ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 24/01/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

التغيير السلمي في العالم العربي

هل ستنتقل العدوى التونسية إلى خارج تونس؟

بقلم: خالص جلبي

العالم العربي برمته يحتاج للتغيير مثل أي بيت عتيق متهالك؛ فإن لم يصلحوه سقط على رؤوس الناس كما وقع في تونس، والتغيير آت لا مفر منه مثل تبدل المناخ في الطبيعة، وأي بلد عربي لا يخرج عن هذه القاعدة، ومن لا يغير ما بنفسه فإن قوانين التاريخ جاهزة لتغييره. ومن يغفل عن سنن الله فإن سنن الله لا تغفل عنه.  وينفع في هذا الصدد تذكر دروس التاريخ؛ ففي 14 يناير 2011م كان زين العابن وقرة المتقين يغادر تونس مع المغناج من قرطاج، مع زنة طن ونصف من الذهب مهرا للخانم؟

وشاوسسكو حاكم رومانيا السابق كان في زيارة لطهران، وكان إعصار التغيير يجتاح كل أوربا الشرقية؛ فبعد خرق سد برلين تدفقت الحريات مثل يأجوج ومأجوج فهم من كل حدب ينسلون، وسأله صحافي يومها عن احتمالات التغيير في رومانيا فأجاب: نعم هنالك تغيرات فيما حولنا، ولكن من يجهل رومانيا يظن أن التغيير قادم إلينا، وأنا أقول لهؤلاء أن النظام في رومانيا لن يهتز، وإذا أنبتت شجرة الحسك تينا فقد يتغير النظام عندنا..

كان الرجل يتحدث بوثوقية وصلابة عقائدية كعادته.. وبعد هذا الكلام بأسبوع كان شاوسسكو قد رحل عن الدنيا قتيلا ولم يعثر له على قبر.

وما حدث في رومانيا مصبوغاً بالدم لم يكن كذلك في تشيكوسلوفاكيا التي انفصلت بدون قطرة دم واحدة. ولا في أوكرانيا، وكان أعجبها صربيا حيث تعاون الضغط العالمي الخارجي مع المظاهرات السلمية الداخلية في فك النظام وإرسال سلوبودان إلى العدالة.

وهذه الحمى انتقلت مثل نسيم الربيع العليل على مناطق شتى في العالم حتى داعبت أرز لبنان، بعد أن مضى الحريري إلى ربه وجاء ملك الموت الألماني (دتليف ميلس) فقبض روح غازي كنعان كوجبة أولى.

وهذا التغير السلمي يلف بجناحه كل العالم اليوم، ويزداد أتباع جيش اللاعنف بدون توقف وينتصرون بدون سلاح، وينهزم جيش العنفيين مع كل السلاح..

أمام العرب خاصة في جملوكيات الخوف والبطالة ثلاث نماذج على الأقل في طريقهم إلى المستقبل فليختاروا:

فإما كانت العراق والفوضى حتى حين، ورؤية صدام يعرض على الشاشات العالمية في عزة وشقاق، ثم مشنوقا وحوله الطائفيون يهللون في يوم عيد الشكر والأضحى يذبح مثل كبش أملح؟

ـ وإما مذابح التوتسي والهوتو، والصرب والكروات، وكوسوفا والأرمن في القفلات، كما كنا نسمع من الجدات؟

ـ وإما كانت الطريقة الحضارية على النموذج التشيكي فلا يخسر أحد ويربح الجميع..

ـ وإما رحلة إلى المجهول ..

إن الأنبياء الذين كانوا يخاطبون أقوامهم كانوا يكررون: إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم!!

ونموذج النبي يونس يقول إنه رجع إليهم ورفع عنهم العذاب، فلا يشترط في قدر أي بلد عربي أن يكون حافلا بالدماء مثل المصير العراقي والصومالي بعد أن هرب زياد البربري صنو آكل اللحم البشري عيدي أمين؟.

وربما كانت سيكولوجية الشعوب متباينة على الطريقة التي شرحها عالم الاجتماع العراقي الوردي بين عراقي وسوري وتونسي ومصري؟.

كل هذا ليس مهما، وليست المشكلة هنا، ولكن المشكلة أنه وتقريبا  كل بلد عربي خاصة في الجملوكيات تعيش وضع النظام الشمولي، الذي انتهت صلاحيته مثل المعلبات منذ أيام بريجينيف؟.

ومن لم يغير نفسه فإن قوانين التاريخ كفيلة بذلك. كان ذلك في الكتاب مسطورا.

إن كل المؤشرات تقول بحدوث التغيير مثل اخضرار الطبيعة وتفتح البراعم في الشجر، وظهور شقائق النعمان في الجولان وطيران النحل وقفز الغزلان، فالقنوات الفضائية تنقل، والناس تجرأت على الحديث وينكسر حاجز الخوف والصمت تدريجيا وهو الأهم سيكولوجيا كما رأينا في تدفق الجماهير التونسية فقد بدأت الرحلة؟

وليس المهم أن نتكلم فاحشاً من القول، ونفرغ شحنة الكراهية التي في صدورنا، بل أن نقول القول المسؤول بكل حب وحرص، كما كان يقول الأنبياء لأقوامهم: يا قوم إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم.

وما يحتاجه المجتمع العربي هو الحب الذي يبني ويرمم فليس مثل الحب قوة قاهرة ناعمة؛ فالحب قوة تدمج كل حبيبات الكون.

ومن الضروري على العرب الاتعاظ بنماذج التاريخ، وشق طريق سلمي للمستقبل فهو خير وأبقى، ويبدو أن الجو تخمر ما فيه الكفاية عند كل الأطراف لهذا التغيير، بعد أن ذاقوا العذاب الأليم. فلا يستأثر بالأمر فريق دون غيره.

ولكن المشكلة أن المعارضة بين العرب وبسبب الكساح الطويل والاضطهاد المعمق المتلاحق تشبه حاليا الكسيح الذي يتعلم المشي، أو المصاب بسكتة دماغية فهو يتمرن على النطق، فهذا يتعثر والثاني يتاتأ.

وعدم نضج المعارضة يحمل خطرا على التغيير السريع المفاجيء مثل المشلول الذي يريد دخول مباريات الأولمبياد.   والتاريخ يعمل وفق قوانينه...

ولينين فوجيء باندلاع ثورة بطرسبورغ، وموت عشيقته الفرنسية آرنيسيا عجل بموته، فسقطت تفاحة السلطة في يد رجل لا يرقب في أحد إلا ولا ذمة؛ فأدخل روسيا في نفق طال سبعين سنة..

ونظام البعث الذي يشبه فردتي حذاء طار واحد منهما وبقي الثاني مثل قصة خفي حنين والبدوي المسروق صاحب الجمل؟ 

وسوريا مثلا وهي ليست الوحيدة دخلت نفقا دام أربعين سنة، فتراجعت عن المسيرة العالمية أربعين سنة، ودراسات باول كيندي في كتابه (التحضير للقرن الواحد والعشرين) تظهر ارتفاع دخل الفرد في كوريا الجنوبية 13 ضعفا في ثلاثين عاما، وبقاء ذلك للفرد الغاني في حدود 300 دولار لم يتزحزح، وهي النكبة العارمة التي أصابت السوريين أيضا ولربما كانت الأوضاع ألعن وأباس في أماكن أخرى مثل السودان وتشاد واليمن؟

وعلينا نحن من يدعو إلى اللاعنف أن ندعو إلى دار السلام، وليس إلى الانتقام، فدورات العنف مغلقة، ودورات الحب مفتوحة، والعنف مدمر، والحب يبني، والكراهية نفي للآخر وتسميما للذات، والحب حرص على الآخر واندماج فيه وحزن كبير على فقده.

وأنا أكتب هذه الأسطر أتذكر جيدا موت داعية اللاعنف "ليلى سعيد" زوجتي التي مضت إلى ربها وقلبها يفيض بالسلام والحب لكل الخلائق، وكانت تقول: هل تريد أن تتحرر من الخوف؟ عليك إذن بالسلام.

فمن امتلأ قلبه بالحب لم يعد يخاف قط، ومن آمن كانت له الأبدية كما قال يسوع عيسى بن مريم.

وهذه المشاعر ليست أوهاماً بل هي أعظم العواطف عند الإنسان، والعقل لا يتحرك بدون وقود، والوقود هي العواطف، وهي الدورة المخية التي كشفها جوزيف دي لو كما أشار إليها صاحب كتاب (الذكاء العاطفي) دانييل جولمان.

يذكر التاريخ أن الملك آشوكا اعتلى عرش الهند عام 273 قبل الميلاد وكان في غاية القسوة والبطش يحكم بالحديد والنار، حتى كان ذلك اليوم الذي التقى فيه براهب بوذي قلب حياته رأسا على عقب فانبجست الرحمة ينابيع من قلبه، فأصدر أوامره بالكف عن الحرب.

وبدأ في بناء المدارس والمشافي بما فيها مستشفيات للحيوانات. وأرسل اعتذارا عجيباً لقبيلة (كالنجا) وأعاد إليهم أراضيهم وعوضهم عن خسائرهم.

وفي الواقع كان آشوكا قد أنقلب جذرياً وآمن بالسلم وسيلة لحل المشاكل بين البشر وكف عن شن أية غارة أو حرب. وبدلاً عن ذلك بدأ بنشر تعاليم الرحمة وأوصى موظفيه أن يعاملوا الناس مثل أبنائهم.

فهل تستفيد الطبقة الحاكمة في بلاد العروبة من الدرس التونسي، فتبيض السجون وتسرح الجيوش الأمنية، وتعلن موت الحزب القائد كما فعل بوريس يلتسين مع الحزب الشيوعي الروسي؟

هل تتصالح القيادة مع نفسها والمواطن؟ وتفتح البلد للتعددية والعالمية ودخول العصر وتشكيل لجان (التأهيل والمصالحة) كما حصل في جنوب أفريقيا؟

هل يتم الاعتذار مثلا لأهل حماة الذين قتل منهم ثلاثون ألفا في ثلاثين يوما بما هو أشد من ضحايا الاسكندر في معاركه الكبرى؟.

هل يمكن أن نرفع البكاء على ضحايا تدمر، خاصة الألف الذين ذبحوا في ليلة واحدة، منهم صديقي الغالي دكتور العصبية المختص من كندا الحمصي الوسيم توفيق دراق؟ فيرفع نصب بأسماء الآلاف من الذين قضوا نحبهم، ويكتب تحته كما كتبت بلدية هيروشيما عن ضحايا القنبلة النووية: لن نعيد هذا الشر أبدا.. وأن لاعنف .. لاعنف بعد اليوم بل الحب والمصالحة واحترام الإنسان والأرض والمرأة والحيوان والوقت والعلم ..

ولا ينكل بأحد ولا نسمع عن أحد قتل أو انتحر أو نحر.. ويدخل البلد ظل القانون أخيرا بعد هذه الأوديسة السيئة لمدة أربعين سنة مثل تيه بني إسرائيل..

هل تتجرأ القيادة أن تكسب التاريخ فيسجل اسمها في الخالدين؟؟

إن هذا الكلام ليس طوباوياً، بل ضرورة، وهو تغير قادم مثل حقيقة الشمس والقمر والموت، والموت لا يغير، والحياة مبنية على التغير، فالحياة تدفق مستمر وتحول دائم وانتقال متواصل من حال إلى حال.

أليس فينا رجل رشيد؟؟

ماحدث في تونس أبرز إمكانية حدوث تغير بأقل التكاليف الممكنة، كما لو قارنا كلفة ثورة إيران بـ 80 ألف ضحية مع تونس بثمانين، طبعا مع عدم الاستعجال فقد تولد ثورة من ثورة فالثورة من الثور والثور نعرفه جيدا بدون عقل في ساحات أسبانيا الذي لايهدأ إلا بسيف المصارع ويمكن اللعب به بخرقة حمراء؟.

مع هذا فما حدث إيجابي وهو قدر التاريخ أن ماينفع الناس يمكث في الأرض وأن الزبد يذهب جفاء كذلك يضرب الله الأمثال؟

يعتمد المحتوى الأخلاقي لفكرة اللاعنف على ضفيرة من سبعة أفكار تأسيسية: إنها طريقة جديرة بالتأمل.

 (1) أولاً: العنف هو سعي إلى مصادرة حق الآخر في الوجود كذات مادية وهذا هو العنف المادي. أو كذات فكرية وهو العنف الرمزي سواء كان فعلاً مباشراً أو رد فعل على عنف الآخر.

 (2) ثانياً: العنف يبدأ فكرة في الذهن أو شعورا في القلب من تحقير الآخر والانتقاص منه والاستخفاف به واعتباره الأدنى الذي يجب تطهير الأرض من دنسه وينتهي دماء على الأرض وفسادا في البر والبحر.

 (3) ثالثاً: العنف لا يحل المشاكل بل يعقدها أكثر ويولد المزيد منها ولا يقود إلا المزيد من العنف ولو على المستوى الزمني البعيد. والسلم لا يؤدي إلا إلى مزيد من السلم ولو على المستوى الزمني البعيد. ويعلمنا القرآن قاعدة ذهبية في التعامل إن استطعنا أن نصعد إلى مستواها (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).

 (4) رابعاً: في عالم الطفل قد نستطيع ردعه كطريقة تربوية فاشلة بضربه فيتوقف عن ممارسة بعض السلوكيات ولكنه داخل نفسه لن يتوقف عن ممارستها ما لم يقتنع بذلك ويعود إلى نفس السلوك بمجرد زوال التهديد والعقاب، ويذكر القرآن بهذه السيكولوجية (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) أي أن المنعكس الشرطي النفسي قائم، وحال زوال الردع ترجع النفس لممارسة السلوكية السابقة.

وهذا يعني في حقل التغيير أن العنف لا يغير لأنه لا يلامس الوتر الذي يجب أن يعزف عليه أهل الإصلاح والتجديد وهو وتر تغيير ما بالأنفس . بكلمة ثانية تشبه القانون الرياضي: هناك عنف ليس هناك تغيير. هناك سلم واقتناع هناك تغيير في السلوك.

 (5) خامساً: هناك علاقة تلازمية بين العلم والسلم. فكلما ازداد الإنسان نضجا ورشدا وتسلح بالعلم مال إلى حل المشاكل سلميا والعكس بالعكس.

 (6) وصل عالم الكبار إلى إدراك هذه الحقيقة مرغما وبمعاناة شديدة وبكلفة مريعة من الضحايا والدماء ولكنه مازال متخلفاً أخلاقيا ويبيع السلاح للدول الفقيرة أو الجاهلة مع معرفته الأكيدة أنها عتاد ميت؛ وهكذا فإن الحرب توقفت ولكن الوهم مازال قائما أنه يمكن الاستمرار بحل المشاكل بالحرب كما ظن ميلوسوفيتش وصدام وشارون وبوش وكثير من العرب وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فمال له من مكرم إن الله يفعل ما يريد.

 (7) الحرب تهدف إلى كسر إرادة الخصم أي إلغاء الآخر وبالتالي فإن نهاية الحرب هي تحطم إرادة وبقاء إرادة وحيدة تملي القرار في الساحة، وهذا خطر على الطرفين فوسط من هذا النوع يولد كائنين مريضين مستكبر ومستضعف. وهذا يفتح دورة الصراع من جديد. فهذه سبعة أفكار تأسيسية في المغزى الأخلاقي العميق لفكرة اللاعنف.

وهي تنفع لمن يريد التغيير في رياح التغيير شديدة الصر التي تلفح عرب الشرق الأوسط.

أهمية ما حدث في تونس الذي يشكل ولادة لانعرف فيها عن مصير الجنين وهل حقق (عشرة من عشرة أبجار كما تفعل القابلة؟) فقد يتبخر كل شيء ولكن الشيء الأكيد أن التاريخ تقدمي وواعد ولسوف تنتشر هذه الطريقة من حرق النفس في لون جديد من الشهادة في صدم المجتمع وضمير الحاكم المخدر المستكبر..

إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ..

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ