ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 08/05/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة إلى الطاغية الأثيم بشار الأسد

محمد فاروق البطل

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أسأل الله سبحانه أن يكتب الرحمة للشهداء، والشفاء للجرحى، والفرج والعزة والحرية لشعبنا السوري الحر الأبي، وبعد:

تحية لكم أيها الأحرار في كل ساحة من ساحات سورية... وبيَّض الله وجوهكم يوم تبيضُّ الوجوه، وأقرَّ عيونكم وعيوننا بنصرٍ مؤزَّر، و فرج قريب، ومستقبل مشرق، وحكم شوري عادل، ومجتمع مستقر آمن، يحكمكم مَن تولَّيتم اختياره وانتخابه بملء حريتكم، وكامل إرادتكم، تأتمنونه على دينكم ومستقبلكم، وأولادكم وأعراضكم، و أمْنكم وأموالكم...

اسمحوا لي أيها الثائرون الأبرار أن أوجِّه رسالة من خلالكم إلى الرئيس الطاغية المتشبث بالسلطة على كرهٍ منكم، ومِن غير اختياركم، ويُصِرُّ أن يحكمكم على طريقة أبيه بالحديد والنار، والسجون والمعتقلات، والقوانين القمعية، وكمِّ الأفواه، وإلغاء الآخر، فأقول:

أتظن يا (سيادة) الرئيس أن الزمان قد استدار، وأنه قد عاد للوراء إلى أواخر القرن الماضي، حين جيء بأبيك ليطوِّع الشعب السوري البطل الذي قهر الاستعمار، قاومه بكل شجاعة، وواجه الصهيونية بكل بطولة، وأفشل المخططات الاستعمارية بكل قوة، وانتزع استقلاله بكل جدارة، فكانت سورية أسبق الدول العربية حصولاً على الاستقلال الحر الكريم والكامل، بل كانت عوناً لأشقائها من الشعوب العربية الأخرى في انتزاع استقلالها وحريتها.

وقد حار زعماء الغرب في البحث عن رجل يمكِّنهم من ضبط هذا الشعب، وَكسْرِ عُنفُوانه، وقهر إرادته، ومصادرة قراره، حتى وجدوا ضالَّتهم في شخص أبيك حافظ أسد الذي قَبِل أن يخون شرفه العسكري وأن يبيع ضميره فارتكب أكبر خيانة في تاريخ سورية، حين عقد تلك الصفقة المشؤومة مع إسرائيل، وتمثَّلت هذه الصفقة بالمعادلة التالية:

يسلِّمهم جبهة الجولان المنيعة والمحصَّنة والتي هي أمنع من عُقاب ـ كما يقال ـ  والتي كلفت الكثير والكثير من ميزانية سورية، وعلى حساب لقمة أبنائها، ورفاه شعبها، وتقدُّم اقتصادها، لكن هذه هي طبيعة الشعب السوري الحر، يقدِّم كل شيء فداء استقلال وطنه وحريته وكرامته. ويؤثر بلده الحر بكل غال وثمين، كما يفدِّيه بالمهج والأرواح.

غير أن حافظ أسد تحقق فيه المثل القائل: (من أخذ البلاد بلا حرب هان عليه تسليم البلاد)!.

نعم لقد هان عليه أن يُسلِّم أمنع وأقوى جبهة مع العدو لإسرائيل في مقابل أن يسلموه حكم سورية، ثم يورِّثها أولاده، وهذا ما تحقق فعلاً على أرض الواقع منذ عام 1967م وحتى اليوم.

وأسال الرئيس بشاراً: هل كان أمراً طبيعياً أن كافة رؤساء الجمهورية العربية السورية لم يُكمِلوا فترتهم الرئاسية الدستورية، حكموا سنتين أو ثلاثاً ثم انتهى أمرهم إلى السجن أو خارج الحدود، علماً أن معظم هؤلاء الرؤساء كان لهم تاريخ مشرِّف في تحقيق الاستقلال، وحكموا البلاد بقوة الدستور والقانون، ونَعِم الشعب في عهدهم بالأمْن والأمان، ونعم كذلك بحكم الحرية والعدالة والديمقراطية.

أما والدك ـ أيها الطاغية بشار ـ فقد كان استثنائياً في تاريخ سورية، حيث استمر حكمه زهاء أربعة عقود أو يزيد، ثم ورَّثك الحكم من بعده، وقدَّم لك الرئاسة على طبق من ذهب، وعدَّل المنافقون الدستور في ربع ساعة حتى يطابق عُمُرك. وأنت اليوم تحلم أن يرثك ولدك في الحكم من بعدك... وهكذا تحوَّل الحكم الجمهوري  في سورية في عهدكم إلى ملك وراثي مستبد عضوض.

يا (سيادة الرئيس المثقف)!

يُقال : (التاريخ ديوان العِبر) وقد سُئِل الإمام الرباني أبوا لحسن الندوي ـ رحمه الله تعالى ـ عن أحد الطغاة في مشرقنا العربي فقال: هو طبْعة جديدة منقحة ومزيدة عن أتاتورك... تُرى ماذا عسانا نحن أن نقول ؟ وأحتفظ ببقية الجواب لأطلب منك أنت بالذات قراءة التاريخ، لأنك درستَ الطب ولم تقرأ التاريخ، وستكتشف إذا ما  قرأت التاريخ القريب والبعيد مصارع الطغاة الظالمين، وكيف انقلبت عليهم شعوبهم ولو بعد حين؟!.

نعم ما أشبه اليوم بالبارحة! وفعلاً فإن التاريخ يعيد نفسه، فاعتبر يا من يعميك الطغيان اليوم!.

 لِكل شيء ثمن يا (سيادة) الرئيس! ولا أريد أن أدخل في التفاصيل، فأنت جزء من هذه الصفقة، وبالتالي عليك أن تؤدي الثمن الذي أدَّاه والدك من قبل، وها أنت تتبع منهج أبيك، وخطة أبيك، حذو القُذَّة بالقُذَّة (ومن يشابه أباه فما ظلم).

إنك اليوم يا (سيادة الرئيس)! تحاول أن تطوِّع شعبنا السوري البطل، وأن تقهر إرادته، وأن تغتال كرامته، وأن تصادر قراره، وأن تستمر في ظلمه وقهره، وسحْق حريته، وأن تسلبه كل مقومات العزة والكرامة والإباء.

ولكِنْ هيهات... هيهات...!.

ماذا تنتظر يا (سيادة) الرئيس! ونفترض أنك مثقف، عشت فترة لا بأس بها في ظل الديمقراطية البريطانية. ماذا تنتظر من شعب إن نجحت وزمرتك ـ لا سمح الله ـ في تحقيق ما تُخطِّطون له من ردعٍ وقهرٍ، وتكريس للخوف، أتتصور أن يكون هذا الشعب معك حين تحتاجه؟. أو حين يواجه سورية عدواناً آثماً، أو اجتياحاً غادراً من الأعداء لا سمح الله ؟؟!!

الجواب لديك معروف...إلا إذا كان المطلوب منك أن تنفذ هذه الأوامر بالبطش والإرهاب  والظلم وبموجب الصفقة الموقعة من قبل.

وأسألك أيها الرئيس (المثقف):

ألا يستحق هذا الشعب العريق أن يعيش حراً كريماً، يحكم نفسه بنفسه، ويختار ممثليه بملء حريته واختياره، عبر صناديق الاقتراع في انتخابات حرة، نزيهة وشفَّافة، وتحت مراقبة محلية ودولية؟! ألا يستحق هذا الشعب المثقف المتحضِّر أن يشارك في حكم بلده من خلال المؤسسات التي تمثله حقيقة دون وصاية من حزب أو طائفة أو طغمة حاكمة فاسدة متجبرة؟!

لماذا تستكثرون على هذا الشعب أن يعيش حراً عزيزاً كريماً كبقية الشعوب في العالم، وهو العريق في حضارته، الناضج في ثقافته، الممتد في تاريخه، الأصيل في عطائه، إنه وريث الحضارة العربية الإسلامية، بل هو صانعها ومصدِّرها إلى العالم كله، ولقد كان شريكاً في صياغة تاريخ العالم وحضارته وثقافته وقيمه؟؟ أتعرف هذه الحقيقة أيها الرئيس؟

لماذا تريدون لهذا الشعب أن يعيش ذليلاً مهيناً، مهيض الجناح، مسلوب الإرادة، معزولاً عن القرار، فاقد الحرية، مجروح الكرامة، أسيراً تحت وصايتكم وقيادة حزبكم، وتسلط أشراركم؟؟

ماذا فعل هذا الشعب الحر الأبي حتى تسحقه أيها الطاغية! بدباباتك ومصفحاتك وأسلحتك، وحتى تسلط عليه الشبيحة، ورجال الأمن، والميلشيات المسلحة؟

كلُّ هذا العقاب من أجل أنه قال: لا...لظلمكم. لا...لاستبداكم لا...لفسادكم، لا...لطغيانكم؟.

ألا يكفي هذا الشعب الكريم أنه صبر على حكمكم الفاسد قرابة خمسة عقود من القهر والظلم، سلبتم حريته!  زيَّفتم إرادته! انتهكتم حُرُماته! رمَّلتم نساءه! يتَّمتم أطفاله! شردتم شبابه! غيبتم في السجون أحراره! هدمتم بعض مدنه ومساجده!

عشرون ألفاً من شباب سورية وزهراتها ومثقفيها، وفي أعلى الاختصاصات العلمية، غيَّبتموهم منذ أكثر من ثلاثين سنة لا يُعرف لهم مكان ولا مصير، أهم في عالم الأحياء أم في عالم الأموات؟ حجبتم عن آبائهم وأمهاتهم وأزواجهم وأولادهم كل المعلومات، لم تتركوا بيتاً في مدن سورية وقراها، في حواضرها وبواديها، نعم لم تتركوا بيتاً إلا خلَّفتم لديه كارثة أو مأساة؛حبيب تقتلونه، وأسير تعتقلونه، وحر تعذبونه.ومُغيَّب في عالم المجهول تحجبون أخباره، ومشرد في الآفاق، تحت كل نجم وفوق كل أرض من أنحاء العالم، فقد أعز أحبابه، وهو في ديار غربته!

نعم...ماذا فعل هذا الشعب؟ كم تريدون أن يصبر على ظلمكم وجوركم وفسادكم؟ لقد عُرِف عن شعبنا السوري البطل عشقه للحرية، وحرصه على الكرامة، فلما تنشَّق هواء الحرية من وراء الحدود في تونس وفي مصر... استردَّ أصالته، وتذكر آلامه، ونهض من كبوته... فثار لكرامته، وخرج في مظاهرات سلمية، يرفع بيده أغصان الزيتون ويهتف من أعماقه وبأعلى صوته: حرية... حرية، سلمية... سلمية، الله... سورية... حرية وبس. واحد... واحد... شعب سورية واحد.

هؤلاء الأحرار الأبطال لم يحملوا معهم سكيناً ولا خنجراً، ولا عصاً، بل ولا حجراً...

هنا...وهنا فقط... تحرَّكَت بطولتك وشجاعتك أيها القائد المغوار! وتذكَّرت أنك (القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة) فأصدرتَ أمرك للجيش أن يتحرك بدباباته ومصفحاته، وأسلحته الثقيلة، ليدمِّر درعا عن بكرة أبيها، ويهدم بيوتها ومساجدها، و يحاصرها من كل مكان، ويقطع عنها الماء والكهرباء والاتصالات ويمنع عنها الدواء والخبز والحليب، ولِيعزلها عْزلاً كاملاً عن أي مُنجِداً وأي مسعِفاً وأي غوث!! وهكذا فعلت بباقي المناطق، تأمر بسَحْق هذه المظاهرات، والتصدي لها بكل حزم، ومواجهتها بكل شراسة، ليعود هذا الشعب ـ كما تحلم ـ إلى بيت الطاعة من جديد، وليعود أسيراً ذليلاً كما تتمنى، ولكِنْ مرة أخرى: هيهات... هيهات...!

سفكتم الدماء! جلدتم الأبشار! قلَّعتم الأظفار، مثَّلتم بالجثث، سحلتم الجرحى في الشوارع، اقتدتم الأحرار إلى السجون وأقبية المخابرات، شرَّدتم عشرات الألوف من الشيوخ والنساء والأطفال خارج الحدود هنا وهناك، وفي مختلف الدول المجاورة، إضافة إلى مئات الألوف من المهجَّرين السابقين منذ أكثر من ثلاثين سنة.

ـ مرحى لك أيها (البطل الصنديد والقائد الشهم ) فأنت ابن أبيك حقاً !

ـ أين كانت بطولتك الفذَّة حين حلَّق الطيران الإسرائيلي فوق غرفة نومك؟

ـ أين كانت بطولتك الخارقة حين أغار العدو الإسرائيلي فوق قطعات الجيش ومعسكراته في لبنان؟.

ـ أين كانت بطولتك (أيها القائد الأعلى) حين دكَّ الطيران الإسرائيلي بصواريخه المفاعل النووي في المنطقة الشرقية من أرض سورية الحبيبة؟

حقاً ما قيل:

أســد عليَّ وفي الحروب نعامة     ربداء تجفل من صفير الصافر

هلا برزت إلى غزالة في الوغى      بل كان قلبك في جناحي طائرِ

لازمة واحدة! ومعزوفة واحدة، لا تتغير! أضحت محل سخرية العالم كله. تتكرَّر على لسانك ولسان رجال إعلامك، سنرد في الوقت المناسب. وبالأسلوب المناسب، ونحتفظ لأنفسنا بحق الرد في المكان المناسب؟!!

أهذه بطولتك في مواجهة العدو الصهيوني يا زعيم المقاومة والممانعة؟! خمسون سنة وحدود إسرائيل آمنة وادعة لم تُطلقوا عليها رصاصة واحدة، وكما قال لي أحد ضباط الصاعقة الكبار وقد كان في الجبهة: لدينا أوامر يا أستاذ فاروق أن نطلق الرصاص على كل من يخترق الحدود الإسرائيلي من جهتنا حتى ولو كان طيراً!!

تباً لكم أيها الجبناء في مواجهة العدو! في الوقت الذي تُبدون شجاعتكم المتوحشة القذرة في مواجهة الشعب الأعزل الذي تتهمونه بالخيانة، وأنه ينفذ مخططات خارجية، وأنه يتلقَّى أموالاً من الاستعمار والصهيونية!! تباً لكم مرة أخرى أيها الكذابون المخادعون !! حقاً إنكم غرباء عن هذا الشعب أعداء له!.

أعلنتم إلغاء حالة الطوارئ، وفي اليوم الثاني فقط يوم الجمعة، نفَّذتم عدوانكم العسكري على الشعب السوري الأعزل المقهور، وعلى مستوى سورية كلها، وحيث انطلق الأحرار الأبرار.

ألغيتم القانون كذباً وخِداعاً، وأبقيتموه واقعاً قيد التطبيق، وبأشرس مما كان.

لكم السْحق يا أعداء الشعب!

ولكم النصر أيها الأحرار الأبطال ! الصبر... الصبر...يا شعبنا السوري الحر البطل والله معك [وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ] {الحج:40}.  الله أكبر... الله أكبر... الله أكبر...[ وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ المُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ] {المنافقون:8}  والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

=======================

جمعة التحدي.. كبرياء وتصميم وبحر من الدماء

محمد فاروق الإمام

خرجت سورية في يوم جمعة التحدي عن بكرة أبيها لم يتخلف منها أحد.. حيث اكتظت أحياء العاصمة دمشق وريفها تل منين وداريا والزبداني وسقبا وبرزة وقطنا، وشوارع وساحات عامودا والقامشلي والرقة ودير الزور شرقاً حتى اللاذقية وجبلة وبانياس غرباً، مروراً بمدينة حمص ابن الوليد وحماة أبي الفداء وإدلب وكفرنبل وبنش وسرمدا والباب والرستن، وحتى الصنمين ونمر وإنخل جنوباً، اكتظت بآلاف المتظاهرين في حشود بشرية هائلة استجابة لدعوة الثورة السورية إلى التظاهر في جمعة التحدي، وكانت هذه الجماهير تهتف بشعار واحد من عامودا وحتى الصنمين: (واحد.. واحد.. واحد.. الشعب السوري واحد)، (الشعب يريد إسقاط النظام)، (ما منحبك.. ما منحبك إرحل عنا إنت وحزبك).. وقد ارتفعت على أكف هذه الجماهير نعوش رمزية للنظام وحزبه تعبيراً عن تشييع هذه الجماهير لهذا النظام وحزبه.

سارت هذه الجماهير المسالمة، وهي ترفع بأيديها أغصان الزيتون، ويافطات كتبت عليها عبارات صريحة وواضحة تعلن فيها رفضها لهذا النظام ولهذا الحزب، والحكم عقد بالتراضي بين الشعب والسلطة، وقد مزقت هذه الجماهير هذا العقد وطلقت هذا النظام وحزبه طلاقاً بائناً، وقد قاد هذا النظام وحزبه سورية إلى الهزائم والانكسارات والتخلف والجهل والفقر والتجويع، وغاص بها في مستنقع العبودية والإذلال والقهر والسجون والمعتقلات والمقابر الجماعية ونهب الثروات وسرقة الأموال، وأعمل في المجتمع معاول الفساد والإفساد لنحو خمسة عقود، تحملتها هذه الجماهير بكل سنينها العجاف وعذاباتها وآلامها وجراحاتها تناغماً مع دعاوي النظام أنه يقود معسكر الممانعة والتحدي والصمود والتصدي بوجه إسرائيل والمخططات الصهيونية والإمبريالية، ويحتضن المقاومة الفلسطينية ويتمسك بالقضية الفلسطينية ويعمل لتحرير فلسطين، وكان هذا المصل السحري يخدر عقول الجماهير ويلعب بعواطفهم، إلى أن استفاقت هذه الجماهير على حقائق كذب هذا النظام وبطلان دعاويه.. فلا صمود ولا تصدي ولا ممانعة ولا تحدي إلا بوجه هذه الجماهير التي كانت الهدف الحقيقي لهذا النظام والضحية الأولى لكذبه وتضليله وافتراءاته.. وقد سقط عند أول امتحان عندما قابل هذا النظام وميليشيات حزبه ورجال أمنه دعابات بعض الصبية الذين كتبوا على بعض جدران مدارس مدينة درعا (الشعب يريد إسقاط النظام) وقد قلد هؤلاء الصبية عن براءة ما يشاهدونه في القنوات الفضائية حيث الثورات الشعبية تلتهب في تونس ومصر وليبيا واليمن وترفع نفس الشعار (الشعب يريد إسقاط النظام).

قابل رجال الأمن هؤلاء الصبية الذين كانت أعمارهم بين العاشرة والرابعة عشر بالاعتقال، ومارسوا بحقهم أبشع أنواع التعذيب الجسدي، حيث أقدموا بوحشية ما سبقهم إليها أحد على اقتلاع أظافر هؤلاء الصبية، ومارسوا أبشع أنواع التعذيب النفسي عندما هددوهم بانتهاك براءتهم وطهرهم، وعندما طالب أهالي هؤلاء الصبية المسؤول الأمني في درعا الإفراج عن أبنائهم كان الجواب: (انسوا هؤلاء الأطفال وناموا مع زوجاتكم ليلدن لكم غيرهم، وإن كنتم تفتقدون للرجولة فابعثوا بهن إلينا وسنقوم نحن بالمهمة).

لم يصبر أهالي درعا على هذا الضيم وعلى هذه الإهانة التي وصلت إلى حد انتهاك الأعراض والتطاول على الشرف، فكانت لهم غضبة مضرية فانتفضوا على قلب رجل واحد مطالبين النظام بإبعاد المحافظ والمسؤول الأمني فقابلتهم عناصر الأمن بالرصاص الحي ليسقط العشرات بين جريح وشهيد، ويتكرر نفس المشهد الدموي عندما حاول الناس تشييع شهدائهم في اليوم الثاني، حيث كان الرصاص الحي باستقبال جنازاتهم ليسقط مجدداً العشرات بين شهيد وجريح، ولتمتد الريح الحمراء إلى باقي المدن والقرى السورية الأخرى التي انتفضت تضامناً مع أهل درعا تطالب بالإصلاح والحرية والكرامة، ولم يكن حظهم يختلف عن حظ إخوانهم في درعا، فقد جوبهوا بالرصاص الحي دون أي مقدمات ليسقط في يوم واحد أكثر من 120 شهيد ومئات الجرحى الذين أجهز على بعضهم الأمن السوري بدم بارد، بدلاً من إسعافهم، ممن لم يتمكن الناس من نقلهم إلى المستشفيات الميدانية التي أقاموها على عجل في المساجد والبيوت، والامتناع عن نقلهم إلى االمستشفيات الحكومية التي كانت محتلة من رجال الأمن الذين كانوا يجهزون على كل جريح في طلقة في الرأس كما شاهدنا وشاهد العالم على شاشات المحطات الفضائية.

وكان الإصرار من هذه الجماهير على انتزاع حريتهم المصادرة واسترجاع كرامتهم المداسة والذهاب في مطالبهم حتى النهاية مهما غلت التضحيات، وكان النظام في المقابل يشتد شراسة وانتهاكاً وقمعاً يوماً بعد يوم وقد استنفذ كل ما لديه من زعران وشبيحة وعصابات أمنية وقتلة مأجورين جاؤوا تأييداً له من خلف الحدود، ليدفع بدبابات ومجنزرات ومدرعات الجيش وفرقه العسكرية إلى مواجهة هذه الجماهير.. هذه الفرق العسكرية التي ما توجهت إلى الجبهة مع العدو الصهيوني منذ العام 1974 عندما أبرم النظام اتفاقية فك الاشتباك الاستسلامية عند الكيلو 54 مع العدو الصهيوني، التي تعهد فيها نسيان الجولان وتأمين الأجواء الآمنة للمستوطنين الذين غزو الجولان وجعلوه من ضمن أملاك الدولة العبرية، ودفع بفرقه العسكرية ودباباته إلى لبنان بحجة وقف الحرب الأهلية فأجهز على منظمة التحرير في لبنان، ومن ثم أرغم فصائلها على الرحيل من لبنان نهائياً بحماية العلم الفرنسي، وأتبع ذلك بالإجهاز على المقاومة الوطنية اللبنانية التي كانت تقاتل إلى جانب الفصائل الفلسطينية، وجعل لبنان – بعد أن صفا له الجو - مزرعة لحفنة من ضباط جيشه المقربين وعناصر أمنه المختارين يعيثون فيها فساداً ونهباً، ويجعلوا منه محطة آمنة للتهريب لكل أنواع الأسلحة والمخدرات وغسيل الأموال، التي جعلت رموز النظام السوري من أكبر أثرياء العالم والمتحكمين بالسوق العالمية السوداء، وليسخر جيشه فيما بعد ليحارب العراقيين تحت الراية الأمريكية، وبعدها بمساعدة القوات الغازية لبغداد في تأمين ظهرها وهي تدخل عاصمة الرشيد عام 2003، مقدماً كل التسهيلات اللوجستية والمخابراتية خدمة لهذه القوات الغازية وتسهيلاً لمهمتها بأقل الخسائر كما اعترف النظام بمناسبة وغير مناسبة، وقدمت القوات الأمريكية الشكر للنظام السوري لتعاونه معها في غزوها للعراق، وقد اعترف الكثير من جنرالات الجيش الأمريكي صراحة بأنه لولا التعاون السوري لدفعت القوات الأمريكية الكثير من التضحيات، ولم تقتصر مهمة فرق النظام العسكرية على المشاركة في هذه الحروب القذرة بل تجاوزتها لإعداد وتدريب عناصر من حزب العمال التركي المتمرد على الحكومة التركية الذين كانوا يشنون هجمات على المنشآت الحيوية والرسمية التركية من داخل الأراضي السورية، إضافة إلى عمليات التهريب المنظمة للإضرار بالاقتصاد التركي.

إن كل ما أتينا على ذكره هو غيض من فيض مما عاناه السوريون ودول الجوار العربية والإسلامية من هذا النظام، الذي تسلق جدران الحكم في دمشق في الثامن من آذار عام 1963 من قمع لمواطنيه وانتهاك لأبسط قواعد السلوك الإنساني مع دول الجوار.

وإذ يوغل هذا النظام بتصديه للشباب المسالم المطالب بالحرية والكرامة بحمم نيرانه الحاقدة.. هؤلاء الشباب الذين خرجوا في جمعة التحدي وقد لبس العديد منهم الأكفان، وهم يعرفون مقدماً طبيعة هذا النظام السادي الذي لن يتوانى في توجيه رصاصه الغادر إلى هذه الصدور العارية التي خرجت وبأيديها غصون الزيتون حاملة أرواحها على أكفها ثمناً لما تطالب به، فليس هناك شيء أغلى من الحرية وأقدس من الكرامة، فلا عيش بعد اليوم بلا حرية ولا كرامة وهذا القول الفصل لكل شباب سورية، فلا استكانة بعد اليوم أو خنوع أو عبودية ولسان حالهم يقول: (بالروح بالدم نفديك يا حرية.. بالروح بالدم نفديك يا كرامة).. وستبقى هذه الكلمات تعتمل في صدورهم وتصدح بها حناجرهم إلى أن تتحقق مطالبهم وتخفق في سماء دمشق الفيحاء رايات الحرية ويتنفس الناس عبق الكرامة.

=====================

النظام السوري والنداء الأخير

بدرالدين حسن قربي

للتاريخ نكتب أن الشعب السوري الأعزل والمسالم يقف اليوم وجهاً لوجه أمام سلطة باطشة ومسلحة، خيارها المعروض على الشعب ليس كخيار القذافي للشعب الليبي: إما أن أحكمكم أو أقتلكم، بل زاد عليه بالفعل: وأدعسكم رؤوساً وظهوراً بالبساطير، وأدوس وجوهكم بالأحذية وأمرّغ أنوفكم بالتراب، وأقلب عاليها سافلها.  ومانشهده من القتل بالمئات في الشوارع والمشافي والاعتقال بالآلاف، وفي همجية الحصار للمدن بالدبّابات والآليات، وفي الممارسات الطائفية للشبيحة، يؤكد ذلك ويتهدد السلم الأهلي أيضاً.  وعليه، فإذا كان الخيار الشعبي فيما آلت إليه المطالبات قد أصبح محسوماً بإسقاط النظام لاغير أمام خيار السلطة القاتل والمُذل، فهذا يعني أن الطرفين قد دخلا في طريق اللاعودة مهما كانت التكاليف والأثمان، وهي معركة نتيجتها للعقلاء معروفة بأن إرادة الشعب في مواجهة إرادة القمع والقتل والقهر هي الغالبة، فالشعب والوطن أبقى من الحاكم والنظام.  ورغم أن مرد الاحتجاجات يأس الناس وقنوطهم من وعودٍ بالإصلاح تكررت عبر عشرات السنين من أيام الأب، وتجددت أيام الابن، والتي رغم مضي أكثر من أربعين عاماً من حكم الأب والابن فإنها لم تأت بعد، ومع  ذلك فإن النظام ينسب التظاهرات الشعبية السلمية المطالبة بالحرية والكرامة إلى ارتباطاتٍ ومؤامرات خارجية مزعومة. 

 

في اعتقادنا أن خيار العنف والقتل الذي اختاره النظام على مستوى المدن كلها منذ الساعات الأولى لمواجهة التظاهرات والاحتجاجات، مهّد ويمهّد لجعل مصير سورية الوطن والشعب في مهب الريح للتدخلات الخارجية بمبررات متعددة، وهو خيار مرّ يضعنا أمامه النظام مؤدّاه أن إسقاطه معناه الخراب والدمار وتسليم سورية لمن بعده بلداً تعصف فيه الأشباح. 

 

إن اعتقاد المؤامرة الخارجية الذي يتكلم عنه النظام مع فرض صحته، كان يمكن إسقاطه لو أراد بإنفاذ فوري للمطالب الشعبية الإصلاحية التي اعترف بمشروعيتها.  أمّا وأنه لم يفعل، بل جاءت إصلاحاته زيادةً في اعتقالات الآلاف ومزيداً من  العنف والقمع ومئات من الشهداء وتوحش في القتل، فقد باتت ممارساته حقيقةً هي المؤامرة وهي مايريده المتآمرون والحاقدون على سورية وطناً وشعباً.

 

وعليه، فإن إسقاط المؤامرة المزعومة في الوقت الحالي والحرص على سورية، يستوجب تصرفاً فورياً وجريئاً لاتردد فيه من قبل النظام، يكون اليوم وليس غداً، حزمة واحدة بنقل الرئيس لسلطاته الرسمية والدستورية إلى أحد نوّابه، مع إعلان فوري لوقفٍ تام لإستخدام السلاح ومنع الإعتقال، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ومحتجزي الرأي والفكر والضمير، وإعلان عفو عام عن جميع المحكومين السياسيين والمبعدين خارج البلاد والمهجرين القسريين وعودتهم دون قيد أو شرط، مع الدعوة إلى مؤتمر وطني عام تشارك فيه كل المكونات الوطنية الناشطة والفاعلة بحضور شهود عرب ودوليين، تنتج عنه حكومة انتقالية مكونة من كفاءات وطنية مستقلة مدتها لاتزيد عن ستة أشهر تعمل على متابعة وضمان الإنتقال السلمي للسلطة، وكتابة دستور جديد يؤسس لدولة مدنية مبنية على الحرية والعدالة والديقراطية تُتداول فيها السلطة سلما،ً ويعمل على إصدار قانون للأحزاب السياسية يقعّد لحركة سياسية مدنية ديمقراطية تداولية، وانتخابات برلمانية حرة بشهود عرب ودوليين أيضاً تتم في نفس الفترة. 

 

إننا نعتقد يقيناً بأن تأخير مثل هذه الإجراءات العاجلة والفورية والتي لايستطيع أحد القيام بها حصراً سوى النظام الحاكم معناه تنفيذ المؤامرة المزعومة وإدخال سورية في المجهول من خلال الممارسات الوحشية في قتل الأبرياء وسفك الدماء. 

 

إن تصريحات النظام السوري السابقة بإشعال الشرق الأوسط وحرقه فيما لو تم المساس به رغم رفضه الإصلاح بضغوط وبغير ضغوط، والمتجددة هذه الأيام على لسان أنصاره وحلفائه فضلاً عن بث شبّيحته لرسائل قصيرة على الهواتف الجوالة مع بدء الاحتجاجات مفادها أن الشعوب تحرق نفسها لتغيير رئيسها، ونحن نحرق العالم وأنفسنا وأولادنا ليبقى قائدنا الأسد، هي تصريحات تدلّنا على من يريد أن يأخذ سورية إلى الحريق والخراب والدمار، وتخبرنا عمّن يريد أن يأخذ سورية إلى المجهول، ويدفع بقوافل الهجرة الشعبية إلى دول الجوار هرباً من إرهاب السلطة ودمويتها، وممارسات شبيحتها الطائفية، أمام قرار شعبي بعد صبر على الأب والابن امتدّ واحداً وأربعين عاماً مفاده: (مسلمين) ومسيحية، وسنة وعلوية، وعرب وكرد ودروز وأشورية كله بدو كرامة وحرية، وكله يصرخ بسلميّة: الشعب يريد إسقاط النظام.  

 

إنه نداء الفرصة الأخيرة للنظام بإجراء فوري بتسليم السلطة سلماً لإبطال كيد الكائدين وإحباط المؤامرة المزعومة على سورية الوطن والشعب.  إن في ذلك لذكرى لمن كان في قلبه ذرة عشق لبلادٍ اسمها شام، وبعض وفاء لأرض تعطّرت بالياسيمن وارتوت بدماء الشهداء.

===================

الشعب يتحدى القمع في سورية

الاستبداد يخسر تحدياته للحق والحرية والوطن والعدالة

نبيل شبيب

هل يمكن أن تتابع ثورة شعب سورية طريقها في يوم "جمعة التحدي".. يوم 6/5/2011م؟..

هذا سؤال تردّد بين جمعتي "الغضب" و"التحدي" جهرا وهمسا على ألسن كثيرٍ من المخلصين الصادقين، ممن يخشون على سورية وأهلها، وعلى العرب والمسلمين، من خلال ما يصنعه القمع الاستبدادي لسورية وأهلها، ويعرّض به دورها الوطني والعروبي والإسلامي والإنساني للخطر.. وجاء في جمعة التحدي الجواب قاطعاً لا لبس فيه.

 

التحدي.. من قلب سورية النابض في درعا

لقد حاز شعب سورية على ثقة العرب والمسلمين، أنّه شعب أبيّ ثائر، لا يتخلّى عن الصمود والتضحيات حتى ينال الحرية التي طال تطلّعه إليها.. رغم ذلك كان يتساءل كثير من المخلصين عن مسار الثورة السلمية الشعبية في سورية، هل يمكن أن يواصل طريق الأيام والأسابيع الماضية؟..

وللقلق ما يسوّغه، فما يقال عن "خصوصية" النظام القائم في سورية يتجاوز ما يجري توظيفه دفاعا عن الاستبداد ضدّ ثورة الشعب، باسم سياسات خارجية وإقليمية مختلفة عن سياسات التبعية والتطبيع والتسليم.. وإن لم تحقق تحريرا لأرض أو شعب، فالنظام متميّز بخصوصية التمرّس في القمع أكثر من سواه على مدى جيلين.. على مدى من الزمن يناهز خمسة عقود!..

للقلق ما يسوّغه.. إذ بات ما يصل إلى الأسماع من معلومات مفزعة متسلّلة من قلب درعا المحاصر تخصيصا (من بين المدن الأخرى المحاصرة أيضا داخل حدود سورية) أصبح أشبه بنبضات متقطعة من قلبٍ غدا بين الحياة والموت..

شهداء لا يدفنون، جرحى لا يغاثون، رجال أباة يهانون، نساء وأطفال يُرَوّعون..

لا ماء، لا كهرباء، لا دواء، لا أداة للاتصال بالعالم الخارجي إلا بالحيلة وبشقّ الأنفس والمخاطرة..

قطعة من الجسد السوري الواحد معزولة وراء جدران أقيمت من الدبابات والمصفحات.. وبوسائل كتم الأصوات والكلمات!..

أكثر من مليون إنسان من البشر(قريب من سكان قطاع غزة).. معرّضون للانفراد بهم من جانب جنود أو أشباه جنود من كائنات مروّضة على الفتك..

مدينة أبية عريقة.. يعيش أهلها –إذا كان وضعهم يوصف بالحياة- تحت طائلة التهديد برصاص القنّاصة على أسطح المباني والمساجد، ورصاص العصابات القمعية المسلّحة في الطرقات والساحات.. وهؤلاء لا يتورّعون حتى عن مواجهة الأمّهات إذا خرجن من بيوتهنّ بحثا عن شربة حليب لأطفالهنّ!..

كيف وصلت الأمور بالمسؤولين في سورية إلى ممارسة هذا الحصار الانتقامي لجزء عزيز من سورية وجزء عزيز من شعب سورية؟..

إذا صحّ وجود أجنحة متنازعة في السلطة، فهل هذا ما وصل إليه قرارهم المشترك جوابا على ثورة سلمية شعبية انطلقت من درعا، متحدّيةً استكبارَهم في الأرض على مدى أربعين سنة ونيف؟..

ألم يجدوا سبيلا آخر وهم يتساءلون: كيف يقضون على الثورة الأبية؟.. كيف يرهبون الشعب الثائر؟.. كيف يسكتون الحناجر الهادرة؟.. كيف يخمدون نداء الحرية المنطلق من أعماق الصدور العارية؟..

هل اتخذوا قرارهم بأن يجعلوا من اغتيال درعا، "عبرةً مرعبة" لإسكات جيل الأباة الثائرين من شعب سورية اليوم، ولو حيناً من الدهر، كما صنعوا عبر اغتيال حلب وتدمر وحماة وأخواتها.. قبل جيل واحد!..

كلا..

ليست هذه أفاعيل "نظام" قويّ متمكّن واثق من نفسه.. بل هي صورة ناطقة بمدى ما وصل إليه من الخوف والعجز، وكذلك من الجهل المطبق وهو يتصرّف إزاء درعا تصرّف الواهم بأن تصل قامة الاستبداد المستنسرة عبر بضعة عقود، إلى قامة درعا الشمّاء عبر ألوف السنين من تاريخ يجعلها بوابة سورية إلى المستقبل أيضا.

 

التحدي التاريخي في درعا.. وحوران

الدبابات والرشاشات والاعتقالات لا تواجه مليونا ونصف المليون من البشر فقط، بل تواجه في حوران، في درعا وأخواتها.. تاريخا عريقا كرّمه رب العالمين في سيرة خاتم الأنبياء والمرسلين، فكانت سفرته الأولى صلى الله عليه وسلّم إلى بصرى الشام في حوران..

هي حوران التي شهدت جيش صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منطلقا للنصر المؤزّر على الروم ودولتهم العاتية في معركة اليرموك..

هي حوران التي استقبلت الخليفة الفاروق العادل في طريقه إلى "الجابية" جنوب الشام..

هي حوران التي انطلق منها أحد أبناء الشام، من الأكراد الأبرار، صلاح الدين الأيوبي، مع جنده الأطهار، ليحرّر فلسطين من الصليبيين..

وهي حوران التي أطلقت شرارة الثورة السورية الكبرى ضد المستعمرين الفرنسيين..

هي حوران التي تنجب اليوم الأبطال الأبرار والعلماء الأطهار والشباب الثوار، على درب المجد التاريخي العريق ولاستعادة المجد في مستقبل سورية، كما صنعت من قبل، بمن أنجبتهم من الأفذاذ على مرّ التاريخ.. ابن كثير في بصرى الشام، وابن القيم في إزرع، والإمام النووي في نوى، والإمام الأذرعي وابن أبي العز الحنفي في أذرعات الشام..

وهي التي أنجبت أبا تمام، فتكاد تصرخ قصيدتُه العصماء بعد موقعة عمورية بقيادة المعتصم في وجوهنا: ماذا تصنعون لنساء درعا وهنّ ينادين اليوم "وامعتصماه"؟..

لقد أدرك المسؤولون أنّ نخوة المعتصم حيّة لدى الأبرار الصادقين الثائرين في درعا وأخواتها، وعلموا أن جوابهم يصكّ الآذان:

"درعا لن تركع.. ما دام فيها طفل يرضع"..

ووجدوا أنفسهم عاجزين عن الجواب.. إلا بمنع "حليب الأطفال" عن أطفال درعا، فجعلوه بندا من بنود البطش والتنكيل!..

ولكن يبدو أنّهم لم يستوعبوا بعد، أن نخوة المعتصم حيّة لدى الأبرار الصادقين الثائرين في سورية بأسرها، ولهذا يستحيل عليهم مهما صنعوا أن يجعلوا من درعا "عبرة" تُرعب وتُرهب.. بل أصبحت نموذجا حيّا يُحتذى رغما عنهم.

لهذا كانت جمعة التحدّي في سورية يوم 6/5/2011م جوابا شعبيا سوريا شاملا على تحدّيات الباطل لأهل الحق، وتحديات الاستبداد للأحرار، وتحديات القمع للثوار، وتحديات اعتقال الألوف من كلّ من "يتكلّم" رافضا الاستبداد، أو "يتظاهر" متحدّيا الاستبداد!..

 

التحدّي.. لكلّ ألوان الاستبداد والبطش في سورية

أعلنت جمعة التحدّي من أقصى سورية إلى أقصاها أن شعب سورية قادر على ردّ تحدّيات الباطل والطغيان جميعا..

ترد عليهم أحياء دمشق.. في قلب دمشق.. القدم والميدان والكسوة، وفي أطراف دمشق، سقبا والمعضمية والتل، وفي ريف دمشق كلّه.. مثلما تردّ عليهم الجموع الهادرة من بانياس إلى جاسم، ومن القامشلي إلى حمص، ومن حماة إلى اللاذقية!..

يردّ شعب سورية على ما صنع حاكم سورية على امتداد الأيام التالية لجمعة الغضب.. ألوانا من الفتك والتنكيل والترهيب يستهدف مدينة بعد مدينة من المدن السورية.. من قلب جامعتي حلب ودمشق إلى قلب البيوت التي "يمشطّونها" –كما في معارك حربية مع عدوّ أجنبي- ما بين الحسكة ودوما ودرعا.

لقد اعتقلتم الألوف، واختطفتم الألوف (ممّن أصبح في عداد "المفقودين"!)..

قتلتم العشرات، وأطلقتم الدبابات والمصفحات، واستعرضتم "قدرتكم" على البطش علنا..

وكذبتم جميع ما تراه "الأعين" جهارا نهارا وما ترويه ألسنة الشهود الصادقين..

بل بلغ التبجّح بالكذب الصريح المكشوف على ألسنةٍ (يصعب وصفها فعلا!) دفاعاً عن تسلّطكم مبلغا مخزيا.. فماذا يضير أن يُقتل الألوف من أهل سورية؟..(كما ورد على لسان أحد "أصدقائكم في لبنان.. ويكفيكم عارا أن يكون لكم صديق من هذه الشاكلة)..

وقرنتم التزييف في الإعلام بالتزييف في السياسة زاعمين أنكم ماضون على درب "الإصلاح"!..

تنهون حالة الطوارئ.. وتستنفرون الجيش داخل الحدود

تلغون محكمة "بطش" الدولة.. وتمارسون "الإعدام" في الطرقات

تعزلون بعض الأزلام بعد ظهور بطشهم.. وتعيّنون من هو أشدّ بطشا وتنكيلا

تعزفون ألحان "الحوار" وسط أزيز الرصاص.. وترمون بكلّ من يمكن أن يكون طرفا في حوار وراء القضبان

تهاجمون إعلام الدنيا بأسرها.. لأنه "متآمر" عليكم.. وتغلقون الأبواب والمنافذ جميعا أمام إعلام الدنيا

تقتلون الأباة من أهل سورية الصادقين في جيش وأمن المتمرّدين على المشاركة في الاستبداد والقمع.. وتتهمون بهم إخوتهم وأبناءهم من أهل سورية الثائرين عليكم، الثائرين من أجل أن يكون لسورية جيشٌ يحمي الحدود، من كل معتدّ أجنبي آثم، وأمنٌ يحمي الشعب، من كلّ فرعون وقارون ونمرود!..

إنها جمعة التحدّي السلمي الذي يمارسه الشعب الأعزل القويّ الأبي.. في مواجهة القمع الاستبدادي وجميع أدواته وفنون ممارساته، وجميع تصوّراته التي توهمه أنّه أقوى من الشعب وإرادته!..

 

كفى.. انتهى زمن التحدّي لإرادة شعب سورية

إن ما وصلت إليه ثورة سورية مع جمعة التحدي.. هو الحدّ الأقصى الممكن، الفاصل بين التعقّل والجنون.

فإمّا إدراك استحالة قهر إرادة الشعب والتسليم لها بما تريد.. أو المتابعة على طريق تصل بكم إلى أخطر أشكال الأجوبة المعاصرة على الثورات الشعبية العربية الهادرة..

ما الذي بقي بعد كل ما صنعته "عقليّة القمع" وممارساته في سورية؟..

من يتصرّف بهذه العقلية في سورية.. تجاوز بمراحل ما عايشناه في الثورتين الشعبيتين في تونس ومصر، وما كان قليلا..

وتجاوز بمراحل ما نعايشه الآن من ألوان الجرائم التي يرتكبها الحكم الاستبدادي في اليمن المتشبّث بالقمع، رغم إدراكه هو وإدراك حلفائه وأعدائه وأصدقائه على السواء، استحالةَ أن يحقق القمع له هدف البقاء.. مهما سفك من دماء!..

لم يبق في مسار الثورة في سورية سوى نقلة خطيرة واحدة.. على غرار مَن يوصف في ليبيا الثائرة بالجنون (ولا يرفع هذا الضرب من الجنون الاستبدادي عن صاحبه مسؤولية ارتكاب الجريمة)..

بقي –كما يقال على سبيل التهكّم الاستنكاري المرير- أن تطبّقوا شعار: النظام يريد أن يسقط الشعب!..

بقي إطلاق نيران الأسلحة الثقيلة على الجماهير الثائرة بحجة أنّهم جميعا مندسون ومتآمرون.. أو أغبياء تحرّكهم أصابع أجنبية، وعلى المساكن الآمنة بحجة أنّها تؤوي بضعة ملايين أو بضعة مئات ألوف.. أو حتى عشرات الألوف (فقط) من السلفيين أو الإرهابيين أو سوى هؤلاء وهؤلاء ممن تقلّبت على ذكرهم قريحةٌ استبدادية مبدعة!..

آن الأوان أن يدرك المسؤولون عن القمع في سورية أن جمعة التحدّي أحرقت جميع أوراق القمع.. ولم تترك بديلا أمام النظام الحاكم إلا التعقل إذا كان قادرا على التعقل بعد، في اللحظة الأخيرة، قبل وقوع الانفجار الخطير.. والتعقل يقتضي:

- وقف آلة القمع والفتك والتنكيل عن العمل.. نهائيا.

- وقف عجلة الاعتقال الجارية بسرعة رهيبة.. نهائيا.

- إطلاق سراح جميع المعتقلين والمعتقلات.. دون استثناء.

- إقصاءَ من يأبى التعقل في السلطة وجلوسَ من يبقى فيها من العقلاء.. حول "مائدة مستديرة" مع مَن أقصوهم من ممثلي شعب سورية عن صناعة القرار لمدّة جيلين، دون استعلاء طرف على طرف، ولا وصاية سلطة على شعب، ليجري حوار حقيقي حول خطوات التغيير الجذري، لينفذها على الفور مَن يمثلون أطياف شعب سورية جميعا.

من دون ذلك لا يمكن أن تُستعاد ثقة الشعب الثائر، ولن تتوقف ثورته.. حتى تظهر النتائج على أرض الواقع، وليس في "حزمة وعود"!..

 

جمعة التحدي.. تتحدّى المخاطر الخارجية

جمعة التحدي في سورية جسّدت إرادة شعب سورية، ووعيه، وسلميّة ثورته، وحرصه على ألاّ يؤدّي تعنّت القمع إلى المهالك.. وسط ما يتهدّد سورية وشعبها ومستقبلها من مخاطر جسيمة.

هذا أوّل ما ينبغي أن "يستوعبه" النظام إذا صدق من يتحدّث فيه، أو يتحدث باسمه، أو يتحدّث دفاعا عنه، بصدد مخاطر خارجية وأجنبية وبصدد دور إقليمي سورية معرّض للخطر.

جمعة التحدي تقول بصوت 23 مليونا تعبّر عنهم جموع من ألوف مؤلفة يتحدّون بتضحياتهم وبدمائهم وبصمودهم مخاطر القمع جميعا.. تقول:

لن يتقرّر مستقبل سورية عبر البندقية والمدفع والدبابة والمعتقل.. فهذه لا وظيفة لها سوى اغتيال سورية ومستقبلها.. وكلّ دور يمكن أن تقوم به سورية وطنيا وعروبيا وإسلاميا وقوميا وإقليميا ودوليا.

لن يقرّر مستقبلَ سورية سوى الخضوع لإرادة شعب سورية، وليس المساومة على "نسبة مئوية ما" من حرية إرادته، ومن سيادتها فوق كل اتجاه، وكل حزب، وكل حاكم، وكل معارض.. وهذا –وحده- ما يرفع سورية وشعبها ودورها فوق جميع المخاطر الخارجية مهما عظمت، والمؤامرات الخارجية مهما بلغت.

لن يتقرّر مستقبل سورية عبر البندقية والمدفع والدبابة والمعتقل.. فهذه أدوات استبدادية في إطار محاولة بائسة فاشلة لاغتيال سورية ومستقبلها.

لن يقهر إرادةَ شعب سورية بعد اليوم "قذافي سوري" ولا "صالح سوري" ولا "مبارك سوري" ولا "بن علي سوري" ولا أي "نمرود" سوري .. ولا حتى أي فرد من الحاكمين قهرا واستبدادا في سورية حتى الآن.

رسالة جمعة التحدي تقول بكل وضوح:

ليس الخطر الحقيقي هو الخطر على شعب سورية، ولا على سورية، ولا على مستقبل سورية، بل هو على النظام الحاكم في سورية، فإمّا أن ينقذ نفسه بالاحتماء بالشعب، تحت إرادة الشعب، وليس من فوقها، أو تدحره إرادة الشعب، وتحمي سورية ومستقبلها من دونه.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ