحسب ألف حساب، ليوم كهذا، حيث
لا ينفع النفاق ومعسول الكلام،
ولا يبقى لهؤلاء سوى "قبيح
أعمالهم". درس
تونس الثالث، لكتّاب البلاط
وشعراء السلاطين وفقهاء الظلام
ومثقفي "الريموت كونترول"،
الذين لا همّ لهم سوى التسبيح
بحمد أولياء الأمر والنعمة، لقد
رأينا حناجرهم تنتفخ وأوداجهم
تكاد تنفجر على المنابر، فيما
أقلامهم التي اعتادوا ملأها
بأحبار غيرهم، لا تكف عن إطلاق
رصاصها المسموم في ظهر كل صوت
وطني حر وشريف ومعارض...هؤلاء
وأمثالهم، علّمنا الدرس
التونسي، بأنهم أول من يلوذ
بالجحور والمنافي، بحثاً عن
ملاذ آمن يقيهم غضب شعوبهم التي
طالما اكتوت بنيران ألسنتهم
وأقلامهم الصفراء. ودرس
تونس الرابع، موجّه للمعارضات
في دولنا ومجتمعاتنا: لا تغيير
من دون كلفة...لا تغيير
بالمناشدة والبيان والمقال...لكل
تغيير في تاريخ البشرية أكلافه،
ووحدها المجتمعات المستعدة
لتسديد فواتير التغيير، هي
المؤهلة للخروج من ركودها
وسباتها...والتغيير لا يكون
بالمواعظ الأخلاقية بل
بالالتصاق بهموم الناس
ومطالبهم واحتياجاتهم
المعيشية، أما الاكتفاء
بالجلوس على مقاعد الوعظ
والإرشاد، فتلكم أقصر الطرق
للخراب. ومن بين
المعارضات جميعها، فإن درس تونس
الخامس، يتوجه بشكل خاص، إلى
الحركات الإسلامية، التي وإن
كانت قد ملأت الأرض والفضاء،
وفازت بأعلى الأرقام والنسب
المئوية في الانتخابات البلدية
والبرلمانية، إلا أنها تصطف
اليوم مع "القاعدين" عن
اللحاق بركب الشوارع الغاضبة
والمحتجة على فقدان لقمة العيش
وفرصة العمل والحياة الكريمة،
لا يكفي أن تظل هذه الحركات
تتحدث بلغة المواعظ والتبشير
بالحلال والحرام، هذا مسموح
وذاك ممنوع، بعد أن ثبت بأن
معيار جدية أية حركة سياسية، هو
في قدرتها على التقاط نبض
الشارع والتزام أولوياته،
والوقوف في صدارة الصفوف في
معاركه ومواجهاتها. تونس
تقدم الدرس، والدرس التونسي
جاءنا على غفلة ومن دون أن
نحتسب، وأحسب أن كثيرين في
عواصم بعيدة عن تونس الخضراء،
يفكرون اليوم، أو يعيدون
التفكير في حساباتهم، خصوصا
أنظمة "الجملوكيات"
الشائخة، المنهكمة في ملفات
الخلافة والوراثة، المشغولة
بتعديل الدساتير لتصبح مطواعة
لرغبة الحكام في البقاء على
كرسي السلطة وصدر الشعب، إلى
الأبد، ومن بعدهم أنجالهم، حتى
وإن كانوا بلا لون أو طعم أو
رائحة. تونس
الخضراء تشعل ضوءا أخضر في
نهاية النفق العربي المظلم،
والمأمول أن لا تنتهي ثورة
الشعب التونسي إلى ما انتهت
إليه ثورة الشعب اللبناني في
الرابع عشر من آذار عام 2005،
عندما اختطف الطائفيون وأمراء
الحرب وعملاء إسرائيل، واحدة من
أروع الانتفاضات الشعبية
وأكثرها تشبّعاً بالدلالات
والرموز التي انتهت إلى نقيضها. تونس
التي احتلت النبأ الأول، هي
الأكثر ترشيحاً لأن يصدر منها
وعنها النبأ الأخير. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |