ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
لا
يمكن تحرير فلسطين وأهلها عبر
استعباد سورية وأهلها استهداف
درعا.. بين خوف الاستبداد
وإجرامه نبيل
شبيب لا حاجة
لوصف ما جرى في مدينة درعا جنوب
سورية فجر الأربعاء ومساء
الأربعاء 23/3/2011م، فقد أصبح
معروفا من الساعة الأولى لوقوع
الحدث، مكشوفا بكل لحظة من
لحظات ارتكاب مسلسل الجرائم
فيه، وبكل مشهد من مشاهد
المأساة بين استبداد فاجر وشعب
ثائر، قتلا للصغار والكبار،
للأطباء والممرضين، وانتهاكا
لحرمة المساجد مع انتهاك حرمة
الإنسان.. ثم بعد ذلك توزيع
الأكاذيب بلا حساب ولا مراعاة
لحقيقة عدم وجود من يصدّقها، لا
من أهل سورية ولا سواهم، وشرّ ما
يمكن "الدفاع" به عن
الاستبداد في سورية، من أي
منطلق وطني أو قومي أو واقعي.. أن
يقال: لا بأس في قتل الأبرياء في
سورية من أجل قضية فلسطين،
فيجوز السكوت عن ذلك مقابل
"الدور المسوري المتميّز
إقليميا".. ومن يصنع ذلك لا
يخدم قضية فلسطين ولا أي قضية
أخرى من قضايا العرب والمسلمين.
إنّ حرية الإنسان وحرية الأوطان
تصنع التحرير لفلسطين، ولم
يصنعها ولا يصنعها استبداد
وفساد واستعباد في أي وقت وبأي
شكل من الأشكال. شواهد
على خواء الاستبداد واضح أن
الحاكم المستبدّ في سورية
يتوهّم حتى الآن القدرة على
إنكار ما يصنع ويرتكب من جرائم،
وهي التي حملت في درعا الآن
عنوان "الجامع العمري"..
ولا يكاد الاستبداد يختلف في
سلوكه الغبي أو الأحمق ( وأعتذر
لجميع الأهل في درعا وفي سوريا،
فرغم الألم والعيش في أجواء
المأساة.. لا أجد لفظا مناسبا
آخر) عن سلوك أسلافه قبل زهاء
خمسين عاما، عندما ارتكبوا في
عام واحد جريمتين كبريين على
بداية طريق انقلاب 8 آذار،
انتهاكا لحرمة المساجد وتقتيلا
للأبرياء بين جدرانها وفي
الشوارع، وقد حملتا آنذاك عنوان
"جامع السلطان" في حماة
والجامع الأموي في دمشق، وتلت
ذلك جرائم أخرى من عناوينها
تدمر وصيدنايا والقامشلي..
علاوة على ما لا يحصى من جرائم
بلا عنوان إلا الاستبداد. ألا
يستطيع المستبدون إضافة تعابير
جديدة لقاموسهم العتيق وهم
يحاولون التغطية على ما يفعلون،
فيردّدون ذات الكلمات الممجوجة
المتهالكة: فئة من المندسين..
مجموعة من المتآمرين.. حفنة من
المغرّر بهم؟.. مثل هذا
الأسلوب جانبٌ واحد من جوانب
"الغباء والحماقة"
المهيمنة على الاستبداد،
فعلاوة على العجز عن استيعاب
"لغة العصر في حقبة الثورات
الجارية".. لم يجد المستبدون
في محاولتهم إحاطة الجريمة
بالكتمان سوى أن يوعزوا
لميليشياتهم المسلّحة أن تصنع
أمرين، وقد أطاعت وصنعت: أولهما
مصادرة الهواتف المحمولة قبل
الشروع في الجزء الدموي من
ارتكاب الجريمة.. وانتقلت
الجريمة وصورها رغم ذلك،
وثانيهما ارتكاب الفصل الأول من
الجريمة قبل طلوع الشمس..
وانتشرت مشاهدها في أنحاء
العالم فور طلوعها وارتكاب
الفصل الثاني من الجريمة علنا
في الشوارع قبل غروب شمس اليوم
ذاته، وانتشرت مشاهدها في أنحاء
العالم فور غروبها!.. وصلت
المشاهد المعبّرة عن الفزع
الإجرامي للمسؤولين على
كراسيهم وفسادهم إلى أنحاء
الدنيا على الفور، بالصوت
والصورة، ليس عبر أثير الشبكة
فقط، بل إلى الفضائيات أيضا،
وحتى من لا يريد منها أن يتعامل
مع ثورة الشعب في سورية كتعامله
مع ثورات أخرى، كان لا بدّ أن
يساهم في النشر ولو على مضض أو
ببعض الانحياز وبعض التأخّر. لم تكد
تقع الجريمة –والمستبدون
ينظرون ويصغون.. ولكن بأعين لا
تبصر وآذان لا تسمع- إلا واخترق
ما صنعه الاستبداد الإجرامي في
درعا أسوار التعتيم الاستبدادي
في سورية، فوصل الخبر إلى كل
مكان، يجمل مشهد المجرم ومشهد
الضحية، ما بين عقلية الاستبداد
المتحجرة وبسالة الثوار
البطولية.. شواهد
أخرى على خواء الاستبداد لا مجال
لتعداد "جميع" ما يرتكبه
الحكم الاستبدادي في سورية مع
ثورة شعب سورية، إنما يكفي
تعداد بعض العناوين على عجل: - في كل
يوم من أيام الثورة منذ 15/3/2011م
يتناقض من يتحدّثون باسم الحكم
القائم أو دفاعا عنه، مع بعضهم
بعضا، ومع أنفسهم، في عرض
الرواية الكاذبة لما جرى ويجري..
ولا يدركون أن كثرة الروايات
المتناقضة لا تكشف أنها كاذبة
فقط، بل تكشف عن مدى خواء
الاستبداد وضعفه.. وغباء
الأصوات المتحدثة باسمه على
ألسنة مَن يحملونه على ظهورهم!.. - من تلك
الروايات القول مثلا إن مقتل من
قُتل لم يكن على أيدي
الميليشيات القمعية.. رغم ذلك
يُقال محافظ درعا، وتتشكل لجنة
تحقيق رسمية، ويُستجاب –تحت
طائلة تهديد العشائر- لبعض
المطالب.. - لم
يشارك أهل درعا (وهذا ما يقال عن
أحداث أخرى في مدن أخرى) في
احتجاجات.. رغم ذلك يطلق سراح 15
من الأطفال والناشئة دون السن
القانونية من بين من اعتقلوا،
ويبقى سواهم في المعتقل.. فعلام
اعتقل هؤلاء من أهل درعا الذين
لم يشاركوا في الاحتجاجات إذن..
ناهيك عمّن قُتل من بعد ومنهم
طفلة في الحادسة عشرة من العمر. - لم
تحدث احتجاجات في مدن أخرى، كما
في دمشق مثلا، وبالتالي لم
يُعتقل أحد، حسب مزاعم الزاعمين
دون تفكير، فكيف أطلق إذن سراح
بضع نساء ناشطات –حسب مطالبة
الشباب والعشائر الثائرة في
درعا- مع ملاحظة أن ذلك لم يشمل
الناشطة سهير الأتاسي، ممّن كان
اعتقالهنّ قبل أيام؟.. - بل
يزعمون أنّ أهل درعا كأهل سورية
جميعا، يحبّون الرئيس ولا
يهتفون بسقوطه (مثل أهل ليبيا!)..
أي أنّ المشاهد المصوّرة
المتحركة وقد بلغ عددها العشرات
خلال أقل من أسبوعين على عمر
الثورة هي من صنع مُخرجِ أفلام
في هوليوود وأن الهتافات
المدوية المسموعة خلالها محض
أوهام!.. -
يحاولون دغدغة مشاعر الوطنيين
والقوميين بزعم أنّ وراء
الأكمّة ما وراءها من أيد
إسرائيلية وغربية، وكأنّ
أيديهم قد امتدّت إلى
الإسرائيليين بغير محادثات
سلام لم يحصلوا على ما يريدون
فيها، وإلى الغربيين بغير ما
يطلبونه –ويقدّمونه من ثمن مرة
بعد مرة- تأمينا لأنفسهم هم في
السلطة. قائمة
الشواهد طويلة، وهي من أجواء
حدث واحد في مدينة واحدة، ويمكن
تعداد المزيد من أحداث أخرى
ومدن أخرى، وجميع ذلك من فترة
وجيزة، بضعة عشر يوما.. وجميع
ذلك يوصل إلى نتيجة بالغة
الأهمية: إنّ ما
أشيع من صورة مُرعبة عن درجة
الاستبداد التي يُفترض أن
الحاكم في سورية قد سبق بها
سواه، ليس صحيحا.. وكان ممّا
يقال، إنّه شديد البطش، لا
يتورّع عن شيء –وهذا صحيح- وكان
ممّا يُقال إنّه "أذكى
وأدهى" من أنظمة مستبدة حاكمة
أخرى، وهنا يكمن محور خطورته..
وهذا غير صحيح. جميع ما
ارتكب خلال أقلّ من أسبوعين،
يؤكّد أنّه أقرب إلى تلك الصورة
الخرقاء للاستبداد الإجرامي في
كل من ليبيا واليمن، بالمقارنة
مع ما كان في ثورتي تونس ومصر،
والثابت.. أنّ الثورتين في ليبيا
واليمن قد أنهتا وجود الاستبداد
واقعيا، وإن طالت فترة الاحتضار
مع سفك الدماء بنسبة أعلى ممّا
كان من سفك الدماء الطاهرة
الزكية البريئة في كل من تونس
ومصر، حيث كان الاستبداد اشدّ
وأعتى.. وسقط راغما. الفارق
الحقيقي مع سرعة سفك الدماء
وحجم سفك الدماء، هو أنّ
المستبدّ الذي تلطّخ الدماء
وجهه ويديه على ذلك النحو
الشمولي الفاجع، يستحيل أن يجد
لنفسه ومن يتورّط معه مأوى في أي
مكان من العالم، فهو يحكم على
نفسه بمصير رهيب في الدنيا قبل
أن يلقى مصيرا أشدّ وأنكى وأبقى
في الآخرة. إن سرعة
ارتفاع نسبة ارتكاب جرائم القتل
والاعتقال مع مسلسل الأكاذيب
المكشوفة، لا تكشف عن محاولة
"استباق" اندلاع الثورة
بخنق إرهاصاتها الأولى فحسب، بل
تكشف في الوقت نفسه عن خواء جعبة
الاستبداد الحاكم في سورية عن
أيّ شيء جديد.. فعال.. لتحقيق هدف
وضيع.. هدف البقاء ولو فوق
الجماجم. لقد
أشيع عنه الكثير بصدد دهاءٍ
استبدادي ومواهب إجرامية فذة،
فكشفت أيام الثورة الأولى أنّه
كسواه، لا يخطو خطوة إلاّ على
طريق تأجيج الثورة بنفسه، ولا
يصنع أمرا إلاّ وينضوي تحت
عنوان "الانتحار السياسي"
بأبشع صوره. إنّها
معادلة ثابتة، مَن كان لا
يعرفها من قبل فالحكم الذي
"لا يزال" قائما في سورية
يعطي الدليل بعد الدليل عليها،
أسرع ممّا صنع سواه في دول عربية
أخرى يحكمها الاستبداد أيضا.. هي
معادلة التناسب الطردي بين شدّة
الاستبداد من حيث ما تبدو عليه
بنيته الهيكلية، وشدّة خوائه
وضعفه من حيث تصرفاته في أي أزمة
تهدّد بقاءه. تحرير
فلسطين وتحرير سورية ومن
أخطر ما أشيع ويشاع دفاعا عن
استبداد دموي في سورية القول إن
الحكم القائم في سورية منذ
عشرات السنين على أبعد مستوى من
مستويات الاستبداد والقهر
والقمع، هو "الضمانة
الباقية" في المنطقة من أجل
فلسطين والمقاومة. إنّ أهل
فلسطين لا يمكن أن يقبلوا
لأنفسهم أن تُصبح قضيتهم
المحورية الكبرى سلعة من أجل
حرمان أهل سورية ولا سوى أهل
سورية من حقوقهم وحرياتهم
وكرامتهم وعزتهم.. وكذلك من
قدرتهم وطاقتهم على العمل من
أجل فلسطين إذا ما انتزَعوا
–وسوف ينتزعون- من قبضة
الاستبداد ما صادر من حقوق
وحريات وكرامة وعزة وسيادة
وإمكانات. إنّ
الشاهد على ضعف الاستبداد
القائم في سورية وخوائه وهو
يرتكب الجرائم فور رؤية خطر
الثورة عليه، يتكامل جملة
وتفصيلا مع الشواهد على ضعفه
وخوائه في التعامل مع قضية
فلسطين ومع قضية المقاومة في
لبنان على السواء. عند
الحديث عن "أخطار خارجية"
ويُقصد بها أخطار الهجمة
الصهيوأمريكية على سورية، يجب
التمييز الدقيق القاطع بين: - خطر
يهدّد سورية شعبا وأرضا وحضارة
ومستقبلا.. ويهدّد من خلال ذلك
المنطقة بما فيها قضية فلسطين - وخطر
يهدّد النظام الحاكم
الاستبدادي الفاسد.. يهدّد
بقاءه هو واستمراره هو وسيطرته
هو رغم إرادة الشعب إنّ
الخطر الخارجي الصهيوأمريكي
يستهدف المنطقة العربية
والإسلامية جميعا، ولقد بدأ قبل
وجود الأنظمة الاستبدادية
الحالية، وهيمن واقعيا على
"نوعية" صناعة القرار
فيها، مباشرة وغير مباشرة، دون
استثناء، ما أُطلق عليه وصف
المعتدل أو وصف الممانع.. ولقد
تفاقم هذا الخطر الخارجي أثناء
وجود تلك الأنظمة الاستبدادية
جميعا بما فيها القائم في
سورية، وهيمن نتيجةً لسياساتها
جميعا، الاستبدادية داخليا في
الدرجة الأولى، ونتيجة لتوظيف
الطاقات والثروات الكبرى على
تشكيل الأجهزة القمعية ضد
الشعوب، كتلك التي تتحرّك في
درعا وأخواتها الآن، بدلا من
صناعة القدرة الدفاعية
العسكرية لمواجهة الأخطار
الخارجية، ونتيجة لهدر الثروات
فسادا وسرقة، وتحويل مهمّة
السلطة إلى الحفاظ على الفساد
والثراء الفاحش، مع شَغل الشعب
بقوت يومه، وبالحذر من
المخابرات بين يديه ومن خلفه،
وعن يمينه وعن شماله، بدلا من أن
تُعبّأ طاقاته الكبرى في خدمة
القضايا المصيرية وفي مقدمتها
قضية فلسطين. لم
يقدّم الحكم الاستبدادي الفاسد
في سورية أمم الخطر الخارجي
الحقيقي المتمثل في
الصهيوأمريكية عالميا
وإقليميا، إلا الكلام..
ومناورات إقليمية يستغلّ من
خلالها ما يصنع أبطال المقاومة
في فلسطين ولبنان، ليكون هو
-باستبداده وفساده- الكاسب
الأوّل.. وليس قضية فلسطين. لقد
صنعت المقاومة الفلسطينية
نفسها بمعزل عن الحكم
الاستبدادي في سورية.. ورغم دوره
في لبنان وليس "تل الزعتر"
في ذاكرة التاريخ مجرّد جرّة
قلم.. بل هو دماء سالت وإجرام
ارتُكب وسواد لطّخ جبين
الاستبداد ومعركته من أجل نفسه. ولقد
انطلقت المقاومة في فلسطين
وسواها من كل أرض، بما في ذلك
سورية قبل وصول الاستبداد
الحالي إلى السلطة، ثم لم تنطلق
من سورية قط.. بعد وصوله إلى
السلطة. منذ ذلك
الحين لم يعد يوجد في سورية من
أجل قضية فلسطين معسكر للتدريب،
أو مخزن للسلاح، بل أصبحت أرض
سورية نفسها مكشوفة، تدخل
الطائرات الصهيونية المعادية
متى تشاء وتقصف ما تشاء، من
أهداف مكشوفة لها، وتذهب..
وتلاحقها "الكلمات" تنديدا
وتهديدا وشتما.. وإنذارا ووعيدا:
"سنردّ في الوقت المناسب
بالشكل المناسب"، حتى أصبحت
هذه عبارة مزمنة مثل حالة
الطوارئ المزمنة خنقا لشعب
سورية داخل سورية، وتقييدا له
عن تقديم ما يستطيع أن يقدّم
لقضية فلسطين -كما كان يصنع من
قبل الحكم الاستبدادي
الاحتكاري القائم المتوارَث-
وليس في مؤتمرات دولية أو
مفاوضات مباشرة وغير مباشرة..
كما صنع هو عبر عشرات السنين
الماضية.. دون أن يمنع جريمة
واحدة من الجرائم التي ارتُكبت
بحق فلسطين، من قبل كامب ديفيد
إلى ما بعد أوسلو. إن
الطرف المستفيد من العلاقة بين
المقاومة والحكم القائم في
سورية هو ذلك الحكم، وأقصى ما
يمكن قوله بشأن استفادتها هو
وجود "مكاتب" تعبّر عنها
و"مؤتمرات" تُعقد باسمها،
وليس "عمل المقاومة" نفسه
الجاري في كل مكان.. خارج أرض
سورية، ولا يمكن للمقاومة
الفلسطينية الصادقة المخلصة،
ولا لشعب فلسطين المناضل، أن
يقبل باستخدام قضيته مثل
"ورقة التوت" لتسويغ ما
يرتكب الاستبداد والفساد بحق
شعب سورية، ومن خلال ذلك بحق
قضية فلسطين نفسها. من كان
مخلصا لقضية فلسطين.. عليه أن
يقرن ذلك بإخلاصه لقضية التحرّر
في سورية. من كان
مخلصا للعرب والمسلمين.. عليه أن
يقرن ذلك بوقوفه إلى جانب قضية
الحق والعدالة الت يثور شعب
سورية من أجلها.. ومن أجل
فلسطين، ومن أجل العرب
والمسلمين، ومن أجل إنسانية
الإنسان. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |