ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 28/03/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

من مصر إلى الثوار وهم يصنعون النصر في سورية

رسالة من أرض شباب ثورة مصر إلى أرض سورية الثائرة

نبيل شبيب

العين على سورية والقلب في سورية وكل خفقة من خفقاته ترافق مع الإكبار والاعتزاز والألم والحياء أولئك الثوار الذين خرجوا يوم أمس، يوم جمعة العزة 25/3/2011م، في دمشق وضواحيها دون استثناء، في درعا الأبية والصنمين والسويداء، في حمص وحماة وحلب واللاذقية، في كل مدينة أوقد شهداء الأيام العشرة السابقة مشاعل مسيرة الثورة فيها على طريق النصر بإذن الله..

العين على سورية وهذه الكلمات من مصر، من زيارة للقاهرة بعد أن حققت ثورة مصر هدفها الأول بإسقاط رأس النظام، ودخلت مرحلة فرض إرادة الشعب عبر الفترة الانتقالية، وقبل دقائق فقط رأيت جمعا من الشباب الثوار، يحملون الأعلام الليبية، ويتجهون إلى مبنى السفارة الليبية في القاهرة، وسيتوجّهون كما يقولون من بعد إلى ميدان التحرير، الذي أصبح رمزا لثورة سلمية شعبية حضارية لم يسبق مثيلها في تاريخ البشرية، وهم يدركون أن الثورات العربية جميعا ثورة سلمية حضارية تاريخية مشتركة واحدة، وأنها جميعا ماضية نحو صناعة التغيير الجذري الشامل في هذه الحقبة التاريخية الحاسمة من حياة العرب والمسلمين والعالم أجمع.

ولقد كانت العين على مصر والقلب في مصر طوال أيام صناعة الثورة في قلبها الخافق بميدان التحرير وفي جميع أنحاء مصر، اندلعت يوم 25/1/2011م، وانتصرت يوم 28/1/2011م، في ذلك اليوم تلاقت جموع الثائرين وجها لوجه على جسور النيل باتجاه ميدان التحرير مع جموع الميليشيات القمعية التي حملت –مثلما تحمل في سورية- أسماء متعددة لأجهزة أمنية، وخضعت قياداتها –مثلما تخضع في سورية- لرؤوس الهيكل الاستبدادي الفاسد، واستخدمت في المواجهة أسلحتها مثلما تصنع الآن في سورية- وكان من بين تلك المعارك بين الحق والباطل، بين إرادة الشعوب وإجرام الاستبداد، معركة دارت على جسر قصر النيل، غازات مسيّلة للدموع، الرصاص الحيّ، خراطيم المياه الكبريتية الساخنة، ومصفحات تدهس الثائرين ذهابا وإيابا.. وصمد الثائرون، والشهداء يتساقطون، والجرحى يتساقطون، لمدة ساعتين متواليتين، وانتصر حق الثورة على باطل الاستبداد.. وتراجعت جحافل الإجرام الاستبدادي أمام طهارة الصمود البطولية.

في تلك اللحظة –يا ثوّار سورية- انتصرت ثورة مصر.. وأصبح سقوط النظام محتما، وسقط، وأصبح الانتصار محتما، وتحقق، ولا بدّ أن يتكرّر المشهد في سورية، في مكان من الأمكنة، في لحظة من اللحظات التاريخية، وتنتصر الثورة، ويحتضر النظام، لساعات.. أو أيام.. أو أسابيع، كما كان في مصر الثائرة، إنّما لن تكون له نجاة من بعد، ولا يبدو أنّه يعمل الآن للنجاة بنفسه أصلا، قبل حلول تلك اللحظة التاريخية، فلا يزال يكذب ويكرّر الكذب ولا يصدّقه أحد، ويكيل الوعود والاتهامات معا فيناقض نفسه ولا يصدّقه أحد، ويتظاهر "بالهدوء والتماسك" ويكذّبه الواقع، ويتراجع وهو يبطش، ويترنّح رغما عنه.

 

مظاهرات ثورة ومظاهرات استبداد

يقال إن النصر صبر ساعة، ولا أعلم شاهدا على ذلك أصدق من تلك الساعة التي شهدها العالم على ذلك الجسر فوق نهر النيل، وما رأيت تطابقا في مقدّماتها مثل ذاك الذي رأيته بين الأيام الثلاثة الأولى من عمر صناعة ثورة شعب مصر، وما شهده يوم جمعة العزة في سورية، في مدن سورية جميعا.

طريق الثورة واحد من حيث الجوهر والحصيلة، وإن فاجأ الثوار في كل بلد الاستبداد القائم في بلدهم بإبداع جديد يصنع النصر، وطريق بناء الاستبداد –كطريق سقوطه- واحد من حيث الجوهر والمظهر وإن تعدّدت الأسماء وتباينت اللهجات، وتعدّدت أساليب الإجرام.

ولم يبدّل الاستبداد في سورية مسلكه منذ اللحظات الأولى لمسيرته يوم 8/3/1963م، وأعود بالذاكرة إلى تلك الأيام، فأذكر كيف بدأ الإجرام في العام التالي بقصف جامع السلطان في حماة واقتحام الدبابات للجامع الأموي في دمشق.. فهل تبدّل شيئ من ذلك على امتاداد 48 سنة كبيسة؟..

وكيف تقرّرت إقامة أول "مهرجان عسكري" يوم 8 آذار 1964م كي يحلّ تدريجيا مكان الاحتفالات السورية الجامعة بيوم الجلاء في 17 نيسان، وكيف كان يُساق طلبة المدارس سوقا ليقوموا بمسيرات شعبية مصطنعة لإعطاء النظام الانقلابي الاستبدادي الجديد صبغة شعبية مزعومة، فهل تشهد جموع الميليشيات والمخابرات المصنعة للتظاهر اليوم إلا امتداد ما بدأت صناعته بالإكراه في ذلك اليوم؟..

وكيف كانت "معسكرات الفتوّة" لتلاميذ المرحلة الأخيرة قبل الحصول على الشهادة الثانوية أداة لإكراههم على سماع تعاليم الحزب المتسلّط عبر محاضرات يومية، ولم يكن حافظ الأسد قد وصل إلى السلطة بعد، ولكن كان يدبّر وصوله إليها، ولقد أورد أمين عام حزب البعث منيف الرزاز في كتابه التجربة المرة عن تلك الفترة صورة معبّرة عندما سأل ضباط الطيران حافظ الأسد آنذاك هل يقف إلى جانب هذا الفريق أم ذاك من المتنازعين على السلطة في الجيش فكان جوابه الانتهازي: "سأكون مع الفريق المنتصر"، وصنع ذلك فعلا ليغدر بمن انتصر من بعد، بانقلاب على زعماء حزبه، ثم بانقلاب آخر على رفاقه في الانقلاب الأول، ثم بتصفية كل من ينطلق من سورية وطنا لحساب من ينطلق من الجناح المتبقي من حزب البعث في السلطة واعتباره هو "الوطن" وهو "الدولة"، وشملت التصفية الأحرار وأصحاب الؤى الأخرى جميعا، في جميع ما يوجد في الدولة من أجهزة ومؤسسات، ابتداء بالجيش انتهاء بالمعلمين والمعلمات، جنبا إلى جنب مع تكوين كوادر الميليشيات القمعية، والمخابرات الإجرامية، بمختلف الأسماء والوسائل، وفرض الوصاية على الشعب من خلال مؤسسات ابتدعوها كالمعسكرات الشبابية، ثم الشروع بعد فترة بإعداد ابنه الأول لوراثته في التسلّط على سورية، حتى إذا مات بدأ إعداد ابنه الثاني، وشمل ذلك اعتقال أكثر من 800 من "الأعوان" في الحكم لإزاحتهم من طريقه.. وآنذاك تلقى الرئيس الوارث الدروس في كيفية التسلّط على الشعب من الرئيس الموروث، وشرع في تطبيقه بالفعل عبر وعود مغرية، وإجراءات جزئية، ليتمكّن من السلطة ويتخلّص من المنافسين، ليعود بعد سنوات إلى اتباع نهج أبيه دون تغيير.

أليس هذا الاستبداد هو الذي يصطنع اليوم "مظاهرات التأييد" في مواجهة "مظاهرات الثورة"؟..

مظاهرات تقدّس الفرد.. ومظاهرات تهتف للشعب والوطن والحرية.

مظاهرات يحميها سلاح القمع.. ومظاهرات تتحدّى السلاح بالصدور العارية والحناجر المستهدفة بالرصاص.

مظاهرات فئةٍ متسلّطة انتهى أمرها بالثورة.. ومظاهرات جيل المستقبل يصنع الثورة ويصنع الوطن للمستقبل.

مظاهرات الاحتضار الأخير لنظام بائس يائس.. ومظاهرات ولادة النور في سورية من جديد، وخروجها من نفق الاستبداد والفساد والتخلّف والنعرات والتجزئة ونهب الثروات وهدر الطاقات. 

 

على طريق النصر

إن النصر يا ثوار سورية في أيديكم.. من خلال صمودكم.. من خلال تضحياتكم.. من خلال ما تعلّمون به الأجيال كيف تصنع الثورات، وتستعاد الكرامة، وتنتزع الحرية، وتستيقظ الشعوب، ويُدفن الاستبداد الفاسد في القبر الذي يصنعه لنفسه بنفسه.

كل رصاصة يطلقها في درعا والصنمين وفي اللاذقية ودمشق وفي حمص وحماة وفي كل قرية ومدينة، وفي كل شارع وساحة، رصاصة تصيبه في مقتل، وإن سقط الشهداء والجرحى، وتزيد الشعب غليانا وثورة، وترغم الاستبداد على مزيد من الترنّح والاحتضار.

ألتقي هنا في مصر مع شباب ثائرين وشابات ثائرات، ومع من سار من ورائهم من جيل عانى من الاستبداد لعدّة عقود.. وما كان يدور في خلد الثوار أنفسهم يوم 25 يناير (كانون الثاني) أنّ ذلك المستبد المتربّع فوق آلام الشعب عبر ثلاثين سنة سيسقط خلال 18 يوما، إنّما لم ينحرفوا قيد أنملة على هدفهم تهدر به الحناجر فيتردّد صوته من أقصى العالم إلى أقصاه: الشعب يريد إسقاط النظام.

وإنكم على يقين.. سيسقط المستبد الحاكم في سورية أيضا، بقضّه وقضيضه وفساده وإجرامه، كما سقط في مصر تلاحقه حناجر الشعب الثائر: الشعب يريد إسقاط النظام.

كان الألم يعتصر القلوب على مشاهد الشهداء والجرحى في تلك الأيام أثناء صناعة الثورة في مصر.. وما كانت الأعين التي تتابع دموعُها ثورتهم عن بعد، تتصوّر –كما أرى بأم عينيّ اليوم- مشاهد أولئك الثوار الشباب الأحرار، وقد أدركوا أنّهم حققوا نصرا تاريخيا، لا يمكن أن يحمل ما بعده شيئا ممّا كان من قبله من آثار الاستبداد والفساد.. وما زالت الثورة حيّة ماضية على طريق بناء جديد على أنقاض الاستبداد والفساد.. وقد أصبح هدير الشعب ينادي: الشعب "خلاص" أسقط النظام.

وستنطلق حناجركم آجلا لا عاجلا بذلك الهتاف: الشعب في سورية أسقط النظام.

أنتم ياثوار سورية تصنعون التاريخ، وتغسلون صفحة كئيبة سوداء من بين صفحات التاريخ في سورية وأخواتها، من درن الاستبداد والفساد.

أنتم تعيدون المجد لهذا الوطن.. الذي يخترع اليوم ثورة الحق على الباطل مثلما اخترع الكتابة للبشرية، ومثلما اخترع الأمن والأمان في العالم عندما كانت دولة الأمويين ممتدة من أقصى الأرض إلى أقصاها.

لقد سرقوا من سورية بهجة الأمن والحضارة، والسلم والعدالة، والحرية والكرامة، وهم يدفعون الثمن الآن احتضارا وانحسارا، ليعلو جبين سورية في العلاء من جديد، ولتنضم إلى قافلة التحرر في المنطقة العربية والإسلامية، على طريق تحرير كل أرض مغتصبة، ومسح كل دمعة ألم من عين طفل فقد أباه أو أمه، وكل امرأة فقدت ابنها أو زوجها، وكل شيخ يستعيد ذكريات الماضي قبل كابوس الاستبداد، وينتظر منكم أنتم بإقدامكم البطولي وصمودكم أن تضعوا حدّا لهذا الكابوس.

لقد أصبح النصر قاب قوسين أو أدنى، وإنّه وأيم الله آت، وما نهاية الاستبداد والفساد إلا ساعة من الصبر في مواجهة آخر حلقة من حلقات إجرامه بحق سورية وشعبها، وحق العرب والمسلمين، وحق الإنسان والإنسانية، وحق الحضارة البشرية.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ