ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 26/02/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

نُكْتَةٌ بَيْضَاء

بقلم: محمد عادل فارس

في كل ساعة، بل في كل دقيقة أو ثانية، قد ينكتُ في قلبك نكْتَةٌ بيضاء، أو نكتة سوداء.

ولا نريد من معنى النكتة ما درج عليه الناس مؤخراً من أن النكتة هي الفكاهة، إنما نريد معناها اللغوي، والذي جاء الحديث النبوي به.

قال الزمخشري في "أساس البلاغة": وكل نقطة من بياض في سواد، أو سواد في بياض، نكتة.

وقال الجوهري في "الصحاح": النكتة كالنقطة.

فهل تحب أن تتوالى النكات البيض على قلبك فيصبح أبيض مشرقاً، ممتلئاً بالإيمان، أم أنك تهمل وتتهاون حتى يصبح قلبك مظلماً؟!

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتةٌ سوداء في قلبه. فإن تاب ونَزَع واستغفر صُقِل منها، وإن زاد زادت حتى يغلَّف بها قلبه، فذلك الران الذي ذكر الله في كتابه: ((كلا، بل ران على قلوبهم))". رواه الترمذي، وصحَّحه، والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه، والحاكم.

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تُعْرَض الفتن على القلوب كالحصير، عُوداً عوداً. فأيُّ قلب أُشربَها نُكِتَ فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على قلب أبيضَ مثلِ الصفا، فلا تضرُّه فتنةٌ ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُرْبادّاً كالكوز مُجخِّياً، لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلا ما أُشرِبَ من هواه" رواه الإمامان أحمد ومسلم، وقد فسَّر أحد رواة هذا الحديث معنى "أسود مربادّاً" قال: شدة البياض في سواد، و"الكوز مجخياً" قال: منكوساً.

والفتن التي تُعرض على القلوب، منها ما يوقع صاحبه في معصية صغيرة أو شبهة، ومنها ما يكون خطيراً يوقع صاحبه في الكبائر، وقد يوقعه في الكفر. على أن القلب إذا استمرأ المعصية، ولو كانت صغيرة، واستهان بها، كان على خطر عظيم، هكذا: "فإن تاب ونَزَع واستغفر صُقل قلبه، وإن زاد زادت حتى يغلَّف قلبه، فذلك الران".

وعن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم ومحقَّرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يُهْلكْنَه". رواه أحمد.

ومما يزيد المعصية خطراً، ولو كانت هذه المعصية صغيرة في ذاتها، أن يستحلها صاحبها ويسوّغها لنفسه بمسوّغات زائفة. فهذا الاستحلال قد يوصل صاحبه إلى الكفر البواح، وذلك حسب وضوح المعصية ووضوح أدلتها، أو كما يعبّر علماء الأمة: أن يكون تحريم الأمر الذي استحلّه معلوماً من الدين بالضرورة، كمن يستحلّ أكل الربا، أو شرب الخمر، أو الغيبة، أو أكل أموال الناس بالباطل...

وننظر، إلى تقسيم الفتن، من زاوية أخرى، فنقول: إما أن تكون الفتن من باب الشبهات، أو تكون من باب الشهوات. فالشبهات تعني التباس الحق بالباطل، والصواب بالخطأ، فيحسب الباطل حقاً، والخطأ صواباً... فإذا فعل ذلك فقد يغوص في الباطل ويحسب أنه على حق، ويسلك المسلك الخاطئ ويحسب أنه على صواب، ويكون من ((الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً)). سورة الكهف: 104.

وأما الشهوات فتجعل صاحبها يضعف أمام مغريات المعصية: أليست النار قد حُفَّت بالشهوات؟!

وكثيراً ما تختلط الفتن، وتتداخل الشبهات بالشهوات، بل قد يغرق الفرد في المعصية، وينساق مع شهواته لكن الإيمان في قلبه ينغّص عليه استغراقه في الشهوات، فإما أن ينتصر فيه صوت الإيمان فيستغفر ويتوب، وإما أن يلجأ إلى حيلة نفسية يتخلص بها من تعذيب الضمير، ومن نداء الإيمان، فيسوغ لنفسه استباحة المعصية، بل قد يصل إلى درجة إنكار فكرة الحلال والحرام، والاستهزاء بها، أو إنكار الحساب والعقاب والجنة والنار، ويصبح ممن قال الله تعالى فيهم: ((بلى، من كَسَبَ سيئةً وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار، هم فيها خالدون)) سورة البقرة: 81.

وحتى يبقى المؤمن بعيداً عن ذلك الدرْك فليتذكّرْ حديث النكتة البيضاء، والنكتة السوداء، وإذا ضعُفت نفسه، أو زلَّتْ قدمه فوقع في معصية صغيرة أو كبيرة، فليندم سريعاً، ولْيستغفر، وليَتُب، وليعُدْ إلى رب كريم ودود غفور رحيم يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويفتح الباب لعودة المخطئين: ((والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم. ومن يغفر الذنوب إلا الله؟! ولم يُصرُّوا على ما فعلوا وهم يعلمون)). سورة آل عمران: 135.

فإذا فعل العبد ذلك نُكتَ في قلبه نكتة بيضاء، وهذه واحدة.

وأما الأخرى، فعلى المسيء والمخطئ أن يُتْبِع سيئَتَه حسنة ((إن الحسناتِ يُذهبْن السيئات. ذلك ذكرى للذاكرين)) سورة هود: 114، فالحسنة نكتةٌ بيضاء، وهي كشعلة المصباح تمحو الظلمة، وتجعل مكانها نوراً.

ولا ينبغي أن يتهاون في فعل أي حسنة، ما أمكن ذلك:

فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تَحْقِرَنَّ من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق" رواه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا نساء المسلمات، لا تحقِرَنَّ جارةٌ لجارتها ولو فِرْسِنَ شاة". رواه أحمد والبخاري ومسلم والترمذي. وفرسِنُ الشاة ظِلْفُها.

والأحاديث التي تبين صنوف الخير والمعروف، وتحضُّ عليها، كثيرة كثيرة. وكل خير ومعروف يفعله المؤمن، مهما بدا ضئيلاً، هو نكتةٌ بيضاء في قلبه.

بل إن من أعمال الخير ما يبدو في أعيننا ضئيلاً، وهو عند الله عظيم، لأن الله تعالى غني كريم، ولأنه سبحانه لا ينظر إلى صورنا وأجسامنا، ولكن ينظُر إلى قلوبنا وأعمالنا.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل يمشي بطريقٍ اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلبٌ يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلبُ من العطش مثلَ الذي كان بلغ بي. فنزل البئر فملأ خُفَّه ثم أمسكه بفيهِ، فسقى الكلب، فشكر الله له فغَفَر له. قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجراً؟ فقال: نعم، في كل ذات كبد رطبة أجر" متفق عليه.

أرأيت؟! سقى كلباً فغُفر له!.

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سبق درهم مئة ألف درهم!. قالوا: وكيف؟ قال: كان لرجل درهمان تصدَّق بأحدهما. وانطلق رجل إلى عُرْض ماله فأخذ منه مئة ألف درهم فتصدّق بها!" رواه النسائي.

ما قيمة الدرهم؟ وكيف يسبق مئة ألف درهم؟! إنه عمل القلب، وإنه عِلم الله بسخاء نفس صاحب الدرهمين إذ تصدق بنصف ماله، وإنه فضل الله وكرمه!.

وقال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة" رواه النسائي.

وهكذا نجد الحضَّ على الخير يأتي على لسان معلم الخير صلى الله عليه وسلم: كلمةٌ طيبة، وجه طليق، شق تمرة، سقاية كلب عطشان، تصدُّق بدرهم أو بفرسِن شاة...

وبعد هذا لا ينبغي لمسلم أن يسترسل في ارتكاب المعاصي فتتوالى النكات السود على قلبه فيُظلِم، ولا ينبغي أن يفوِّت على نفسه فعل أي خير، مهما بدا له ذلك الخير ضئيلاً، فإن كل خير يفعله ابتغاء وجه الله ينكُتُ في قلبه نكتةً بيضاء، فإذا توالت هذه النكات البيض مَحَتْ النكات السود، وجعلت القلب أبيض مشرقاً ناصعاً.

وهذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال الصالحة، فستكون فتنٌ كقِطَع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعَرَض من الدنيا". رواه مسلم.

=======================

ليبيا تصرخ: أين العدالة الدولية؟!!

حسام مقلد*

hmaq_71@hotmail.com

يتابع العالم عبر شاشات التلفزيون بحور الدم الليبي تهراق منذ أيام في شوارع طرابلس وبنغازي ومختلف المدن الليبية الأخرى، ويرى الناس في كل أرجاء المعمورة وحشية ونذالة وجبروت السفاح المجرم القذافي ونظامه الظالم الذي يدك المتظاهرين الليبيين العزَّل المسالمين بالطائرات والمدافع والدبابات، بل وحتى بقطع البحرية كما تناقلت بعض وكالات الأنباء إنها إذن حرب شاملة تدور رحاها برا وبحرا وجوا، يشنُّها على الشعب الليبي الأعزل نظام فاشي يحكمه ديكتاتور مجنون أقل ما يوصف به أنه طاغية حاقد على شعبه والعالم، ذو شخصية سيكوباتية غير سوية لديها نزعة سادية واضحة جدا، إضافة إلى كونه مصابا بجنون العظمة (البارانويا) كما ظهر جليا في خطابه الأخير!!

 

ورغم صور الجثث المتفحمة والأشلاء الممزقة والأعضاء المتناثرة التي تملأ وسائل الإعلام العالمية المختلفة، ورغم أصداء هذه الجرائم المروعة وغير الإنسانية التي ارتكبها السفَّاح القذافي، وهزت أرجاء الدنيا كلها أتت حتى الآن ردود الأفعال العربية والإسلامية والدولية باهتة باردة لا تتناسب أبدا وبحار الدم التي أغرق فيها هذا المجرم المعتوه شعبه الليبي الأعزل، فأين هي العدالة الدولية من هذه الجرائم الوحشية والمجازر البشعة التي يرتكبها تحت سمع وبصر العالم أجمع هذا الطاغية المجنون الجاثم على صدر ليبيا منذ نحو اثنين وأربعين عامًا؟!! أين هي الدول العربية الشقيقة وأنظمتها الرسمية المختلفة؟ بل أين الشعوب العربية من مأساة أشقائهم الليبيين؟! أين علماء العرب ومشايخهم ومثقفوهم ومفكروهم وفنانوهم؟! أين الملايين التي تُهيِّجُها مباراة لكرة القدم، وتثير حماستها متسابقةٌ تافهةٌ في برنامج تافه على شاكلة ستار أكاديمي؟! أين المنظمات الإقليمية: كالجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد الأفريقي؟! أين الأمم المتحدة والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة مما يفعله هذا المجنون الآثم بأبناء شعبه الأبرياء العزَّل؟! أين كل هؤلاء جميعا من جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها النظام الليبي الغاشم؟!

 

 أين المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية (لويس مورينو أوكامبو)؟! أليس هو المسؤول عن التحقيق والملاحقة القضائية لمرتكبي جرائم الحرب، وجرائم الإبادة الجماعية المرتكبة ضد الإنسانية؟! ألم يسمع بجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها المجرم القذافي بحق أبناء شعبه الأعزل؟! ألم يسمع عن سقوط نحو عشرة آلاف ليبي بين قتيل وجريح في خمسة أيام فقط من المظاهرات والاحتجاجات السلمية التي ينظمها الآلاف من شعبه مطالبين برحيله؟! ألم ير صور الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال؟! ألم يصدر (أوكامبو) مذكرة توقيف اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر البشير متهماً إياه "بتعبئة كل أجهزة الدولة السودانية بقصد ارتكاب جريمة إبادة جماعية في دارفور"؟! ألم يهيج (أوكامبو) المجتمع الدولي ضد البشير قائلا: إنه استخدم أسلحة "الترهيب، والاغتصاب، والتجويع" لارتكاب جرائمه ضد ملايين النازحين في دارفور؟!! كل هذا قاله (أوكامبو)عن مشكلة دار فور رغم معرفته التامة أن جوهر القضية هناك ليس إبادة جماعية، وإنما صراع بين جماعات انفصالية مسلحة وبين حكومة شرعية للسودان، فإذا سلمنا بأن دوافع (أوكامبو) ليست سياسية وأنه إنما يؤدي دوره فقط في حماية الإنسانية في دارفور، فأين دوره في حماية الإنسانية في ليبيا؟! ما رأيه في كل هذه الجرائم البشعة التي يرتكبها مجرم الحرب القذافي؟! هل يبيح القانون الدولي ضرب رئيس لشعبه الأعزل بالطائرات والدبابات والعربات المصفحة ومختلف الأسلحة بما فيها القنابل المحرمة دوليا؟! أيسمح العالم في القرن الحادي والعشرين بارتكاب مثل هذه المجازر البشعة لمدنيين أبرياء عزَّل من السلاح كل جريمتهم أنهم تظاهروا ضد القمع والبطش والجبروت وانتهاك حقوق الإنسان وإهدار الحريات العامة؟! أليس التظاهر السلمي حق أصيل لجميع الشعوب بموجب نصوص مواثيق حقوق الإنسان العالمية؟! هل يقبل العالم كل هذه الجرائم الفظيعة التي ارتكبها القذافي بحق شعبه لمجرد الحرص على النفط الليبي والحفاظ على المصالح الغربية مع هذا السفاح؟! لقد صدع الغرب رؤوسنا دائما بالحديث عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بل وحتى حقوق الحيوان، ولا ينسى كبار ساسته أن يذكرونا في كل مناسبة بما يسمونه مأساة الأسير الإسرائيلي المدعو شاليط الذي تحتجزه حماس، في حين يتناسون تماما المأساة الحقيقية لنحو أحد عشر ألف أسير فلسطيني تعتقلهم إسرائيل في سجونها!! فهل تكون القضية الليبية نموذجا آخر للكيل بمكيالين والتمييز الذي يمارسه الغرب والمجتمع الدولي كله ضد العرب والمسلمين في جميع أنحاء الدنيا؟! وهل يقدر حكماء العالم ومفكروه وساسته خطورة هذه المواقف غير العادلة وغير المسئولة على الأمن والسلم العالمي؟!!

ونؤكد هنا على عظمة الإسلام الخالد الذي حرَّم قتل النفس البشرية إلا بالحق، قال تعالى: "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" [المائدة : 32] وقال سبحانه: "وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا" [الإسراء : 33] كما يحرص الإسلام كل الحرص على تحقيق العدل بين الناس جميعا، ويحث أتباعه على قول الحق دائما، وإنصاف المظلومين، والحكم بين الناس بالعدل، قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ" [النساء:135] وقال عز اسمه: "وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ" [البقرة:123] وقال سبحانه: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا" [النساء:58] وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا، ومنشطنا ومكرهنا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالعدل أين كنا، لا نخاف في الله لومة لائم" (رواه النسائي، وصححه الألباني).

وختاما أسأل الله تعالى أن يحقن دماء الشعب الليبي، ويحفظ أبناءه: كبارهم وصغارهم، رجالهم ونساءهم، شبابهم وأطفالهم، كما أسأله عز وجل أن يصون وطنهم من كل شر، ويحميهم ويعصمهم من كل فتن القذافي السفاح المجرم الذي لا يرقب في ليبي ولا في أي إنسان...!! إلًّا ولا ذمة، "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" [يوسف : 21].

* كاتب إسلامي مصري.

======================

نظم إبادة الدولة والأوطان (( ليبيا المثال الصارخ))

جلال / عقاب يحيى - الجزائر

1

(( المضحك المبكي في الحالة الليبية))

 سنوات طويلة بعمر عقود حكم القذافي و(ثورته) الخارقة، وفصوله الغرائبية الأشبه بالمقالب المسرحية المضحكة المبكية وعشرات الأسئلة تتهاطل على رأس المهتمين بالوضع الليبي، والحريصين على هذا البلد العربي العريق وما صار له : كيف يمكن لمثل القذافي أن يحكم بلداً لأزيد من أربعة عقود ؟؟ .

وأي شعب هذا(أشقاؤنا) الذين صبروا وكابدوا وتحملوا، وربما فرطت مرارتهم ؟؟.. وأين هم من أطنان الشعارات الطنانة؟؟، والمناورات الالتفافية؟؟، وتناوب هلوسات الجنون التي جعلت من (قائد الثورة) ماركة مسجلة تستجلب التندر والسخرية، والرثاء، والبكاء ؟؟..

ولأننا كلنا في همّ الاستبداد، وآلته الجهنمية المدمّرة عرب، كان كثيرنا يصمت، فالحال من بعضه، وهلوسات(الأخ معمر) ليست أغرب من ممارسات أشقائه حكام الاستبداد الذين انتفخت أوداج ذاتيتهم حتى المرض، فاختزلوا الوطن بهم، وصارت الدولة هم، ناهيك عن قناطير أوصاف التبجيل، والنفخ والتكبير، حتى تعددت أنواع الهلوسات واسترطنت فانتقلت إلى الأولاد والأخوة والأصهار والعائلة، وتسابقوا في مماثلة نظم الملكية فبزّوها وتفوّقوا عليها بالكثير(وهذا بعض فيض إبداعهم، وندرة وجود أمثالهم) .

 أذكر مرة في بغداد، وكنا نحضر"مؤتمر القوى الشعبية" أن التقينا بالشاعر السوداني الشهير(محمد الفيتوري) الذي عمل طويلاً مع(الأخ القائد)، وعيّن سفيراً لليبيا، فسألته عن تقييمه لتلك الشخصية الغرائبية، وقد فهم القصد، فأجاب، بحضور عدد من الأخوة :

(( أن الرجل يجمع الذكاء الحاد بأخلاق عاهرة، وروحية ممثل مسرحي))..

واستمر رغم ذلك رابضاً على صدر وأقدار ليبيا .. والبعض من القوميين المنتفعين، والمرتزقين يكثرون النفخ بمواقفه، وما يقوم به، وبما ينجزه.. حتى خلنا أن ليبيا، البلد الصغير بسكانه، الكبير بمساحته، الذي يعوم فوق بحار نفطية وثروة غازية عملاقة (يبني) تجربة خاصة، وعلى الأقل يكون نظام الثورة قد نقلها من (البداوة) إلى العصر الحديث.. هذا لو صدّقنا نزراً يسيراً من شعارات القذافي الفيّاضة، وخطبه الطويلة، الكثيرة، ومواقفه وأقواله، وجماهيرته العظمى، وكتابه الأخضرّ الذي لم (يبرشّ)، أو يهترئ رغم الزمن، وشقلبة الدنيا ومتغيرات عالمنا العاصفة !!! ..

كنا ندرك أن القاع صفصفٌ، وأن الاستبداد يستحيل أن يبني أوطاناً، أو يحرر عقولاً، وطاقات، وأن الشعارات، والكلمات كلما كبرت وتقيّأت كلما عبّرت عن مكنون عكسي..

لكنني لم أكن أدرك هذا الدرك الذي عليه أوضاع ليبيا، ولا هذا المستوى المتدني لحاكمها وابنه (العقل المستنير)، وإن لم يفاجآنا بدمويتهما ونرجسيتهما وقابلياتهما المفتوحة على إبادة الشعب الليبي، وتدمير البلد : أليس الشعب مجرد جرذان، وجراثيم مجرثمة، وعناصر مأجورة، ومتخلفة، وعميلة، وقبلية ما قبل القبائل ؟؟..وأنه لا وجود ولا مصير ولا مستقبل لها إن غابت لحظة واحدة بركات الزعيم وأقواله الخالدة، وتصرفاته الشاردة .

أليست ليبيا الماضي والحاضر والغد (طابو) للزعيم القائد وأنجاله الأفذاذ، وعائلته وبعض حاشيته.. فكيف للشعب أن يرفض نعم الثورة والقائد( المجد أبو الأمجاد) !!! ..وكيف يثور وهو الذي أوجده(قالها الابن وكررها الأب بكل صفاقة وعنجهية) .

 ****

لقد سوّق النظام وأبواقه لسنوات(سيف الإسلام) أنه المغاير، المختلف، العصري، المنفتح، الليبرالي، صاحب فكر إصلاحي يحارب لنقل ليبيا إلى وضع آخر، فلفّ حوله كثير الشباب وإذ بالعملية كلها لا تعدو توزيع أدوار، وإذ ب(الشبل من ذاك الغضنفر)، بله لعله النسخة الأسوأ الذي لم يتقن أفانين اللعبة، وإخراج الدور كما يليق بمن صنّعه .

وإذ ب"المتفتح" العصري ما قبل قبلي، يعوم في الدم، والفوقية، والعنجهية، والذات المريضة، وكأن العائلة وزّعت الأدوار بين الأبناء حتى إذا ما اقتلعت الثورة الغشاء الرقيق ظهر الجوهر : فرخاً استبدادياً رضع حليب الغطرسة، وتغذّى بقهر الشعب، وتعليبه، والاستقواء عليه بطريقة فاحشة .

لكن الأهم أن الأب وأباه يكشفان بكل فجاجتهما أنه لا توجد دولة ولا ما يحزنون في ليبيا، بل ولا ما يسمى بنظام من أي لون، وأن وضع البلد أكثر سوءاً وتفككاً عمّا كان عليه قبل (ثورة الفاتح العظيمة).. فالقبائل هي الفاصل والفاعل، وروح الانفصال هي الورقة التي يلوّح بها المذعوران.. ناهيك عن ذلك الكمّ من الاستهتار والاستخفاف بالشعب، والشعب المسلح جرذان يحتاجون مرتزقة للتأديب .

ولعل أطرف الطرف في زعيق الزعيم استشهاده بعدد من مواد دستور الملكية (التي ثار عليها عقوداً)، بما يؤكد أن (الجماهيرية العظمى) ليس بها دستور ولا قانون.. سوى تعليماته صاحب السلطات المطلقة الذي لا يخجل وهو يكرر أنه مجرد شخص عادي بلا منصب ولا مسكن، ولا قرار ، وأن الثائر الكبير يعود (للدفاتر العتيقة) التي ادعى ملايين المرّات أنه مزّقها في بيان الثورة، وفي إبداعاته واخضرار كتابه وراياته( للمناسبة وكشيء ذو دلالة كبيرة أن علم الجماهيرية العظمى علمه لم يرفع أبداً في أي تظاهرة، وأن علم ليبيا السابق للمرحلة الملكية هو الذي يشكل راية التوحيد)..

لن نقف عند سيل التهديدات بالمحق والسحق وأنهار الدماء، وإقران القول بالفعل، لأن ذلك ليس بغريب على الفاشية، فكيف إذا ما كانت وصلت حدّ المرض المتفاقم، ومن لدن معتوه اختلطت عليه الأمور فزاغت بصيرته، وتفرّقعت عبقريته بفعل أولئك(البسطاء) الذين أوصلوه بصدورهم العارية إلى الانهيار الذي تقرع أجراسه جماهير ليبيا البطلة وهي تعلن شعارها الكبير : النصر أو الشهادة ..

 2

ومع هذا المضحك، المبكي، الدامي للحال الليبية، وخصوصية(زعيمها الأوحد) وفصوله، وتقلّباته، فإن المشترك العام مع أشقائه(نظم الاستبداد) يتلخّص في تدمير الدولة والمواطنية . في تقزيم الأوطان وتفصيلها على قدّ الهلوسات والمزاج المتقلّب، والأنا المتورّمة، وفي القابلية المفتوحة لإقامة المجازر الجماعية، (وحماة تحضر بقوة، ومثلها مجزرة سجن تدمر، ومجازر حلب وجسر الشغور، وإدلب، وأقبية الموت، وسجون التصفية والقتل المباشر والبطيء) .

لقد دمّر الاستبداد أسس الدولة التي كانت نوياتها قائمة قبلهم، وبدلاً من أن تنهض دولة عصرية بمؤسسات مستقلة تفصل بينها وبين النظام الحاكم، العابر، وفي استقلالية السلطة التشريعية عن التنفيذية، واستقلال القضاء، كما تقول مكرورات شعاراتهم المتقيّئة، فقد أبادوا السابق وأقاموا ممالك الرعب، والموت، والقتل المتنقل . ألغوا الدولة واستبدلوها بالفرد القائد، صاحب الصلاحيات المطلقة، وقزّموا الوطن وهصروه، وعصروه حتى يدخل قمقمهم رابطين بينهم وبين الوطن، ناهيك عن الدمج المريع بين السلطات، وتضخّم ذواتهم إلى درجة الغباء العاجز عن قراءة حركة التاريخ، وخطّ الحياة، فرقدوا عقوداً على فواحش أجهزة القوة والفتك، وإخضاع الشعب ودوس كرامته، وحقوقه، والمواطنية، والعدالة بأبسط صورها .

الاستبداد المريض أكل الأخضر واليابس في دنيا العرب . جال وصال وقحاً، مستفشراً، يشهر عضلات القوة والفتك . يعلّق المشانق للحرية، ولكل هبّة ريح مخالفة، ويرغم الشعوب على الدخول في زجاج الخنق والمحق والسحق.. وما زال يدافع عن حصونه الأخيرة رافضاً الاعتراف بحقيقة الحقائق : أن الشعب يثور، وان الشعب يهدّم جدران الرعب، ويمزق قيود الخوف، وها هو يكتشفهم مسعورين، منخورين، أقلية ترفضهم حتى المزابل .

الاستبداد العربي، خاصة من ارتدى منه جبّة الجمهوريات، والثورية الملفوحة بالكلمات الكبيرة، والثروات الأكبر المنهوبة(للأسف الشديد) يحفر قبره بيديه، لكنه يرفض الانصياع لإرادة التاريخ، وهو يعلن عن طبيعته الإجرامية : أنه مستعد لإقامة المذابح الجماعية، وإبادة الشعب، وأن (العاقل) فيهم من ترغمه قوة الثورة، وموقف الجيش الوطني على الفرار، أو الاستقالة(بعد قتل المئات، واستنفاذ الوسائل)، بينما مجنون ليبيا(يعلن الزحف العظيم) بمرتزقة يملأ بطونهم، ويفلت وحشيتهم وعنفهم بمال الشعب، وهو يأمل أن يعود الزعيم الواحد الأحد .. كيف لا وليبيا(لا وجود لها بدونه وأولاده الأفذاذ) !!! .

 3

ليبيا الشعارات الكبيرة، وليبيا الاتهامات المعلّبة للخصوم، وليبيا التهديد والوعيد .. ظهرت أنها ليبيا الكمشة المتحكّمة المختلفة عن ليبيا الشعب، وليبيا التوق للحرية والانعتاق والتخلص من هذا النظام الأخطبوط . هذا السرطان الخطير .

الليبيون الفرحون بثورتهم العارمة، المتفاجئون باستجابة الشعب لها(كما الحال في تونس ومصر) يدركون أن ثمن الحرية غالٍ، وأنهم يواجهون قلعة استبدادية بلغ فيها جنون الدموية حدود الإبادة، ومع ذلك يواصلون الثورة والمجابهة بصدور عارية، مظهرين كل يوم مفاجآت خارقة عن شجاعة هذا الشعب الأبيّ، وعن عدد مثقفيه الذين كسّروا القمقم وانعتقوا، ومخزون العقود الباحث عن فضاء آخر لا مكان فيه لزجاجات التعليب، وسراديب التصفية والتعذيب المميت، وإذ بنا نكتشف الوجه الحقيقي لليبيا. الوجه العروبي، الحداثي التوّاق للحرية، وإقامة دولة الحريات العامة لليبيا الموحّدة، حيث المساواة بين جميع مكوّناتها وأطيافها، والإقرار بتداول السلطة، واللجوء إلى صناديق الاقتراع خياراً، وطريقاً .

المصاعب كبيرة، والتضحيات أكبر، لكن شعب ليبيا الذي يكتشف نفسه، ويكتشف أنه ولأكثر من أربعين عاماً لم يكن يعيش، ولم يعرف الدولة، ولا المؤسسات(ناهيك عن كل النواقص الأخرى) يقرر بعزيمة من يتصدى لأعتى نظم الاستبداد والفاشية أنه مقبل على عمل عظيم، وأن التاريخ ينتظره ليسجل فيه صفحاته المشرقة بعد أن غاب، وغيّب طوال تلك العقود .

 4

(نظامنا) العتيد حاول طيّ صفحة الثورة المصرية العظيمة باختصارها فيما يرغب، وعندما تبيّن له أن أبعاد الثورة، ومنجزاتها العملاقة(بغض النظر عمّا تواجهه مرحلة اصطراع القوى، ومحاولات القوى المضادّة والوسطية) تتجاوز الاختصار لتصبّ في نهر الحرّيات العامة، وانعتاق الشعب وهو يرفع رأسه عالياً (ويحق له أن يرفعها عنان السماء)، وهدم قلعة الاستبداد والفساد، لتكون مصر القاطرة والمدحلة . المثال والمحرّض .

ولأن نظم الاستبداد المريض بعنجهية الذات والقوة لا تريد أن تعترف بأنها معنية(كحال زعيم ليبيا تماماً) "يكتشف" شعبنا "شعبوية" من النوع الخارق للرئيس، وكأنها كانت مخبوءة خلف أسوار التحوّط والإعداد المكين لليوم الموعود، وإذ بها تنفجر دفعة واحدة، وتسوّق بقوة جنباً إلى جنب(كرمه الحاتمي)، و(عطاياه) المتتالية ليحكي الشارع السوري أياماً وأياماً عن جولات الرئيس بسيارته الخاصة، وشعبيته النادرة وهو يرتاد المطاعم الشعبية، ويأكل الفلافل، وما تيسّر.. والقادم أحلى .

رئيس النظام، بله النظام برمته، يأبى الاعتراف بالزلزال العربي المتنقل، وهو يضخّ كل يوم المزيد من زبد المكرور عن الاختلاف، والموقع، والممانعة، والالتصاق بالشعب.. إلى درجة أن الشعب السوري لم يعد ينقصه شيء سوى أن يقال له أن حرب تحرير الجولان قد بدأت، وأن الوطني يعلو على كل شيء(لا صوت يعلو فوق صوت المعركة)، وأننا في خير حال ولا ينقصنا سوى مشاهدة الطلعة البهيّة للرئيس الشاب وهو يركب سيارته كأي شعبي معترّ، أو عادي ...وأن الموج لن يصل لأن بلدنا الحبيب بلا بحار وشطئان، وبلا إرادة وصوت وحراك، وحقوق شعب عريق كان في مقدمة شعوب الأمة، وأول بلد انتزع استقلاله وأقام تجربة ديمقراطية متقدمة.. هي في طيّات التاريخ، لأن(الديمقراطية الشعبية) التي يقودها"الحزب القائد" وفوقه القائد، صاحب الصلاحيات مترجمة في الواقع، والدليل وجود"جبهة وطنية تقدمية" لا تعرف الشيخوخة والبيات والموت، وتفريخ التوريث مورثات المفروض، والمثال، بدليل أن" الحزب الشيوعي" (جناح يوسف فيصل قد استفاق أخيراً وطالب بواجب وضرورة إجراء بعض الإصلاحات خوفاً من (بلل) ثورة الشارع العربي(فبوركت أيها الحزب الذي استفاق ولو لحين) !!! ، وتذكّرت، ولو بخجل يبللك أن استمرار النظام الفريد يحتاج حقناً للإنعاش والتقوية..

 لكن، ومع كل الاستنفار الأمني، وإعداد الخطط المسبقة لما قد يحصل للبطش به فوراً، وما يقال عن الاستنجاد ب"الحرس الثوري الإيراني"، وبعناصر من " حزب الله" ..

ومع معرفتنا الأكيدة باللوحة السورية ومظهرها الذي قد يخادع، ويخوّف الكثيرين، فإن الاحتقان لا بدّ أن يجد مخارجه، الآن أو غداً، خاصة وأن النظام ما زال مصرّاً على رفض الآخر، والاعتراف بما يجري في ميادين الوطن العربي وأسبابه العميقة، وعلى القيام بالحدّ الأدنى من الخطوات التي يمكن أن تشكل مدخلاً لمصالحة تفتح الطريق لنظام ديمقراطي حقيقي يقرر فيه الشعب(وليس غيره) شكله، وماهيته، وأدواته، وممثليه، ورئيسه .

 الحالة الليبية كانت مفاجأة لمسلسل التغيير لتشابهها، في وجوه كثيرة مع الحالة السورية، لكن الشعب الليبي أحدث المفاجأة، ووضع الشعب السوري أمام تحديات مباشرة، بل وأمام حلم تحقيق ممكنه عندما يقرر الشعب ويعزم، وعندها سيكون الأوان قد فات على خطابات التراجع والاستجابة، مثلما سيكون الوقت قد مضى على حسم القوة، لأن الشعب هو الأقوى والأبقى، وهو القادر على الصمود والثبات حتى تحقيق النصر على الطغاة، وانتزاع حقوقه الطبيعية التي حُرم منها عقوداً مديدة . .

 بقي أن نقول للمتخوّفين من حروب أهلية(كما يروّج زعيم ليبيا المنهار، ويعمل لها).. أن شعبنا السوري بكل مكوّناته، وأطيافه السياسية، ومذاهبه، وإثنياته متجاوز بمسافات كبيرة هذا الإرث التخلفي، وأنه يعي جيداً كيف يصون ويطور وحدته الوطنية، وكيف يرتقي بها بمزيد من التفاعل والغنى والإبداع.. وأن رفاقنا، وأخوتنا، وشبابنا شعلة الأمل، وأدوات التغيير الفعلي، في جميع المذاهب والقوى سيكونون في مقدم ركب التغيير، وفي أساسه، ولحمته وبناه . ذلك لا شكّ فيه .

شعب ليبيا العظيم ينبض فينا قوة الإيمان بقدرة شعوبنا، فيلهمنا الاقتداء .

==========================

ثمن الركون للذلّ أكبر من ثمن الثورة على الظلم

مع الانحناء حياءً وإجلالا بين يدي ضحايا الثائرين

نبيل شبيب

أعترف أنّني كنت أفهم فهما قاصرا قول الله عز وجلّ {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثمّ لا تُنصرون} –هود:115-

كنت أفهم فهما قاصرا قول الله تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّة واعلموا أنّ الله شديد العقاب} -الأنفال: 20-

كنت أفهم فهما قاصرا معنى الصبر وأين يكون وكيف يكون، ومعنى المرابطة في الجهاد –ومن أعظم صور الجهاد وممارسته كلمة حق عند سلطان جائر- وقد جمع بين الصبر والمصابرة والمرابطة قوله جلّ وعلا: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} –آل عمران:200-

ثم كان في ثورات الشعوب في تونس ومصر وليبيا –وأخواتها- ما علّمني الكثير، حول معاني هذه الآيات وسواها.

 

الثائرون المطمئنون

بعد خطاب القذافي الأخير –أقول الأخير.. ليقيني بحتمية نهايته قبل إلقاء خطاب آخر- اتصلت بأخ صديق من ليبيا، أعرفه منذ عقود، وأعرف كيف حُرم من موطنه لعقود، وما عانى في الغربة وما عانت عائلته وعائلة زوجه في طرابلس من الحكم الاستبدادي الفاسد وأفاعيله، وكنت أريد أن أطمئن عليهما، وأخفف بعض القلق الذي قدّرتُه لديهما، بعيدا عن الأهل والأحباب في موطنهما بليبيا، وهما يتابعان الوعيد والتهديد العلني على لسان القذافي بالبطش والتقتيل، ويعايشان ما سبق من بطش همجي وتقتيل فاحش.. وفوجئت باطمئنانه العميق، وبما حدّثني به عن اطمئنان أهله أيضا وهو يحدّثهم هاتفيا عن بعد ويسمع أصوات طلقات الرصاص على جدران المنازل، وعن اطمئنان من يعرفون حولهم من أهل طرابلس، اطمئنانا لا يدفع فقط إلى الإكبار والإجلال، بل يدفع أيضا للدعوة إلى تخفيف المبالغات الإعلامية في نقل صور تعبّر عن الفزع والمخاوف والاستغاثات.. وإن كانت جميعا مفهومة في هذه الساعات أو الأيام الأخيرة من عمر الاستبداد في بلدهم، مع حرصه على ألاّ يسقط إلاّ في بحر من الدماء، ومفهومة أيضا بمنظور أنّ الهدف من نشر تلك الصور هو محاولة إحياء الموتى ممّن يتردّد من المسؤولين حتى الآن عن قول كلمة حق، كالتي يصدح بها أهل ليبيا: كفى استبدادا وإجراما!..

لا ينبغي أن يطغى تصوير الفزع بقدر مفهوم، على تصوير البطولات التاريخية الجليلة والنفوس الأبيّة المستعلية لدى الشعوب الحيّة الثائرة.. وليس هذا بقدر "محدود مفهوم" بل لم يعد له حدود.

وقد أبديت لأخي وصديقي في ثنايا الحديث بعض الدهشة لاطمئنانه رغم معرفتي به، فقال لي كلمة تركت لدي أعمق الأثر: إنّ ثمن الركون للذلّ أكبر من ثمن الثورة على الظلم.

 

 

المستبدون يتساقطون

إنّنا لنشهد في هذه الساعات التاريخية من حياة الأمّة بين حقبتين.. كيف تتهاوى قلاع الاستبداد وحصونه كما لو أنها من رمال تذوب في مياه أمواج ساحل بحر ممتدّ إلى الأفق البعيد..

23 سنة من الاستبداد الإجرامي في تونس سقطت تحت أقدام شعب تونس الثائر في 21 يوما..

30 سنة من الاستبداد الإجرامي في مصر سقطت تحت أقدام شعب مصر الثائر في 18 يوما..

42 سنة من الاستبداد الإجرامي في ليبيا أكاد أجزم بحتمية نهايتها تحت أقدام شعب ليبيا الثائر قبل انقضاء 15 يوما على اندلاع ثورته..

ليت من بقي من المستبدّين يستشرفون بأنفسهم عدد الأيام التي سيستغرقها إسقاطهم هالكين راغمين، بعد سنوات الاستبداد والإجرام بحق الشعوب في البلدان التي يسيطرون عليها!..

 

التضحيات الغالية

لا ريب ولا جدال.. في أنّ كل قطرة دم من أيّ شهيد أو شهيدة في تونس أغلى على قلب المؤمن وعند كل إنسان ذي وجدان حيّ، من تراب تونس كلّه، ومن كل ما جمعته خزائن قارون تونس من ثروات مسروقة..

كل قطرة دم من شهيد أو شهيدة في مصر أغلى من أهرامات مصر ونيلها، ومن جميع الحسابات المصرفية التي تكدّست فيها الثروات المسروقة من أهل مصر على امتداد عقود وعقود..

كل قطرة دم من شهيد أو شهيدة في ليبيا أغلى من كل خيمة وبيت ودار ومصنع وأنابيب نفط وما يجري عبرها إلى مصانع العالم وأجهزة التدفئة في بيوت ساكنيه..

كل نبضة من نبضات قلب مكلوم من قلوب الأرامل واليتامى والأيامى.. كل أنّة ألم على شفاه الجرحى والمصابين وذوي الضحايا.. كل نظرة خوف في عيون الأطفال ونظرة إشفاق في عيون الناظرين إليهم من أمهاتهم وآبائهم، أغلى من ثروات الأرض كلّها..

وإنّ قلوب المخلصين لتنبض بالألم وأعينهم تدمع باللهب، وإنّ أفئدتهم تخفق بالأسى أن يكون نصيبهم المتابعة عن بعد دون المشاركة من كثب، مع مرور كل لحظة من اللحظات في أعمار هذه الثورات الشعبية التاريخية الطاهرة، ومع رصد ثمن العزة والكرامة والتحرر والنهوض، يدفعه مئات الشهداء وألوف المصابين في تونس .. ثم في مصر.. ثم في ليبيا.. خلال أيام معدودات كانت الأخيرة في عمر استبداد دموي إجرامي فاسد.. جثم على أنفاس الأحرار وعلى الأرض الطاهرة سنين وسنين وسنين!..

رغم ذلك نتساءل:

ما الذي كان في تلك السنين الطوال من الاستبداد والقهر والفساد؟..

كم من شهيد قتل.. كم من معتقل عُذّب.. كم من عين بكت.. كم من كريم أهين.. كم من حرية صودرت.. كم من حق انتهك.. كم من الأموال والثروات سُرق.. كم من الطاقات أُهدر.. كم من إمكانات النهوض عُطّل.

إنّ ثمن الركون للذلّ أكبر من ثمن الثورة على الظلم.

لقد اعتدنا على "قوالب" للتفكير والتحليل و"فلسفة" خلفيات الأحداث، فكتبنا وقرأنا الكثير عن "مسلسل الثورات" وعامل العدوى بين بلد وبلد، وشعب وشعب، وعن "شرارة الثورة" ومفعولها، وعن مخاوف المستبدّين وتسابقهم على استباق الثورات عليهم.. إنّما لا يكاد يوجد في جميع ذلك ما هو أبلغ تعبيرا من هذه الكلمات المعدودات:

إنّ ثمن الركون للذلّ أكبر من ثمن الثورة على الظلم.

لقد استفاقت الشعوب من غفلة طويلة على إدراك حقيقة بسيطة، حقيقة أنّها تدفع يوما بعد يوم، وعاما بعد عام، وعقدا بعد عقد، ثمن الركون –طوعا أو كرها- للظلم والظالمين، والفساد والفاسدين، والقهر والمجرمين، أضعافَ أضعافِ ما يمكن أن تدفعه خلال أيام أو أسابيع.. في ثورة تطيح بالظلم والفساد والقهر وأولئك الذين شيّدوا ما شيّدوا من قلاع وحصون، وإذا بهم بين ليلة وضحاها من عمر التاريخ، منبوذون مذعورون محشورون، لا يقاتلون إلاّ من وراء جُدُر.. ويرون بأعينهم المشدوهة فلا يبصرون، كيف تحلّ بهم مصائرهم المحتّمة، رغم القلاع والحصون ورغم الجدر، ورغم ما يمارسونه -وهم يحتضرون- من إجرام دموي، لأنّ الإجرام يسري منهم مسرى الدم في العروق.

 

النصر القريب

لا تركنوا إلى الذين ظلموا.. فتمسّكم النار، ولئن كانت نارَ العقاب في الآخرة -وهي أشدّ وأنكى- فإنّ لها مقدّمات في هذه الحياة الدنيا.. هي ثمن ذلّ الركون للظلم.. هي ضريبة الذل.. هي بداية العقاب على الركون ذلاّ للظلم الذي حرّمه الله تعالى على عباده.. وحرّم الركون له.

اتقوا فتنة.. فتنة الاعتقالات والتعذيب، والقتل والتشريد، والظلم والبطش، والسلب والنهب، والقهر والإهانة، فإنْ أصاب الذين ظلموا عقابٌ من عند الله، فإنه العقاب الذي يوشك أن يعمّ أولئك الذين يمارسون السكوت عن ممارساتهم بحق الأمة والبلاد، وهم قادرون على التغيير، تغيير أوضاع ممارسة الظلم وهياكله، وهو من أكبر الكبائر -لا المنكرات فقط- باليد أو اللسان أو القلب..

ذاك ما يتطلّب الصبر مع المرابطة جهادا حقا، وذلك ما يفرض المصابرة عندما يكون ظلم مجاهدة الظالمين ثمنا.. {أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتِكم مثل الذين خَلَوا من قبلكم مسّتْهم البأساء والضراء وزُلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله.. ألا إنّ نصر الله قريب} –البقرة: 214-

ألا إن نصر الله قريب..

فيا أيها الإنسان من كل شعب يحكمه الظلم والاستبداد، لا تركن ذليلا للظلم بعد اليوم، لا تتردّد بعد اليوم يوما واحدا عن استرجاع إنسانيتك من قبضة الظلم والظالمين والاستبداد والمستبدين والفساد والفاسدين المفسدين في الأرض..

ألا إن نصر الله قريب..

فيا أيها الحاكم المستبدّ الأرعن المتفرعن في أيّ أرض.. افتح عينيك وأذنيك: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا؟.. ولا تؤجلنّ توبتك ولا تجعلنّ رحيلك، إلى أن تكون كتوبة فرعون ويكون كرحيل فرعون.. بعد فوات الأوان، بعد سقوطك مدحورا مذموما راغما، فهو السقوط المحتم على كل طاغية وكل طغيان، ولعذاب الآخرة أشدّ وأنكى.. وأبقى لو كنتم تعلمون.

==========================

آسفين ياريس

إلى الذين يقولون: آسفين ياريس، أقول معهم: آسفين يا ريس؛

أن تركناك كلَّ هذا العمر تعيث في الأرض فسادًا؛ فقد أفسدناك بصمتنا،

والساكت عن الحق شيطان أخرس، فكنت أنت الضحيةَ، ونحن الشيطان.

آسفين يا ريس؛ أن تركناك تكنز المليارات، وترمي بالفتات لشعبك، فانقسم بين كادح ومرتش!

العامل الشريف يحمل عدَّته، ويجلس على الرصيف ينتظر من يأخذه؛ لهدم حائط، أو تسليك مجاري، ويعود بقروش قليلة، وكثيرِ إنهاك وتعب.

والموظَّف الشريف ينفجر رأسه في حساباته: كيف ينتهي الشهر على خير

بالمليمات التي يتقاضاها كلَّ ثلاثين يومًا؟! هذا لو حافظ على طهارة يده.

آسفين ياريس؛ أن تركناك تبيع البلد أرضًا ومنشآتٍ، فصفَّيتها لحسابك وأعوانك،

وعاش 40% من شعبك في عشوائيات مهينة، في حفر ومجاري، وبلا آدميّة.

آسفين يا ريس؛ أن تركناك تحكمنا بالطوارئ ثلاثين سنة، رُمي بسببه الآلاف في السجون،

وضاع مثلهم في المعتقلات دون تهمة أو مبرر.

آسفين يا ريس؛ أننا لم نفهم قدر كلاب الفتك وجهاز التعذيب الذي مهمّته

الضرب حتى الموت لشباب مصر، وكل صاحب رأي ومبدأ.

آسفين يا ريس؛ أن تركناك تحمي سارقي أموال البنوك، والهرب بها،

 بمباركتك وتشجيعك، فانهار اقتصاد الدولة الغنية صاحبة الحضارة العريقة.

آسفين ياريس؛ أن تركناك تستورد لنا الغذاء الفاسد منتهي الصلاحية، والدم الفاسد،

وتخسف بمن يتكلم ويُظهر الحقيقة الأرضَ.

آسفين يا ريس؛ أن تركناك تفسد الضمير إلى درجة تعجز الشيطان، فلم يقف حد السرقة عند حدود المال والأرض؛

بل تعدَّى إلى قلب الإنسان وأعضائه،

فيدخل المستشفى بالزائدة، ويخرج بدون الكلى، أو جزء من الكبد؛

فلم يعد مريض مخدَّر يأمن على حياته بين يدي الطبيب،

ولا مسلوب حق يطمئن إلى قاض، ولا ضعيف يسعى إلى رجل دولة.

آسفين يا ريس؛ فأنت تحمي القاتل وتدين الضحية؛ فلو كان القاتل ابنَ وزير،

فالويل لمن يتفوَّه باسمه، وهناك دائمًا من يتحملها نيابة عنه.

لا أدري أعتذر لك عن ماذا أو ماذا؟! فنحن الذين سكتنا وأنت ضحيتنا؛

فوجب الاعتذار:

آسفين يا ريس

=========================

"ملك الملوك" إذ ينهار على الهواء مباشرة ؟!

عريب الرنتاوي

سبعون دقيقة وأنا استمع معقود اللسان وفاغر الفاه لخطاب العقيد...تارة تجتاحني نوبة ضحك، وثانية تنتابني موجة غضب، وثالثة يصل بي التقزز والقرف حد الرغبة في التقيؤ...ودائما يسكنني إحساس عميق بالقلق...فنحن أمام رجل مريض حقاً، وخطابه يحتاج لمحلل نفسي يتابع هذيانه وهلوساته وليس لمحلل سياسي يقرأ سطوره وما بينها وخلفها...أكثر من الحديث عن "حبوب الهلوسة" إلى الحد الذي ظننت أنه ابتلع كل ما في أسواق طرابلس الغرب منها.

 

جنون العظمة والمجد كان طاغياً على محيا الرجل ونبرة صورته وحركاته المسرحية...ما من أحد يعلن على الملأ أنه مجد بلاده وعزتها...وأنه الرجل الوحيد فيها عندما عز الرجال...ما من زعيم خاطب شعبه بلغة الجرذان والفئران وشذّاذ الآفاق...ما من رجل يؤرخ لتاريخ بلاده من لحظة ميلاده، وبالأخص من لحظة وصوله إلى السلطة...ما من "قائد" منفصل عمّا يجري حوله ويعيش "حالة إنكار مرضية" كما كان عليه القذافي مساء أمس الأول.

 

خوّف شعبه بالغرب والاستعمار القادم والتقسيم والحرب الأهلية...وخوّف الغرب من الهجرات والإرهاب وأيتام الزرقاوي في "درنة" و"بنغازي" ...وخوًف الجميع من أن النفط والغاز لن يتدفقا بعد اليوم من آبار ليبيا...أوروبا ستفقد دفئها والليببون سيخسرون مصدر معاشهم...كيف لا وهو الضامن لليبيا والليبين، وهو الحارس الأمين على مصالح أمريكا وأوروبا، برغم كل ما تضمنه خطابه المتلعثم من "رطانة ثورية" ساقطة ومثيرة للسخرية والشفقة.

 

انتهى العقيد، وكنا بحاجة لمشاهدته خلال سبعين دقيقة من الهذيان لنتأكد أنها سكرات الموت ونهاية فصل مزر في مسرح "اللامعقول"...إنتهى القذافي، وقد شاهدناه ينهار ويتفكك على الهواء مباشرة...لم يكن ينقصه سوى أن "يشد شعره" و"يلطم خدوده" ويركض في الشوارع كمن أصابه مسٌّ من الجنّ.

 

انتهى القذافي، وذهبت صرخات استغاثته أدراج الرياح...لم يخرج الشعب الليبي عن بكرة أبيه لمطاردة "عصابة المائة من متعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة والإرهابيين"...لم يستجب لنداءاته من أسماهم "جيل الثورة وأبنائها"...لم يخرج محبو القذافي من بيوتهم إلى الشوارع، يبدو أن لا أحد يحب القذافي في ليبيا...نحن نعرف ذلك، لكن "المريض في باب العزيزية" لم يكن يدرك أن عصره قد ولّى، وأن الليبيين يجتمعون أمام الشاشات الكبيرة لقذف صورته بالأحذية في أثناء بث خطابه، تماما مثلما فعلوا مع نجله المأفون، سر أبيه، سيف الإسلام القذافي.

 

انتهى القذافي، ولم يعد يدري ما يقول أو يفعل...إنه تائه...إنه "الجنرال في متاهته"...هو اتهم الثوار بأنهم قلة قليلة لا تتعدى المائة شخص، ولكنه عاد ليعترف في الخطاب ذاته، بأنهم سيطروا على الشرق بمدنه وموانئه ومطاراته ومعسكراته وعلى أجزاء واسعة من الغرب والجنوب....وهو اتهم الثوار بانهم من أنصار الزرقاوي وإلن لادن، قبل أن يعود ويتهمهم بانهم عملاء للأمريكان والأجانب...هو اتهمهم بانهم ينوون تقسيم ليبيا وإعادة مائة عام للوراء، قبل أن يعود ويعرض على كل قبيلة "شعبيتها وبلديتها ونصيبها من النفط" في عزف منفرد على وتر القبائلية والعشائرية والتقسيم والحرب الأهلية.

 

إلى أن بلغ المشهد ذروته الدرامية، عندما جُنً جنون القذافي وهو يتساءل هل يعقل أن يقود الليبيون قائد غير معمر القذافي...هل يعقل أنه انتهى...هل يعقل ان ينتحى، ومن أية مناصب...هنا كانت الطامة الكبرى...هنا كانت ذروة المشهد الدرامي: القذافي فقد القيادة وهو الذي احتفظ بلقب القائد لأكثر من أربعين عاماً...الليبيون، وبالذات جيل الثورة، يلعنون العقيد ويطالبون بإسقاطه ومحاسبته هو وأفراد أسرته الذين يشبهونه كثيراً.

 

القذافي فقد السيطرة على نفسه ومشاعره، لا يدري هل يبكي أم يضحك، يهدد أم يتوسل، هو غير مصدّق لما يجري حوله، لم يبق اسم مدينة إلا واستنجد بها، لم تبق عشيرة واحدة إلا وذكرها...أغراهم بالنفط والاستقلال الذاتي العشائري وتهددهم بالويل والثبور وعظائم الأمور...لم تبق كارثة إلا واستحضرها من غزة إلى موسكو مرورا ببكين وغيرها، علً الترهيب ينفع إن لم ينفع الترغيب، هو مستعد أن يفعل كل، أن يدفع بثورة ليبيا لأجيال قادمة، لكل من يأتي ويوقظه مما يعتقد أنه كابوس ثقيل، أو مقلب سمج من كاميرا خفية...هو غير مصدق ما تراه عيناه وما تسمعه أذناه...هو في حالة إنكار شديدة.

 

أحياناً كنت أشعر أن الرجل يسترسل في الحديث لكأنه نسي للحظات ما يدور حوله، وإلا لما قرأ قانون العقوبات، ولما ميّز بين تظاهر سلمي مجاز شريطة أن يكون للتضامن مع غزة أو العراق فقط، وليس لرفع أية مطالب تخص ليبيا، هو تحدث في بعض فقرات خطاب "التاريخي" كما كان يفعل في الأيام الخوالي، إلى أن يستذكر الظرف والمناسبة، فيهتاج من جديد، ويعود إلى صراخه وعويله.

 

إن قدر للرجل أن يمثل أمام محكمة جزاء محلية أو دولية، لا تكونوا متأكدين من أنه سيأخذ أقصى العقوبة على جرائم الحرب التي قارفها بدم بارد، سيكون بمقدور أي محامي مبتدئ أن يحيل أوراقه إلى "الطب الشرعي"، وسيحظى بشهادة عدم أهلية، أكاد أجزم بأنه سيحظى بتقرير طبي يبرهن على أنه ليس بكامل قواه العقلية، وقد يأخذ حكماً مخففاً...القذافي فقد عقله.

 

لكن ذلك لا يعني أنه لم يعد رجلاً خطراً...أنه كأي معتوه مدجج بالسلاح، يدلف إلى مدرسة أطفال...يسليهم حيناً بحركاته البهلوانية، ولكنه قد يفتح نيران رشاشه على صدورهم الغضة والطرية والعارية...القذافي في أخطر حالاته...ليس بمقدوري أن أرسم مشهد النهاية، لا أعرف كيف سينتهي أو متى بالضبط، فيزيائياً أقصد، فالرجل انتهى سياسياً، أنا متأكد أنه انتهى وقضي الأمر...لكن، هل سيموت على يد حراسه ومقربيه وعائلته...هل يطلق النار على نفسه أو يترجع السّم الزعاف على طريقة هنلر...هل تصل إليه يد الجماهير الغاضبة فيواجه مصير تشاوتشيسكو: السحل والاستقرار في سلة القمامة...أي مصير سينتهي إليه هذا الرجل، لست أدري، لكنني متأكد أنه مصير غير مشرّف...إنني متأكد أنه مصير يليق بملك ملوك أفريقيا.

=========================

النظام السوري والإستحقاق التاريخي

بقلم: فؤاد عليكو*

خمسمائة مليون مواطن شرق أوسطي يتابعون بعمق أمام أنظار البشرية ويتفاعلون مع ما يحصل في دولهم من تحولات كبيرة منذ شهرين بعد أن أضرم المواطن اليائس محمد بوعزيزي النار في جسده احتجاجاً على حالة القمع والفقر الذي تعرض له من النظام الاستبدادي السابق في تونس \ بن علي \ وانتشر نار التمرد على النظام من مدينة سيدي بوزيد ليعم كل تونس ولم يتوقف حتى هرب الديكتاتور بن علي مذعورا من لهيب ثورة الشعب التونسي ولم تسعفه كافة توسلاته ونداءاته التي جاءت متأخرة جداً, وهرب معه معظم طاقمه الأمني أملا في النجاة من حكم الشعب التونسي, وما أن وضعت الثورة التونسية أوزارها, و بدأت كوادرها ببناء تونس جديدة حرة وديمقراطية بعيدة عن الإرهاب الأمني حتى اندلعت ثورة الشعب المصري ضد قلعة الاستبداد العربي وحامي أنظمة الشمولية والاستبداد ولم يصدق أحد حتى الآن كيف ان مبارك توسل إلى الشعب المصري مذكراً بتاريخه النضالي العريق وخدماته لمصر بهدف أن يغفر له الشعب قمعه ونهبه وفساد أجهزته الأمنية وعائلته, ولكن هيهات فقد تأخر كثيرا ولم يعد بإمكان العطار أن يصلح ما أفسده الدهر, فالنظام هرم وفقد كل مصداقية لدى الشعب المصري، ونجا بنفسه وترك خلفه كوادره الأمنية والسياسية يواجهون محكمة الشعب العادلة. وبسقوط القلعة اندلعت الانتفاضات الشعبية في كل من اليمن والبحرين وليبيا والجزائر والمغرب وإيران والأردن والسودان وجيبوتي والحبل على الجرار، ومن المؤكد إن الشعوب في هذه البلدان سوف تنال حريتها في وقت قريب رغم شراسة الأنظمة القمعية الحاكمة وما تمارسه من قمع عار بحق شعوبها بما فيه استخدام الطيران والسلاح الثقيل (ليبيا نموذجاً).

أما بالنسبة لسوريا وهي موضوعنا ومحط اهتمامنا كوننا مواطنون سوريون ونعرف جيدا سياسة النظام وما يمارسه من قمع أمني شديد بحق الشعب بكافة مكوناته وتحديداً بحق اصحاب الرأي والمهتمين بالشأن الإنساني والثقافي العام.

لابد من التأكيد على وجود تشابه كبير بينه وبين تلك الأنظمة الراحلة والتي في طور الرحيل من حيث سيطرة الحزب الواحد على مفاصل الدولة والمجتمع وفرض الأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية وقمع الآخر المختلف معه في التوجه السياسي والثقافي، والإعلام المبرمج على مقاس النظام وغياب الصحافة المعارضة وحتى المحايدة, فالحياد مرفوض لدى النظام والمسموح به فقط لمن يصفق له ويروج لسياسته ويسبح بحمده, أما الفساد الإداري رغم كل الدعوات المتكررة بإصلاحه فانه بات مستشرياً وتحول إلى مرض مزمن لا يمكن معالجته بالقرارات الفوقية والمراسيم الرئاسية ولا بد من إجراءات جذرية وحاسمة في تغيير الكادر الإداري أفقيا وعمودياً.

وإذا كانت كل هذه العوامل من التشابه بين النظام في سوريا وهذه البلدان فلماذا تبقى سورياً بمنأى عن هذه التحولات الكبيرة؟

 المسألة مسألة وقت لا أكثر حسب رأي معظم المحللين السياسيين وان ناراً تحت الرماد تتوهج شيئاً فشيئاً والحادثة البسيطة بين المواطن والشرطي في الحريقة في قلب العاصمة دمشق وتضامن أكثر من 5 آلاف مواطن في لحظات قليلة وبصورة عفوية مع هذا المواطن ورفعهم شعارات(الشعب السوري ما بينذل - يا حرامية) إلا عنوانا لبصيص النار الكبير الذي يفعل فعله بهدوء ولكن بقوة، ولولا تدخل وزير الداخلية مباشرة ومعالجة الموضوع بحكمة وهدوء لحدث ما لم يكن يتوقعه احد.

إذا الموضوع والحدث كبير لم يعد قابلاً للتأجيل ولن يسعف النظام محاولاته إضفاء الطابع السياسي والعامل الخارجي العام والوطني على ما يحصل في تلك الدولة من حيث موالاتها لأمريكا أو كامب ديفيد... الخ فإيران والجزائر واليمن وليبيا لم يكونوا من أتباع كامب ديفيد ولم يتم رفع لافتة واحدة في تلك المظاهرات تنوه إلى كامب ديفيد أو الصمود والتصدي كما جرى الترويج له في الإعلام السوري. والشعار الرئيسي للتظاهرات والإعتصامات كان ولازال (الشعب يريد اسقاط النظام) إلى جانب شعارات أخرى ضد الديكتاتورية والإستبداد.

 وان ما يحصل في هذه الدول هو ثورة الخبز والحرية رغم إرادة أمريكا والغرب والشعارات القومية المرفوعة هنا وهناك.

وإذا كان النظام يحاول مسك الخيط من طرف واحد والاهتمام بالجانب الاقتصادي فقط (كما يصرح)، وذلك بتوزيع بعض الفتات على المواطنين أو خفض أسعار بعض السلع على أمل أن يغض المواطن الطرف عن المطالبة بحريته السياسية ورفع القمع الأمني عنه وتركه الاستئثار بالسلطة والدولة معاً. وبوسائله المعتادة والممارسة منذ نصف قرن فهو (النظام) واهم لان رياح التغيرعاتية ومن الصعب مواجهتها بمثل هذه الوسائل البدائية, علما أنه لا زال أمام النظام فرصة ذهبية ويفترض به تداركها قبل فوات الأوان وقبل أن يصعد احد أقطاب النظام المنبر ويردد ما ردده بن علي ومبارك وعلي صالح وحمد عيسى والقذافي الابن بأنهم فهموا كل شيء وأنهم على استعداد لمعالجة كل شيء ولكن كما يقول المثل(بعد خراب البصرة) وبعد سيلان الدم والدموع في الشوارع وبعد ضياع فرصة المصالحة والإصلاح الحقيقي وتكبيد البلاد خسائر بشرية ومادية لا تقدر بثمن.

 

كما أنه معلوم أن الدول الديمقراطية لاتتحارب فيما بينها وأن الديمقراطية هي المفتاح الرئيس للتقريب بين الدول المتجاورة وتساعد على تشكيل الكيانات الكبرى كالإتحاد الأوروبي فهل لنا أن نتصور تحول الدول العربية إلى دول ديمقراطية وإنشاء اتحاد فيما بينها باستثناء سوريا !!

 

لذلك ولكل ما تقدم فان النظام مدعو اليوم وقبل الغد على البدء بسلسلة من الإجراءات السياسية والقانونية الكبيرة لبناء سورية جديدة – سوريا الحرية والديمقراطية - بكل ما تعني الكلمة من معنى عبر جملة متكاملة من القرارات وفي مقدمتها:

1- إصدار عفو عام عن جميع السجناء السياسيين بمختلف انتماءاتهم القومية والدينية والسياسية دون استثناء .

2- رفع الحظر الأمني عن جميع المهجرين والمبعدين عن الوطن لأسباب سياسية ودعوتهم للعودة الى وطنهم ودون أية مراجعات أو مساءلات أمنية.

3- إعادة المفصولين والمنقولين لأسباب سياسية إلى وظائفهم وتعويضهم مادياً عن جميع الأضرار التي ألحقت بهم جراء عمليات الفصل والنقل التعسفي الأمني.

4- إعادة الجنسية للكرد المجردين من الجنسية السورية بموجب إحصاء 1962 وتعويضهم عن الغبن الذي لحق بهم خلال هذه الفترة الطويلة.

5- وقف العمل بقانون الطوارئ وإلغاء الأحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية.

6- إلغاء كافة القرارات والمراسيم الاستثنائية التي تتعلق بالشعب الكردي في سوريا وكذلك بالتيارات الدينية مثل قانون 49 الخاص بالإخوان المسلمين والمرسوم 49 لعام 2008 الخاص بالمناطق الحدودية .

7- فتح باب القنوات الإعلامية الرسمية (صحافة – راديو – تلفزيون --- الخ) أمام جميع أطياف المعارضة والنخب السياسية والثقافية وعلى مختلف انتماءاتهم لإفساح المجال أمام كافة ألوان المجتمع السوري للتعبيرعن ذاته ورأيه بكل حرية وصراحة.

8- دعوة النظام (وحلفائه من أحزاب الجبهة) لكافة أطياف المعارضة السورية دون استثناء وفتح باب الحوار الجاد والمسؤول ينبثق عنه تشكيل لجنة (قانونية – سياسية) لصياغة دستور عصري جديد لسوريا يعتمد قاعدة اللامركزية في الحكم للدولة، والمبادئ الديمقراطية الحقيقية والمساواة التامة في الحقوق والواجبات والتوزيع العادل للثروة على أن يتضمن في صياغة الدستور الخطوط العريضة لحل القضية الكردية في سوريا كقضية شعب يعيش على أرضه التاريخية مع احترام خصوصيته وكذلك حل قضايا الأقليات الأخرى وبأسلوب ديمقراطي بعيداً عن نظرة الاستعلاء القومي والمفاهيم العنصرية ومن مبدأ سورية وطن الجميع وتتسع للجميع ومن حق الجميع أن يتمتعوا بكامل حريتهم وحقوقهم الوطنية و القومية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية.

9- إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وفق الدستور الجديد وتحت إشراف ومراقبة الأمم المتحدة والهيئات والمنظمات الحقوقية والدولية والمحلية.

 ولكن يبقى السؤال الكبير والمهم

 هل يملك النظام القدرة على السير بهذه الخطوات ( التنازلات المؤلمة حسب قناعته) بعد ثمان وأربعون عاما من الإنفراد بالحكم؟

هذا ما يجب أن يجيب عليه النظام.

*عضو اللجنة السياسية لحزب يكيتي الكردي في سوريا

عضو مجلس الشعب سابقاً

=========================

احتمالات ما بعد عهد القذافي

سوسن البرغوتي

أكد خطاب القذافي على كل ما شمله خطاب وريثه قبل يومين، مما يعني أن سيف الإسلام تم تعميده للرئاسة من بعده، والخطاب لم يوجه للجماهير، حيث لا وجود لها ساعة بث الخطاب، وبلا حراس ولا مرافقين، كما ويبدو كأن ثمة حاجزاً شفافاً أو بمكان محاط بحواجز جدارية. كعادة نرجسيته المتعالية، سرد بطولات وحكايا، وسلط الضوء على "المجد" معمر القذافي، وتصعيد عبارات التهديد والوعيد والكيل باتهام الشعب بالإرهاب وتعاطيه المخدرات وحبوب الهلوسة، بمعنى شيطنة الشباب، ومن المفترض أن الزعيم العقيد، أولى جل اهتمامه لبناء دولة عمادها شباب صاحٍ، وليس المسطول الضائع!، فهذا بحد ذاته اتهامه لسلطته، بإهمال الشباب، والسماح بتهريب المخدرات، وبعلمه!.

الاتهام الآخر لنفسه، عند مقاربة همجية قوات الاحتلال الأمريكية وتدمير الفالوجة، وكأنه يتصرف كمحتل وليس كقائد لشعبه. اعترافه بالمرتزقة القتلة، ومطالبته لجماهير معمر بالتصدي (للجرذان الخونة، عملاء أمريكا) وغيرها من توصيفات مشينة له بقيادة شعب "حثالة"، وهذا معيب ومسيء لليبيا. الهذيان غير المتزن، جعل الكثيرين يرتقبون فعل "ساعة العمل" المكررة ثانية، فما الذي حدث؟

سيطرة الشعب على معظم المناطق الشرقية، توالى انضمام عناصر وكتائب من الجيش إلى المظاهرات، هروب طيارين إلى مالطا، وإرساء سفينتين حربيتين على شاطئ مالطا، رفض جنود البحرية الانصياع لأوامر الزعيم، كما أعلنت قبيلتان كبيرتان، انضمامهما للشعب، رغم استنجاده بالقبائل، لدفاعها عن ثائر، وليس عن رئيس، وإن كان لا يعتبر نفسه رئيساً، فيجب أن يكون بصف الشعب، الذي يرفض الاستبداد والقمع والإبادات الجماعية من غرباء همجيين مقابل مال الشعب، ويرفض مصادرة حقه بحياة كريمة، فلا صحة ولا تعليم، ولا إصلاحات وعد بها الرئيس المنتظر، وفشل بتحقيقها بعد أربع سنوات من الوعود، رغم الإمكانيات المادية والبشرية المسخرة لنجاحها، والغريب أن يُعمل بقانون عقوبات التمرد منذ العهد السنوسي البائد ومعمول به حتى الآن. بالإضافة إلى أن المحتجين الغاضبين، يؤكدون أن السلطة لا تحكم سيطرتها على طرابلس ونواحيها.. مما يعني أنه لن تقتل المرتزقة المجرمة، أكثر مما فعلت بعد خطاب نجل الزعيم.

نخلص إلى أن التصعيد كان بأثر رجعي وبناء على خطاب الابن، وفعلاً في اليوم التالي لتهديداته، صعّد المرتزقة هجماتهم، وأغلب الظن، أن التهديد نُفذ بين الخطابين، فزاد عدد الشهداء جراء مجزرة صورة طبق الأصل عن وحشية "يلتسن وبوش"، والقذافي لم يلقِ كلمته بعدها، ولا على اطلاع بما يجري. الهرطقات الجنونية القذافية، تعوّد عليها العرب والعالم، لكن أن يمارسها ضد شعبه، فهذا يعني إما أنه يعيش بعالم آخر، بمعنى أنه قد يتعاطى حبوب الهلوسة، أو محجور عليه بأحسن الأحوال ، وسيف الإسلام لديه الخبر اليقين.

الخطاب تجسيداً لكوميديا سوداء تروي نهاية رجل مصاب بجنون العظمة، وخلو ساحته من الجنود المحاربين لجانبه، مستنجداً بجماهير غير متفاعلة معه، والشجاعة تقتضي أن يواجه رفض الشعب له، طالما أنه ليس رئيساً، كما قال. بعد انتهائه بفترة وجيزة، وحديثه عن أسر ومصير مجهول لوزير الداخلية، أعلن اللواء عبد الفتاح يونس وكتائب الجيش في الجبل الأخضر، الذي عوّل عليهما، انضمامهما إلى الشعب المظلوم... وهذا يعني إستراتيجياً انتهاء عهده فعلياً.

إلا أن احتمالات وتداعيات ما بعد عهد القذافي، مفتوحة، على أكثر من اتجاه، ولا يوجد نظام، فاللجان الشعبية ليست هيكلية واللجان الثورية أمنية تحيط بالسلطة وتخدم رغباتها، أي أنها خدماتية استهلاكية بآن، وغير منتجة، وتكاد تنهار بفعل استمرار غضب الشعب وازدياد عدد الرافضين للوضع المتردي القائم، ورفض العالم لتلك الجرائم الوحشية. ولهذا لا قلق من ثورة مضادة، أو الالتفاف على ثورة الشعب، أما الجيش فمنه المدجن "المهلوس" ومنه الواعي الذي انضم للصفوف الشعبية. ولكن الخطورة تأتي من الخارج، ليكون الوضع الجديد، ضابط إيقاع لثورتي مصر وتونس، فيما يخص السياسة الخارجية، والشعبين وقواهما الحية منشغلين بترتيب الوضع الداخلي. لذلك من الخطورة بمكان، المطالبة بتدخل خارجي عسكري، بحجة الحرب على الإرهاب، وهو ما نوه له القذافي، وقد تُستخدم تلك القوات الدولية، ذريعة القبض على القذافي وحاشيته الضالعين بالجرائم، أو لحماية الشعب، لتتحول ليبيا إلى قاعدة عسكرية، لقوات دولية!.

وبنهاية المطاف نجد مصر وتونس محاصرتين، بقوات دولية على أرض ليبيا، لحماية آبار النفط ومصالح الدول المستفيدة منه، والقوات محاصِرة ومقيدة لهم جميعاً. فاحذروا خطة الأفعى المتحركة، بشعار إسقاط سلطة وإنشاء نظام ديمقراطي بمقاييس استعمارية، فالاستقلال لا يقل أهمية عن المطالب المشروعة للشعب، ولو كان القذافي يملك ذرة عقل لانتبه إلى أن أرضه بعد أن انتهك حرمة شعبه باستجلاب المرتزقة، في خطر أهم بكثير من استعلائه وتهديداته، ولتنحى أو ابتعد عن الحياة السياسية أو حتى عن ليبيا، وهو الاختبار الحقيقي له، وسيُكتب له عندها أنه أنقذ بلده من وضع اليد الخارجية بصورة تختلف عن الاحتلال المباشر، وإلا لا حل إلا بتشكيل درع بشري من قبائل الصحراء، لمنع تسلل المرتزقة، وقطع إمدادات المال عنهم، وبيد الشعب الخلاص منه بأسرع وقت قبل إرساء السفن الغربية على شواطئ ليبيا، فالاستسلام أو الرحيل غير وارد لدى القذافي.

المطلوب على الصعيد العربي دعم ثورة الشعب ضد الطاغية حتى إسقاطه وقد بات وشيكاً، وتقديم العون لهم، ومنع تدفق المأجورين المرتزقة ومحاكمتهم، ورفض أي تدخل أجنبي ومنعه، وفضح جرائم القذافي وأعوانه، عبر وسائل الإعلام.

طوبى لكم يا شعب ليبيا، فقد أعدتم روح جهاد الشهيد عمر المختار.. سدد الله خطاكم المخلصة لإنقاذ ليبيا وتأسيس دولتها الحرة الأبية المستقلة، والوحدة الوطنية الصادقة وسيلتكم للحرية.

=========================

لا ينقذ ليبيا إلاّ شعبها..

التدخّل العسكري الوحيد والممكن الآن هو تدخّل مصر بحكم علاقاتها الخاصة مع ليبيا ووجود مخاطر تهدّد الأمن المصري

صبحي غندور*

نماذج مختلفة من حركات التغيير السياسي تشهدها الآن المنطقة العربية. فأمراض جسم النظام العربي الراهن ليست لها وصفة طبية سياسية واحدة. وما نجح في تونس ومصر لن يكون بالضرورة هو حال البلدان العربية الأخرى التي تشهد حالياً تحولات سياسية هامة. ليست الظروف الداخلية فقط هي عناصر الاختلاف بين هذا البلد وذاك، بل تلعب أيضاً المصالح الدولية، وخاصة الأميركية، دوراً هاماً في تقرير مصير بعض الحكومات. أيضاً، الاختلاف كامن في نوعية الحكام. فهناك أنظمة قمعية تمارس قمع الناس حينما ينتفضون عليها لكنها تقف عند حدٍّ معيّن، وهناك أنظمة إبادية لشعوبها لا تمانع في إبادة شعبها إذا مسّها خطر الثورة عليها، ولم يبقَ الآن من فصيلة هذه الأنظمة غير نظام العقيد القذافي. فمنذ عقدين من الزمن شهد العراق أيضاً حالة شبيهة استخدم فيها النظام السابق ضدّ شعبه الأسلحة الكيماوية والطائرات العسكرية في شمال العراق وجنوبه.

ليبيا تشهد الآن أشرس عملية تغيير سياسي في النماذج العربية المعاصرة وسيكون هذا النموذج هو الأخطر حيث لا معايير أخلاقية أو إنسانية للحاكم الليبي، ولا مؤسسات أو مرجعيات دستورية رادعة، ولا استقلالية للقضاء أو لدور المؤسسة العسكرية الليبية. فهي معركة حياة أو موت للنظام الفوضوي الليبي وسيستبيح فيها كلَّ الأسلحة غير آبهٍ بالنتائج المترتبة على أعماله، بما فيها مخاطر التقسيم والتدويل والحرب الأهلية. ولن يتوقف النظام الفوضوي عند ردود الفعل الدولية والإدانات فهذه ستكون بالنسبة للحاكم الليبي أمراً شبيهاً بالحالة الإسرائيلية التي تستهتر بالعالم كله وتعتمد فقط على جبروتها العسكري.

صحيح أنّه من المهم جداً أن تخرج استنكارات دولية لجرائم النظام الفوضوي الليبي ضدّ شعبه وأن يتمّ عزله ومحاصرته دولياً، لكن هذا شيء والمطالبة بتدويل المسألة الليبية شيء آخر. فقد خرجت أصوات ليبية وعربية تطالب بتدخل عسكري دولي وبقرارات من مجلس الأمن لإرسال قوات دولية إلى ليبيا وبفرض مناطق حظر طيران كما جرى خلال حقبة التسعينات مع العراق، وهذ كلّها دعوات خطرة لأنّها أولاً تحافظ على نظام القذافي ولا تسقطه، كما حصل أيضاً في التجربة العراقية، وتجعله حاكماً على جزء من ليبيا مما يكرّس واقع التقسيم الليبي ويكرّر المصير العراقي الذي انتهى بغزو أميركي/بريطاني، مما قد ينهي نظام القذافي لكن على أنقاض الدولة الليبية الواحدة وفي ظلّ تحكّمٍ أجنبي بمصير ليبيا ومقدّراتها وثرواتها.

إنّ التدخل العسكري الأجنبي يحدث في أحد احتمالين: احتلال بالقوة ومواجهة مباشرة مع قوات الطرف الحاكم، أو تدخّل عسكري بشكل قوات فاصلة بعد حروب داخلية أو حروب بين بلدين. والحالتان غير ممكنتين الآن ولا مصلحة ليبية أو عربية في أيٍّ منهما.

إنّ التدخل العسكري الوحيد والممكن هو تدخّل مصر بحكم جوارها الجغرافي مع ليبيا ووجود مخاطر تهدّد الأمن المصري وتوفّر القدرة العسكرية المصرية لذلك. وهذا الأمر ممكن حدوثه بحكم الروابط والاتفاقيات والعلاقات الخاصة بين ليبيا ومصر، وبدعوة من الثوار الليبين أنفسهم الآن، وأيضاً من خلال مرجعية الجامعة العربية التي قامت بشيء مشابه في منتصف السبعينات من القرن الماضي حينما شكّلت قوات الردع العربية لوقف الحرب اللبنانية.

إنّ مصر معنيّة بشكل كامل في كل ما يحدث وما قد يحدث في ليبيا. والأمن القومي المصري والعربي يتطلّب الآن تحرّكاً سريعاً وجادّاً من المجلس العسكري الذي يقود مصر حالياً، فمصر هي الآن بين بلدين عربيين يشهدان مخاطر التقسيم والتدويل (السودان وليبيا) بعدما كان البلّدان مع مصر في "ميثاق طرابلس" أيام جمال عبد الناصر وفي "اتحاد الجمهوريات العربية" أيام أنور السادات، وها هما الآن بعد معاهدات "كامب ديفيد"، وبعد أكثر من ثلاثين سنة من عزل مصر عربياً ومن حكم الفساد السياسي والمالي، يتّجهان نحو هاوية التقسيم والتدويل، ممّا يشكّل بالتالي على الأمن الوطني المصري مخاطر كبيرة.

طبعاً، المراهنة الأولى والأخيرة يجب أن تكون على الشعب الليبي لإحداث التغيير السليم في ليبيا، ممّا يُحمّل قوى الثورة والتغيير مسؤولية كبيرة في ضبط طروحاتها وممارساتها لتتوافق كلّها مع هدف الحرص على وحدة الشعب الليبي ووحدة الأرض الليبية وعروبة ليبيا واستقلاليتها الوطنية ورفض الانجرار إلى مشاريع دولية وأجنبية. فليبيا عمر المختار لم تراهن على تدخّل عسكري أجنبي ولا على مساندات أجنبية حينما واجهت الاحتلال الإيطالي وانتصرت عليه، بل اعتمدت فقط على نفسها وعلى قدراتها الذاتية وإرادتها الحرّة متوكّلةً على الله تعالى وعلى قيمها الدينية والخلقية.

لقد كان المشروع الأميركي للمنطقة خلال حقبة بوش و"المحافظين الجدد" يقوم على فرض حروب و"فوضى خلاّقة" و"شرق أوسطي جديد" وفي الدعوة لديمقراطيات "فيدرالية" تُقسّم الواطن الواحد ثم تعيد تركيبته على شكل "فيدرالي" يحفظ حال التقسيم والضعف للوطن ويضمن استمرار الهيمنة والسيطرة على ثرواته ومقدّراته وقرارته. وكانت نماذج هذا المشروع في العراق والسودان معاً. الآن نجد إدارة أميركية مختلفة لم تُقم حروباً في المنطقة، وربما لا تقدر أصلاً في هذه المرحلة على ذلك، إدارة تعمل على تحقيق المصالح الأميركية من خلال دعوة الحكومات العربية (والضغط عليها) لتحقيق إصلاحات دستورية واقتصادية تحفظ استمراريتها وتضمن أيضاً في هذه البلدان بقاء المصالح الأميركية، إذ لا يهّم الحاكم الأميركي إلاً المصالح الأميركية فهو قد يكون مع تغيير أشخاص وحكومات في بلدٍ ما ولا يكون كذلك في بلدان أخرى. الأمر يتوقّف طبعاً على "ظروف" هذا البلد ونوع العلاقة الأميركية مع المؤسسات القائمة فيه بما فيها المؤسسة العسكرية، لكن الاعتبار الأميركي الأهم هو "نوع" البدائل الممكنة لهذا النظام أو ذاك. وهنا الآن معضلة الموقف الأميركي.

إدارة أوباما لا تصنع الآن ثورات المنطقة، فهذه ثورات وطنية ذات إرادة حرّة، لكن الإدارة الأميركية تحاول استثمار ما يحدث، كما تحاول أطراف دولية وإقليمية عديدة، من أجل تحقيق مصالحها في منطقة إستراتيجية الموقع، غنية الثروات، وهي محور الاهتمام الدولي الآن وفيها الوجود الإسرائيلي وامتدادات نفوذه وتأثيراته الدولية حتّى على صُنّاع القرار في "البيت الأبيض". وكما كان التأثير الإسرائيلي كبيراً في مواقف حكومتي بوش/بلير تجاه العراق والسودان، ستعمل إسرائيل على محاصرة مصر بدول عربية مفكّكة وبمناطق حروب أهلية وعلى دفع المنطقة كلها لحال التدويل، إذا أمكنها ذلك.

ليبيا أمام مخاطر كبيرة الآن، وكذلك سيكون اليمن مستقبلاً، فكلاهما حالة مختلفة عمّا حدث في تونس ومصر، وفي كليهما مخاطر التقسيم والتدويل والحروب الأهلية. هي أولاً مسؤولية الحاكمين عن كل ما حدث ويحدث، لكن هي الآن أيضاً مسؤولية الثوار والمعارضين فيما يقولونه وما يفعلونه، كما هي مسؤولية عربية عامة في تدارك ما يحصل قبل فوات الآوان.

*مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن

Sobhi@alhewar.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ