ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 17/02/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

لا صوت يعلو فوق صوت الجائعين !!

أ . محمد سعيد الفطيسي

azzammohd@hotmail.com

         أتذكر وأنا أضع اللمسات الأخيرة على كتابي " فوق حاجز الصمت العربي " والذي صدر مع مطلع العام 2010م , ان العديد من الزملاء والأصدقاء كانوا يتساءلون عن سبب اختياري لهذا العنوان ؟ فهو عنوان لا يصلح لهذه المرحلة المخجلة التي تعيشها الشعوب العربية اليوم , بل وأكثر من ذلك أن فصلا بأكمله تحت عنوان " بشائر الأمل " كان موضع تساؤلات أكثر !! – فأي – أمل ممكن في شعوب لا زالت تعيش تحت وطأة الذل والخنوع والتبعية , وأكثر من ذلك أنها , وبالرغم من كل ذلك الأسى والهوان لا تزال مصرة على التسبيح والتهليل والتطبيل لجلاديها !؟   

         ولكن ما هي سوى أشهر فقط على صدور ذلك الكتاب , حتى ارتفع ذلك الصوت المبحوح بسرعة الصوت , بل وفوق حاجز الصمت , وكان ما كان في اللحظات الأخيرة لم يكن سوى اختلاجة الحياة الجديدة , لا سكرات الموت وصراعات الداء كما تصور ذلك الكثير من المحبطين والجهلة بحقيقة هذه الأمة الغالية , إنما كانت هي علائم الصحو واليقظة بعد النوم , وها هي الشعوب التي طالما وصمت بالجبن والخوف والتبعية تنتفض على نفسها وعلى عقدة خوفها , فتنفض من على هاماتها غبار عارها الذي طالما وصمت به , ليعلو صوت الحرية فوق سياط القمع .

         وبالصدفة وأنا افتح ذلك الكتاب اليوم , تقع عيني على الفقرة التالية , هذه الفقرة التي أحسست بداخلي أنها تمثل هذه المرحلة , وترسم ملامحها الجميلة الرائعة بدم الثوار والشهداء , : أيها الشرفاء المخلصين من أبناء هذه الأمة العظيمة الخالدة , لا تهنوا , ولا تحزنوا , ولا يساوركم الشك في انتصار عظيم قادم , أو تقطعوا الأمل في الغد المشرق الذي ينتظر أمتكم وينتظركم معها – فاني – والله لأشاهد بشائره آتية بإذن الله , فان لم تنالوا ثمرات ذلك اليوم , فليكن الحصاد لأبنائكم وأحفادكم من بعدكم , وحينها فقط سيعلم البعض أنهم قد فاتهم الكثير , وخسروا أكثر , وضيعوا على أنفسهم فرصة ان يكونوا مع المنتصرين في معركة النهاية , وان حقيقة ان الأرض تلفظ من أحشائها الخبث والغث قد تحقق فيهم , " هو الكون حي يحب الحياة , ويحتقر الميت مهما كبر , فلا الأفق يحضن ميت الطيور , ولا النحل يلثم ميت الزهر . ص 166 .

         وها نحن اليوم نكتب للتاريخ وللمستعمرين وللحكومات وللزعماء , ولكل الذين اعتقدوا ان العزة والكبرياء والأنفة قد غادرت الشعوب الى غير رجعة , ونقول لهم : ان الشعوب الإسلامية والبلاد العربية لا زالت حية وبخير , وان الوضع المخزي الذي عاشته لم يكن سوى وضع شاذ لا ينبغي ان يبقى يوما فضلا عن ان يبقى أعواما ,  وانه ( وان سبق في عهد من عهود التاريخ وبقي – ذلك الوضع المخزي – لمدة طويلة , فقد كان ذلك على غفلة من الأمة , أو على الرغم منها , ....... ولكنه خليق بان ينهار ويتداعى كلما استيقظ الوعي وهبت الأمة تحاسب نفسها وأفرادها ) .

         وإذا تعبر شعوبنا هذه المرحلة الاستثنائية في حياتها وحياة هذه الأمة العظيمة , كان من الضروري ان نراجع بعض مقومات تلك الصحوة وذلك النصر الخالد بإذن الله , وأول ما نود التنبيه إليه هو ضرورة الوعي بأهداف وشمولية مطالب هذه الصحوات , فلا يتم حصرها في مطالب شخصية أو حزبية أو طائفية , أو توجيه أهدافها الى مساعي ضيقة لا تتعدى رغيف الخبز وزيادة الرواتب والأجور أو توفير فرص العمل , فتستعمل أفواه الجائعين استعمال " قميص عثمان " في كل معركة تخوضها الشعب من اجل الحرية والديمقراطية والعدالة .  

         ( فحكام الدول الجائعة سوف يعلقون موضوع الديموقراطية , وموضوع الحرية , وحتى القضايا الوطنية والقومية , وعلى رأسها القضية العربية الفلسطينية – وحال إخوتهم المحتاجين الى دعمهم والوقوف معهم في العراق والسودان وغيرها من الدول العربية – الى حين حل قضية الجوع – والرواتب والعمل ... بل أنهم ربما عمقوا هذه القضية أكثر فأكثر حتى تكون بمثابة إعلاء وإبدال لقضية الحرية وقضية الديموقراطية .... فالشعار الذي كان يقول لا صوت يعلو فوق صوت المعركة , سيتحول الى ان يصبح : لا صوت يعلو فوق صوت الجائعين ..! ) .

         لذا فان شعوبنا اليوم بحاجة الى فهم أعمق لهذه المرحلة الانتقالية في حياتها , بحاجة الى التركيز والهدوء وعدم الاستعجال والانجراف والافتتان بما حققته , بل وأكثر من ذلك ان تفهم وتعي ما هي بحاجة إليه , فلا تكون ضعيفة الذاكرة وسريعة النسيان , فتنسى الحوادث القريبة والبعيدة , وتعود من جديد الى انتكاستها الماضية , فان أخوف ما يخاف على أي امة ويعرضها لكل خطر , ويجعلها فريسة للمنافقين , ولعبة للعابثين , كما يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي " رحمه الله " هو فقدان الوعي , وان لا تعقل الأمور ولا تضعها في مواضعها الصحيحة .

         نعم , هو الوعي , والارتقاء الى مستوى الحدث والقضية والهم , ما يجب ان نصل إليه في أهدافنا وغاياتنا ومطالبنا , لا ان نناظر تلك التضحيات الجسام التي كبدتنا مئات الشهداء , ببعض الحفنات من الخبز والدراهم , في مقابل ما هو اشمل واعم من تلك الأهداف والمطالب كالحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة وإحراق عشش الفساد المنتشرة في مسامات عالمنا العربي , فقد ولى هذا العهد الى غير رجعة , وأصبح غير قابل للبقاء والاستمرار في أي مكان وفي أي زمان ولا سبيل إلي عودته إلا إذا كانت الأمة مغلوبة على أمرها , أو مصابة في عقلها , أو فاقدة الوعي والشعور , أو ميتة النفس والروح .

         فمن المتوقع وطبقا لتلك المعادلة الخاسرة – أي – معادلة الخبز مقابل الديموقراطية , والدراهم في مقابل الحرية والعدالة , ان يتأخر وصول قطار الحرية وقطار الديموقراطية , وذلك نتيجة ارتفاع أصوات الأفواه الجائعة في الوطن العربي , والذي هو وشعوبه في غنى عن كل مساعدة ومنة وتفضل , وهو الذي كان يطعم الإمبراطورية الرومانية كلها من قمح سهول الشام وحدها في غابر الأيام , كما يقول ذلك الدكتور شاكر النابلسي في كتابه الزمن المالح , في حين ( ان أي بلد يحكمه نظام عاقل يجب ان يتفرغ لمشكلة الديموقراطية ومشكلة الحرية , قبل تفرغه لمشكلة الأفواه الجائعة , ذلك ان حل مشكلة الديموقراطية , ومشكلة الحرية في العالم الثالث , وفي العالم العربي بالذات من شانها ان تحل مشكلة الجوع رأسا , والعكس هو الخطأ ) .

ــــــــ

*باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية – رئيس تحرير صحيفة السياسي التابعة للمعهد العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ