ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 29/06/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

سورية.. وإنهاء الاستبداد .. معطيات الانتقال بالثورة إلى المرحلة التالية ومخاطر عرقلته

نبيل شبيب

لم يعد السؤال الجوهري المطروح في قضية سورية: هل تحقق الثورة الشعبية أهدافها أم لا تحقق، بل هو: كيف ومتى؟..

إن التضحيات البطولية الشعبية تجيب بصورة قاطعة حاسمة على ما يمارس النظام من قمع همجي، مستميتا بتأثيرِ وهمِ القدرة على البقاء فوق الأشلاء والدمار".. إنّما ينبغي التركيز أيضا على السؤال، حول ما تصنعه القوى والأطراف الوطنية المختلفة، في جوابها على محاولات النظام المستميتة، أن يدفع بعضها لسلوك طرق منفصلة عن الآخرين، ليبقى له مكان السيطرة على الجميع في نهاية المطاف، وإن قدّم بعض المغريات لها على حساب سواها، والأهم: على حساب الإرادة الشعبية الحرة الجماعية، غير القابلة للمساومة والتجزئة.

 

كثرة المبادرات والمؤتمرات

تعدّدت المؤتمرات والمبادرات والدعوات إلى مزيد من المؤتمرات والمبادرات، وجميعها تحت عناوين متشابهة، ومحورها الذي يؤكّده الجميع من الناحية الرسمية هو: دعم الثورة الشعبية لتحقيق أهدافها المشروعة، وفي هذا إقرار واضح بأن أصحاب جميع هذه الأنشطة يؤكّدون أنّهم "أطراف تدعم" وأن الشعب هو "القوة الفاعلة الحاسمة".

ولكن كما يتبدل المكان الذي تصدر عنه المؤتمرات أو تنعقد فيه أو يراد أن تنعقد فيه، تتبدل صياغة المبادرات نفسها والمشاركين فيها. في هذا الإطار.. وفي هذه المرحلة على وجه التحديد، يجب أن يعلم جميع الأطراف دون استثناء:

1- أن الشعب الذي صنع ثورة بطولية تاريخية يقدّم فيها من التضحيات ما يفوق الوصف، واستطاع بوعيه وثباته وصموده ووحدته أن يواجه أفجر ممارسات القمع وسط ظروف ومعطيات محلية وعربية وإقليمية ودولية معروفة، يتمتع بدرجة عالية من الوعي وحساسية فائقة للتمييز، فهو قادر أيضا على المتابعة الواعية لما يجري وما يُطرح ومَن يطرح، على صعيد ما يعرف بالمعارضة التقليدية أو الناشطين أو الحقوقيين وغير ذلك.

2- أنّ صانعي الثورة من قلب شعب سورية يقرؤون ويفهمون ما تعنيه كل عبارة من العبارات في تلك المبادرات، ويشهدون ويفسّرون كل خطوة من الخطوات تصدر عن طرف من الأطراف، وهم من خلال ثقة الشعب وإرادته وعطائه البطولي المخوّلون بقبول ما يعبّر عن إرادة الشعب الثائر، وكذلك برفض ما لا يضمن ذلك، سيّان عمّن يصدر وكيف يصدر..

3- أنّ أهم الضمانات في هذه المرحلة بالذات هو أن يتوافر في كل مبادرة أو مؤتمر أو خطوة من الخطوات شرط لا غنى عنه: الأولوية لوحدة الأهداف الأساسية والمطالب الفورية، انطلاقا من التزام الجميع بالإرادة الشعبية والمصلحة المشتركة العليا.

 

الإقصاء يساوي الاستبداد

هذا شرط جوهري لا يتحقق دون تجنّب أي صورة من صور إقصاء الآخر، الذي يُفترض أنّه لم يعد في حاجة إلى بحث وتفصيل:

1- إنّ العمود الفقري لكل شكل من أشكال الاستبداد، هو إقصاء الآخر فكرا، وسياسة، وممارسة.. هكذا يبدأ دوما، كما بدأ عام 1963م في سورية، ثم تغوّل ممارسة حتى وصل إلى تشغيل آلة القمع المطلق، حرمانا من إنسانية الإنسان عبر مصادرة الحقوق والحريات، واغتيالا للإنسان والوطن، عبر التقتيل والترويع والتشريد والاعتقال والتعذيب.. إذ وُلد الاستئصال من رحم الإقصاء، ضدّ الآخر: الغالبية العظمى من الشعب..

2- إنّ الثورة الشعبية في سورية انطلقت لإسقاط الاستبداد.. أي إسقاط "إقصاء الآخر" الذي نشأ النظام الاستبدادي الفاسد القمعي بنشأته، ومارس جرائمه معبّرا عنه..

3- إنّ إقصاء الآخر في المرحلة التي وصلت الثورة الشعبية إليها الآن، يضعف جميع أطراف المعارضة التقليدية معا، بمن فيها من يمارس الإقصاء، وإن بقيت الثورة على قوّتها المستمدة من الشعب وليس من معارضين..

4- إنّ ممارسة إقصاء الآخر انطلاقا من موقع من مواقع المعارضة، أحزابا وأفرادا وجماعات، يقطع حبل الانتساب إلى الثورة الشعبية إذ يوهن العلاقة بين مَن يمارس الإقصاء وبين الشعب الثائر..

5- إنّ توظيف إقصاء الآخر من المعارضة التقليدية، وسيلة للتفاهم على حلول وسطية مع النظام الاستبدادي، بدعوى خدمة ثورة الشعب، يعني ممارسة ما يمارس الاستبداد نفسه من إقصاء، ويصبح مَن يصنع ذلك جزءا من "مضمون" الاستبداد الذي يثور الشعب لإسقاطه، حتى وإن لم يكن جزءا من بنيته الهيكلية..

6- لن يستقرّ أي وضع من الأوضاع في سورية بعد الاستبداد الفاسد الحالي، إذا تسرّبت إليه ألغام الصراع القديم على أرضية أهمِّ عناصره: إقصاء الآخر، فلن يكون آنذاك سوى استبداد بديل بلباس آخر، ولن يكون للاستبداد استقرار في سورية بعد هذه الثورة الشعبية البطولية التاريخية..

7- كلّ ممارسة لإقصاء الآخر، هي مشاركة مباشرة في إضعاف روح الوحدة الوطنية، وإن رُفعت شعارا وأعلنت هدفا، فإقصاء الآخر هو النقيض اللغوي والنقيض الواقعي التطبيقي للوحدة الوطنية، التي لا تتحقق بالكلام عنها بل عبر الممارسة على أرض الواقع، في كل وقت وحين، ناهيك عن اللحظة التاريخية الحاسمة في مسار الثورة الشعبية نحو النصر بإذن الله.

 

الشعب سيد نفسه وسيد التعددية

المفروض بجميع من يتحرّك بمبادرات ومؤتمرات وسوى ذلك من سبل التحرك، أنهم يدركون وفق ما سبق أنّ مصداقية ارتباط أيّ تحرّك بالثورة الشعبية في سورية رهن بتوافر عدد من الشروط الأساسية هي في منزلة واجباتٍ وطنية مطلقة، وعلى رأسها:

الالتزام بمبادئ وقواعد مشتركة في العمل على أرضية مشتركة تحقق النقلة التاريخية المشتركة -التي فرضتها الثورة الشعبية الجامعة وليس جهود أطياف المعارضة التقليدية- من واقع الاستبداد إلى واقع وطني مشترك يسع الجميع، من خلال التوافق على قواسم مشتركة مستمّدة من الإرادة الشعبية والمصلحة العليا.

هذا ما تعبر عنه الإرادة الشعبية الثائرة في سورية.. والشعب سيد نفسه، يسع الجميع بوحدته، ولا يسعه فريق بمفرده يقصي سواه، وإن تحدّث باسم الشعب.

لقد صنع الشعب ثورته.. فصنع الحدث التاريخي، فهل تصنع قوى المعارضة التقليدية، أحزابا وأفرادا وجماعات، داخل الحدود وخارجها، ثورتها على واقعها، لتصبح جزءا من الحدث التاريخي، ولا تكون عقبة على طريق الشعب في صناعته؟..

هذا ما يجيب عليه التعامل الآن مع عدد من الحقائق الأساسية، وفي مقدمتها:

1- لا يوجد في التعددية بحد ذاتها عيب، فهي مرآة طبيعية ومنطقية لواقع شعبي وتاريخي، إنّما يمكن أن يتحوّل بعض مَن يمثلون التعدّدية إلى ألغام على طريق الثورة، ما لم يتمكّنوا.. الآن.. في اللحظة التاريخية التي وضعهم الشعب فيها أمام مسؤولية جليلة جسيمة، من معالجة جانبٍ خطير -كالورم الخبيث- لا يتجسّد في مجرّد "التعدّد" المقبول، بل يتعدّاه إلى صور موروثة عديدة من صور الإقصاء والعداء والصراع، على محاورِ تعدّدِ المسمّيات والجهات والاتجاهات، فيغيّب الحدّ الضروري من التنسيق الواجب، ناهيك عن التنظيم والتخطيط المشترك..

2- ليس مجهولا أنّ جزءا كبيرا من المسؤولية عن هذا الواقع السلبي يقع على الاستبداد وأفاعيله خلال العقود الماضية، بتغييب فعاليّة المعارضة داخليا عبر تقييدها في "المعتقلات" وفي "القنوات السياسية المسموحة" وتشريدها خارج الحدود، مع العمل المباشر لزرع الفتن والخلافات والعصبيات على كل صعيد وبكل وسيلة..

3- وليس مجهولا أيضا أن قسطا آخر من هذا الواقع السلبي ناجم مباشرة عن سياسات بعض أطراف المعارضة التقليدية ورؤاهم وممارساتهم، هم أنفسهم، وهذا القسط هو ما تحمّلهم الثورة الشعبية البطولية الآن المسؤولية عن العمل من أجل ألاّ يجعلوه كالعصي في عجلة مجرى التاريخ.. ومن المؤكد أن العصي سوف تتكسر ويرحل معها من يضعها، وتستمرّ عجلة التاريخ بالدوران حتى تحقق الثورة الشعبية أهدافها الجليلة المشروعة.

4- لا تحمل المعارضة التقليدية هذه المسؤولية للثورة على نفسها، دون الإدراك الحقيقي لا الكلامي، أنّها -أحزابا وجماعات وأفرادا- لم تصنع الثورة، مهما قيل بحق إنّها صنعت الكثير من صيغ مواجهة الاستبداد من قبل، ولكن الثورة الشعبية الجامعة هي التي ستصنع بشكل طبيعي "الحكم والمعارضة" القويمين في مخاض أحداثها وحصيلة نتائجها.

لقد انطلقت الثورة جوابا تاريخيا محتما على هوّة خطيرة صنعها الاستبداد بينه وبين الشعب في سورية، في جانب منها: البغي والفساد والتسلّط والاستعباد، وفي جانب آخر: المعاناة بجميع تجلّياتها.

ولئن أرادت قوى المعارضة التقليدية أن تكون جزءا من المستقبل وليس من الماضي، وعاملا حاسما في عملية الانتقال من مرحلة الثورة المتواصلة لإسقاط النظام، إلى مرحلة الإعداد لِما بعد سقوطه.. أو إسقاطه، فلا بد أن تتجاوز هي الهوّة الفاصلة الخطيرة الثانية، بين الواقع الشعبي الذي يصنع ثورته ويقودها، وواقع المعارضة التقليدية التي لا تزال تتحرّك بخطوات ثقيلة، بين ماضٍ لم يعد يجدي التشبّث به، ومستقبل ترجوه، ويفرض عليها الوصولُ إليه أن تنفّذ في الوقت المناسب، أثناء الثورة، عددا من الأمور:

1- تثبيت ما يجري تأكيده باستمرار وهو أن الثورة انطلقت شعبيا، ولها تنسيقياتها الشعبية الداخلية الفاعلة

2- تثبيت عدد من المبادئ والقواعد العملية للتلاقي على أرضية مشتركة للتحرك الفعال

3- تثبيت أن هذه أرضية الجميع لتسع الجميع ممّن يوصفون بالمعارضة في الداخل والخارج

4- تحديد آليات التحرك الفعال المطلوب وطرق تفعيلها

5- الالتزام إلى أقصى درجة ممكنة (فالكمال المطلق مستحيل وليس شرطا للنجاح على كل حال) بالمبادئ والقواعد وآليات التحرك.. وكذلك بالنتائج المتحققة، مرحلة بعد أخرى.

 

تساؤلات ملحّة

يبقى التساؤل: من يصنع ذلك أو من يبادر إلى جمع الشمل عليه؟..

هل يمكن أن يصدر عن مؤتمر ما في اسطنبول، أو أنطالية، أو بروكسل، أو في دمشق؟..

هل يمكن صنع ذلك رغم الاستحالة الموضوعية لجمع جميع من يمثل سائر الأطراف والقوى، في الداخل والخارج، دفعة واحدة، مع ضمان التحرّك معا على طريق دعم الثورة ومن يصنعها في الداخل، وليس على طريق وصاية أو ترشيد أو توجيه أو ما شابه ذلك من المسمّيات؟..

لا بدّ من التمهيد "السريع" لأي خطوة جادّة وفاعلة على هذا الطريق.

لقد كان من الملاحظ في مواكبة الثورة ومسارها البطولي، صدور مواقف أو خطوات، النسبة الأعظم منها -ولا نقول جميعها- تتحرّك بين حدّين: "الممكن حسب وضع صاحبها.. والمطلوب وفق أهداف الثورة الجليلة".. إنّما كان من الملاحَظ أيضا أن مواكبة هذه المواقف والخطوات اقترنت بمراعاة مقولات وتصنيفات عديدة متباينة ولكنها تلتقي على قاسم مشترك وهو أنّها من إنتاج حقبة الاستبداد الطويلة.. وليس من روح الثورة الشعبية والمستقبل الذي بدأت تصنعه، وعلى سبيل المثال:

1- تُصنّف المواقف الصادرة عن شخصية معتبرة مثل عارف دليلة، على أنّها ذات قوة ودلالة كبيرتين.. لأنّه ينتمي إلى الطائفة العلوية من السوريين!..

في هذا الموقف -بغض النظر عن النوايا- ما يدعم بصورة غير مباشرة ما سبق أن صنعه النظام الاستبدادي من تصنيفات تفرّق بين شعب سورية الواحد..

كلا: إن مواقف عارف دليلة ذات قوة وتأثير لأنها تعبر عن مواقف وطنية سورية جامعة، بمنظور الشعب، وليس بسبب أي انتماء.

والمهم: على افتراض أنّ مواقفه وممارساته انحرفت بمنظور الشعب عن هذا المحور: الوطني السوري الجامع، فسيفقد مصداقيته شعبيا، بغض النظر عن موقف أطراف أخرى من المعارضة التقليدية إزاءه.

2- تصدر عن الناشطة السورية المتميزة سهير الأتاسي مواقف وطنية متقدّمة على ما سواها، فتصنّف ردود أفعال بعض أصحاب التوجّه الإسلامي مواقفها على أنّها نقطة التقاء مشتركة مع العلمانيين..

كلا: إن مواقف سهير الأتاسي نقطة التقاء مشتركة لأنها تعبر عن مواقف وطنية سورية جامعة، وليس بسبب ما تتبنّاه من رؤى علمانية..

والمهم: على افتراض أنّ مواقفها وممارساتها انحرفت بمنظور الشعب عن هذا المحور: الوطني السوري الجامع، فستفقد مصداقيتها شعبيا، بغضّ النظر عن موقف أطراف أخرى من المعارضة التقليدية إزاءها.

3- تصدر عن بعض أصحاب التوجه الإسلامي كالإخوان المسلمين في الخارج مواقف وطنية تتحدّث عن الديمقراطية والدولة المدنية وتداول السلطة وما شابه ذلك، فيدور الحديث التصنيفي عن ذلك عبر السؤال التشكيكي ما إذا كان ثوار الداخل يتقبلونها رغم التعرّض لشبهة الانتماء المحظور إلى الإخوان المسلمين..

كلا: معيار الحكم على مواقف الإخوان المسلمين هو معيار كونهم جماعة من الجماعات واتجاه من الاتجاهات على أرضية الوطن السوري الجامع وليس معيار تصنيف الحكم الاستبدادي المرفوض بصددهم..

والمهم: على افتراض أنّ مواقفهم وممارساتهم انحرفت بمنظور الشعب عن هذا المحور: الوطني السوري الجامع، فسيفقدون مصداقيتهم شعبيا، بغضّ النظر عن موقف أطراف أخرى من المعارضة التقليدية إزاءهم.

4- تصدر في الداخل السوري مواقف ما كالدعوة إلى مؤتمر إنقاذ، تليها دعوة إلى مؤتمر وطني، وتتخلّلها دعوات انتقائية من جانب النظام القائم إلى حوار، أو تصريحات ما تصدر عن أحزاب تشكلت سابقا في نطاق "قناة ضيّقة للتظاهر بالديمقراطية" سابقا.. كما يصدر في الخارج بيان عن مؤتمر من المؤتمرات كمؤتمر بروكسل أو أنطالية من قبل، مع الإقرار بأن المرجعية هي الثورة في الداخل، فيتعرض جميع ذلك لتصنيف ما، بصيغة ما، ترحّب أو تشكّك، ويصبح موضع أخذ وردّ، تأييدا أو نقدا أو إهمالا أو رفضا..

كلا: العامل الحاسم هو أن جميع ذلك موضع الرصد من جانب الشعب الثائر، وهو سيّد نفسه.. وقادر على التمييز بين الغث والسمين، والصادر عن إرادة الشعب والصادر عن رؤى ذاتية لا تراعي إرادة الشعب.

والمهم: من حق أي مجموعة أفراد أو جماعات أو تنظيمات أن تعقد مؤتمرا وتطرح رؤى، ولكن باعتبارها رافدا وليس باعتبارها وصية على الرؤية الوطنية السورية الجامعة، فلا تُقبل أو ترفض من منطلق شكليات اللقاء بل يؤخذ بما تطرحه بمقدار ما يكون جزءا طبيعيا من الرؤية الوطنية السورية الجامعة.

والأهمّ من ذلك كلّه ألا تنفرد مجموعة أو فرد أو مؤتمر بادّعاء تمثيل الثورة الشعبية وتُقدم على خطوات وإن وصفتْها بجسّ النبض مثلا، في اتجاه تمكين النظام من البقاء ببعض الترقيعات والرتوش، فالشعب يريد إسقاط النظام، والشعب سيد نفسه.. ولا سيادة لأي طرف من الأطراف عليه. وهنا لا يكفي القول مثلا، إنّ من يتحرّك في الداخل (ناهيك عمّن يتحرّك في الخارج) يتحرّك رغم القيود، فلا يُطالَب إلاّ بما يقدر على عطائه، فالجواب هو مطالبته ألاّ يتحرّك باسم الثورة الشعبية إلا عندما يكون قادرا على التحرّك، بمعيار أنّها كسرت تلك القيود بالذات، ولم يعد يوجد مجال للقبول بموقف أو مبادرة أو حل وسطي أو سوى ذلك ما دام "متناقضا" مع معايير الثورة، أي المطالب الوطنية المشتركة الجامعة.

 

رموز شعبية كبرى

كيف يمكن وسط هذه المعطيات جميعا، استشراف ما يمكن صنعه الآن.. للمضيّ بمتغيّرات الواقع في الاتجاه الصحيح.

وراء جميع ما يجري تعداده أو تصنيفه من قوى الثورة في الداخل ومن قوى المعارضة في الداخل والخارج، مع شمولها -بسبب الحالة المتميزة للقمع الاستبدادي الطويل في سورية- للأفراد من ناشطين ومعارضين وحقوقيين، وليس للتنظيمات فقط، نجد في الواقع السوري، داخل الحدود وخارجها، رموزا قيادية شعبية، لم تصنعها مواقعها في المعارضة بالضرورة، بل صنعها ثباتها على الأرضية الوطنية المشتركة وما تمليه من مواقف علنية قويمة، وحصولها تبعا لذلك على قدر كبير معروف لجميع الأطراف من الثقة الشعبية بوطنيتها وكفاءتها ونزاهتها، وكذلك بعدم تطلّعها للسلطة قديما.. ولا الآن.

هذه الرموز مرشحة في المرحلة الراهنة ما بين اقتراب الثورة الشعبية البطولية من تحقيق هدفها الأول، وبين مرحلة الإعداد لِما بعد تحقيقه.. أن تكون محاور يلتقي الجميع عليها، من داخل الحدود وخارجها.. ولا يراد هنا ذكر أسماء بعينها، فيما يتعدّى حدود مثال معروف من الداخل: هيثم المالح، ومثال معروف من الخارج: عصام العطار.

لا يعني الالتقاء على هذه المحاور أو القواسم المشتركة أن ينعقد مؤتمر أو ينشأ تنظيم، يشمل الجميع.. وتقوده الرموز، فليس هذا ما يمثل -على أرضية الحدث ومجراه- خطوة عملية ضرورية، بل قد لا يصحّ التحرك في هذا الاتجاه أصلا، كما لو كان ردّا على مقولات تصدر عن النظام القائم، من باب "التعجيز والإنكار" وليس من باب "طلب الحوار" في صيغة سؤال: أين هي المعارضة وأين مطالبها؟.. أو في صيغة دعائية دون مضمون أو هدف كريم: فليحضروا إلى الحوار تحت سقف الوطن!..

المقصود بالالتقاء على هذه المحاور والقواسم مع الرموز الشعبية هو:

إعلان جميع الأطراف في الداخل والخارج التزامها بما يصدر عنها من مطالب وطنية مشتركة، وتفويضها هي بالتعبير عما يتم بلورته وصياغته وكذلك تصنيف ما يعتبر منه شروطا لأي حوار، أو سبلا بديلة عن الحوار لتحقيق هدف الثورة الشعبية.

وعلى رأس الشروط الموضوعية من وراء ذلك:

الأصل الجامع للقواسم المشتركة الآن، هو التعددية المتحررة المتعايشة تحت سقف الوطن الحر في إطار سيادة الشعب على نفسه، دون إقصاء طرف من الأطراف.

إن اغتيال هذا الأصل كان في مقدمة أسباب الثورة الشعبية البطولية على حكم الفرد الاستبدادي وحكم الحزب الاستبدادي، ولهذا.. أصبح عو المعيار لمصداقية الانتساب إلى الثورة الآن، مع إدراك أنّ هذه التعددية كانت قائمة قبل الاستبداد، وهي أهم شروط المصداقية في الفترة الانتقالية التمهيدية لما بعد الاستبداد، وكما أنها في مقدمة ما ينبغي استرداده ليتحقق استرداد الوطن.. من خلال نهاية الاستبداد.

 

خطورة اللحظة الراهنة

ليس التحرك المطلوب الآن مع رموز شعبية معروفة متأخرا ولا مبكرا، بل يأتي في موعده، أو ينبغي أن يكون الآن كيلا يصبح متأخرا.

أصبح في حكم المتوافق عليه:

أنّ انطلاق الثورة كما انطلقت، هو الذي أعطاها صفة الثورة الشعبية الجامعة..

وأنّ مسارها خلال أكثر من ثلاثة شهور مضت، هو الذي أعطاها صفة السلمية البطولية..

وأنّ السلوك القمعي المتصاعد من جانب النظام الاستبدادي القائم هو الذي أوصله إلى عزلة داخلية وخارجية وبالتالي إلى حتمية التغيير الجذري وليس الإصلاح الترقيعي أو المتدرّج..

ولكن نرصد من وراء ذلك: أنّ اللحظة الراهنة بالمعطيات الحالية في مسار الثورة الشعبية والتعامل معها تنطوي على:

1- خطورة استمرار التصعيد القمعي الهمجي بما يفتح ثغرة بالغة الخطورة لتدخل خارجي بصورة من الصور، بالقوة العسكرية أو الملاحقة الجنائية الدولية، أو المقاطعة والحصار، وجميع ذلك يصيب بمخاطره سورية وطنا وشعبا وحكما، ووضعا داخليا ودورا إقليميا ومكانة دولية.. ولهذا:

كل من يرفض هذا التدخل المحتمل، لا بد أن يعمل على الحيلولة دون أن يستمر النظام في التصعيد القمعي الذي يمارسه حتى الآن، ودون تأخير مسار الثورة عبر حلول وسطية لا يمكن أن تستقر، فالنظام نفسه يدرك -على سبيل الافتراض- أن إخماد الثورة الشعبية الشاملة البطولية بات مستحيلا، وهو ما يحذر منه العقلاء بغض النظر عن مواقعهم، عندما يتحدثون عن وصول الثورة إلى مرحلة اللاعودة.

2- خطورة تصعيد نوعي للقمع الهمجي، تعذيبا وتقتيلا وتدميرا واستخداما للأسلحة الثقيلة، وترويعا منظما وتشريدا للمدنيين الآمنين، أن يؤدي ذلك في لحظة من اللحظات، إلى تحوّل بعض الجهات الشعبية في مسار الثورة السلمية البطولية إلى الأخذ بمبدأ الدفاع عن النفس، فتستغلّ الأجهزة القمعية ذلك وتدفع مسار الثورة في اتجاه لا تحمد عقباه، ليس على الشعب الأعزل فقط، بل على الحكم وأجهزته وعناصره أيضا.. ولهذا:

كل من يرفض هذا الانحراف المحتمل، لا بد أن يعمل على الحيلولة دون أن يستمر النظام في التصعيد القمعي الذي يمارسه حتى الآن، ودون تأخير مسار الثورة عبر حلول وسطية لا يمكن أن تستقر.

3- لقد ظهرت في نسيج النظام الاستبدادي القائم شروخ تتسع يوما بعد يوم، وقد ترى جهات معارضة في ذلك معالم "ترحّب بها" بشأن تساقط النظام من داخله، كما هو الحال على صعيد الجيش الوطني خارج نطاق الكتائب (أو الميليشيات) المشكّلة والمعدّة ابتداءً للقمع الداخلي وإن تحركت تحت راية الجيش العسكرية، بل حتى في نطاق بعض الأجهزة "الأمنية"، بالإضافة إلى صفوف الحزب الحاكم نفسه، وحتى في الأجهزة الإعلامية.. إنّما يمكن أن تتطوّر هذه الشروخ وتتسارع فتؤدّي إلى صدامات داخل نطاق التركيبة البنيوية للحكم القائم، ولئن عجّل هذا في سقوطه، فهو في الوقت نفسه مصدر خطر كبير على "كيان الدولة" وليس على "جهاز الحكم فقط" وعلى الوطن السوري عموما وليس على مكوّنات الاستبداد الفاسد فحسب، ولم تنشأ هذه الشروخ عن أي سبب آخر سوى "همجية القمع وتصعيده" ولهذا يجب التأكيد هنا أيضا:

كل من يخشى من مغبّة هذا التطوّر على نفسه داخل نطاق الحكم الاستبدادي أو على الوطن السوري ومستقبله، لا بد أن يعمل على الحيلولة دون أن يستمر النظام في التصعيد القمعي الذي يمارسه حتى الآن، ودون تأخير مسار الثورة عبر حلول وسطية لا يمكن أن تستقر.

ويمكن تعداد مزيد من الجوانب لبيان المخاطر الحالية المحيقة بمسار الثورة الشعبية في سورية، بما يشمل جميع الأطراف دون استثناء، إنّما المهمّ هو ما تفرضه رؤية المخاطر، من التركيز على ضرورة التحرك "السريع والمدروس الواعي" الآن، في اتجاه الوصول بالثورة إلى غاياتها المشروعة، الشاملة للوطن وجميع مكوّناته، للمضيّ بمتغيّرات الواقع في الاتجاه الصحيح، مع تجنّب المضاعفات المحتملة إلى أقصى درجة ممكنة.. ولهذا لا يمكن التخلّي بحال من الأحوال عن الشرط المعلن لأي خطوة تالية، والذي يحمل النظام وحده المسؤولية عن تنفيذه الفوري:

وقف مسلسل القمع نهائيا، وتفكيك قيادات أجهزته، وتحرّر شامل لضحاياه من معتقلين ومشرّدين ومنفيين، والكفّ المطلق عن مصاردة حق الشعب وحريته في التعبير السلمي عمّا يريد حيث يريد ومتى يريد.

=====================

صباح ياسمين شامي*

د. هشام الشامي

مركز الدراسات الإستراتيجية لدعم الثورة السورية

*(هذه القصة كتبتها قبل حوالي ست سنوات ، و أعيد نشرها الآن كما هي ، بعد أن استيقظ شعبنا السوري وانتفض على جلاديه ونقلنا من عالم الحلم إلى عالم العلم)

أيقظتني زوجتي باكراً هذا الصباح بصوت هامس هادئ لا يوحي بأن لديها طلبات و أوامر كثيرة و مستعجلة تحتاج لتنفيذ فوري لا يحتمل التأخير، و عندما رأيت ابتسامتها الفاترة و فنجان القهوة بالحليب في يدها ، تجرأت و سألتها : ما الأمر الذي دعاك لإيقاظي قبل دوامي بأكثر من ساعة . أجابتني بصوت رقيق هامس : اشتهيت أن أحتسي القهوة برفقتك ، و دعتني لتناولها قرب البحرة في وسط بيتنا الدمشقي القديم . و عندما رأيت النافورة وسط البحرة قد عادت لتنثر الماء في الهواء من جديد ، و رأيت الورد الجوري و القرنفل يطفو و يسبح فوق مياه البحرة بعد غياب طويل ، عدت بذاكرتي لأكثر من عقدين إلى الوراء ، فأنا لم أجلس مثل هذه الجلسة العاطفية مع زوجتي منذ زمن بعيد .

 

الله .. ما أجمل عبق الياسمين الشامي ، عندما يعانق عبير الفل و شذى الريحان ، تلك الياسمينة التي غرستها والدتي – يرحمها الله – امتشقت جدار بيتنا و طلت على الممر الضيق خارج البيت لتصبّح على كل أهل الحي الوادع بصفاء بياض زهرها و طيب فوحه ، و بينما كنت ارتشف فنجان الصباح مع زوجتي و انفض الغبار عن ذكرياتنا الجميلة ، سمعت صوتاً رخيماً ينادي ( حليب حليب ) ، تنهدت طويلاً ، و توجهت إلى زوجتي بالكلام : الله يا أم نور ، هل تذكرين هذا الصوت ، أنه صوت بائع الحليب أبو صياح ، الذي كان يأتي كل صباح على بغلته البيضاء حاملاً لنا الحليب مع الأمل من الغوطة الخيرة ، كنت أحسب أنني نسيت هذا الصوت الذي كان يحثني منذ طفولتي أن أدع كتابي و أركض لأمي في المطبخ و آخذ منها وعاء يملؤه أبو صياح لنا كل يوم .

و بعد أن تبادلنا أطراف الحديث ، و استحضرنا تلك الذكريات البعيدة ، سألتها (و هذه المرة أنا من أسأل ) عن طلبات المنزل ، و ودعتني و هي تدعو لي بالتوفيق و الرزق و أن يحميني الله من الحكام و الظلام و أولاد الحرام ، و خرجت قاصداً عملي بكل نشاط و تفاؤل .

كان لا بد لي أن أعبر ذلك الطريق الضيق المرصوف بالحجر الأسود المتناسق ، و الذي لا يتسع لأكثر من شخصين بجانب بعضهما ، و ما إن يلتقي مع طريق الحي الفرعي الآخر حتى يتسع شيئاً فشيئاً ، لأصل إلى السوق ، حيث الضجيج الذي لا ينقطع منذ بواكير الصباح و حتى بعد منتصف الليل .

 

و أول ما لفت نظري عدم وجود ازدحام أمام الفرن ، حتى ظننت أنه مغلق ، لقد كان هناك شخصان أو ثلاثة فقط و قد اصطفوا بنظام وراء بعضهم ، بينما كان البائع يناولهم الخبز بشكل حضاري غير مألوف ، و قد نضده في أكياس نظيفة ( و كأنه خبز سياحي ) ، و هنا تذكرت المظاهرة التي كنت أراها كل يوم أمام هذا الفرن ، و الصراخ و السباب الذي كنت اسمعه هناك ، و قد انتشر حول الفرن السعداء (القبضايات) الذين فازوا بالوصول إلى نافذة البيع الضيقة و استطاعوا سحب رصيدهم من الخبز من تلك الكوة ( من فم الأسد ) ، بعد أن حرقوا أيديهم بحرارة الخبز الخارج من الفرن ، و تمزقت بعض الأرغفة في أطراف الفوهة الضيقة ، و أسرعوا إلى حافة الجدار ليمدوا كيساً من الخيش ، أو جريدة ( و هذه أهم فائدة للصحف اليومية في بلادنا ) لينشروا عليها الخبز، و هم ينظروا بشفقة و خيلاء لأولئك المساكين الذين سيحاربون كثيراً حتى يحصلوا على ما حصلوا هم عليه .

 

هذا الهدوء الغريب أمام الفرن أرهبني ، لأن محل أبو تحسين الجزار بجوار الفرن ، و كنت أستطيع وسط الضجيج أن أفلت منه بعض الأحايين دون أن يُسمعني ذلك الموشح اليومي ، عن المبلغ الذي صار بذمتي له ، و يفتح دفتره الدسم ليريني بأم عيني صفحة ديوني ،لأشرح له في كل مرة أنني لا أستطيع أن أعطيه شيئاً حتى أستلم مرتبي ( الهزيل ) من الوظيفة أول الشهر، لكنه هذه المرة لا بد سيلحظني ، و هو الذي يراقب الرائح و الغادي بعينيه الواسعتين ، و بسبب الهدوء سمعت صوتاً رخيماً ينطلق من محل أبو تحسين ،إنه صوت الشيخ عبد الباسط يتلو من سورة الرحمن ، فينشر جواً من الخشوع و الهدوء و الأمان في المكان ، و عندما رآني أبو تحسين أنظر إليه بطرف خجول ابتسم و قال : الله يصبحك بأنوار النبي يا جار . فرفعت رأسي و أجبت : الله يصبحك بالنور و العافية و السرور أبو تحسين .

 

لم يكن أبو تحسين هو العقبة الوحيدة التي يجب أن اجتازها كلما رحت أو غدوت إلى بيتي ، فها هو محل أبو حمدي البقال قد اقترب ، و لكن هذه العقبة تبقى أسهل من سابقتها لعدة أسباب ، أولها- لأن أبا حمدي غالباً ما يكون منشغلاً في داخل المحل بجلب طلبات الزبائن مما يسمح لي باجتيازها محافظاً على كرامتي و دون خسائر تذكر، و ثانيها- لأن واجهة المحل لم تكن كلها زجاج كواجهة محل أبو تحسين ، بل اكتفى بنافذة و كوة صغيرتين في وسط واجهة المحل ، النافذة لمناولة الزبون ، والكوة ينظر من خلالها و هو يحاور زبونه ، و لكن هاتين الكوتين لم تمنعا صوت فيروز الملائكي أن يعبق من المحل و يعانق مسامعي و هي تغني من كلمات سعيد عقل و ألحان الرحباني:

 

شام يا ذا السيف لم يغبِ ** يا كلام المجد في الكتبِ

قبلك التاريخ في ظلمةٍ ** بعدك استولى على الشهبِ

وثالثها- و هو الأهم أن أبا حمدي لا يملك سكاكين و سواطير أبي تحسين .

و ما إن اجتزت محل أبي حمدي بسلام حتى رفعت رأسي عالياً ، فمحل أبو جمال الحلواني الذي يصنع المحلاية و البوظة (بالدق اليدوي) لا يخيفني ، و لست مستديناً منه و الحمد لله ، لا لشيء ، إلا لأنه قد وضع لافته كبيرة في صدر المحل كتب عليها : الدين ممنوع و الرزق على الله .

لقد كانت أصوات التفاؤل الثرة تنطلق بصوت المنشد أبي الجود من محل أبي جمال ، فتعانق مشاش الفؤاد ، سارعت بالسلام عليه ، فرد السلام و أتبعه بقوله : تفضل أبو النور . فأجبته شكراً و تابعت مسيري إلى عملي .

كان هذا الطريق الوحيد الذي يجب أن اجتازه لأصل إلى الشارع ، قبل أن استقل سيارة الخدمة إلى مكان عملي ، يوقظ و يحرك كل حواسي ، فمن رائحة الخبز المنعشة ، إلى رائحة كباب أبي تحسين و رائحة الحمص و الفول و الفلافل و الشاورما و البيض المقلي بالسمن البلدي التي تجعل حاسة الشم عندي في أوج نشاطها و غددي اللعابية كنبع بردى .

و من منظر لحوم الضأن و قد زينها أبو تحسين بالبقدونس و الكزبرة و النعناع ، إلى محلات الفواكه و قد تزينت بخيرات الشام من كل لون و شكل و طعم ، و ما أكثر فاكهة الشام و خضراواتها التي تغذي العين و الروح بأشكالها و ألوانها قبل أن تغذي الذوق و الجسد .

 

وسط هذا الزحام ، و في زاوية ملتقى طريق الحي بالشارع ، نصب أبو سومر منشراً كمنشر الغسيل ، علق عليه الصحف اليومية ، و لعدم وجود إقبال على تلك الصحف المملة التي تكرر نفسها كل يوم ، كان أبو سومر يعرض صفحة الحوادث عوضاً عن عرض الصفحة الأولى و مانشيتاتها العريضة التي كانت على إيقاع واحد ، من حيث استقبل الرفيق و ودع الفريق ، و كان يرسم حول المواضيع - التي يراها تلفت الانتباه و تحث المواطنين على الشراء - خطوطاً عريضة حمراء و خضراء و صفراء ، فهنا خبر عن سرقة محل مجوهرات ، و هناك خبر عن جريمة قتل ضحيتها زوجة القاتل مع عشيقها ، و خبر آخر عن القبض على عصابة من الشباب العاطلين عن العمل و التي تمارس كافة الجرائم من اغتصاب و نهب و دعارة و تشليح و تشبيح ، و خبر عن موظف صغير سرق أكثر من خمسين مليون ليرة من دائرته ..

 

و لكن هذا الأسلوب المشوّق لم يكن يجذب الكثيرين و يقنعهم بضرورة دفع عشرة ليرات من أجل جريدة أبي سومر المملة بعد أن يخصمها من حصة أهله و أولاده .

و كان أهل الحي جميعاً يعرفون أن أبا سومر هذا لا يمكن أن يعيش مع عائلته من بيع عشرين إلى ثلاثين جريدة في اليوم ، ليس له منهم أكثر من ثلاثين ليرة في أحسن الأحوال ، و ما هو إلى موظف أمني لمراقبة الداخل و الخارج من الحي ، و إحصاء أنفاس البشر.

و لأننا نخاف من المخابرات كنت أحاول ما استطعت أن لا أرى أبا سومر ( فأنزع صباحي ) و لا يراني ( فينتزع صباحه ) .

لكنني هذا الصباح رأيت ما يلفت النظر حقاً ، رأيت جمهرة كبيرة من الناس قد تجمعت حول أبي سمير ، حتى ظننت أن المخبز قد انتقل إلى هناك ، و لأول مرة ساقني فضولي لأستطلع الأمر ، فرأيت جرائد أبي سمير قد عُرضت بصفحاتها الأولى ، و بمانشيتاتها العريضة ، و رأيت أبا سمير منشغلاً بمناولة زبائنه من تلك الجرائد المحلية الرسمية التي لم تكن تستهوي أحداً ، فتساءلت عن سر هذه الصحوة الثقافية الوطنية عند الجمهور ، و بدأت بقراءة عناوين الصحف :

- السيد الرئيس يصدر مرسوماً بإلغاء قانون الطوارئ .

- بعد أكثر من أربعة عقود ، قانون الطوارئ في سوريا باطل .

- الرئيس القائد يصدر عفواً عاماً عن كل السجناء السياسيين و سجناء الرأي .

- رئيس الجمهورية يأمر بتبيض السجون من السياسيين ، و يصدر عفواً عن المطلوبين خارج سوريا .

- تعطيل قانون الطوارئ ، و دعوة المنفيين للعودة إلى بلادهم بأمان .

- الرئيس الأسد يدعو لمؤتمر وطني شامل لا يستثني أحدا .

- المؤتمر الوطني سينعقد بداية الشهر القادم برعاية الأسد ، و ستنبثق عنه حكومة مؤقتة لمدة ستة أشهر ، ستمهد لانتخابات رئاسية متعددة و تحت إشراف دولي .

- السيد الرئيس يأمر بتشكيل لجنة للكشف عن المفقودين ، و دراسة كافة التجاوزات و التظلمات منذ تاريخ إعلان حالة الطوارئ ، و يأمر بتعويض المتضررين .

- السيد الرئيس يُفعّل لجنة من أين لك هذا ؟ لمحاسبة الفاسدين ، و المعتدين على الحق العام مهما علت رتبهم و مناصبهم ، و يبدأ بآل بيته المقربين .

و بينما أنا مندهش لما أقرأ ، لفني دوار شديد أخذني عقوداً إلى الوراء ، و بدأ شريط الذكريات يمر في خيالي كفيلم سينمائي قديم . تذكرت أخي أحمد الذي دخل السجن قبل أكثر من ربع قرن عندما اعتقل من داخل كليته ، و انقطعت أخباره منذ ذلك التاريخ ، و لا أدري هل هو على قيد الحياة ؟ أم أعدم مع الآلاف الذين أعدموا في السجون ؟ .

و تذكرت أخي الآخر عبد الرحمن الذي سافر للاختصاص في تقويم الأسنان في جامعات فرنسا ، و بعد عشر سنوات من الاختصاص و العمل هناك وحصوله على الجنسية و الجواز الفرنسي انتقل للعمل في مدينة أبو ظبي ، و لم أره منذ ثلاثين سنة .

و تذكرت أخي حسن الذي سافر إلى ألمانيا و حصل على دكتوراه في الفيزياء النووية ، و تزوج هناك من ألمانية ، و ما زال يدرّس في جامعات ألمانيا ، و لم يزر القطر إلى مرة واحدة في منتصف عقد الثمانينيات ، عندما تجرأ و حضر بعد وفاة الوالد الذي أصيب باحتشاء قلبي من حزنه على اعتقال أخي أحمد و مات من عقابيل ذلك الاحتشاء ، و عندما حضر حسن من ألمانيا للتعزية بوالده ، أعتقل من مطار دمشق ، و لولا جنسيته الألمانية و جهود زوجته و السفارة الألمانية لكان لحق بأخيه أحمد إلى سجن تدمر ، لكنه خرج بعد شهرين من السجن ليروي لنا قصص و مآسي السجون في سوريا .

و تذكرت أختي الوحيدة أسماء التي تعيش مع زوجها و عائلتها في السعودية ، ولم استطع رؤيتها منذ ما يقرب العقدين ، و عندما تواعدت معها و مع أخويَّ بأن نتقابل في الحج لم يوافق الأمن على إصدار جواز سفر لي ، رغم كل ما دفعت من رشوة و قدمت من هدايا لرجال الأمن و المسؤولين .

و تذكرت والدتي التي ماتت و الحسرة تحرق فؤادها ، أن يجمعنا من جديد بيت العائلة الذي أصبح في عهدتي لعدم وجود أحد من العائلة معي داخل الوطن الكليم ، و كانت توصيني دائماً بالمحافظة عليه و عدم بيعه أو التصرف به حتى يلم شملنا ثانية ، و هي لا تدري أنني لا أستطيع بيعه قانونياً إلى بموافقتهم جميعاً و هم بين مفقودين و منفيين .

و تذكرت المرات العديدة التي اعتقلت بها ، للسؤال عن أخوتي ، سواء عندما كنت طالباً في كلية الهندسة ، أو بعد تخرجي منها، و معاناتي في الحصول على ورقة ( لا حكم عليه ) من الأمن لأتمكّن من الحصول على الوظيفة ، و الرشوة التي دفعتها لجارنا أبي سومر حتى حصلت على تلك الورقة ، رغم أنني لم أحاكم ، و كانت أطول فترة حجزت بها في السجن قرابة عام عندما أرسل لي أخي حسن حوالة مالية من ألمانيا كقرض ليساعدني على فتح مكتب هندسي ، لأبدأ حياتي العملية بعد تخرجي ، فحجزت المخابرات المبلغ ، و حجزت بسببه قرابة السنة في سجن كفرسوسة ، لأنني أقبل المال من الإرهابيين و العملاء !!.

و بينما كانت تلك الذكريات تتدفق على مخيلتي كسيل جارف ، سمعت صوت زوجتي يخترق أذنيَّ و هي توكزني و تقول : استيقظ أبو النور ، لقد تأخرت عن عملك ، عليك أن تحضر لنا هذه الطلبات قبل ذهابك للعمل ، ولدك جائع و ليس لديه حليب ، ماذا أصابك ؟ لماذا لا ترد ؟ ، إنني أحاول إيقاظك منذ عشر دقائق .

 

و سمعت صوت طفلي الصغير يبكي فيخترق صراخه عنان السماء ، و أيقنت أنني كنت في حلم جميل ، فرفعت رأسي و سندت ظهري على ناصية السرير ، و قلت بحسرة و تأوّه : يا الله ، حتى الحلم أصبح حراماً في أسدستان .

=========================

نتنياهو يعطل صفقة شاليط

عادل عبد الرحمن

مضى خمسة أعوام على إختطاف الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط من قبل المقاومة الفلسطينية. وفي كل مرة تقترب فيها المفاوضات بين حكومات إسرائيل المتعاقبة وحركة حماس، الموجود لديها الاسير الاسرائيلي، تلجأ تلك الحكومات لإفشال صفقة التبادل، وتتذرع بحجج واهية عنوانها الاساس رفض الفلسطينيين التجاوب مع تضمنتة المقترحات، التي حملها المبعوثون والوسطاء الامميون والعرب. وذلك بهدف إفشال أية صفقة.

فضلا عن ذلك، حاولت تلك الحكومات إستقصاء المعلومات عن مكان وجود شاليط، لتحقيق غاية من خيارين، الاول تنفيذ عملية خاطفة لاستعادته، والثاني إن لم تتمكن من ذلك، تقوم بقتله، وتحميل الفلسطينيين المسؤولية عن ذلك. لان القيادات الصهيونية السياسية والامنية، لا تريد ان تقدم أي تنازل لصالح الفلسطينيين من أي نوع، وخاصة ما اعلنتة تلك القيادات واقرتة في الكنيست وفي المؤسسات التنفيذية السياسية والامنية، عن رفضها إطلاق سراح اسرى الحرية الفلسطينيين، الذين "تلطخت ايديهم بالدماء الاسرائيلية!" ، وكأن دولة الابرتهايد الاسرائيلية وقادتها من المستويات المختلفة لم ترتكب ابشع المذابح والجرائم بحق الشعب العربي الفلسطيني وقياداته السياسية والعسكرية.

غير أن نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل أشار اول امس في إجتماع الحكومة الدوري، أن حركة حماس، هي من يتحمل المسؤولية عن فشل الصفقة، التي حملها الوسيط الالماني غيرهارد كونراد، رغم ان حكومتة وافقت على الصفقة!؟ لكن الحقيقة اوضحها موفاز، رئيس لجنة الامن والخارجية في الكنيست، الذي أكد، أن نتنياهو، وليس أحد غيره، من عطل الصفقة. كما ان والد الجندي الاسرائيلي نوعم شاليط، أكد على ذات النقطة، وبدأ حملة عبر (SMS) للضغط على رئيس حكومة اقصى الييمين الصهيوني للقبول بالصفقة.

كما ان رئيس الشاباك الاسبق كرمي غيلون، تساءل: انا لا افهم كيف استطاع نتنياهو الافراج عن خالد مشعل والشيخ احمد ياسين مقابل (3) ضباط من الموساد، كانوا معتقلين لدى ملك الاردن الراحل حسين.. وتابع تساؤله: كيف لنتنياهو الان لا يستطيع الافراج عن الجندي شاليط؟" وتابع القول: نتنياهو يُّصر على موقف للاسف ، هو، موقف سياسي وليس امني. وهو يعلم بانه يمكن ان يمرر صفقة تبادل الاسرى في اللجنة السباعية المصغرة، لان معظم الوزؤراء يؤيدون الصفقة!؟"

إذا نتنياهو، وليس أحد غيره من يتحمل مسؤولية إفشال صفقة تبادل الاسرى. وهذا ما اكده أكثر من مسؤول من حركة حماس في قطاع غزة وفي دمشق، من ان حكومة اليمين الاسرائيلي المتطرف، هي التي عطلت الصفقة بوضعها عقبات جديدة- قديمة امام الصفقة. وبالتالي محاولة رئيس وزراء إسرائيل إلقاء عبأ الفشل في الصفقة على كاهل حركة حماس، باءت بالفشل. وجاء الرد عليه من القادة الاسرائيليين قبل قادة حماس.

وإذا شاء رئيس حكومة إئتلاف اليمين المتطرف، إتمام الصفقة، فليس عليه سوى الموافقة على كامل الاسماء المطروحة دون تلكؤ، ومن دون تلاعب،، او ممارسة ضغوط على أسرى الحرية الابطال، كما فعل نتنياهو من ألغاء التعليم الجامعي للاسرى، ومنع زيارت ذوي الاسرى لهم، وحرمانهم (الاسرى) من الكانتينة. بالاضافة إلى ما تنوي لجنة الداخلية في الكنيست اليوم من مناقشتة من تضييقات جديدة، تستهدف منع لقاء الاسرى بمحاميهم، وعزل بعض السجناء أمثال السنوار، وغيرها من الاجراءات القمعية والتنكيلية بحق الاسرى الابطال.

من يريد سلامة الجندي شاليط وعودته سالما لذويه عليه ان يلتزم بدفع استحقاق صفقة التبادل، دون تسويف او مماطلة، لان ذلك يعقد المسائل أكثر مما يجب. وعلى قيادة حماس ان تبتعد عن تعقيد عملية التبادل لتخفف من الاثمان الباهظة التي دفعها الشعب الفلسطيني جراء إختطاف جلعاد شاليط. ولتقطع الطريق على نتنياهو ومن لف لفه، الذين يعملوا بكل ما اوتوا من ثقل سياسي وامني لافشال الصفقة.

a.a.alrhman@gmail.com

===========================

الملتقيات التشاورية تساعد السوريين في الانعتاق من التصحر الفكري

محمد فاروق الإمام

في مقالي يوم الاثنين دعوت إلى عدم التسرع وإطلاق الأحكام المسبقة على الملتقى التشاوري الذي دعت إليه مجموعة من النشطاء السياسيين السوريين المستقلين تحت شعار: (سورية للجميع في ظل دولة ديمقراطية مدنية) قبل أن يصدر بيانه الختامي ونسمع تصريحات أهم المشاركين فيه، وإذا ما كان هناك تباين ووجهات نظر مختلفة بين المعارضين في الداخل والخارج فهذه ظاهرة صحية تدعو إلى الاطمئنان وليس إلى الخوف!!

ومساء نفس اليوم 27 حزيران عقد المؤتمر في فندق سمير أميس بدمشق، وضم لفيفاً من النشطاء السياسيين المستقلين، وكان من بين الملتقين نخب مشهود لها بوطنيتها، وقد أمضت شطراً من عمرها في سجون النظام الاستبدادي في سورية.

بداية أنا مع كل مؤتمر وحراك وطني سواء في الداخل السوري أو خارجه شريطة أن يتناغم مع تفاعل الشارع السوري وثورته، ويدعم أهداف وتطلعات وأحلام وأماني الثائرين ويشد من أزرهم في الوصول إلى الهدف الذي أجمع عليه السوريون، المتمثل في انتزاع الحرية والفوز بالكرامة والوصول إلى الدولة المدنية التي هويتها من حق الجميع دون تمايز بسبب العرق أو الدين أو الطائفة أو المذهب أو المعتقد، تنعم بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة في ظل قانون عصري جديد وأسلوب حكم تختاره الجماهير عبر استفتاء شعبي، وفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، وتحجيم دور أجهزة الأمن وحصر مهمتها في خدمة الوطن وأمن المواطن، وإعلام حر يغطي الأحداث بمصداقية ومهنية وحيادية، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع النزيهة والشفافة تحت إشراف قضائي مستقل ومراقبة دولية وعربية ووطنية.

السوريون بطبعهم شعب حضاري متمدن رقيق المشاعر ومرهف الأحاسيس وليس لديه تعطشاً لسفك الدماء أو هواية للقتل، ولكنه مقدام شجاع يأبى الذل والخنوع ويبذل المهج والأرواح دون حريته وكرامته إذا ما فرض عليه تقديمها، وقد فعل عندما واجه النظام تظاهراته السلمية المطالبة بالحرية والكرامة والعدل والمساوة والتوزيع العادل للثروات، وكلما اشتد النظام في قمعه ورفع من وتيرة جرائمه، كانت هذه الجماهير المتظاهرة تصر على المواجهة السلمية بصدورها العارية، وترفع من سقف مطالبها وتزداد إصراراً واتساعاً في تظاهراتها واحتجاجاتها عمودياً وأفقياً، حتى غدت تشمل المظاهرات والاحتجاجات كل المدن السورية والبلدات والقرى من شمال البلاد إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، مقدمة ما يزيد على 1700 شهيد وأضعافهم من الجرحى والمفقودين، ونحو عشرين ألف معتقل ومثلهم من المهجرين إلى دول الجوار.

بدأ المؤتمر العلني للمعارضة الذي عقد تحت شعار "سورية للجميع في ظل دولة ديمقراطية مدنية" لبحث سبل الخروج من الأزمة في سورية والذي يعتبر الأول من نوعه في فندق سميراميس بدمشق، وافتتح الاجتماع بكلمة للناشط ومنظم الاجتماع لؤي حسين أشار فيها إلى أن الاجتماع هو الأول الذي يعقد منذ عقود وبشكل علني داعياً المشاركين إلى تحمل مسؤولياتهم أمام الشعب السوري.

وأضاف "إن الحاضرين هنا ليسوا مسلحين أو إرهابيين أو مخربين"، مشدداً على أن "نظام الاستبداد لا بد من زواله وأن تسود المواطنة بين السوريين التي تحقق المساواة في ما بينهم"، مضيفاً أن "هذا اللقاء هو محاولة لوضع آليات للانتقال إلى دولة ديمقراطية ووضع تصور لإنهاء حالة الاستبداد والانتقال السلمي إلى دولة العدالة".

محذراً من احتمال أن يكون في الغد "انهيار للنظام السياسي" وبالتالي "علينا أن نحافظ على بنية الدولة" مشيراً إلى أن الحراك الذي يسود سورية منذ أشهر ليس صراعاً على السلطة وإن السلطة تعاملت معه بشكل يعاكس فعل التطور والتاريخ.

وقال ميشيل كيلو أحد أهم وجوه الملتقى خلال الاجتماع إن "الحل الأمني يؤدي إلى تدمير سورية" مضيفاً "يجب إيقاف الحل الأمني الذي يعبر عن عقلية ستأخذ البلد إلى أزمة لن تخرج منها".

وأضاف "الأزمة تواجه بالعقل والتدابير والقوانين، الأزمة في سورية أزمة طويلة وعميقة ولا تحل بالأمن والقمع لأنها ليست ذات طبيعة أمنية".

وفي ختام المؤتمر صدر عن الملتقى البيان التالي:

1-دعم "الانتفاضة الشعبية" من أجل تحقيق أهدافها إلى دولة ديمقراطية مدنية تعددية تضمن حقوق وحريات جميع المواطنين السوريين السياسية والثقافية، كما تضمن العدالة بين جميع المواطنين والمواطنات بغض النظر عن العرق والدين والجنس.

2- إنهاء الخيار الأمني وسحب القوى الأمنية من المدن والبلدات والقرى وتشكيل لجنة تحقيق مستقلة ذات مصداقية، للتحقيق بجرائم القتل التي تعرض لها متظاهرون وعناصر الجيش السوري.

3-ضمان حرية التظاهر السلمي دون إذن مسبق وضمان سلامة المتظاهرين.

4-إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومعتقلي الرأي والمعتقلين على خلفية الأحداث الأخيرة دون استثناء.

5-رفض التجييش الإعلامي من أي جهة كانت، كما نطالب الإعلام المحلي وشبه الرسمي بعدم التمييز بين المواطنين، وفتحه أمام المواطنين للتعبير عن رأيهم بحرية.

6-إدانة جميع أنواع التحريض الطائفي والتأكيد على وحدة الشعب السوري.

7-إعادة اللاجئين والمهجرين إلى منازلهم وحفظ أمنهم وكرامتهم وحقوقهم والتعويض عليهم.

8-إدانة أي سياسيات وممارسات من أي جهة صدرت تشجع على التدخل الأجنبي أو تمهد له أو تطالب به بأي شكل من الأشكال، فنرى أن العملية الأمنية الجارية، هي التي تستدعي مثل هذه التدخلات.

9-ندعو إلى السماح للإعلام الدولي والعربي بتغطية ما يجري في سورية بكل حرية.

10-عقد لقاءات مماثلة بمختلف المحافظات السورية، تنظمها وتدعو إليها هيئة تنسيق دائمة تنبثق عن هذا اللقاء.

كما أصدر المشاركون في المؤتمر وثيقة سموها "عهد" تعهدوا فيه بالبقاء "جزءاً من انتفاضة شعبنا السوري السلمية في سبيل الحرية والديمقراطية والتعددية تؤسس لدولة ديمقراطية مدنية بصورة سلمية".

وأعربوا عن رفضهم "اللجوء إلى الخيار الأمني لحل الأزمة السياسية البنيوية العميقة التي تعاني منها سورية" وإدانتهم لأي "خطاب وسلوك يفرق بين السوريين على أساس طائفي أو مذهبي أو عرقي"، كما أعلنوا رفضهم لأي "دعوة للتدويل أو التدخل الخارجي في شؤون سورية".

إن ما جاء في البيان الختامي للملتقى وما أدلى به بعض أهم المشاركين فيه من تصريحات، ووثيقة (العهد) التي أصدرها المشاركون.. هي أدلة واضحة بينة صريحة على أن هذا الملتقى كان كباقي المؤتمرات الوطنية الخارجية رديفاً للثورة ودعماً لها وينهل من مشكاتها، ولا ضير في اختلاف الرأي دون تسفيه أو اتهام، وهذا البروفسور عارف دليلة انسحب من الملتقى قبل صدور بيانه الختامي لأنه – كما قال: (لا يود المشاركة في مؤتمر تستغله السلطات في الوقت الذي تستمر فيه أعمال القتل والاعتقالات الجماعية)، وهذه وجهة نظر نحترمها ونقدرها، وهذا الموقف هو رسالة أيضاً للنظام إذا ما فكر في استغلال عقد هذا الملتقى لتسويق دعاويه في الإصلاح والحوار والاستجابة لمطالب الجماهير.

ختاماً أقول لا ضير في عقد مثل هذه اللقاءات الحوارية والاستشارية ليتعرف بعضنا على أفكار بعض ويتم التلاقح، ويتعلم بعضنا من بعض كيف يكون الحوار وتقبل الرأي الآخر والاعتراف به واحترامه، والخروج من التصحر الفكري المنغلق الذي فرضه النظام السادي الجاهل والمتخلف في دمشق على السوريين لنحو نصف قرن!!

=======================

بشار أبشر

الشيخ سعود الشريم*

*إمام الحرم المكي

بـئسَ الـقريبُ إذا أهانَ iiقريْبا      وأذاقــهُ  الَّـتنكيلَ والـتَّعذيْبا
بـئسَ  الـنِّظامُ إذا تجبَّرَ حُكْمهُ      فـغدا عـلى أهـلِ البِّلادِ iiكئيْبا
ياشَامَنا  يا أرضَ أسلافٍ iiمَضَواْ      مـنْ  مُـسْمِعٌ في العالمين لَبيْبا
مـنْ  مُبْصرٌ قهْرَ الطًّغاةِ iiومُبْلِغٌ      عـنَّا شُـجاعاً لـلنداءِ iiمُـجيْبا
يـامنْ قـتلتُمْ دونَ قـلبٍ أمَّـةً      وذبـحتموا صِـبيانهمْ iiوشَـبيْبا
أرْهَـبْتمُوْا أمَّ الْـيَتِيْمِ iiوزوْجـةً      وأهَـنْتُموْا شـيْخاً يـدبُّ iiدبيْبَا
يـامَنْ  أدرْتـمْ لِلْيهُودِ iiظُهورَكُمْ      ورَمَـيتُمُوْا  بـالقاتلاتِ حَـبيبا
قـدْ  كُنْتمٌوْا صَوبَ العدوِّ iiنَعامةً      وَعَـوَيْتمُوْا  نـحوَالأقاربِ iiذِيْبا
يـامَنْ  قـتلْتمْ بـالْخِيانةِ iiحمْزةً      نَـجْلَ  الْـخطِيبِ مُعَذَّباً iiومَعِيْبا
إنـا  نُـبشِّرُكمْ بِـشَرِّ iiعـقوبةٍ      ولـسَوفَ تـلْقَونَ الْغداةَ iiنَصِيبَا
قُـلْنا  لَـكُمْ لِيْنُوْا على iiإخْوانِكمْ      ولْـتتَّقُوْا  الـتَّضْيِيقَ iiوالـتأْليْبا
ولْـتذكروا الَأيـامَ فـهْيَ تدَاُولٌ      ولْـتسْمعُوْا الـتوبيْخَ iiوالـتَّأنيْبا
كُـفُّوْاعنِ الـتَّقْتِيلِ يا ويْلَ الذي      لَـمْ  يَـخشَ ربَّـاً للْعبادِ iiرَقِيْبا
بـشَّارُ  أبْـشِرْ بـالبَوارِ iiأقولهَا      قـدْ  كـانَ ربُّك شاهِداً iiوحسِيْبا
بـشَّاْر إنَّ الـذُّلَ يـأْتي iiبـغْتةً      لِـيصِيرَ  عِـزُّ الظالِمينَ iiنحِيْبا
هلْ  كنتَ يوماً في البلادِ iiحمامَةً      أوْ كـنتَ يوماً في الزَّمانِ طبِيْبا
باللهِ  قُـلْ لـيْ كيفَ ترْقدُ iiآمِناً      ويـدَاكَ  تهوَى الْقتْلَ iiوالتَّخْرِيْبا
باللهِ قـلْ لِـيْ كيفَ تهْنأُ iiلحْظةً      والأمْرُ  باتَ على الْعبَادِ iiعَصِيْبا
هَـلَّا تـذكرْتَ الْحِسابَ iiوساعَةً      قـدْ  تـجْعلُ الوِلْدانَ فيْهِ iiمَشِيْبَا
فاللهُ  يُـمْـلِيْ لِـلظَّلوْمِ iiزيـادةً      فـي الإثمِ كَيْ يصْلَى بذاكَ لَهِيْبا
لـكِنَّها الأيـامُ خـيرً iiشـوَاهدٍ      مَنْ  كانَ رَمْزَ الْقتلِ مَاتَ iiصَلِيْبا
فانْظُرْ إلى الْعِنبِ الَّلطِيفِ نَظَارَةً      لابُـدَّ  يَـوْماً أنْ يَـحوْلَ iiزَبِيبا
إنَّـا لَـنَرْجُوْ ذُ لَّ كـلِّ مُخرِّبٍ      قـلْنَا  عَـسَاهُ أنْ يـكوْنَ iiقريْبا
إنَّ احْـتِرَاقَ الـنَّارِ فيْ أعْوادِنا      قَـدْ  يُوْرِثً الْعوْدَ الْمُحَرَّقَ طِيبا
مَنْ  ذاقَ طَعْمَ اْلمُرِّ وسْطَ iiمَظاْلمٍ      لابُـدَّ  يـوْماً أنْ يَـذوْقَ iiجَنِيْبا

___________

(الجنيب): من أجود أنواع التمر

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ