ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
لا
حصانة للمستبدين من الاستبداد الوساطة والمساومة على تحصين المستبدين
من المقاضاة نبيل
شبيب مع كل
ثورة شعبية تبلغ مداها تتحوّل
مسألة المقاضاة المشروعة
والواجبة لحاكم مستبد وأعوانه
وجهاز استبداده العائلي، إلى
"عقدة" مطروحة على مائدة
مفاوضات، لا تكتسب صفة
المشروعية ما دامت دون مشاركة
أصحاب الحقّ الذي يجري التفاوض
حوله، وهو حقّ لا يسقط بالتقادم
ولا العفو ولا الحصانة المصطنعة
ولا المساومات السياسية،
والغائبون أو المغيّبون هم
الذين تعرّضوا لأفاعيل
الاستبداد الإجرامية سنوات
عديدة، ولئن قضى فريق منهم
نحبه، فلن يجدّ المستبد يوم
الحساب مهربا، كذاك المهرب الذي
تحاول صنعَه له تسويات ومبادرات
ووساطات ومراوغات سياسية. لا
تُكفّ أيدي المستبدين..
بمصافحتها من
العار بمختلف المقاييس أن يدور
الجدل أصلا حول تمكين شعب ثائر
من مقاضاة المستبدين أو عدم
تمكينه، حول مقاضاة من ارتكب
الجرائم أو عدم مقاضاته. هذا ما
يسري على اليمن وليبيا، مثلما
يسري على تونس ومصر، ومثلما
يسري على أي بلد آخر توشك الثورة
أن تعمّ فيه ويوشك الاستبداد
فيه على السقوط. من
العار بعد كل ما قدّم الشعب في
اليمن ويقدّم من تضحيات، أن
تصبح نقطة المساومة في
"الصالونات
الديبلوماسية"، هي إخراج
المستبدّ وملئه من السلطة مع
"منحه" حصانة (بأيّ حق
يستبيح بعض السياسيين هذه
الصلاحية لأنفسهم؟..) تمنع
محاكمته على ما ارتكب في فترة
التصاقه بكرسي التسلّط 33 سنة،
أو أن يدور الحديث بعد كل ما
واجه شعب ليبيا من إجرام وما
يزال، عن "تسوية" تمكّن
المستبدّ من النجاة من العقاب
العادل على "بعض" ما صنعه
طوال 42 سنة. من
العار أن يوجد ابتداءً من
يتحدّث عن مثل تلك الصفقات، أو
يسوّغها، أو يروّج لِمَن يعملون
على تمريرها، وهي تشمل فيما
تشمل تحصين مستبدّ من العقاب..
ثم أن يتزامن هذا الحديث مع
إقدامه على مزيد من الفتك
والتنكيل، أي على إضافة المزيد
من موجبات العقاب، إلى سجلّه
الحافل بالإجرام من قبل، كما هو
الحال مع استخدام الغازات
السامّة في اليمن أو راجمات
الصواريخ في ليبيا، وحتى في
حالة الاستمتاع بثروات منهوبة
على ضفاف شرم الشيخ. ولا
حجّة لِمن يقول –دون أن يملك حق
القول وتمثيل الشعوب الثائرة
المعنية بما يقول- إنّ هذا
يستهدف حقن الدماء.. فمن أراد
حقا "كفّ أيدي" المستبدين،
الذين يواصلون ارتكاب جرائمهم
بحق الشعوب الآن، فالطريق إلى
ذلك معروفة وممكنة.. وواجبة، وهي
طريق تقديم الدعم الفعّال
المباشر والكافي للشعوب
الثائرة، على حسب احتياجاتها في
ثورتها على الاستبداد، والوقوف
الصريح العلني إلى جانبها دون
تمويه، والرفض الرسمي المطلق
للتعامل بأيّ شكل من الأشكال مع
المستبدّين، والإعلان المسبق
الحازم عن عدم الاستعداد
لإيوائهم عند هروبهم أو سقوطهم. ينبغي
أن يسأل "الوسطاء" أنفسهم
وأن يسأل مَن يروّجون لوساطاتهم
أنفسهم: ما الذي
يمكن أن يقولوه -وهم يحاولون
تمكين الحاكم المستبدّ في اليمن
من النجاة- إذا وجدوا أنفسهم
وجها لوجه أمام تلك الطفلة
اليتيمة اليمنية التي ظهرت على
شاشة التلفاز، وهي تنادي به أن
"يرحل".. وتغلبها الدموع..
دموع الحزن والألم، على أبيها
الذي رأتْه يقضي نحبه قبل أيام،
فتنفجر بالبكاء، وهي تعلم مثلما
يعلم "الوسطاء" أنّ الحاكم
المستبدّ في اليمن يحمل مباشرة
المسؤولية الأولى عن قتله خلال
ثورة شعب اليمن. كم يوجد
من الأطفال من أمثالها؟.. كم يوجد
من الأرامل والثكالى والأيامى
والأيتام؟.. كم يوجد
من الشهداء والجرحى والمشوّهين
والمعتقلين والمحرومين
والمشرّدين؟.. كم يوجد
من عيون وقلوب تدمع، وألسنة
وحناجر تصرخ: حاكموه!.. إنّ مَن
يساعد مجرما على الإفلات من
العقاب يشارك في حمل المسؤولية
عمّا ارتكب من جرائم. بين
الكرامة.. والاستكبار لا يوجد
مَن يظنّ أنّ المستبدّين
"أبرياء" أو يتوهّم ذلك، بل
إنّ من قد يزعم هذا الزعم لا
يصدّق نفسه فضلا عن أن يصدّقه
أحد. رغم ذلك ينكر المستبدون ما
صنعوا ويصنعون الآن بالذات،
جهارا نهارا، في حقبة الثورات
(وكأنّ الذي صنعوه عبر عدة عقود
مضت.. لا غبار عليه) ويطلقون
الاتهامات المبتكرة، على
بلطجية وبلاطجة وشبّيحة
وزعران، وعلى أصابع أجنبية
ومتسلّلين وقاعدة إرهابية
ومندسّين، ولو كان أولئك
المستبدّون –الذين بلغت
الثورات مرحلة إسقاطهم- أبرياء
حقا.. فعلام يدور إذن الجدل حول
كيفية "تحصينهم" من
المقاضاة شرطا للخضوع لإرادة
الشعوب؟.. هل
يخشون التعرّض لتحقيقات تشمل
–كما كانوا يصنعون مع الشعوب-
الاعتقال العشوائي والتعذيب
الهمجي والإحالة إلى محاكم
عسكرية هزلية مأساوية.. وهو ما
كان سببا حاسما من بين أسباب
الثورة "السلمية الحضارية
العادلة" ضدّهم؟.. أم يخشون أن
ينكشف عبر المحاكمات مزيد ممّا
ارتكبوه ويستحقّ القصاص؟.. هل
يستكبرون على أنفسهم المثول
بحقّ أمام قضاة والجلوس بحقّ في
أقفاص الاتهام، وهم الذي حاكموا
بالباطل وأوقفوا بالباطل في قفص
الاتهام واعتقلوا بالباطل
وعذّبوا دون محاكمات أصلا،
أعداداً لا تحصى من البشر
الأبرياء؟.. أم أنّهم يستعلون
بأنفسهم عن الشعور بالمذلّة
والمهانة إذا حوكموا محاكمة
عادلة؟.. وهل
يمكن القبول بمن "يستثير
الشفقة" على من سقط منهم،
ويزعم أنّ الإنسانية تقتضي عدم
تعريضهم لمثل تلك
"المذلّة" –أي مهما كانت
المقاضاة والمحاكمة عادلة- ولا
يستثير مشاعر الشفقة والرحمة
ضلا عن إحساسه بالخجل- تجاه
أولئك الذين لا يُحصى تعدادهم
من البشر، وإزاء ما شعروا -بسبب
رعونة المستبدين الإجرامية-
ويشعرون به، من المعاناة، من
القهر والألم، من الفقر
والحرمان، طوال فترات
الاستبداد والفساد.. أولئك
الذين كانوا عرضةً لجميع ألوان
الإذلال والإهانة، ما كان من
ذلك في الأقبية المظلمة وراء
ستار، وما كان منها بأساليب
استعراضية جهارا نهارا لإرهاب
"الآخرين"، حتى سالت
الدماء على هراوات الاستبداد في
الشوارع، من جباه الأباة، من
محامين وقضاة وإعلاميين
ومفكرين وعلماء وأدباء ونوّاب
وأساتذة جامعيين وطلبة، من
ناشطين ومدوّنين، من رجال
ونساء، من مسنّين وشبيبة، من
عامّة البشر.. والمستبدون
–الذين يُخشى على إهانتهم
بمقاضاة عادلة الآن- هم الذين
كانوا –وما يزال بعضهم- يعاملون
أولئك البشر، كما لو أنّهم إماء
وعبيد في سلاسل المستبدّ الحاكم
وأغلاله؟.. إنّ كلّ
من يسعى للحيلولة دون مقاضاة
المستبدين، تحت أيّ عنوان وبأيّ
ذريعة، ودون الرجوع إلى أصحاب
الحقّ الأصيل من الضحايا، إنّما
يعبث بمثل ما اعتاد المستبدّون
على العبث به، من المعايير
والقيم، وهم يختزلون كرامة
الوطن في استكبارِ فردٍ مستبد
مع زعم أنّ الاستكبار هو
الكرامة، ويختزلون "إهانة"
الوطن في استصدار بعض الأحكام
عبر محاكمات عادلة، لمعاقبة مَن
كان يحمل لقب رئيس أو ملك أو
حاكم أو زعيم.. ولم يمارس السلطة
إلا كرئيس عصابة وليس كرئيس
دولة. حصانة
المستبدين.. جريمة بحد ذاتها كلا.. لا
حصانة لمستبد، لا حصانة لمرتكب
جرائم جنائية، ولا جرائم
سياسية، ولا جرائم ضدّ
الإنسانية، مهما بلغ شأن منصب
اعتلاه، ولو كان ذلك بالحق..
فكيف بأولئك الذين اغتصبوا
التسلّط على الشعوب اغتصابا!.. لا
حصانة له.. ولا لأعوانه.. وعلى
أعوان المستبدّين الذين لم
يسقطوا بعد، أن يضعوا ذلك الآن
نصب أعينهم، وألاّ يواصلوا
تماديهم في تمكين المستبدّ من
ممارسة ما يمارس ومشاركته في
جرائمه. كلا.. لا
ينبغي للأحرار الثوار الأطهار
في اليمن.. ولا في ليبيا أو مصر
أو سواهما، أن يقبلوا بحال من
الأحوال، بالمساومة على ممارسة
العدل في ملاحقة الطغيان بعد
إسقاطه رغما عنه، وعلى كلمة
القضاء والارتفاع بها فوق ناصية
كل مستبدّ استحلّ لنفسه من قبلُ
العبث بالقضاء.. وبالدستور..
وبالقوانين.. وبالمؤسسات..
واستباح لنفسه العبث الإجرامي
بالأرواح والحقوق والحريات
وأحاسيس الفرد المواطن، أيّا
كان موقعه أو جنسه أو انتماؤه أو
توجّهه. لا
حصانة له.. ولا لأعوانه.. وعلى
أعوان المستبدين الذيم لم
يسقطوا بعد، أن يضعوا ذلك الآن
في حساباتهم، قبل فوات الأوان
عليهم، وأن يحاولوا استرضاء
الشعوب الثائرة.. بالتخلّي الآن
عن المستبدّين وأجهزة
استبدادهم. كلا.. لا
ينبغي لأي حكومة من الحكومات
–بغض النظر عمّا تمارسه حتى
الآن داخل حدود البلد الذي تحكم
فيه- أن تقبل لنفسها بالتوسّط
دفاعا عن السجّان ضدّ السجين،
والقاتل ضدّ القتيل، والمجرم
ضدّ الضحية، والفاسد ضد
المحروم. وعلى
أعوان تلك الحكومات، من أصحاب
الاقلام وسواهم، ممّن يروّجون
لِما تصنع، أن يقفوا وقفة صدق مع
أنفسهم.. فلن تغني الحكومات عنهم
شيئا، إذا وقفوا قريبا بين أيدي
الشعوب الثائرة، أو يوم يقفون
بين يدي الديّان. هذا ما
يسري على ما يتردّد بشأن ما يوصف
بوساطة خليجية في اليمن، أو
وساطة تركية في ليبيا، أو على
ألسنة مشبوهة في مصر، أو ما
يُستخدم فيه "حق اللجوء"
لمنع محاكمة مستبدّ هارب كما
كان مع الهارب من ثورة تونس.. إنّ
التسامح الحقّ والمفروض بمختلف
المعايير يقتضي دعم المظلوم،
واستقباله وإيواءه عند
الضرورة، وإجارته والدفاع عنه
في كل محفل، وتمكينه من الظالم
ومحاسبته، ولا يمكن تزييف معنى
التسامح، من خلال استقبال
الظالم، وإيوائه، ونصرته،
والحيلولة دون أن يمثل أمام
محكمة عادلة ويلقى الحساب الذي
يستحق. وإنّ
العقاب الذي ينال في هذه الحياة
الدنيا أيَّ مستبد، لا يساوي
-مهما بلغت شدّته- جزءا من
المليون ممّا يستحقّ، على ما
ارتكب خلال سنوات الاستبداد
والفساد.. إنّما
يهوّن على نفوس الضحايا اليقينُ
بأنّه لا شفاعة لمن لا يستحقّ
الشفاعة يوم القيامة، ولا حصانة
من عقاب عادل في الآخرة، وإنّ
عقاب الآخرة هو الأشدّ والأبقى
لو كانوا يعلمون، وإنه ليصيب
الظالم ومَن يعين الظالم على
ارتكاب ظلمه أو يعينه على
الإفلات من عقوبة تتهدّده، وعلى
ما يعنيه ذلك كلّه من
"تشجيع" مستبدّين آخرين
على ارتكاب مزيد من المظالم
الإجرامية، مع الإحساس
بالاطمئنان أنّهم سيجدون مَن
يعقد المؤتمرات ويصيغ الوساطات
ويزيّن التسويات لانتزاع حصانة
باطلة أو تأمين مأوى آمن. كلا.. لا
حصانة لمستبدّين سقطوا.. ولا
حصانة لمستبدّين على وشك
السقوط.. ومن
أراد من الحكّام المستبدين
التوبة وطلب الصفح من الشعوب..
فليصنع ذلك الآن، وليس أثناء
سقوطه أو بعد سقوطه، الآن.. قبل
فوات الأوان، وليعلم أنّ من
شروط صحّة توبته أن يصفح عنه من
أجرم بحقهم، وأن يتخلّى هو عمّا
ارتكب ويرتكب، وأوّل ما ينبغي
أن يتخلّى عنه آنذاك هو مسؤولية
الحكم، التي لم يحملها بحقّها،
متغافلاً عن كونها مسؤولية
جسيمة، وأمانة ثقيلة، وعن أنّ
مَن ينتهكها ويخونها يُعاقب،
فإن أفلت في هذه الحياة الدنيا،
فهي عليه يوم القيامة حسرة
وندامة.. وَلَا
تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ غَافِلًا
عَمَّا يَعْمَلُ
الظَّالِمُونَۚ إِنَّمَا
يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ
تَشْخَصُ فِيهِ
الْأَبْصَارُ﴿٤٢﴾
مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي
رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ
إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْۖ
وَأَفْئِدَتُهُمْ
هَوَاءٌ﴿٤٣﴾
وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ
يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ
فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا
رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ
أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ
دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ
الرُّسُلَۗ أَوَلَمْ
تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن
قَبْلُ مَا لَكُم مِّن
زَوَالٍ﴿٤٤﴾
وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ
الَّذِينَ ظَلَمُوا
أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ
لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا
بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ
الْأَمْثَالَ﴿٤٥﴾
وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ
وَعِندَ اللَّـهِ مَكْرُهُمْ
وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ
لِتَزُولَ مِنْهُ
الْجِبَالُ﴿٤٦﴾
فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ
مُخْلِفَ وَعْدِهِ
رُسُلَهُۗ إِنَّ اللَّـهَ
عَزِيزٌ ذُو
انتِقَامٍ﴿٤٧﴾
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ
غَيْرَ الْأَرْضِ
وَالسَّمَاوَاتُۖ
وَبَرَزُوا لِلَّـهِ
الْوَاحِدِ
الْقَهَّارِ﴿٤٨﴾
وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ
يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي
الْأَصْفَادِ﴿٤٩﴾
سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ
وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ
النَّارُ﴿٥٠﴾
لِيَجْزِيَ اللَّـهُ كُلَّ
نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْۚ إِنَّ
اللَّـهَ سَرِيعُ
الْحِسَابِ﴿٥١﴾
هَـٰذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ
وَلِيُنذَرُوا بِهِ
وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ
إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ
وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو
الْأَلْبَابِ
﴿٥٢﴾-سورة إبراهيم- ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |