ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
عصابات
مسلّحة.. وثورات سلميّة وقفة
قصيرة بين حقبة انحطاط وحقبة
حضارية نبيل
شبيب صعدت
ثورة شعب تونس وثورة شعب مصر
بمكانة الشعوب العربية
والإسلامية إلى العلياء
حضاريا، لأسباب عديدة لا يكاد
ينقطع الحديث عنها، في مقدمتها
سلمية الثورة رغم همجية النظام،
ولم يتبدل الطريق السلميّ الذي
سلكه شعب اليمن وشعب ليبيا
وقطعا فيه شوطا بعيدا في
ثورتيهما، كما لم يتبدّل الطريق
السلميّ الذي تحرّك عليه شعب
سورية، ولكن همجية الأنظمة
واجهت شعار "سلميّة.. سلمية"
بالعنف، الذي يحاول أن "يجمّل
وجهه" أولئك الذين يصفونه
بالعنف المفرط، وهو عنف همجي لا
يمكن أن يُنسَب إلى إنسانية
الإنسان، أو إلى سياسة وسياسيين.
تعدّدت
النماذج.. والحصيلة واحدة لن
تتغيّر المكانة الحضارية
المرموقة لهذه الثورات الشعبية
العربية السلمية الجارية،
إنّما أعطت –وهي في بداية
التحوّل التاريخي الكبير- أدلّة
إضافية وقاطعة على ما كان
معروفا من قبل، فأنظمة
الاستبداد تحوّلت منذ زمن إلى
مجموعة عصابات فاسدة مسلّحة،
تتفاوت في نوعية تنظيمها،
وأساليب استبدادها، ونوعيات
فسادها، ودرجة عنفها، وجميعه
مرفوض، وأخطره ما واجهه شعب
ليبيا، ثمّ ما تعرّض وما زال
يتعرّض له شعب اليمن، ويمكن أن
يبلغ درجة أخطر فيما لو نجح
الحاكم في تصعيد استعداء فريقٍ
مسلّح حوله، ضدّ شعب يرفضه،
ويغزو –بأعلى درجات الوعي
وبثورة سلميّة منقطعة النظير-
قلوب فريق مسلّح آخر، فيستميله
إلى دعمه بدلا من المشاركة في
توجيه النيران إلى الرؤوس
والصدور، وينذره الحاكم بحرب
أهلية!.. لقد
استخدم حاكم ليبيا الشاذّ
العجوز مع أفراد عصابته
المسلّحة ومرتزقته الأسلحةَ
الثقيلة في مواجهة الشعب
الثائر، وسعى سعيا متواصلا إلى
"عسكرة الثورة السلمية"
عبر ولوغه في سفك الدماء، حتى
أصبح أخطرُ ما يواجه الأقطار
العربية والإسلامية من تدخل
عسكري دولي مرفوض، أمرا واقعا،
يُختلَف عليه نتيجةَ تقدير
أخطاره القريبة والبعيدة،
إنّما لا يمكن توجيه اللوم -من
وراء المكاتب وعبر الشاشات
الصغيرة عن بعد- إلى من استنجد
بما يسمّى المجتمع الدولي، من
بين أولئك الضحايا الذين
تعرّضوا للتقتيل الهمجي يوميا،
وقد انفردت بهم العصابة الهمجية
المسلّحة، ولم يجدوا حولهم ومن
ورائهم نصيرا من "الأشقاء"،
يدعم بالسلاح لا الكلام، أو
يغيث على الأقلّ باحتجاجات
جماهيرية سلمية ومعونات مادية..
فما زال معظم حكّام الأشقاء
مشغولين –ويشاغلون الشعوب- في
العمل بأيّ ثمن على "تجنّب"
وقوع ثوراتٍ يعلمون أنّها قادمة
حتما في البلدان الأخرى!.. وسلك
حاكم اليمن المستبدّ سلوك
الحاكم الشاذّ العجوز ذاته،
سلوك العصابات المدجّجة
بالسلاح، بإخراجٍ آخر لِما
ارتكبه من جرائم يومية مع
الإنكار الاستعراضي المستفزّ
للمسؤولية المباشرة عنها، ومع
إراقة الدماء البريئة علنا، عسى
يتمكّن -كأستاذه في ليبيا- من
"عسكرة الثورة السلمية"..
وأخفق، ولا تختلف الشعوب عن
بعضها بعضا بمستوى الوعي الذي
تجاوزت به الحكام ونخبهم وأحزاب
المعارضة ونخبها، إنّما توجد
أسباب عديدة لإخفاقه، ربما كان
من بينها أنّ عنصر المفاجأة
بهول الإجرام قد لعب دوره في
ليبيا، بينما كان ثوّار اليمن
يعايشون ما جرى ويجري، ويرون
كيف تحاول عصابات الاستبداد
المسلّحة أن يقلّد بعضها بعضا،
فحرصوا على استمرار سلميّة
ثورتهم رغم توالي التضحيات،
ورغم توافر السلاح في بلدهم
أكثر من بلدان أخرى. ولئن
تجاوزنا أمثلة أخرى تحتاج إلى
بعض التفصيل، ممّا جرى ويجري في
المغرب والبحرين، وفي الأردن
والجزائر، وفي العراق والسودان
–ناهيك عن فلسطين ذات الوضع
المختلف اختلافا حقيقيا معروفا
عن أيّ قطر آخر- فإنّنا نجد بين
أيدينا أنّ ما يجري في سورية
بالذات، منذ 15/3/2011م على الأقلّ،
يكاد ينزلق بفعل الاستبداد
الحاكم إلى ذات الطريق الوخيمة
العواقب، التي سلكها الحاكم في
ليبيا وفي اليمن، وكأنّه لا يرى
خيارا استبداديا آخر سوى
النموذج الليبي الذي أوصل إلى
أخطر الجرائم بحقّ الشعوب وإلى
أخطر النتائج عبر تدخل عسكري
دولي.. أو النموذج اليمني الذي
أوصل إلى انهيار أركان العصابة
المسلّحة، وتفويت فرصة
الاستجابة –المتأخّرة عقودا
وإن سمّيت مبكّرة- إلى مطلب
التغيير الجذري الشامل، قبل أن
يصبح رحيل السلطة –مع وقوع
التغييير المحتم- في صيغةٍ
مزريةٍ مُهينةٍ لِمن تشبّث
باحتكار السلطة لعدّة عقود ولم
ينقطع خلالها عن ممارسة
الاستبداد والفساد.
إرادة
التغيير إنّ
العنف الإجرامي الاستبدادي لا
يمنع انطلاق ثورة شعبية آن
أوانها تاريخيا وكان الاستبداد
نفسه من وراء مشروعيتها ونشأة
جميع أسبابها وكثيرٍ من عوامل
انتصارها، كما أنّه لا يمكن أن
يخمد ثورة شعبية، اشتعلت بإرادة
شعبية، وتغذّيها طاقات جيل من
الشبيبة تنحني بين يديه القامات
والهامات، فهيهات أن تتمكّن
عصابة استبدادية فاسدة مسلّحة
من الحفاظ –بالعنف- على سيطرتها
وتسلّطها في أي بلد من البلدان. وإن
التغيير التاريخي الذي بدأ في
جنوب تونس، ووصل إلى جنوب
سورية، فعمّ تونس وأخواتها
وسيعمّ سورية، وشمل عدّة أقطار
عربية وانطلقت إرهاصاته في
أخرى، سيكتمل عاجلا لا آجلا،
وسينقل المنطقة من عهد الانحطاط
الاستبدادي إلى عهد نهوض حضاري
جديد، وسيرغم العالم على تعاملٍ
آخر مع المنطقة بكاملها مهما
حاولت القوى الأجنبية تكرار
تجاربها الماضية غزوا أو تدخلا
أو هيمنة أو استغلالا. وإن
التغيير التاريخي الذي قطع
مرحلته الأولى في تونس ومصر،
ويوشك أن يقطعها في ليبيا
واليمن، يطرح على جميع الأنظمة
في الأقطار العربية خاصة
والإسلامية عامة، الخيار بين
الخضوع السريع لإرادة الشعوب أو
الخضوع البطيء.. بين الاستجابة
السلمية أو الاستجابة تحت مفعول
قوّة الشعوب السلمية.. بين
المشاركة الذاتية في التغيير أو
المقاومة البائسة اليائسة.. بين
وقف مسلسل الاستبداد والفساد
وارتكاب الجرائم المنبثقة
عنهما أو خوض جولة أخيرة خاسرة
من الاستبداد والفساد والإجرام. لقد مضت
حقبة الاعتقالات العشوائية
والتعذيب في أقبية مظلمة تشهد
على همجية مَن يستبيحه أو يأمر
به أو يمارسه فتأبى إنسانيّة
البشر أن ينسبوا أنفسهم إليها..
مضت حقبة ذلك الإجرام
الاستبدادي في غياب كلمة "لا"
عاليةً مدويةً من جانب الجماهير
الشعبية، ومضت معها حقبة
التزوير والتضليل والإرهاب
بحالة طوارئ أو دونها،
وبمحاكمات قمعية مزيّفة أو
دونها، وصياغة نصوص شاذة توصف
بالدساتير أو الحكم دون دستور،
وتشريع الاستبداد بقوانين ما هي
بالقوانين أو سنّ القوانين
وانتهاكها.. مضت
حقبة تبجيلٍ كبير مضحك للحاكم
"الملهم" الفرد أو تبجيلٍ
محدود مضحك، والركون إلى تبجّح
السلطة بالقمع والتنكيل أو إلى
دهاء السلطة وهي تمارس القمع
والتنكيل.. مضت
حقبة تزييف المهرجانات
وتسميتها انتخابات واستفتاءات،
أو تزييف المهرجانات وتسميتها
"غراما" بالسلطان وعائلته
وحاشيته و"إجرامه"،
واعتبارها مراسيم طاعة له مهما
عصا شعبه وتمرّد على إرادته،
وحقبة تسلّط العصابة الواحدة
على الحكم والثروات باسم حزب أو
دون حزب.. مضت
حقبة صناعة التخلّف وادّعاء
التقدّم، وصناعة الفقر ونهب
الثروات، والاحتفال بإنجازات
خاوية، والتفاخر بمجرّد ارتكاب
جرائم محدودة بحق القضايا
المصيرية –ويكفي منها عزل
الشعب بالاستبداد والحيلولة
دون تعبئته- بدعوى أنّها جرائم
أقلّ شأنا ممّا يرتكب الآخرون،
وحقبة توظيف دعم ما تصنع الشعوب
بدمائها في مقاومة العدوان
والاحتلال والاغتصاب كما لو كان
من صنع مَن يزعم فضل المقاومة
لنفسه دون أن يمارس مقاومة ولا
ينقذ أرضا ولا يصدّ عدوانا ولا
يحرّر أسيرا.. مضت
حقبة الإفتاء بتحريم الثورات
على الاستبداد، وممارسة
الاستبداد عبر الانقلابات
وتسميتها ثورات.. مضى
جميع ذلك لأن الثورات الشعبية
الجارية وضعت حدّا تاريخيا
نهائيا له.. لأنّ الشعوب اكتشفت
قوّة إرادتها وقرّرت فرضها، من
أجل التغيير الجذري الشامل،
سواء رضيت العصابات المسلّحة
بذلك واستجابت، أم أبت وأجرمت. فرصة
قصيرة الأمد مضى زين
العابدين ولم يعد قادرا على
التصرّف تجاه ثورة شعبية.. مضى
مبارك ولم يعد قادرا على
التصرّف تجاه ثورة شعبية.. وانتهى
أمر القذافي وصالح وسيمضيان فلم
يعودا قادرين على البقاء
والتصرّف سوى أيام.. وما زال
آخرون يتصرّفون، وبين أيديهم
سلوك طريق من الطرق الإجرامية
التي سلكها هؤلاء إلى نهاياتهم،
وجميع نهاياتهم مخزية.. وبين
أيديهم أيضا سلوك طريق آخر،
تفرضها ثورات الشعوب على كلّ
حال، شاؤوا أم أبوا. كنتم
تخمدون الانقلابات على
انقلاباتكم بحجة أنّها
انقلابات مسلّحة لا تصنع
المشروعية التي تزعمون مثلها
لانقلاباتكم.. كنتم
ترتكبون ما ترتكبون في إخماد
حركة مسلّحة بذريعة أنها حركات
حملت السلاح في وجوه سلطاتٍ
تمارس ما تمارس باستخدام أسلحةٍ
كدّستْها عبر نهب ثروات الشعوب
للحيلولة دون ثورتها على
الاستبداد والفساد.. فماذا
أنتم فاعلون الآن مع ثورات
شعبية سلمية مشروعة جعلت العالم
يقف مشدوها وهو يرى ما لم يرَ من
قبل مثيلا له في تاريخ البشرية؟.. الشعب
الثائر في كل بلد من البلدان
التي طال تسلّطكم عليها، يريد
الكرامة، والعزة، والحرية،
والنهوض، والوحدة، والحقوق..
فماذا تريدون؟.. الشعب
الثائر يتحرّك بصدور شبابه
وتحرّر شاباته، وعزيمة شيوخه
وبراءة أطفاله، وبأنوار تاريخه
وآمال مستقبله، فما الذي يحرّك
ميليشياتكم، ورشاشاتكم،
ومصفحاتكم، ومياه خراطيمكم،
وغازات قنابلكم، وظلمة
معتقلاتكم، وبشاعة محاكماتكم،
وأبواق أعوانكم، وبعلاقاتكم مع
أعداء الشعوب من القوى الدولية
الكبيرة والصغيرة؟.. الشعب
الثائر ثائر بإرادته ليصنع
مستقبله بنفسه ويستعيد سيادته
المسلوبة واستقلاله المنتهك،
ويفرض نفسه في عالمه وعصره، فهل
تواجهونه إلا بأدوات القمع التي
استوردتموها من أعدائه لعجزكم
حتى عن صناعتها محليا كعجزكم عن
صناعة منتج وطني، وزراعة غذاء
محلي، وإقامة أمن إقليمي، أو
قطري، أو عربي وإسلامي.. أو حتى
أمن شخصي لأنفسكم؟.. إنّ
المشكلة الأكبر لدى العصابات
المسلّحة أنّ كبير كلّ عصابة
منها وأفرادها من حوله لم
يتعلّموا من قبل أن يتصرّفوا
إلا بعقلية العصابة المسلّحة
وزعامتها، وهذي ثورات الشعوب
السلمية تعطي دروسا غير مسبوقة،
فإن لم تستفيدوا من خبرات أمم
أخرى، وحقب تاريخية مضت.. أفلا
تحاولون الاستفادة من خبرات
شعوب تتحرّك ثائرة في وجوهكم،
وتنتصر على أمثالكم، رغم
استبدادكم، وتتعلّموا من وعي
شعوب أذهل العالم من حولكم، ومن
سلميّة ثوراتٍ كالسيل المتدفّق
الجارف.. يمكن أن تجرفكم بمختلف
الأساليب والوسائل والأشكال..
لولا الحرص على أن تكون سلميّة؟.. التغيير
المطلوب تغيير فوري.. الآن، وليس
مماطلة، وتحايل، وتضليل،
ووعود، والتخلّي عن بعض
الأعوان، والمشاركة في بعض
الميادين. التغيير
المطلوب تغيير سياسي شامل وليس
رفع مرتبات وأجور بردّ بعض
الحقوق المادية المسلوبة،
وإرادة شعبية تحكم وليس بتخفيض
نسب البطالة التي تحملون أنتم
المسؤولية عن ارتفاعها، وقضاء
مستقل وليس بمراسيم ملكية
ورئاسية تصدر ببعض العفو عن بعض
مَن عليكم أنتم أن تطلبوا العفو
منهم. التغيير
المطلوب تغيير اقتصادي ومالي
وإداري واجتماعي وأخلاقي في كل
ميدان من الميادين وفي كل مكان
من الأمكنة بما يشمل كل فئة من
الفئات وكل فرد من الأفراد..
فجميع ذلك فسد في حقبة
الاستبداد الطويلة، ولا تقبل
الثورات الجذرية الشعبية –ولها
الكلمة الفصل شئتم أم ابيتم- أن
يبقى منه شيء، ولا تساوم على شيء
منه قطّ.. على الإطلاق. التغيير
الجذري الشامل هو المطلوب.. لا
الترقيع، وأنتم تعلمون ذلك حق
العلم، والشعوب الثائرة تعلم
ذلك حق العلم، والعالم كلّه
يعلم ذلك حق العلم.. فتصرّفوا
قبل فوات الأوان، فالثورات لا
تنتظر طويلا. إنّها
ثورات تاريخية ولن تتمكّنوا من
الحيلولة دون اندلاعها
وانتصاراتها وإن تمكّنتم من
زيادة ضحاياها الأبرياء. إنّها
ثورات مشروعة ولن تضلّلوا أحدا
في محاولات قمعها وإن خادعتم
أنفسكم بكل الأساليب غير
المشروعة. إنّها
ثورات تغييرية ولن تعودوا إلى
الوراء بعجلة مسيرتها إلى
المستقبل، وإن تخلّفتم عن
التعلّق بها قبل فوات الأوان. إنها
ثورات سلمية ولن تلوّثوها بدماء
الأبرياء وإنّ لوّثتم آخر صفحة
تكتبون من صفحات عصابات
الاستبداد والفساد المسلّحة. ولأنّها
ثورات تاريخية مشروعة تغييرية
سلمية، فهي تفسح لكم بعض الوقت،
كرماً لا اضطرارا، كي تتخلّوا
عن الاستبداد والفساد طواعية..
ولكنّه وقت قصير، وسيفوت الأوان
عليكم سريعا ما لم تستبقوا
الأيام المعدودات الباقية
للاستفادة من فرصة لا تستحقونها
لأنكم لم تتيحوا مثلها قطّ
لسواكم، ولا يمكن في حقبة
التغيير القادم لا محالة، أن
تتكرّر بعد اليوم. هي فرصة..
لا يستفيد منها إلا من يتخلّى عن
عقلية العصابات المسلحة،
ويتصرّف بعقلية الشعوب الواعية
الثائرة. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |