ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مالا
أصل له فمهدوم .. شباب الأمة يصنع
التغيير عماري
جمال الدين هناك
شبه إجماع على أن عام 2011 هو عام
الغضب العربي، عام الاحتجاجات
والانتفاضات والثورات الشعبية.
عام التشكلات الجديدة، عام
الشباب العربي الحر الأصيل،
المثقف الواعي الشجاع - ومعه كل
القوى الحية - الذي عرف كيف يدير
الأزمة، ويثبت أنه الأقدر على
فهم الخفايا والأبعاد، فقلب
بذلك كل الموازين والحسابات،
وأزاح جميع الجهات النظامية
والرسمية، وكان بالفعل القلب
النابض والمحرك للأحداث. والرقم
الصعب في المعادلة. عام التغيير
الحقيقي الذي طالما حلم به
الإنسان العربي المسلم عبر عقود
من الزمن، إننا بالفعل أمام
دلالات زمن متغير، إذ نشهد
ميلاد عهد ذهبي جديد، ولحظات
مهمة وفارقة في تاريخ الأمة،
توحي بانبثاق فجر جديد وغد مشرق
بإذن الله. وصدق من قال: " قد
تمر عقود لا يقع فيها شيء يذكر،
وقد تأتي أسابيع تقع فيها عقود
" ومن يرفض إدراك حقيقة أن
الدنيا تغيرت، فهو لم يع ولم
يفقه شيئا في دنيا البشر، وعليه
أن يعود إلى السنة أولى إعدادي،
ليستكمل ويسد بعض الثغرات ويرمم
بعض الفجوات في جدار مساره
التعليمي التعلمي. *
الرسالة وصلت إذ لا
شك أن التحولات الكبرى التي
تجري اليوم على الساحة العربية،
بدءا من تونس مرورا بمصر وقوفا
عند ليبيا واليمن، - وما ستسفر
عنه الأحداث، التي لا نشك أنها
في صالح شعوب المنطقة- تعريجا
على البحرين والسعودية - وما
يحدث فيهما من مخاض - أكبر مؤشر
على أن أمتنا قد دخلت من جديد في
عصر الشعوب، وأن المضمون
السياسي والاجتماعي لهذا الغضب
الشعبي الساطع الآتي من مختلف
أرجاء الوطن العربي الكبير
يحتاج : أولا:
إلى وقفة مع الذات، وتأمل
عميق لما يحدث في الساحة،
وقراءة تحليلية عميقة، ودراسة
مستفيضة شاملة، تستهدف فهم
واستيعاب حقيقة ما يحدث،
للتفاعل معه بما يستحق حاضرا
ومستقبلا، حتى نكون أبناء
زماننا، فنؤدي المهمة والدور
المنوط بنا. ثانيا :
أن التغيير سيطال الرؤى
والتصورات والذهنيات، وكذا
السلوكيات والممارسات، مما
يستوجب إعادة قراءة للواقع
المعيشي وترتيب قناعات جديدة،
للتكيف مع المستجدات. ولا يتم
ذلك إلا بمراجعة الآليات
والوسائل والأساليب والطرائق
والكيفيات، وأنماط التفكير
التقليدية التي ارتبكت وهي
تتلقف الخبر وتشهد الأحداث
باهتة في حيرة، لا تكاد تصدق
حقيقة ما يجري، حتى وكأنها باتت
متأخرة عن الزمن الذي تعيشه،
فهي غير قادرة على استشراف
المستقبل، وتوقع الحدث قبل
صيرورته فعلا، لابد من التنبؤ
باتجاه البوصلة، من خلال
القراءة الصحيحة لمعطيات
الساحة، بطرح الخيارات ودراسة
البدائل الممكنة. ثالثا :
أن الأسباب الحقيقية لمطلب
التغيير المحرك لشباب الأمة
ولقواها الحية، - بعيدا عن نظرية
المؤامرة - تستهدف ثلاثية جثمت
على صدر الأمة عقودا طويلة، وهي
(الاستبداد، والفساد، والتبعية
بمختلف أشكالها للغرب) وإن كانت
القوى الدولية التي اعتادت على
سلوكها الاستبدادي على امتداد
القرن الماضي، قادرة على
التشويش والإزعاج والعرقلة
الآن وفي الفترة المقبلة،
ولكنها غير قادرة على وقف عجلة
التاريخ الجارية. رابعا:
وضوح لا لبس فيه، ودقة في
المقصد والمبتغى، قرأناها في
الشعارات والعبارات والبيانات،
التي في مجملها تحمل رسالة
مفادها أن شوقا شعبيا جارفا
للحرية والعدالة، ولقمة العيش
والحياة الكريمة، في أمن
واستقرار وسلام. وهي مطالب في
غالبها عادلة وبسيطة. * أسئلة
للبحث لقد دار
جدل كبير، وسال حبر كثير وسمعنا
وقرأنا تحليلات متنوعة من كتاب
وإعلاميين وخبراء ومثقفين
وعلماء ومفكرين ومواطنين عاشوا
الحدث ونقلوا لنا حقيقة ما يجري.
وقد كان للإعلام النزيه دور
كبير في تصوير المشهد المأساوي
والدم العربي المهراق على
الطرقات. الذي
هز ضمير كل إنسان حر أبي، فتألم
الجميع لفظاعة ما يرتكب من
مجازر في ليبيا خاصة. وقد طرحت
أسئلة كثيرة جديرة بالوقوف
عندها، ومنها: - ماذا يحدث الآن ؟
- من وراء هذه الأحداث التي تعج
بها الساحة العربية ؟ - هل ما
يحدث كان لأسباب داخلية فقط ، أم
أن هناك مصالح ودوافع دولية
وإقليمية سهلت حدوثه ونجاحه ؟ -
هل ما يحدث انتفاضات وثورات
شعبية، أم مجرد احتجاجات سرعان
ما تنتهي وتزول ؟ - هل هي إرادة
التغيير التاريخية قد حان
أوانها، أم هي مراهنة القوى
الغربية على قيام أنظمة
ديمقراطية عربية تقطع الطريق
على الدعوات الإسلامية
الأصولية المتطرفة، التي نبع
الإرهاب الدولي من رحمها ؟ - هل
هي تراكمات طاقات الانفجار
والكبت المخزن لدى الشعوب قد
وصلت لحظة انفجارها الثوري، أم
أن ملامح شرق أوسط جديد على مقاس
الدولة الصهيونية آخذة بالتشكل
؟ - ما طبيعة الرؤى السياسية
المؤثرة في الشرق الأوسط ؟ - هل
سينجح التغيير ؟ وأسئلة أخرى .. * عبر
ودروس حركة
التاريخ دوارة، والتاريخ ظاهره
إخبار وباطنه نظر وتحقيق،
والليالي حبالى تلدن كل عجيب،
والدروس والعبر لا تنقطع،
والعاقل من اتعظ بغيره، وسعى
للمراجعة. 1)
المغير والفاعل الحقيقي ومسبب
الأسباب هو الله عز وجل. "إن
الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا
ما بأنفسهم."( آ -11 الرعد)
استعن بالله وحده عند شروعك في
مشوار التغيير، فهو الذي له
الأمر كله من قبل ومن بعد، وهو
الذي يقدر الأقدار، وهو الذي
يشاء ويختار. وهو الموفق لكل خير.
ولا تقل بذكائي وعلمي أو بقوتي
وقدرتي بل قل بفضل الله وبرحمته.
فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله
العلي القدير. ويد الله تعمل في
الخفاء. إن رفاهية الإنسان
الحقة في إيمانه، وسكينته
وطمأنينة قلبه. لأنه لا استقرار
لعقل الإنسان وفكره وقلبه إلا
بالإيمان، ولا راحة لجسده
وجوارحه إلا بالإسلام، ولا
لروحه إلا بالتقوى. وإذا كان هذا
هو هدف الحضارة الحقة وأمل
البشرية الأكبر، فإنه لن يتحقق
إلا بالدين والإيمان واليقين،
وكيف يمكن للإنسان أن يكون
قادرا على مواجهة شدائد الحياة
بشجاعة وصبر دون الإيمان بالله.؟ 2)
البقاء للأصلح، وللمبادئ
الصحيحة والقيم الخالدة أما
ماعدا ذلك فأشكال وطقوس تمضي
وتنمحي " من الأمثلة الشعبية
عندنا " ما يبقى فالواد غير
احجاره " قال إبو حامد
الغزالي:" الشريعة أصل والملك
حارس، ومالا أصل له فمهدوم، وما
لا حارس له فضائع" لأن
الشريعة مبناها وأساسها على
الحكم ومصالح العباد، في المعاش
والمعاد، وهي عدل كلها ومصالح
كلها وحكمة كلها، فكل مسألة
خرجت عن العدل إلى الجور، وعن
الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة
إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى
العبث فليست من الشريعة، وإن
أدخلت فيها بالتأويل. فالشريعة
عدل الله بين عباده، ورحمته بين
خلقه، وظله في أرضه، وحكمته
الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى
الله عليه وسلم. وهي صالحة لكل
زمان ومكان. ولأنها رسالة
الإسلام الخاتمة، التي جاء بها
خاتم الأنبياء والمرسلين، وهي
آخر كلمات الله إلى البشر، "
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين."
(آ- 107 الأنبياء) هذا هو سر وجودها
وسر خلودها وبقائها. أما من طغى
وتجبر وبطش وظلم واستبد برأيه
وقال ما أريكم إلا ما أرى فإن
مصيره معلوم وبقاؤه لا يدوم.
وإلا أين الفراعنة أين الأكاسرة
أين الأقاصرة ؟ أين أصحاب
المذاهب والفرق الضالة عند
المسلمين وعند غيرهم؟ أين أصحاب
النظريات والحركات الهدامة
قديما وحديثا؟ أين من ركبوا
موجة الإلحاد وملأوا الدنيا
ضجيجا؟ أين الشيوعية وقد عمرت
ما يقارب القرن؟ لقد تراجعت
وتقهقرت حتى اندثرت، وأصبحت
أثرا بعد عين. لكن في المقابل
انظر جهود المجددين والمصلحين
من أبناء أمتنا، كيف أينعت ثم
أثمرت ثم آتت أكلها كل حين بإذن
ربها. لماذا ياترى وما السر في
ذلك؟ قال تعالى:" فأما الزبد
فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس
فيمكث في الأرض" (آ -17الرعد) 3)
الظلم عمره قصير ومرتعه وخيم وعاقبة
الظالمين هلاك ودمار. قال تعالى:
" فانظر كيف كان عاقبة مكرهم،
إنا دمرناهم وقومهم أجمعين،
فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا،
إن في ذلك لآية لقوم يعلمون." (آ-51،52
النمل.) الآن فهمت. كلمة رددها
كثير من الطغاة الذين رفضوا أن
يفهموا حتى يأتيهم أمر الله،
فيضطروا إلى النطق بها ذلا
وصغارا، لقد قالها كبيرهم من
قبل، فرعون موسى حين أدركه
الغرق. لقد آمن الديكتاتور ولكن
بعد فوات الأوان، كما يرددها
اليوم طغاة كثر. لقد أدرك الناس
أن هذا الديكتاتور العملاق ما
هو إلا قزم صغير، وهذا الجبار
المتكبر الذي لا يستطيع أحد أن
ينبس ببنت شفة أمامه، لا يفقه
شيئا، فهو يرى ولكن لا يبصر
شيئا، لأن الكبر والتسلط حجبا
عنه الفهم، فأنى له أن يستوعب!
فما أوهن وما أضعف الظالمين
والمستبدين ! قال الكواكبي: "
إن خوف المستبد من نقمة رعيته،
أكثر من خوفهم من بأسه"
وتحضرني مقولة الرسول الفارسي
عن عمر ابن الخطاب: " حكمت
فعدلت فنمت ياعمر " فالعدل
أساس .الملك والحضارة والتمكين. 4)
أولوية البناء العقلي والروحي
والخلقي على البناء العمراني أي أن
تثقيف العقول، وتزكية النفوس،
وترسيخ المباديء والأخلاق
الفاضلة أهم من البناء
والعمران، إن العمل وبذل الجهد
من أجل تنمية شاملة أمر مهم،
واهم منه أن نعتني ببناء
الإنسان فهو
أهم مورد وأهم رأسمال تمتلكه
الأمم والشعوب. وهذا يعود إلى أن
التقدم الحقيقي في الرؤية
الحضارية هو تقدم روحي خلقي
بامتياز. وقد كشفت الأحداث
الأخيرة أن مكمن القوة في الأمة
هم شبابها الذين تكفلوا بصناعة
حاضرها ومستقبلها، وقد استلموا
زمام الأمور عن جدارة واقتدار،
وقد أثبتوا بشجاعتهم وتضحياتهم
وقوة فطنتهم بعلمهم وثقافتهم
بسلوكهم وأخلاقهم، بسلميتهم
وتفتحهم ووعيهم العميق، انظر
إلى تحكمهم وتمرسهم بأرقى آليات
ووسائل الاتصال الحديثة، كالنت
والفايس بوك واتويتر وغيرهم،
التي أدخلتها العولمة
الرأسمالية للتحكم برقاب
البشر، فإذا بشباب الأمة يحولها
إلى إنجازات. فتحية إجلال
وإكبار لهؤلاء الفتية الذين
رفعوا رؤوسنا وأقالونا جميعا
واستلموا السلطة وقيادة
الجماهير. 5)
بالحوار تحل كل الإشكالات على
الحكام والرسميين والمسئولين
أن يفتحوا حوارا جادا مخلصا مع
شعوبهم، وأن يرفعوا كبتهم
للحريات، وأن ينزلوا إلى
الميدان ويستمعوا وينصتوا إلى
انشغالات واهتمامات وقضايا
الناس المطروحة التي تشكل أزمة
عندهم، وأن يربتوا على أكتافهم،
ويخففوا من آلامهم، ويمدون لهم
يد المساعدة ولو بالكلمة
الطيبة، فإن ذلك يورث التحابب
والتآخي والتآزر، وذهاب
الضغائن والأحقاد، وأن تمنح فرص
العمل والتشغيل، والحق في السكن
والصحة والتعليم
لكل مواطن، ضمانا للعيش
الكريم الذي يحفظ الكرامة
الإنسانية. لابد من هدم الهوة
وكسر الحاجز بين الحاكم
والمحكوم، فكلهم أبناء أمة
واحدة، وبناء جو ثقة وتواصل
للتعاون من أجل بناء الأوطان
وتنمية البلدان، وتفويت الفرصة
على المتربصين من الداخل
والخارج، كل ذلك من أجل التقدم
والازدهار واللحاق بركب الدول
المتقدمة، وليس ذلك على الله
بعزيز، إذا صدقت النيات وحسنت
الأفعال. لا تقل ذهبت أربابه كل
من سار على الدرب وصل. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |