ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
أسامة حسين الفرحان لكل ثورة في عالمنا دروس وتجارب تصب في
ذاكرة التاريخ ، و تستفيد منها
مختلف شعوب الأرض المقهورة ،
ويبدو أن تجربة تونس قد أفادت
الكثير من الشعوب، وبثت فيهم
الروح الثورية ، وأعطت كثيراً
من الآمال والتطلعات لدى شعوب
المنطقة، وحري بنا أن نكتب
الأسفار والدروس والعبر
المستخلصة منها ومن تجربة الشعب
التونسي طيلة ال23 سنة. دروس ثورة تونس عديدة ، وكل كاتب أو محلل
او ثائر يستقي درساً أو تجربة أو
رأي من زاوية من زوايا الثورة
وسأقول ما أستطيع قوله من دروس
مستقاة من هذه التجربة. * تقول هذه الثورة المباركة أن الكلمة و
القلم هي أقوى سلاح يملكه صاحب
حق ، وفوهته نار تحرق بمداده كل
ظالم ، وسيف مسلط على رقاب كل
مغتصب، فثورة تونس أشعلت وقودها
فوهات الفيس بوك (القلم المعاصر)،
وكلمات أطلقتها حناجر شباب
أنطلقت من صميم قلوبهم ، بعد
الذي عانوه ورأوه بأعينهم، من
تهميش ، وكبت لتطلعاتهم وآمالهم
ومستقبلهم وحتى لقمة عيشهم. ووصف النبي صلى الله عليه وسلم الكلمة
بأنها أفضل الجهاد فقال: (أفضل
الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)،وبالكلمة
كان يعلو ويسمو شأن قبيلة ، أو
ينزل إلى الحضيض شأن قبيلة أخرى
، بسبب بيت أو قصيدة قالها شاعر. * تباعد المسافات واختلاف المسميات
والألوان والأجناس والحدود
المصطنعة ، لن يكون يوما حاجزاً
أمام تلاحم هذه الشعوب المسلمة
وتعاضدها وتكاتفها، ومصيرها
الموحد ، فمنذ اليوم الأول
لانطلاق أحداث تونس تفاعل
العالم العربي والإسلامي
بكامله مع مطالب هذا الشعب
وحريته ، وخرجت المظاهرات
الداعمة له في مصر والأردن
وسوريا والجزائر وموريتانيا..
هذا التلاحم يذكرنا بأيام حركات
التحرير في العالم العربي
وتلاحم الشعوب فيما بينها
فساقية سيدي يوسف بين الجزائر
وتونس شاهد ، واحتضان مصر لثوار
الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي
شاهد ودليل على هذا الرباط
المقدس بين هذه الشعوب الذي
ربطه الله تعالى بقوله: (إنما
المؤمنون أخوة). * حاول النظام السابق أن يمسح ويمسخ عقيدة
هذا الشعب وتاريخه فاستخدم جميع
الوسائل وجميع أدوات الضغط
والإرهاب ، فمنع وحارب النقاب
والحجاب ، وأغلق العديد من
المساجد ، وغير الكثير من
قوانين الأحوال الشخصية
الإسلامية ، وحارب كل ما يمت
بصلة إلى دين هذه الأمة ، حتى إن
الواقف على أبواب تونس، أو
المشاهد لقنواتها الفضائية
ليظن أنها نسخة من دول أوربا في
مظهرها ، أو أن الإسلام لم يمر
من هنا من قبل. لكن هل نجح النظام بذلك أقول بكل تأكيد
أنه لم ينجح فمجرد إنزياح هذه
العصا والعيون التي كانت تراقب
وتحسب أنفاس هذا الشعب ، عاد إلى
دينه وأصله ، فامتلأت المساجد
بأولئك العطشى ، وعادت صيحات
الله أكبر تملأ الأفاق، وعاد
الحجاب يزين عفاف وطهر المرأة
التونسية. هذا التغير والعودة إلى الجذور يؤكد أن
الدين متأصل في عروق هذه الأمة
وإن تفاوتت درجات الإلتزام
والتقيد به ، هذا التغلغل عصي
على الإجتثاث منذ أن زرع
الإسلام تعاليمه في الرعيل
الأول من هذه الأمة فطهرها من
وثنيتها ، وأزال عنها أدران
الشرك والمعتقدات الجاهلية ،
وكيف لا يفعل الإسلام ذلك وهو
دين الفطرة التي فطر الناس
عليها ، وإن على علماء هذا البلد
وشبابه أن يساهموا في إزاحة
غبار وتراب هذه الأمة التي
تلوثت طويلاً وحان وقت نظافها. * الشعوب لا تقهر ولا تذل ، وهي الباقية
وما سواها زائل ، حاول
الإستعمار بكل ما أوتي من قوة
عسكرية ومادية أن يحتل هذه
الأرض وأن يخضع الشعوب لسلطانه
لكنه خرج خائباً خاسراً ، وحكمت
أنظمة فاسدة هذه الشعوب ، دمرت
إقتصاده ، وحاولت مسخ شبابه ،
وإخراج جيل مهزوز لا يملك من
مقومات الرجولة إلا الاسم ،
يسير خلف صرعات وتفاهات هنا
وهناك ، لكنه لم يفلح وينجح كما
أراد وخطط. * الأنظمة الفاسدة ستصم آذانها وتغلق
عيونها إلى آخر رمق في حياتها عن
فهم شعوبها ومطالبهم ، ولن
يحاولوا الفهم إلا إذا بلغ
السيل الزبى وأصبح الخناق يضيق
حول رقابهم. الان فهمتكم ، مقولة تاريخية قالها
الرئيس المخلوع ، حينما أحس أن
كل شيء بناه بدأ ينهار، وأن كل
ما حوله لن ينفعه من غضبة الشعب
المقهور ، وكل تدابيره
وأجراءاته التي اتخذها سابقاً
أصيبت بنظرية انعدام الطاقة...
وفي الحقيقة هو لم يفهم شعبه
الآن وإنما فهمها من لحظة وصله
الحكم ، لكن هذا الفهم هو القشة
الأخيرة التي يتمسك بها ليحمي
نفسه وما بناه من مجد وتاريخ. هي مقولة ليست غريبة ، بل سيقولها كل من
أحس أن قلاعه بدأت تتحطم وحصونه
بدأت تدك ، ففرعون الذي ضربه
الله مثلا على العلو والإستكبار
واستعباد البشر ، وبلغ من الظلم
والتكبر مبلغاً لم يبلغه أحد من
البشر ، حتى أنه نازع الله
سبحانه وتعاله في ألوهية عندما
قال (أنا ربكم الأعلى) هذا
الفرعون عندما أحس بأن عرشه
وملك مصر وما بناه من مجد وتاريخ
سيذهب وينهار وحياته في خطر قال
(آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت
به بنو إسرائيل وأنا أول
المسلمين). وسنبقى نسمع هذه المقولة كثيراً على مر
التاريخ والأزمنة والعصور ،
مادام هناك ظالم وشعب مقهور. * أن الظالم يعيش قلعة من الرعب ، تتمايل
يمنة ويسرة ، يوحي لمن يراه أنه
بطل يمسك بزمام الأمور كلها ،
فهو يبتسم بثقة ويلقي خطابات
نارية ، ويتخذ قرارات صارمة ،
لكنه في الواقع نمر كرتوني جميل
منمق ، يعيش في داخله عقدة الخوف
والشعور بالذنب والخطأ ،
وسيتذكر أجرامه كلما خلا بنفسه
أو أوى إلى مخدعه ، ودليل خوفه
كثرة الأجهزة والآلات المسخرة
لحمايته ، فالحزب والأموال ،
والشرطة ، وقوى الأمن كلها تصب
في بوتقة واحدة. ولو كان الرئيس السابق يملك أدنى مقومات
النمر الحقيقي لدافع عن مجده
وحقه ولو لشهر واحد، لكن هذا
اليوم وخوفه وشعوره الداخلي ظل
يطارده طيلة فترة حكمه ، كان
ينغص عليه عيشه وحياته ومنامه
على الرغم من توفر كل أسباب
الراحة والسعادة والخدم والحشم. * اسقاط الظلم ليس بالضرورة أن يصنعه
الابطال المشاهير أو من يشار
لهم بالبنان ، بل ربما يصنعه من
إذا رأيته تزدريه عينك ، وهذا
درس بضرورة الاستفادة من كل
طاقة بشرية ، وعدم الاستهانة
بها ، فالله عز وجل عاتب سيدنا
محمد صلى الله عليه وسلم فقال (عبس
وتولى أن جاءه الأعمى) ، ويقول
الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما
تنصرون بضعفاءكم). ثورة تونس أوقد فتيلها ذلكم البائع
المتجول الذي لا يجد لقمة عيشه ،
ذلكم الرجل الذي صفعته إمرأة
لهوانه عليها ، وإزدراءها له ،
لكنه كان الفتيل الذي أوقد،
والمصباح الذي أنار. * وأخيراً عندما يكسر حاجز الخوف ، وعندما
تصل الأمور بالشعوب أنها لا
تفرق بين الحياة والموت وتصل
إلى مرحلة اللارجعة ، فإن جميع
الحواجز الأخرى ستنكسر.. البطش
والإرهاب ، الخوف من المستقبل ،
انقطاع الرزق ، الصوملة.. وستكتشف هذه الشعوب المنتفضة أن هذا
الغول المخيف الذي طالما سمعت
به الشعوب (الظروف الخارجية
والإقليمية والدولية) ما هو إلا
أداة من أدوات السيطرة والتخويف
والتبرير للقهر والظلم التي
يستخدمها الممسكون بتلك العصا
الغليظة. وستكتشف أن الشعب إذا أراد الحياة الحرة
الكريمة ، وتوحد من أجل هدف واحد
، فلن يقف أمامه أعتى جيوش الأرض
عدة وعتاد ، وهذا ما أثبتته
تجربة تونس، وصدق الشاعر في
مقولته: تأبى العصي إن إجتمعن تكسراً **** وإن
افترقن تكسرت أحادا وستكتشف أن الإنتصارات تتحقق بقوة
الإرادة، والقدرة على التضحية ،
لا بقوة العتاد والإمكانات. رحم الله شهداء ثورة تونس وأنار بهم درب
الشعوب المتلهفة إلى يوم كيوم
تونس وسيدي بوزيدي. ===================== ثورة شباب واعٍ يغيّر..
وليست ثورة غضب يدمّر متى تتخلّى النخب الهرمة عن
سلطاتها.. في المعارضة أيضا؟.. نبيل شبيب لعل أكثر الكلمات استخداما في متابعة
أحداث تونس ومصر و... كانت كلمات
"مفاجأة".. و "شباب"..
والغضب.. فوجئ المستبدون بثورة
الشعوب وصلابتها.. فوجئ
الغربيون بخواء الأنظمة وسرعة
تهاويها.. فوجئت النخب بما يصنع
الشباب بالشعوب من "وراء
ظهرها!" وهم لا يكادون يلحقون
بها.. فوجئ المفكرون
والإعلاميون بتتابع الأحداث
بأسرع مما تستوعب رؤوسهم وتخطّ
أقلامهم وتبدع قرائحهم و"تتواضع"
تنبّؤاتهم.. فوجئ علماء السياسة
المعتبرون والمحللون
المتمرّسون بأن تنطلق شرارة
بداية الثورات العربية الحديثة
من تونس بالذات وأن تكون النقلة
الأكبر الأولى إلى مصر تحديدا..
وربما كانت الفئة الوحيدة التي
لم تُفاجأ كثيرا –وإن قيل آخرون
عنها إنها فوجئت كسواها- هي
الفئة التي صنعت الثورة، فئة
الشباب من هذه الأمّة. أما كلمة غضب، فقد أسيء استخدامها في كثير
من الأحيان، إذ غطّى الحديث عن
الجانب الطبيعي في التعبير عن
غضب راكمته السنون والمعاناة،
على تلك الدرجة العالية
المشهودة من الوعي لدى "الشباب
الغاضب"، التي عبرت عن نفسها
في القدرة على الحفاظ على سلامة
تحركه، رغم القمع الكبير في
التصدّي لسلميّة تحركه، ثم
الاستفزازات المتتالية التي
واجهها، فضلا عن المراوغة
المثيرة للغضب فعلا في تدنّي
الاستجابة لمطالبه الثابتة
الواضحة القوية الحاسمة، رغم أن
انتصاره في جولة الكرامة التي
خاضها والثورة التي صنعها صار
أمرا محتما. الشباب من أين جاءت تلك "المفاجأة" الكبيرة
إزاء ما صنع جيل الشبيبة في تونس
ومصر.. (وسواهما.. فقد أصبح من
المستحيل أن تنقطع هذه المسيرة)؟..
كنّا – نحن الذين تجاوزنا مرحلة الشباب..
ونتحدّث عنه، أو كان معظمنا- نرى
الشباب القوي بأعيننا الكليلة،
ونتابع أفكاره الوليدة
المحلّقة في العلياء بقوالب
أفكارنا المشدودة إلى الأرض،
ونقيس مشاعره وأحاسيسه
المتوهّجة مضاء وتفاعلا مع
قضايانا وعالمنا وعصرنا الآن
بمعايير انشغال بقايا حماستنا
ببقايا خلافاتنا المستمرة
المتوارثة على تعاقب العقود
المتوالية من أعمارنا، وننتقد
وسائله وأساليبه في التلاقي
والتنادي والتحرك والعمل،
لأنّه لا يخضعها لحكمة وصايانا
وسداد نصائحنا وعصارة تجاربنا
وبُعد نظرنا، وما دام لا يقيّد
مساره بتوجيهاتنا فهو شباب
متمرّد، وما دام لا يتحرّك من
ورائنا فقد غلب عليه الموات،
وكلما رصدنا منه فريقا يغنّي
ويصفّق عمّمنا عليه وصمة
الانحلال والضياع، ثم إنّنا
نتحدّث عن الشبيبة حديثا عن فئة
من الأعمار تفتقر إلى النضوج في
نظرنا، متسرّعة في القرار
والتصرّف، عاجزة عن الاستيعاب
الشمولي للحدث والعالم، خيالية
مثالية متناقضة مع الواقعية
ومتطلباتها.. ثم رأينا "فجأة"
أن "هذا الشباب".. صنع ثورة،
وأن كل جانب من جوانب الفوضى
المحدودة بالقياس إلى ما كنا
نعتبره ثورات تاريخية متميزة،
كان من صنع سواه وليس من صنعه،
أفلا ينبغي أن يفاجئنا صنيعه؟.. في مصر، وسبق أن شهدنا في تونس شبيه ما
شهدناه في مصر، كنا نتابع –ووجب
أن نعجب- كيف يتمكن الشباب
المتظاهرون وهم بعشرات الألوف
في حي من أحياء القاهرة أو
ميادينها، من دفع بعضهم بعضا
إلى تفريغ شريط تمرّ عبره
السيارات.. فهم لا يقلبونها، ولا
يحرقونها، ولا يسبّبون
ازدحاما، ولا تعطيلا للمصالح،
ولا ينقمون على سائقيها
وراكبيها ألاّ يشاركوهم فيما هم
فيه.. كنا نرصد –ووجب أن نعجب- كيف تداعى الشباب
لإقامة درع بشري من أجسادهم
يحول دون المنحرفين وسلب
محتويات المتحف القومي في
القاهرة، ثم يستنجدون بجيش مصر
ليحمي ممتلكات شعب مصر في
المتحف وسواه.. كنا نرصد –ووجب أن نعجب- كيف يتمكن أولئك
الشباب من التواصل بعد أن حاول
النظام حصارهم بقطع خطوط الهاتف
الجوّال وخطوط الشبكة
العنكبوتية، فإذا بهم يتلاقون
من كل حدب وصوب من جديد وتتحول
مظاهرات المئات إلى الألوف،
فعشرات الألوف، فمئات الألوف.. لقد أظهر شباب مصر وتونس –وهو ما يسري على
شباب أمتنا في سائر أقطارها- أنه
على درجة عالية من الوعي
والانضباط والقدرة على التنظيم
والتنفيذ في ظروف "ثورة"
طالما كان يُعتبر من الأمور
الطبيعية أن يقع خلالها ما يقع
–ويُعذر- من القتل العشوائي،
والتدمير العشوائي، والفوضى
العشوائية، فلم تكن مشكلةُ
مفاجأتنا بما صنع الشباب كامنةً
فيه بل كامنة في تصوّراتنا
الخاطئة عنه، وعن وعيه وطاقاته
وقدرته على كتابة التاريخ بحروف
أخرى غير التي طغت على أقلامنا
في حقبتنا التاريخية من قبل. الغضب فاجأنا ما صنع الشباب وعمّمنا على ما يصنع
–بقصد ودون قصد- وصف ثورة
الغضب، والشعب الغاضب،
والتعبير الغاضب.. ويغلب على
فهمنا للغضب أنّه يعني التصرّف
دون ميزان عقلاني، بما تمليه
العاطفة، وما تصنعه اللحظة
الآنية، وما لا ينضبط بحدود،
وعلّمنا شباب تونس ومصر –جيل
الشبيبة من أمّتنا- أن الغضب
الواجب إزاء ما صُنع بشعوبنا
وثرواتها، وبلادنا وقضاياها،
ودولنا وأنظمتها، وما عانت منه
الأكثرية الكاثرة من الشعوب، من
مختلف الأعمار، وفي مختلف
المواقع، وعلى كل صعيد.. يمكن أن
يكون غضبا يصنع التغيير دون
التدمير، ويستهدف من يستحقون
الغضب وليس كل من يقف في وجوه
الغاضبين دون تمييز. كان ما استهدفه الغضب في مصر مركزا على
مقارّ حزب استبدادي فاسد حتى
النخاع، يحمل المسؤولية عن
جرائم كبرى متوالية بحق الإنسان
بلا انقطاع، ورغم ذلك لم يشمل -رغم
البطش القمعي والاستفزاز-
انتقاما من أشخاص، ولم يُصنع
بمن كانوا يمارسون التعذيب
الوحشي، ويعتدون على القضاة
والمحامين والصحفيين والنساء
والرجال والشيوخ والشباب، شيء
من مثل ما كانوا يصنعون، ونجح
المتظاهرون في إعطاء صورة مشرقة
لتلاقي الفرد، المتظاهر على
الأرض، مع أخيه الفرد في البزة
العسكرية فوق دبابته، بعد أن
أخفقت محاولة الشباب
المتظاهرين أن يصنعوا شبيه ذلك
مع أجهزة "أمنية" نزلت بكل
فروعها وأسلحتها وعناصرها
لمواجهة "الشباب الثائر"،
ولم تستجب لنداء الأخوّة على
ألسنة المتظاهرين، فأخفقت
مرتين، في التصدي للتغيير
الحتمي الجاري، وفي أن تصبح هي
جزءا من التغيير، لإزالة طغيان..
انتهى عمره على كل حال. ولقد عرفنا ما يعنيه غضب الجائعين في
الثورة الفرنسية وما كانوا
يمارسونه من انتقام بلا حدود
ولا ضوابط، وعرفنا ما يعنيه غضب
الحزبيين الشيوعيين تجاه
القيصرية الروسية وما مارسوه من
سفك للدماء بلا حساب، وعلّمنا
"غضب" الشبيبة في تونس ومصر
(وقد يعلمنا في سواهما.. ما لم
يتعظ الباقون من المستبدين
بمصير المقهورين الراحلين).. أنّ
له في بلادنا، في مجتمعاتنا، في
ثوراتنا، لدى شبيبتنا، مفهوما
آخر، وتطبيقا آخر، أرقى من كل ما
كانت تصوّراتنا توحي به، وأنصع
من كلّ ما يمكن التعبير به عنه
في سجلّ التاريخ. النخب ليس صحيحا أن الثورة في تونس ومصر (ويسري
هذا على من سيليهما) هي ثورة
الشباب فقط، هم صنعوها فهم
قادتها، إنّما شارك فيه الكبير
والصغير، المرأة والرجل،
الأمهات والآباء، شارك فيه
الشعب بمختلف فئاته، من مختلف
الأعمار وعلى تعدّد التصنيفات،
هي ثورة شعبية قد لا يسري مثل
هذا الوصف على سواها فيما مضى من
تاريخ الأمم والشعوب، فلم تكن
ثورة طبقة على طبقة كما كان في
فرنسا، ولا داخل نطاق الطبقة
الحاكمة كما كان في إنجلترا،
ولا كانت ثورة حزب على دولة كما
كان في روسيا، ولا كانت ثورة
تنظيم على طاغية كما كان في
إيران.. بل كانت ثورة الشعب التي
أشعلها جيل الشبيبة، وحاول
سواهم اللحاق بهم، فنجح العامة
من بقية فئات الشعب في ذلك نجاحا
كبيرا، ولم تنجح النخب الحزبية
وسواها إلا نجاحا جزئيا. وكم اعترض بعضنا على تحذير بعضنا من تشبّث
جيل الشبيبة بطريق جيلنا من
الشيوخ والكهول وعلى وصف أنفسنا
بأننا "جيل عصر النكبات"،
وكم شدّد معترضا على ذكر بعض ما
أنجز ذلك الجيل.. وصحيح أن "بعض
ذلك الجيل" أنجز "بعض
الواجب"، إنّما لم يكن كافيا
وافيا، ولا منع استمرار الكوارث
على منحدر عصر الانحطاط، ولا
يغني ما صنع عمالقته الكبار
ومصابيحه الهداة عمّا لم يصنعه
سواهم من جيلنا. ويجب أن ندرك ونحن نعايش حقبة التغيير بين
عصر النكبات وعصر جديد بإذن
الله.. أن على جيلنا أن يتخلّى عن
مواقع القيادة والتوجيه لجيل
جديد قادر على صنع ما نتمنّاه
ونصبو إليه ولم نستطع صنعه حتى
الآن، فالراية الآن رايته،
والراية غداً رايته، وبقدر ما
يتشبّث جيلنا نحن بإمساك الراية
بأيدينا، بقدر ما نعيق تقدّمه
لتحقيق ما نريد ويريد. ما يزال جيلنا يمسك بالنسبة الأعظم من
أجهزة قيادات الأحزاب
والجماعات المعارضة ومنظمات
المجتمع الأهلي ومؤسسات العمل
الخيري وكلّ شكل من أشكال
التنظيم والعمل والتعبير
والنشر وسوى ذلك ممّا "تركته"
سلطات الاستبداد لنا –بعد
تقديرها لحقيقة مفعوله المحدود
على الأرجح- وما يزال جيلنا يأبى
فكاكا عن تلك المواقع، إلا عبر
الضغوط والثورات الصغيرة على
بعضنا بعضنا.. وإنّ هذه المنابر
القيادية المتقدمة في السنّ هي
هي الآن مثلما كانت عليه في
مواقع القيادة عبر ثلاثين عاما
أو أكثر، ولقد كانت تطالب
آنذاك، بما تطالب به الآن بعد
ثلاثين عاما أو أكثر في مواقعها
القيادية، فتقول: يا أيها
الحاكم الفلاني في تونس.. في
سورية.. في مصر.. في اليمن.. في
ليبيا.. وفي.. وفي.. علام تتشبث
بالسلطة منذ ثلاثين عاما أو أقل
أو أكثر؟.. إن بعض من يتشبثون بمواقعهم القيادية
كانوا عندما استلموها –وإن
تبدلت بعض الوجوه بأخرى.. ولقد
تبدّل بعض وجوه المستبدين أيضا-
في مثل أعمار تلك الفئة من
الشبيبة التي تصنع التغيير
الآن، والتي امتنعوا حتى الآن
عن التنحّي لتمكينها من الحلول
في مواقع القيادة والتوجيه..
ولهذا يبدو لنا كما لو أنّ
الشبيبة تصنع التغيير الآن من
وراء ظهر النخب وأحزابها
وتنظيماتها المختلفة!. إن أهمّ دروس هذه الثورة الزاحفة من
منطلقها الأول في تونس لتعمّ كل
قطر يحكمه الطغيان، هو أهمية
انتقال رايات القيادة ومواقع
صنع القرار من جيل إلى جيل في
الوقت المناسب، قبل أن تتحوّل
النخب إلى مجموعات هامشية كأنها
من كوكب آخر.. مثل حال فئات
ممارسة الاستبداد في بلادها،
وقبل أن تتكلّس وتتصلّب الأحزاب
والجماعات والتنظيمات مثلما
تتصلّب أجهزة الفساد
والاستبداد في مواقع احتكار
السلطة. القيادة أمانة وتكليف، وليست ميزة
وتشريفا، والقيادة مسؤولية
جليلة وليست غنيمة كبرى، وإن
القيمة النوعية للقيادة في كل
إنسان ترتفع بقدر ما يستوعب
أهمية انتقال زمامها من يديه
إلى أيدي سواه في اللحظة
المناسبة الواجبة، ومن يستوعب
هذا الدرس يساهم في تحقيق مصلحة
أمته، ومن لا يستوعبه لا بد أن
ينزلق –وإن أخلص- في ارتكاب خطأ
جسيم بحق نفسه وبحق مصلحة أمته. هذا درس من دروس الثورات الشعبية الجارية
في بلادنا، إن عجز بقايا الطغاة
عن استيعابه قبل أن يفوت الأوان
عليهم، فلا يغني ذلك شيئا عن
حقيقة أنه يجب أن يدركه جيلنا
نحن الآن في جماعاتنا وأحزابنا
وفي مختلف مواقع التأثير في
حياة أمتنا، لنستدرك ما يمكن أن
نستدركه.. قبل فوات الأوان، كما
أنّه الدرس الأكبر الذي ينبغي
أن يدركه جيل الشبيبة الثائر،
فلا يكرّر في المستقبل أخطاء
سواه، سيّان إن كانوا يستحقون
التكريم على ما أنجزوه من قبل،
أو كانوا من الطغاة فهم يستحقون
–ما لم يستبقوا خطوات التاريخ
المتسارعة- مصير من سبقهم على
درب الانهيار المحتم. ========================= نوال السباعي– مدريد معجزة يتردد صداها من المحيط إلى المحيط ،
معجزة ، هي هذه الثورة التونسية
الشعبية ، بالقياس للأوضاع
الإنسانية المهينة التي
تعيشهاالمنطقة العربية ،
وبالمقارنة مع حجم التعب الذي
أنهك أرواحنا بسبب من طغيان
الحكام ونهبهم الخيرات ، وسبب
من طغيان المحكومين وانهيار
المنظومة الأخلاقية في
المجتمعات ، معجزة باعتبار
التداعي الاستعماري علينا
ثقافيا وعسكريا ، لامتصاص
ثرواتنا ،ودعم السرطان
الإسرائيلي الذي أحدثه في قلب
القلب . هذه الملابسات نفسها،تشكل التحديات
الحقيقية لهذه الثورة ،التي
يستحيل أن يتوقف أثرها على
الشعب التونسي وحده ، إنه زلزال
تنتشر اهتزازاته في
منطقتناالتي تمتد حدودها من
القهر إلى القهر ، كما فيمن
يعتبرون أنفسهم "المجتمع
الدولي" ، الذي مازال يعاني
من حالة الصدمة تجاه مايجري في
تونس ، والذي تردد صداه مباشرة
في صنعاء والقاهرة والجزائر ،
في زمن انفصمت فيه عروة فلسطين
إلى شرقية وغربية ، وباتت
القضية الشماعة التي يعلق عليها
الجميع شهواتهم في الالتصاق
بالكراسي ، ويشهد فيه لبنان "انقلابا"
خطيرا لايعلم إلا الله ماسيترتب
عنه في القريب أو البعيد. المشهد بالنسبة لمن يسمون أنفسهم "المجتمع
الدولي" فظيع! ، لأنه يخرج من
حساباتهم ، ويتمرد على مخططاتهم
، ويكاد يفلت من قبضة مصالحهم
السرية والعلنية ، التي تريد في
المنطقة ديمقراطيات تخدم
مصالحهم فقط، وليس ديمقراطيات
تنمو بإنسانها ومجتمعاتها،
والأخطر بالنسبة لهذا المجتمع
الدولي فيم يجري ،أنه لافضل له
ألبتة في شيء مما حصل ويحصل
ليَدّعي الفضل له فيه!!،
فالمنطقة التي استولى عليها
الغرب بعد انهيار الامبراطورية
العثمانية، فاستعبد أهلها ونهب
خيراتها ، بتواطيء بعضٍ من
مُستبديها ، خاصة فيم بعد 11/9،
بدا أنها غير ميتة ولا مستسلمة ،
وأن الجيل الجديد المولود في
"تيه" الوهن والارتكاس
،والتمزق بين الشعارات ، خرج
لتوه من قمقم الصبر والقهر ،
وتجاوز الحركات التي عملت طويلا
لبث الروح فيه على اختلاف
مشاربها، إسلامية كانت أم قومية
أم علمانية ، ورفع صوته بشعار
"الشعب يريد " ، فهو في تونس
لم يكتف بطرد عصابة السراق ، بل
يريد تغيير الحكومة وسط ضغوط
دولية وعربية هائلة لسرقة ثورته
،و في مصر يريد إسقاط النظام ،
هكذا ..على النهج الذي سنه
التونسيون لهذه الأمةالواحدة ،
بمقاطعاتها الاثنتين والعشرين
، الشعب يريد.. في اليمن
والجزائر ، ويريد في سوريا وفي
الكويت وفي قطر وفي السعودية
وفي المغرب، الشعب يريد ،
وإرادته يجب أن تؤخذ بعين
الاعتبار . ويتوقف سير
الأمور في المرحلة المقبلة نحو
تغيير شامل عميق إيجابي ، أو
دمار وفوضى شاملة ، على ذكاء
مفرط يجب أن يلوذ به الحكام ،
خاصة بعد الدرس التونسي البليغ
من جهة ، ومن الجهة الثانية على
ضبط مفرط للنفس في الشارع،
فلايلجأ إلى العنف كائنة ماكانت
نية السلطات في هدر دمه. إن قدرة الشعب على رفع الصوت والتعبير عن
إرادته مرتبطة بالدرجة الدنيا
من الوعي بالحقوق والواجبات
والحريات والكرامة، ولذلك فقد
رأينا ان أول بوادر هذه
الانتفاضات قد بدأت من الكويت ،
وأن أول وزير عربي يستقيل في
تاريخنا الحديث بسبب وفاة مواطن
تحت التعذيب كان وزيرا كويتيا ،
مرت على استقالته وسائل الإعلام
-المشغولة بتليمع البعض على
حساب آخرين – مرور الكرام !، إنه
التحدي الحقيقي الذي ينتظر حكام
هذه المنطقة ، إن بقي لديهم بقية
من وطنية وإنسانية وإخلاص ، لأن
الوطنية والإخلاص لاتتجليا إلا
في مثل هذه المواقف في حياة
الأمم ، ولقد منحتهم الثورة
التونسية فرصة فريدة ،ليعيدوا
التأمل والتفكير، فلن تأتيهم
الثورة بغتة!!، ولكن باستطاعتهم
إن أرادوا أن تصبح خير أيامهم
أواخرها ،وخير أعمالهم
خواتيمها!!،فيكونوا مع شعوبهم
في عملية التغيير الآتية
لامحالة فيردوا للشعوب أموالها
وكرامتها وحريتها و..حقوقها!،
أوأن يكونوا حيث يكون كل طاغية
مستبد في التاريخ. ، ومادام الحاكم
والمحكوم قد اشتركا في لعبة
الفساد والقمع والطغيان في
منطقتنا خلال أربعين عاما، فإن
من الممكن كذلك أن يكونا شريكين
في عملية التغيير التي بدأت من
تونس ، والثورة كالحب والحرب ،
تحتاج كي تنجح إلى طرفين دائما ،
قيادات شعبية نزيهة اليد، قوية
حازمة واضحة الرؤى والأفكار
والمناهج ، وشعوب تعرف ماتريد..،
وطرف ثالث نضيفه إلى
معادلتناخاص بالمنطقة العربية
وملابسات الاستبداد فيها ، وهو
هذه الحكومات التي ارتكبت
الجرائم التاريخية بحق العباد
والبلاد ،والتي من أخطرها
استئصال الطبقات القيادية
البديلة ، لقد حانت ساعة القصاص
، فما أجمل التوبة فيها والعودة
إلى الشعب ، الذي "قد"،
وأقول "قد" يتمتع بالعفو
عند المقدرة ،على طريقة "نلسن
مانديلا". ====================== سوسيولوجية الثورات:
شعوب تضحي وانتهازيون يقطفون
الثمرات بوفلجة غيات عادة ما تنطلق الانتفاضات والثورات بعد
احتقان اجتماعي كبير، وظهور
مشاكل سياسية واقتصادية
واجتماعية، وانتشار الظلم
والتسلط والاستغلال وانسداد
آفاق أي تحسن وانتشار البطالة
بين الشباب وخريجي الجامعات
وغياب الديمقراطية وحقوق
الإنسان. إن تعفن الأوضاع وبُعد
انشغالات الحكام عن انشغالات
المجتمعات يؤدي إلى ظهور
الانتفاضات والثورات. يمكن للشباب إطلاق الثورات، كما حدث في
تونس أو مصر، إلا أن نتيجة هذه
الثورات ليست دائما مضمونة رغم
نجاحها. إذ كثيرا ما تختطف
الثورات من طرف جهات داخلية
انتهازية بحيث أن النظام يخلف
نفسه، بعمليات ذكية تجعل الوجوه
تختلف مع بقاء نفس الأنظمة، وهو
ما يمنع الجهات التي تضحي في
الانتفاضات تفشل في قطف
انتصاراتها ونتائجها. وهكذا نجد أن الرئيس التونسي الهارب بن
علي، ترك السلطة إلى رئيس
البرلمان وإلى محمد الغنوشي
رئيس الحكومة، وقد سعى هذا
الأخير إلى الحفاظ على نفس
الحكومة، مما يسهل عودة
الدكتاتور الهارب بعد استتباب
الأمن. أو على الأقل يضمن
الاستمرار في استغلال الأموال
التي نهبها، وعدم محاسبته
وعائلته من طرف النظام الجديد.
كما يمكن التحكم في الانتخابات
القادمة والحفاظ على رجالات
النظام السابق في دواليب الدولة.
وفوق كل ذلك، فإن الجهات الأجنبية، وخاصة
الولايات المتحدة وإسرائيل
وفرنسا وغيرهم من الدول
الغربية، تكون راضية عن النظام
الجديد الذي يستمر في خدمة
مصالحها، وبالتالي يصبح النظام
الجديد عبارة عن استمرار للنظام
القديم. وقد ظهرت حكومة محمد الغنوشي بعد هروب بن
علي، واستمر وزراء السيادة في
مناصبهم، أي وزارة الدفاع
والداخلية والخارجية، إلى جانب
رئاسة الوزراء. أما المعارضة
فحصلت على وزارات التربية
والشؤون الاجتماعية وغيرها من
الحقائب غير المؤثرة في الدولة.
وقد كانت المعارضة واعية لما
يجري في تونس، واستمرت
المظاهرات في الشوارع إلى أن
تمّ إبعاد وزراء عهد بن علي من
الحكومة الجديدة، في انتظار
إجراء الانتخابات القادمة،
بحيث سيتم طرد بقايا النظام
البائد. نفس الشيء تقريبا شاهدناه في مصر، حيث
انطلقت الثورة المباركة، التي
شارك فيها الشعب المصري بكل
أطيافه ومذاهبه وأديانه
واتجاهاته السياسية
والإيديولوجية دون تمييز. فرغم
مشاركة كل الأحزاب السياسية في
الانتفاضة، إلا أن الثورة طغى
عليها عنصر الشباب الذي لا
ينتمي في غالبيته إلى أي حزب، بل
شباب تواق إلى العيش الكريم
وإلى العزة والديمقراطية. انطلقت المظاهرات العارمة يوم 25 يناير 2011،
واستمرّت لتصل إلى قمة الهيجان
يوم جمعة الغضب، أي 28 من نفس
الشهر. وقد أدى ذلك إلى مشادات
قوية بين رجال الأمن
والمتظاهرين الذين تحدوا منع
التجول وربطوا ليلهم بنهارهم في
الشوارع والمواجهات، مما أدى
إلى قتلى وجرحى وحرق لمؤسسات
تمثل رموز السلطة، كمراكز الأمن
ومقرات الحزب الحاكم، وسيارات
وعربات الأجهزة الأمنية. وبعد اليوم الرابع من المسيرات
والاحتجاجات الشعبية العارمة
ضد نظام الحكم في مصر، خرج
الرئيس حسني مبارك على شعبه
بخطاب مقتضب يعلن فيه مطالبة
الحكومة بالاستقالة لأنها فشلت
في مهامها، ورغبته في تعيين
حكومة جديدة تعمل على تجسيد
رغبات المتظاهرين. وقد تمّ ذلك
في وقت تركزت فيه مطالب
المتظاهرين على ضرورة مغادرة
الرئيس حسني مبارك، وليس
حكومته، وهو ما أدى إلى زيادة
قوة الاحتجاجات والمظاهرات في
الشارع المصري. إن المتتبع للأحداث يجد أن المسيرات في
القاهرة والمدن المصرية
الكبرى، بينما القلق والوجع
والمخاض في واشنطن، بالبيت
الأبيض والبنتاغون، خوفا من
نجاح الثورة وضياع هيمنتهم على
السياسة المصرية. لهذا اشتغلت
مخابر السياسات الأمنية
والثورات في المجتمعات
العربية، للبحث في انتقال
السلطة في مصر إلى أيدي آمنه
يمكن الوثوق بها، بحيث تستمر
علاقات السلطة الجديدة قوية مع
إسرائيل. وفي نفس الاتجاه، عيّن الرئيس مبارك عمر
سليمان رئيس جهاز المخابرات
المصرية نائبا أول له، وعين
أحمد شفيق وهو ضابط عسكري سابق
أيضا رئيسا للحكومة المصرية
الجديدة. وهكذا نجد أنه بعد
انتصار الثورة، فإن السلطات
الداخلية والجهات الخارجية
متمثلة في أمريكا خاصة، تعمل
على منع جني الشعب المصري
لنتائج ثورته وتضحياته. إلا أن الشعب المصري وخيرة شبابه لم يضحوا
من أجل أن تستمر نفس الوجوه
القديمة، واعتماد نفس السياسات
الداخلية والخارجية، ويستمرّ
التعامل مع إسرائيل ومحاصرة
الإخوة في غزة، بل ضحوا من أجل
التغيير الشامل. لذا فإن الأنظمة الرسمية العربية، التي
تواجه انتفاضات شعوبها، تضع
بدائل متعددة كمخارج للنجدة
تضمن من خلالها بقاءها
واستمرارها ولو من الخلف، وهي
بذلك تستمر في ممارساتها
المتصفة بالفساد والنهب. كما أن
بطانة الحكام الفاسدة تستمر في
خدمة الجهات الأجنبية التي
تحميهم، وتضمن لجوءهم بدولها. لذا فإن أهم معيار لنجاح الثورات هو قلع
الأنظمة المتسلطة المستبدة من
جذورها، والقضاء على كل
ممارساتها السياسية
والاقتصادية، بما في ذلك
العلاقات العسكرية التي تربطها
بجهات أجنبية دعمت الأنظمة
المستبدة لسنين وسكتت عن
تجاوزاتها لهذا يجب التأكد من
القطيعة معها، بدون ذلك يكون
النجاح نسبيا. ====================== الدعم الأمريكي
للاستبداد.. النظام المصري
مثالاً محمد اسحق الريفي بدا البيت الأبيض الأمريكي مرتبكاً لحد
الجنون وهو يرقب انتفاضة الشعب
المصري من كثب، مبدياً قلقاً
كبيراً على مصير حليفه النظام
المصري الساقط، محاولاً إنقاذه
بكل الوسائل الممكنة، المضللة
منها والقاتلة للشعب المصري.
هذه الحالة من الخوف والجنوني
التي أصابت كلاً من الولايات
المتحدة الأمريكية، وحلفائها
الأوروبيين والكيان الصهيوني،
والأنظمة العربية المستبدة
والشمولية، على حد سواء تنم عن
نظرة احتقار تكنها الولايات
المتحدة وحلفائها للشعوب
العربية، وعن الدور الغربي في
كل ما تعانيه الشعوب العربية من
الظلم والاستبداد والفساد
والقمع والاضطهاد. ففي ردة فعل للإدارة الأمريكية على ما
يدور في مصر من انتفاضة شعبية
عارمة، وأحداث تاريخية عظيمة
لها تداعياتها الخطيرة، تحدثت
وزيرة الخارجية الأمريكية "هيلاري
كلينتون" عن حق الشعب المصري
في التعبير، وتأسيس الجمعيات،
والتجمهر. ثم اكتفت بذلك،
متجاهلة السبب الحقيقي الذي أدى
إلى اندلاع الانتفاضة المصرية،
وهو حق الشعب في تغيير النظام
الذي يقوده ويدير حياته وبلاده.
وتتعامل الإدارة الأمريكية مع
هذا الحق المقدس على أنه حكر
عليها، وأنها اشترته من
المصريين، بذريعة المساعدات
المسيسة التي تقدمها للنظام
المصري. وتتجاهل "كلينتون"
حقيقة أن الشعب المصري نزل إلى
الشارع ليسقط النظام ويقتلعه من
جذوره، وليس لتحقيق جملة من
المكاسب الاقتصادية
والاجتماعية. ورغم الكلام المعسول الذي تذر به
الولايات المتحدة الرماد في
عيون الشعوب العربية، يدعو خبير
الشؤون الإستراتيجية في الحزب
الجمهوري الأمريكي "جاك
بيركمان" الرئيس الأمريكي
"باراك أوباما" عبر فضائية
الجزيرة إلى إعطاء الضوء الأخضر
للنظام المصري كي يستخدم القوة
الكبيرة، أي العنف الوحشي، لقمع
الشعب المصري وإجهاض ثورته،
معتبراً أن هذا هو الحل الوحيد
أمام الولايات المتحدة كي
تتدارك الأمر وتزيل الخطر وتنقذ
النظام المصري من السقوط، وأن
عليها أن تفعل ذلك فوراً. وهذا
يدل بما لا يدع مجالاً للشك أن
البيت الأبيض هو الذي يتحكم في
سلوك النظام المصري القمعي
والدموي، وغيره من الأنظمة
العربية الجاثمة على صدور
الشعوب، وفي سياساته وأسلوب قمع
الشعب والاستبداد به... وما يؤكد تبعية النظام المصري وخضوعه
للبيت الأبيض الأمريكي، وأنه
مجرد أداة من أدواته
الاستعمارية الإمبريالية، أن
"مبارك" توجه بطلب
المساعدة في قمع الشعب المصري
من واشنطن، عبر إرسال وزير
دفاعه محمد حسين طنطاوي إلى
واشنطن، وذلك بدلاً من التوجه
إلى الشعب والاستماع إليه.
وهناك ما يشير بأن الإدارة
الأمريكية قد أمرت النظام
المصري باستخدام العنف الشديد
ضد المتظاهرين. وعبرت "كلينتون" عن الموقف ذاته تجاه
الشعب الفلسطيني ونضاله ضد
العدو الصهيوني، حيث قالت في
نوفمبر 2010 أمام ما يسمى فريق
العمل الأميركي من اجل فلسطين:
"السلام في نهاية المطاف لا
يتحقق على موائد المفاوضات،
وإنما يتحقق على موائد الطعام
في المطابخ". هكذا تنظر
الإدارة الأمريكية إلى الشعوب
العربية وحقوقها الوطنية
والإنسانية، ولا سيما حق تقرير
المصير، واختيار نوع النظام
الذي يدير شؤونها. فالأمريكيون
ينظرون إلى الشعوب العربية على
أنها شعوب من درجة دنيا،
وينكرون حقوقهم المشروعة،
ويتدخلون في شؤونهم الداخلية،
بل يتحكمون في مصيرهم ووجودهم
في هذا العالم تحكم السيد بمن
يستعبده ويسخره لخدمته. وعلى النقيض من هذا الموقف المعادي
لطموحات الشعوب العربية، أكدت
"كلينتون" على دعمها
المطلق للكيان الصهيوني، عندما
قالت خلال مداخلتها أمام فريق
العمل الأمريكي من أجل فلسطين:
"إن التزام أميركا تجاه (إسرائيل)
صلب بصلابة الصخر ولا يتزعزع،
وسنواصل تسويق حجج لمصلحة هذه
المسألة في العلن، وفي أحيان
كثيرة، لأننا نرى في ذلك السبيل
الأمثل لإسرائيل كي تصون
مستقبلها". ولذلك ليس مستغرباً أن تؤكد الإدارة
الأمريكية، على لسان سفير سابق
لها لدى مصر، أنها لا تقبل أن
يحكم مصر غير نظام علماني ملتزم
بخدمة إستراتيجيتها وأجدتها
ونفوذها في منطقتنا، لأنها لا
تستطيع التعامل إلا مع أنظمة
لديها قابلية للخضوع لها، ومع
أنظمة ترعى مصالحها وتحترم
نفوذها وتحقق مصالحها، ما يؤكد
زيف ما تزعمه الولايات المتحدة
من أنها معنية بحقوق الإنسان،
وأنها تدعم برامج الإصلاح
والديمقراطية في بلادنا، وأنها
تطلب اليوم من النظام المصري،
على لسان المتحدث باسم البيت
الأبيض الأمريكي "روبرت غيبس"،
أن يستمع لمظالم الشعب، في
محاولة يائسة لإنقاذ هذا النظام. ولا يزال البيت الأبيض يأمل في إنقاذ
النظام عبر الاستجابة لمطالب
الشعب بالإصلاح، ولكنه لا يريد
أن يفهم أن الشعب المصري يريد
الكرامة والإصلاح والحرية
وتقرير المصير، وأنه يريد
التغيير الذي ينشده، وذلك لأنها
تخشى التغيير وتعارضه، وتبذل
جهداً كبيراً وأموالاً طائلة
لإحباطه والالتفاف عليه بكل
الوسائل. ============================ تحرير الفرد العربي : بين
الثقافة السياسية والارهاصات
الفكرية بقلم : مأمون شحادة* تحرير الفرد خطوة اساسية لتحرير المجتمع الجسم العربي يعاني من معضلة اجتماعية
وسياسية قديمة، يلزمها وصفة
سياسية تسمى ب «التنشئة
والثقافة السياسية» الحركات الاصلاحية ما بين النظرية
والتطبيق، لم تراعِ أن المجال
الثقافي هو مجال يؤدلج المجال
السياسي، والاقتصادي،
والاجتماعي __________________ أسئلة كثيرة تجلّت في الساحة السياسية
العربية منذ القدم: ما هو السبب؟
وأين هو السبب؟ وكيف كان السبب؟
متجاهلين في ذلك فحوى السبب
والاجابة!! فهل اجتماع سقيفة بني
ساعدة، في ظل عدم وجود نظام
سياسي يحدد طبيعة الحكم، هو
السبب؟ ام ان جمود الفكر «السياسي»
العربي، وعودة القبلية
العصبية، والتناحر على السلطة،
وسياسة التوريث، هي السبب؟! الإستيلاء على السلطة أسئلة كثيرة امام احداث مصيرية عديدة،
ادت الى استمرار التأزم السياسي
العربي، مروراً بموقعة الجمل
وصفين وتبعاتهما، وتغيرات
الحكم، التي انتهجها معاوية
بتولية ابنه يزيد بالقوة،
مجسداً في ذلك حكماً أموياً،
يليه انتقام عباسي مسيطر على
سدة الحكم، وتبع ذلك صراع سياسي
ما بين البداوة العربية
والبداوة الآسيوية، ادى الى
انقسام الدولة العباسية، وسقوط
السلطة المركزية، ثم احتضارها،
الذي اوقع المجتمع العربي في
الضياع وسط تعدد القوميات،
والإثنيات، ما جعل من المنطقة
العربية لوحة فسيفسائية
سريالية عصيّة على الحل. وسط هذا الزحام للاستيلاء على السلطة،
كان الفرد العربي مغيبا عن خوض
الحراك السياسي، بسبب صنمية
الحكم التقليدي، والقرارات
الإقصائية، وغياب التنشئة
والثقافة السياسية، ليتبلور في
ذلك مفهوم سياسي مبني على تداول
الدولة وليس السلطة. فترة الخلافة العربية ان فترة الخلافة العربية لم تستطع ان توظف
عامل القومية كعامل اتصال ما
بين الحاكم والمجتمع لبلورة
ثقافة سياسية، بل تم اقصاء
الرابطة القومية لمصلحة
الرابطة الدينية، من دون ان تمر
في عملية الصهر والمزج، حتى أخذ
المجتمع بالانزواء تحت راية
القبيلة والعشيرة، لان فترة تلك
الحقبة ركزت على الحروب
والفتوحات، فكيف يتم صهر
المجتمعات غير العربية في
المجتمع العربي، في الوقت الذي
لم يستطع فيه صهر القومية
العربية (عربياً) بين الحاكم
والمحكوم من اجل انشاء وصياغة
رابطة الانتماء الطوعي؟.. الى ان
جاءت فترة التنوير العباسية
المتأثرة بالفكر اليوناني
والفارسي، فلم تجد طريقاً
للنجاح، لأن عملية الصهر
الداخلي ما بين «القومية
والاسلام» لم تتم، وكذلك هناك
الكثير من الارهاصات الفكرية،
والثورية، الأمر الذي أدى الى
بزوغ الدويلات، وسيطرة البداوة
الآسيوية لأكثر من ألف عام، الى
ان بدا واضحاً مرض تلك البداوة
وظهور الدولة القطرية. لغة المشاركة السياسية هكذا هي الساحة العربية، جمود في الفكر
السياسي، وحقبة طويلة أدت الى
تغييب الفرد العربي عن معترك
السياسة، بدل لغة المشاركة
السياسية، ما جعل من هذا الفرد
يتمرد على كل السلطات الآنية،
لينادي باسم القومية العربية
واحيائها، لبناء دولة عربية
تحمل في حناياها وحدة العرب
التكوينية، وهو الشيء عينه الذي
جعل من الاسلاميين (السلفيين)
ينادون بارجاع الخلافة
الاسلامية الى اصحابها العرب،
فدخلت المنطقة العربية في صراع
الضد بين الفكر القومي والفكر
السلفي وسط الاتهام والاقصاء. خطاب ديماغوجي ومع انهيار السلطنة العثمانية وقدوم
الاستعمار، تناست الحركات
القومية والاسلامية «السلفية»
وجوب التحرر من ثقافة الاستبداد
اولا، فالحلول المستقبلية
تستوجب علاجاً داخلياً
وجوهرياً، وكما قال هشام شرابي
«يجب احداث ثورة داخل الثورة»،
من دون الاندفاع الى طريق مجهول
لا يحمل الا المناكفة. اندفعت تلك الحركات لتدخل معترك المجال
السياسي وفق خطاب ديماغوجي،
ودون الاهتمام بالمجالات
الاجتماعية، والاقتصادية،
والثقافية، لتبقى المنطقة
العربية في مخاض صعب لبناء تلك
المجالات، ذلك لأن من أساسيات
المجال السياسي وجود مجال
اجتماعي تصاحبه مسؤولية فردية
مبنية على الواجب، وان تحقيق
المجال الاقتصادي، والمجال
الاجتماعي من ضمن المجال
السياسي (التحرري) يتطلب اطلاق
الحريات، التي تمثل «المصلحة»
بين الأفراد. النظرية والتطبيق يتبين ان الحركات الاصلاحية ما بين
النظرية والتطبيق، لم تراعِ أن
المجال الثقافي هو مجال يؤدلج
المجال السياسي، والاقتصادي،
والاجتماعي، يؤثر ويتأثر بها من
خلال إنتاجها الفكري (ينتجها
ويمنتجها)، لأن جميع المجالات
الحياتية، تتجلى في الإطار
الثقافي لبيئة المجتمعات. حاولت الدولة القطرية ان تلبس نفسها ثوب
التحديث، من خلال نماذج عدة
مستوردة، كالاشتراكية،
والجمهورية، والرأسمالية،
لكنها فشلت في استثمار تلك
النماذج، لانها لم تنبع من
ذاتية وخصوصية المنطقة
العربية، وبذورها لا تتلاءم مع
التربة العربية، فكان من الواجب
تبيئة تلك النماذج لتتمازج
وتتلاءم مع البيئة العربية،
ولكن.. أليس هذا ناتجاً عن تراكم
زمني سببه ان الفرد العربي لم
يتعود فيه على نظام سياسي واضح
لتداول السلطة، بل على نظام
اقصائي، وفق مفهوم التداول،
وليس ثبوت الدولة، غير متناسين
في الوقت عينه، ان الحكم القبلي
العربي أقصي عن السلطة والحكم
لمدة الف عام خلال فترة حكم
البداوة الاسيوية؟! معضلة اجتماعية وسياسية قديمة يتضح من ذلك ان الجسم العربي يعاني من
معضلة اجتماعية وسياسية قديمة،
يلزمها وصفة سياسية تسمى ب «التنشئة
والثقافة السياسية»، لتجعل منه
قادراً على تبييء تلك النماذج
بالشكل الصحيح، وليس تبييئها
بثقافة الاستبداد الموروثة،
فظهرت المؤسسة العربية مشوهة
بطابع القبلية، والشخصانية،
والارتباط العائلي، ما يعني ان
حال الماضي مشابه لحال اليوم.
فالرابطة الاقصائية مازالت
مسيطرة على رابطة الانتماء
الطوعي، التي يُفَسَّرُ من
خلالها ان الدولة هي القبيلة او
الحزب، وسقوطهما يعني سقوط
الدولة. من هنا يظهر ان تحرير الفرد خطوة اساسية
لتحرير المجتمع، وان خوض معركة
الحضارة سابقة على خوض معركة
السياسة، من اجل بناء قواعد
الدولة، ومفهوم المواطنة، التي
يجتمع عليها افراد المجتمع نحو
طريق واقعي واحد، وثقافة سياسية
واحدة، بعيدا عن الهيام
التاريخي وتجميل الماضي،
والاستغراب، والمثالية
الديماغوجية. *مختص بالشؤون الاقليمية بيت لحم – فلسطين ======================= زكريا عبد الرحيم سقط رأس النظام وزمرته في تونس , ولكن تونس
بقيت , ومن المتوقع أن تشهد
الأيام المقبلة التحسن الملفت في كل ما ثار الشعب التونسي
من أجله.. والذي حدث في تونس
ينبغي أن يكون الدرس والعظة التي لا تغيب عن ذهن الحكام
العرب , جميع الحكام العرب ,
المرضي عنهم من شعوبهم قيبل غير المرضي عنهم.. وذلك حتى لا يتم
الأستهانة بالشعوب وقدرتها على
التغيير سواء رغم ارادة هؤلاء الحكام أو بارادتهم. وليعلم الحاكم
العربي أنه وصل للحكم بأصوات
شعبه وبارادة شعبه من أجل أن يقدم كل الخدمات لشعبه ويرفع من مستواه
المعيشي والصحي والتربوي
والثقافي والأجتماعي ومن أجل أن يؤمن كل مستلزمات مواجهة
التدخلات الأجنبية في الشؤون
الوطنية ومن أجل التجهيز الكامل لمواجهة العدو الأسرائيلي المحتل
وهزيمته واقامة الدولة
الفلسطينية المستقلة بعاصمتها
القدس ومن أجل ضمان الأستقلال الوطني لكل دولة
عربية , ومن أجل التقارب العربي
البيني وصولا للتعاون المشترك في كافة الميادين الذي يؤدي الى
قيام منظومة الأتحاد العربي على
غرار الأتحاد الأوروبي وليس على غرار الوحدة بين مصر وسورية في ال 1958
التي لم يكتب لها البقاء وما يجري في مصر هذه الأيام , يستدعي أن
توليه القيادة المصرية بكل
الأهتمام والجدية.. فالذين
أنطلقوا في الساحات العامة وفي الشوارع الفرعية
وفي مختلف المدن هم مواطنون
يبغون الصالح العام لبلدهم وان اختلفوا مع النظام ولهم توجهاتهم
ومخططاتهم وقياداتهم وقناعاتهم
التي توصلوا اليها واكتسبوها
عبر الثلاثين سنة من حكم رئيس واحد .. وهذا من
صميم المفاهيم الديمقراطية
التي تقوم على تداول السلطة بالوسائل السلمية , ومظاهرات الأحتجاج هي
من هذه الوسائل .. وكان ينبغي على
رأس النظام أن يحتضن المظاهرات وما يصدر عنها من دعاوى
الأصلاح حفظا للنظام وتشجيعا
للشباب المعارض وتمسكا
بالتطبيق الأمين للديمقراطية . ولو فعل ذلك لكسب الجولة
على المعارضة .. ولم يفت الوقت,
اذ بأمكانه أن يجري التغيير
المطلوب على عدد من وزارات السيادة ويولي أمرها
لأصحاب الكفاءة ممن نزلوا الى
الشارع وهذا نصر وليس هزيمة وان القائد الحقيقي هو الذي يعرف نبضات
شعبه ويعرف كيف يعبر عنها في
أفعاله وقراراته . بل ان القائد
الحقيقي هو الذي يدفع بحزبه الى
ركوب مظاهرات الأحتجاج بمعنى أن
يكون جزء من الجماهير وطموحاتها
لا أن يتلطى وراء القمع والثروة الباطلة وأتهام
الشباب بخدمة أهداف العدو , ولا
نعرف أي عدو يقصدون , خاصة وأن
النظام القائم هو الذي وقع الصلح مع العدو
الأسرائيلي وهو الذي دستوريا
يقيم العلاقات مع الدول الغربية
وغيرها في العالم أن الحرص على الشقيقة الكبرى , مصر هو
الدافع لدعوة قائدها أن لا
يتأخر في التحرك نحو تغيير
حقيقي مقبول حتى يتم التصالح الصادق مع شبابه
وجماهيره , ولا بأس من التضحية
ببعض رموز النظام من أجل الصالح
العام وحتى يسير المركب بأمان .. وكل العرب بحاجة
حقيقية لمصر ============================ تغيير في السياسة.. أم في
الأشخاص والنظام فقط؟! صبحي غندور* قيل سابقاً عن شعب مصر إنّه كنهر النيل
يبقى هادئاً خامداً لكن حينما
يثور فإنّه يحدث الطوفان. ما
يحدث في مصر الآن هو تأكيدٌ
لذلك، وهو إثبات أنّ إرادة شعب
مصر لم تنم وإنّما كانت معصوبة
العينين واليدين، وهاهي الآن
تكسر قيودها وتحرّر نفسها من
سلاسل الخوف بعدما وصلها شعاعُ
نورٍ من شمس الإرادة الشعبية
التي بزغت مؤخّراً في تونس. ومهما كان هناك من ملاحظات وتساؤلات
مشروعة على ما حدث في تونس وعلى
ما يحدث في مصر، فإنّ هذه
التطورات المهمّة الجارية الآن
على أرض العرب، تحمل إيجابيات
كثيرة أهمّها تحطيم جدار الخوف
النفسي الذي كان يفصل بين
المواطن وحقوقه في الوطن، ومن
ثمّ إعادة الإعتبار لدور الناس
في عمليات التغيير المطلوبة
بالمجتمعات بعدما كانت في
السابق حكراً إمّا على المؤسسات
العسكرية أو المراهنة على
التدخّل الخارجي. أيضاً، أهمّية ما يحدث الآن هو إحياء
الأمل لدى عامّة العرب بإمكان
التغيير وعدم الاستسلام لليأس
القاتل لأحلام الشعوب بمستقبل
أفضل. وهناك إيجابية أخرى مهمّة
لما نشهده الآن من حيث تراجع
الطروحات الانقسامية في
المجتمعات العربية، والتي سادت
في الفترة الأخيرة بأشكال
طائفية ومذهبية، فإذا
بالتطوّرات الجارية تصحّح
طبيعة هذه الانقسامات لتجعلها
بين حاكم ظالم وحكومات فاسدة من
جهة، وبين مواطنين ومحكومين
مظلومين ينتمون لكل الطوائف
والمذاهب والعقائد، من جهة أخرى. لكن هذه المتغيّرات السياسية، التي تحدث
الآن في مصر وفي المنطقة
العربية، لا يمكن النظر اليها
دون الالتفات أيضاً إلى استمرار
"ثوابت" الصراع العربي/الإسرائيلي
في محيط هذه المتغيّرات، وإلى
استمرار التنافس والصراع
الدولي والإقليمي على الهيمنة
المنشودة على الأرض العربية
وعلى ثرواتها ومواقعها
الإستراتجية شرقاً وغرباً، كما
لا يمكن ترقّب نتائج هذه
التطورات من دون الحذر ممّا جرى
حدوثه مؤخّراً من قرارٍ بسلخ
جنوب السودان عن شماله، ومن
إثارةٍ مفتعلة لأحداث عنفية
طائفية في مصر وفي بلدان عربية
أخرى. لذلك هو أمر مهمٌّ جداً أن لا يتمّ فصل
المسألة الديمقراطية والعدالة
الاجتماعية عن قضايا الوحدة
الوطنية والتحرّر من هيمنة
الخارج والتأكيد على الهويّة
العربية للأوطان وللمواطنين في
عموم البلاد العربية. فالإدارات الأميركية المختلفة كانت مع
الديمقراطية في العراق ولبنان
والأراضي الفلسطينية المحتلة
بمقدار ما تكون هذه "الديمقراطيات"
منفصلة عن قضية التحرّر الوطني
وعن مسألة الهوية العربية.
وستكون الإدارة الأميركية الآن
مع الديمقراطية في تونس ومصر
وغيرهما بمقدار بُعد هذه "الديمقراطية"
عن المسّ بالسياسات الخارجية
التي كانت عليها الحكومات
السابقة في هذه البلدان، وبما
لا يؤثّر سلباً على العلاقات
التي كانت قائمة بين هذه
البلدان وبين إسرائيل!. إنّ القضايا التي تُحرّك الشارع المصري
الآن، كما كانت في تونس وكما هي
الآن في الأردن، تتمحور حول "الإصلاحات
السياسية والاقتصادية"
وقضايا الغلاء والفقر وفساد
الحكم وانعدام فرص العمل أمام
الجيل الجديد، وهي كلّها مسائل
مرتبطة بالسياسة "الداخلية"،
وهذا ما تدركه واشنطن ولا تمانع
من تغييره. فما يهمّ الحاكم في
واشنطن ليس من يحكم في بلدان
المنطقة، بل بقاء هذه البلدان
تسبح في الفلك الأميركي
وبالوفاء بالالتزامات التي
كانت عليها الحكومات السابقة
تجاه أميركا وتجاه إسرائيل
أيضاً. من المهمّ أن لا ننسى كيف وصل الرئيس حسني
مبارك للحكم. فهو قال ليل الجمعة
الماضي في كلمته "أنّ الأقدار
شاءت ذلك"، وهو طبعاً يقصد
اغتيال الرئيس السابق أنور
السادات يوم 6 أكتوبر من العام
1981، وكان حسني مبارك حينها
نائباً للرئيس. وذلك ربّما
يُفسّر سبب امتناع الرئيس مبارك
طيلة ثلاثين عاماً عن اختيار
نائبٍ له!! لكن اغتيال السادات
لم يؤثّر على السياسة الخارجية
المصرية ولا على المعاهدة مع
إسرائيل ولا على العلاقات
الخاصّة مع واشنطن!!. إنّ موقف الولايات المتحدة تجاه بلدان
المنطقة العربية الآن سيكون كما
كان تجاه دول أوروبا الشرقية في
مطلع التسعينات: تشجيع على
التغيير الداخلي وبناء حكومات
ديمقراطية شرط إقامة علاقات
خاصة مع واشنطن والحلف الأطلسي.
المشكلة بالنسبة لواشنطن في
المنطقة العربية أنّ معظم
الحكومات فيها تسير في الفلك
الأميركي لكن بلا ضمانات داخلية
باستمرار هذه الحكومات نتيجة
مشكلتيْ الاستبداد والفساد،
وهاهي واشنطن الآن، في موقفها
من انتفاضة مصر، تستفيد من
تجربتها مع انتفاضة تونس عندما
تجاهلت لأسابيع ما كان يحدث ثم
حاولت استدراك ذلك من خلال قول
السفير فيلتمان مساعد وزيرة
الخارجية الأميركية بأنّ ما حدث
في تونس نموذج مهم لكل المنطقة!!. الشباب العربي في مصر استفاد أيضاً من
تجربة الشباب العربي في تونس
واتّبع أساليب التحرّك نفسها
وأدوات التواصل ذاتها وعدم
انتظار الأحزاب والحركات
السياسية من أجل المبادرة
والتحرك والانتفاضة ضدّ النظام
الحاكم.. كلُّ ذلك هو بالأمر
الجيد والمهم، لكن الثورات
وحركات التغيير ليست هدمَ ما هو
موجود فقط بل هي بناءٌ لما هو
مطلوب، وهذا يعني عملياً ضرورة
الربط والتلازم بين الفكر
والقيادة والأسلوب. حتى الآن لم تتّضح ماهية "الأفكار"
ولا طبيعة "القيادات" التي
تقف خلف "الأساليب"
الجيّدة التي يقوم بها الشباب
العربي المنتفض في تونس ومصر
وغيرهما. إذ لا يجوز أن يرضى
هولاء الشباب الذين يضحّون الآن
بأنفسهم أن تكون "أساليبهم"
السليمة هي لخدمة أفكار ومشاريع
وقيادات غير سليمة تسرق
تضحياتهم وإنجازاتهم الكبرى
وتُعيد تكرار ما حدث في السابق
في المنطقة العربية من تغييرات
كانت تحدث من خلال الانقلابات
العسكرية أو الميليشيات
المسلحة ثم تتحوّل إلى أسوأ
ممّا كان قبلها من واقع. إنّ الديمقراطية السليمة والعدل السياسي
والاجتماعي مطلوبان فعلاً في
دول المنطقة، بل في أنحاء
العالم كلّه، والحاجة ماسّة
لهما كذلك في مجال العلاقات بين
الدول، وفي ضرورة احترام خيارات
الشعوب لصيغ الحياة الدستورية
فيها، وفي عدم تدخّل أيّة دولة (كبرى
أو صغرى) في شؤون الدول الأخرى. إنّ الديمقراطية هي وجهٌ من وجهي
الحرّية، وهي صيغة حكم مطلوبة
في التعامل بين أبناء البلد
الواحد، لكنّها ليست بديلة عن
وجه الحرّية الآخر، أي حرّية
الوطن وأرضه من كل هيمنة خارجية. للأسف، فإنّ الواقع العربي ومعظم
الطروحات الفكرية فيه،
والممارسات العملية على أرضه،
لا تقيم التوازن السليم المطلوب
بين شعارات: الديمقراطية
والعدالة والتحرّر ومسألة
الهوية العربية. فمعيار التغيير الإيجابي المطلوب في عموم
المنطقة العربية هو مدى تحقيق
هذه الشعارات معاً. إنّ البلاد العربية هي أحوج ما تكون الآن
إلى حركة جيل عربي جديد تتّصف
بالديمقراطية والتحرّر الوطني
والعروبة. حركة تستند إلى توازن
سليم في الفكر والممارسة بين
شعارات الديمقراطية والتحرّر
الوطني والهوية العربية، حركة
شبابية تجمع ولا تفرّق داخل
الوطن الواحد، وبين جميع أبناء
الأمَّة العربية.. إنّ قلب العرب جميعاً الآن على مصر وهم
معها ومع حركتها للتغيير،
وكلّهم أملٌ بأن تعود مصر
لدورها الريادي العربي وأن
تتحرّر مصر من قيود "كامب
ديفيد" التي كبّلتها لأكثر من
ثلاثة عقود فأضعفتها داخلياً
وخارجياً. مصر لها الدور الريادي في التاريخ القديم
والحديث للمنطقة، ومصر لا يمكن
أن تعيش منعزلة عن محيطها
العربي وعمّا يحدث في جناحيْ
الأمّة بالمشرق والمغرب، فمصر
هي في موقع القلب، وأمن مصر
وتقدّمها يرتبطان بالتطوّرات
التي تحدث حولها. فالاختلال
بتوازن مصر وبدورها يعني
اختلالاً في توازن الأمّة
العربية كلّها، وهذا ما حصل
فعلاً بعد وفاة جمال عبد الناصر
وبعد معاهدة كامب ديفيد. جسد الأمة العربية يحتاج الآن بشدّة
لإعادة الحيوية النابضة في قلبه
المصري، في ظلّ أوضاع عربية
كانت تسير من سيء إلى أسوأ، ومن
هيمنة غير مباشرة لأطراف دولية
وإقليمية إلى تدخّل مباشر في
بلدان الأمّة، بل في احتلال
بعضها كما حدث أميركياً في
العراق، وإسرائيلياً في لبنان
وفلسطين، وغير ذلك على الأبواب
الأفريقية والآسيوية للأمّة
العربية التي بدأت كياناتها
الكبرى بالتصدّع كما هو حال
العراق والسودان. الأمّة العربية قبل هذه الإنتفاضات
الشبابية كانت تعيش كابوس خطر
تقسيم كلّ قطر على أسس عرقية
وإثنية وطائفية ومذهبية. وكانت
الأمّة تخشى على نفسها من نفسها
أكثر ممّا يجب أن تخشاه من
المحتلّين لبعض أرضها والساعين
إلى السيطرة الكاملة على
ثرواتها ومقدّراتها. فضعف جسم الأمّة العربية كان من ضعف قلبها
في مصر، ومن استمرار عقل هذه
الأمّة محبوساً في قوالب فكرية
جامدة يفرز بعضها خطب الفتنة
والانقسام بدلاً من التآلف
والتوحّد. حبّذا لو تكون حركة الشباب العربي الآن من
أجل كسر هذه القوالب المتحجّرة،
وأن يتمّ وضع أهداف فكرية
مشتركة لما تحتاجه الأمّة الآن
من عناصر لنهضة عربية جديدة،
وأن يتمّ استخلاص الدروس والعبر
من تجارب الماضي، بإيجابياتها
وسلبياتها معاً، وأن تكون حركة
الشباب العربي اليوم بداية
لعودة الوعي والروح إلى الأمة
كلّها. *مدير "مركز الحوار العربي"
في واشنطن. ========================== الأمة كلها في مواجهة
ثلاثية التبعية والفساد
والاستبداد معن بشور يقول
فلاديمير ايليتش لينين مهندس
الثورة البلشفية وقائدها في
مطلع القرن الماضي:" قد تمر
عقود لا يقع فيها شيء يذكر، وقد
تأتي أسابيع تقع فيها عقود". ونتذكر اليوم هذا القول المعبّر ونحن
نراقب ما جرى في تونس من تطورات
مذهلة وثورة واعدة ومشرقة، ثم
في مصر خصوصاً والعديد من
الأقطار المتحفزة، وهي تحركات
لو أجرينا قراءة بسيطة لأبعادها
وحجمها وتداعياتها، كماً
ونوعاً، للاحظنا بوضوح ان مطلب
التغيير المحرك لشباب الأمة
وقواها الحية يستهدف ثلاثية
جثمت على صدر الأمة لعقود طويلة
وهي ثلاثية متوحشة، التبعية
والفساد والاستبداد. ولم يعد
خافياً على احد أن التبعية
لاملاءات قوى الهيمنة العالمية
إنما تشجع الفساد كرشوة للحكام،
وتصون الاستبداد كأداة
لاستمرار رجالها في الحكم، وفي
الإذعان لمشيئتها واملاءاتها. كما لم يعد
خافياً على احد أن الفساد
المستشري في أنظمة الحكم
وإداراته، وفي بلاط القصور، وفي
الأسر الحاكمة، بات جزءاً من
منظومة عالمية يتحكم من خلالها
نظام ربوي احتكاري عالمي بموارد
الشعوب وينهب قدراتها ويستغل
جهد أبنائها، كم لم يعد خافياً
أن التعاون بين الأنظمة المحلية
والنظام العالمي الراهن يستند
دوماً إلى قمع أي كفاح شعبي
يتوخى تحرير الأرض والإرادة
والموارد من تبعية مذلة لهيمنة
متوحشة . وبالمستوى
ذاته لم يعد ممكناً الفصل بين
الاستبداد، الذي تطورت أساليبه
وأشكاله ووسائله وأجهزته
وآلياته في العقود الأخيرة،
وبين التبعية كدرع حامٍ لهذا
الاستبداد من الخارج، والفساد
كأداة إنهاك للمجتمعات من
الداخل، وإفقار للشعوب، وهدر
الطاقات، وتجويع الناس وتركيع
للأمم. لذلك لم يكن
من قبيل الصدفة أن تبدأ أنظمة
الاستبداد والفساد بالاهتزاز
يوم دخل نظام الهيمنة العالمية
العاتية في مسالك الارتباك
والتأزم والتراجع، كما بات
واضحاً ان اهتزاز نظام هذه
الهيمنة ما كان ممكنا أن يتم
لولا مقاومة باسلة هزت أركانه
في العراق وأفغانستان، كما في
فلسطين ولبنان. فهل يمكن أن
نفصل مظاهرات اليوم في مصر عن
مظاهرات الأمس، قبل عامين، التي
انتصر فيها المصريون لأهلهم في
غزة وهم يواجهون قصف الأعداء
وحصار "الأشقاء"، بل عن
مسيرات خرجت في كل مدن مصر
ودساكره استنكاراً لجريمة
العدو الصهيوني بحق أسطول
الحرية، حتى لا نذكر بمسيرات
التضامن مع العراق ضد العدوان
والاحتلال في اوائل هذا القرن. بل هل يمكن أن
نفصل الانفجار التونسي عن ذلك
الاحتقان المتراكم في شارع تونس
العربي المسلم الذي كان يرى
مكتب الاتصال الصهيوني يسرح
ويمرح في بلاده، ويحس بنشاط
شبكات التجسس الصهيوني والغربي
تتحرك بحرية في مدنه وحواضره،
بل يتذكر كيف اغتيل قادة
فلسطينيون كبار على أرضه كما
حصل للشهيد خليل الوزير، مهندس
انتفاضة الحجارة، في نيسان/
ابريل 1988 بعد أشهر على تولي بن
علي السلطة في تشرين الثاني/نوفمبر
1987، وعلى يد عملية كوماندوس
بحرية وجوية كبرى كانت تتحرك
بسهولة أمام الأمن التونسي الذي
طالما فاخر إن شعرة لا تسقط من
رأس مواطن إلا بأمره. ولعل الأمر
ذاته يتكرر في عواصم عربية
مرشحة لمواجهة المصير ذاته بعد
أن أسلمت قيادتها لأعداء الأمة
ومغتصبي الحقوق. قد يحصر
البعض هذه التحركات بالأسباب
الاقتصادية والاجتماعية
المباشرة، في محاولة لتحييد
العامل الوطني والقومي والديني
عنها، ولكن هذا البعض لا يتجاهل
فقط الشعارات والمطالب الوطنية
والقومية الحاضرة في حركة
الشارع، بل يغفل أيضاً حقيقة
كبرى إن الفساد ما كان ليستشري،
وان الاستبداد ما كان ليسود
لولا تلك الرعاية الأمريكية
والاستعمارية الواضحة الأغراض
لهذه الأنظمة. ولعل ما يؤكد
على معادلة التلازم بين
الاحتلال الأجنبي والاختلال
الداخلي، هو تلك الأرقام التي
تظهر أن الفساد قد وصل في دول
محتلة كأفغانستان والعراق إلى
درجات قياسية، ناهيك عن الفساد
المتفشي في واقع السلطة
الفلسطينية نفسها في ظلال
الاحتلال . وابلغ تعبير
رمزي على هذا التلازم هو موقع
السويس في انتفاضة مصر الراهنة
ضد الفساد والاستبداد مما
يذّكرنا بحرب السويس التي تصدت
فيها مصر عبد الناصر ، ومعها
الأمة كلها، للعدوان الثلاثي
عام 1956 لتدخل معها المنطقة
والعالم بأسره في عصر جديد من
التحرر والاستقلال. فهل نحن
اليوم أمام السويس -2- لتعيد لمصر
والعرب أمجاد سويس -1-. وإذا كان
المضمون السياسي والاجتماعي
والوطني لهذا الغضب الشعبي
الساطع الآتي من مختلف أرجاء
الوطن الكبير يحتاج إلى تأمل
عميق، فان المطلوب أيضاً أن
نتأمل بعمق أكثر في آليات هذا
التحرك ووسائله المتطورة
والحديثة التي نجحت في الالتفاف
على نظام القمع الرسمي العربي
مستفيدة من ثورة المعلومات التي
أدخلتها العولمة الرأسمالية
ليتحكم المركز الامبريالي
بشعوب العالم كلها، فإذا بشباب
الأمة يحول انجازات تلك الثورة
إلى أدوات للتواصل والتضامن
للانقضاض على الأنظمة الخاضعة
للهيمنة، بل وليدفع قوى الهيمنة
إلى أن تتخلى وبسرعة خيالية عمن
استخدمتهم لسنوات طويلة. لقد دخلت
امتنا من جديد في عصر الشعوب حيث
التغيير سيطال بحده الأدنى
السلوك والسياسات وبحده الأقصى
الأنظمة نفسها. وان غداً لناظره
قريب. ============================= الدكتور عثمان قدري مكانسي محمد الغنوشي : شغل منصب رئيس الجمهورية
التونسية بشكل مؤقت وليوم واحد
في 14 يناير 2011 بعد هروب الرئيس
الأسبق زين العابدين بن علي من
تونس الحبيبة . وشغل عدة مناصب في كتابة الدولة للتخطيط
والاقتصاد الوطني قبل أن يعين
سنة 1975 مديرا للإدارة العامة
للتخطيط. وكان على رأس وزارات متعددة في الحكم
السابق من أكتوبر 1987 إلى هذه
الساعة ، ثم رضي أن يكون الرئيس
المؤقت حين هرب ابن علي المخلوع
، ورضي بعد شغور المنصب الرئيسي
لرئيس الجمهورية أن يعود إلى
منصب الوزارة الأول ، وهذا يدل
بشكل واضح أنه من عشاق الرئاسة
لما فيها من إغراءات المكاسب
الدنيوية الرخيصة على حساب
كرامته . فمن كان اليد
الأولى للرئيس المخلوع ينفذ
أوامره بإخلاص وتفان يحملُ وزر
رئيسه ، ويشاركه في مفاسده "
إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا
خاطئين " فكيف تسول له نفسه أن
يدّعي أنْ لا علاقة له فيما
اقترفه سيده ابن علي من جرائم
يندى لها الجبين ؟! ثم هو يحرص
جاهداً أن يبقى في منصب لا
يستحقه ، ويتشبث به لولا أنه
امتداد لحقبة سيده السابق ؟! يبدو أن كثيراً من أمثال هذا الإنسان لا
يتعظ بما حل بغيره، ، ولا يفقه
سنة الحياة في العملاء
والمنافقين الأجَراء الذين
يرضون أن ينسلخوا عن أمتهم
لمكاسب دنيوية زهيدة ، ويظن أن
يد العدالة لن تطوله كما طالت
أسياده من قبله ، وكثير من
أمثاله لا يفهم الدرس إلا حين
يقع الفاسُ في الراس. وحينئذ لا
ينفع الندم ولو ادّعى الفهم
الذي نطق به المخلوع السابق في
ساعات ملكه الأخيرة . قالها ابن علي " الآن فهمت " فذكّرنا
بقول فرعون الأول وهو يغرق "
آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل
وأنا من المسلمين " فيسخر
الحق منه قائلاً " آلآن وقد
عصيت قبل وكنت من المفسدين "
ولئن نجّى الله تعالى فرعون
بجسده بعد موته ليكون عبرة
للمعتبرين إن حكامنا
الديكتاتوريين الذين تسلطوا
على مقدرات شعوبهم سقطوا في
مزابل التاريخ وهم ما يزالون
أحياءً ، يلعقون جراحهم ويلعنون
أنفسهم وأسيادهم الذين اعتمدوا
عليهم فلفظوهم كما تلفظ النواة
في سلة المهملات . ونرى هذا اليوم اهتزاز عرش فرعون مصر
المجاهدة الذي استنجد بأسياده
في واشنطن فأرسل وزير دفاعه
الهامل يستجدي معونتهم ويطلب
نجدتهم ، ولم يفقه أن الأوبة إلى
الحق أحقّ أن يتبع ، ولكنك ترى
كثيراً ممن يلبس لبوس البشر ما
هو إلا مومياء لا تعي الدرس ولا
تتعظ حتى بنفسها . فهل نرى من إخواننا في تونس عزماً على
التخلص من حثالات النظام السابق
وإصراراً على الحرية الكاملة ؟ اللهم سدد خطاهم وانصرهم على من عاداهم ،
واجعل الغلبة لهم على عبيد
النفوس وأزلام الغرباء . وأنتم يا أحبتنا في مصر وفي سورية وفي كل
بلادنا الحبيبة آن لنا أن نعيش
أحراراً ، ولا ننس أن الحرية
تُؤخذ ولا تُعطى . ورحم الله
شوقي إذ يقول : وللحرية الحمراء
باب ***** بكل يد مضرجة يُدَقُّ ========================== البؤساء التعساء...وتهميش
الإخوان المسلمين! عامر العظم لست من دعاة إقامة دولة دينية أو خلافة
إسلامية لأنها غير عملية وغير
منطقية في نظري، لكنني استغرب
كيف تحارب معظم الأنظمة العربية
التعيسة هذه الجماعة المنظمة
والمتعلمة والمنتجة علميا
واجتماعيا واقتصاديا، كيف تقبل
أنظمة تعيسة ملاحقة وتهميش،
وحتى تخوين، قوة هامة من شعبها
بذرائع سخيفة! تُصدم عندما ترى
أنظمة تتصرف كالعملاء وهي تحرض
الغرب وشعوبها على هذه الجماعة
من أبناء شعبها للحفاظ على
كراسيها التعيسة. ما الفرق بين
هذه الأنظمة وبين عملاء
الاستعمار! ترى أحزابا علمانية تزعم أنها من دعاة
الديموقراطية لكنها تُصاب
بجنون البقر عندما تفوز هذه
الجماعة، أو تتخيل أنها ستجلس
مع أعضائها تحت قبة البرلمان!
تحاول هذه الأحزاب الفاشلة
التغطية على فشلها الفكري
والسياسي والتنظيمي والجماهيري
بالضرب بجماعة الإخوان
المسلمين، تحت الحزام وفوقه!
منذ أن كنت طالبا وأنا أسمع
التحريض السخيف على أن الإخوان
المسلمين هم "عملاء أمريكا"
ولا أدري كيف يُهمش ويُسجن "عملاء
أمريكا" من قبل أنظمة فعليا
عميلة لأمريكا! لست أبا هريرة ولا أبا جهل، لكنني أرى أن
مدمني الويسكي وعملاء
الصهيونية هم دائما من يحاربون
الإخوان المسلمين. يمكنك أن
تشرب الويسكي، لكن ليس على حساب
الحقيقة، وتشويه وإقصاء جزء هام
من شعبك! ماذا استفادت الأنظمة
العربية بعد خمسين عاما من
تهميش هذه الجماعة وقوتها
وقدراتها! اختلف فكريا ومنهجيا وسياسيا مع جماعة
الإخوان المسلمين، لكنني لا
أستطيع أن أتجاهل دورها البنائي
والمطلوب في المجتمع. التنوع
قوة ورحمة! تتابع تصريحات وأفعال الإخوان المسلمين
في عدة أقطار تراهم ديموقراطيين
أكثر من أدعياء الديموقراطية
وأصنام الأحزاب الحاكمة! الحاكم الذي يحترم نفسه وشعبه هو من يسعى
لتفجير كافة طاقات وقدرات شعبه! ============================== من تونس إلى القاهرة: من
هم "الثوار الجدد" ؟ عريب الرنتاوي من هم "الثوّار الجدد" الذين ملأوا
الأرض والفضاء في تونس والقاهرة
وصنعاء وغيرها من العواصم
والمدن العربية ؟...من أين
جاءوا، من أية خلفيات طبقية
وثقافية واجتماعية وسياسية
تحدّروا؟...ما هي أهدافهم
وطموحاتهم؟...وكيف نقرأ
شعاراتهم وهتافاتهم؟...أسئلة
وتساؤلات، وعشرات غيرها تزدحم
في الأذهان المنهمكة في محاولة
لفهم مفردات "الزمن التونسي
الجميل". هم شبان وشابات، غالبيتهم في العقدين
الثالث والرابع من العمر،
يتحدرون من الطبقة الوسطى، أو
حتى من شرائحها العليا، صلتهم
وثيقة بالعالم الخارجي، يتقنون
فنون الاتصال و"العزف" على
"الفيسبوك" و"توتر"...ليسوا
فقراء معدمين ولا جياع مهتاجين...ليسوا
سياسيين أو حزبيين...لقد عبروا
من فوق الأحزاب والتيارات التي
نعرف، وسبقوا قياداتها الهرمة
إلى الميادين والشوارع ليصنعوا
فجراً جديداً لأمتهم وشعوبهم. هم أنفسهم الذين طالما سخرنا من
اهتماماتهم "السخفية"
وألعابهم الالكترونية وعزلتهم
خلف أجهزتهم...هم أنفسهم الذي
طالما نظرنا إليهم ب"دونية"،
لأنهم ما اعتادوا اجترار
الهتافات والشعارات الكبيرة من
دينية ويسارية وقومية، التي
فصّلت على مقاس الأحزاب
والزعامات...هم أنفسهم الذين
طالما حاولت أنظمتنا وحكوماتنا
إقناعنا بأنهم ليسوا منّا ولا
هم يشبهون جيلنا، وأنهم أقرب
إلى الحزب الحاكم و"النخب
النيوليبرالية الجديدة". لكنهم أوقعونا على ظهورنا من الدهشة،
وعقدت مفاجآتهم ألسنة حكوماتنا
وأنظمتنا على حد سواء...أدهشونا
عندما تكشفوا دفعة واحدة عن كل
هذا الطاقات الجبّارة على العمل
والتنظيم والتضحية...ادهشونا
بهذا المخزون الهائل من الوعي
والنضح والتفتح والانفتاح...وفاجأوا
حكوماتنا وأنظمتنا بمستوى
كراهيتهم لسياساتها ومواقفها،
بحدة رفضهم لفسادها وخنوعها...إنه
جيل يريد الثأر لكرامة أمة،
استبيحت على عتبات "أفران
العيش" ومطاردة "خبزنا
كفاف يومنا"...كرامة أهدرت على
عتبات التبعية المذلة لدوائر
القرار الدولي والتفريط
بالمصالح والحقوق والأدوار
والسيادة والاستقلال. أنظروا إلى هتافاتهم وشعاراتهم،
تفحّصوها جيداً...لم يأتوا من
أجل "كروشهم" على حد تعبير
شاب تونسي معتصم أمام مبنى
الحكومة التونسية الجديدة...أنهم
يصرخون ضد الفساد في ميدان
التحرير ويطالبون بالحرية في
السويس، رمز حرية مصر وتحررها
وانعتاقها...إنهم يصرخون ضد
الجدار الذي يفصل مصر عن غزة،
كما هتف شاب مصري ثلاثيني يحمل
طفلته على كتفيه في ميدان
التحرير...إنهم يحذرون من ضياع
النيل بعد أن ضاع جنوب السودان،
إنهم يريدون الثأر لكرامة دولة
كانت دائما كبيرة، قبل أن
يهبطوا بها إلى أسفل درك. لم تغب الشعارات والهتافات المطلبية
والاجتماعية والاقتصادية عن
المتظاهرين، فهذا أمر هام
وضروري، يحسب لهم لا عليهم،
والانتفاضة التونسية /العربية
في الأصل، اندلعت شراراتها
الأولى من آلام البطالة والفقر
والجوع...لكن "الثوار الجدد"
لم يكتفوا بطرح هذه الشعارات
وحدها، فهم يدركون أكثر من
غيرهم، أن جوعهم وبطالتهم
وفقرهم، عائد لفساد حكوماتهم
وأنظمتهم، وليس لانعدام موارد
بلادهم...لقد أراد زعماؤنا
إقناعنا بأن فقرنا وجوعنا
وبطالتنا قدرٌ لا رادّ له، وأنه
– لحكمة إلاهيّة – لم نُمنح
الموارد الكافية، إلى أن جاءت
الانتفاضة التونسية/ العربية
لتقول: أنه مقابل ملايين
الفقراء الذي يزدادون فقراً،
هناك أغنياء يزدادون غنى وبغير
وجه حق...مقابل الجوع والجياع
الذين ينتشرون في كل بلدة
ومدينة وقرية، هناك المتخمون
الذي تزداد بطونهم "تكرّشاً"
وجيوبهم انتفاخاً...ومقابل جيوش
العاطلين عن العمل، هناك
مليارات الدولات المهرّبة إلى
مصارف سويسرا وأوروبا، التي إن
استثمرت في موطنها الأصلي، لما
ظل عاطل واحد عن العمل. انتفاضات تونس والعالم العربي، ربطت
بإحكام بين الاقتصاد والسياسة،
وقاربت الإصلاح من منظوره
الشامل، هكذا من دون تنظير، ومن
خلال الشعارات التي تتدفق على
ألسنة المحتجين بسلاسة وإبداع
مثيرين للانطباع، وبالضد من كل
محاولات الأنظمة والحكام
التلهي بفصل الإصلاح السياسي عن
الاقتصادي، أو السياسي عن
الإداري، لتكون النتجية لا
أصلاح في أي من هذه الميادين، بل
مزيد من الفساد والإفساد
والخراب. ها هم شبان وشابات "الانترنت والموبايل"
يقودون شيوخ الحركات الإسلامية
وكهول الفصائل اليسار
والتنظيمات القومية، إلى ضفاف
الحرية والكرامة، ها هم الشبان
والشابات، يطلقون ثورة "الديجيتال"،
لقد كرهنا هذه الكلمة التي
ارتبطت برموز "النيوليبرالية"
ووزراء الفساد والقصور
المليونية، ها هو "الديجيتال"
يعود للشارع كأداة عملاقة
لتنظيم وتحريك الثورات
المظفّرة، التي تعيد للعربي
ثقته بنفسه، وتعيد تموضعه في
خريطة الأمم والشعوب، بعد أن
كاد العالم ينظر إلينا كقطعان
سائبة، لا يجمعها جامع، ولا
يحركها دافع أو حافز، ها هي روح
تونس الوثّابة، تطوف في أرجاء
الوطن العربي، من محيطه الهادر،
إلى خليجه الذي لن يظل ساكنا،
وللقصة بقية، فالحلقات ال"22"
من هذا المسلسل بالكاد بدأت. ===================== سلامة معروف على مدار أربعة أيام وعبر حملة عنوانها
"كشف المستور" نشرت فضائية
الجزيرة، وثائق مسربة حول
المفاوضات الإسرائيلية
الفلسطينية، مصنفة تلك الوثائق
لعناوين شملت قضايا القدس
واللاجئين والتنسيق الأمني
والحرب على غزة، وفور بدء نشر
الوثائق وعلى الرغم من توقيتها
الذي صاحب العديد من الأحداث
الهامة الجارية في المنطقة، من
الثورة في تونس إلى تغيير
الحكومة في لبنان، وبدء موجة
الاحتجاج ومظاهرات الغضب في مصر
واليمن والأردن، إلا أن
الاهتمام بدا واضحا وتباينت
ردود الأفعال على مختلف
المستويات المحلية والإقليمية
والدولية، وهو تباين ينبع أساسا
من مواقف تلك الأطراف من السلطة
ونهجها التفاوضي المنسجم إلى حد
ما مع الحالة العربية الرسمية،
كما ينبع من الحفاظ على المصالح
التي قد يشكل اطلاع الرأي العام
على تلك الوثائق تهديدا مباشرا
لها، في ظل حالة محتقنة أصلا. فلسطينيا يجب النظر إلى الموضوع من
زاويتين: الأولى طبيعة هذه
الوثائق وهل شكلت مفاجئة من حيث
مضمونها، وطريقة تناول الجزيرة
إعلاميا لها، والثاني تعامل ورد
فعل السلطة على هذه الوثائق
وموقفها المرتبك منها. في الزاوية الأولى يجب الإقرار مبدئيا
أنه من حق الجزيرة أن تنشر
الوثائق وفي أي وقت تريد، بل ومن
الواجب عليها أن تمنح الرأي
العام الحق في المعرفة
والمعلومة، وإن كنت أرى أن
الوثائق لم تأت بجديد أو أنها
كشفت مستورا كما قالت القناة،
بل أن كل ما بثته من محاضر
واجتماعات ومواقف يعلمها الشعب
الفلسطيني علما يقينا، لأنه
ببساطة من يدفع ضريبتها على
الأرض بشكل مباشر، فهو الذي
يدفع دمه ثمنا للتنسيق الأمني،
وهو الذي يرى القدس تهود
والاستيطان يأكل الأرض، وهو
الذي يعلم المواقف المعلنة
المخزية للمفاوض بحق اللاجئين
في جنيف وغيرها، وهو الذي يعلم
من تواطأ على غزة في فرض الحصار
والحرب، لذلك هذه الوثائق لم
تفاجئ الشعب الفلسطيني على
الأقل. ومن الناحية المهنية فالجزيرة لم تخطئ
أبدا، واتهام البعض لها بأن هذه
الحملة الإعلامية تشتم منها
رائحة التوظيف والاستخدام
السياسي، وأن اتخاذ قرار نشر
الوثائق اكبر من الجزيرة بكثير،
بل وربما اكبر من قطر التي
تحتضنها، كل هذه تبريرات واهية
ومحاولات تشكيك لا ترقى لدرجة
الموضوعية والدرجة العالية من
المهنية التي تعاملت معها
القناة خلال حملتها، حيث أن
دراسة هذه الوثائق وفحصها تم من
خلال عدد من الباحثين والمختصين
المشهود لهم بالدراية والخبرة
وفوق هذا الانتماء، كما فتحت
الجزيرة الباب مشرعا لرموز
السلطة والتفاوض للرد على ما
ورد في وثائقها وتفنيدها
واستضافت العديد منهم، ونقلت
مؤتمراتهم الصحفية للرد عليها،
لذا لا يمكن أن تتهم بما لم
تمارسه، وإن كان من انحياز قامت
به فهو الانحياز لحق الجمهور في
المعرفة، وإن تخلت عن حياديتها
فلمصلحة قضايا أمتها التي لا
يجب عليها أن تنسلخ عنها. وفي الزاوية الأخرى بدا حجم الارتباك
والمفاجئة في موقف السلطة منذ
بدء نشر هذه الوثائق التي أصابت
قيادة رام الله بالهوس
والاختلال وهو ما عكسته
التصريحات المتضاربة، والمواقف
المتناقضة بين رموزها، ووضح
تضارب روايات السلطة للعيان
وترنحها تحت الضربات المتتالية
لهذه الوثائق، وظهر الناطقون
بلسان فتح والسلطة "متفاجئون"
من الحملة وفقدوا القدرة على
التعبير، وهو ما يشكل دليل
إدانة بحقها، فبينما نفى البعض
صحة هذه الوثائق خرجت مستويات
بارزة لتؤكدها، وآخر يتهم
الجزيرة بالتحريف والتزييف
وإخراج الحديث عن مضامينه
وسياقه الذي قيلت فيه، واصفا
إياه بالدردشات التي لا ينبني
عليها مواقف أو التزامات، وثالث
يلمح إلى توقيت مشبوه لنشر هذه
الوثائق باعتباره مسعى واضح
لإجهاض الجهود المزمع القيام
بها في مجلس الأمن والأمم
المتحدة لإعلان الدولة
الفلسطينية، ومحاولة لاغتيال
جهود السلطة في توفير الاعتراف
الدولي بالدولة العتيدة
المرتقبة، وآخر تطوع بنفي وجود
تنسيق أمني بين السلطة
والاحتلال، في الوقت الذي يعلم
فيه كل طفل في فلسطين أن هناك
تنسيقا أمنيا منذ توقيع اتفاق
أوسلو. في كل الأحوال ابتعدت السلطة تماما عن
السؤال الذي يجب طرحه بعد نشر
الوثائق، فالسؤال لا يجب أن
يكون، لماذا الآن؟ هل الوثائق
صحيحة؟ من سرب الوثائق؟ وغيرها
من الأسئلة التي لا معنى لها،
ولكن السؤال الذي يجب أن تسأله
فتح والسلطة لنفسها الآن وفورا،
إلى متى سنظل نلهث خلف مفاوضات
فقدت قيمتها؟ إلى متى سنبقى
بعيدين عن تطلعات الشعب؟ متى
سينتهي عهد المصلحة الشخصية
والذاتية في التعاطي مع القضايا
الوطني؟ فإما أن تعيد السلطة
حساباتها وتجيب عن هذه الأسئلة،
أو تعد نفسها ليوم قريب يسائلها
فيه الشعب. وإذا نجحت فذلكة صائب عريقات أو ياسر عبد
ربه في لي عنق الحقيقة وإيجاد
مبررات لبعض ما ورد في الوثائق
قد يقتنع بها بعض الذين يرفضون
قراءة الواقع بواقعية، فان
الشواهد على الأرض أسطع وأصدق
وأعظم من أن تدحض من قبل البعض
مهما بلغت به السفسطائية
والجدال. ولهذا أقول أن الجزيرة –عبر وثائقها
الأخيرة- لم تكشف مستورا، وإنما
فضحت ما كان مكشوفا من ممارسات
لسلطة رام الله على الأرض،
عكستها مواقف مفاوضيها في غرف
التفاوض المغلقة. ========================= السقوط التفاوضي
الفلسطيني الأول (من أبرم صفقة
"حل الدولتين" وما زال
ملتزما بها من جانب واحد ليبادل
أربعة أخماس الوطن التاريخي
لعرب فلسطين بالخمس الأخير، هو
من ارتكب الخطيئة الفلسطينية
المميتة الأصلية التي قادت إلى
السقوط التفاوضي الأول) بقلم نقولا ناصر* ما زالت الضجة الوطنية الفلسطينية والصخب
الإعلامي العالمي اللذان
أثارتهما وثائق "كشف المستور"
التي تنشرها قناة الجزيرة
الفضائية يثيران أيضا سحبا
كثيفة من الدخان تغطي على "الخطيئة
المميتة" الأصلية التي قادت
إلى السقوط التفاوضي الأول الذي
قاد بدوره إلى كل التجاوزات لكل
الثوابت الوطنية التي تعتبرها
الحركة الوطنية الفلسطينية "خطوطا
حمراء" والتي "أكدتها"
وثائق الجزيرة ولم "تكشفها"
كما يشاع، لأنها كانت أسرارا
مكشوفة فعلا وهي التي قادت إلى
تعطيل كل المؤسسات الوطنية
الفلسطينية وتهميش منظمة
التحرير وفصائلها، وفي مقدمتها
حركة التحرير الوطني الفلسطيني
"فتح" نفسها المفترض أنها
تقود المنظمة وفصائلها، قبل أن
تقود إلى الانقسام الفلسطيني
الراهن الذي انفجر سياسيا بسبب
خروج مفاوض منظمة التحرير على
الثوابت الوطنية في المقام
الأول قبل أن ينفجر عسكريا في
قطاع غزة بعد ذلك. إن الغارقين في ما أثاره الجدل حول وثائق
الجزيرة من تفاصيل وجزئيات
قضايا "تبادل" الأراضي "المتفق"
عليه بين طرفي التفاوض من حيث
المبدأ وعمليا، حيث وافق مفاوض
المنظمة على مكاسب دولة
الاحتلال الإقليمية التي
حازتها بالقوة المسلحة في حرب
عام 1967 بموافقته على ضمها
للمستعمرات الاستيطانية التي
بنتها في القدس في انتهاك صارخ
للقانون الدولي، والتبادل
الديموغرافي الذي "لم يتفق"
عليه بين الطرفين، حسب الوثائق،
ودعا إليه مفاوض دولة الاحتلال
دون أن يعترض مفاوض المنظمة على
كونه موضوعا لا يمكن التفاوض
عليه بدل أن يوقف التفاوض حتى
يتم شطبه من جدول أعمال التفاوض
باعتباره خطا أحمر لا يجوز
التفاوض عليه لأنه ينذر بنكبة
فلسطينية جديدة لمليون ونصف
المليون فلسطيني من "مواطني"
دولة الاحتلال، ... إن الغارقين في هذه التفاصيل والجزئيات
كلما أوغلوا فيها كلما زادوا في
كثافة سحب الدخان الأسود الذي
يغطي على حقيقة صفقة "التبادل
التاريخي" التي قاد إليها
الانقلاب الاستراتيجي عام 1988 في
الجزائر على الميثاق القومي ثم
على الميثاق الوطني لمنظمة
التحرير، اللذين تبنت مضمونهما
عمليا حركة المقاومة الإسلامية
"حماس" وغيرها من فصائل
المقاومة الوطنية بعد أن تخلت
عنهما منظمة التحرير، فقد كانت
تلك الصفقة هي التبادل التاريخي
الأخطر الذي أبرم قبل انطلاق
المفاوضات العلنية على تبادلات
فرعية متوقعة. فمن أبرم صفقة "حل الدولتين" وما زال
ملتزما بها من جانب واحد ليبادل
أربعة أخماس الوطن التاريخي
لعرب فلسطين بالخمس الأخير،
مقابل وعد بدويلة عليه غير ملزم
وغير محدد لا أرضا ولا زمنا ولا
مضمونا ولا شكلا، ويدفع ثمنا
لهذا الوعد اعترافا ملزما
وقاطعا وواضحا كالشمس بدولة
الاحتلال، وتعهدا ملزما وقاطعا
وواضحا كالشمس ب"نبذ الارهاب"،
اي بالتنازل عن الحق في مقاومة
الاحتلال الذي يجيزه ميثاق
الأمم المتحدة والقانون الدولي
والشرائع السماوية والفطرة
الانسانية، والتزاما ملزما
وقاطعا وواضحا كالشمس بالتفاوض
كاسلوب وحيد لحل الصراع ب"الاتفاق"
حصرا بين طرفي التفاوض، .. إن من
أبرم هذه الصفقة هو من ارتكب
الخطيئة الفلسطينية المميتة
الأصلية التي قادت إلى السقوط
التفاوضي الأول. ولم تكن السقطات والتنازلات الفرعية
والجزئية اللاحقة التي تتكشف
اليوم سوى تحصيل حاصل، ولا يحق
لمن صمت وما زال يصمت على
الخطيئة الأصلية أن يحاول اليوم
تسجيل نقاط سياسية حزبية أو
فصائلية لصالحه بادعاء "المفاجأة"
وبالتالي الاحتجاج على نتائج من
لم يتوقعها لا يحق له أن يتصدر
العمل الوطني الفلسطيني ، حتى
على الهامش. وفي هذا السياق، فإن إعلان عضو المكتب
السياسي لحركة حماس، عضو المجلس
التشريعي خليل الحية، يوم
الثلاثاء الماضي عن سحب الحركة
لتفويضها منظمة التحرير "ورئيس
السلطة" بالتفاوض "في إطار
وثيقة الوفاق الوطني" لسنة 2006
واعتباره هذا التفويض "لم يعد
قائما .. في ظل التنازلات
الخطيرة التي قاموا بها بحق
الثوابت الشرعية الفلسطينية"،
هو إعلان لا يسع المراقب إلا أن
يعتبره نقدا ذاتيا شجاعا،
وتراجعا صحيحا عن خطوة خاطئة لم
تقنع في حينه أحدا، فالوحدة
الوطنية التي اتخذت آنذاك مسوغا
لمنح ذاك التفويض لا يمكن أن
يكون الحرص عليها من جانب
فلسطيني واحد، بل يجب أن تكون
متبادلة، وعلى اساس احترام الحق
في مقاومة الاحتلال. غير ان سحب الغطاء الذي منحته حماس آنذاك
لمفاوض المنظمة جدير بان يكون
سابقة تحذو حذوها فصائل منظمة
التحرير المعارضة التي ما زال
ادعاؤها بالحرص على الوحدة
الوطنية في إطار منظمة التحرير
مسوغا غير مقنع بدوره
لاستمرارها في توفير غطاء
فلسطيني لاستمرار مفاوض
المنظمة في مفاوضات ثبت فشلها
ثبوتا قاطعا بالرغم من تجاوزها
لكل الخطوط الوطنية الحمر،
وربما يكون هذا هو الوقت
المناسب أيضا كي تعلن مثل هذه
الفصائل قطيعتها الكاملة مع
الخطيئة المميتة الأصلية التي
قادت إلى هذه التجاوزات. إن كل "البدائل" التي يعلنها مفاوض
المنظمة لفشل المفاوضات محكومة
مسبقا بالتبادل التاريخي
الأخطر الذي انبثقت عنه هذه
المفاوضات، فما يسمى "قضايا
الوضع النهائي" الذي يسعى
المفاوض ببدائله إلى استمرار
التفاوض عليها قد حولت كل
الثوابت الوطنية إلى موضوع قابل
للتفاوض والمساومة، فالقدس
واللاجئون وعودتهم والمستعمرات
الاستيطانية وغيرها جميعها هي
مواضيع للتفاوض، ولا حرمة لأي
ثابت وطني، أو حق أقرته شرعية
الأمم المتحدة، في إطار نزاع
على حدود "وقف إطلاق نار"،
"عربي" لا فلسطيني، في
الضفة الغربية، نزاع يدور حول
تقاسمها مع المستوطنين، لا في
إطار صراع على الوجود. وأحد هذه
البدائل هو مشروع القرار الذي
تقدم به المفاوض إلى مجلس أمن
الأمم المتحدة. وقد حصلت مجلة "فورين بوليسي"
الأميركية على مسودة مشروع
القرار، ونشرته، دون أن يفكر
مفاوض منظمة التحرير في إطلاع
شعبه عليه، كعادته في حجب ما
يفعله وراء الكواليس والأبواب
المغلقة التي قادته إلى ابرام
اتفاق أوسلو من وراء ظهر الوفد
المفاوض الرسمي برئاسة المغفور
له د. حيدر عبد الشافي قبل حوالي
عشرين عاما، وهي العادة التي
جعلت وثائق الجزيرة هامة بالرغم
من أنها تكشف أسرارا مكشوفة
أصلا. ومن يراجع مشروع القرار يتأكد بأن مفاوض
منظمة التحرير مصر على المكابرة
في فشله، وعلى الإيغال في
خطيئته المميتة، إذ يدعو في
مادته الثالثة إلى العمل بموجب
"الاتفاقيات الموقعة" مع
دولة الاحتلال، ومنها "خريطة
الطريق"، و"بناء الثقة"،
و"خلق االشروط الضرورية
لتعزيز عملية السلام"، ويدعو
طرفي التفاوض في مادته الرابعة
إلى "مواصلة .. مفاوضاتهما حول
قضايا الوضع النهائي"، و"يحث"
في مادته الخامسة على "تكثيف
الجهود الدبلوماسية الدولية
والإقليمية لدعم وإحياء عملية
السلام". وحتى لو أفلت مشروع القرار من "الفيتو"
الأميركي، فإنه سيضاف إلى ركام
قرارات مجلس الأمن الدولي التي
تنتظر التنفيذ منذ عشرات السنين.
ثم ما الذي سيضيفه القرار إن صدر
إلى قرار المجلس رقم 1515 لسنة 2003
الذي نص على "تجميد"
الاستيطان ويشمل التجميد "النمو
الطبيعي"، بينما يدعو
المفاوض في مشروع قراره إلى
مجرد "وقف" هذا الاستيطان.
إنه نهج الفشل نفسه، ولغته،
المحكومين بالسقوط التفاوضي
الأول الذي أبرم صفقة التبادل
التاريخي التي لم تترك للشعب
الفلسطيني أية بدائل غير
الاستسلام، باسم السلام. إن الفلسطيني الذي يدقق في الأهداف
السياسية لمشروع القرار يتمنى
فعلا لو تستخدم الولايات
المتحدة الأميركية حقها في
النقض "الفيتو" لتجهضه حتى
لا يستخدمه المفاوض كنصر فارغ
جديد يسوغ به استمرار تدويخ
شعبه في الحلقة المفرغة التي
يدور فيها منذ عشرين عاما،
والتي يبذل قصارى جهده الآن
لاحتواء تسليط قناة الجزيرة
الأضواء على خطورتها، بتحويل
الأنظار بعيدا عنها مستخدما كل
الحيل والألاعيب الإعلامية
التي لم تعد تنطلي على أحد، وفي
رأسها التشكيك في صدقيتها، في
تجاهل لكون صحيفة "الغارديان"
البريطانية هي مصدر آخر حصل على
حق حصري في نشرها مع الجزيرة،
بعد أن تأكدت الغارديان "من
صحتها بصورة مستقلة من مفاوضين
سابقين ومصادر دبلوماسية
ومخابراتية" كما قالت
الصحيفة في الرابع والعشرين من
الشهر الجاري. ويبدو أن الأموال التي شحت فلم تتوفر
لتوكيل محامين دوليين لملاحقة
مجرمي الحرب في حكومة دولة
الاحتلال الإسرائيلي قضائيا
استنادا إلى تقرير غولدستون
الشهير، أو استنادا إلى حكم
محكمة العدل الدولية في لاهاي
بشان جدار الضم والتوسع الذي ما
زالت دولة الاحتلال تبنيه في
الأراضي المحتلة عام 1967 في
انتهاك صارخ للقانون الدولي، أو
لملاحقة دولة الاحتلال في
المحافل والمحاكم الدولية
لنقلها مستوطنيها إلى
المستعمرات التي تبنيها في هذه
الأراضي المحتلة في انتهاك صارخ
للقانون الدولي نفسه، ولم تتوفر
الأموال كذلك لدعم القيادي في
فتح حاتم عبد القادر عندما كان
وزيرا للقدس في حكومة سلطة
الحكم الذاتي الإداري المحدود
مما قاد إلى استقالته بسبب عدم
توفير الأموال له لمتابعة قضايا
المقدسيين في مواجهة الاحتلال
كما أعلن عند استقالته، .. يبدو
أن هذه الأموال متوفرة الآن لدى
د. صائب عريقات رئيس دائرة شؤون
المفاوضات في منظمة التحرير
الفلسطينية لصرفها على "محامين
دوليين" يستعدون الآن
لمقاضاة قناة الجزيرة الفضائية
بتهمة "التشهير والتحريض"،
في محاولة أخرى لصرف الأنظار
بعيدا عن الخطيئة المميتة
الأصلية لمفاوض المنظمة، التي
قادته إلى سقوطه التفاوضي
الأول، لتجعل من المستحيل
الدفاع عن موقفه التفاوضي
الحالي. * كاتب عربي من فلسطين ========================= د. فايز أبو شمالة جملة اسمية من أربع كلمات، تنطلق من حناجر
المنتفضين في مصر العروبة،
وانطلقت من قبل ولما تزل من
حناجر المنتصرين في تونس
الخضراء، ويتردد صداها في أرجاء
اليمن الشامخ، وفي كل مكان عربي
يئن تحت صفعات القهر، ويأبى
الخنوع، جملة عربية مفيدة تقول
ببساطة: الشعب يريد تغيير
النظام!. فأي بلاغة سياسية هذه؟ وأي فصاحة عربية
تعبر عن مستقبل أمة يضيء
بالكرامة تنثره أربع كلمات؟ أي
قوة تعبير مجتمعي أقوى من هذه
الكلمات العربية التي تنبض في
قلوب كل شباب العرب الحريصين
على وطنهم الحر الكبير؟. الشعب يريد تغيير النظام. هذا الشعار
الفصيح الذي يرفعه كل مواطن
عربي من المحيط إلى الخليج،
ويلتقي على مضمونه كل حر عربي
أبيّ، إنه الشعار الذي لا يعادي
الحكومات العربية فقط، ولا
يحارب الفساد والمفسدين منهم،
ولا ينتقد القمع والممارسات
الوحشية، هذا الشعار يفتش عن
الحلول الجذرية لمشاكل العرب،
ومصائبهم، فهو لا يطالب بإسقاط
نظام واحد بعينه، في بلد
بعينها، ولا يطالب بتغيير
تجميلي، ولا تنظيف الشوارع من
قبح الظالمين، هذا الشعار يطالب
بتغيير نظام الحكم من أساسه،
تغيير النظام العربي الذي نتج
عن اتفاقيات "سايكس بيكو"
في مطلع القرن الماضي بين
إنجلترا وفرنسا، والتي قضت
بتقسيم العرب إلى دويلات، ومزقت
شملهم إلى شعوب وقبائل. لقد التقت الشعوب العربية على أربع
كلمات، واتفق العرب الذين راهنت
إسرائيل على أنهم لن يتفقوا،
اتفق العرب جميعهم على جملة
اسمية مفيدة من أربع كلمات،
تقول: الشعب يريد تغيير النظام.
جملة ترددها شفاه الصبايا
النقية، وتجهر فيها حناجر
الشباب الأبية، جملة عربية
تفهمها رجال العرب الذين
أوجعتهم المذلة، وأحرق قلوبهم
الهوان العربي، وهم يرون دويلة
الصهاينة الأقزام تدوس على
أنوفهم، وهم يرون إسرائيل تحطم
جماجمهم، وهم يرون اليهود
يتحكمون في مصيرهم، ويقاسمونهم
رزقهم، ويحبسون رواتبهم،
ويحصون أنفاسهم، ويرفعون
الوضيع منهم، فغضب العرب
لكرامتهم، وثاروا لإسلامهم،
وانتفضوا لأمجادهم، وانطلقوا
يسحقون الطغاة، وهم يرددون:
الشعب يريد تغيير النظام. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |