ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 19/01/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

تداعيات انفصال جنوب السودان

بوفلجة غيات

شهد العالم في الأيام الأخيرة عملية إجراء الاستفتاء عن انفصال جنوب السودان عن شماله، وكل عربي وطني مخلص يشعر بالحزن والألم، إلى درجة لم أعد أتحمّل البرنامج الذي تقدمه يوميا "قناة الجزيرة" بموسيقاه الحزينة وصورة حدّ السكين وعملية التقسيم المهيأة في "الجينيريغ". وكأن شيئا مفزعا سيحدث، وبالفعل حدث.

مع ذلك، فيمكن النظر إلى جانب آخر من العملية، وهي أن جنوب السودان يختلف عن شماله. سواء من حيث القومية فالجنوبيون لا يعتبرون أنفسهم عربا، أو من حيث لون البشرة، أو اللغة المستعملة ومستوى طلاقتها، أو من حيث الدين، إذ أن الشمال مسلم في غالبيته، في حين أن غالبية الجنوبيين من المسيحيين. إلى جانب ذلك نشاهد اختلافا كبيرا في المستوى الاقتصادي والتنموي ومستوى التعليم، وغيرها من جوانب الاختلاف.

لذا فأرى أن الجنوب مصدر لكثير من المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهو عبء على الشمال، فقد يكون انفصاله عاملا لازدهار الشمال وتخلصه من كثير من مشاكله الاقتصادية على الأقل. وقد التقيت بأحد الأساتذة السودانيين في الصيف الماضي، وسألته عن انفصال الجنوب، فقال لي بأنه لو عُرض الاستفتاء على الشماليين لصوتوا لصالح انفصال الجنوب.

كما أنه ليست أول مرّة تحدث عمليات تقرير مصير الشعوب، وهو ما شاهدناه خاصة عندما تفكك الإتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا السابقتين.

مع ذلك فكل الدول والحكومات والشعوب تحب الوحدة وتتغنى بها، إلا أنها أحيانا قد تصبح مستحيلة، لهذا "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان". فالتمسك بالوحدة في ظل رفض الطرف الآخر، وفي ظل الضعف الاقتصادي وتراكم المشاكل الاجتماعية وغياب التكاتف العربي، عوامل قد تِؤدي إلى كوارث أعظم وأعمق.

أما الشق الآخر من السؤال، فهو: على من تقع مسؤولية انفصال الجنوب؟.

إن انفصال الجنوب مسؤولية الجميع، فهي ليست مسؤولية الحزب الحاكم في السودان وحده، وليست مسؤولية عمر البشير وحده، وليست مسؤولية الحكومة وحدها. بل أن المسؤولية يتقاسمها الجميع في الشمال والجنوب، حكومة ومعارضة.

إلا أن أكبر مسؤولية تقع على الولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى خدمة لأجندة إسرائيلية. حيث أن كل الدول العربية مستهدفة بدون استثناء، لخدمة أهداف إستراتيجية صهيونية بعيدة المدى. كل ذلك بتدعيم من أوروبا ومن الغرب عموما.

وهكذا فإن الغرب هو الذي سعى إلى تقسيم السودان وسوف يأتي الدور على أقطار عربية أخرى، ليعي العرب بعد فوات الأوان "أنهم أكلوا يوم أكل الثور الأبيض"، حيث سيصبح "السودان" رمزا إلى "الثور الأبيض".

إن انفصال جنوب السودان، لم يبدأ اليوم، بل بدأ مع الصراع المسلح الذي اندلع بين الشمال والجنوب، حيث قامت الولايات المتحدة والقوى الغربية المعادية للسودان الموحد بدعم الجنوبيين بالمال والسلاح والوقوف إلى جانبهم في المحافل السياسية. كما أن الولايات المتحدة هي التي فرضت شروطها في مختلف المفاوضات والاتفاقيات بين شمال السودان وجنوبه. وفي الوقت الذي كانت حكومة الوحدة في الشمال تسعى إلى حقن الدماء وصيانة الوحدة، كانت الولايات المتحدة تقدم الوعود الكاذبة للحكومة المركزية وتدق المسامير في نعش السودان الموحد، حتى ظهرت الحقيقة المرّة، وهي السياسات الماكرة للغرب ووعوها الكاذبة، وأن الجنوب كان في طريقه إلى الانفصال، رغم أن الوحدة بقيت حلما لساسة الشمال إلى آخر لحظة من تنفيذ المخططات الغربية الخبيثة.

أما بالنسبة للحكومة السودانية، فلم نشاهد حركية سياسية، وإشراكا للشباب في إدارة الأزمة، ولا أحزاب جديدة للمساهمة في الحياة السياسية ومزاحمة الوجوه السياسية التي لم تتغير منذ مدّة. كما أن المعارضة السودانية لم تكن في يوم من الأيام في مستوى التحديات التي تواجه السودان. فكل الساسة السودانيين أصبحوا من الماضي، فلا عمر البشير، ولا أقطاب المعارضة، المتمثلة خاصة في الصادق المهدي وحسن الترابي، لم يعد بإمكانهم تقديم أي شيء جديد أو مساهمة لحل مشاكل السودان المتعددة والمعقدة والمتداخلة. فكلهم تجاوزتهم الأحداث وأصبحوا كالماء الراكد النجس. ولم يفهموا بعد، أنه أصبح عليهم إفساح المال لشباب متعلم – وما أكثره - لمواجهة تحديات العصر.

إن مسؤولية الوضع القائم في السودان تتجاوز حدود الدولة إلى الإقليم، وأكبر دولة معنية هي جمهورية مصر العربية، التي لم تتحمل مسؤوليتها، ووقفت كالمتفرّج بل أن لها دور في انفصال السودان لكونها حليفة للولايات المتحدة – كما تتوهم – ولم تفهم أنها المستهدفة بالدرجة الأولى من تقسيم السودان. فالكماشة تضيق على مصر "أم الدنيا"، وقد بدأت تظهر معالم الخطة الأمريكية – الإسرائيلية لمحاصرة مصر وخنقها.

ففي الوقت الذي نجد مصر تضيع علاقاتها مع دول شقيقة بسبب مباراة كرة القدم، كما فعلت مع الجزائر، وفي الوقت التي يشتعل وطيس الصراع على التوريث أو عدمه، وفي الوقت الذي ينفرد فيه الرئيس المصري والحزب الحاكم بالسلطة، ويتم قهر كل أشكال المعارضة السياسية داخليا، تعمل إسرائيل جاهدة مع حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية، لفصل جنوب السودان عن شماله لإقامة قاعدة خلفية لإسرائيل بجنوب السودان، وخفض كمية مياه النيل التي ستصل إلى مصر، وإشعال نار الفتنة الطائفية داخل مصر. إذ ليس بالمستبعد أن تكون العملية الانتحارية قرب كنيسة القديسين في الإسكندرية من تخطيط دوائر الاستخبارات الإسرائيلية، بعدما قبض على العميل المصري الذي كان يتجسس لصالح الموساد الإسرائيلي. 

وهكذا تراجع الدور المصري وتقوقع، بل أصبح مستهدفا، وهكذا بعد أن كانت مصر "أما للدنيا" بقوتها وقيادتها للقومية العربية، أصبت دولة مثل غيرها من دول العالم الثالث المتخلفة، والمستهدفة في انتمائها الحضاري ووحدتها وأمنها القومي.

كما أن ما يحدث في السودان هو مسؤولية الجامعة العربية، التي لم يعد لها وجود على الساحة السياسية، بل أصبحت مركزا للفساد والتخلف يستهلك ملايين الدولارات على موظفين كبار، لا فائدة ترتجى منهم. ولم تفلح كل الصيحات المطالبة بتغيير الهيكل الأجوف، المتمثل في الجامعة العربية أو إلغائها إن بقيت على حالها، للاستفادة من ميزانياتها الضخمة في مجالات أخرى هي في أهم الحاجة لتلك الأموال. إن أهم شيء تساهم به الجامعة العربية، إرسالها لمراقبين للتأكد من أن الجنوبيين صوتوا فعلا لصالح الانفصال، وهي بذلك حريصة على السير في جنازة السودان الموّحد.

إن الضغوط التي تم توجيهها ضد السودان وحكومته، لا طاقة لهم بتحملها في غياب مساعدة العرب والدول المجاورة، والتي ستصلها تداعيات انفصال السودان في القريب العاجل. وكلهم يجب محاسبتهم عن أدوارهم السلبية والتفريط في الأمن القومي العربي عموما.

مع ذلك نجد في الفترة من يذرفون دموع التماسيح، وهم يغوصون في سباتهم العميق، دون أن يدركوا حجم الخسائر والمشاكل التي يتسببون فيها بتمكسهم بالأوضاع الحالية وببقائهم في السلطة وإعاقتهم لأي تغيير أو إصلاح، وهو ما نشاهده في كلّ أقطار الوطني العربي من محيطه إلى بحره إلى خليجه.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ