ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 02/03/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

مواجهة المناورات الغربية مع الثورات العربية

إنقاذ ما يمكن إنقاذه.. بتجديد أساليب قديمة

نبيل شبيب

لم تستقر بعد دعائم الدولة بعد الثورة في تونس ومصر، ولكن شهد البلدان عددا من الزيارات من جانب المسؤولين من الدول الغربية، التي بقيت متردّدة طويلا عن اتخاذ موقف إيجابي من الثورة ومسارها، إلى أن حلت المرحلة الاخيرة في كل من البلدين، ولفظ النظام أنفاسه الأخيرة أو كاد، ويكفي ذلك –ناهيك عمّا يؤكّده الموقف من ثورة شعب ليبيا- لتأكيد استحالة الاطمئنان لما يُطرح عبر "حملة" الزيارات الراهنة، وآخرها في الوقت الحاضر زيارة وزير الخارجية الألماني جايدو فيسترفيلي لمصر.

ما المطلوب عبر تلك الزيارات؟.. هل يمكن أن يقتصر على ما تقول به التصريحات السياسية الرسمية وهو: عرض المساعدة لترسيخ الديمقراطية ولتحقيق التنمية الاقتصادية؟..

ليس من الواقعية السياسية التسليم بذلك ببساطة، وتجاهل أن المصلحة وفق رؤيتها الغربية ذاتيا، لا أكثر ولا أقل، هي التي تحدّد السياسات والممارسات الغربية، وليس من الواقعية السياسية توهّم أن الدول الغربية تعتبر ترسيخ الديمقراطية وتحقيق التنمية الاقتصادية في البلدان العربية المجاورة، هو الأساس المطلوب لتحقيق المصالح الغربية وفق رؤيتها الذاتية.

 

المطلوب غربيا

ما هو المطلوب غربيا إذن؟..

1- المطلوب أولا إيجاد مرتكزات جديدة، لن تكون مثل المرتكزات السابقة في عهد الاستبداد المطلق، من حيث علاقاتها مع الغرب، المنضوية تحت هيمنته، ولكن المطلوب أن توجد بوجوه جديدة تضمن توافق الرؤى في الميادين السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية.. أو بتعبير أوضح: أن تكون ذات رؤى تغريبية.

العنوان الرسمي لذلك هو: ترسيخ الديمقراطية وفق الطريقة الغربية، والمداخل العملية على أرض الواقع: دعم الأحزاب المناسبة لتنشيط نفسها وتطوير تنظيمها، وتوثيق العلاقات المباشرة مع الشخصيات السياسية وتنظيمات المجتمع المدني المناسبة.

2- المطلوب ثانيا تجديد قاعدة العلاقات المالية والاقتصادية على غرار ما كانت عليه قدر الإمكان: مساعدات مالية تربط المشاريع المحلية بالتمويل الغربي، واستثمارات غربية تحقق الفوائد الأكبر لمصادرها الغربية، وأسواق استهلاكية لاستمرار تصريف السلع الغربية.

العنوان الرسمي لذلك: مستوى معيشة أفضل يحدّ من تيارات الهجرة باتجاه القارة الأوروبية، والمداخل العملية على أرض الواقع: حرية التجارة والاستثمارات دون ضوابط تراعي بما فيه الكفاية عدم التوازن الاقتصادي والمالي بين الجانبين.

3- المطلوب ثالثا الحفاظ على أكبر قدر ممكن من مرتكزات الخارطة السياسية والأمنية والعسكرية (المعاهدات المعقودة في غياب الإرادة الشعبية، والمفاوضات "المزمنة" المواكبة لتغيير الواقع على الأرض، ومظاهر "التطبيع" المتسلّلة رغم رفضها شعبيا) والتي عملت القوى الغربية بمشاركة الأنظمة الاستبدادية لرسمها انطلاقا من التعامل مع قضية فلسطين في اتجاه أصبح واضحا قبيل اندلاع الثورات العربية أكثر ممّا مضى: تصفية قضية فلسطين مع ضمان استمرارية التفوق الإسرائيلي إقليميا.

العنوان الرسمي لذلك: استمرارية ما سبق عقده من معاهدات واتفاقات في عهد نظام استبدادي لم يكن يمثل الإرادة الشعبية، والمداخل العملية على أرض الواقع: تكرار أسلوب قديم يقوم على ربط الدعم المعروض (والواقع أنه مطلوب غربيا) بشروط مباشرة أو غير مباشرة على صعيد التعامل مع قضية فلسطين في الدرجة الأولى (ولا ينبغي إغفال قضايا أخرى، مثل السودان، والعراق، والصومال، ولبنان، أو ما يسمّى مكافحة الإرهاب والقرصنة والهجرة، ناهيك عن سياسات "الاعتدال" ومحاورها الإقليمية). 

 

أهمية المرحلة الانتقالية

لا يجهل أحد في الغرب أنّ حقبة ما بعد الثورة لن تكون كما كانت قبلها، ليس في تونس ومصر وبلدان الثورات التالية حاليا فحسب، بل في المنطقة العربية (والإسلامية) إجمالا، ولا يبدو أن أحدا من بلدانها سيبقى بمنأى عن ثورة شعبية أو إصلاح جذري استباقي، فلم يعد السؤال الحاسم المطروح في الغرب: (كيف يستعاد وضع تاريخي رحل أو يوشك على الرحيل).. ولكن إذا كان المفروض بالمنطق السياسي أن يكون السؤال البديل: (كيف يتعامل الغرب مع الوضع التاريخي الجديد المنتظر).. فالواقع أن السؤال المطروح دون الإفصاح المباشر (أو الكامل) عنه الآن هو:

ما الذي يمكن صنعه في نطاق الفرص التي تنطوي عليها المرحلة الانتقالية الراهنة بالذات، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالمنظور الغربي، ممّا كان قائما، وزرعه مجدّدا في إطار ما سيقوم بتأثير إرادة شعبية لا يهيمن الغرب على مفاصل صناعة القرار من خلالها كما كان من قبل؟..

إذا استقرت دعائم الدولة بعد الثورة، وفق أهداف الثورة، وقام نظام جديد يعبّر عن إرادة الشعب بما فيه الكفاية، لن يكون من السهل على قوّة دولية أجنبية أن توجد لنفسها –لاحقا- مثل تلك المرتكزات، أو تدفع عجلة تطوّر الأوضاع المحلية في اتجاه يتلاءم مع تحقيق المطلوب غربيا، ولهذا تبدو الحركة الغربية مكثفة وستزداد كثافة إلى نهاية المرحلة الانتقالية في بلد بعد بلد.

 

ما بعد ثورة مصر

لم يكن ذلك واضحا تماما أـثناء ثورة تونس، لا سيما وأن انخفاض نسبة الضغوط الشعبية فيها قبل رحيل ما بقي من النظام الاستبدادي الذي أسقطته، أوجد درجة من الاطمئنان في الأوساط الغربية، أنّ في الإمكان التعامل مع الوضع الجديد، دون أن تتغير ملامحه تغييرا جذريا، ودون أن يشمل المنطقة العربية بمجموعها.

ولكنّ المفاجأة الكبرى وقعت بأن كانت مصر بالذات وليس سواها هي المحطة الثانية في مسلسل الثورات العربية، وتمثلت المفاجأة الكبرى الثانية في استمرار الضغوط الشعبية فيها بعد رحيل رأس النظام الاستبدادي، وهو ما أثار في الأوساط الغربية قلقا كبيرا، ضاعفته سرعة اندلاع الثورة في ليبيا أيضا، إذ ظهر للعيان ما يعنيه ذلك بالنسبة إلى الشمال الإفريقي من جهة، ومن حيث أنه لا يوجد نظام استبدادي يستطيع بعد الآن أن يطمئن إلى بقائه زمنا طويلا من جهة أخرى.

لقد وجدت الدول الغربية نفسها بذلك أمام أوضاع جديدة لم يعد يمكن وقف عجلة مسارها في اتجاهين:

1- قيام الدولة "العربية" بما يحقق الإرادة الشعبية إلى حد كبير، إن لم يكن شاملا في البداية، فسيتحقق الشمول تدريجيا على الأقل.. وهذا ما يشهد عليه مسلسل التطورات الجارية داخل حدود مصر حتى الآن.

2- امتداد نتائج الثورة إقليميا دون حدود، واستحالة حصرها في بلد أو بلدين في الشمال الإفريقي فقط.. فهذا ما ثبتّته ثورة شعب ليبيا بصورة نهائية، فضلا عمّا تشهده بلدان عربية أخرى من قبل الثورة في تونس، وتفاعله التصعيدي إيجابيا بصورة مشهودة بعد ثورة مصر.

لا شكّ في أنّ ترجيح تحقيق هاتين النتيجتين في المنطقة العربية (والإسلامية من بعد)، صادر أوّلا عن قوّة الثورة الشعبية نفسها، ومرتبط ثانيا بالظروف الدولية المواتية، أو بتعبير آخر ما يعتبره الغرب "فراغا" ناجما عن زعزعة استقرار هيمنته العالمية على الأصعدة الأمنية العسكرية والاقتصادية المالية في وقت واحد، وهو في واقع الحال مرحلة انتقالية دولية أيضا على طريق رسم معالم خارطة جديدة للقوى والعلاقات الدولية، يستحيل أن تتشابه مع ما كان قائما إلى ما بعد الحرب الباردة ببضع سنوات.

 

معطيات جديدة

لم يُثبت عنصر الإرادة الشعبية فعاليته داخليا ووقتيا فحسب في ثورتي تونس ومصر، إنّما أثبت إلى جانب ذلك أيضا:

1- ارتباطه الوثيق بصناعة المستقبل.. من خلال انطلاقه من جيل المستقبل ومن خلال ما كشف عنه بدرجة عالية من الوعي السياسي الشعبي، الذي تجلّى بالاستجابة الشعبية الشاملة لثورة بدأت من خلال جهود "شبابية" وليس من خلال قوى "تقليدية".. وهذا في مقدمة الضمانات التي يمكن الاعتماد عليها في المستقبل المنظور.

2- التوازن الكبير على صعيد المجتمع، وهو العنصر الأهم في بناء الدولة بعد الثورة، أي أنّ جميع ما رسّخه الاستبداد من انقسامات وفتن وتناقضات، سياسية، وحزبية، وفكرية، وطائفية، ومعيشية، واجتماعية، بدا أثناء الثورة وكأنه ذاب تلقائيا في بوتقتها، فهي ثورة شعبية شاملة.. لا يمكن لمن ينطلق من تلك الانقسامات والفتن أن يحقق لنفسه تأييدا شعبيا كافيا يسمح له بفرض رؤية "فئوية" صادرة عنها، في صناعة القرار.

3- شمول الإرادة الشعبية من وراء صناعة الثورة لمختلف الميادين.. أي أن التركيز أثناء أيام الثورة على هدف واحد: إسقاط الاستبداد، لا يعني كما يقال إن "فئة الشباب" صنعت الثورة، وسواها "يصنع الدولة"، وما يأتي بعد الثورة، يمكن أن يختلف عمّا ركّزت الثورة عليه.. فالتغيير الجذري مطلوب بإلحاح شعبي ثوروي واستمرارية ضغوط شعبية ثوروية، على كل صعيد، ومن ذلك ما سيشمل ميدان "العلاقات الخارجية" بما فيها العلاقات البينية العربية (والإسلامية حتما) وكذلك العلاقات مع العالم الغربي.

هذه العناصر الأساسية الثلاثة الأهم من سواها، قابلة –عبر استمرار الحرص عليها- لضمان استكمال أهداف الثورة، من خلال التركيز على ضمانات دستورية مدروسة ومؤسسات متوازنة منبثقة عنها وآليات توافقية عملية في بناء الدولة والمجتمع. وبقدر ما يتحقق ذلك، مع عدم إغفال عنصر الزمن، يمكن القول إنّ المنطقة العربية –وليس تونس ومصر.. وليبيا فحسب- دخلت حقبة تاريخية جديدة.

 

المطلوب محليا

لا شكّ أنّ تحقيق المطلوب محليا بعد قيام "الدولة العربية الجديدة" سيكون أسهل من المطلوب تحقيقه الآن، في المرحلة الانتقالية، على كل صعيد، بما في ذلك ما يرتبط بالعلاقات "المستقبلية" مع الدول الغربية، ومن هنا التأكيد على حدّ أدنى لا غنى عنه في التعامل مع المساعي الغربية للتاثير على مجرى التطوّرات في المنطقة العربية عموما، وفي تونس ومصر تخصيصا:

1- تجنّب أي التزام من جانب الجهات المسؤولة في المرحلة الانتقالية في نطاق طبيعة العلاقات الخارجية المستقبلية (السياسية والمالية وغيرها) عموما ومع الدول الغربية تخصيصا، فمسؤولية هذه الجهات مقتصرة –حصريا- على تنفيذ النقلة "الداخلية" خلال المرحلة "الانتقالية" ما بين نظام سقط ونظام يحقق أهداف الثورة ولم يقف على قدميه بعد.

2- لا يمكن القبول بصيغ "الدعم" المطروحة غربيا، والتي لا شكّ في أنها تتركّز على قوى داخلية، لا سيما الحزبية (وبالمنظور الأمريكي: العسكرية أيضا) وقوى المجتمع الأهلي/ المدني الأقرب إلى الرؤى الغربية، سياسيا واقتصاديا وفكريا، دون قوى أخرى، فليس هذا ما يقيم دولة تنبثق فيها خارطة متوازنة مستقبلية للقوى المحلية وتنبثق فيها أيضا صناعة القرار مستقبلا، عن الإرادة الشعبية، مع ما تجده "جميع" القوى الحالية من دعم سيكون بطبيعة الحال متفاوت الدرجات، عبر آليات التعبير الحر النزيه المضمون بآلياته عن الإرادة الشعبية.

3- ليست الآليات والضمانات الضرورية لبناء الدولة في حاجة إلى دعم خارجي، ففي نطاق الوضع الانتقالي الراهن، يوجد ما يكفي من الإمكانات والطاقات الذاتية، القضائية والسياسية والأمنية (العسكرية تخصيصا) والحزبية وما ينبثق عن القيادات الشبابية للثورة، وجميع ذلك من مختلف التيارات، ما يكفي من خلال تكاملها وتوافقها، لضمان المراحل المتتابعة لتكوين الدولة، بما في ذلك الانتخابات مثلا، فما يسمّى "الرقابة الخارجية" مطلوبة في بلدان يحكمها الاستبداد، وليست مطلوبة في بلدان انتصرت الإرادة الشعبية فيها على الاستبداد.. وأقصى ما يمكن القبول به من باب التواصل الخارجي، وليس من باب "تحصيل شهادة خارجية"، هو استضافة بعض التنظيمات الدولية المستقلة عن الحكومات، من التي يتم التوافق داخليا على القبول بمتابعتها لما يجري داخليا، وليس الرقابة عليه.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ