ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 02/05/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

الإسرائيليون إذ يعدِّدون "مناقب" النظام السوري

صالح النعامي

كان بالإمكان ملاحظة وقع الدهشة التي اعترت مقدِّم الفترة الإخباريَّة الصباحيَّة في الإذاعة الإسرائيليَّة باللغة العبريَّة عندما أبدى الجنرال المتقاعد إيفي إيتام، رئيس حزب "الوطني الديني" سابقًا ووزير الإسكان الأسبق، قلقه من إمكانيَّة سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، فإيتام ليس فقط أحد أكثر الشخصيات تطرفًا في اليمين الإسرائيلي، بل إنه شخصيًّا يقطن في مستوطنة "كاتسرين"، الواقعة على هضبة الجولان السوريَّة، التي احتلَّتها إسرائيل عام 1967.

كان إيتام قاطعًا وحاسمًا في حكمه عندما علَّق على الاضطرابات التي تجتاح سوريا حاليًا، قائلًا: "النظام السوري الحالي هو أفضل صيغة حكم بالنسبة لإسرائيل"، معتبرًا أنه على الرغم من المواقف العدائيَّة تجاه إسرائيل التي يحافظ عليها النظام السوري، إلا أنه يبقى أفضل من كل الخيارات الأخرى التي يمكن أن تحلَّ مكانه في حال سقط، وقد فاجأ إيتام المستمعين عندما قال: إنه لا يؤمن بأن النظام الحالي في سوريا "جاد" في مطالبته باسترداد الجولان، وحاول إيتام تقديم تفسير سياسي لحكمه هذا قائلًا: "مشكلة النظام القائم في سوريا أن شرعيته تستند إلى تأييد الأقليَّة الدينيَّة العلويَّة، وبالتالي فإنه معني دائمًا بوجود حالة صراع ظاهريَّة مع إسرائيل تبرِّر بقاءه وديمومته، وبالتالي فإن هذا النظام غير معني باسترداد الجولان في أي تسوية سياسيَّة؛ لأنه يعتقد أن التوصل لتسوية سياسيَّة يعني فتح الحوار من جديد حول شرعيَّة نظام الحكم وإثارة التساؤلات على مستقبل سيطرة الأقليَّة العلويَّة على الأكثريَّة السنيَّة"، على حد تعبيره.

لكن إن كان الموقف الصادر عن الجنرال إيتام مفاجئًا لأنه عكف في الماضي دائمًا على مهاجمة النظام السوري الحالي، فإن هناك الكثير من النخب الإسرائيليَّة الحاكمة في إسرائيل ترى أن بقاء النظام الحالي في سوريا هو أفضل الخيارات بالنسبة لإسرائيل؛ فعلى الرغم من أن وزير التعليم جدعون ساعر يرفض انسحاب إسرائيل من الجولان، ويطالب بتكثيف الأنشطة الاستيطانيَّة فيها، إلا أنه يرى أن بقاء النظام الحالي في سوريا يمثِّل مصلحة إسرائيليَّة، وخلال لقاء مع نشطاء من حزب الليكود الحاكم، أشار ساعر إلى أن أهم عامل يجعله يؤمن بضرورة بقاء النظام السوري الحالي هو الهدوء التام الذي عرفته الحدود السوريَّة الإسرائيليَّة منذ انتهاء حرب عام 1973، ويقول ساعر: إن "التجربة العمليَّة قد دلَّت على أن النظام السوري هو الأكثر التزامًا باتفاقات وقف إطلاق النار والهدنة، لقد التزم السوريون ووفَّوْا بتعهداتهم بشأن تأمين الحدود المشتركة، لم يكن من الفراغ أن يسمح الهدوء بتعاظم البناء في المستوطنات اليهوديَّة على هضبة الجولان، والذي أدى إلى تضاعف عدد المستوطنين فيها عدة مرات خلال أكثر من ثلاثة عقود" ويرى وزير الدولة الجنرال المتقاعد يوسي بيليد أن النظام السوري خلال عهدي حافظ الأسد ونجله بشار، لم يبذلْ جهودًا حقيقية لتغيير موازين القوى العسكريَّة التي تميل لصالح إسرائيل، مشيرًا إلى أن تسليح الجيش السوري لا يناسب الحروب الحالية، وبعيد كل البعد عن متطلبات أي مواجهة مع إسرائيل، منوهًا إلى أن ميزان القوى لم يزددْ خلال العقود الأربعة الماضية إلا ميلًا لصالح إسرائيل.

من ناحيته يرى المعلِّق الإسرائيلي أمنون أبراموفيتش أن أهم ميزة "إيجابيَّة" في النظام السوري القائم، هو حرصه على عدم تغيير قواعد اللعبة القائمة بين الجانبين، بحيث أن سوريا لم تحاولْ خلال العقود الثلاثة الماضية تحدي إسرائيل والرد على الاستفزازات الكثيرة التي قامت بها ضدها.

وأضاف: "إن أكثر الأطراف العربيَّة التي نجح في مواجهتها الردع الإسرائيلي هي سوريا، بلا شك، فقد قمنا بقصف المنشأة النووية شمال شرق سوريا في ديسمبر 2006 وتم اغتيال عماد مغنية، قائد الذراع المسلَّح لحزب الله في قلب دمشق، إلى جانب قيامنا باستهداف مواقع للفصائل الفلسطينيَّة داخل سوريا، دون أن يتجرَّأ نظام الأسد الأب والابن على الرد".

ويحذِّر أبرامفويتش أنه لا يمكن بالمطلق ضمان أن يسلك نظام آخر غير النظام الحالي هذا السلوك.

عاموس هارئيل، المعلِّق العسكري في صحيفة "هآرتس" يتبنَّى وجهة نظر مخالفة، ويعتبر أنه يتوجب "عدم ذرف دمعة واحدة في حال سقط نظام الأسد"، مشيرًا إلى التحالف بين سوريا وحزب الله وإيران، بالإضافة إلى السماح بتواجد قيادات التنظيمات الفلسطينيَّة على الأرض السوريَّة، ويضيف: "النظام السوري يسمح بتسليح حزب الله، ويمنح إيران موطأَ قدمٍ في المنطقة، ويسمح بتهديد المصالح الاستراتيجيَّة لإسرائيل".

ويشير هارئيل إلى أنه على الرغم من التفوق الإسرائيلي الكبير في المجال العسكري، إلا أن النظام السوري ركَّز على الاستثمار في مجال اقتناء الصواريخ، مشيرًا إلى أن الصواريخ السوريَّة بإمكانها أن تصيب كل نقطة في إسرائيل، مما يجعل سوريا تحت نظام الأسد دولة "خطيرة" لكنَّ يرون فريدمان، أستاذ العلوم السياسية في معهد التخنيون يرفض مقاربة هارئيل، ويشير إلى أنه على الرغم من أن هناك احتمالًا أن يتخلى أي نظام جديد في سوريا عن التحالف مع إيران وسوريا، إلا أنه في المقابل سيعزِّز علاقاته مع حركة حماس، وفي مقال تحليله نشرته النسخة العبرية لموقع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، نوَّه فريدمان إلى أن كل السيناريوهات التي وُضعت لمرحلة ما بعد نظام الأسد تؤكِّد أن جماعة الإخوان المسلمين سيكون لها تأثيرٌ واسع وكبير على مجريات الأمور في سوريا "وهذه الحركة بكل تأكيد ستمدُّ يد العون لحركة حماس التي تنتمي إلى نفس العائلة".

بن كاسبيت، كبير المعلقين في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية يصبُّ جام غضبه على المنادين بدمقرطة العالم العربي، ويعتبر أنه بخلاف كل ما يقال، فإن التحول الديمقراطي في العالم العربي لا يخدم المصالح الإسرائيليَّة؛ على اعتبار أنه سيجلب حتمًا أنظمة حكم أكثر عداءً لإسرائيل، وينتقد كاسبيت بشدة بعض الأصوات التي تنطلق داخل الولايات المتحدة للمطالبة بمساعدة الجماهير السوريَّة على التخلص من نظام الأسد، وأضاف: "مع كل الاحترام لدعاة الديمقراطيَّة، فإن ما سينتظرنا هنا مواجهة اتجاهات دينيَّة وعلمانيَّة تعبِّر عن الرأي العام السوري بشكلٍ حقيقي، ونحن ندرك موقف الرأي العام السوري، كما هو الحال بالنسبة لموقف الرأي العام العربي بشكلٍ عام، فالجماهير العربيَّة ترفض وجودنا، وتساند خيار المقاومة ضدنا، وبالتالي فإن الحديث عن نظام يعبِّر عن الرأي العام السوري، يعني بالضرورة جلب نظام معادٍ لإسرائيل" ويرفض كاسبيت الرأي القائل بأن العلمانيين العرب سيكونون أقلّ عداءً لإسرائيل من الإسلاميين، مشددًا على أن الطرفين سيعاديان إسرائيل استجابةً لرغبة الرأي العام العربي.

مما لا شك فيه أن الذي يجعل التطورات في سوريا بالغة الخطورة بالنسبة للكثير من النخب الحاكمة في تل أبيب حقيقة أنها تترافق مع تحركات قد تؤدي إلى تغيير صيغة نظام الحكم في الأردن، الذي لا خلاف داخل إسرائيل على أنه "أوثق" حلفاء إسرائيل الاستراتيجيين في المنطقة، ويخشى الإسرائيليون من أن تغيير صيغة الحكم في الأردن وسوريا بعد مصر قد يُفضي إلى بلورة ما يوصف في تل أبيب ب "الطوق السني"، الذي سيجد ترجمته في تعاظم تأثير جماعة "الإخوان المسلمين" على مجريات الأمور في المنطقة.

من هنا فإن النخب الحاكمة في تل أبيب تقبض أنفاسها بصمتٍ إزاء ما يجري خلف الحدود مع سوريا، وكلها أمل ألا تتغير البيئة الإقليميَّة من ناحية استراتيجيَّة على النحو الذي يخلط الأوراق بشكلٍ يضاعف الأعباء الاستخباريَّة والعسكريَّة على كاهل الكيان الصهيوني؛ فلسان حكام تل أبيب يقول: "مهما كانت طبيعة العلاقات مع النظام السوري القائم حاليًا، فإن إسرائيل تمكَّنَت من إدارة هذه العلاقات بشكلٍ يخدم المصالح الإسرائيلية حتى الآن، ولا يوجد ضمانة أن تحافظ تل أبيب على إنجازاتها في حال تغيَّرت صيغة الحكم الحالية في دمشق".

=============================

حقائق وأباطيل نظم الممانعة

د. أكرم حجازي

مشكلة الشعوب العربية أنها تتعامل مع نظم أمنية لا نظم سياسية. نظم تستمد مشروعيتها من منظومة سايكس- بيكو دون أية مواربة. أي أنها نظم تعادي العقيدة والدين والتاريخ والحضارة وتحظر على الشعوب أية مشاركة سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو علمية خارج رقابتها التامة .. نظم لا تتمتع بأية سيادة تذكر إلا في إطار ما يتيحه لها المركز وما يفرضه عليها من شروط تسمح ببقائها في الحكم. وفي المحصلة ثمة نظم لها وظيفة إدارية يتيمة هي الأمن ولا شيء غير الأمن.

 

 الحصيلة الجوهرية التي لا يختلف عليها عاقلان تؤشر على أن الأمة منذ سايكس – بيكو، التي أنجبت هذه النظم، وإلى يومنا هذا تسير من السيئ إلى الأسوأ .. فلسطين مغتصبة ولمّا تزل .. والعراق تحت حكم الصفويين .. والصومال تفتت ولم يلتئم بعد .. والسودان لم ينج من التقسيم .. ومصر مهددة حتى اللحظة .. والجزائر تحكمها عصابة لصوص ... والقائمة تطول حتى الدول الإسلامية .. الغالبية الساحقة منها دول فاشلة .. متخلفة .. ضعيفة وعاجزة ...

 

 أما النظم فتغلب عليها السمات القمعية .. والدموية .. بل هي نظم متغولة حتى على الفرد، طفلا أو شيخا أو امرأة أو جماعة أو حزبا .. نظم استولت على الدولة وتملكت المجتمع والجماعة والفرد .. مكوناتها ورموزها السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والاجتماعية، بما فيها قوى المعارضة والمقاومة، ليست سوى انعكاس لمنظومة سايكس – بيكو، ولمواصفات النظم التي ولدت وترعرعت فيها.

 

 باختصار: سايكس – بيكو، كحالة ثقافية ومنظومة اشتغال استعمارية اخطبوطية، أغرقت الأمة في مستنقع من الطغيان والظلم والفساد لم يترك مجالا إلا واستوطن فيه. وكانت النتيجة أمة مشوهة العقيدة .. بلا هوية .. وبلا ثقافة .. وبلا ماض .. وبلا حاضر .. وبلا مستقبل .. وبلا أي طموح أو أمل. هذا الانسداد التام لأي بارقة أمل ما كان من الممكن أن يستمر إلى ما لا نهاية لاسيما وأن الله، عز وجل، جعل من سنة التدافع بين البشر، أحد نواميس الكون التي تسمح باستمرار الحياة بين بني البشر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

 

 بطبيعة الحال هذه القراءة تخص نظم بنت شرعيتها على معايير أيديولوجية راديكالية، عبرت عن دعمها لخط المقاومة كالجزائر وليبيا وسوريا واليمن، بالإضافة إلى إيران اليوم، فتبين أنها أشد النظم دموية ضد شعوبها ومخالفيها .. قراءة لا شك أنها لا تعجب أهل الممانعة والمقاومة من اللبراليين والعلمانيين والروافض وعديد القوى الإسلامية وكل الذين يتخذون من المصالح، فقط، مؤشرا يستدلون فيه على صحة مواقفهم ومكاناتهم بعيدا عن معيار العقيدة. فالحلال والحرام والحق والباطل والصواب والخطأ والخير والشر والصديق والعدو ... ثنائيات لا حدود لها، يُحدَّد الموقف منها بموجب المصلحة والحاجة وليس بموجب العقيدة ولا بموجب أية منظومة أخلاقية أو قيمية أو إنسانية أو تاريخية أو حضارية أو حتى موضوعية.

 

النموذج السوري

 

 لأكثر من خمسة عقود متتالية لم يكن للنظام السوري من رصيد، وطني أو قومي، إلا ملفات حافلة بالقمع والرعب وسفك الدماء سواء داخل سوريا أو خارجها. ورغم طائفية النظام إلا أن أحدا من مكونات الشعب السوري القومية أو الطائفية أو السياسية لم تفلت من بطشه بما فيها الطائفة النصيرية ذاتها التي يجري تخويفها من محيطها وتخوينها كلما حاولت الاحتجاج على أوضاعها البائسة. ومن يطلع على تجليات الحقائق سيكفيه التساؤل عن مصير آلاف المفقودين والمنسيين في السجون السورية أو الملايين المشردة في العالم هربا من دموية النظام.

 

 حصيلة النظام السوري في الفساد والإفساد وخراب البلاد تفيض عن الحاجة سواء في السياسة أو الاقتصاد أو التجارة أو التعليم أو الثقافة أو الأمن أو العسكر أو التنمية أو الحكم أو الاستثمار أو الحريات الخاصة والعامة ... أما ملفاته في إلحاق أبلغ الضرر بالأمة فلا تخفى على أحد بدءً من الهيمنة على لبنان وضرب كافة القوى الوطنية والفلسطينية مرورا بابتزاز دول الخليج ماليا وانتهاء بالقتال تحت الراية الأمريكية والتحالف مع حزب الله وإيران الصفوية التي تطوعت في تسهيل احتلال أفغانستان واقترحت على الأمريكيين تكرار التجربة في العراق كما يقول الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي.

 

 بلغة سايكس – بيكو، التي تروق لدعاة الممانعة والمقاومة، فالمعطيات المتوفرة عن كوارث النظام في شتى المجالات هائلة ومفزعة. وفي السياق يكفي ملاحقة النظام لمعاينة بعض الجرائم داخل سوريا أو خارجها .. جرائم سفكت أو تسببت بسفك دماء مئات الآلاف من البشر .. جرائم نضعها، كما يرغب دعاة الممانعة والمقاومة، في ميزان المصلحة وليس في الميزان العقدي أو حتى الأخلاقي لنرى أية مصلحة وطنية أو قومية تحققت من المراهنة على النظام.

 

 فالنظام السوري هو الذي فتك بمدينة حماة حين قتل سنة 1980 في 17 يوم فقط أكثر من أربعين ألف مواطن. وهو الذي فتك بسجناء تدمر (27/6/1980) في مذبحة ذهب ضحيتها 813 سجينا أمكن معرفة أسماءهم. وهو الذي أوقع مذبحة أخرى ضد نزلاء سجن صدنايا ( 2008 ) الذين تمردوا على دوس المصحف الشريف، وذهب ضحيتها أكثر من 200 سجين، واستمرت وقائعها لأربعة أشهر وسط تكتم إعلامي رهيب، وتجاهل تام من القوى السياسية والاجتماعية خاصة تلك التي تتبنى المقاومة والتحرر من الظلم والاستعباد والاحتلال.

 

 النظام السوري أكثر من تلقى الإهانات من إسرائيل في عمق سوريا، وفوق القصر الرئاسي دون أن يرد مرة واحدة إلا ببيانه التاريخي المخزي والمذل والذي لم تتغير مفراداته منذ 35 عاما: « سوريا هي من يحدد مكان وزمان المعركة وسترد في الوقت المناسب ولن تسمح لأحد أن يفرض عليها زمان المعركة»!!! فأي مقاومة يتحدث عنها هذا النظام والأمة ما زالت تنتظر الرد، على الأقل، كرامة لأهل سوريا، ولو من باب ذر الرماد في العيون!!!!

 

 النظام السوري هو من أسقط هضبة الجولان خلال حرب العام 1967 وسلمها لقمة سائغة لإسرائيل، ثم حظر على أية جماعة مقاومة الانطلاق منها سواء لمقاتلة إسرائيل أو لتحريرها. وهو الذي أمَنها للعدو منذ احتلالها وإلى يومنا هذا دون أن يطلق منها طلقة واحدة خاصة بعد حرب العام 1973 حتى اشتهرت بكونها أشد الجبهات الساخنة برودة وأمنا. ومنذ هذا التاريخ، أيضا، لم يطلق النظام السوري أية طلقة باتجاه إسرائيل إلا إذا أجبرت إسرائيل بعض وحداته على ذلك في لبنان وليس في سوريا. وتبعا لذلك لم يخض أية حرب ضد إسرائيل.

 

 النظام السوري تحالف مع جميع القوى الوطنية الفلسطينية واللبنانية وطحنها في نفس الوقت. فهو من تحالف مع الفصائل الفلسطينية ثم انقلب عليها وضربها ببعضها. وهو من أشعل الحرب الأهلية في لبنان. وهو من نفذ سلسلة من الاغتيالات ضد رموز الحركة الوطنية اللبنانية من كمال جنبلاط إلى معروف سعد. وهو من نفذ سلسلة اغتيالات لبعض قيادات الفصائل الفلسطينية. وهو عراب حرب السنتين ( 1975 ، 76). وهو من حاصر مخيم تل الزعتر لمدة 54 يوما ثم فتك به، عبر راجمات جراد ذات الأربعين صاروخا والتي بالكاد تسلمها من الاتحاد السوفياتي، موقعا خمسة آلاف قتيل من شتى الأعمار. وهو من تحالف حتى مع حزب الكتائب اللبنانية المتحالفة مع إسرائيل. وهو من ضرب حركة أمل الشيعية ثم تحالف معها ومع حزب الله وضربهما بالحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط. وهو من حاصر، بواجهة حركة أمل، مخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتيلا سنة 1985 وارتكب أفظع المجازر بحق الفلسطينيين الذين لم تجف دماءهم بعد من مجزرة صبرا وشاتيلا سنة 1982. وهو من شق منظمة التحرير الفلسطينية صيف العام 1983 وقتل أشهر وأنظف العسكريين الفلسطينيين، سعد صايل، في البقاع اللبناني، وكذا علي أبو طوق وسمير الشيخ وغيرهم من ضحايا غدر النظام السوري.

 

 نظام لم يقدم أي عون للفلسطينيين واللبنانيين خلال الغزو الإسرائيلي سنة 1982، لكنه شن، عبر أدواته الفلسطينية، حربا طاحنة ضد آخر معقل للفلسطينيين في البقاع اللبناني وطرابلس شمالا صيف العام 1983. ونجح فيما لم ينجح به الغزو الإسرائيلي في القضاء على آخر وجود سياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان. بل أنه سحب لواءين من جنوده خلال الغزو تحت القصف الجوي الإسرائيلي، دون أي غطاء أمني أو جوي، لتتفحم جثثهم على طول طريق ظهر البيدر ..

 

 قائمة طويلة من الجرائم والغدر لا تتسع لها في عالمنا العربي والإسلامي إلا جعبة النظام السوري ووحشيته .. نظام انفرد بالتحالف مع حسني مبارك والأمريكيين في قتال العراق ( 1991) وما زال يزعم هو وأنصاره أنه نظام ممانعة ومقاومة .. نظام تظاهر ضده أهالي الجولان في سوريا وتحت الاحتلال ونزعوا ثقتهم به وانتصبت ظهورهم رفضا وانتصارا لبني جلدتهم حتى لا يمتطيها كما امتطى، ولمَا يزل، ظهور الفلسطينيين وقضيتهم، لانتزاع شرعية سقطت في الداخل والخارج وتحت الاحتلال. ومع ذلك ثمة من يدافع عنه باستماتة!!!

 

 نظام لا يمتلك الأدوات والوسائل التقليدية في مواجهة الاحتجاجات الشعبية، ولا هو بحاجة إليها منذ استيلائه على السلطة سنة 1963. فمنذ اللحظة الأولى لمظاهرات درعا أطلق النار على المتظاهرين دون تردد. وحظر على وسائل الإعلام، كالعادة، تغطية الأحداث، وساق الأكاذيب التي تشمئز من هول فجورها مردة الإنس والجن.

 

 نظام وصف شعبه بالمتآمر والخائن كما فعل القذافي في وصف شعبه ب « القطط والجرذان»!!! وذهب لما هو أبعد من ذلك في إرهاب شعبه عبر توثيق عمليات القتل والإهانة وقطع الأرجل وأبشع أساليب التعذيب حتى ضد الأطفال، وبثها على وسائل الإعلام وإلصاقها بجماعات مسلحة مزعومة من هذا الصنف أو ذاك ..

 

 نظام طائفي وَجِسْ؛ يخشى، إلى حد الهستيريا، كل من يحيط به. فلم يجد إلا تعبير « المؤامرة » كي يتوارى به خلف دمويته. وهو تعبير مرادف لتعبير « الفوضى الخلاقة» الذي جاء به دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق بديلا عن تعبير « المؤامرة» الذي لم يعد يجد له حتى موطئ قدم إلا لدى صانعيه السوفييت وورثتهم من الروس الذين يصرون، دون غيرهم من البشر، على الترويج للدور الأمريكي المشبوه في تفجير الثورات العربية.

 

 حرام أن يوجه النظام رصاصة أو قذيفة مدفع طوال 35 عاما ضد إسرائيل .. وحلال عليه أن يصوب رشاشاته ودباباته ومدافعه نحو الصدور العارية فضلا عن أن تداس الظهور بالأقدام. مئات من الأبرياء قتلوا وسحلوا في الشوارع، بيد قوات الأمن وشبيحة النظام، وليس في ساحات الممانعة والمقاومة. فمع فجر يوم الاثنين (27/4/2011) اقتحمت دبابات الفرقة الرابعة خلسة مدينة درعا البلد وشرعت بقصف وحشي طوال يومين خلف مئات المعتقلين وعشرات القتلى والمصابين في الشوارع دون أن يجرؤ أحد على إسعافهم. وعلق مصدر عسكري مسؤول، بحسب رويترز، على الهجوم الوحشي بالقول أنه جاء: « استجابة لاستغاثة أهالي المدينة»!!! فممن يستغيث أهالي درعا بالجيش؟ وأية استغاثة يقدمها الجيش لأهالي المدينة حين يقطع عنهم الكهرباء والمواد الغذائية والطبية ويدمر خزانات المياه فيها ويعزلها عن العالم؟ وما شأن حمص وبانياس ودوما وجبلة واللاذقية وغيرها من المدن والقرى التي تحاصرها الدبابات؟ هل استغاثت هي الأخرى بالجيش ليفتك بها حبا وكرامة بأهل الممانعة والمقاومة؟

 

 استخفاف مقرف بعقول البشر .. لا حدود له إلا عند من يظنون، عبثا، أنهم يدافعون عن نظام الممانعة والمقاومة ضد شعب يدفع ضريبة شديدة القسوة من أجل مصالح موهومة ومشاريع غادرة لم تجن منها الأمة إلا الهزيمة تلو الهزيمة!!! لكن إذا أصر هؤلاء على دعوتهم فليقولوا لنا من المسؤول عن شلالات الدماء المسفوكة ظلما، وملايين المشردين، وعشرات آلاف المفقودين، وعذابات أهل بلاد الشام من القهر والرعب وكل هذه المخازي والكوارث؟ من المسؤول عن قتل العشرات من الأبرياء يوميا؟ وعن تعذيب الأطفال وقلع أظافرهم بوحشية لا يمكن أن يتصف بها إلا من يستحقون، لقاء بشاعة فعلتهم، أشد أنواع العقاب والعذاب؟

 

أسئلة لأهل الممانعة:

 هل لديكم من العقل والدين والمشاعر لتتخيلوا مدى الألم الذي تعرض له أطفال درعا وفظاعة ما تلقوه من تعذيب لمّا انبرت حناجركم وأقلامكم في إصدار البيانات المزورة والمهرجانات المخزية والتصريحات المدوية والتحذيرات الصاخبة عن وجود مؤامرة على سوريا؟ هل هؤلاء الأطفال من أهل المؤامرة أم أهل الممانعة !!!!؟ وإذا كان هذا هو حال الأطفال؛ فهل لكم أن تتخيلوا ما يصيب الشباب والنساء والشيوخ وهم تحت الاعتقال والتعذيب؟

 

 لو كانت ضمائركم حية .. وقراءتكم صحيحة .. وتخليتم عن أنانيتكم .. ومزاعمكم في المصالح الساقطة .. لأدركتم أن نظاما دمويا .. وحشيا .. وفاشيا .. لا يمكن أن يهبكم حرية انتزعها من أعماق كل فرد .. أو يحقق لكم أمنا زرع محله جبالا من الخوف في شعبه .. أو يجلب لكم كرامة اغتصبها من أهلها ..

 

 أية مشروعية تستحقها مقاومة تستمد ديمومتها من شعب يسقط منه كل يوم عشرة شهداء على الأقل؟ أي مقاومة هذه التي تروم التحرر من الظلم بينما تعلن وقوفها إلى جانب نظام يسوم شعبه ألوان العذاب؟ وأي نظام هذا الذي يدعم المقاومة بينما يحرك دباباته ضد شعبه وأرضه المحتلة على بعد كيلومترات؟!!! هل عقمت النساء، إلى هذا الحد، أن يلدن عقلاء يتحلون بالشجاعة في قول الحق وردع الباطل؟

 

 لا شك أنكم تابعتم سيول الكذب والجبن وفبركة الأشرطة المرئية أو تصويرها وبثها لإرهاب الشعب السوري ووأد ثورته. فهل شعرتم بحقيقة النفاق الذي تعيشونه؟ أو بحجم المهانة التي عليكم ابتلاعها؟ أم راقتكم تخاريف النظام، وقرّت أعينكم على مصيرٍ باتت تتقاذفه الدماء الغزيرة لأهل درعا وحمص وبانياس واللاذقية ودوما وجبلة والبيضة وتلبيسة ونوى وإزرع وحماة ودمشق والدير؟

 

 الجواب: اعذرونا .. فالمؤامرة على المقاومة والأمة أكبر مما تتصورون ...... حقا هزلت.

للحديث بقية ...

روابط لأشرطة مرئية:

بانياس - قرية البيضا

http://www.youtube.com/watch?v=wGLMX-DicHY

تعذيب الأطفال في درعا سوريا في عهد الأسد

http://www.youtube.com/watch?v=KZcGKFPCG

x4&playnext=1&list=PL4573C9E02143A7AE&

skipcontrinter=1

انتقام شبيحة الفسد ممن حطم تمثال الرئيس

http://www.youtube.com/watch?v=jnvXqMgw7T4

اعتقالات قوات الأمن بملابس مدنية في درعا

http://www.youtube.com/watch?v=TtrJzMwDfqU

&feature=related

الشبيحة البلطجية الذين هاجموا اللاذقية

http://www.youtube.com/watch?v=udkJoTZTTq4

المشهد الكامل لمجزرة النظام السوري في درعا

http://www.youtube.com/watch?v=PKGEdC90n3g

ندالة الشبيحة والجيش في اعتقال المواطنين

http://www.youtube.com/watch?v=2OTyGosH8CI

===========================

الحكاية وأصلها

نوال السباعي

مع إصرار النظام السوري على استعمال العسكر وبطشهم ، والإعلام الكاذب المضلل لتغطية أساليبه الوحشية المغرقة في التخلف ، في مواجهة انتفاضة سلمية حضارية إنسانية ضد الظلم والطغيان ، في محاولة مستميتة منه لجر البلد إلى فتنة طائفية مسلحة يبرر من خلالها قمعه غير الإنساني للشعب، نجد أنفسنا مضطرين لإعادة الحكاية إلى أصلها ، حيث لم يكن أحد ينتظر حدوث أية حركة احتجاجية في سورية بالذات ، لأنها بلد "الممانعة" ، وهذا حق طالما أريد به الباطل ، و لأن فئة من السوريين كانوا يحبون رئيسهم ، وهذه حقيقة لاينكرها إلا من لايعرف كرم الشعب السوري وسعة صدره ،لكنها ساعات العسرة والانتفاضة والثورة ، التي فضحت "بشار" – كما يناديه شعبه- ، باعتباره وجه السلطة ، والممثل الوحيد لها ، شاء أم أبى ، فهو إما مسؤول مباشر أو متواطيء راض بما يحدث في بلده .

 ومايحدث في سورية أكبر مما يمكن تصوره في بلد مثل سورية بموقعها الجغرافي ، ومكانتها في قلوب سكان المنطقة العربية ، وفي بداية قرن الاتصالات والعولمة ، حيث سقطت كل أوراق التوت التي كان حكامنا يدارون بها عوراتهم ، عقوبات جماعية على الطريقة الإسرائيلية الصربية القذافية – والتي يحاول علي عبد الله صالح محاكاتها في أيامه الاخيرة- ، لشعب أراد الحرية وانتفض على القهر ، وكانت بداية الحكاية من حوران ، لسبب واحد ، هو قيام أجهزة أمن حوران باعتقال أطفال قُصَّر، وتعذيبهم وقلع أظافرهم ، واغتصابهم وتشويههم ، ذلك أنهم حاولوا تقليد مايقوله ويفكر به الكبارمن المحيط إلى الخليج : الشعب يريد إسقاط النظام"!! .. كان الجواب على ثورة حوران من أجل أطفالها الأبرياء ،القمع والبطش ، فترددت أصداء النصرة من دوما إلى القامشلي مرورا بحمص وبانياس واللاذقية، حيث يعرف الجميع هذا النظام حق المعرفة.

هذا هو أصل الحكاية ، لامؤامرات ، ولا أيد أجنبية ، ولا إخوان ولا سلفية ، على الرغم من أن البعض حاول ويحاول القفز إلى عربة الثورة واستغلالها ، كما يحدث في كل الثورات .

 

 صحيح أن النظام السوري حاول القيام متأخرا جدا ببعض الإصلاحات وعمليات التجميل ، ولكنه كغيره من الانظمة التي سقطت أو توشك ، لايمكنه تنفيذ هذه الإصلاحات ، لأن التزامه بالقدر الأدنى منها يعني النهاية المحتومة لحكم الأقلية وعصابة السراق!، وبالضبط كما تَوَزَعَ نفس النظام الأدوار قبل ثلاثين عاما ، مابين "حافظ الطيب" ، وأخيه "رفعت الشرير" ، فإن أجنحة النظام الخفية المعلنة ، وبالموازاة مع إصلاحات "بشارالمحبوب" كانت تقوم بعمليات إجرامية ، من قمع وقهر وقتل و"عفس" للمواطنين ، وهذه الأخيرة مفردةٌ أضافتها الحالة السورية إلى قاموس الثورة الإنسانية التي تشهدها المنطقة ، كما أضاف الدمشقيون من قبل شعارهم الخاص "الشعب السوري مابينذل" ! ، الشعار الذي أوجع هذا النظام المتغول ، فأطلق "شبّيحته" من عقالهم ، يذبحون ويجهزون على الجرحى ويوسعون الأحرار ضربا ورفسا وإهانة!.

ليس صحيحا على الإطلاق أن الشعب لم يرض بالإصلاحات ، ولم يمنح النظام فرصة للمضي فيها ، لكن النظام هو الذي لم يمنح الشعب أية فرصة ولو هامشية للشعور بكرامته .

أصل الحكاية هي أن الشعب السوري – بل والجيل الجديد الذي ولد في ظل هذا النظام - شبع ذلاً، وأنه وصل مرحلة اللاعودة ، وكما يقول السوريون "بايعيينها..بايعيينها" ، و"عليَّ وعلى أعدائي" !، لقد ذاقت سورية ويلات هذا النظام ، وخبرت قدرته على فبركة الأباطيل الغبية، من أجل هذا لايمكنك أن تجد من يصدق شيئا مما يبثه الإعلام السوري ، كما لايمكن لأحد أن يقبل جعجعات أبواقه الذين أرسلهم على الفضائيات يوسعون رجالها ونساءها إهانة وشتما وتهجما ، حالة معروفة لكل سوري ، حتى أولئك الذين مازالوا مكابرين يدّعون أنهم يدعمون النظام ويساندونه ، من الذين استساغوا العيش في ظل العبودية المطلقة ، التي وصلت حدا لايعترف فيه العبيد بعبوديتهم ،لأنهم لم يذوقوا قط طعم الحرية والكرامة ، وكما حصل في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين والمغرب والأردن ، فإن الأحرار وفي معركتهم الفاصلة مع الطغيان سيصطدمون بمعركة هامشية مع العبيد الذين لايريدون التحرر ، لقد استساغوا القيود البراقة في أعناقهم ، قلادات من مسد !!، ألا في الفتنة سقطوا ، وأي فتنة أشد من فتنة الذل ؟!، ألا فليعلم القاصي والداني أن الشعب السوري كسّر قيوده ، وأعلنها للعالم ، ومهما كان الثمن ، دماء وشهداء ومعاناة وزلزلة :الشعب السوري مابينذل ، الشعب السوري يريد الحياة ..ولابد أن يستجيب القدر.

===========================

قضية فلسطين أولا .. الثورات العربية ودرب التحرير

نبيل شبيب

قبل بداية حقبة الثورات العربية في تونس انتشرت خلال سنوات عديدة شعارات قطرية ترسّخ التجزئة، محورها: "القطر الفلاني أولا".. و"أنا كذا وأفتخر".. وما شابه ذلك، وهذا بعد النيل من مكانة قضية فلسطين المحورية المركزية المشتركة، من خلال الإعلان الرسمي الملغوم: منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد لشعب فلسطين، وقد تلاه شعار: "فلسطين قضية الفلسطينيين ويدعمها العرب"، وإذا بالمنظمة تتخلّى مع مرور الزمن عن هدف التحرير باسم التسويات التي لم تخرج بها من نفق أوسلو بعد، وإذا بالشعار يتحوّل على أرض الواقع إلى: قضية فلسطين مجرّد نزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين أمّا الأنظمة العربية فهي على الحياد، أو تساوم، أو تساهم في تحقيق الأهداف الصهيوأمريكية بصورة مباشرة. ثم اندلعت الثورات العربية، وما ارتفعت الحناجر الهادرة بالثورة في أي بلد، بدءا بتونس، إلا ورافقتها التصريحات الغربية والإسرائيلية في اتجاه واضح: المخاوف من تبدّل السياسات الرسمية لمصلحة قضية فلسطين، والسعي للحيلولة دون ذلك بشتى السبل.. وهي مخاوف قائمة على استشراف المستقبل فعلا.

 

قضية فلسطين أولا.. منطلق يفرض التحرّر من الاستبداد

إن تحرير الشعوب وإرادة الشعوب من الاستبداد والفساد يعيد قضية فلسطين مجددا إلى مكانتها المحورية المركزية المشتركة، ويؤكّد أن الشعوب على اختلاف أقطارها وأوضاعها تقول: قضية فلسطين أولا.

هذه معادلة بدهية يدرك صانعو القرار الصهيوأمريكي ما تعنيه، ولا يزال فريق من الذي يعطون الأولوية لفلسطين وقضية فلسطين، ينطلقون من منظور قطري ضيّق، أو منظور انتمائهم إلى تصوّر من التصوّرات المتعدّدة، ولا يستوعبون أنّ تحرير إرادة الشعب في تونس ثم مصر –وما زال الطريق طويلا إلى تثبيت الحصيلة وضمان استمراريتها- أعطى الدليل المباشر على أمرين اثنين متلازمين متكاملين:

1- الأولوية المطلقة لمكانة قضية فلسطين عربيا وإسلاميا.. على مستوى المنطلقات والأهداف.

2- الأولوية الضروية لتحرير إرادة الشعوب العربية والإسلامية.. على مستوى الطريق الموصلة إلى الأهداف في قضية فلسطين، وسواها.

إذا انطلقنا من أقصى درجات "حسن النوايا"، وقلنا إن بعض الأنظمة المستبدة داخليا، كالنظام القائم في سورية تخصيصا، صادق فيما يعلنه من أولوية قضية فلسطين، عبر ما بات يعرف بمحور المقاومة والممانعة، وإنّ هذا ما يميّزه عن أنظمة مستبدة مضت علنا في طريق التصفية والتطبيع وما يتفرع عنهما، فإنّ معيار "قضية فلسطين أولا" يوجب تقويم الحصيلة على أرض الواقع، وليس من خلال المقارنة بين كلام.. وكلام.

والواقع يقول إنّه لا يوجد نظام استبدادي يستطيع –وإن صدق في نواياه- أن يقدّم لفلسطين وقضية فلسطين ما يوجبه تحقيق الأهداف المشروعة.. ولم يصنع ذلك على أرض الواقع أصلا.

إنّ المعركة المصيرية تتطلّب تعبئة.. والشعب المحكوم بالاستبداد والفساد لا يمكن تعبئته لأيّ هدف جليل.

إنّ التحرير يتطلّب الطاقات.. والاستبداد يصنع معيار الولاء ويقضي على الطاقات حيثما وجد.

إن العمل السياسي يتطلّب المشاركة.. ولا يمكن أن تكون مشاركة عندما يحتكر الاستبداد السلطة.

إن التوعية تتطلّب الحرية.. والاستبداد والحرية نقيضان لا يجتمعان في بلد واحد.

إنّ الدعم الخارجي لتحرير فلسطين.. يتطلّب القوّة الذاتية الفعلية في كل مجال عسكري واقتصادي وسياسي، بينما يئد الاستبداد مع الفساد في أي بلد جميع مقوّمات القوة الذاتية.

إنّ الاستبداد الحريص على بقائه أولا، يحوّل الجيش إلى قوّات تحميه، والأجهزة الأمنية إلى قمع بهدف استمراره، والإعلام إلى أبواق تروّج لأكاذيبه، والثروات إلى ملكية شخصية للترف الذاتي ولشراء الولاءات.. يحوّل كل ما يجب أن يكون وسائل للتحرير إلى وسائل للاستبداد، فشعاره ومحور وجوده قائم على: الاستبداد أولا، وليس قضية فلسطين أولا، حتى في حالة الصدق بالعمل لفلسطين، فكيف إذا جعل من ادّعاء ذلك مجرّد مرتكز –أو قناع- للاستبداد واستمراره؟..

لقد بدأت الثورات الشعبية العربية تقوّض البنية الهيكلية للاستبداد وتحرّر الشعوب من قبضته، فمن يصدق في قوله: قضية فلسطين أولا، لا بدّ أن يجعل من تحرير إرادة الشعوب طريقا لتحقيق هذا الهدف.

ما يسري على تونس ومصر وسواهما من الأقطار التي حكمتها أو تحكمها أنظمة استبدادية تحوّلت إلى مرتكزات للتصفية والتطبيع، يسري على ليبيا وسورية وسواهما من الأقطار التي حكمتها أو تحكمها أنظمة استبدادية، أصبح استبدادها أغلالا تحول دون تحرّر الشعوب، وهي مصدر القوّة الأكبر على طريق صناعة أسباب التحرير وليس على طريق "مواجهة" التصفية والتطبيع فقط.

 

قضية فلسطين أولا.. طريق يتطلّب التحرر من الهيمنة الأجنبية

قضية فلسطين أولا.. طريق يفرض استقلال صناعة القرار القطري المحلي والقرار العربي (والإسلامي) المشترك عن معادلة الهيمنة الخارجية والتبعية المحلية.

صحيح أن "كامب ديفيد" الذي سلك بمصر طريق الهيمنة/ البتعية، في عهد السادات بمصر، كان أوّل مفصل أظهر من سواه للعيان تاريخيا على طريق الانحدار من هدف التحرير إلى أنفاق التسويات فالتطبيع، ولكن لم يكن ذلك ممكنا لولا أنّ انفصال الأنظمة عن إرادة الشعوب كان -قبل "كامب ديفيد"- من وراء "المحاور الإقليمية" المتعادية، و"السياسات القطرية" المتناقضة، في مقدّمة ما صنع الأرضية التي تحرّك عليها ما عُرف بالسلام الانفرادي عبر "كامب ديفيد".

التجزئة التي طُرحت باعتبارها من "مخلّفات الاستعمار الأجنبي" أصبحت عبر الاستبداد القطري "ضرورة" من ضرورات استمرار الاستبداد.. وبالتالي موضع رعاية وتنمية وترسيخ من جانب الأنظمة الاستبدادية.

ولا يمكن للمنطقة العربية (أو الإسلامية) أن تقدّم وهي ممزّقة متفرّقة، بل متنازعة متصارعة، شيئا يستحق الذكر لأي قضية كبرى مشتركة، كقضية فلسطين، ولا يمكن أن تمنع من تنفيذ مخطط للتصفية أو التطبيع، فما دامت الأولوية لدى كل نظام استبدادي محصورة عبر ما يسمّونه "نظرية قطرية" و"مصالح قطرية" في نطاق استمرار الاستبداد وترسيخه، يستحيل تعبئة ما يكفي من الطاقات المشتركة، للتحرّك المشترك، في مواجهة تحالفات قوى الهيمنة الأجنبية، على الجبهة الأخرى من القضايا الكبرى، كقضية فلسطين.

لا بدّ من الوحدة أو الاتحاد أو التنسيق بدرجة قريبة من الوحدة أو الاتحاد، ولا يمكن تحقيق شيء من ذلك عن طريق أنظمة مستبدة، وهي –على النقيض من ذلك- تدمّر بقايا "نظام الدفاع العربي المشترك" دون أن توجد له بديلا، وتصنع "النكبات والهزائم" المتوالية وتروّج أنّها انتصارات ما دامت هي –الأنظمة الاستبدادية الفاسدة- باقية.

ولا يمكن أيضا لقطر من الأقطار –وليكن سورية.. التي توصف بآخر دول الممانعة- أن يحقق وحدة أو اتحادا أو تنسيقا عاليا، مع الأنظمة الأخرى، ما دام النظام القائم فيه يمارس الاستبداد وما يتفرّع عنه من زرع الفتن الداخلية بين فئات الشعب الواحد داخل القطر، فكيف يزيل "فتن التجزئة" على مستوى شعوب المنطقة وأقطارها جميعا؟..

إن الثورات الشعبية العربية أظهرت للعيان محليا وعالميا، أنّ الشعوب قادرة على تجاوز الفتن وتحقيق الالتحام بين مختلف الفئات الشعبية، وأنّ لديها من الوعي السياسي ما يجعلها قادرة على تحصين بلادها من مطامع الهيمنة الأجنبية، وأن لديها من القوّة الذاتية ما يجعلها الضمان "الوحيد" على أرض الواقع، في مواجهة العدوان أو الاحتلال أو الاغتصاب أو الاستغلال الخارجي.

ولهذا.. من أراد أن يكون يفتح الأبواب أمام سلوك طريق "فلسطين أولا" بصورة فعالة، من خلال استقلال صناعة القرار القطري المحلي والقرار العربي (والإسلامي) المشترك عن معادلة الهيمنة الخارجية والتبعية المحلية، لا بدّ أن يبذل ما يستطيع للوصول بالثورات الشعبية العربية إلى أهدافها، وفي مقدّمتها إسقاط الاستبداد الذي يحول دون تحقيق هدف الوحدة أو الاتحاد، لتنشأ بالتالي الأسباب الضرورية لتحقيق هدف التحرير.

لا يمكن هنا التمييز بين استبداد محلي يمارس التبعية وآخر يمارس الممانعة، فهذا وذاك لا يفرض الأغلال على الطاقات الشعبية داخل القطر المحكوم بالاستبداد الفاسد فقط، بل يساهم في الوقت نفسه -مع سواه من الأنظمة- في ترسيخ التجزئة وجعلها عقبة كبرى في طريق تعبئة الطاقات المشتركة على طريق التحرير.

 

قضية فلسطين أولا.. نهج يفرض التعددية القويمة

عشرات السنين مضت على قول كل اتجاه أو تصوّر أو معتقد (أو الغالبية) إنّ طريقه هو طريق التحرير، وانقضت عشرات السنين.. دون جدوى، بل كانت الحصيلة مزيدا من النكبات والهزائم على طريق التصفية والتطبيع.

هذا ما تشهد عليه ساحة فلسطين نفسها، ولن يثبت درب المصالحة بعد الانقسام ما لم يكن منطويا على أمرين في وقت واحد: قضية فلسطين أولا، بمعنى التحرير لا التصفية والتطبيع، والتعددية ثانيا، بمعنى حق كل فئة أن تعمل لهذا الهدف –وليس للهدف المناقض له- وفق ما تراه من تصوّر ذاتي.

هذا بعض ما يعنيه اعتبار المصلحة العليا فوق المصالح الجزئية، أو التصوّرات المتعددة.

وهذا بعض ما تعنيه أيضا التعددية المشروعة القويمة دون التخلّي عن الثوابت الأصيلة.

وما يسري على ساحة فلسطين يسري على الساحة العربية والإسلامية، قطرا قطرا، وفيها مجتمعة من خلال علاقاتها البينية.

لا يمكن -كما أثبت التاريخ الحديث على الأقلّ مع ما شهده من مآس وكوارث ونكبات- أن يتحقق أي هدف جليل، بدءا بالنهوض انتهاء بالتحرير، عبر فرض اتجاه نفسَه على سواه بالأساليب الاستبدادية، فكرا أو سياسة أو قمعا أو حتى إعلاما.

إن الثورات الشعبية لا تسقط أنظمة استبدادية فقط، بل تسقط معها التصوّرات التي تعتمد على فكر استبدادي إملائي إقصائي.

هذا ما صنعته –وما زالت على الطريق نحو بلوغ الغاية القصوى- في تونس ومصر.. وهذا ما انطلقت على أساسه في اليمن وليبيا وسورية، ولا بدّ لمن يخلص لنهج "قضية فلسطين أولا" أن يخلص في موقفه ودعمه إزاء جميع هذه الثورات الشعبية، جنبا إلى جنب مع ما ينطلق هو منه من تصوّر ذاتي، وجنبا إلى جنب مع العمل الدائب لحماية الثورات وحصيلتها من الهيمنة الأجنبية بمختلف أشكالها ووسائلها، فلن تنقطع جهود الهيمنة الأجنبية إطلاقا، إنّما لا يمكن ردّها عبر العداء للشعوب الثائرة، بل عبر دعم ثوراتها وتعزيز تكامل أهدافها الشعبية الأصيلة: لا استبداد، ولا تجزئة قطرية أو عربية أو إسلامية، ولا هيمنة أجنبية متسترة أو علنية.

لن يتحقق ذلك ما لم يكن عنوان "قضية فلسطين أولا" نهجا متبعا، وهدفا ثابتا، يتلاقى عليه المخلصون من مختلف الاتجاهات والتصوّرات، ويحتكمون في تعدديتهم لإرادة الشعوب، وليس عبر الارتباط بدعم نظام مستبدّ إذا رآه بعضهم -بحقّ أو توهما- أقرب إلى اتجاههم هم وتصوّرهم، ثمّ سيّان عندهم بعد ذلك هل يتلاقى مع الإرادة الشعبية، المتحرّرة من تزييف تصنعه الظروف القهرية التي يعتمد عليها وجود الاستبداد وقمعه.. أو لا يتلاقى.

إنّ "قضية فلسطين أولا" نهج إذا كان ينطلق من الثوابت وهدف التحرير، فهو يفرض العمل في وقت واحد: لسقوط الاستبداد دون تمييز بين قطر وقطر، ودحر الهيمنة على أرض الواقع وليس في أنفاق المساومات، والوحدة الحقيقية مع التعددية القويمة، ومع اعتبار الاحتكام لإرادة الشعوب نقطة الالتقاء على جميع ذلك، ومن دونه يبقى "تحرير فلسطين" شعارا يمكن المتاجرة فيه، ولكن لا يمكن أن يحفظ الثوابت الأصيلة أو أن يحقق الأهداف الجليلة.

===========================

بعد ستة أسابيع من انطلاق الثورة، الشعب السوري يريد .. ماذا؟

الطاهر إبراهيم

عندما بدأت الاحتجاجات في تونس وتلتها مصر، رفع الشعبان شعار تحسين أوضاعهما على كافة الأصعدة، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. كان الشعب يقدم رجلا ويؤخر أخرى، خوفا من قمع أجهزة الأمن التي وظفها الرئيس، لا لحفظ أمن الشعب، بل لقمعه، ولحماية الرئيس من ثورة الشعب إذا ما فكر أن يثور ضده. تطورت المطالب ليصبح المطلوب هو إسقاط النظام، ومن ثم رحيل الرئيس، وهكذا كان. رحل "زين العابدين بن علي" بمبادرة منه وأرغم "حسني مبارك" على التنحي. هذا ما كان من أمر تونس ومصر، فماذا عن سورية؟

أنظمة الجوار العربي تعرف أن الشعب السوري مضطهد، وهي ساكتة. إما لأنها تخشى أن تصل العدوى والارتدادات إلى أرضها، أو أنها تخاف من انتقام النظام السوري منها الذي لا يتورع عن القيام بأعمال تخريبية واغتيالات في أراضي تلك الدول، كما فعل هذا النظام يوم أرسل مجموعة لاغتيال "مضر بدران" رئيس الحكومة الأردنية الأسبق عام 1981.

المعارضة السورية الداخلية كانت من الضعف بحيث أنها ما كانت تستطيع –مجتمعة- حشد مئات من المعارضين للقيام باحتجاج. لأن هذه المئات كانت ستواجهها آلاف العناصر من أجهزة الأمن المسلحة بالهراوات المكهربة، فتعتقل كل من لا يستطيع الهرب. أما معارضة الخارج فقد حيل بين عمودها الفقري جماعة الإخوان المسلمين وبين العيش في سورية، لأن القانون 49 لعام 1980 يحكم بالإعدام على مجرد الانتماء للإخوان. بالمجمل، فإن المعارضة السورية ما كانت لتشكل خطرا ذا بال على النظام.

من خلال التوصيف السابق إقليميا ومحليا، فإن الشعب السوري كان يعيش إحباطا في نفوس أفراده خوفا من قمع النظام. وكان ينتظر ما يشبه المعجزة لتغيير الحال. لكنه ما كان يعرف من أين ستأتي هذه المعجزة ولا كيف؟ فعندما هبت رياح الحرية وعصفت في تونس ومصر ، تطلع السوريون، لعل وعسى أن يكون لهم ثورة، كما كان لإخوانهم في تونس وفي مصر.

أستطيع أن أؤكد أن السوريين، شبابا ومعارضة، كانوا في بدء الاحتجاجات يقبلون أن يصلوا مع النظام إلى قواسم مشتركة بحيث يلتقون في منتصف الطريق. فيبدأ الرئيس بإصلاحات، على أن تكون فعلية وعميقة، وتشمل بشكل أساس إلغاء سيطرة النظام على الحكم، ويستبدل به تعددية حقيقية في الحكم تتم من خلال صناديق اقتراع شفافة، فيمارس الشعب حريته كاملة. كان الشعب سيقبل ببقاء الرئيس "بشار أسد" رئيسا لإكمال فترته الثانية، بحيث يبدأ التغيير بشكل تدريجي وليس بكسر عظم لأي من الفريقين، النظام أو الشعب.

على أرض الواقع وبعد أقل من شهر من بدء الاحتجاجات، شعر الشباب أن أي إصلاح أو تغيير ذي مصداقية لم يكن واردا لدى الحكم في حلقته الضيقة جدا (الرئيس السوري وشقيقه ماهرأسد وصهرهما آصف شوكت ورؤساء الأجهزة الأمنية: عبد الفتاح قدسية وعلي مملوك وحافظ مخلوف ونواب هؤلاء).وإن الإصلاحات التي أعلنها الرئيس لم تكن إلالشراء الوقت. أكبر دليل على ذلك: أن الجمعة التي أعقبت اليوم الذي أعلن فيه إلغاء حالة الطوارئ وإلغاء محكمة أمن الدولة قامت فيها أجهزة الأمن بقتل المتظاهرين واعتقالهم في درعا وفي حمص وفي بانياس وفي المعضمية، وهو ما يتناقض مع رفع حالة الطوارئ.

شعر الشباب المحتج بشكل يقيني أن النظام ذاهب إلى آخر الشوط في قمع حركة الاحتجاج، وأن النظام قرر أن حكم سورية لا يتسع للفريقين معا. لهذا فقد رأينا دبابات الفرقة الرابعة التي يقودها "ماهر أسد" تطوق درعا فجر يوم الاثنين 25 نيسان وتقتل ما يقارب 50 مواطنا وتعتقل الكثيرين. ولمن لا يعرف فإن الفرقة الرابعة تشكلت على أنقاض فرقة "سرايا الدفاع" التي كانت تحمي الحكم ويقودها "رفعت أسد" في الثمانينات قبل أن يعزله الرئيس حافظ أسد.

دخول الدبابات شوارع درعا وتطويق مدينة دوما وبانياس، لم يترك عند شباب الثورة مجالا للظن الحسن بأن نظام الحكم سينفذ ما أعلنه الرئيس السوري من إصلاحات، وهي بالأصل إصلاحات دون مستوى ما يطالب به الشباب الثائر. وقد وصل هذا الشباب إلى قناعة كاملة أن هذا النظام القمعي لا يمكن التعايش معه إطلاقا، وأنه لا بد من تغييره. عندها بدأ الشباب يعمل لذلك ورفع شعار: "الشعب يريد إسقاط النظام". فعلام يعول هؤلاء الشباب للوقوف في وجه الماكينة القمعية التي يعتمد عليها النظام الحاكم المستبد لتطويع الثائرين؟

 تعتمد الخطة على أن الآلة القمعية التي تقتل المتظاهرين بدم بارد، يتكفل بها أعوان ليسوا مستعدين أن يموتوا من أجل النظام. أما الشباب الذين خرجوا في يوم "الجمعة العظيمة"وقد لبس بعضهم الأكفان شعروا أنه لم يعد هناك ما يخسرونه أكثر مما خسروا. فحياتهم من دون حرية خير منها الموت، وأنهم مستعدون لبذل أرواحهم على أن يعيشوا حياة الذل تحت حكم نظام قمعي لا يقيم لآدميتهم أي اعتبار، وأنهم يملكون سلاح الاستشهاد الذي لا يستطيعه أعوان النظام.

كما أن النظام السوري يظن أنه عندما يعتمد على قوى دولية نافذة فستحميه من ثورة الشباب الثائر. وأن واشنطن ما زالت لم تحزم أمرها على تغيير الرئيس بشار أسد كما فعلت مع "مبارك" و "بن علي". وأن وزيرة الخارجية الأمريكية "كلينتون" امتدحت الرئيس "بشار" قبل أسبوع بأنه رئيس إصلاحي، ما يعني أن اسمه لم يوضع على أجندة التغيير. فهل ينفعه ذلك؟ ما لم يدركه الرئيس بشار أن "حساب البيدر لا يطابق دائما حساب الحقل"، وأن واشنطن قد تتخلى عنه في أي لحظة وتتركه لمصيره كما فعلت مع "بن علي" و"مبارك".

على المستوى الشعبي لم يترك النظام من يأسف عليه إذا ما أطيح به. أبناء الطائفة العلوية انفضوا عنه، عندما شعروا أنه يريد أن يضعهم في فوهة المدفع في مواجهة إخوانهم الأكراد والسنة وباقي فئات الشعب. بل إن النقمة تصاعدت على النظام داخل الطائفة العلوية، فاعتقل النظام زعماء مثل "عارف دليلة" و"فاتح جاموس" وآخرون، وقرب إليه ضعفاء النفوس الذين لا يهمهم إلا سرقة خيرات الوطن.

يبقى أن نلفت الأنظار إلى أن النظام شعر بأن الإعلام العالمي الذي يملك بعض المصداقية مثل قناة الجزيرة وقناة الحرة وال (bbc) لم تعد مستعدة كي تنقل فبركاته عبر شاشاتها، أو لمسايرته في قمعه للشعب السوري. لذلك ألغى النظام السماح لتلك القنوات بالبث من داخل سورية، وكلف شهود الزور في إعلامه للدفاع عن جرائمه في مواجهة هذه الفضائيات.

*كاتب سوري

===========================

الاستقالات المطلوبة .. مواقف مهمة لمواجهة الصمت على جرائم النظام

علي الرشيد

اللحظات الحاسمة تحتاج إلى مواقف .. ومقتضيات المنعطفات التاريخية تحتاج إلى تعامل من نوع خاص، وتدخل في الوقت المناسب، ليس قبل ذلك أو بعده.

والاحتجاج على الظلم والتعبير عن رفضه له أشكال مختلفة ينبغي على أن يتخذها كل الشرفاء للأخذ على يد الظالم، وفضح وإدانة أفعاله ، كل حسب موقعه، والثغرة التي هو عليها.

في الحالة السورية كانت البداية من من نواب في مجلس الشعب أولهم (الشيخ يوسف أبو رومية) الذي فنّد إداعاءات أجهزة النظام الكاذبة بشأن حقيقة المظاهرات السلمية بدرعا، وحمّل المسؤول عن الأمن السياسي فيها والذي استدعى قوات أمن عبر مروحيات وباشروا إطلاق النار فور وصولهم، ومنع سيارات الإسعاف من نقل الجرحى السبب في تفجر الأوضاع هناك ، ثم تلا ذلك استقالة نائبين آخرين ( ناصر الحريري و خليل الرفاعي ) عن نفس المحافظة احتجاجا على مواصلة أجهزة الجيش والأمن و"الشبيحة" وفرق الموت إطلاق النار على المتظاهرين رغم ما قيل عن توجيهات الرئيس لها بعدم القيام بذلك، وعدم قدرتهم على فعل شيْ لحماية أهليهم وذويهم، إضافة لاستقالة مفتي درعا ( الشيخ رزق أبازيد) وبعض مسؤوليها أيضا، وامتد الأمر إلى الاستقالات الجماعية من حزب البعث في كل من درعا وبانياس.

إن أهمية مثل هذه المواقف الاحتجاجية والاستقالات الفردية والجماعية من مواقع المسؤولية في بنية النظام وفي سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتفيذية والقضائية تتمثل فيما يلي:

 شهادة حق من أهلها على نهج السلطة الذي تجاوز في عسفه كل الحدود، ودحض لأكاذيبه التي يريد بها تشويه الوجه الجميل لثورة الشباب.

 انتصار للمظلومين المقهورين من أبناء شعبنا التي تسفك دماؤهم الطاهرة بالجملة من خلال مجازر بشعة، وتنتهك كرامتهم الإنسانية على يد أجهزة الأمن المتغطرسة، والتضامن معهم في ساعة محنتهم ، وعدم تركهم للنظام لينفرد بهم ، ودعم مواقفهم العادلة المطالبة بالحرية والإصلاح والديمقراطية .

 إضعاف بنية النظام ومؤسساته الأمنية والسياسية ، وإحراجه أمام الرأي العام الداخلي والخارجي.

إن أي كلمة حق وإنصاف من قبل مسؤولي النظام أو المنتسبين إلى مؤسساته السياسية والأمنية والعسكرية أو حزبه الحاكم أو استقالات أي منهم بسبب ما يجري لاشك أنها بمثابة أعظم الجهاد أمام سلطان جائر، مهما كانت كلفتها المدفوعة، ولعلنا هنا ننوه بالموقف الشجاع للسيدة سميرة المسالمة رئيسة تحرير صحيفة تشرين الرسمية السابقة التي أقيلت من منصبها بسبب إطلالة لها عبر قناة الجزيرة طالبت فيه الأجهزة الأمنية بالكشف عن "الطرف الثالث" الذي تتحدث عنه وتقديمه للناس، وتحدثت عن أن أرواح الناس لا يمكن التسامح بشأنها، كما لا بد من التنويه بموقف بعض الضباط والجنود الذين رفضوا أوامر بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، وانحياز مجاميع منهم إلى صفوف المتظاهرين ، كما حدث في درعا بعد محاصرتها قبل عدة أيام.

إن التطورات الحاصلة منذ أكثر من ستة أسابيع على أرض سوريا الطيبة المباركة لم تعد تحتمل الصمت على جرائم النظام أو مداراته تحت أي تعلة ، ولا بد للشرفاء في هذا البلد الذين يعملون في إطار منظومة هذه النظام ومؤسساته طوعا أو كرها ممن لم يحددوا موقفا حتى الآن أن ينحازوا لخيارات شعبهم وتطلعاته في الحرية والكرامة، نريد أن تتسع الدائرة لتصل إلى العلماء الذين هم ورثة الأنبياء وإلى الإعلاميين وأساتذة الجامعات والدبلوماسيين والعسكريين وأجهزة الأمن وغيرهم حتى يتصدع بنيان النظام المقام على شفا جرف هار.

وربّ موقف من هذا النوع يسبق في تأثيره ألف مظاهرة مع عدم التقليل من شأن الأخيرة.

===========================

أوباما.. الدولة مقابل حق العودة

د. لطفي زغلول

لم يأت باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأميركية بجديد وهو يطرح خطته لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي المتمثلة في أساسها على التبشير بدولة فلسطينية شريطة تنازل الفلسطينيين عن حق العودة.

لقد سبق أوباما جورج دبليو بوش رئيس الولايات المتحدة الأميركية السابق بوعود لم يكن لها أدنى رصيد على أرض الواقع تخص إقامة الدولة الفلسطينية، علاوة على ذلك فقد منح الجنرال شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك وعدا بإلغاء حق العودة الذي يتمسك به الفلسطينيون، ويعتبرونه واحدا من أهم ثوابت قضيتهم.

إننا لا نظن أن باراك أوباما يجهل ما تقترحه خطته المشؤومة هذه، والتي بموجبها ينوي إلغاء حق العودة بجرة قلم، ويلتف على كارثة النكبة الفلسطينية التي ساهمت في تجسيدها سياسات من سبقوه من رؤساء الولايات المتحدة الأميركية.

إن أقل ما يمكن أن يقال في هذا الصدد إن باراك أوباما لايملك قراره، وإنه دون أدنى شك واقع تحت تأثير ضغوطات اللوبيات الصهيونية المتحكمة بسياسات الولايات المتحدة الأميركية التي لم تعترف بالنكبة الفلسطينية، ولا بمأساة الشعب الفلسطيني طوال نيف وستة عقود من الزمان.

تذكيرا إن التهجير القسري الذي مارسته إسرائيل بحق الفلسطينيين عشية قيامها وغداته كانت محصلته الإستيلاء على وطنهم وطردهم منه، وبالتالي تكوّن مركز هزة النكبة الفلسطينية الإنسانية التي استمرت توابعها وارتداداتها وما زالت في كل الإتجاهات، وجراءها كان الصراع العربي الإسرائيلي.

ثانية هذه الحقائق إن التقادم لا يسري على حق العودة كونه ما زال قائما وكون ضحايا النكبة ما زال معظمهم أحياء يحملون في جيوبهم مفاتيح دورهم ووثائق ملكيتها الشرعية "كواشين الطابو"، وأما الذين طواهم الردى ودفنوا في الشتات فقد ورث أبناؤهم عنهم هذه المفاتيح والكواشين، وكونهم أيضا يشعرون أنهم ضحايا ما زالوا يصرون على حق العودة إلى وطنهم السليب الذي يشكل البنية التحتية للحلم الفلسطيني.

ثمة حقيقة أخرى تتعلق بمسؤولية إسرائيل في كل الإتجاهات عن هذه النكبة وليدة التهجير القسري، والتي رغم كل المحاولات التي بذلتها وتبذلها للتعتيم عليها أو طمسها أو الإلتفاف عليها وتجاوزها لم تفلح، وذهبت أدراج الرياح، وزادت الإصرار الفلسطيني في الوطن والشتات في كل مرة على تصحيح مسار التاريخ الذي حرفته إسرائيل منذ ما ينوف عن ستة عقود وما تزال.

رابعة هذه الحقائق، إن حق العودة وكل ما يخصه لا يمكن أن يجد له أرضا أخرى بديلة غير ذات الأرض التي شهدت النكبة والتهجير ونبع منها مجمل القضية "النكبة" الفلسطينية.

خامسة هذه الحقائق وهي بالتأكيد ليست الأخيرة، إن أوهام التوطين التي تداعب مخيلات الإسرائيليين وتعشعش في أذهانهم تخصهم وحدهم، ولا يمكن لها أن تجد ممرا آمنا في أية بقعة من بقاع الوطن العربي، ناهيك عن كونها تجديدا وتحديثا للنكبة الفلسطينية وتكريسا لها بالتالي، إضافة إلى أن إسرائيل إذا ما كانت تريد السلام فعلا فان فلسطينيي الشتات والمنافي هم الأرقام الصعبة في معادلة التسوية النهائية إذا ما كتب لها أن تكون.

في ذات السياق إننا نؤكد أن أساس كل التحركات الخاصة بالعملية السلمية تنطلق عربيا وفلسطينيا من مبدأ الأرض مقابل السلام. إن التفسير المنطقي لهذا المبدأ هو تلازم مساري السلام وحق العودة، وأما المقصود بالأرض فهو الأرض الفلسطينية قبل غيرها- ولا يعني هذا الإقلال من أهمية الأراضي العربية الأخرى وقداستها- وإنه لا أرض أيا كانت يمكن أن تكون بديلا لها أو تسد عنها، بمعنى أن أراضي الدول العربية المحتلة هي ضمن المبدأ الأساسي وكذلك الأرض الفلسطينية على حد سواء.

هذا يؤكد أن ليس هناك استثناء أيا كان شكله أو صورته، وأن عودة الأرض إذا تمت لا تعني بأية حال من الأحوال أن تكون مجردة خالية خاوية على عروشها، وإنما أن يعود لها الذين كانوا يعمرونها آنذاك.

إن عودة الأرض تعني أيضا أن يتمتع هؤلاء العائدون لها بحق إعمارها والإقامة عليها هم وأبناؤهم،وأجيالهم اللاحقة، وأن يكون لهم هم وأبناء جلدتهم حق إقامة النظام السياسي والإجتماعي والإقتصادي والثقافي والأيديولوجي الذي يرتأونه تحقيقا لرؤاهم وأحلامهم إسوة ببقية الشعوب المتحضرة ذات السيادة.

في اعتقادنا أن هذا تفسير منطقي وعقلاني وموضوعي لمبدأ الأرض مقابل السلام والذي تمتد جذوره إلى القرار الدولي "194" الذي كفل حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

إن الولايات المتحدة الأميركية إذا ما أرادت، فإن إسرائيل لا يمكن لها إلا أن تذعن لمشيئتها، لكن الولايات المتحدة لا تريد، وها هو رئيسها الرابع والأربعون باراك أوباما يبتز الفلسطينيين بخطته فيعرض دولة افترسها الإستيطان الصهيوني، ولم يبق منها إلا النذر اليسير مقابل تنازلهم عن حق العودة.

كلمة أخيرة. إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية وحليفتها إسرائيل تظنان أن ملف اللاجئين وحق عودتهم قد أسدل الستار عليهما، وأن الممثلين على خشبة مسرح الأحداث قد تفرقوا فهما مخطئتان خطأ فادحا، ذلك أن هذا الملف ما زال مفتوحا وصفحاته تزداد يوما بعد يوم.

إن مسار أي سلام يستثني حق العودة ويلتف عليه هو مسار قصير النفس، لاهث الخطوات، وعر المسالك، جم المهالك. إنه سلام والحال هذه لا يمكن ضمان ديمومته ومصداقيته إلا بإخماد النار التي يمكن أن تأتي عليه من جذوره. إن حق العودة هو واسطة الحقوق الفلسطينية التي سلبت منه قسرا وتكمن فيه تلك النار. إنه ليس منة من أحد ولا تكرما، بل هو تصحيح لمسار، وخطيئة تاريخية ارتكبت بحق شعب ما زال يعيش نكبته. وإن غدا لناظره قريب.

=============================

لماذا لا تصدق الشعوب طغاتها

دكتور عبدالعظيم محمود حنفي*

لماذا لا تصدق الشعوب توسلات طغاتها ووعودهم لها التي لخصها بن على "فهمتكم " وعندما اقدم بشار الاسد على الغاء حالة الطوارئ ؟

الاجابة بسيطة وواضحة لان هؤلاء الحكام ومن سبقوهم سبق ان صدعوا رؤوس شعوبهم بالاماني والتمنيات والتطلعات وادركت الشعوب التي لم تعد تحتمل المزيد من الوعود الكاذبة واية ذلك ان نصوص دساتير الطغاة والمفترض أن تكون موضع الإجماع، اضحت وثائق تفتقد الإجماع الوطني حولها. لانه بدون انتخابات حرة ونزيهة، وبدون رقابة حقيقية وفعالة على السلطة التنفيذية من جانب مجالس نيابية تتمتع فيها المعارضة بوجود فعال لن يكون هناك تداول للسلطة ولا احترام حقيقى لحقوق الإنسان، ولا تكون هناك فرصة لأي تطور سياسي نحو أوضاع أكثر ديمقراطية. إن الطريقة التي يتعامل بها الطغاة مع ما يمكن تسميته ب"أبو القوانين" قد أسقطت عنه طبيعته السامية، وجعلت منه مجرد وثيقة تعكس رغبات حاكم فرد، ولا تحظى بالإجماع الوطني، وتصبح مجرد ورقة تستخدم من جانب طرف واحد في الصراع السياسي، بدلا من أن تكون المرجع المرشد لدى كل الفاعلين السياسيين يحتكمون إليها عندما يحتد بينهم الخلاف، ويرتضون بما تقضى به نصوصها أيا كان تأثيرها على مصالحهم واية ذلك ان الغاء نظام الطوارئ ترافق مع حملة تصفية وسفك للدماء وقتل المحتجين فاية نصوص ووعود تعيق هؤلاء الطغاة . فهو الذي صنعها واصدرها وهو اول من يدوسها بقدميه اححتقارا للشعب وعدم الاعتداد لارادته السامية .ولعل ذلك يطرح التساؤل المشروع هل ما يقوم به النظام السوري هو لمسايرة المطالب الاحتجاجية ام لاجهاض الثورة المشروعة ؟

الاجابة انه لتخفيف الضغوط عليه مع إنتاج لشكل جديد من الاستبداد السياسي المستنير حيث إنه من أكثر خصوصيات المجتمع العربي على مر تاريخه الطويل أنه قادر على تصنيع المستبد، وإعادة إنتاجه ولكنه عاجز في الوقت نفسه عن تقييده أو التخلص منه، فأي عملية مراجعة لتاريخ المستبدين العرب من يزيد بن معاوية وكافور الاخشيدي الى الجنرال حافظ الاسد وأبنائه تثبت أن هناك قانونا تاريخيا مستمرا يقضي بأن المجتمع العربي يمتلك من القدرات ما يجعل الصبي الأبله خليفة للمسملين أو كافور الحبشي حاكما مطلقا لمصر، وكذلك يجعل أي ضابط تحت التدريب أو عسكري لا يجيد إلا الرمي بالسلاح حكيما ملهما، وهنا يبرز دور بعض المثقفين السوريين المستميتين في الدفاع عن النظام حتى عندما يبطش ويريق الدماء الزكية لمواطنين لم يقولوا الا انهم يريدون ان يكونوا احرارا وليسوا عبيدا لم يقولوا اكثر من ذلك سلميا هؤلاء مثقفي السلطة والسلطان ما هم الا سماسرة لبيع الشعب السوري وتطلعاته في سوق النخاسة السياسية لمتسلط على الحكم مستبدا بالشوكة ومتغلب بالقوة، ولكن في نفس الوقت نحيي ونقدر ونجل مثقفو سوريا الشرفاء المشتركين في الثورة المدافعين عنها و هؤلاء ضمير الأمة وحراسها، وحاملو مشاعل نورها

فالنظام وسدنته ونخاسيه وسماسرته يريدون تحويل الثورة الى عملية إصلاح شكلية في إطار رفض شامل للنظام من شعبه خلقت بيئة أهم ملامحها هو "الضغط" والإرغام والتوتر وسياسة ردود الأفعال، وما يضفي أهمية على الموضوع ان النظام باركانه يرى انه باق لانه ليست هناك ضغوط خارجية عليه فخبرة البعثيين تشير الى معادلة خطيرة في مسلكه وهذا المسلك ليس وليد الساعة، وهو أنه عندما يكون النظام بين مطرقة الضغط الخارجي وسندان مجتمعه فإنه يميل دائما نحو تفضيل التنازل ومسايرة الضغط الخارجي على مسايرة مطالب شعبه، هذه هي المعادلة السياسية القائمة في سوريا، مع ان المفروض ان يتقوى الحاكم بشعبه ازاء الخارج وضغوطاته والاستقواء بمجتمعه لمواجهة هذه الضغوطات• والخبرة التاريخية الخارجية تقدم دليلا على هذا• ونستون تشرشل في الحرب العالمية الثانية أمن نظام الضمان الاجتماعي للبريطانيين سنة 1944 بينما قذائف النازية تسقط على لندن لأنه يعرف أنه إذا أراد من شعبه تحمل البؤس والشقاء والقذائف فهو بحاجة لأن يقدم شيئا لكي يتمكن من تعبئتهم ويستقوي بهم• وهذه حالة السياسيين في النظم السياسية التي تنبثق من شعوبهم ولا تكون فوقهم

لذا فان القول السديد في استمرار الثورة حتى اقتلاع الطاغية

 ____________

*باحث في النظم السياسية العربية

مدير مركز الكنانة للبحوث والدراسات القاهرة

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ