ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 07/03/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

الإنسان أولا - البقاء للأسوأ

مازن ميالة

هناك سؤال يطرح نفسه بإلحاح في الأيام الأخيرة ويطرحه كل راغب في التغيير في سوريا وطرحته الكثير من الأقلام وهو لماذا تونس ومصر وليس سوريا؟. وأنا هنا سأحاول الإجابة على هذا السؤال في سياق البحث الذي نشرته تحت عنوان - الإنسان أولا-  وبنفس المرجعية الفكرية التحليلية.

أنا أعتقد أن هناك مجموعتان من العوامل المسببة لكوننا نتأخر عن مصر وتونس في الإنتفاضة على الإستبداد:

- المجموعة الأولى للعوامل كنت قد تناولتها بشيء من الإسهاب في بحثي سابق الذكر، وإن لم تكن في سياق الإجابة على هذا السؤال، خصوصا فيما يتعلق بطبيعة النظام السوري وتوصيفه، فيما يتعلق بسياسته الداخلية، ودرجة التدمير التي ألحقها بشخصية ووعي والمنظومة القيمية للإنسان السوري والمجتمع السوري بشكل عام ، والتي بلا شك تفوًق فيها وبأشواط على أقرانه في تونس ومصر.  الإنسان السوري والمجتمع السوري كانا ولا يزالان  الأكثر تعرضا لإرهاب وإذلال السلطة الإستبدادية بين دول المنطقة وبدون منازع، وهو بلا شك الإرهاب الأوسع إنتشارا والأكثر إحكاما ومكرا بين كل هذه الأنظمة. هل تعرض الشعبان المصري أو التونسي إلى مجازر مثل المجازر التي تعرض لها السوريون في حماه وتدمر؟. هل وصل الأمر في تونس أو مصر إلى أن يتحكم النظام بلقمة عيش كل إنسان بشكل مباشر كما هو حاصل في سوريا؟.

- المجموعة الثانية تتعلق بالجانب الإقليمي، وكنت قد أشرت إليه في سياق البحث أيضا، وتتمثل في أن للنظام السوري دور إقليمي لم ينته بعد.

 كون هذا الدور إقليمي، يعني بالتالي أنه يجب أن يكون بالتوافق مع القوى الإقليمية الأقوى في المنطقة، اي إسرائيل وإيران بشكل خاص.

فمن غير النظام السوري سيضمن حدود آمنة مع إسرائيل فوق أراضينا المحتلة وإبقاء حالة اللا حرب ولا سلم والممانعة الخطابية المستدامة التي تعني في حقيقتها، عدم إزعاج إسرائيل على أي صعيد، للأربعين سنة القادمة، ومن سيتولى أمر الشعب السوري، الذي كان قبل أن يحل هذا النظام ويقوم بإخضاعه،  يسبب قلقا دائما لدولة إسرائيل بحماسه للقضية الوطنية والقومية ومقاومة المشروع الصهيوني ودعم النضال الفلسطيني كما لم يفعل أي من الشعوب العربية الأخرى.

 ومن سينوب عن النظام السوري في لعب ذلك الدور التاريخي الذي لعبه ولا يزال، في لبنان الشقيق في  توضيب وضمان أوضاع  تضمن أن لا يقوم لمشروع الدولة اللبنانية قائمة  بعد الآن، ويبقي على تقسيمه على أرض الواقع بدعم دولة حزب الله فيه،  ويحرمه بالتالي من الإستقرار والتطور الطبيعي. كل هذا خدمة لأجندته ومثيلتها لدولة الملالي الإيرانية في إبقاء النفوذ والهيمنه من ناحية وتنفيذا للمصلحة الصهيونية في القضاء على أي فرصة لإستعادة لبنان عافيته وتقدمه، الذي كان يوما شوكة في عين وحلق الصهاينة الذين يريدون الحفاظ على تفردهم بالتقدم والحضارة والديمقراطية من ناحية أخرى.

من غير النظام السوري سيضطلع بذلك الدور التاريخي الذي إضطلع به النظام ومنذ تأسيسه في ضرب القضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني بمحاولات الإحتواء وزرع الشقاق والفتن والإعتقالات وإرتكاب المجازر كلما استدعت  الحاجة، ودعم وتمويل الإنقسام الفلسطيني الكارثي الحالي. وهنا أيضا لسنا بحاجة إلى عبقرية حتى نكتشف من له المصلحة ومن المستفيد من ذلك ومن الذي يخسر إن انتهى هذا الدور.

ومن غير النظام السوري سيقوم بالأدوار المشينة في إعداد وتصدير الإرهاب والإرهابيين إلى العراق الشقيق وصب الزيت على نار الحرب الطائفية والمذهبية فيه" كلما دعت الحاجة"، ولا داع للسؤال عن المستفيد.

هذه الأدوار"الخلاقة" على الصعيد الإقليمي لم تضطلع بها لا مصر ولا تونس في أي يوم من الأيام. ولهذا تحديدا تجري مكافأة النظام السوري على كل خدماته وأدواره تلك، بمنحه "رخصة" التمديد أو البقاء في الحكم.

من ناحية أخرى وفي هذا الصدد، لم أستطع أن لا ألاحظ، أن هناك ضغوط على النظام المصري والتونسي ومنذ زمن ليس بالقصير لإجراء تغييرات "ديمقراطية" تفتح المجال لبعض التغيير في الداخل. بينما لم نسجل أي ملامح لضغط من هذا القبيل على النظام السوري. لم أستطع أن لا أسجل، كيف أن وسائل الإعلام الأوسع شهرة وإنتشارا في العالم العربي، كانت تفتح مجالا واسعا نسبيا لإنتقاد النظامين المصري والتونسي ولمخاطبة شعبيهما من قبل المعارضات، في الوقت الذي لا تنشر فيه مقابلة سجلت مع أحد أبرز رموز المعارضة السورية منذ سنوات من قبل محطة فضائية "منوط بها كشف الحقائق والأسرار وخفايا الأمور".

بكلمة أخرى، أنا أعتقد أن التغيير في تونس ومصر كان يجري التخطيط له، ولكن الأحداث على أرض الواقع، وبفضل الإنتفاضتين الملحميتين فيهما، قد أدت إلى  تجاوز السيناريوهات التجميلية التي كانت معدة لهما، لتتصدر القضايا التحررية الإنسانية على أجنداتهما، ويشعلا نار الثورة في نفوس جميع المنكوبين بالإستبداد في العالم العربي.

وبالعودة إلى الشأن السوري، لا بد من الإشارة إلى أن المجتمع السوري لا يزال لم يتعاف بعد من عواقب الأحداث الجلل في تاريخه الحديث ولم "يتأقلم" بعد مع الأثمان الباهظة  التي دفعها في صدامه مع النظام. كما أنه لم يلتقط أنفاسه بعد في مواجهة الآلة القمعية للنظام.

ولهذا السبب أعتقد وبكل أسف، أن هذا المجتمع ليس مهيأ بعد لمواجهة على مستوى الإنتفاضة مع النظام. ولذلك فإني أعتبر دعوات إلى يوم غضب في سوريا، كالتي حصلت مؤخرا، دعوات تفتقد الحكمة وإن كانت مخلصة. المجتمع السوري سوف يحتاج أولا، وكما أشرت في بحثي سابق الذكر، إلى مرحلة من إعادة تأهيله بداية، من خلال معارضة سلبية لا صدامية، لا تتطلب تضحيات كبيرة، لإعادته للإنخراط بالشأن العام ولإستعادة الثقة بالنفس والتضامن.

إن استنهاض المجتمع السوري من جديد لن يتم بالدعوات الخطابية، لن يتم بإشاعة تفاؤل لا يستند إلى واقع ملموس. إن استنهاضه يتطلب مجهودا في تدريب هذا الشارع على تجاوز الرعب المبالغ به من بطش النظام، وشرح أن هذا النظام ببساطة، لن يستطيع تكرار إرتكاب المجازر الكبرى كما حصل في السابق. تجاوز الرعب يتم بممارسة الفعل المعارض  بشكل تدرجي من أبسط أشكاله بالامتناع مثلا عن السعي لإرضاء النظام وأجهزته، برفض المشاركة في مظاهر التبريك والتأييد وتعليق الصور والشعارات، المقاطعة الإقتصادية للمصالح التي تعود للرجالات المافيوية للنظام وأزلامهم،  رفض مساعدة الأجهزة الأمنية وعدم ممارسة الباطنية وإغتصاب الإنسان لنفسه وكل ما يسيء إلى كرامته وضميره. هذا الفعل المعارض يمكن الدعوة إلى تصعيده ورفع وتيرته بناء على مستوى تفاعل الشارع وبحيث يكون خطه البياني متصاعدا وبدون نكسات حتى الوصول إلى مرحلة المواجهة الإنتفاضية.

 إن إنتفاضة الشعبين الشقيقين في تونس ومصر تجربة نادرة ومساعدة لا تقدر بثمن للشعب السوري وبقية الشعوب العربية في نضالها ضد الإستبداد في دولها، كونها تقدم رؤية ملموسة للطريق نحو الحرية ، لكن حتى نتمكن من تمثل هذه التجربة النادرة وإسقاط قلعة الإستبداد في سوريا، سيبقى قانون التطور الطبيعي معكوسا في منطقتنا أي أن البقاء ولو مؤقتا للأسوأ.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ