ثمة سؤال لم ينتبه كثيرون إلى أهميته بالرغم من أن الإجابة عليه ضرورة قصوى لتلمس آفاق مرحلة المخاض التي يعيشها العالم العربي الآن: السؤال هو لماذا كانت فرحة المواطن العربي في كافة أرجاء الوطن العربي بتنحي مبارك تساوي ، إن لم تكن أكبر ، من فرحة المصريين أنفسهم؟ .

لا أعتقد أن أحدًا ما يجهل الإجابة على هذا السؤال ، فمبارك هو المسؤول - الأول إلى جانب كل ما حملته هتافات المحتجين من خطايا ارتكبها في حق شعبه على مدى ثلاثين عامًا - عن تحول العراق من مشروع نهضوي لدولة عربية فتية يحسب لها الحساب إقليميًا ودوليًا إلى دولة عربية هزيلة تخضع لسيطرة واشنطن وطهران بالتقاسم، أو بمعنى آخر ، المساهمة في صعود نجم الدولة الإيرانية التي أصبحت – وفق تصريحات قادة إسرائيل – إحدى القوى الإقليمية الثلاث التي تهيمن على المنطقة (إلى جانب إسرائيل وتركيا) ، مع الأخذ في الاعتبار أيضًا  تحويل مبارك مصر إلى دولة همها الأكبر عدم إغضاب إسرائيل ، وتقلص دورها العروبي والإقليمي إلى حد أن تنحصر مهمتها الأساس في محاولة الإفراج عن شاليط . هذا من جهة ، أما من الجهة الأخرى ، فلا أعتقد أن أحدًا ما يجهل دور مبارك في حرب غزة وحصار القطاع ، ودوره في تعطيل المصالحة الوطنية الفلسطينية عندما انحاز بشكل سافر إلى جانب إسرائيل والسلطة الفلسطينية ، وهو ما ينتظر من الأخ عمرو موسى الإفصاح عنه لتأكيد مصداقيته ، ودعم شعبيته عندما يصبح أبرز المؤشحين لمنصب رئيس مصر "الجديدة" . ويجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن إسرائيل بدأت حربها على غزة بعد أن تلقت كلمة السر من ليفني على إثر حصولها على الضوء الأخضر من مبارك خلال اجتماعها به في شرم الشيخ بشن تلك الحرب. كلمة السر كانت بالطبع : its enough..  مكررة ثلاث مرات. لذلك فإن الشعب الفلسطيني الذي وقف بكل جوانحه ومشاعره وضمائره مع ثورة الشعب المصري ينتظر من مصر "الجديدة" أن تبادر بفك الحصار على القطاع في أقرب وقت ممكن .

بعد ذلك لابد وأن يطرح السؤال التالي نفسه: ماذا يعني ذلك ؟ أعتقد أن ذلك يعني أن أي نظام مصري جديد ستتمخض عنه الأحداث التي شهدتها ولا تزال تشهدها المحروسة ، ينبغي أن يسعى إلى إعادة الدور العروبي لمصر الذي يعني الدفاع عن عروبة فلسطين ، ويقف بحزم إزاء انتهاكات إسرائيل لحقوق الشعب الفلسطيني والمخططات الإستيطانية الإسرائيلية ، ومخططات تهويد القدس ، والنظر إلى حماس ليس على أنها فصيل إرهابي ، وإنما على أنها فصيل فلسطيني معارض للسلطة ، لا ينبغي محاربته ، بل ينبغي إشراكه في الحكم ،  ، جريًا على كافة الأنظمة الديمقراطية في العالم ، وأن العدل يقتضي أن تنظر السلطة الفلسطينية والنظام المصري الجديد إلى حماس مثلما ينظران إلى الأحزاب الإسرائيلية المتشددة ، علمًا بأن حماس لا ترتقي في تشددها إلى مستوى تطرف ليبرمان ونتنياهو وحتى ليفني صاحبة مشروع الدولة اليهودية.

أعتقد أن ما أعرضه هنا جدير باهتمام السلطة الفلسطينية لتصحيح رؤيتها ، وتجنب الزلازل السياسية التي بدأت مؤشراتها وتوابعها في الظهور بدءًا من تونس ومصر. وكنت أعتقد أن السلطة بدأت تستجيب للتحدي ، والاستفادة من دروس التغيير في المنطقة عندما أطيح بعريقات، إلا أنه – مع شديد الأسف- يبدو أن عباس وزمرته ما زالوا  يعيشون في بحور الوهم . فالدكتور فياض سيكلف بتشكيل وزارة جديدة أغلب أعضائها من الحزب الوطني (أقصد فتح) أيضًا ، وعريقات لم يختف من الحياة السياسية الفلسطينية ، لأنهم بصدد تدبير منصب جديد له يتلائم مع مواهبه ولقبه السابق (كبير المفاوضين) ، ودار عريقات ستظل تتمتع بالاستحواذ على المناصب الممتازة كسفراء وإعلاميين ومباركين.

يبقى موضوع الانتخابات المرتقبة في سبتمبر – هذا إذا ظلت السلطة موجودة حتى ذلك الحين - ومشكلة إدلاء فلسطينيو الخارج بأصواتهم . هنا لابد من التأكيد على ضرورة أن تشمل الانتخابات كل فلسطيني في الأرض المحتلة وخارجها ، ولا أحد يقول أن هنالك صعوبات . فالله يديم علينا نعمة الإنترنت ، ولا أعتقد أن فلسطين تخلو من شبابها النابهين والنابغين في هذا المجال ليصمموا برنامجًا  متكاملاً  للتصويت بنظام (أون لاين) ، بالتعاون مع جهات أجنبية متخصصة، بحيث يتيح هكذا برنامج  أخذ أصوات كافة أبناء الشعب الفلسطيني خارج مناطق السلطة الفلسطينية . وهنالك متسع من الوقت لتنفيذ هذا المشروع ودراسة متطلباته .

في النهاية أقول إن الشعب الفلسطيني له مطالب وحقوق – ينبغي أن يستجاب لها ، حتى لا تتحول تلك المطالب إلى ثورة عارمة لا أحد يضمن أنها ستكون بيضاء!.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها