ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 01/02/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

أوروبا والحدث التونسي

بين استمرارية الثوابت ومفعول المتغيرات

نبيل شبيب

"يتخذ الاتحاد الأوروبي حاليا عددا من الإجراءات من أجل مساعدة تونس في التحول إلى الديمقراطية مع العمل في الوقت نفسه من أجل تخفيف المشكلات الاجتماعية فيها، وتشمل هذه الإجراءات دعم الانتخابات والتعاون المالي ودعم استقلالية القضاء".

من يقرأ هذه الكلمات الآن يظنّ أن الاتحاد الأوروبي أفاق من غفلته على وقع هدير الثائرين في تونس، وقرّر تصحيح سياساته تجاه تونس على الأقل، ولكن لم تصدر هذه الكلمات عن الاتحاد الأوروبي "الآن" بل يوم 11/10/2005م، فالسياسة الأوروبية على أرض الواقع تجاه خمس سنوات مضت، هي ما يمثل التنفيذ العملي لمثل هذه الكلمات النظرية "المضيئة".

هل يمكن -رغم ذلك- الوثوق بكلمات أوروبية مشابهة بدأت تصدر الآن، بعد تردّد كبير، وبصياغة ديبلوماسية دقيقة، لتعلن الندم على مافات والعزم على التغيير فيما هو آت؟..

 

شهادة السياسة الأوروبية على نفسها

شهادتان من داخل الأجهزة الأوروبية يمكن الاعتماد عليهما في وصف السياسة الأوروبية تجاه تونس وأخواتها في الشمال الإفريقي على الأقل، ولا ينبغي أن يغيب المقتضى عن الأذهان في استشراف ما يمكن أن تمارسه السياسة الأوروبية في السنوات القادمة تجاه المنطقة نفسها.

الشهادة الأولى على لسان آلفارو دي فاسكوسيلوس، مدير معهد الدراسات الأمنية للاتحاد الأوروبي في باريس، والخبير في العلاقات الأوروبية مع الشمال الإفريقي من خلال عمله عبر عدة عقود على صعيد "العلاقات المتوسطية".. يقول:

"لقد ارتبط الاتحاد الأوروبي، ولا سيما الدول الأقرب جغرافيا، بنظام الرئيس التونسي بن علي زمنا طويلا، وبدا له أن الوضع القائم أضمن من أي تجربة ديمقراطية، والسبب العميق من وراء ذلك هو خوف الأوروبيين من أن يصل الإسلاميون إلى السلطة، فالأنظمة العربية الشمولية أقل سوءا في نظرهم.. ولكن عن أي إسلاميين نتحدث، ونحن نعلم أن حزب النهضة -وهو الحركة الإسلامية الأكبر في تونس- معتدل للغاية.. إن الإسلام السياسي لا يتمثل في تكتل واحد متجانس.. وبن علي لم يُلغ المعارضة الإسلامية فقط بل المعارضة العلمانية أيضا، وقد قضى على كل بذرة ديمقراطية في مهدها، وكان بذلك يدعم المتطرفين في الحصيلة.. لم يقتصر الأمر على فرنسا بل تعاونت الدول الأوروبية الشمالية مع بن علي أيضا، فيجب الإقرار بأن النموذج التونسي كما يوصف الجمعُ بين سيطرة شمولية وشيء من التطور الاقتصادي المستقل، كان هو النموذج المفضل لدى جميع الأوروبيين.. الاتحاد الأوروبي يركز في سياسة الجوار على الجانب الاقتصادي أكثر مما ينبغي، ولكن هنا أيضا يقيس بمعيارين، فيرى الديمقراطية شرطا يطالب به للاستقرار في روسيا البيضاء وأوكرانيا المجاورتين، بينما يخشى من ذلك في الشمال الإفريقي، بدعوى الخوف من الفوضى والإرهاب، هذه ازدواجية تشكل إهانة للتونسيين".

الشهادة الثانية على لسان باربارا لوخبيلر، النائبة من حزب الخضر في المجلس النيابي الأوروبي والخبيرة في شؤون حقوق الإنسان، وسبق أن عملت عشرة أعوام على رأس الفرع الألماني لمنظمة العفو الدولية. تقول جوابا على سؤال عما أعلنته المفوضية الأوروبية حديثا بصدد دعم الحركة الديمقراطية والثورة السلمية في تونس:

"نعم.. شريطة أن تنفذ مفوضية الاتحاد الأوروبية ما تقول حقا، ولكن سبق أن سمعنا مثل هذه الكلمات دون أن نرى أفعالا رغم انتهاك حقوق الإنسان ونفي المعارضين أو سجنهم، والمهم أن تبقى تونس الآن شريكا تجاريا أيضا، فسبعون في المائة من وارداتها وصادراتها يجري مع البلدان الأوروبية.. ولكن سبق أن شهدنا أن التجارة على أهميتها لم توصل إلى تحقيق الرفاه لكثير من السكان، فقد كان الفساد كبيرا في السلطات وفي عائلة بن علي، فينبغي عدم تكرار خطأ السكوت على ذلك، والسبب الثاني من وراء تردّد الأوروبيين عن انتقاد نظام الحكم في تونس كان اعتباره ضمانا للاستقرار بحربه على الإرهاب، وهذا ما استخدمتًه السلطة للقضاء على كل نقد داخلي. لا ينبغي أن يستمر الاتحاد الأوروبي على تجاهل ذلك، وهذا ما يسري على التعامل مع مسألة اللاجئين عبر تونس والبحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا.. لقد وضعت أوروبا خطة عمل عام 2005م لدعم التطوير الاقتصادي والاجتماعي في تونس مع دعم الديمقراطية واحترام الحقوق والحريات، ولكن لم تصنع شيئا وهي ترى ما يصنع بن علي وعائلته في استغلال البلد، وكيف تكرر انتخابه عام 2009م ديكتاتورا للمرة الخامسة".

ينبغي أن يكون واضحا في السؤال عن السياسات الأوروبية تجاه المنطقة العربية والإسلامية، أن ما يوصف بالانحياز لأنظمة استبدادية، أو ازدواجية في التعامل، أو تجاهل انتهاك حقوق الإنسان، أو اغتيال الحريات تحت عناوين ديمقراطية أو إرهابية.. جميع ذلك لم يكن نتيجة "جهل" بما يجري، وإنما نتيجة انبثاق السياسات الفعلية عن مزيج من أزمة أخلاق ومفعول المصالح، والسؤال الذي يجب طرحه: هل تصدر المواقف الجديدة بعد ثورة الشعب في تونس، عن منطلقات جديدة، أم تكرر نفسها بصور بديلة، ما دام ذلك المزيج هو مصدر الممارسات السياسية؟..

 

ثوابت سياسية أوروبية

علاوة على وجود سياسات قطرية أوروبية بمنطلقات قومية ذاتية، جعلت ساركوزي يحتضن بن علي وبيرليسكوني يحتضن القذافي على سبيل المثال، يجمع الخبراء السياسيون والإعلاميون في أوروبا على ذكر أربعة مرتكزات معتمدة رسميا في الاتحاد الأوروبي بمجموعه، على صعيد تحديد سياساته تجاه المنطقة العربية والإسلامية عموما، وبلدان الشمال الإفريقي تخصيصا، وهي:

ضمان مصادر الطاقة من نفط وغاز، مكافحة ما يوصف بالإرهاب، الحيلولة دون وصول الإسلاميين إلى السلطة، مكافحة تيار الهجرة من بلدان نامية إلى القارة الأوروبية.. ولهذه المرتكزات الأولوية على دعوات نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، مهما قيل رسميا بنقيض ذلك، وليس مجهولا كيف تراجعت تلك الدعوات بوضوح بعد التركيز عليها لفترة وجيزة، عندما ظهر عبر تحكيم إرادة الشعوب، كما حصل في انتخابات فلسطينية نزيهة أو في بعض جولات انتخابية عربية اخرى بقدر أقلّ من القيود، أن التيار الإسلامي يمكن أن يفوز بنسب عالية عبر صناديق الاقتراع!.

ويذكر الخبراء الأوروبيون مرتكزا خامسا ويعطونه الأولوية على ما سواه، فالسؤال عن الموقف الأوروبي المحتمل فيما لو تكرر الحدث التونسي في مصر مثلا، يجد جوابا واضحا: هذا أخطر من هذه المرتكزات الأربعة –المعتمدة رسميا في الاتحاد الأوروبي- فمن شأن ذلك أن يعرّض الوجود الإسرائيلي للخطر، فتجنب ذلك له الأولوية الأكبر والأرسخ، حتى في حالة تناقضه مع المصالح الأوروبية ذات العلاقة بتلك المرتكزات الأربعة نفسها، فكيف هو الحال مع مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي يأتي ذكرها في التصريحات الرسمية والبيانات، ولا تجد طريقها إلى التخطيط في ممارسة السياسة على أرض الواقع؟..

إن السؤال عن مستقبل السياسة الأوروبية بعد الحدث التونسي التاريخي –مع الأمل في أن يصل إلى الهدف الشعبي ولا يجري الالتفاف عليه- هو في جوهره السؤال ما إذا كان الاتحاد الأوروبي على استعداد فعلا لتغيير أولوياته على صعيد هذه المرتكزات الخمسة.. ولا يوجد حتى الآن ما يشير إلى ذلك من قريب أو بعيد، فالمزيج القائم بين الأزمة الأخلاقية سياسيا والمصالح الذاتية ماديا، أرسخ وأثبت من سواه، وجلّ ما يمكن توقعه، هو ما يتعلق بكيفية التعامل مع مجرى أحداث غير منتظرة، كما كان في تونس، ويخشى من وقوعه في سواها.ز ولكن دون التخلّي عن تلك الثوابت الأوروبية المعتمدة.

 

التعامل مع واقع تونسي جديد

ما يمكن صنعه لتغيير السياسات الأوروبية هو ما يمكن فرضه على أرض الواقع، وليس ما يمكن الاعتماد عليه من تصريحات ومواقف جديدة، تضع القديم في ثوب جديد.

ولا يحدث تغيير في السياسات الأوروبية بين ليلة وضحاها، أو نتيجة حدث من الأحداث المفاجئة، وهذا ما يفسّر العجز أو الامتناع عن اتخاذ موقف أوروبي واضح في المرحلة الأولى من ثورة الشعب في تونس، ناهيك عن غياب ذلك الموقف تجاه الأحداث المفاجئة في "يوم الغضب" في مصر.

الموقف الفرنسي الأوّل هو الأصدق تعبيرا عن السياسات الأوروبية، عندما عرضت وزيرة الخارجية الفرنسية آليوت ماري على بن علي المساعدة في التقنيات الأمنية لمواجهة الألوف من المتظاهرين.. بعد أن بلغت الأوروبيين أخبار سقوط العشرات منهم ضحية القمع الوحشي.

والموقف الأوروبي الثاني هو الأوضح تعبيرا عن المراوغات السياسية الأوروبية، عندما أعلنت مفوضة الشؤون الخارجية الأوروبية آشتون عن دعم الديمقراطية واحترام إرادة شعب تونس.. دون الإفصاح عن أي خطوة عملية على هذا الصعيد، ولكن مع استدراك له مغزاه –وتكرر عند تعديل الموقف الفرنسي على لسان ساركوزي أيضا- وهو أن يكون الانتقال إلى وضع سياسي جديد انتقالا سلميا، وهو ما يعني ألا يبلغ التغيير مستوى يجعله جذريا كما يريده شعب تونس، ولهذا جاء على لسان آشتون أيضا أن الاتحاد الأوروبي يدعم الإجراءات المعلن عنها بصدد حرية الرأي والتجمع، والمقصود ما أعلنت عنه الحكومة الانتقالية التي تشكلت من رموز نظام بن علي نفسه بعد فراره.

والموقف الأوروبي الثالث هو الأوضح تعبيرا عن الحرص على المصالح المادية عندما يكون الإجراء العملي الوحيد المتخذ بعد سقوط بن علي هو تجميد ما استولى عليه وأعوانه من ثروات أودعها في المصارف الأوروبية، فهي ما يراد تسليمه للحكومة التونسية التالية.. حرصا على استمرارية العلاقات الأوروبية-التونسية، وهو ما يمكن أن يرتبط بشروط واضحة بشأن السياسة التي سيستقر عليها أي وضع جديد في تونس.

ومن العسير بعد ذلك استبعاد التكهن بأن ظهور حركة مضادة داخل تونس، يحركها على الأرجح الحزب الذي اعتمد نظام بن علي عليه ولم يجر إلغاؤه أو تقييده، قد جاء بعد الاتصالات الغربية الأولى من خلال ممثلي الاتحاد الأوروبي داخل تونس، وكذلك من خلال زيارة المبعوث الأمريكي لها.

 

الوعي الشعبي هو الضمان

 

إن العنصر الحاسم في الجولة الثانية والحاسمة من ثورة الشعب في تونس هو مدى القدرة على استمراريتها على أساس الأهداف ذاتها التي اندلعت انطلاقا من التطلع إلى تحقيقها، ومحورها هو التغيير الجذري الذي لا يترك من آثار نظام استبدادي فاسد أية بقايا في صناعة معالم نظام جديد.

وإن الدور الأوروبي –والغربي عموما- في نطاق هذه الجولة الثانية هو الأهم من استشراف معالم السياسة الأوروبية المحتملة على المدى البعيد، فبعد التقاط الأنفاس في الدوائر السياسية الأوروبية والأمريكية إزاء "هول" المفاجأة أن ينطلق التغيير من حيث لم يحسب الغربيون –ولا المستبدون- حسابه، يبقى الهدف الحاسم هو العمل من أجل الحفاظ على أكبر قدر من المعطيات في وضع تونسي جديد، بما يسمح للمرتكزات أو الثوابت السياسية الغربية بالاستمرارية في تحديد نوعية العلاقات المستقبلية.

وبتعبير أوضح: سيسعى الأوروبيون لاستبقاء من يمكن استبقاؤه من رموز نظام حكم بن علي، ولتقييد الانتخابات الجديدة المحتّمة بأقصى ما يمكن صنعه تحت عنوان ديمقراطي شكلي، بحيث لا يصل التيار الإسلامي للسلطة أو حتى لموقع معارضة فعالة، ولدعم القوى الحزبية وغير الحزبية، العلمانية تخصيصا، التي يمكن الاعتماد عليها في مستقبل العلاقات الأوروبية-التونسية تحت العناوين القديمة للثوابت السياسية الأوروبية، ولا بأس بعد ذلك بالعمل على الحدّ من بعض مظاهر الفساد وممارساته، ومن أجل توزيع جزء من الثروات على الفئات المهمّشة اجتماعيا واقتصاديا، أو تحويل شعار تحكيم الإرادة الشعبية إلى شعار "استرضاء" فئات شعبية بالإغراءات المالية، في إطار جديد، يحمل مسحة من الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.. ويثبت مرتكزات جديدة لنظام قديم.

قد يتحقق ذلك.. ولكن لا يمكن أن يدوم، ففيه تكرار الوقوع في الخطأ الكبير الذي ارتكبه الاستبداد المحلي والدولي بشأن مدى تقدير ما يمكن أن تصنعه الإرادة الشعبية، وبقدر ما يقترن الوعي في تونس على المستوى الشعبي بما صنعته وتصنعه تلك الإرادة على أرض الواقع، يمكن أن يتحقق تغيير جذري شامل.. وآنذاك فقط يمكن أن نرصد تغييرا حقيقيا مستقبليا في السياسات الأوروبية والغربية تجاه تونس، وربما تجاه المنطقة العربية والإسلامية.

إن صناعة الشعوب بنفسها، لواقع جديد، على أسس قويمة، داخل حدود بلدانها، هي الشرط الأوّل لفرض احترام إرادتها والحذر من ممارسات عدوانية واستغلالية تجاهها تنطلق من القوى الدولية خارج الحدود، ولا يمكن لتلك الممارسات أن تفعل فعلها في الداخل، إلا اعتمادا على من يرتضي لنفسه أن يكون مرتكزا لها ومطية لتحقيق مآربها.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ