ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 28/02/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

دروس الانتصار

د. قدري حفني

kadrymh@yahoo.com

ظللت محتفظا بتفاؤلي من ظهيرة 25 يناير إلي أن رأيت مراسم إعلان تنحي الرئيس الساعة السادسة من مساء 11 فبراير 2011 و شاهدت ممثل المجلس الأعلى للقوات المسلحة يودع القائد الأعلى السابق للقوات المسلحة بكل الاحترام ثم يرفع يده بالتحية العسكرية تقديرا لشهداء الثورة و مؤكدا أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليس بديلا للشرعية، ثم شاهدت الجموع المليونية تحتشد من جديد منذ يومين في جمعة النصر 18 فبراير 2011.

و بدأت خلال ذلك أستعيد ذكريات أعوامي التي تجاوزت السبعين، متأملا ما أنجزه الأحفاد صناع ثورة 25 يناير الذين أثبتوا استحالة قراءة واقع جديد بنظارات قديمة لعلها كانت صالحة لرؤية الواقع القديم. و لذلك فقد حاولت منذ ظهيرة 25 يناير أن أرصد بنظاراتي القديمة ما أصبح غائبا عنها؛ أي أرصد ما لم أعد أراه فاكتشفت سقوط أوهام التعصب الديني و العنف الجماهيري الكامن و العجز عن المشاركة و تدهور الإحساس بالانتماء و القدرة و الصورة الشيطانية للإخوان المسلمين. أوهام كنت أراها كحقائق أكاد ألمسها بيدي.

 و مع تحقيق الثوار لهدفهم الأساسي المعلن، عدت لأراجع مرة أخري مخزوني الفكري القديم لشروط الثورة و آلياتها لأكتشف أن ذلك المخزون الفكري قد عفا عليه الزمن.

أولا: ضرورة القائد

لم أجد في مخزوني الفكري نموذجا واحدا لثورة دون رمز يتمثل في قائدها. هكذا كان عرابي و سعد زغلول و عبد الناصر و أبو عمار و كاسترو و لينين و غيرهم علي امتداد الجغرافيا و التاريخ. تعلمنا أن القائد ضروري ليعلن أهداف الثورة و يضبط مسارها، و ساورني القلق في البداية من تلك الظاهرة غير المسبوقة. تري من هو المتحدث المعتمد باسم الثوار؟  لقد توافد علي الميدان العديد من الرموز السياسية الوطنية إلي ميدان التحرير و لاقاهم الثوار بكل توقير و احترام و لكن دون اختيار أحدهم قائدا أو رمزا لثورتهم. و لعل السلطة كانت تبحث من ناحيتها وفقا للإطار الفكري القديم عن قائد خفي للثورة يمكن اصطياده لإغوائه أو تهديده أو التفاهم معه أو حتى تصفيته. و فضلا عن ذلك فلم يكن للثوار تنظيم واحد يجمع بينهم جميعا، بل تنظيمات عديدة تشمل الأطياف المصرية جميعا من مجموعات الفيس بوك إلي جماعات الاحتجاج السياسي و الاجتماعي إلي جماعة الإخوان المسلمين إلي الشيوعيين إلي جماعات أو حتى أفراد يعبرون عما لحقهم من ظلم.

و لا يستطيع المرء مهما بلغت سذاجته أن يتصور حشدا مليونيا يدير أموره الحياتية من إعاشة و حماية و علاج بل و إعلام و ترفيه دون هيئة تتولي تنظيم ذلك. إنني موقن علميا من ذلك حتى دون دليل ملموس، و لكن يبقي الجديد الذي أضافته ثورة يناير للتراث الثوري العالمي. إمكانية أن تنجز الجماهير ثورة منتصرة دون أن تضيع وقتها في الحوار التاريخي حول من هو الأحق بالقيادة، و دون أن تمكن تلك الجماهير أحدا من اختراقها.

لقد كان نجاح الثورة دون حاجة للقائد الرمز أو التنظيم الثوري القائد أمر إيجابي لا نظير له في المخزون الفكري القديم.

ثانيا: الثورة السلمية

حين شاهدت طلائع مسيرات الثوار استوقفني أنهم كلما اقتربوا من مبني مؤسسة أو اقتربت منهم جنود الشرطة ارتفعت أصواتهم بهتاف "سلمية سلمية". و عدت إلي مخزوني الفكري القديم حيث يقبع ملف قديم يحمل عنوان الكفاح السلمي أو السلام الهجومي. لقد تملكني اليأس بعد أن كتبت طويلا في الموضوع و كيف أن موازين القوي المادية ليست وحدها العامل الحاسم في الصراع، و أن للجماهير المسالمة أسلحتها النضالية. و تكاتفت قوي عديدة لوصم ذلك النوع من الكفاح بكافة الإدانات الثورية التي تؤكد أنه لا تغيير دون سلاح و لا ثورة دون أنياب. و جاء ثوار 25 يناير بهتافهم العبقري "سلمية سلمية" ليثبتوا عمليا رغم ما واجهوه من عنف دموي أن الجماهير المسالمة المحتجة المليونية يستحيل أن يقهرها أحد و أن تلك الجماهير هي أنياب الثورة و درعها الواقي.

ثالثا: الجيش يلحق بالثوار و ليس العكس

لقد عرفنا من خلا خبراتنا القديمة أن طلائع الجيش الثوري ينبغي أن تسبق الجماهير و تعبر عن آمالها و تحمي تحقيق تلك الآمال، و أنه إذا ما حدث العكس فتحركت جماهير مسالمة أو حتى أقل تسليحا فإن الجيش سوف يبادر إلى قمعها حماية لشرعية السلطة القائمة. و جاءت ثورة 25 يناير لتضيف للخبرة الثورية إضافة غير مسبوقة. الثورة السلمية تنتشر في مدن مصر و تستمر رغم سقوط الشهداء و تصدر الأوامر في اليوم الخامس لقوات الجيش المصري بالنزول من معسكراتها إلي الشوارع لإعادة الانضباط. و صاحب نزول دبابات الجيش إلي الشوارع تحليق بعض الطائرات العسكرية فوق المتظاهرين و لعل رعبا لم يصب الثوار الشبان و لكن منا نحن المسنون من أصابه رعب له ما يبرره بطبيعة الحال فتحليق هذه الطائرات الحربية في ميدان التحرير أعاد إلي الذاكرة الأحداث الدموية المرعبة الدموية التي تم فيها سحق المتمردين، حيث قتل في ساحة تيانمين في الصين عام 1989 ثلاثة آلاف متظاهر،، و سقط في الثورة الإيرانية عام 1979 ثلاثة آلاف قتيل، وسقط في حماة عام 1982أكثر من عشرين ألف قتيل، وقتل في ثورة اندونيسيا عام 1998 قرابة ألف شخص.

و لكن عيون المصريين رأت مشهدا فريدا سيظل عالقا في وعيهم الجديد. لقد وقفت دبابات الجيش المصري لتحول بين الثوار و بلطجية فلول النظام و سمعت المسئول العسكري الميداني عن ميدان التحرير لجموع المحتجين أن أحدا من رجال الجيش لن يطلق عليكم رصاصة، و في نفس الوقت لم تتحول مدافع الدبابات إلي السلطة لتزيحها بعمل انقلابي، تري هل كان ذلك يعني دعوة للثوار لرفع أصواتهم عاليا لتسمعها السلطة و تقتنع بأنه لا سبيل أمامها سوي الامتثال لمطلب الثوار؟ قد تحمل لنا الأيام من التفاصيل ما يفسر ما كان يدور بين قادة الجيش المصري آنذاك، و لكن بصرف النظر عن تلك التفاصيل فسوف يبقي راسخا ذلك المشهد الفريد غير المسبوق: الجيش يلتحق بالثوار و ليس العكس.

رابعا: الثوار حماة الثورة

رسخ لدينا من مسلمات الزمن القديم أنه لا بد للثورة الشعبية من ضامن يقوم علي حمايتها و تجنيبها مخاطر الثورة المضادة و مخاطر الانحراف و مغامرات المتربصين، و سادت بناءا على ذلك الفكر القديم أن الجيش هو الضمان. و أظن أن ذلك الجيش العظيم الذي لحق بالثوار و رفض أن يقف في مواجهتهم بل و تكفل بحمايتهم، ذلك الجيش هو الذي في حاجة إلي ضمان يكفل له ألا يتعرض لانشقاق أو انقلاب أو تهاون. و ليس من ضمان سوي ذلك الشعب الذي انضوي تحت راية ثورة 25 يناير. إن أي صانع قرار في مصر الغد و أيا كان لونه الفكري أو انتمائه العقائدي أو حتى نوعية ولائه القومي أو الديني أو الدولي؛ لن يبرح ذاكرته قط مشهد تلك الملايين التي اندفعت فجأة و دون توقع لتصنع ثورة 25 يناير 2011 متحدية كافة أساليب القمع الدموي و التشويه الفكري. و سوف يكون هذا المشهد بتفاصيله هو الضمان الذي يضغط علي الجميع: "تري ما الذي يحول دون الجماهير المليونية من التدفق من جديد؟" و لعل التجمع المليوني غير المسبوق في جمعة الانتصار 18 فبراير دليل علي إمكانية ذلك التكرار.

خامسا: الخبز يلحق بالحرية

كان التصور السائد هو أن تتطور الاحتجاجات و الإضرابات و الاعتصامات العمالية و الفئوية لتصبح بمثابة القاطرة التي تلحق بها بقية فئات المجتمع المتعاطفة مع من يطلبون "الخبز" و لعله من الملفت للنظر فيما يتعلق بمسار ثورة 25 يناير أن طليعتها كانت من شباب مثقف ميسور الحال لا يعاني من شظف عيش أو بطالة و لكنه كان يفتقد الكرامة و الحرية و من ثم فقد غيرت ثورة 25 يناير المعادلة التقليدية حيث احتل من يطلبون الحرية مقدمة المشهد في البداية لتلحق بهم و تلتف حولهم جموع المطالبين بالخبز ممن يشكون شظف العيش و البطالة و الفساد و اتساع الفجوة بين الأجور.

سادسا: آليات جديدة لتشكيل الجبهة

لقد جمع الحشد المليوني في ميدان التحرير كافة ألوان الطيف السياسي المصري من الإخوان المسلمين إلي الشيوعيين إلي حزب الجبهة إلي الحزب الناصري إلي حركة كفاية إلي أنصار الدكتور محمد البرادعي إلي جماعة خالد سعيد و جماعة 6 إبريل و 25 يناير إلي آخره.

حين نظرت إلي تلك الصورة المعقدة تساءلت بمنظوري القديم: تري كيف لهؤلاء أن ينسقوا جهودهم لتكوين جبهة يتوافق عليها الجميع؟ و استعدت ذكريات محاولات فاشلة لتكوين الائتلافات و الجبهات في مصر و في العالم العربي إلي حد بروز ظاهرة تفتت التيار السياسي الواحد إلي مجموعات متصارعة. تذكرت كيف كان المناضلون يمضون وقتا طويلا في تحديد ما ذا بعد الإطاحة بالعدو أو بالنظام الفاسد. و تذكرت كيف انقسم حزب البعث العربي الاشتراكي علي نفسه. و تذكرت كيف كنا نتحدث طويلا عن صورة فلسطين بعد التحرير: اشتراكية أم إسلامية أن لا شرقية و لا غربية. و كيف كنا نبذل جهدا شاقا لا يثمر كثيرا في البحث عن صيغة لتنظيم مظاهرة –مجرد مظاهرة- يشترك فيها الشيوعيون و الإخوان المسلمون و الوفديون. كانت تشغلنا قضية و ما ذا بعد الانتصار، و كان المبرر الذي بدا للكثيرين مقنعا آنذاك: أننا إذا ما لم نتفق علي المستقبل بتفاصيله فسوف ينتهي بنا الأمر إلي التقاتل و الفوضى.

و فوجئت بأن تلك الجوع المليونية من الثوار دون تنسيق سياسي مسبق تخطوا تلك العقبة الكأداء و رفعوا شعارا واحدا أجمعوا عليه "الشعب يريد إسقاط النظام" و التف الجميع حول هذا الشعار دون أن يتنازل أحد عن توجهاته الفكرية الأصلية. ظل كل على قناعاته دون أن ينكرها أو يتنكر لها معترفا بحق الآخرين في الاحتفاظ بقناعاتهم، و يعلن الجميع التزامهم بعد الانتصار بالاحتكام إلي الجماهير و الخضوع لإرادتها في ظل حكم مدني يعبر عن إرادة الشعب عبر انتخابات نزيهة

ختاما: تري هل انتهت الأخطار التي تهدد تلك الثورة؟ لا أظن ذلك و من هنا فثمة قلق مشروع و لكن الفارق كبير بين التشاؤم و القلق. التشاؤم يعني ترجيح أن الثورة مآلها الفشل، و لعله من مسلمات علم النفس السياسي أن سيطرة الإحساس بالتشاؤم و توقع الفشل يمكن في حد ذاته أن يؤدي إلي تحول هاجس الفشل إلي واقع فعلي، أما القلق فهو يعني أن الثورة في حاجة إلي أن تظل عيون الثوار و كذلك آذانهم مفتوحة.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ