ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
انتصار
شباب سيدي بوزيد البطال على
جنرالات البانتاغون بوفلجة
غيات بدأ
العقد الثاني من الألفية
الثالثة بحدث عظيم مرتبط
بالإستراتيجية الغربية في
تعاملها مع المنطقة العربية. إذ
اندلعت الانتفاضة التونسية في
دولة لم يتوقع أحد تحركها ضد
أعتا نظام تسلطي في المنطقة. حدث
ذلك في دولة قدمها الغرب على
أنها نموذج اقتصادي وحضاري،
نموذج للتعاون مع إسرائيل،
نموذج لمحاربة الإسلام والتطرف
الديني، نموذج لحرية المرأة،
نموذج للحداثة والعصرنة في
المنطقة العربية. اندلعت
ثورة تونس بطريقة شعبية وبسرعة
فائقة، انتهت بهروب بن علي تحت
جنح الظلام، وقد تبرأ منه حماته
في فرنسا والولايات المتحدة
الأمريكية. إن ثورة
الياسمين العظمية لها تداعيات
إستراتيجية كبيرة، أكبر مما
يتوقع الكثير من المتابعين
للأحداث. ذلك أن الغرب استثمر
كثيرا في نظام بن علي وأراد أن
يجعله نموذجا للدول العربية.
وقد جسد نظام بن علي طموحات
الغرب كلها، في التعامل مع
إسرائيل والانفتاح عليها، وضرب
الحركات الإسلامية وقمع
مظاهرها ومنع الحجاب ومضايقة
المصلين، وضرب اللغة العربية في
منظومتها التربوية، وخاصة على
مستوى الجامعة. كما أنه حطم
المؤسسات العمومية لصالح
الاقتصاد الخاص الذي هيمنت عليه
حاشيته، وقد تفتح على
الاستثمارات الأجنبية التي
استغلت واغتصبت خيرات تونس دون
قيود. وهكذا
أراد الغرب وعلى رأسه الولايات
المتحدة الأمريكية وفرنسا سلخ
تونس عن العالم العربي بطريقة
ذكية، فحماه ودافع عنه، وسكت عن
تجاوزاته الكبيرة في الفساد
وغياب الديمقراطية وانتهاكات
حقوق الإنسان. أكثر من
ذلك أن الغرب، من خلال أبواقه
الدعائية، قدم
نظام بن علي على أنه نموذج يحتدى
به في العالم العربي. ومن
الأوائل الذين آمنوا بذلك
العلمانيون العرب، الذين رأوا
في تونس نموذجا في قمع
الإسلاميين وتحرير المرأة
والدفاع عن الفرنسية. وأن
انتفاضة الشعب التونسي أصابتهم
في أحد ركائزهم الفكرية ومثلهم
العليا. كما أن
الغرب صور الاقتصاد التونسي على
أنه اقتصاد قوي وأن تونس تحقق
تطورا اقتصاديا كبيرا، الأحسن
في المنطقة العربية وفي إفريقيا.
وقد آمن الكثير بذلك إلى أن فجر
شباب سيدي بوزيد الأحداث التي
عرّت الواقع الاقتصادي
والاجتماعي، وتذمر الشعب
التونسي بكل أطيافه. لهذا
فإن لثورة الياسمين تداعيات
كبيرة تجاوزت عملية قلب النظام،
والتحرر من أحد أعتا
الدكتاتوريات في العالم، وإنما
تجاوزتها إلى سقوط النموذج
الغربي والأمريكي في المنطقة
العربية. فظهرت حقيقة أن الشعوب
العربية هي الأساس في أي سياسة
في المنطقة، وأن هذه الشعوب
يستحيل قبولها بالتعامل مع
إسرائيل والانفتاح عليها، وحتى
ولو وقفت وراءها أكبر القوات
المسلحة في العالم، وعلى رأسها
قوة الحلف الأطلسي والبانتاغون
الأمريكي. إن
الدعم الغربي للنظام التونسي
البائد، عسكريا واقتصاديا
ومخابراتيا، لم يمكن نظام بن
علي من الصمود أمام الجماهير
الزاحفة. وبذلك سقطت ادعاءات
الغرب في أن عصر الانتفاضات
والثورات الشعبية قد انتهى،
وأنه لا مجال لانتفاضة الشعوب
في عصر العولمة. بل أن
التجربة التونسية أدت إلى قلب
حسابات الغرب وإستراتيجيته ضد
الشعوب العربية، مما أثبت وأبرز
قوة الشعوب، وعجز أي قوة على
الأرض عن قهر عزيمتها في
التحرّر، وأن أحداث تونس، قد
أذهبت الخوف من الشعوب، وأعادت
لها الثقة بالنفس رغم قوات
جبروت الأنظمة المتسلطة وما
تتلقاه من دعم غربي. إن أهم
شيء تحرص الولايات المتحدة على
الدفاع المستميت عنه، الحفاظ
علاقات السلطة الرسمية
بإسرائيل، وأي قطع لهذه العلاقة
يعتبر انتصارا للثورة، وهزيمة
للغرب. أما في حالة حفاظ السلطة
الجديدة على علاقات تونس
بإسرائيل، فإن ذلك دليل على فشل
الثورة وعودتها إلى أحضان الغرب.
فالغرب لا يهمه من يكون في
السلطة بل ما يهمه هو تحقيق
إستراتيجيته في المصالح
الاقتصادية وفرض ربيبته
إسرائيل في المنطقة العربية.
وهذا ما يفكر فيه جنرالات
البنتاغون. لذا
على أبناء سيدي بوزيد من
البطالين قطع الطريق في وجهه،
وبذلك يكونون قد انتصروا حقا
وألحقوا ضررا كبيرا بإسرائيل
وبالدول الداعمة لها من الغرب. وهكذا
انقلبت الأوضاع، ولم يعد نظام
بن علي نموذجا يحتدى به، بل أن
الثورة هي التي أصبحت نموذجا
يحتدى به من طرف الشعوب
المقهورة، والمغلوبة على أمرها.
وقد بدأت التحركات في الجزائر
والأردن ومصر، وقد تتوسع لتشمل
مناطق أخرى. إنها الثورات
الشعبية والجماهيرية التي تشبه
تلك التي نادى بها كارل ماركس
ولينين، لتحرير الشعوب من هيمنة
الإقطاعيين والرأسماليين. إن
النموذج التونسي يمثل ثورة ضد
حكام لمتسلطين، حرموا شعوبهم
ممارسة حقوقهم المدنية
والسياسية وشعائرهم الدينية،
وحرية التعبير عن أفكارهم
ورغباتهم الثقافية بكل حرية. إن ثورة
الياسمين لم تصدر من البيت
الأبيض بنيويورك ولا من الإليزي
بباريس، ولا من 10 داونيغ ستريت
بلندن، وغيرها من دوائر صنع
القرار الغربية، أو الجامعات
والأحزاب التونسية، بل انطلقت
من سيدي بوزيد، أشعلها المرحوم
محمد البوعزيزي واستقر هنيا في
قبره، وهو يقود ثورة الإنعتاق
والحرية من تحت الثرى. وهكذا
انتصر شباب سيدي بوزيد البطال
على خبراء البنتاغون وجنرالات
الحلف الأطلسي، وليس ذلك بغريب
في وقت انتصر أحرار العراق على
جيوش الحلفاء، وانتصرت حركة
طالبان على قوات الحلف الأطلسي
في أفغانستان. إن ثورة الياسمين
لن تكون حدثا عابرا، بل سيكون
لها ما بعدها. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |