ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 01/03/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

الاستبداد بين الجنون والإجرام

اتهام المستبد بالجنون.. يطيل عمره ويزيد فساده في الأرض

نبيل شبيب

عندما خرج مبارك في خطبته الأخيرة ووصل إلى نطقه بالعبارة التي كشفت عن تمسّكه بمنصبه، صدرت عن كثير من المشاركين في الثورة الجماهيرية المليونية ردود أفعال غاضبة وصفتها وسائل الإعلام بحالات هيستيرية من الغضب، وعند التأمّل في الحدث والمشهد المعبّر عنه، يتبيّن أن الأمر ليس "فعلا هيستيريا" بل هو من قبيل التعبير عن حالة من الذهول وعدم التصديق:

هل يمكن للمستبدّ أن يبقى متشبّثا بكرسي الاستبداد بعد أن ظهرت للعيان استحالة بقائه فيه؟..

أليس هذا ضرباً من الجنون.. لا يمكن تصديقه، فيثير ردّ فعل ثوروي يجمع بين الذهول والغضب؟..

وعندما خرج القذافي في خطبته الأخيرة (هي الأخيرة حتما وفق سائر معايير العقلاء) بدا بكلماته وحركاته في أقصى درجات الجنون، الذي عُرف عنه أو وُصم به في وقت مبكّر من حقبة حكمه الاستبدادي، فما كتب وما صنع كان يتجاوز دوما ما يمكن تفسيره تفسيرا عقلانيا.

في حالة مبارك أفاض أحد الخبراء النفسانيين عبر قناة الجزيرة في الحديث عن حالة "النرجسية" النفسانية، وكيف تتجلّى في واقع الحاكم المستبدّ في مصر وما يصنع في مواجهة الأزمات.

وفي حالة القذافي أوجز خبير نفساني آخر (د. مأمون المبيض) عبر القناة نفسها الوضع بقوله إنّ الشذوذ في حالة المستبد النفسانية لا تُسقط عنه الأهلية والمسؤولية عمّا يرتكب من جرائم.

الشيخ العلامة يوسف القرضاوي طرح خلال أحد مواقفه أثناء ثورة مصر ما يقول به القرآن الكريم بتعبير معجز دقيق بشأن مَن لهم قلوب لا يفقهون بها، وعيون لا يبصرون بها، وآذان لا يسمعون بها.

 

الاستبداد وليد الاستكبار لا الجنون

ليس المستبد مجنونا وإن بلغ بتصرفاته الاستبدادية ما بلغه نيرون بحرقه روما، أو فرعون بادّعائه الألوهية، ولهذا -على النقيض من إسقاط المسؤولية عن فاقد العقل- لا يُسقط وضعُ المستبدّ عنه المسؤولية ولا العقاب، في الدنيا والآخرة.

شأن المستبد إذن شأن كلّ إنسان لا يستخدم عقله وحواسه استخداما سويّا، وهذا بالذات ما يحمل المسؤولية عنه، عندما يكفر أو يعصي أو يقتل أو يضلّ ويضلّل، وجميع ذلك وأمثاله متناقض مع العقل السويّ والحسّ السليم والفكر البصير، ولكن لا يمكن أن ننسبه إلى الجنون، بل إلى استكبار متفرّع عن استكبار إبليس، الذي يعلم الحق (فيطلب الإمهال إلى يوم الدين) ويكفر (يغطّي الحق الذي يعرفه) ويتصرّف تبعا للانحراف عمّا يعلم، فيزعم أنّه خير من آدم عليه السلام.

الحقيقة ظاهرة للعيان بين يدي المستبدّ أيضا، والصراط المستقيم بيّن أمام كلّ إنسان، والتصرّف القويم ممكن غير محظور، وهو يختار -رغم ذلك- استكبارا أو طمعا أو انحرافا طريق الباطل والشرّ والعصيان، فيحمل المسؤولية كاملة عن تصرّفاته، وإن بدت في أعين العاقلين ضربا من الجنون.

لقد أدّى التسرّع أو أدّت المبالغة في ربط سلوك إجرامي بحالة مرضية نفسانية إلى إسقاط المسؤولية عن مرتكبي كثير من الجرائم "الصارخة" في كثير من البلدان الغربية، كما هو الحال مع مرتكبي جرائم القتل العشوائي، أو الاعتداء الجنسي على الأطفال، أو الاغتصاب، وكانت الحصيلة ازدياد انتشارها مع مرور الزمن بدلا من الحدّ منها.

ولا ينبغي أن ينتشر شبيه ذلك في التعامل مع المستبدّين في البلدان العربية والإسلامية وسواها، فلن تكون الحصيلة إلا زيادة الاستبداد بدلا من الحدّ منه، وتعتبر حالة القذافي مثالا نموذجيا على ذلك، فمنذ طرح كتابه الأخضر الحافل بمقولات لا عقلانية فيها، وأقدم على سياسات وممارسات وتصرفات شاذة، بدءا بالعبث بالمؤسسات بما فيها القوات المسلّحة، انتهاء بتبديل أسماء الشهور والتقويم الهجري، انتشر على ألسنة معارضيه وصفه بالجنون، وانتشر على ألسنة من يتحدّثون خارج الحدود عن استبداده في ليبيا أنّه من صنع حاكم مجنون.. وإذا به يصل إلى ضرب رقم قياسي عالمي من حيث طول فترة استبداده، نتيجة قدرته البعيدة عن "الجنون" على حبك آليات الاستبداد بجميع ما تتطلّب من أسباب ممارسته واستمراريته.

 

الإجرام الاستبدادي حتى النهاية

يمكن القول إن كل مستبد متجبّر مستكبر فيه لوثة من الجنون.. بمعنى أنّه يصنع ما لا يصنع العقلاء عادة، إنّما يجب أن يكون واضحا أنّ هذا التعبير من قبيل "الكناية" وليس من قبيل الوصف الاصطلاحي الدقيق للاستبداد، وهو لا يختلف عن القول إنّ كل مجرم فيه لوثة من الجنون.. وفق المعنى ذاته، وإلا لما تعدّى المجرم على إنسان مثله فجعل منه "ضحية"، فالعاقل السويّ لا يصنع ذلك.

بل يمكن أن يدرك المجرم أنّه سيواجه العقوبة لا محالة، ولا يتورّع رغم ذلك عن ارتكاب الجريمة، ممّا يتناقض مع ما يفرضه العقل السويّ، ولا يتناقض مع استمرار مسؤوليته عمّا يصنع، بل تلك حالة من الاستبكار متقدّمة على الحالة الأولى، وتشابه فيما نعايشه في الثورات العربية الحالية حالة القذافي في آخر أيامه، فنهايته باتت محتومة، وبدلا من أن يسلك طريق العاقلين، مع احتمال أن ينجو ولو جزئيا من العقاب، يواصل طريقه الاستبدادي الإجرامي.. حتى اللحظة الأخيرة، فيزيد من دواعي عقابه، ويزيد من أسباب تصعيد الثورة عليه، ويزيد من ترجيح أن تكون نهايته أوخم ممّا كانت ظاهرة للعيان مع الأيام الأولى لثورة الشعب على استبداده.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ