ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الأصابع
الخارجية والثورات العربية ثورة
الشعب في سورية نموذجا نبيل
شبيب منذ
اللحظة الأولى لاندلاع ثورة
الشعب في سورية عزف النظام
الاستبدادي القائم على نغمة
"المؤامرة الخارجية"
و"الأصابع الأجنبية" وإن
تفاوت ذلك ما بين التركيز في
البداية على "فتنة طائفية"
كعنصر داخلي ما لبث أن توارى بعد
الإخفاق في التأثير به على مسار
الثورة، وبين تقديم ما اعتبرته
مصادر النظام أدلّة ظهر
تهافتها، مثل اعتقال شاب مصري
ثم إطلاق سراحه، أو ربط التقتيل
عبر شبيحة النظام وعصابات القمع
والقناصة بعناصر أجنبية، مع
توجيه الأنظار إلى "مصادر"
لبنانية تارة وإسرائيلية أخرى،
والوصول بذلك إلى عرض كميات من
الأسلحة مع القول (أو الزعم)
إنّها صودرت أثناء محاولة
تهريبها عبر الحدود من العراق.
كما صدر عن الحقوقي السوري
المعروف هيثم المناع تصريح برفض
الحصول على أسلحةٍ عُرضت على
جهات سورية معارضة أثناء
الثورة، فاستغلت الحملة
الرسمية والإعلامية للنظام في
سورية ذلك التصريح لتعزيز ما
تقول، وجاء أخيرا تقرير صحفي في
صحيفة واشنطون بوسط الأمريكية
(فيما يشبه الدعم للحملة
الرسمية السورية!) أن الدولة
الأمريكية دعمت بالمال جهات
معارضة سورية. السؤال:
بغض النظر عن حجم الحقيقة وحجم
الافتراء في تفاصيل هذه الصورة،
هل يمكن القبول بموقف يقول
بضرورة الانطلاق منها للدعوة
إلى وقف الثورة السورية
المشروعة من أجل حياة كريمة دون
حكم استبدادي فاسد؟.. إلى
الأعلى المؤامرة
الأجنبية.. ليست نظرية كان
سقوط وزيرة الخارجية الفرنسية
مع بلوغ ثورة شعب تونس هدفها
الأوّل بإسقاط رأس النظام
معبّرا عن حقيقة بسيطة معروفة
لا تحتاج إلى أدلّة إضافية، وهي
أنّ الدول الغربية تعمل لتحقيق
مصالحها ومطامعها وهمينتها في
البلدان العربية والإسلامية
وفي البلدان النامية عموما عن
طريق دعم الأنظمة المستبدة
الفاسدة، وإنّ ثورات الشعوب
العربية على تلك الأنظمة يصيب
الهيمنة الغربية في مقتل، ومع
ظهور مفعول الإرادة الشعبية
وانكشاف دليل صارخ آخر على زيف
الشعارات والأطروحات الغربية
في نوعية العلاقة مع الأنظمة
الاستبدادية، كان لا بدّ من
تغيير الوجوه والرؤى الذاتية
الغربية للتلاؤم مع وضع شعبي
عربي جديد غير منتظر. إنّما
كان الموقف الفرنسي المساند
لرأس النظام المستبد في تونس
–مثله مثل مواقف غربية أخرى بين
تأييد الاستبداد والتردد في
التخلّي عن "الفرس الخاسر"-
نتيجة مباشرة لوقع المفاجأة في
الغرب، حيث انتشر من قبلُ
الاقتناع بأن الشعوب عاجزة عن
إسقاط الاستبداد المدجّج
بأسلحة القمع، وأن الأحزاب
والتنظيمات التقليدية المعارضة
ضعيفة، وإذا تلقى بعضها دعما
غربيا فبالقدر الذي يجعل الدول
الغربية –وليس المعارضة- قادرة
على استخدامها ورقة ضغط لزيادة
ضبط تبعية الأنظمة المستبدة
لها. إنّما
لا يعني ذلك قطعا أنّ الدول
الغربية التي خرجت من وقع
المفاجأة الأولى في تونس
والكبرى في مصر، ستأخذ موقف
المتفرج بانتظار ما ستسفر عنه
حقبة الثورات العربية، أو موقف
المتفرج إزاء بلدان أخرى لم تصل
إليها الثورات بعد. من
المعروف أنّ السجلات الرسمية
للدول الغربية تُكشف أسرارها
–أو كثير منها- بعد مضيّ فترة
زمنية كافية، كيلا تترتب
تداعيات سلبية على ذلك، وهي
حافلة بما سبق حبكه وتنفيذه من
مؤامرات ضدّ "إرادة
الشعوب" الأخرى على صعيد دعم
المستبدين وإسقاط الأنظمة
المعبّرة عن إرادة الشعوب، ودعم
تنصيب أنظمة استبدادية، وجميع
ذلك على أساس معيار واحد: خدمة
السياسات الغربية.. ولم يتبدل
ذلك السلوك العدواني، بل انتقل
كثير منه إلى العلن الذي يجعل
كلمة "مؤامرة في السرّ"
تعبيرا مجازيا عنه!. لا تمثل
البلدان العربية قبل حقبة
الثورات وأثناءها وبعدها
استثناء من هذه الممارسات، ومن
هنا لا يحتاج الأمر إلى قول نظام
من الأنظمة، كالنظام القائم في
سورية، إنّه مستهدَف بمؤامرة
أجنبية، أو إن أصابع أجنبية
تتحرّك أثناء الثورة، لتثبيت
ذلك أو نفيه، إنّما يجب أن تكون
صياغة العلاقة الثلاثية ما بين
نظام مستبد، وقوى غربية، وإرادة
شعبية ثائرة، صياغة قويمة،
فيمكن القول مثلا: لا
تنقطع الجهود الغربية الخفية
والعلنية من أجل تثبيت أوضاع
سياسية وغير سياسية داخل
البلدان العربية، تخدم أهداف
الهيمنة الأجنبية، بأي وسيلة،
بدعم نظام استبدادي أو العمل
على إسقاطه، بدعم معارضة قطرية
أو إضعافها، بدعم ثورة شعبية أو
محاولة الالتفاف عليها، ولا
ينبغي أن تنقطع الثورات الشعبية
لتحرير المنطقة وبلدانها من كل
صيغ من صيغ الاستبداد المحلي
وكلّ شكل من أشكال الهيمنة
الأجنبية في وقت واحد. إلى
الأعلى مؤامرات
الهيمنة الدولية لا تسوّغ
الاستبداد المحلي الأهمّ
ممّا سبق هو صياغة الموقف
القويم تجاه المؤامرات
والأصابع الأجنبية، وكلمة قويم
تعني في هذا الموضع الموقف الذي
يمثل إرادة الشعوب (سيادتها على
صناعة قرارها) ويدعم تمكينها
(استقلالها في صناعة القرار) من
إنفاذ هذه الإرادة على كل صعيد
مرتبط بها داخليا ومرتبط
بعلاقات بلدانها خارجيا. لا يسري
في تحديد معالم هذا الموقف
الأخذ بما يقوله أي نظام
استبدادي دون استثناء، فهو في
أحد مواقع مرتبطة باستبداده،
فإمّا أنّه يعتمد على دعم خارجي
لوجوده واستبداده، أو أنّه عرضة
للتخلّي الأجنبي عنه لأنّه لم
يعد قادرا على تحقيق ما كان
يحققه في صالح الهيمنة
الأجنبية، أو أنّه يتعرّض
للعداء لتطويعه فإن سقط تبقى
الضغوط لتطويع من يأتي بديلا
عنه. والنظام الاستبدادي الفاسد
–ببساطة.. رغم ثقل التعبير- يكذب
أو ينافق في جميع الحالات،
فينكر اعتماده على دعم أجنبي في
الحالة الأولى، ويتّهم خصومه
بالاعتماد على دعم أجنبي في
الحالة الثانية، ويلعب بورقة
استهدافه في الحالة الثالثة،
ويعمل على تثبيت استبداده
وفساده في سائر الأحوال!.. ليس
المقصود وجود دعم غربي مطلق لأي
نظام، ولا التخلّي الغربي
المطلق عن أي نظام أو عن دعم
العمل على إسقاطه بصورة مطلقة،
فجميع ذلك نسبيّ، وهو حصيلة عدد
من العوامل، منها الموازنة بين
المكاسب والخسائر على ضوء
الوقائع على الأرض، بمنظور
غربي، ومنها المساومات التي
يمكن أن تسفر عن القبول بما يمثل
أقل الضررين عندما يستحيل
الوصول إلى أقصى المطلوب من أجل
تثبيت هيمنة أجنبية. في
الحالة السورية تخصيصا لا يمكن
الحديث بأسلوب "الأبيض
والأسود" عن العلاقة
الثلاثية بين مصادر المؤامرة أو
الهيمنة الأجنبية من جهة،
والنظام الاستبدادي القائم من
جهة أخرى، وإرادة الشعب الثائر
من جهة ثالثة. إنّ كل
وضع سوري جديد ينبثق عن إرادة
الشعب هو وضع مرفوض بمعايير
الهيمنة الدولية، وأخطر عليها
من وضع "ممانعة ومساومة"
دون ريب، فإرادة الشعب تمضي
أبعد بكثير من "الممانعة
والمساومة"، سواء على صعيد
قضية فلسطين، أو على صعيد قضية
المقاومة على امتداد المنطقة. يمكن
رغم ذلك أن نأخذ جدلا بما يقول
به النظام القائم في سورية ومن
يناصره –جزئيا- من داخل اتجاهات
يغلب عليها المنطلق القومي
العربي –وليس هذا من باب
الانتقاد له أو التأييد- وهو أنّ
هذا النظام يقوم بدور الممانعة
في قضية فلسطين ودعم المقاومة
عموما، ويمثل –مع إيران
والمقاومة- محورا متناقضا مع
أهداف الهيمنة الأجنبية
المندمجة بالمشروع الصهيوغربي
في المنطقة. هل يمكن
القول بناء على ذلك: يجب أن
يستمرّ القمع القائم في سورية
للحريات والحقوق منذ 48 سنة على
الأقل؟.. هل يمكن
القول بناء على ذلك: إن تحرير
إرادة الشعب السوري (سيادة على
صناعة القرار واستقلالا في
صناعته على كل صعيد) يضعف موقف
سورية (الدولة والشعب والتاريخ
والموقع.. وليس النظام) على صعيد
قضية فلسطين ومقاومة الهيمنة
الأجنبية بمختلف أشكالها؟.. إن
تحرّر الإنسان –في سورية
وسواها- وإن تحرّر الشعوب –في
سورية وسواها- هدف أصيل ثابت، لا
يمكن ولا ينبغي لأي تيار مخلص في
المنطقة، أن يخضعه لمنطق
المساومة على تحرّر الإنسان
والأرض- في فلسطين وسواها- وعلى
رفض الهيمنة العدوانية
الأجنبية –في فلسطين وسواها- في
أي فترة من الفترات، بما في ذلك
حقبة الثورات العربية الحالية. إلى
الأعلى بين دعم
الثورة وخيانة الثورة سواء
صدقت مصادر النظام الاستبدادي
القائم في سورية –والمصادر
الغربية نفسها- أو "فبركت"
ما تنشره بصدد الكشف عن وجود
أصابع أجنبية تعمل من جانبها
على إسقاط النظام القائم في
سورية، لأغراض لا علاقة لها
بتحرير إرادة شعب سورية، أو
تستغل ثورة شعب سورية لتنحرف
بمسارها في اتجاه يخدم أغراضا
أجنبية، وأنها تحبك المؤامرات
وتنفذها، وتدعم بالمال والسلاح
الإعلام أو لا تصنع.. جميع ذلك لا
ينبغي: - من جهة
أن يوضع في موضع "ذريعة"
لمطالبة شعب سورية بوقف مسار
ثورته المشروعة!.. - ومن
جهة أخرى أن يوضع في موضع
الإنكار القاطع والإهمال، كما
لو أن "أعداء الأمة" ملائكة
لا يصنعون ذلك!.. ويتطلب
الموقف القويم بين هذا وذاك
مراعاة عدد من المعطيات
والقواعد الأساسية، التي يمكن
إجمال أهمها في النقاط التالية: 1-
الثورة في سورية ثورة شعب ضدّ
نظام استبدادي فاسد، عمر
أسبابها ودواعيها 48 سنة، وكان
لاندلاعها أكثر من شرارة شعبية
لا يمكن تصوير أي منها كما لو
أنّ لها ارتباطا ما، بأي جهة على
الإطلاق غير "الشعب" نفسه،
وكان أبرزها للعيان اعتقال 19
تلميذا من القاصرين في عكا
وتعذيبهم. 2-
فعاليات الثورة في سورية
فعاليات شعبية، شاملة لمختلف
الفئات والطبقات والأعمار،
ومختلف المواقع الجغرافية، ولا
توجد "قوّة معارضة
تقليدية" تصنعها، وإن وجد من
يواكبها، سواء في ذلك الناشطون
الحقوقيون المضطهدون عبر عشرات
السنين الماضية داخل الحدود، أو
التنظيمات التقليدية الموصوفة
بالمعارضة داخل الحدود وخارجها. 3- إذا
كان القطاع الأكبر من مكوّنات
النظام الاستبدادي القائم في
سورية ضدّ الهيمنة الأجنبية،
والارتباط بقوى دولية (رغم وجود
مساومات وعلاقات تعاون معروفة
كما في حالة المخابرات بذريعة
الحرب ضدّ الإرهاب) فإن القطاع
الأعظم وبنسبة أعلى من مكوّنات
المعارضة التقليدية، داخل
الحدود وخارجها، ناهيك عن
الحقوقيين الناشطين داخل
الحدود، هم ضدّ أي صيغة من صيغ
"الاستقواء" بأي جهة
أجنبية، ولم تنقطع إدانتهم
لقلّة محدودة العدد والطاقات،
منقطعة عن الشعب والتعبير عنه،
ولكل مظهر من مظاهر التعاون مع
أي جهة غربية، لا سيما التلاقي
على عمل مشترك أو تلقي الأموال
الأجنبية لأي نشاط من الأنشطة. 4-
القوّة الأظهر للعيان الآن من
جيل الشبيبة داخل سورية (ويسري
ذلك على جيل الشبيبة المحروم من
وطنه السوري أو المولود بسبب
السياسات الإقصائية
الاستبدادية خارج حدوده) فوق
الشبهات، وهي القوّة الرافضة
لأي صورة من صور التواصل مع جهة
من الجهات الأجنبية، وأقصى ما
يصدر عنها هو المطالبة بمواقف
إنسانية كريمة، من جانب
المنظمات الإنسانية العالمية
المستقلة عن الحكومات، لدعم
حقوق الإنسان، وليس المطالبة
بمواقف من حكومات غربية تنديدا
بالاستبداد الفاسد وما يصنع. 5- إن
كلّ موقف يصدر عن جهة مسؤولة في
البلدان الغربية، يدعم الثورة
ويندّد بالاستبداد الفاسد، هو
موقف لا علاقة له بتأييد إرادة
شعب سورية في ثورته المشروعة،
وقد يسيء إليها ويتحوّل عبر
ممارسات الاستبداد الفاسد إلى
ذريعة للترويج لنظرياته
الفاسدة بغرض الإساءة للثورة
الشعبية المحضة، إنّما هو موقف
مدروس، يضع في حسابه أنّ
التغيير قادم في سورية وفق
إرادة الشعب الثائر، شاء
الاستبداد الفاسد أم أبى، وشاء
الاستبداد الدولي وجميع ما
يمثله من قوى الهيمنة الأجنبية
أم أبى، فهو موقف يستهدف أن
يستعدّ مسبقا لحقبة ما بعد
التغيير، ومحاولة إيجاد منافذ
جديدة –لو أمكن ذلك- لمرتكزات
داخلية تعتمد القوى الأجنبية
عليها. 6- إنّ
الردّ على ذلك بتخوين الثورة..
هو ردّ بتخوين شعب سورية
الثائر، ودعم للاستبداد
الفاسد، إنّما الردّ القويم هو
الذي يرفض كل شكل من أشكال
التدخل الأجنبي رفضا مطلقا،
ويدعم ثورة شعب سورية من أجل
تحرير إرادته دعما كاملا. 7- إن
مستقبل العلاقات بين سورية ما
بعد الثورة، وقيام الحياة
والحكم في سورية وفق إرادة
شعبها، وبين أي طرف أجنبي، لا
يقوم على أسس قويمة إلا عندما
يُبنى على الانطلاق من المصلحة
العليا في سورية أولا، والمصلحة
العليا على مستوى العالم العربي
والعالم الإسلامي ثانيا، وعلى
أولوية التضامن والتعاون على
مستوى الشعوب فيما يسمّى الدول
النامية ثالثا، ثمّ من بعد ذلك
كلّه على أساس قويم يراعي
المصالح المشروعة المتبادلة
على المستوى العالمي رابعا. 8- إنّ
مستقبل الوضع في سورية ما بعد
الثورة، لا يمكن أن يكون بعد
نفاذ إرادة شعبها في صناعة
قراره بنفسه، إلا موقفا وطنيا
شاملا لجميع مكوّنات شعب سورية،
عربيا يحقق أهداف الشعوب
العربية وفي مقدمتها تحرير
فلسطين وتحرير كل أرض وكل شعب في
المنطقة العربية، إسلاميا يربط
بين المعطيات الحضارية الشاملة
للمسلمين وغير المسلمين على
امتداد المنطقة الإسلامية وفي
علاقاتها على المستوى الدولي. يجب أن
يوضع حدّ نهائي للتشكيك في
مشروعية ثورة شعب سورية
وأهدافها المشروعة ومسارها
المشروع، وأن يقترن ذلك برفض
الاستبداد والفساد وذرائعه
جميعا، بما فيها وجود مؤامرات
خارجية وأصابع أجنبية، فوجوده
يخدم وجود ثغرات لتلك المؤامرات
والأصابع، وزواله يسدّ تلك
الثغرات وإن استمرّت المؤامرات
والمحاولة للتأثير عبر أصابع
أجنبية. إنّ
الخيانة المتمثلة في الاستقواء
بالأجنبي لا تواجه بخيانة شعب
سورية وخيانة إرادته وثورته
وحريته، بل بمضاعفة الجهود من
أجل مواجهة الاستبداد المحلي
والهيمنة الأجنبية في وقت واحد. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |