ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
سورية
بين حالة الطوارئ وحالة
الاستبداد النظام
بين إدراك المطالب المشروعة
والمراوغات غير المجدية نبيل
شبيب لا أحد
ينكر أهمية إنهاء حالة الطوارئ
في سورية، ولا أحد ينكر أهمية
إلغاء محكمة أمن الدولة، ولا
أحد ينكر أنّ هذا وذاك "من"
مطالب الشعب الثائر في سورية،
فكلاهما يمثل قوالب تطبيقية
بشعة لاستبداد السلطة، إنّما لا
يجهل أحد أيضا حقيقة الاختلاف
الجذري الحاسم بين قيمة هذه
الخطوة ومفعولها لو اتخذها
الحاكم "طوعا" قبل سنوات،
فحصل على شيء من الثقة بجدّية
مقولاته المتكررة عن "إصلاح
تدريجي" وعن أولويات ما
يتحدّث عنها، رغم تقلّب حديثه
المتكرر بصددها، مرة بعد أخرى،
وبين قيمة تلك الخطوة ومفعول
اتخاذها قسرا.. الآن، أثناء
الثورة، ولا يجهل أحد أيضا
أنّها على كلّ حال بمنزلة تقليم
ظفرين اثنين فقط من بين أظافر
عديدة في أيدي السلطة
الاستبدادية وأرجلها، ويبقى
سواهما ويبقى الاستبداد نفسه
قائما. نهاية
الاستبداد وليس نهاية بعض
مظاهره لا شك
في أنّ انعدام الثقة –أو ما
أقرّ به رأس النظام بتعبير
الفجوة- بين الشعب والسلطات له
أسبابه العميقة المتراكمة
المتجذرة الناجمة عن عوامل
عديدة، من بينها أنّ إلغاء حالة
الطوارئ وإلغاء محكمة أمن
الدولة لم يأتِ طواعية على
امتداد السنين الماضية، لا سيما
سنوات وراثة الاستبداد وجميع
تطبيقاته، في سنوات حكم بشار
الأسد، بل جاء الآن تحت ضغوط
ثورة شعب يقدّم التضحيات
المتوالية.. وهي تتعاظم فتنتشر
الثورة وتتنامى قوتها بسبب
استمرار الاستبداد وبسبب
استخدام "أظافره" الأخرى،
بدءا بالقمع مع التضليل عبر طرح
مختلف الأساطير المتناقضة مع
بعضها بعضا، انتهاء بالتعذيب في
أقبية المخابرات وعلنا في
الشوارع.. وهذا بالذات ما يجعل
ردّ فعل الشعب الثائر في أكثر من
قرية ومدينة على إلغاء حالة
الطوارئ وإلغاء محكمة أمن
الدولة، هو مواصلة الثورة،
اقتناعا شعبيا شاملا وواعيا
بأنّ هذا وحده ما يمكن أن يوصل
إلى إلغاء حالة الاستبداد
نفسها، طوعا أو كرها. إنّ
حالة الطوارئ التي أعلنت عام 1963م
لم تُعلن بسبب حرب أو كارثة
طبيعية، بل كانت أحد منتجات
الانقلاب العسكري الذي صنع
الاستبداد على امتداد 48 سنة
وصنع معه جميع منتجاته،
واستمراره هو المرفوض من قبل
إنهائها ومن بعد. وإن
محكمة أمن الدولة لم تكن شكلا من
أشكال اصطناع قضاء استثنائي
فحسب، بل كانت من بداية نشأتها
شكلا من أشكال أجهزة قمع
الحريات وانتهاك الحقوق دون
حساب، وأدّت هذه المهمة وبقيت
تؤدّيها حتى اندلاع الثورة،
واستمرار القمع هو المرفوض
بوجود محكمة أمن الدولة وبعد
تغييبها. ولهذا:
مهما قيل الآن من جانب النظام
الاستبدادي، عن أنّه يخطو هذه
الخطوة على طريق إصلاح نفسه
بنفسه، فإن وقائع سنوات وعقود
مضت ووقائع الأسابيع الماضية
تحديدا على اندلاع الثورة تؤكّد
عدم صحّة الحديث عن إصلاح نفسه
بنفسه، سواء نتيجة عجز ذاتي
بسبب تركيبته البنيوية، أو
نتيجة انعدام نيّة الإصلاح أصلا..
أو نتيجة أي عامل آخر، فليس
الانشغال بالبحث عن السبب سوى
"عملية إلهاء" عن أصل
البلاء، والشعب الثائر لا يمكن
إلهاؤه عن جوهر ما يعنيه تحرير
إرادته ونفسه وبلده من قبضة
الاستبداد وأخطبوط الفساد. العنف
القمعي دليل أكبر من كل "الكلمات"..
رغم ذلك يكفي النظر على الأقلّ
فيما صدر من "كلمات".. من
مواقف وتصريحات بشأن حالة
الطوارئ تحديدا، بدءا بالتصريح
القائل إن الإصلاح السياسي في
سورية يحتاج إلى جيل كامل،
انتقالا إلى الحديث عن أنّ
مشروع إلغاء حالة الطوارئ مطروح
منذ عام 2005م وتأخّر الأخذ به
فحسب، ثم الحديث عن تشكيل لجنة
لدراسة المشروع الآن مع تجنّب
ذكر موعد زمني بل تأكيد الحرص
على عدم التسرّع، وأخيرا
الإقدام على استصدار "مرسوم"
رئاسي فردي.. لا يجهل أحد أنّه
كان في الإمكان استصداره في أي
وقت سبق، لو توافرت نيّة
الإصلاح فعلا، هذا.. مع ملاحظة
أنّ ممارسة السلطة عبر "مراسيم"
هي بحدّ ذاتها جزء أصيل من جوهر
حالة الاستبداد القائمة أثناء
تطبيق حالة الطوارئ، والباقية
بعد إلغائها.. ويجب وضع حدّ لهذه
الممارسة، وللأسس الفاسدة غير
المشروعة التي تقوم عليها. فهم
الحاكم.. وفهم الشعب ليس
صحيحا أنّ رأس النظام الحاكم في
سورية لم "يفهم" ما يريده
الشعب الثائر في سورية –على
غرار بن علي ومبارك- بل يدرك ذلك
بكلّ وضوح إدراكا كاملا.. فسواء
في مرحلة هتافات "حرية حرية"
أو مرحلة هتافات "الشعب يريد
إسقاط النظام" تتجلّى إرادة
الشعب في إنهاء حالة الاستبداد
بجميع إفرازاتها، فسادا..
واحتكارا للسلطة، وأرضيّة
دستورية وتشريعية شاذة،
وتشويها للقضاء شكلا ومضمونا،
وأجهزة قمعية متغوّلة، وتغوّلا
حزبيا أكبر في جميع ميادين
الحياة والحكم.. هتافات الشعب
تعني بكلمة واحدة: نهاية
الاستبداد الفاسد. ولأن
النظام متشبّث بالاستبداد
والفساد، تصبح كلمة إسقاط
النظام مرادفة لإنهاء
الاستبداد الفاسد، في وعي الشعب
وهو يصنع ثورته بإقدامه
وتضحياته ووعيه وصموده، وفي وعي
المستبدّ وهو يحاول قمع الثورة
باتهاماته للشعب الثائر
وبمراوغاته عن الخضوع لإرادته،
وبقمعه الإرهابي لأطفاله
وشبابه ونسائه وشيوخه، وكذلك
بالخطوات التي يروّج لإعطائها
عنوان "إصلاح". ما يجري
على الأرض هو المرآة الصادقة
للتعبير عن حقيقة النظام وحقيقة
الثورة، ومن ذلك على سبيل
المثال على عجل دون الحصر أو
التفصيل: الاستبداد
يتحدّث بلغة الاتهام التضليلية
عن "فتنة طائفية".. والشعب
يهتف باللهجة السورية الصادقة:
"لا سنية ولا علوية.. بدنا
وحدة وطنية".. الاستبداد
ينتقل إلى اتهامات مبتكرة أخرى..
والشعب يردّ بهتافات صادقة أخرى..
وإذ وصل إلى ابتكار تهمة "تمرّد
سلفي مسلّح" يوم الإعلان عن
مرسوم إلغاء حالة الطوارئ جاء
الجواب في الليلة التالية
مباشرة: "لا سلفية ولا إخوان..".
المطلوب
معلن ومعروف ثورة
شعب سورية ثورة التغيير الجذري
الشامل، ثورة إنهاء الاستبداد
والفساد لاسترداد الوطن ووحدة
أهله جميعا، وثورة تطوي صفحة ما
صنع الاستبداد والفساد وتستأنف
طريق سورية مجدّدا على كل صعيد،
للبناء الوطني والعطاء
الحضاري، وطنيا وعربيا
وإسلاميا وإنسانيا. لا
يتحقق ذلك بإنهاء حالة الطوارئ
واستبقاء الأجهزة القمعية.. ولا
يتحقق بإلغاء محكمة أمن الدولة
واستبقاء صلاحيات "المراسم"
الرئاسية و"السيادة"
الحزبية و"تقديس" الفرد.. لا
يتحقق ذلك بقطع بعض الفروع
واستبقاء جميع الجذور. الإجراءات
المطلوبة لتخفيف "نسبة
انعدام الثقة" –ومن المستحيل
القضاء عليها كلية قبل انتهاء
وجود الاستبداد والفساد أولا
وبصورة كاملة- هي تلبية مطالب
معلنة معروفة، ولا ينبغي
الامتناع عن تكرار ذكرها إلى أن
تتحقق على أرض الواقع وليس عبر
وعود، سيّان عمّن تصدر: 1- إطلاق
سراح جميع المعتقلين ظلما
وعدوانا وإجراما بحق شعب سورية،
دون استثناء ودون تأخير ودون
شروط ودون اعتقالات بديلة تالية..
(وهنا فقط يأتي الجانب الفرعي
المتمثل في إنهاء حالة الطوارئ
وإلغاء محكمة أمن الدولة
باعتبار ذلك يستبعد أداتين
رئيسيتين من بين أدوات عديدة
لهذه الممارسات الاستبدادية).. 2- إلغاء
جميع الأسباب المصطنعة انتهاكا
للحقوق والحريات، والتي تقهر
الإنسان السوري الرافض
للاستبداد والفساد علنا، داخل
وطنه مع منعه من المغادرة
المقترنة بضمان العودة، أو
تحرمه من وطنه أصلا بتشريده في
أنحاء الأرض.. وحشر طريق العودة
فيما يسمّى "البوابة الأمنية"
إمعانا في القهر ومحاولة انتزاع
"التوبة" من المواطن أن
يكون إنسانا مواطنا.. 3- وقف
ممارسات جميع الأجهزة القمعية (الأمنية)
بصورة فورية وحلّ جلّها، فجلّها
يقتصر وجوده على القمع الداخلي،
تمهيدا لتشكيل أجهزة أمنية
قويمة بديلة، تنبثق عن دستور
جديد وقوانين تشريعية قويمة بعد
انتخابات شاملة حرة نزيهة
بآليات مضمونة منطلقا وتطبيقا
وحصيلة.. 4- حلّ
"مجلس نيابي" ليس مجلسا ولا
ممثلا نيابيا للشعب، وتجميد
جميع صلاحيات السلطة التنفيذية
التي تتجاوز حدود الجانب
الإجرائي لتصريف الأعمال، إلى
أن يكتمل ترسيخ أسس جديدة
لانتخابات حرة نزيهة تعتمد على
أرضية دستورية وتشريعية قويمة.. 5-
الحوار الوطني الجامع في هيئة
تضمّ شخصيات معتبرة معروفة
تمثّل جميع القوى الوطنية
والأطياف الشعبية دون استثناء،
والمخوّلة وحدها في المرحلة
الانتقالية، لتثبيت الخطوات
الانتقالية، وفق جدول زمني قصير
الأمد، لتثبيت منطلقات تحقيق
التغيير الجذري الشامل، وفق
أهداف ثورة شعب سورية. 6-
الامتناع عن التعرّض بأي شكل من
أشكال المنع أو القمع لفعاليات
ثورة شعب سورية، بجميع أشكالها
الحالية والمحتملة، تظاهرا
واعتصاما وإضرابا..، والتي يجب
أن تتواصل حتى تحقيق آخر مرحلة
من مراحل التغيير الجذري وفق
النقاط السابقة، ومع اعتبار
النظام القائم الآن نفسه هو
المسؤول عن كلّ انتهاك لذلك. المطالبة
بالانتظار.. جزء من المراوغة لئن
أدرك النظام حقيقة أهداف الثورة
وراوغ رغم ذلك، فالواضح أنّه لم
يدرك أن المراوغة غير مجدية، أي
أنّه لا يزال لا يدرك -نتيجة
أوهام يصنعها استناد وجوده إلى
ما صنع في 48 سنة سابقة وراكم من
آليات الاستبداد والفساد- أنّ
الثورة الشعبية منتصرة لا محالة. لقد
اندلعت ثورة شعب سورية بعد 48 سنة
من الاستبداد والفساد.. لصناعة
مرحلة تاريخية جديدة خالية من
الاستبداد والفساد باقتلاع
جذورهما وترسيخ بديل عنها، ولا
يمكن أن تدفع المراوغاتُ شعبَ
سورية إلى انتظار 48 سنة أخرى أو
48 شهرا.. ولا حتى 48 يوما. إنّ
ثورة شعب سورية في صميم حقبة
الثورات الشعبية العربية،
الحالية والقادمة، وموقعها
ثابت في جوهر ما تعنيه هذه
الحقبة تاريخيا وحضاريا، واقعا
ومستقبلا، والاختلاف بين مجرى
ثورة ومجرى ثورة أخرى قائم على
"جبهة الأنظمة" وليس على
"جبهة الشعوب".. لقد
اندلعت ثورة شعب سورية والتقت
بوصفها سلمية واعية، شعبية
شاملة، حضارية راقية، يقترن
الإقدام فيها مع التضحيات،
والممارسات مع حتمية الانتصار..
التقت في ذلك مع ثورات الشعوب في
تونس ومصر واليمن وليبيا.. دون
تمييز، ومع بذور ثورات شعبية
أخرى.. ولو
كانت الثورة قابلة للتشبيه
بلعبة لصحّ قول من يقول إن "الكرة
في ملعب الاستبداد" في سورية،
فهو الذي يحوّل بهتافاته (الاتهامات
التضليلية) وبممارساته (القمع
المتصاعد) مجرى الحلقات
المتتالية لمجرى ثورة شعب سورية
إمّا في اتجاه تونس ومصر لتبدأ
المرحلة التالية على طريق
التطهير والبناء، أو في اتجاهٍ
ما يقع بين حالتي اليمن وليبيا،
وهو الذي يرفع "ثمن" انتصار
الثورة عبر ما يريقه من دماء
ويسبّبه من آلام، وهو في الوقت
نفسه الطرف الذي يزيد فداحة
مسؤولية السلطة عن ذلك،
بأجهزتها جهازا جهازا،
وبعناصرها فردا فردا، وهو
المسؤول بالتالي عن فداحة الثمن
الذي ستدفعه أجهزة السلطة
ويدفعه أفرادها مع انتصار
الثورة المحتم.. ولم يعد مجهولا
أن هتافات الثوار ومطالبهم
تعبّر عن ذلك أصدق تعبير، وهي
تتركّز على "حرية حرية" ثم
تتركّز على "إسقاط النظام"
ثم تتركّز على " محاكمة
النظام". هل يدرك
المسؤولون عمّا يصنعون عبر
النظام، كلاما وممارسة، ما
تعنيه المرحلة الثانية الحالية
التي وصلوا إليها في مجرى
الثورة، فيستدركوا ما يصنعون،
قبل الانتقال إلى المرحلة
الثالثة، فينتقلوا هم فوراً دون
تسويف ومراوغة، إلى تلبية
المطالب المشروعة المذكورة غير
منقوصة، والتي سيتمّ تطبيقها
على كل حال، بتعقّلهم قبل فوات
الأوان.. أو رغما عنهم، فاندلاع
الثورة لا يعني سوى انتقال
إرادة الشعب من حالة "الكمون
والاحتقان" إلى حالة "الفعل
والتنفيذ".. وإرادة الشعوب هي
المنتصرة بإذن الله مهما تجبّرت
الأنظمة وتخشبّت. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |