ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 11/06/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

سوريا في ميدان التحرير!!

حسام مقلد *

hmaq_71@hotmail.com

منذ نحو ثلاثة أشهر وسوريا تنزف!! وما زالت حرائرها تصرخ وتستغيث، وما زال عجائزها وشيوخها أرواحُهم تئن تحت وطأة القهر والوهن والخَوَرِ وقلة الناصر والمعين حتى من أخوة العروبة والدين، ومازال شبابها ورجالها يجاهدون في سبيل نَيْلِ حريتهم رغم جراحهم المثخنة ودمائهم النازفة، وما زال الصبية والأطفال ينتزعون ببراءتهم حقهم وحق الأجيال القادمة في حياة حرة كريمة على أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم، وما زالت كتائب شهداء الحرية السورية وقوافلهم تمضي كل يوم إلى بارئها عز وجل راحلة عن دنيانا وهي تشكو بثها وحزنها إلى الله، وتفيض أرواحهم الطاهرة وفي القلب غصة من بعض أخوة الوطن والعقيدة والإيمان...!!

 

إن أهل سوريا الصابرين المحتسبين يدركون تماما أن أمريكا والغرب أحرص الناس على بقاء نظام بشار الأسد؛ لأنه من وجهة نظرهم صمام الأمان لإسرائيل، والوكيل الحصري للدفاع عنها في المنطقة؛ وبالتالي لا ينتظر السوريون من الولايات المتحدة والدول الأوربية خطوات جادة وسريعة وناجزة تنصفهم وتحميهم من بطش النظام الغاشم الجاثم على صدورهم، كما لا يتوقعون أن يعامل بشار وملئه معاملة القذافي بخصوص جرائم الحرب التي يرتكبها ليل نهار، لكن الدهشة كل الدهشة تعقد لسان الشعب السوري الطيب وهو يرى أخوة العقيدة والدم والتاريخ لا يحركون ساكنا ولو حتى بمجرد تصريحات الإدانة والشجب والاستنكار...!! فلا أحد سمع صوتا للجامعة العربية ولا لمنظمة المؤتمر الإسلامي، أما الشعوب العربية الثائرة فعلى ما يبدو حتى الآن أنها قد صمتت على ما يجري في سوريا صمت القبور!! ولا ندري متى ستتحرك الجماهير العربية في كل مكان؟! متى ستثور نخوتهم؟! متى يغضبون لحماية كرامتهم وكرامة إخوانهم الأبرياء العزل في سوريا الذين يتساقطون كل ساعة بل كل لحظة في مواجهة كل هذا البطش والظلم والجبروت؟! ألم يشاهد العرب والمسلمون جثث النسوة السوريات وهن غارقات في دمائهن؟! ألم يشاهدوا جثث الأطفال ومن بينها جثة الصبي حمزة الخطيب وقد اغتالته يد الغدر والخيانة ومثَّلت بها بكل فجور ودون أدنى رحمة؟! وكيف تأتيهم الرحمة وقد نزعت من قلوبهم نزعا؟!! ألم يشاهد العرب والمسلمون جثث الشباب وقد سُلِخَت جلودُهم، وهُشِّمت عظامُهم، واقْتُلِعَت رموشُهم وأظافِرهم قبل أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة، وتصعد أرواحهم الطاهرة وتفيض إلى بارئها عز وجل شاكية ظلم الإنسان لأخيه الإنسان؟!!

 

والأغرب من كل ما سبق أننا نكاد لا نرى أي أثر للإسلاميين العرب وأحزابهم وجماعاتهم فيما يجري على أرض سوريا الشقيقة!! فأين الإخوان المسلمون في مصر مما يجري في سوريا؟!! وأين الجماعات السلفية؟! أين أئمة المساجد؟ وأين رجال الإفتاء؟! في الواقع نكاد لا نسمع سوى صوت العلامة الجليل الدكتور يوسف القرضاوي أمد الله في عمره على طاعته ومن معه من ثلة العلماء العاملين في الاتحاد الدولي لعلماء المسلمين، فأين العلماء والمفكرون والكتاب والمثقفون؟! بل أين الأطباء والمهندسون والمحامون والفنانون؟! أين الساسة والحكماء والتجار والوعاظ؟! أين كل هؤلاء مما يجري لإخوانهم في سوريا من تعذيب وتشريد وتذبيح وتقتيل، وتمثيل بالجثث؟! أليس ما يحدث هو حرب إبادة جماعية؟! أليس ما يحدث هو جرائم حرب ضد الإنسانية؟! فإذا سكت الساسة لحساباتهم الضيقة فلِمَ تسكت الشعوب العربية؟! أجل لِمَ نسكت وإخواننا السوريون يُقَتَّلُون ويذبَّحون بالمئات والآلاف نساء وأطفالا وشيوخا وشبانا في درعا وبانياس ودير الزور وحمص وحماة... وغيرها من المدن والقرى السورية؟!! ألا يوجد في أمتنا من يقدر على أن يصدع بالحق سوى القرضاوي وأردوغان ومعهما القليل القليل من الرجال؟!! والله إن هذا لعار على أمة المليار ونصف مليار مسلم أن يعجزوا عن الجهر بكلمة الحق، وأن يقصِّروا في نصرة إخوانهم في سوريا وغيرها، ولو بالدعاء الصادق وتقديم حتى مجرد الدعم المعنوي والمساندة النفسية.

 

نحن نعلم جيدا صعوبة الموقف وندرك مدى الحرج الذي يستشعره المسؤلون في المجلس العسكري المصري وفي حكومة الثورة المصرية الفتية، ونقدر حساسية الوضع السياسي الإقليمي والدولي للمسؤولين المصريين، لكن أين شباب الثورة المصرية المباركة؟! أليست ثورتهم بعد ثورة الياسمين في تونس الشقيقة هي ملهمة الشعوب العربية الأخرى الرغبة في الحرية والكرامة؟! ألم يحبس العالم العربي كله من المحيط إلى الخليج أنفاسه على مدى ثمانية عشر يوما هي عمر الثورة المصرية؟! ألم تُرفع قبل أشهر قليلة أكفُّ الضَّراعة من المخلصين الصادقين في كل شبر عربي للدعاء يالنصر والعزة والتمكين لإخوانهم المصريين الثائرين الذين يحتشدون في ميدان التحرير وغيره من الميادين المصرية ؟!!

 

نعم موقف مصر الرسمي حساس جدا هذه الفترة، لكن ألا يستحق الشعب السوري من إخوانه في مصر أن يساندوه في جمعة مشهودة من جمعهم المليونية الحاشدة؟! ولتكن جمعة: الإخاء أو التضامن العربي، أو الوحدة العربية، أو نصرة الشام، أو غيرها من الشعارات!! المهم أن ترفع الأعلام السورية لتملأ سماء ميدان التحرير، وتدوي الصيحات والتكبيرات والهتافات المنادية بمنح السوريين حقوقهم وكف أذى النظام السوري الظالم عنهم، وإن شاء الله سيكون في ذلك نفع عظيم ودعم كبير لقضيتهم العادلة.

 

إن الشعوب العربية قاطبة عهدت في الشعب المصري الكريم أن يكون كل واحد فيه دائما أخا نبيلا ورجلا شهما عظيما يقف مع الحق وقوف الرجال النبلاء، والفرسان العظماء والمؤمنين الأتقياء الذين لا يخشون في الله لومة لائم...، ومصر والشام هما للأمة العربية كجناحي الطائر، ونحن نعلم أن الأخوة السوريين يحملون في قلوبهم مشاعر رائعة مفعمة بالحب لمصر ولأهلها وشبابها الأحرار، وإن كنت ألمح في عيونهم عتبا رقيقا علينا بسبب فتور اهتمامنا الإعلامي بقضيتهم؛ إذ كانوا على حد تعبير الكثيرين منهم ينتظرون من الشقيقة الكبرى ورجال الكنانة الشجعان وشبابها الأبطال مليونية من أجل سوريا في ميدان التحرير؛ للضغط على المنظومة السياسية العربية والعالمية للاهتمام بما يجري هناك من مجازر بشعة راح ضحيتها حتى الآن أكثر من ألف وخمسمئة شهيد وعدة آلاف من المعتقلين، ولا يزال النظام السوري سادرا في غيه وضلاله وظلمه ويرتكب كل لحظة أبشع الجرائم بحق الشعب السوري الأعزل رغم مرور نحو ثلاثة أشهر على ثورته السلمية.

 

وأعتقد أن المسؤولية الأخلاقية التي يجب أن ينهض بها جميع العرب والمسلمين وكل أحرار العالم تفرض عليهم أن ينهضوا لإغاثة الملهوف، ويهبوا لنجدة إخوانهم عندما يستصرخونهم طالبين النجدة والمساعدة، فالإسلام يفرض على أبنائه أن يكونوا عونا للمظلومين المقهورين، والواجب والنخوة والمروءة والشهامة والرجولة فضلا عن العروبة والدين كل ذلك يفرض علينا نصرة إخواننا السوريين المرابطين ولو بالدعاء وهذا أضعف الإيمان، وأتمنى أن نهبَّ جميعا لنجدتهم ولو بمظاهرة صامتة ترفع أعلام سوريا أمام مقر الجامعة العربية ومقر الأمم المتحدة في مصر وغيرها من دول العالم؛ ليهبَّ الناس في كل مكان لنجدة الشعب السوري الأبي الكريم، والوقوف معه على الصعيد الإعلامي لإحداث زخم لقضيته؛ لدفع جميع المسؤولين والساسة على مستوى العالم للاهتمام بهذه القضية العادلة التي تستحق النصرة والتأييد والمؤازرة.

*كاتب إسلامي مصري.

=======================

المواقف الدولية في اختبار مصداقية ... تجاه ثورة السوريين

معاذ السراج

في قضية كبرى كقضية سوريا اليوم حيث تسيل الدماء بغزارة وتغص السجون والمعتقلات بالألوف المؤلفة من شباب سوريا وشيبها وتتزايد أعداد النازحين والمهاجرين الى الدول المجاورة لسوريا لتتجاوز الآلاف هي الاخرى ... في قضية مثل هذه يفترض الا يغيب عنها رأي او موقف عربي او اسلامي او دولي او حزبي او فكري او صحفي .. أيّا كان .. فالموضوع اتّسع ليأخذ طابعه الانساني إذ لم يكف الديني والعرقي والقومي لتحريك القلوب القاسية والضمائر المحجوبة ... أتفهّم وجهة نظر من سمّى الثورة السورية بالثورة اليتيمة فهي الثورة التي تعتمد على سواعد شبّانها بعد الله عزّ وجلّ , وتعتمد على اعلامها البديل باستخدام الهاتف النقّال لتوصيل صورة مايجري في الداخل السوري الى العالم الخارجي وتداوي جرحاها في المنازل بعيدا عن رصاصات الغادرين في المستشفيات, ويسقط الشهداء وهم يشيّعون الشهداء وسط زغاريد الماجدات الحرائر وأزيز الرصاص الغادر... اتفهّم كلّ هذا بل واعتبره منحة ربانية تجعل من هذه الثورة المباركة ثورة خالصة لأبنائها وبأيدي أبنائها...لكن مما ينبغي تسجيله والوقوف عنده هو تلك المواقف التي ضاعت فيها الحقيقة وضاعت فيها المبادئ وضاعت فيها مصالح الشعوب كتلك المواقف التي نشهدها اليوم من دول كالصين وروسيا وغيرهما؛ ولم أذكر العرب لأنه ليس لهم مواقف أصلا وربما لم يخف بعضهم أو جلهم رغبته في استمرار نظام عائلة أسد ..المواقف الدولية بعمومها تتسم بالبرود والبطء الشديد , ورغم الحس المرهف للغربيين والأمريكان على وجه الخصوص لكن يبدو أن قوافل الصور المؤلمة والمؤسية والمهينة في كثير منها حتى للجنس البشري لم تجد لديهم الصدى المنشود أو ردة الفعل التي يقتضيها الموقف..وعلى الرغم من أن مواقف الصين وروسيا أكثر برودا وسلبية لكن الجميع يشترك في سمة واحدة وهي أنهم لاينظرون الى سوريا الشعب بل ينظرون الى سوريا الموقع الاستراتيجي الأشد حساسية كما يقولون هم وينطلقون في حساباتهم من مصالح ضيقة ورؤى يغلب عليها النفاق السياسي ... بل وربما حاولوا أن يدخلوا أوراقا أخرى في اللعبة كورقة المفاعل النووي السوري في محاولة للضغط على النظام كما يدعون وهي المسألة التي لن تحرج الشارع السوري المنتفض بقدر ما تكشف انتهازية بعض الدول واستغلالها للمواقف ...نظام عائلة أسد لم يكن قبل انتفاضة الشعب السوري أقل سوءا ولا أقل فسادا ودموية وهذا مما لايخفى على أحد وخاصة على أصحاب الشأن الدوليين الذين يتحدثون اليوم عن مجزرة حماة وجسر الشغور وغيرها مما حدث في الثمانينات فأين كانوا آنذاك واين كانوا من اموال الشعب السوري المنهوبة والمودعة في بنوكهم ومصارفهم ويعلمون عنها كل شاردة وواردة ,أين كانوا من اضطهاد الشعب السوري وحرمانه من أبسط الحقوق الانسانية التي تتمتع بهاشعوبهم .....بل أين كانوا من نصح بشار أسد وحثه بل اجباره على الاصلاح وهم الذين باركوا شرعيته المزيفة واستقبلوه وأقاموا معه العلاقات الحميمة وقدموا له الغطاء الدولي لأكثر من أحد عشر عاما وحتى ما قبل الانتفاضة بقليل...انهم ببساطة يفضلون التعامل مع أفراد ينتمون لنظام عائلي ولو كان بمواصفات هذا النظام الذي يدينونه اليوم ويعلمون أنه لايمثل مؤسسات حكم شرعية تمثل الشعب وتعمل لصالحه .. على كل حال لسنا جديدين على هذه الصورة من المواقف الدولية التي نحتفظ لها في ذاكرتنا بصورة تحتل الزاوية السوداء وطالما عانت منها الشعوب العربية الأمرين ..والشعب السوري لايعول كثيرا على تلك المواقف وان كان ينظر اليها على انها استحقاق تفرضه بل وتتطلب منه أكثر بكثير المعايير الأخلاقية والانسانية قبل الأدبيات السياسية والمصالح الاقليمية ..لكننا في ذات الوقت لابد أن نشير الى أن هذه الطريقة في التعامل مع قضايا الشعوب لم تعد مقبولة و لا نعتقد أن الشعوب الغربية لو ترك لها الخيار أن تكون راضية عن مواقف حكوماتها و سياسييها تجاه ما يجري في سوريا ...خلاصة القول إن الكثير من السياسات و المواقف الدولية لا بد أن تقوم على نقطة ارتكاز أساسية تنطلق من موازنة عادلة و منصفة بين مصالح الشعوب و المصالح الاقليمية و الدولية مما يعتبر مسؤولية كبرى على عاتق من يديرون السياسة في عالم اليوم ...

========================

الجلاد في إهاب أستاذ جامعي .. (بين احتكار الدولة واستبداد السلطة : من تجليات الحالة السورية)

أحمد عاصم عثمان

خلال الأحداث الأخيرة التي تشهدها سوريا, صرّح أستاذ جامعي موالٍ للسلطة, متخصص في العلاقات الدولية بجامعة دمشق, على الملأ وفي مرتين متتاليتين, بأن إبادة الملايين من الشعب السوري أمر ممكن, في سبيل قمع الاحتجاجات الشعبية وبقاء النظام, أو منعاً لعودة فئات من المعارضة في الخارج إلى أرض الوطن. الأستاذ الجامعي كرر الرقم في المرتين : الملايين !! الملايين!! . فأيّ خيال فاشستي دموي هذا الذي يستطيع أن يفكر بحشد مليوني من المواطنين كموضوع للإبادة والذبح؟! .

 إنها لحظة بائسة ومريضة ومرعبة حقاً تلك التي يتحول فيها أستاذ جامعي إلى نصير هولوكوست ضد شعبه, إلى محرّض على الإبادة الجماعية بحق محتجّين سلميين يطالبون بأبسط حقوقهم كمواطنين وبشر. إن ممثل الجامعة, التي يُفترض أن تكون فضاء للتفكير بالحقيقة, وأن تكون في مواجهة كل السلطات التي تحدّ من ديموقراطية المستقبل – على حد تعبير جاك دريدا – يغدو ناطقاً باسم القتلة من قوات النخبة والشبيحة ورجال الأمن الذين ما فتئوا منذ ثلاثة أشهر يلاحقون الشبابِ السوري وذويه بعمليات تقتيل واعتقال و تعذيب يومية, مشينة وجبانة وفي منتهى الوحشية.

 لكن لحظة الأستاذ الجامعي ليست بدون سياق, وليست مبتوتة الصلة بتاريخ مديد من التسلط والبطش الرهيب, مارسه النظام الذي يتكلم الدكتور باسمه ويحامي عنه. عشية مجزرة ارتكبتها قواتُ الوحدات الخاصة في مدينة حماه – فجر 24 نيسان 1981 – , ذهب ضحيتها أكثر من 450 مدني بريء, أخرجوا من منازلهم وأُعدموا على عجلٍ ؛ صرّح الجنرال - علي حيدر- ,قائد الوحدات الخاصة آنذاك, لصحيفة محلية بأنه أوشك على أن يدمر– حماه- ويبيد أهلها جميعاً, لولا بقية حب يكنّه للمدينة التي قضى فيها ردحاً من زمن الصبا !!. وفي السنة التالية قطعت قوات النظام شوطاً كبيراً في تنفيذ تهديد الجنرال حيدر. إن الأنظمة الديكتاتورية الفاشستية لا تفكر بالحشود إلا بوصفها عبيداً أو ضحايا. والضابط والمثقف, كلاهما , إذ يغادر وظيفته داخل الدولة, ويرتهن لخدمة النظام التسلطي و المتطلبات القمعية للاستئثار بالسلطة , يمارسان الدور نفسه في إهابَيْن مختلفين.

 كلاهما, الأستاذ الجامعي والجنرال, إذ يتكلمان عن حرب إبادة ضد المواطنين, يسعيان إلى تأكيد قوة النظام واستعداده للبطش بدون حدود للدفاع عن وجوده. لكنهما يجهلان أو يتجاهلان حقيقة أن مثل هذا الاستخدام للعنف الدموي دليل ضعف لا دليل قوة, لأنه يعكس افتقاد النظام للشرعية السياسية والدستورية , وذعره الشديد من المجتمع عند أول مبادرة احتجاجية يقوم بها للمطالبة بحقوقه ومساءلة السلطة عن شرعيتها. من هنا نلاحظ أنه كلما ضاقت دائرة النخبة الحاكمة – من حزب إلى طائفة إلى عائلة – وازدادت شراهتها إلى احتكار السلطة و شخصنتها, أي كلما نأت عن الشرعية الدستورية والمشروعية السياسية ؛ كلما ازداد توسلها بالعنف واعتمادها على الحل الأمني القهري, لمواجهة الحراك السياسي للمجتمع.

 لقد بدا واضحاً, ومنذ الأيام الأولى لثورة الشباب السوري, أن النظام يعتمد الحل الأمني الدموي أساساً لمواجهة المطالب الشعبية. وقد تصاعدت حدة البطش ودمويته مع تصاعد الاحتجاجات واتساعها. إن أكبر تظاهرة تم حشدها خلال الاحتجاجات الأخيرة, في حماه – جمعة أطفال الحرية- قوبلت من النظام برفع مستوى البطش الدموي إلى أعلى نقطة وصلها حتى تاريخه, مما أسفر عن سقوط أكبر عدد من الشهداء في مكان واحد منذ بدء الاحتجاجات. معادلة واضحة وثابتة يتبعها النظام : مزيد من اتساع المطالبة بالإصلاح ومن الحراك السياسي للمجتمع, يقابله مزيد من العنف المتوحش, والمنفلت من كل معقولية وتصور.

 لكن اللافت أن النظام السوري كان يسعى منذ بداية الاحتجاجات إلى إعطاء ردوده الدموية على الاحتجاجات السلمية طابع القوة المشروعة التي تمارسها الدولة الشرعية, وذلك من خلال ادعاءين صفيقين و مكشوفيْن ادعتهما السلطة. الأول: وجود مندسين ومجموعات إرهابية مرتبطة بالخارج وتمتلك كميات كبيرة من السلاح والذخيرة, تروع المواطنين وتعتدي على مؤسسات الدولة وتقتل المحتجين و رجال الأمن. الثاني: استخدام الإعلام الرسمي والموالي كمنبر لاستغاثات مزعومة يطلقها المواطنون بلهفة وفزع, ويطالبون فيها بأن يسارع الجيش والقوى الأمنية إلى حمايتهم من المجموعات الإرهابية التي تعيث فساداً وترويعاً في البلاد.

 الادعاء الأول يُقصد منه تبرير عمليات القتل البشعة بحق المحتجين, كما يسمح بنسبة الجرائم الفظيعة التي تقوم بها الأجهزة الأمنية مسنودة من الفرقة الرابعة وقطعان الشبيحة, إلى المندسين والمجموعات المزعومة. والجرائم التي أقصدها هنا تشمل قتل المتظاهرين المدنيين, والعسكريين ورجال الشرطة الذين رفضوا الانصياع لأوامر قادتهم بإطلاق النار على المواطنين في مختلف الأمكنة التي شهدت الاحتجاجات السلمية, فتمت تصفيتهم فوراً, بقسوة بالغة وحقد كبير.

 أما الادعاء الثاني فهو محاولة من السلطة لإظهار إجراءاتها الدموية الفاشستية, من قتلٍ بدون رحمة, وسفك للدم بدون تردد, كإجراءٍ مشروع ومتفق عليه ويحوز على الإجماع من قبل المواطنين. ويظن عباقرة السياسة الإعلامية للنظام أن هذا الادعاء سيعطي الانطباع بوجود فريقين في سوريا : الدولة والشعب والمؤسسات من جهة, والمجموعات المسلحة الخارجة على القانون, من جهة ثانية!! وهو ظن بائس مكشوف, فضلاً عن أنه يعكس سيطرة فكرة الحل الأمني من خلال القتل والتنكيل, على عقلية النظام.

 كل تحرك تقوم به القوى الأمنية والعسكرية باتجاه مدينة أو منطقة في سوريا, لقمع الاحتجاجات والتنكيل بالمتظاهرين , كانت تسبقه توسلات من المواطنين مفادها ضرورة إسراع الجيش وقوى الأمن إلى فرض( القانون ), ونجدة المواطنين, والضرب بيد من حديد – تكررت هذه الصيغة المتفق عليها عشرات المرات – على كل من يهدد أمن الوطن والمواطنين. إن السلطة تحاول هنا الإيحاء بوجود الدولة من خلال التذكير بوجود – شعب يطالب – و – جيش يستجيب لدوره في حماية الشعب - . أجهزة الدولة و وظائفها الطبيعية تُستخدم هنا , وبطريقة نموذجية في التزييف والكذب الصفيق, تماماً ضد فكرة الدولة المجردة كتمثيل قانوني شرعي لحماية المجتمع.

 استخدم النظام السوري الادعاءين المذكورين, بشكل مركز وقوي, في سياق تبريره المكشوف للمجزرة الفظيعة التي ارتكبتها القوات الأمنية في جسر الشغور يوم السبت 4 حزيران , وكتمهيد للعملية العسكرية الواسعة والمشينة بحق المواطنين هناك والتي بدأت منذ مساء يوم الاثنين 6 حزيران. وسوف أستعرض الآن تفاصيل هذا الاستخدام و وقائعه, أملاً في تعرية وكشف حقيقة البنية الإجرامية الفاشستية لهذا النظام, والتي عبر عنها كل من الأستاذ الجامعي والجنرال المتعجرف. و لا بد هنا من الإشارة إلى ما صرّح به ضابط أمني كبير وأحد رجال النظام الذين قادوا ترتيبات الحل الأمني المتبع في سوريا حالياً, تعليقاً على الأحداث الأخيرة في جسر الشغور وجبل الزاوية؛ حيث قال: سنجعل من جبل الزاوية وادي الزاوية ؟؟! . إنه السياق نفسه الذي ينتمي إليه الأستاذ الجامعي والجنرال الهمام علي حيدر !! .. سياق قهري استبدادي لا يجيد سوى لغة الدم والإلغاء بحق الشعب الأعزل.

 * * *

 إن الوقائع التفصيلية لما جرى في جسر الشغور يوم السبت 4 حزيران ليست متوفرة بالكامل بعد, لكن المؤكد أن مجموعة من قوات الأمن والجيش والشرطة في المنطقة انحازت إلى المواطنين ورفضت تنفيذ الأوامر التي وجهت إليهم بتنفيذ مجزرة بحق السكان. لقد تمت تصفية عدد كبير من هؤلاء المتمردين, واستخدمت في سبيل ذلك طائرة مروحية, بينما التحق الناجون بالمواطنين.

 خلال اليومين التاليين كان على النظام وقياداته الأمنية العليا المتبنية للحل الأمني كخيار وحيد لمواجهة الاحتجاجات؛ أن تفكر في السبيل الدموي الأنسب لمواجهة الوضع الخطير الذي نشأ في جسر الشغور وجبل الزاوية, وتُعدّ العدة لتوجيه ضربة استئصالية قوية للمحتجين هناك ومعهم العناصر المتمردة التي نجت من مجزرة يوم السبت. واستنفر الإعلام الرسمي و معه قناة الدنيا لنسج غطاء إعلامي وإرسال خطاب تضليلي وتحريضي, اعتماداً على الادعاءين المذكورين, في سبيل مساندة العملية العسكرية القذرة.

 لقد شكلت أحداث جسر الشغور تحدياً خطيراً للسلطة, و إنذاراً واضحاً بضرورة الانتقال إلى مستوى جديد من القمع الدموي, عبر عملية واسعة تقوم بها الفرقة الرابعة وقوات النخبة, ممن يشكلون أكثر العناصر ولاء ودموية وتجهيزاً, مما فرض التهويل الإعلامي في عرض الادعاءين الأول والثاني, كما سنبين فوراً .

 أولاً : تواترت الأنباء من خلال الإعلام الرسمي ونصيرته قناة الدنيا, خلال يومي الأحد والاثنين, عن قيام مجموعات إرهابية مسلحة بالاعتداء على قوات الأمن في منطقة جسر الشغور وجبل الزاوية, مما أدى إلى مقتل أعداد كبيرة من هذه القوات – تم التصريح بالعدد النهائي على مراحل مع تسارع ارتفاع العدد حتى وصل إلى 120 قتيلاً - . وفي مساء يوم الاثنين 6 حزيران, وبينما كانت قوات من الفرقة الرابعة تستعد للتوجه إلى جسر الشغور ومنطقة جبل الزاوية, لتدارك الوضع الخطير هناك, أطلّ كل من وزير الداخلية و وزير الإعلام في حكومة النظام, ليعلن كل منهما عن النية باستخدام القوة بحزم ضد المعتدين على القوى الأمنية, وعدم التهاون مع الذين يهددون أمن الوطن والمواطنين. كان واضحاً ذعر السلطة مما حدث في جسر الشغور, والانفعال الذي عكسته كلمتا الوزيرين, يشي بغضب شديد لدى قيادات الحل الأمني التي كانت تنظر إلى ما حدث في جسر الشغور بمزيج من الذعر واللؤم.

 في سياق تشغيل الادعاء الأول – وجود تنظيمات إرهابية مسلحة – سعى النظام إلى تأكيد اتهامه للتنظيمات المزعومة, بأنها هي من ارتكب مجزرة السبت وكل الأعمال المروعة التي قامت يها قوات النظام في جسر الشغور في ذلك اليوم الدموي, هذا من جانب, لكن الجانب الأخطر أنه كان بذلك يمهد لتغطية مسبقة للأعمال الفظيعة التي قرر النظام تنفيذها لاستئصال الوضع الخطيرهناك. والصيغ التالية للأخبار التي أطلقها إعلام النظام – لفظاً وكتابة عبر الشريط الإخباري – خلال يومي الاثنين والثلاثاء, أي أثناء توجه القوات إلى جسر الشغور, توضح هذا الأمر:

 * التنظيمات الإرهابية المسلحة ترتكب في جسر الشغور مجازر وتمثل بالجثث وتختطف تحت قوة السلاح عدداً من الجثامين.

* التنظيمات المسلحة في جسر الشغور دفنت الجثث بعد اختطافها لتصويرها كمقابر جماعية واستغلالها إعلامياً فيما بعد ( !!؟) .

* أفراد التنظيمات المسلحة يستخدمون سيارات حكومية ( !!؟ ) و يرتدون لباساً عسكرياً (!!؟) ويقومون بالقتل والتخريب.

* أفراد التنظيمات المسلحة يروعون الناس ويصورون بعضهم بعضاً استباقاً لدخول الجيش (!!؟), واستخدام الصور (!!؟) للنيل من سمعة الجيش ومهمته الوطنية.

 ترافق إطلاق هذه الصيغ الملفوظة والمكتوبة مع عرض صور صادمة وقاسية – بتعبير المذيع في القناة الرسمية – لجثث القتلى الذين سقطوا على يد التنظيمات المزعومة.

 ثانياً : منذ مساء يوم الاثنين, أي أثناء بدء تحرك قوات النخبة إلى جسر الشغور, بدأ إعلام النظام يرسل نداءات استغاثة, باسم المواطنين, إلى الجيش كي يسارع للتدخل لحماية السكان والقضاء على التنظيمات المسلحة :

 * المواطنون في ريف إدلب يناشدون الجيش للتدخل لحمايتهم من التنظيمات المسلحة وإعادة الاستقرار لمدنهم وقراهم.

* وجّه الأهالي نداءات استغاثة لتدخل الجيش .

 وفي هذا السياق صرح وزير إعلام النظام مساء الاثنين : قوات الجيش تتحرك بعد نداءات استغاثة من السكان لوضع حد للتنظيمات المسلحة.

 في المساء نفسه استضافت قناة الدنيا ثلاثة ضيوف في برنامج مباشر يتناول الوضع في جسر الشغور, والعملية التي باشرها الجيش استجابة لاستغاثات المواطنين وتوسلاتهم. وخلال البرنامج كانت اتصالات المواطنين الهاتفية لا تهدأ وجميعها تطالب بتدخل الجيش. و خص مخرج البرنامج الرسائل القصيرة SMS التي تصل تترى إلى البرنامج من المواطنين؛ بشريط لا يفتأ يمر ويتكرر حاملاً الاستغاثات المذعورة والإدانات الغاضبة.

 وقبل أن أستعرض نماذج من صيغ الرسائل القصيرة أود أن أشير إلى أن هذه الرسائل جميعاً تكرر الكلمات نفسها, والصيغ التركيبية نفسها, والمعاني نفسها. وجميع ذلك مما يذكرنا فوراً بالتوجه الدموي الاستئصالي الذي عبر عنه الأستاذ الجامعي والجنرال حيدر والجنرال الأخير الذي أراد تغيير تضاريس منطقة الزاوية. إن الرسائل القصيرة التي عرضَتْها قناة الدنيا في تلك الأمسية الرهيبة, مع بلاغة الضيوف في البرنامج المباشر على الهواء, وهي بلاغة مفتعلة تحملها لغة تشي بترهل الفكر ووحشية الفعل؛ إن ذلك كله لم يكن أكثر أو أقل من الكلام الذي تداوله قادة القمع الدموي في غرفهم المغلقة, غداة إخبارهم بنبأ التمرد الذي قام به جنود أحرار رفضوا قتل المحتجين المسالمين, من أخوتهم وأبناء بلدهم المكلوم . وبعض الرسائل التي سأعرضها فوراً تتحدث بشكل حي عما حدث بالفعل يوم السبت في جسر الشغور, من ناحية, وترسم الخطوط العريضة لما أزمع القادة الأمنيون على ارتكابه بحق الشعب, من ناحية ثانية.

 * نرجو من السيد الرئيس فرض حالة الطوارئ والضرب بيد من حديد لأن صبرنا نفد و ما عاد نصبر .

* كفانا تقصير.. يجب سحق كل خائن فوراً.

 * أسود الأرض قادمة.. ستسحق رؤوسهم الخائنة.

 * لا بد من التدخل السريع وشن حرب بكل مقاييسها على هؤلاء الكفار.

 * وين ( أين ) الطيران؟ وين القصف؟ أقصفوهم و لا تبقوا منهم أحداً, مع الذخيرة التي سرقوها (!!؟) .

 * بدنا ( نريد ) نسمع صوت الطائرات, بدنا نسمع هدير المروحيات, بدنا نسمع صوت النفاثات.

 * يا جيشنا العظيم لن نرضى إلا أن تسحقوهم كالكلاب الشاردة للخونة المجرمين.

 * الحل مع هيك حثالة الرصاص وبس.

 * أضربوا بيد من حديد بالطائرات ..

 * أقصفوا الخونة في جسر الشغور بالطائرات النفاثة وكافة أنواع الأسلحة , أمحوهم من الوجود فهم لا يستحقون الحياة ..

 * نريد ضرب الخونة فوراً وليذهب الرأي العام الدولي إلى الجحيم..

 * يجب على الجيش أن يقصف الخونة ويعدم من تبقى منهم.

 * نرجو التريّث بالإصلاحات حتى ننظف البلد من هالكلاب .

 * سيدي الرئيس أعطِ أوامرك بتحرك جيشنا لسحق هؤلاء ولو كل العالم بدو يصور..

* * *

 نشأ في سوريا, وعلى مدى أربعين عاماً, وضع غريب ونادر, يتمثل في سيطرة النظام سيطرة كاملة على الدولة, واستباحة أجهزتها ومؤسساتها و وظائفها , وتسخير كل ذلك من أجل تأبيد سيطرة النظام على المجتمع واستثاره بالحكم, مع إلغاء كامل وشامل للحقوق السياسية والدستورية للمواطن. وقد استدعى تقليص دائرة النظام, حتى وصلت إلى عائلة بعينها, مع هوامش من الأقرباء والأزلام المنتفعين؛ تحول النظام إلى واحد من أكثر الأنظمة قمعاً وفساداً وقدرة على ممارسة الإبادة – بما تعنيه الكلمة – بحق المعارضين أو حتى المحتجين سلمياً. كما استدعى ذلك مزيداً من تشديد النظام قبضته على الدولة و وظائفها وأجهزتها, ليعيد من خلالها إنتاج طاقته على الاستمرار, وتأمين روافد داعمة إعلامياً وإيديولوجياً وقمعياً, لوجوده المشوه وغير المعقول.

 وهكذا تحولت الجامعة إلى فضاء لتبرير الإبادة, بل الدعوة إليها والتحريض عليها, وتحول الجيش إلى محترفي قتل للسكان الأبرياء, ومختصين بارتكاب المجازر بحق المدنيين. وتحول البرلمان إلى مجموعة من الإمعات الذين يمثلون أفرع أمن النظام ورجاله من أصحاب المال والسلطة الأمنية. وتم تعطيل النظام القضائي, وإشغال رموزه وأجهزته بمكاسب دنيئة, بينما المواطن يسعى عارياً إلا من خوفه, لا أحد يحميه باسم قانون أو عدالة أو بصرخة حق في أروقة المحاكم التي عطلها قانون الطوارئ من جهة, والفساد الفظيع المشين من جهة ثانية. أما الإعلام فقد كرس نهجاً يجمع بين الصفاقة والتخلف والتضليل المستمر, مع ضعف كبير لناحية التأهيل و تقنيات التوصيل والتواصل. و لا أجد أبلغ من الشعار الذي رفعه المواطنون المحتجون والذي يقول: الإعلام السوري كاذب ...كاذب....كاذب.

 وهكذا تحولت مرافق الدولة ( المستشفى, المدرسة, مبنى البريد, الملعب الرياضي..الخ) إلى فضاءات لممارسة القتل والتصفية والتعذيب, ينطلق منها, ويقف على أسطحتها القناصة المرتزقة الذين وزعهم النظام في كل مكان لترهيب المحتجين, واصطياد شباب سوريا الذين تظاهروا مطالبين بالحرية والكرامة, وبعودة دولتهم إليهم بوصفها " دولة مجردة تمثل المجموع الاجتماعي والحق العام " على حد تعبير عبد الإله بلقزيز.

 لا يمكن لأستاذ جامعي , أو لجنرال في جيش نظامي, أن يتجرأ على الدعوة إلى إبادة الشعب, بل على تنفيذ ذلك فعلاً, أو تبريره قولاً وتنظيراً بائساً؛ إلا في ظل دولة شبه منهارة , يحتكرها نظام تسلطي مذعور, لا يرتوي من دم شعب مسالم يتطلع إلى غد أفضل.

====================

من تحت الرماد

د .عبد الكريم بكار

لم يكن يخطر في بال أحد أن يصنع السوريون ثورة مكتملة الأركان، وذلك لأن القهر الذي مارسه النظام ضدهم عبر ما يقرب من نصف قرن كان فظيعاً، فاليأس من التغيير والإصلاح كان بحجم التعذيب الرهيب الذي صُبَّ على أجسادهم. الأسباب الأخلاقية والقانونية والإنسانية للقيام بتغيير جذري كانت موجودة، لكن النفوس كانت محطَّمة، كما أن الوسائل كانت شبه معدومة، لكن الله نفخ في ذلك الشعب روحاً من روحه، فإذا به ينتفض من تحت الرماد والركام ليكسر الأصنام، ويجهر باسم الله عالياً في كل مكان .

السوريون يُولدون من جديد وصرخاتهم في الشوارع مثل صرخات الوليد، تؤذن بانبعاث حياة جديدة مملوءة بالعزة والكرامة والحرية والأمل على الرغم من الثمن الباهظ الذي يدفعونه بسبب خروجهم من بيوتهم.

يؤمن كثير من السوريين اليوم أن النظام المستبد الظالم لا يؤسس لنهضة، ولا يحرر أرضاً أو يحمي عرضاً، إنه نظام يقوم على اصطياد المنافع وجمع الثروات لمن يدورن في فلكه، ويقدمون له الحماية، ومن ثم فإنهم يعتقدون أنه إذا كان آباؤهم قد ضحوا بعشرات الألوف من رجالهم من أجل تحقيق الاستقلال اليوم وطرد المستعمرين، فإن عليهم أن يكونوا مستعدين لتقديم ألوف الرجال أيضاً من أجل تحقيق الاستقلال الثاني، ويقولون : إن هذا الاستقلال أهم من الأول ، لأنه ليس تحريراً للأرض، ولكنه تحرير للوعي والعقل والروح من أَسر طويل وتشويه مديد، وإن كل المؤشرات تؤكد على أن الناس مستعدون لدفع ذلك الثمن، بل إنهم شرعوا في دفعه فعلاً، ولفتوا بقدرتهم على التضحية أنظار العالم . الثورة السورية بدأت تؤتي ثمارها في تغيير النفوس حيث نجد أن الناس يعيشون حالة من التلاحم والتعاون لم يشهدوا مثيلاً لها منذ أجيال، وهذا التلاحم يصل إلى حد تعريض بعض الناس نفوسهم للخطر من أجل أشخاص آخرين لا يعرفونهم، وهذا ما نلمسه اليوم حيث تنتفض قرية في شمال سورية لتخفف ضغط بطش رجال الأمن عن أهل قرية في جنوبها ، وتلك الانتفاضة يكون ثمنها أحياناً القتل ونهب البيوت وحرق المحاصيل ...

إنني موقن بأن هذه الثورة بدأت ببناء الإنسان السوري من الداخل تمهيداً لبناء سورية الجديدة : سورية الحضارة والمجد والإباء؛ وما ذلك على الله بعزيز

=========================

لحزيران أنينه وأنّاته..

جلال / عقاب يحيى - الجزائر

لحزيران أنينه وأنّاته، طعم المرار العلقم الذي لم تشتلعه العقود، ألم الفشل الكلوي حين تهاوت الأحلام وفرّت الآمال ففرشت الجرثمة حواضنها الخصبة وراحت تنهش الجميل في الأمنيات، والأصيل في المبادئ، والثوابت في الأمة.. ففرّخت طروح الهزيمة أولادها اللقطاء، ثم تربعوا على صدر الوطن فخنقوا احتمالات نجاح مشروع النهوض والحداثة والتوحيد والدقرطة، وعادوا، وأعادوا قرون التخلف والفوات بصبغات العصر..ووسائل الفتك المستوردة التي امتزجت بموروث الشرق في الاستبداد، وتصفية الآخر، وتحويل الأوطان إلى ملكية خاصة ..

كنا شباباً نمور بالأماني، وفلسطين الشريان والأبهر، الانتظار والفجر الأكبر، وفلسطين السواقي والكاشف، وصخب الدبابات والعسكر تمتطي الإذاعة والتلفزة للبيان الأول الذي يعد بتحريرها من الماء للماء.. فتموج العواطف، وتنتشي البدوية تحرق منطق موازين القوى، والمعادلات الإقليمية والدولية، وحتى الاستبصار والمعرفة في معرفة العدو وقواه، مخططاته واستناداته الفعلية التي تتجاوز شعاراتنا الفياضة عن الكليشيهيات المكررة.. فتمطر الدنيا أشعار الوعد، وبيانات النصر والتحرير..

ورغم ادعاء الوعي.. ويافطات النخبة، والنوعية، واليسار اليختلف عن اليمين، واليسار الرافع عبء التحرير مهمة أساس في جدول أعمال مشقلب، كانت أطنان الأغاني الحماسية الملتهبة تحرق الحماس فيندلق في أتون القادم : انتظاراً للوعد الأمل.. وفلسطين على مرمى حجر، وفلسطين تنتظر بوارق السيوف التي تعد أن تسلّ وتلمع في يوم قريب ..

وازدحمت الدنيا في أيام قلال، واعتلى عبد الناصر يافطة الحدث، والليل يواصل لياليه بحثاً عن فجر الالتحام.. وكان الذي كان ..وكان أحمد سعيد عنواناً.. مثلما كانت الجبهة السورية فضيحة .. بل صفعة الصفعات..فطريق الأسد إلى التأبيد ... تصوروا ؟؟!!!! ..

 ********

استنفرنا، وحملنا بنادق قديمة وبالذهن المراهق أنهم قد يتواجدون حيث رقعة سورية، حتى ولو على حدود البادية، وفي حماة.. وسلحنا الناس، أو عديدهم..وهات يا أغاني، وهات يا مواويل.. ويا صخب التظاهر الذي احتاج كميات كبيرة من سكر نابات لتهدئة حناجر مبحوحة لا تملك غير الهتاف والدبكة.. وتحمية العواطف.. وكان الذي كان ..

البلاغات العسكرية المصرية تدمر معظم الطيران الإسرائيلي، فتنسج على منواله أجهزة الإعلام السورية، ويلتحق الأردن بمهرجان النصر الإذاعي.. فتكثر حلقات الدبكة، ورشّات الرصاص المبتهج بدعوة الشاعر يوسف الخطيب الشعب العربي برمته في عزومة في فلسطين المحررة ..

يتسلل الأسوَد تضارباً بالأخبار تتناقلها وكالات الأنباء الأجنبية، خاصة إذاعة لندن.. فيضطرم الانفعال..وينتشر دخان الوجوم والرهبة...ثم تلقي الحقائق الفاجعة بثقلها على القلب والعقل.. ينتحر كثير، ويجن كثير، ويفقد أعصابه كثير.. وحين توافق الحكومة السورية على وقف إطلاق النار في البيان التاسع نلقي بأسلحتنا أرضاً..ونتمرّغ بالانفجار الذاتي.. وحين يجيء البيان العاشر الذي يتحدث عن تجدد القتال تزهو بدويتنا فنهرع إلى أسلحتنا وكأننا في الجبهة فعلاً ..فيفخر الفخر ب"قتال الشوارع في القنيطرة من بيت لبيت" وتلك الخطب عن اشتباك بالسلاح الأبيض.. وعن وعود الهجوم المعاكس.. فبيان احتلال القنيطرة.. فالانسحاب الكيفي.. فخطاب التنازل من عبد الناصر.. فالهزيمة الكارثة التي اختلفوا على تسميتها وأبى العقل العربي الاعتراف بواقعها فهرب إلى التخفيف باعتبارها نكسة، أو وكسة، أو جولة، أو كبوة.. بينما كان تنّينها ينخر العظام، ويأكل الخيّر في مشاريع المحاولات ليعتلي الارتداد صهوة الزمن المهزوم .. ف"يحرر الإرادة" السجينة في مستنقع الأخدود ..

 ******

آلاف الكتب والدراسات والمقالات تناولت الخامس من حزيران، لكن الأكيد الأكيد أنه بالإضافة إلى ما مثله من كشف فاضح لبنية العقل العربي الحاكم وغيره،بفواته، وتخلفه، وأحاديته وسطحية وعيه .. فإنه كان المنعطف فعلاً لتحولات نوعية باتجاه انحداري، كان الارتداد عنوانه العريض، والضيّق.. وكانت الوفاة الفجائية لعبد الناصر التدشين الرسمي ..

 وزير الدفاع وقائد الطيران اللواء حافظ الأسد.. يعتبر في قانون وعرف الجيوش والدول المسؤول الأول المباشر عن الهزيمة وعن تلك الفضائح التي واكبت مسار الأيام الستة على الجبهة السورية، بدءاً من التأخر في المشاركة الفعلية بالحرب، كما كان الاتفاق ينص "في القيادة العربية المشتركة"، ووقوفاً عند أبرز العناوين : الخرق السهل في القطاع الشمالي، وهو المنطقة الأكثر تحصيناً في عموم جبهتنا الحصينة، ورفضه محاسبة قائد اللواء المسؤول الذي هرب وترك لواءه لرحمة الفوضى، وإعلان احتلال القنيطرة قبل احتلالها بنحو /17/ ساعة، فقرار الانسحاب الكيفي الذي شتت الجيش السوري ، فدبّت الفوضى فيه، حيث باتت دمشق مكشوفة أمام العدو ، وعدم تنفيذ الهجوم المعاكس المفروض ..

 القيادة العسكرية في هذه الحالات يجب إقالتها بداهة لانعكاس الهزيمة عليها، ولدورها فيها.. وهو الأمر الذي لم يحصل ضمن التباسات عجز القيادة السورية عن اتخاذ القرار في " الاجتماع المشترك" للقيادتين القومية والقطرية للبعث الحاكم"..عبر انتصار عقلية التضامن وبوس اللحى.. وهو الاجتماع الذي شكل مفصلاً بارزاً في إعداد حافظ الأسد لتكتله العسكري الفئوي الذي سينقلب به على الحزب ورفاقه بعد عامين ونيّف من هذا التاريخ .

على العكس.. جرى ترفيع الأسد إلى رتبة فريق، وبات قوة ضاربة في وزارة الدفاع والطيران، وتحت تصرفه أموالاً طائلة يوظف كثيرها لصالح مشروعه الخاص وتقريب الضباط وحل مشكلاتهم الشخصية وربطهم به.. بينما لم تفلح القيادة في محاسبة المقصرين والمتخاذلين.. الذين ضمّهم الأسد إلى كتلته وباتوا بعض فرسان انقضاضه" التصحيحي" .

 ******

جرثمة الهزيمة كانت تفتك بالسلطة والحزب والبلد فتتسلل بقوالب وأشكال عديدة،والأسد ينمّي نزوعه النهم للسيطرة على الحكم، وسط صراع سياسي محتدم تمحور حول : خط القبول بالنتائج السياسية المباشرة للهزيمة المتمثلة بالقرار الأممي /242/ الصادر عن الأمم المتحدة، والذي يعكس موازين القوى فيها وعلى الأرض، وروحيته التي تكرّس الاعتراف بشرعية الاغتصاب الصهيوني لفلسطين التاريخية ،والاقتصار على العودة لحدود الرابع من حزيران، ومسخ فلسطين بالضفة وقطاع غزة، وكذا عمليات الاعتراف والتطبيع والحدود الآمنة وغير ذلك (من ذكريات تلك المرحلة )..

والخط الرافض للتسوية والإصرار على تحرير فلسطين عبر ما يعرف ب"حرب الشعب طويلة الأمد" ووسيلتها الكفاح المسلح" حرب التحرير الشعبية".. وتوزع المواقف العربية بين هذين الخطين، وكان الأسد، بالطبع، في الاتجاه الأول(وهو ما يفسر في بعض وجوهه كمّ الدعم الكبير الذي قوبل به انقلابه عربياً ودولياً، كما يفسر تحالفاته العربية والدولية وما عرفته من محطات بارزة كالدخول إلى لبنان لضرب تحالف الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية عبر اتفاق كان راعيه ومهندسه الصهيوني كيسنجر).. فمجازر أيلول في الأردن ضد الثورة الفلسطينية وقرار القيادة السورية الجريء بالتدخل المباشر لنجدة المقاومة منعاً لذبحها، وتلكؤ الأسد أياما بحجج واهية، وانفجار الدكتور الشهيد نور الدين أتاسي رئيس الدولة الأمين العام للحزب ب" نزع الموس من الحلق" وقول الحقائق للشعب وهو يعتلي الأكتاف في تظاهرة شعبية في الجامعة، ثم عدم تغطية القوات التي دخلت الأردن بالطيران..مما أضعف فاعليتها.. فالوفاة الفجائيةلعبد الناصر وهو يودّع أخر وفد حضر القمة التي قاطعتها القيادة السورية .

 *****

الأكيد أن المجال لا يسمح لنقد تلك الفترة وفجواتها، خاصة لجهة الأحادية والشمولية، ورفض الاعتراف بالآخر الحزبي، ورفض إقامة جبهة واسعة مع القوى السياسية، أو لجهة فيض الشعارات الكبيرة التي لا تتناسب والظروف والإمكانات، أو لجهة طريق تعامل القيادة مع التكتل العسكري مذ ظهرت بوادره، أو صيغة " الديمقراطية الشعبية" المعلبة .. لكن الأكيد الأكيد، وبكل موضوعية، أن انقلاب الأسد العسكري الفئوي على أعلى مؤسسة حزبية قد دشّن مرحلة نوعية في سورية، والمنطقة أيضاً، مختلفة عن سابقاتها، إن كان لجهة مشروع البعث ومحاولات بنائه ليكون قوة قائدة وليست تابعة، ومشروع النهوض العربي، والخط اليساري، الوطني، والمقاوم، ومفهوم القيادة الجماعية، ورفض الفرد القائد..والذين كانوا أول الضحايا، وفراش الانتقال إلى الفرد المطلق، والنظام الكلي المغلق.. لتنتقل بلادنا إلى مملكة الرعب في نظام الاستبداد الشمولي، وإلى اعتبار النظام ومصالحه القيمة العليا التي يجب الحفاظ عليها بكل الوسائل، بما في ذلك المقايضة والمساومة بكافة القضايا، وتجميع الأوراق للعب والتوظيف .. وامتهان الشعب والتعامل معه كالحشرات .

وعندما نقول النظام، فإننا نعني بواقع الحال : الفرد القائد، شبه المقدّس.. الذي اختصر الدولة، والنظام، والحزب الذي مرّغه، والمؤسسات كلها بشخصه، ومنه إلى الدائرة الضيّقة ومن يرضى عنه.. ثم الانتقال من الطابع الجمهوري إلى ما يشبه التوريث المفروض الأقرب إلى الملكية، والمعزز بالأجهزة الأمنية، ونهج القمع الشمولي، والتخويف، والترويض والتدجين، والتعليب، والتهميش..ليصبح البلد كمشة لكمشة من العائلة والأقرباء والحواشي والمقربين ..

 

 ******

ولأن نتائج حزيران بعيدة الغور، متراكبة، ومتواصلة.. يكفي أن نقرأ آخر يومياتها في المسرحية الأحدث التي يقوم بها النظام تجاه الأرض المحتلة، كعملية التفافية، تكتيكية واضحة الخلفيات والأهداف.. بينما لم يحرّك نملة باتجاه الجولان لنحو أربعة عقود، ولم ير شعبنا دبابات جيشه الوطني سوى في شوارع المدن تقصف وتقتل الثائرين المنادين بالحرية، وبإسقاط هذا النظام ..

النظام المأزوم بفعل إرادة الشعب، المكشوف الجوهر، القاتل الذي يقابل حركة الشعب بالرصاص الحي، وقصف الدبابات وطائرات الهيلوكبتر يعرف أنه ساقط موضوعياً، وأن الشعب أدخله الحلقة الأخيرة من عمره، وأن لا نجاة له بعد كل الجرائم التي اقترفها.. لذلك ينسج اليوم حكاية الوفود الشعبية الزاحفة نحو أرضنا المحتلة، ولا مانع لديه أن يسقط الشهداء بالآلاف.. لأن المهم عنده أن يصرف الأنظار، علّ ذلك يمرر أزمته مع الشعب، ويمنحه هوامش جديدة، خصوصاً وأن اللعب على حبال الوطنية والجولان تستدر شهية التعاطف، وربما تصوّر أنه بذلك يفك خناقه.. لكن هيهات ..

هيهات لأن هذه الخطوة متأخرة مثل غيرها، ولأن النظام لو أقدم عليها في الظروف العادية، بدلاً من إجاباته الدائمة على اعتداءات إسرائيل المتكررة" الرد في الزمان والمكان المناسبين"لكان يمكن فعلاً أن تلقى استحسان واستقطاب شعبنا، أما وأنها تجيء وسط حمامات الدم المتنقلة التي تشهدها عديد المدن والمناطق والقرى السورية.. فإنها ممسوخة، مفضوحة ..

==========================

أمير سلفي جديد وإمارة جديدة

إبراهيم اليوسف

elyousef@gmail.com

إلى ثامر في مرقده

عشية "جمعة جديدة" يراقبها بلهفة

ما أكثر العلامات المميزة التي يمكن وضعها، للثّورة السورية من جهة، ولاستشراس النظام من جهة أخرى، إذ باتت لكل من الطرفين، علامته الفارقة، وإن كان في النهاية، شتان ما بين هاتين العلامتين، علامتي القاتل والشهيد.

 ولعلّ أوّل ما يمكن أن يحسب للثورة، هو أن الطفل السوري، انخرط فيها، رافعاً ما يلزم ثورته، من ورود، وأغصان زيتون، وذلك لأنه أوّل من كان قد بدأها في مدينة درعا البطلة، حين كتب عبارته الموجزة، على جدار المدرسة، لتزلزل كيان النظام، وترتعد فرائصه، ويفقد صوابه، وهل كان يملك الصواب أصلاًًًً، من جرّاء دلالات ما دونه هذا الطفل، ببراءة، مسطّراً بذلك بداية تاريخ سوريا الجديدة، ومجدها، الأبقى، ليجعل هذا النظام يتصرّف بهستيريا- وهو المختصر في سوط، وزنزانة، وتهمة، مدبّرة، وقاض، ينتظر الإشارة ،عبر جهاز الخليوي، صوتاً، أو رسالة sms وكرسي للتعذيب، ورصاصة، وإعلامي كاذب، يعمل بحسب "الريمونت كونترول"، يدافع اليوم عن النظام، في منبر، سيشتمه عبره، إن أتيح له المجال، مع أن الطفل هو من سيدفع الضريبة، بأكثر، لتقتلع أظافره، ويتمّ اعتقاله"، مارداً سياسياً، وهو الذي يسمح له في الدول التي تحترم حكوماتها نفسها بتمزيق صورة الملك، أو الإمبراطور، أو الرئيس، كي يضحك المعني نفسه، للمنظر- أياً كان- كي يراجع نفسه سائلاً: لم لا يحبني الطفل، وهو "باروموتر" البراءة، والصدق، والطهر، والشفافية؟، فمن يصدق أن يتمّ اعتقال الأطفال ، الأكباد- كما قال بدوي الجبل- أو الفلذات، لمدد طويلة، بعيداً عن صدور أمهاتهم، حتى نفد بعدها صبر آباء، دخل أبناؤهم "سجل" "غينيس"، أو"سجن": النّظام، كأوائل ساسة صغار في العالم، شأن أطفال سوريا، الذين عرفوا مثل هذا السجن وطلقات النظام، بدءاً من قامشلي إلى درعا، حيث باتت أعداد الشهداء الأطفال، أو الأبطال، لا فرق، منذ اشتعال فتيل الثورة، تتجاوز الخمسين، ومن بينهم: الموليان الأميران المندسان، والسلفيان: الحمزة وتامر الشرعي، ابنا الجيزة، اللذان يجمعهما، ليس أنهما ابنا بلدة، واحدة، فحسب، بل لأن الجلاد جمع بينهما، في طريقة التعذيب، والمصير، ليبين مدى جبنه، ولا إنسانيته، وبشاعته.

 

ولعلّ أكثر ما استفزّني، اليوم، وأنا أسمع أستاذ العلاقات الخارجية في جامعة دمشق: د.بسام أبو عبدالله-أي بسّام من يسوغ مقتل البسمة على شفاه الطفولة!- والذي يليق به أن يعمل جلاداً في فرع للتحقيق، وليس أكاديمياً في مجال الحقوق، لأن هذا يتنافر، ويتنافى، ويتضادّ مع مجاله التخصصي-أيّ الحقوق- فهو كما تبدو هويّته يوماً وراء يوم، بأكثر، كغيره من ثلته العاملين، أو الاحتياطيين، من المولعين برائحة الدم، والدفاع عن الجلاد، في وجه العباد، ويتمثلونه، كرمى لأعطية هنا، وتربيتة هناك، وهل يمكن أن يقول أحد سواه، يحترم نفسه، وعلمه، في العالم، كلّه، ردّاً على سؤال لمذيعة عن موت طفل اسمه موجزاً" ثامر الشرعي" كيف يتمّ قتله، وصنوه حمزة ليقول: هؤلاء مجرمون، وليسوا أطفالاً، هكذا يلوث هذا الفاسد براءة الطفولة، وهو لن يكون مجرماً، لو كانت على ياقته صورة يرتئيها، وهو يهتف باسم قائد فرد، أحد ضرورة، ويريق الأرواح في منظار القنّاص.

الانتقام من الطفولة في تشويه جسد القتيل بعد وأد روحه تعذيباً، لانتماء إلى مدينة ما، باسلة، أو لالتقاط رائحة شعار أو هتاف على شفته، شأن صرف، مدمغ بخاتم نظام فرد، لا غير.

 لقد كان عيد الطفل العالمي-في هذه السنة- حيث يحتفل به شيوعيو العالم-ومنهم شيوعيونا السوريون- والذي يصادف الأول من حزيران متميزاً بأضحياته الكثيرة، وهل أكثر من أن يقتل تحت التعذيب في عشيته، أحدهم، ويقتل بالطريقة نفسها، آخر، وهو العيد الذي لا تنساه الحكومة الروسية، الآن، وهي تتناول إفطارها في مطاعم المكدوناند، بروحها الدبية، المائزة، ذابحة أمميتها في بيتها، ولتتعاطف مع استبداد لا يزال يقتلنا، باسم ما لاتؤمن به، وتئده، هي، في دارها: آباء، وأبناء، وأحفاداً، ببنادق، صدرتها للنظام، عينها بذلك، على ضرع البقرة السورية، تأخذ ما يلزمها من استحقاق-شأن شريكها التنين الصيني- لقاء بقاء النظام على سدّة القتل، لتردّ ثمن صداقة هذا الشعب، موتاً زؤاماً إليه، مراهنة على بقاء قاتله، مقابل المساومة على بيعه كاملاً، وليس بدعوى بقايا هوى اشتراكي زائف، ترجمه العقل الأمني،سورياً، اشتراكية قتل المواطن، بعد ذبح المواطنة!.

في يوم عيده العالمي، يجتازالطفل السوري الحدود، صوب الأردن، أو لبنان، أو تركيا، أو الجحيم، حافياً، جائعاً، على ظهره حقيبة ملابسه، وظمأ الطريق وخوف الحدود، و صورة" البلطجي" شبيحاً، أو عنصر أمن، تلاحقه، كما أبيه، وجاره، وكل أبناء حيه، وهو يتعامل بمنطقين، في آن، فالمردة المحتجون عشرة مخربين-كما يقول متفوّه اسمه طالب إبراهيم-إلا أنهم –في جسر الشغور، جيش عرمرم، يبكي ضحاياهم، ضحايانا، بدموع التمساح، وهم مائة وعشرون-من أبنائنا وأهلنا نحن لا أهليهم- ولكن: هل كان هؤلاء مكتوفي الأيدي، من دون سلاح،أبيض، أو أوتوماتيكي؟، وقعوا في فخّ سلفي، إرهابي، هل كان هؤلاء فراشات،أو وعولاً، سهلة الصيد، بما معهم من أسلحة خفيفة، وثقيلة، ودبابات؟، أين كاميرات تصويرهم؟، أجهزة هواتف ضباطهم الناجين، شهاداتهم؟، في الوقت الذي يصور "الفيسبوكي" بلغة المفكر إبراهيم محمود قناصاً يرميه بالرصاص، ويرسل الصورة إلى شاشات ضمير العالم الحر قائلاً: أن روا، ليروح إلى زنزانته، أو تابوته، هل نحن هنا، أمام طائرات هليكوبتر سلفية، وغازات كيمائية، نوّمت هؤلاء الأخوة من أبناء جيشنا، لتصطادهم، في معركة هوليودية غير متكافئة، وهم في عدّة وعتاد كاملين؟، وإن كان منطق الألم يقول: من يقد جيشه إلى المعركة، فهو قاتله، إذاً، والقتل لغة منبوذة، فليس "الجسري" من جاء بالجيش، في أمر عسكري،أزعر، بل جاء به صاحب القرار، وهو في الغرفة المكيفة، متوخياً سوريا بلا شعب، كي يكون هو، هو الوطن والمواطن، الماضي، والحاضر والمستقبل، ولندور كلنا في فلك هو: ذاته...!.

ها نحن، نستظهر الأسماء حمزةً حمزةً، وثامراً ثامراً، والبقية في" سجل الوطن، نبقيهم كي نطلق أسماءهم على رياض الأطفال، والمدارس، والجامعات، والحدائق، حين يكون مخابرات البلاد حراساُ على أمننا، لا زبّانية يترصدون خطواتنا، وأنفاسنا، ولتكون مراقد هؤلاء الشهداء، صغاراً، كباراً، نساء، رجالاً، مزارات لنا-في كل عيد للحرية-أو في كل "Azadi، نشرح للأجيال: لم قتل هؤلاء؟، كي نحبّ أبناء هؤلاء القتلة، أكثر، نصونهم، كما نصون موق الأعين، لا نخدش ضمائرهم بتذكيرهم بما فعل آباؤهم ضد الوطن وإنسانه، لتكون سوريا التشاركية،الموحّدة، العلمانية، الديمقراطية، بيتاًً لنا جميعاً، لا مجرد ثكنة وضباط مسلطين على رقابنا، أو مزرعة للفرد الضرورة، يروعنا بزعرانه وبلطجيته، ووعيد أمرائه السلفيين، في أن يحولوا بلدنا إلى إمارة سلفية، أسوأ من مزرعته..!.

=======================

العرب.. وموجة جديدة من الابتزاز والاحتواء

د. عيدة المطلق قناة

eidehqanah@yahoo.com

زيارة نتنياهو للولايات المتحدة وخطاباته أمام " الإيباك والكونغرس" جاءت من حيث التوقيت مع بداية الاستعدادات لانطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية .. مما يفسر الجرعة العالية المكثفة من الابتزاز والعنجهية الصهيونية التي انطوت عليها هذه الخطابات ..وما استجرته من مواقف نفاقية من أمثلتها :

1. الحصول على دعم عسكري كبير من الكونغرس إذ حصلت إسرائيل خلال عام واحد على أكبر تمويل عسكري في تاريخ برامج الدفاع الصاروخية الأميركية - الإسرائيلية لحماية المستوطنات من صواريخ "حزب الله" و " حماس". ففي آذار عام 2010 أقرت ادارة اوباما حوالى 205 ملايين دولار لتمويل بطاريات نظام "القبة الحديدية".. وفي أيار عام 2010 أقر مجلس النواب الأمريكي "قانون التعاون الأميركي الإسرائيلي لدعم الدفاع الصاروخي" الذي فوض إدارة أوباما "توفير مساعدة لحكومة إسرائيل في صيانة وشراء واستدامة نظام القبة الحديدية الدفاعي لاعتراض الصواريخ المتوسطة المدى والصواريخ وقذائف الهاون التي تطلق ضد إسرائيل" .. وفي آب من عام 2010 أقرت الإدارة الاميركية مبلغ 2,75 مليار دولار لشراء 20 طائرة حربية "أف 35"، وسيبدأ بتسليمها عام 2015. .. كما ارتفعت المساعدات العسكرية من 2.77 مليار عام 2010 الى 3 مليارات في عام 2011.

2. المزيد من الانخراط الأمريكي في الرواية الصهيونية وصل حد التماهي بل والانبطاح.. فالرئيس أوباما ينقلب على نفسه ويتحول عن موقفه ويعيد صياغة خطابه من جديد بسرعة البرق ... ويتخلى رئيس الأكثرية في مجلس الشيوخ، السيناتور الديموقراطي هاري ريد، عن الموقف الذي أطلقه أوباما من حدود العام 1967 كنقطة انطلاق للمفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين .. وأما النائب الجمهوري "اريك كانتور" فيزعم أمام الإيباك بأن جذور النزاع هي "حقد العربي تجاه اسرائيل واليهود، وليس حدود 1967" ..

3. الموقف من الانتهاكات الصهيونية لحقوق الإنسان الفلسطيني .. فالموقف يتسم بالصمت حيناً .. أو التبني الكامل لتلك الانتهاكات أحياناً .. ولعل آخرها كان الموقف من القتل الصهيوني لعشرات المتظاهرين العرب السلميين الذين خرجوا إحياء لذكرى النكبة ال63 .. فقد مرت تلك الجريمة دون أن تثير لدى الغرب انتقادا واحدا... في حين أن أي مشادة حتى لو كانت بين طفل فلسطيني وجندي صهيوني فإن المدان - حتماً - هو الطفل الإرهابي المسلح ببعض المفردات .. أو ربما بقبضة يلوح بها من بعيد لجندي يصوب له رشاش دبابته !!

4. الموقف من فتح معبر رفح : لقد جاء رد الفعل الصهيوني على قرار مصر بفتح معبر رفح عنيفاً .. احتج نتنياهو لدى الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" وأبلغه رفض إسرائيل المطلق لفتح المعبر وهدد ب"إعادة احتلال سيناء" ؛ إذا لم تتوصل الحكومة الأمريكية إلى حل يعيد الأمور إلى نصابها... فما كان من الولايات المتحدة إلا أن أبلغت مصر بهذه الإملاءات.. ويتصل أوباما بالعديد من الدول العظمى للضغط على مصر لإيجاد مخرج يحافظ على "أمن إسرائيل، ويؤكد الاستمرار في إغلاق معبر رفح.. مهما كان الثمن الإنساني قاسياً طالماً أن المطالب بدفع هذا الثمن هو الشعب الفلسطيني !!

5. الديمقراطية الإسرائيلية وحقوق العرب الفلسطينيين في مناطق ال "48": لا تمل إسرائيل من الترويج لواحتها الديمقراطية اليتمية في غابة الاستبداد العربي .. في حين أن سياسات حكوماتها تقوم على التمييز والعنصرية .. فهناك تاريخ طويل من المس بحقوق العرب عبر الحكم العسكري .. ومصادرة الأراضي.. وقتل المواطنين في يوم الأرض وانتفاضة الأقصى، وهدم المنازل، وعدم الاعتراف بالقرى العربية بالنقب، وسلب الأراضي، وحرمان لاجئيي الداخل من العودة إلى قراهم. ناهيك عن اتساع الفجوات بين العرب واليهود في مجالات الصحة، والعمل، والمسكن والرفاه وتردي مستوى التعليم ..

وأما حكومة نتنياهو فقد دأبت منذ توليها على "سحب مواطنة العرب، وربط الولاء بالمواطنة، وتهجير العرب، ودعمت العديد من مشاريع القوانين العنصرية وغير الديمقراطية والماسة بحقوق العرب الأساسية (وهي العمل والعيش الكريم) ومن أمثلتها : قانون لجان القبول الذي يهدف إلى منع العرب من السكن في التجمعات السكنية الصغيرة، والقانون الذي يمنع إحياء النكبة وقانون المواطنة.. و مشروع قانون يمنح الأفضلية لمن خدم في الجيش للعمل في الوزارات الحكومية، إلى جانب العديد من مشاريع القوانين التي تسعى للمزيد من إيذاء العرب والتي أعدّت لعرضها على الكنيست..

6. الموقف الصهيوني من اتفاقيات التسوية : لقد أكدت الأحداث بأن هذه الاتفاقيات لم تكن سوى مدخلاً لإجبار الفلسطينيين و العرب على القبول بالرواية الصهيونية للتاريخ والجغرافيا والثقافة، والاعتراف بالحقائق الجديدة التي تفتعلها إسرائيل على الأرض .. كل ذلك لإقناع العالم بأن "إسرائيل" هي التي تتحكم بالسياسة الدولية .. وهي التي تحدد الشرعية والحقوق المشروعة .. وهي التي تصنع التاريخ في هذه المنطقة وفي العالم ..

 

ولكن رغم هذه الوقائع وغيرها .. فإن الحراك الثوري في زمان "الربيع العربي" يبدو بأنه بدأ يغير المعادلات المختلطة .. ويعطل جانباً من المخططات الصهيو- أمريكية .. وتسبب في ما نشهده من ارتباك في المواقف الدولية التي ما عرفناها إلا منحازة.. مما أدى إلى استجرار المزيد من مخزون الابتزاز الصهيوني للولايات المتحدة ..

 

إن العالم اليوم في مواجهة موجة عاتية من الضغوط الصهيونية الهادفة إلى جر الغرب بعامة والولايات المتحدة إلى المزيد من الانخراط العسكري في المنطقة .. لاحتواء أو إحباط مفاعيل الثورات العربية .. والإبقاء على حالة الضعف والتفكك العربي .. وإعادة الأمة إلى مرحلة ما قبل الثورة من حيث الخضوع والاستسلام والخوف .. لتكون يد "إسرائيل " هي العليا .. وكلمتها هي النافذة في كل شؤون المنطقة .. ولاجهاض مفاعيل هذه الضغوط والابتزازات لا بد من ضغوط شعبية عربية مضادة وقوية دعماً للسياسات العربية الجديدة - وخاصة المصرية منها – لتثبيتها وتطويرها .. ففيها المخرج الآمن لأزمة الأمة من هذا النفق الطويل ..

===========================

الحوار مع من ؟؟؟

د / نورالدين صلاح

مركز الدراسات الاستراتيجية لدعم الثورة السورية

أعلن النظام مؤخراً بعد قرابة ثلاثة أشهر من القمع والدماء والاعتقال والتعذيب والقتل أن المشكلة سياسية ومخرجها حل سياسي ، وفي هذا إقرار بأن الحل الأمني قد فشل فشلاً ذريعاً لأسباب :

أولا : المظاهرات ما زالت مستمرة ، زادت رقعتها جغرافياً لتصل تقريباً إلى كافة مدن وقرى الجمهورية ، وكانت كل يوم جمعة فأصبحت يومية بل في النهار والليل ، وارتفع سقف مطالبها ولم يقف عند حد إسقاط النظام بل محاسبته ومحاكمته

ثانياً : فشلت خطة الترويع بالصدمة التي مارسها النظام السوري بكل أفرعه الأمنية والعسكرية والإعلامية ، بل على العكس من ذلك كسر الشارع حاجز الخوف وحطم التماثيل وأحرق الصور وزالت هيبة النظام ورموزه وأدواته من نفوس الشعب

ثالثاً : فشلت وسائل الإعلام بإقناع المواطن في الداخل والخارج فضلاً عن الآخرين في تسويق رواية الدولة ووجهة نظرها المشوهة والكاذبة للأحداث

رابعاً : أصبح الناس على قناعة تامة أن من يقتل شعبه خائن كما هتفوا بذلك ، وأن هذا النظام الذي ولغت أياديه بدماء السوريين وقامر بها عند اختياره الحل الأمني ليس نظاماً إصلاحياً ، بل صار لدى الكثيرين قناعة أنه بتركيبته غير قابل للإصلاح

خامساً : رموز المعارضة في الداخل يزدادون جرأة وتصميماً ، وفي الخارج يزدادون تواصلاً وتنظيماً ، وصار لهم خطاب واضح ورموز مؤثرة وقنوات اتصال مع الداخل

سادساً : العزلة السياسية التي لا أقول أنها فرضت على النظام بل هو فرضها على نفسه بمواقفه الرعناء العنجهية ، فكل ناصح أو غيور من شخص أو جماعة أو دولة أو جهة إعلامية أو منظمة محلية أو قُطرية أو دولية عالمية خالفت النظام بالرأي اتخذها النظام عدواً ، وفق قاعدة (من لم يكن معي فهو ضدي) ولم يعد يميز النظام سوى لونين أسود وأبيض ، وكل يوم يمر كان يعتقد النظام أنه يشتري الوقت ويراهن عليه في كتم أنفاس الثورة ظهر أنها حسابات خاطئة ، لقد صار مرور الوقت ليس لصالحه ، الدماء تزداد وتنتشر رقعتها ويزداد المعتقلون والمختفون ويكثر المتضررون ، والركود الاقتصادي الذي سوف يؤدي إلى توقف عجلة الاقتصاد وزيادة البطالة وقد ينتهي بانهيار الليرة كلياً أو جزئياً ، والقرارات التي ستصدر عن منظمات مختلفة بعد أن تأخر صدورها واستنفذ النظام كل فرصه لإثبات قدرته على القمع أو الإصلاح ، فبدا أنه لا يستطيع الأمرين لكن ثمة تساؤلات حول الحوار : الحوار لماذا ؟ والحوار مع من ؟

طرح النظام بعد كل هذه الإخفاقات فكرة الحوار وشكل لجنة للقيام بهذه المهمة ولم يقنع النظام الشعب أنه يريد الحوار لعدة أسباب :

منها أن النظام لم يهيئ الأجواء الملائمة للحوار ، فما زال قمع المظاهرات واجتياح المدن والقرى بالدبابات ، والقتل والقنص والاعتقال كما كان بل أشد ، لقد أدرك الناس أن هذا ليس حواراً داخلياً ، إنما هو رسالة موجهة إلى الخارج ، وهو من قبيل كسب الوقت كما أشرت

وإلى الآن لم يعترف النظام بالثورة وأن مطالبها محقة ومشروعة ، بل ما زال يمارس التشويه لها في وسائله الإعلامية ، ويصفها بقلة الفهم والوعي ، والخيانة والتآمر ، والتخريب والاعتداء

وكذلك يعلم الناس أن هذه اللجنة المشكلة للحوار وإن كان منها نواب للرئيس ومستشارون له ضعيفة ، وليسوا من ذوي القرار في الدولة بل قيل عن بعضهم أنه كان في إقامة جبرية ، وهؤلاء لا يملكون شيئاً من القرار السياسي ، وليس لهم صلة بمطبخ قرارات الأحداث الذي كشفه رامي مخلوف في تصريحاته الأخيرة

والذي يهمني في مقالتي هذه السؤال الثاني : الحوار مع من ؟؟؟

بدأ النظام فكرة الحوار مع نفسه بمعنى أنه حاور نفسه وقرر هو بالنيابة عن المعارضين والثائرين ، فالقيادة القطرية هي التي تقرر نتيجة الحوار مسبقاً وهي التي تحدد سقفه ، فخرج علينا بعض أعضاء القيادة القطرية بأنه لا تغيير للمادة الثامنة في الدستور التي تنص على قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع ، وبعد ذلك يحدثوننا عن قانون الأحزاب والانتخابات الجديد الذي لا معنى له (ديمقراطياً) تحت هذا السقف المنخفض

ثم اقتنع النظام أخيراً أنه لا بدّ من أن يحاور غيره حتى يصدّق الناس بالحوار فبيّن من سيحاوره ووضع المواصفات والشروط لمن سيحاوره ، ومنها أنه لا يهم أن يكون في الداخل أو الخارج على ألا يكون له علاقة بمخطط خارجي (أجندة خارجية) هذا أحد الشروط ، وأنا سأطبق هذا على كل من يمكن أن يحاور نظرياً :

الإخوان المسلمون : اعتبرهم النظام مجرمين وقد شملهم بالعفو المزعوم مع المجرمين الجنائيين ، بل هو يعتبرهم إلى الآن مجرمين ومتآمرين ، فقد بث التفزيون السوري اعترافات خلية تتبع للإخوان بزعمه أنها تهرب السلاح بالتعاون مع نائب لبناني (الجراح) وهم يقومون بجزء من الأعمال التخريبية ، وهم يحضرون المؤتمرات في الخارج التي يصفونها بالعمالة والخيانة والارتباط الخارجي

كل معارض في الخارج على اختلاف توجهه الفكري حضر مؤتمرات معارضة فهو يحتاج إلى شهادة حسن سلوك من النظام لأنه متآمر مرتبط بمشروع خارجي

كل صحفي ظهر معارضاً لا مدافعاً عن النظام على قناة فضائية يصنفها النظام على أنها معادية وعميلة وتعمل لحساب جهات متآمرة لا يمكن أن يجلس على مائدة الحوار ومثله الكتاب الذين يكتبون في الصحف التي تحمل نفس التصنيف

كل حقوقي أو قانوني قد عمل على جمع وتوثيق ملفات تدين جرائم النظام أمام المنظمات الدولية ليتم فضحه وكشفه والضغط عليه يعتبره النظام معارضاً عميلا

كل متظاهر في الخارج أمام السفارة السورية في أي بلد أو أمام أي منظمة إقليمية أو دولية يحمل شعارات معارضة للنظام أو يهتف ضده فهو عميل لا يمكن التحاور معه

كل من كتب عنه المخبرون تقريراً بأنه يتبنى فكر الثورة في الخارج ويدافع عنها في مجالسه العامة أو الخاصة فهو لا يصلح للحوار ، وما زال الغرور الأمني حتى مع أولئك الذين تناقشهم نقاشاً حراً وينتهي النقاش بالتهديد والوعيد وليس أقلها (لأضعن اسمك على الحدود وإن كنت رجلاً ارجع إلى الوطن) هذا نموذج مصغر عن الحوار الذي يريده النظام

وأما من في الداخل فأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية الذين يمثلون المعارضة الهزلية كما مجلس الشعب الهزلي الساخر فإذا أراد النظام أن يحاورها ، فبالتأكيد سيكتشف الناس ببساطة مصداقية هذا الحوار

و إذا أراد أن يحاور النظام من لا علاقة له بالشعب ولا بمطالبه كالسيد نصرالله فهذا الأخير يكرر زياراته ويحاور ويتحدث عن الإصلاحات كأنه الناطق الشخصي باسم الرئيس ، وهو ما طفق يبشرنا بها بخطاباته وأحاديثه ومحطته ، وإلى الآن ما أدري ما صفته الرسمية أو الحقيقية هل هو حاكم أم مستشار أم عضو قيادة أم أمين سر الرئيس القائد ، فهو وعدنا كما أسر له الرئيس بحزمة إصلاحات تتجاوز طموحاتنا بكثير وتذهب إلى أبعد مما نتصور ، ولعل الرئيس يريد أن يسربها إلينا بالتدريج خوفاً علينا من أن نخطئ من شدة الفرح ويطير صوابنا مما لا تحتمله عقولنا ، لقد فقد السيد مصداقيته عندما انحاز للظالم ضد المظلوم

وأما المعارضة المضطهدة في الداخل والتي صرح النظام عنها في أكثر من مناسبة أنها شريفة وطنية وزجها لذلك في السجون مرات عدة ، تارة دون محاكمة (الأحكام العرفية) وتارة بتهم واهية ملفقة ، وما يلبث أحدهم إن قضى عقوبته كاملة حتى يعود إلى السجن بتهمة جديدة ، فهؤلاء يصرحون أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم لأن الحياة السياسية الحقيقية مغيبة في الواقع السياسي السوري ، وأنهم ليسوا أوصياء على شباب الثورة السورية

وأنا أقول لن يفلح النظام بالتحاور الحقيقي مع أحد ولن يجد أحداً يحاوره وذلك لعدة أسباب :

لن يستطيع أحد أن يتحمل أعباء الدماء التي أريقت والقمع الذي حصل فيدخل مزبلة التاريخ من أوسع حاوياتها ، ولن يرحمه الشعب مستقبلاً وبالتالي حكم على نفسه بالانتحار السياسي وفقد المصداقية والانتهازية

ولا يحمل أحد تفويضاً عن الشعب الثائر ليتفاوض باسمه ويساوم على حقوقه ، وعلى هذا فليس أمام النظام إلا أن يسمح بتنظيم معارضة شعبية تستوعب كل هذه الشرائح في الداخل والخارج ، أو يتخذ قرارات أحادية ولن يرضي الناس آنذاك إلا بالتنحي والرحيل والمحاكمة

بقي فئة واحدة يمكن للنظام أن يحاورها ، بل ومن المنطق والعدل أن يحاورها ، إنهم المندسون ، نعم هم المندسون السلفيون الإرهابيون الموجودون في كل مكان فهم يملكون شعبية واسعة بدليل انتشارهم مكانياً ويملكون القوة كالنظام ليحاوروه بنفس المنطق ونفس الحجة ، ولكن لن يكون الحوار عندها علنياً لأن النظام سيعترف بالمندسين الشرعيين ، وعند ذلك سيكون الحوار اندساسياً ويسمى (الحوار المندس)

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ