ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
هجوم
الحوار.. مع الهجمة القمعية ..
هذا ما تصنع السلطة.. فما هو
الجواب السياسي للثورة؟ نبيل
شبيب أوّل
ما يمكن قوله بشأن ما شهدته دمشق
بإخراج السلطة يوم 10/7/2011م أنّه
يريد أن يوضع الحدث الكبير في
خانة "انتفاضة احتجاجية" (بعد
تهاوي مقولات المؤامرة.. إلى
آخره) وليس "ثورة تغييرية"،
فيمكن تلبية ما تقول به
الاحتجاجات جزئيا وتسميته
تغييرا دون أن يحمل مقوّمات
التغيير الجذري الشامل الذي
اندلعت الثورة لتحقيقه على أرض
واقع سورية.. الوطن والشعب
والدولة. هذا
بحدّ ذاته يمثل تراجعا.. ولكن لا
يمثل تسليما للثورة الشعبية
الكبرى بتاريخ سورية،
والمحورية في تاريخ المنطقة
والعالم. مصداقية
الحوار العنوان
يلفت النظر: "لقاء تشاوري
للحوار الوطني حول أولويات
الحوار"!.. وصياغة العنوان
ليست اعتباطية: -
فكلمة التشاوري يحدّد الصفة غير
الإلزامية.. -
وعبارة "حول أولويات الحوار"
تحدّد الهدف.. - أما
كلمة "حوار وطني" فتجميلية
تسويقية ترويجية، ويمكن أن توضع
مكانها عبارة: "حوار قلب
السلطة مع رئتي السلطة".. أمّا
الشعب ففي الشوارع يقاطع
الحوار، وأما المعارضون -بمن
فيهم عددٌ ممّن كان أقرب إلى
الحوار مع السلطة أثناء الثورة-
فهم غائبون ومغيّبون، ومعظمهم
أعلن -اضطرارا أو اقتناعا- أنّ
هذا الحوار ليس حوارا. المصداقية
لا تحتاج إلى حديث، فحديث
الرصاص والدبابات والاعتقالات
"أصدق إنباءً من الكَلِمِ ومن
الورق ومن الخطب".. رغم
ذلك.. لو انطلقنا من مصداقية
الحوار، فإنّ العنوان الذي
اختير له يقول إنّ إقصى ما يمكن
الوصول إليه هو "توصيات..
مرتّبة زمنيا" فعلى افتراض
القول بأن إحدى التوصيات ستكون
تغيير الدستور مثلا، فسيكون
الاحتجاج بضرورات عملية سببا في
وضعها في مرتبة متأخرة.. وإلى
ذلك الحين يستمر الحكم الفردي -المسنود
قمعيا- بمراسيم، قابلة للتراجع
عنها أو الالتفاف عليها بمراسيم
أخرى، ولئن هدأت الثورة تبعا
لذلك انقطع المسار سواء سمّي
إصلاحيا أو تغييريا!.. يبقى
السؤال المعلّق: هل يمكن إجراء
حوار له مصداقية.. ويكون فيه طرف
يمثل السلطة؟.. توجد
مطالب معروفة يتكرّر ذكرها، لم
تجد التلبية في الوقت المناسب،
فتجاوزتها الثورة وأعلنت: لا
حوار. ويوجد من المعارضين
السياسيين من ينتقد ذلك، بحقّ..
وفق عقلية الأساليب التقليدية
السياسية، وبدون حق لأن الثورة
تصنع مشروعيتها. لهذا،
لم يعد يمكن أن يجري حوار له
مصداقية دون خطوتين وليس خطوة
واحدة: 1-
تلبية جميع المطالب المعروفة (تطهير
السجون والمعتقلات.. إنهاء
القمع.. عزل من مارسه ويمارسه
ويصدر أوامره لممارسته.. إلغاء
جميع قيود السفر والعودة دون
استثناء ودون البوابة الأمنية..
إلى آخره) 2-
إعلان رسمي ملزم من جانب مَن
يمثل السلطة الاستبدادية
الحالية بموجب دستورها -بغض
النظر عن وصفه الذي يستحق- وهو
رئيس الجمهورية بشار الأسد: (1)- أن
هذه السلطة لم تعد تملك صناعة
القرار الوطني (2)-
أنّها تسلّم كافة الصلاحيات
لصناعة القرار لهيئة وطنية
جديدة.. سيان ما الاسم الذي
تحمله تتولى كافة السلطات
والصلاحيات من لحظة انعقادها
حتى اكتمال مرحلة انتقالية إلى
نشأة الدولة الجديدة (3)-
تتشكل هذه الهيئة تلقائيا
وفوريا -وليس من جانب السلطة
وبدعوة من جانبها- فدور السلطة
هنا في أقصى الحالات: إصدار "مرسوم
رئاسي أخير" خاضع لمشروعية
الثورة، أي للشعب وهو سيد نفسه،
بتسليم الصلاحيات والسلطات
لتلك الهيئة، التي تضمّ جميع
أطياف الشعب السوري، ابتداء: (أ) بمن
يمثل الثورة من كافة التنسيقيات
في الداخل، انتهاء: (ب)
بالشخصيات المعتبرة تاريخيا
وممثلي جميع منظمات حقوق
الإنسان (ت)
كافة تشكيلات المعارضة المنظمة
في الداخل والخارج.. (ث)
ويمكن أن يوجد آنذاك، في نهاية
المطاف، مَن ينتسب إلى السلطة
الاستبدادية الحالية (أي
الرئاسة والحكومة والحزب بعد
إلغاء أجهزة القمع) شريطة
الالتزام المسبق بتسليم آمنٍ
مانعٍ للفوضى الإدارية، لجميع
ما يرتبط بممارسة السلطات
التنفيذية والتشريعة والقضائية
وسواها للأجهزة المنبثقة عن هذه
الهيئة الجديدة. آنذاك
يمكن أن توصف مداولات الهيئة
بأنها شكل من أشكال "حوار
وطني" محتمل. رفض
الحوار مع
الإعلان عن جمعة "لا للحوار"
صدرت انتقادات عديدة، لا حاجة
إلى تعدادها ومناقشتها، إنّما
توجد ضرورة لتثبيت المقصود، لا
سيما وأنّ كلمة "حوار" بحدّ
ذاتها إيجابية، فرفضها قابل
للاستغلال، مثلما يجري استغلال
الكلمة ذاتها فيما سمي لقاء
تشاوريا حول أولويات الحوار. إن
الثورة الشعبية في سورية: - ترفض
حوار السلطة مع نفسها.. -
وترفض حوارا من أجل استبقاء
السلطة.. -
وترفض حوارا من أجل تبرئة
السلطة ممّا صنعت حتى الآن.. -
وترفض حوارا يمكن أن يفضي إلى
الالتفاف على أهداف الثورة
وإنجازاتها.. والثورة
الشعبية في سورية: - لا
ترفض الحوار تحت سقف الوطن..
ولكن ترفض حوارا زائفا قبل
استرداد الوطن.. إذ لا يمكن أن
يكون آنذاك حوارا تحت سقف الوطن..
بل تحت سقف السلطة المتسلّطة
على الوطن والشعب.. إنّ
الثورة الشعبية تطالب بحوار
وطني.. بين من يمثل الوطن وشعبه
وليس بين المتسلّط على الوطن
بأجهزته القمعية في كافة مدن
سورية وبلداتها والمتسلّط على
"قاعة الكلام" تحت عنوان
حوار. الهجوم
الثوري المطلوب مقابل الهجوم
الحواري والقمعي التسلّطي على
خلفية ما سبق يمكن ذكر عدد من
النقاط الأساسية من منطلق
الثورة الشعبية وأهدافها: 1- رغم
كل ما هو معروف عن خواء الحملات
الإعلامية والسياسية المرتبطة
بالسلطة الاستبدادية، لا ينبغي
أن يُستهان بقابلية توظيف "الهجوم
الحواري" الجاري جنبا إلى جنب
مع "الهجوم القمعي"، سواء
على الصعيد الخارجي أو على
الصعيد الداخلي. 2- هذا
"الهجوم الحواري" مع ما
يُطرح فيه كلاميا، تعبير مباشر
عن إدراك السلطة المستبدة أنّها
منهارة لا محالة، وإذا فرض
مسارُ الثورة ذلك عليها، فيجب
أن يكون مسار الثورة قادرا على
التحرّك -الآن- من أجل اللحظة
الحاسمة التالية مباشرة لسقوط
السلطة المستبدة. 3- إن
سقوط السلطة.. دون وجود "أرضية"
لِما ينشأ بعدها وفق أهداف
الثورة، يوجد وضعا بالغ
الخطورة، اعتاد المفكرون
السياسيون على وصفه بالفراغ
السياسي، حيث يملؤه "الأسرع"
وليس "الأصحّ".. 4-
التحرك المطلوب الآن -وسط ظروف
مواصلة الثورة الشعبية- هو
تثبيت معالم تلك الأرضية
الراسخة لبناء جديد، شامل
لأطياف الشعب وجميع قواه دون
إقصاء، ضامن لوجود آليّات تمكّن
من تجاوز المرحلة الانتقالية
دون زرع "بذور" لاستبداد
مستقبلي آخر. 5- لا
يمكن أن ينفرد طرف وطني دون آخر
بأداء هذه المهمة.. وبتعبير أوضح: أ-
الإقصاء أو الاستثناء هو مصدر
خطر كبير لبذور استبداد
مستقبلي، وهذا ما يجب أن تخلو
منه أي خطوة من جانب أي طرف من
أطراف المعارضة في مبادرة أو
مؤتمر تقصي طيفا من الأطياف
الوطنية والسياسية، أو تعمل دون
الحصول فوريا أو تدريجيا على
تأييد مباشر من جانب النسبة
الأعظم من تنسيقيات الثورة في
الداخل.. ب-
الإقصاء أو الاستثناء هو مصدر
خطر كبير لبذور استبداد مستقبلي
أيضا، إذا صدرت أيّ خطوة من جانب
أيّ طرف من أطراف تنسيقيات
الثورة في الداخل، تنطوي على
استثناء مشاركة أي طيف من أطياف
المعارضة التقليدية السياسية
في الداخل والخارج، أو تقصي جهة
من الجهات التنسيقية الأخرى.. ت- لا
يصحّ أن يضع طرف وطني مخلص، من
المعارضة التقليدية ومن
التنسيقيات الداخلية وسواها،
"قالبا من قوالب التصوّرات
المستقبلية" ويعتبره جاهزا..
وعلى سواه "الانضمام" وفق
شروطه.. ث-
بالمقابل لا يمكن في نطاق
المعطيات الحالية صدور مبادرة
أو عقد مؤتمر شامل للجميع دون
استنثاء بحيث يوصف ما يصدر عنه
بأنه يمثل الجميع دون استثناء. ج- لا
بد إذن من أن يكون الطرح مفتوحا
أمام الحوار والتعديل.. ليتسع
نطاق القاعدة الوطنية التي
يستند إليها يوما بعد يوم. كاتب
هذه السطور يعتقد بأن هذا الشرط
الأخير هو المتوافر في مشروع
"مؤتمر الإنقاذ الوطني"
حاليا، ولا يتوافر بالقدر
الكافي في سواه. ======================= عادل
عبد الرحمن منذ
تولى حزب العدالة والتنمية
التركي بقيادة الثلاثي: اردوغان
غول وأوغلو عام 2003، إعتمدت
الجمهورية التركية إستراتيجية
جديدة في علاقاتها مع دول
الاقليم والعالم، عنوانها "تصفير
المشاكل". هذا المبدا العام
رسمه المفكر الاستراتيجي
للمجموعة الحاكمة، أحمد دواود
أوغلو، وزير الخارجية الحالي.
وعمق المبدأ الناظم للسياسة
التركية بمبادىء أربعة للسياسة
الخارجية التركية في علاقاتها
مع دول العالم ودول الاقليم
خصوصا، وهي: اولا الامن للجميع؛
وثانيا تغليب الحوار في حل
المشاكل؛ وثالثا الاعتماد
الاقتصادي المتبادل بين الدول؛
ورابعا التعايش السلمي بين
الاطياف والاعراق المختلفة. كما
ضمن كتابه الاهم "العمق
الاستراتيجي" الرغبة في قيام
نظام اقليمي جديد ينهي النزاعات
العالقة. مؤكدا، ان تركيا
الجديدة لا تنافس أية دولة في
المنطقة، وتحرص على التكامل
الاقتصادي مع دول الاقليم، التي
يعتبرها اساس السلام في المنطقة.
وتجلى ذلك في تحسين علاقات
تركيا مع دول شبه جزيرة البلقان
وخاصة اليونان، العدو
التاريخي، وبلغاريا، التي لم
تكن على وئام مع الجمهورية
التركية تاريخيا،وحتى ارمينيا
المعروفة بعدائها التاريخي
للاتراك، مدت القيادة الجديدة
الجسور معها، ورطبت الاجواء
فيما بين الدولتين.. وغيرها من
دول الاقليم. وفي
الاتجاه ألآخر، نجحت النواظم
المثالية للسياسة التركية لحين
في العلاقة التركية - العربية
والبلقانية، مما سمح لها أن
تترك إنعكاسات إيجابية في
الداخل التركي، تمثل في منح
الثقة بالحزب الحاكم للمرة
الثالثة (2003و2007و 2011) في
الانتخابات التشريعية، التي
أعطت حزب العدالة والتنمية
الثقة في متوالية حسابية
متصاعدة، كانت حصيلتها الاخيرة
قبل فترة وجيزة، حصول الحزب على
50,21%. وايضا في العلاقة مع دول
الاقليم (الخارج) وخاصة في
الاوساط العربية. حيث تعززت
علاقات الجمهورية التركية مع كل
الدول العربية بما في ذلك
سوريا، والاهم ، ان السياسة
التركية الايجابية تجاه مصالح
العرب عموما والفلسطينيين
خصوصا ضاعف من شعبية القيادة
الجديدة اردوغان وغول واوغلو في
اوساط الجماهير العربية. لكن
مبدا "تصفير المشاكل"،
الذي حققت من خلاله القيادة
التركية إنجازات ملموسة، لم يعد
مبدأً قابلا للحياة في السياسة
الخارجية التركية، لان تركيا
دولة ذات اهمية مركزية في
الاقليم والعالم، فهي على تماس
مع العرب وقضاياهم، كونها تجاور
في حدودها كل من العراق وسوريا،
وهي في صلة عميقة مع العرب
والمسلمين بحكم الاغلبية
الاسلامية (السنية والشيعية)
للسكان الاتراك، ولم تتمكن
الدولة الاتاتوركية ( نسبة
لكمال اتاتورك) عزل تركيا عن
محيطها العربي والاسلامي. وهذا
التماس أرغم تركيا للدخول في
مواجهة مع الحليف الاسرائيلي
الاستراتيجي السابق نتج عن دعم
الاتراك للقضية الفلسطينية،
وما نجم عن ذلك من تصادم بين
الاسرائيليين والاتراك تمثل في
تصدي الجيش الاسرائيلي لاسطول
الحرية (1) في نهاية مايو / ايار
الماضي، والذي ادى الى استشهاد
تسعة اتراك من المتضامنين
الامميين . كما ان الثورات
العربية فرضت على تركيا إتخاذ
مواقف لصالح دعم تلك الثورات في
كل من ليبيا وسوريا. وتركيا
الجديدة إذا ارادت لعب دور
اقليمي يتناسب مع طموحات
القيادة الاردوغانية، ومع وزن
تركيا الاقليمي والدولي، فإنها
معنية بالخروج فورا من دائرة
مبدأ عدم المنافسة مع دول
الاقليم، الى لحظة الاعلان
المباشر عن رغبتها في المنافسة
للعب الدور، الذي تعتقد يتوافق
وطموحاتها. لا سيما وان ايران
تعلن جهارا نهارا، ودون مواربة
عن رغبتها في تبوأ المكانة
الاولى في الاقليم، في ظل ضعف
العرب وتراجع الدورين المصري
والسعودي، ومن خلال إمساكها
بعدد من اوراق القوة في المنطقة
في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن
والبحرين وغيرها. كما ان الدول
العربية (مصر والسعودية) لكل
منها همومها، كما إن المنطقة
مازالت تعيش لحظة مخاض لم يكشف
عن وجه المولود العربي الجديد،
الامر الذي يسمح لتركيا اردوغان
- غول - اوغلو ان تركب سفينة
الاقليم من خلال بناء تحالف
تركي - عربي للقوى المعتدلة،
للحد من الدور الايراني المنافس
القوي، ولتعزيز دور تركيا
الداخلي والعربي وفي شبه جزيرة
البلقان، وايضا في العلاقة مع
دول الاتحاد الاوروبي. ومثل
هذا التحالف يحقق لتركيا تبوأ
دوراً مركزيا ومؤثرا في الشرق
الاوسط الكبير، وفي شبه جزيرة
البلقان، وايضا في العلاقة مع
اوروبا، وكذلك مع روسيا
وجمهوريات اسيا السطى. كما يمكن
ان يغنيها عن دخول الاتحاد
الاوروبي. ذلك الهدف، الذي لم
يتحقق حتى الان، رغم كل
التنازلات التي قدمتها
القيادات التركية المختلفة
لصالح الاتحاد الاوروبي.
وبالتالي مثل هذا التوجه، يفرض
على الوزير التركي احمد داود
اوغلو المفكر الاستراتيجي،
إعادة نظر جذرية في نواظمه
الاستراتيجية، لان "تصفير
المشاكل" لم يعد قائما، وعدم
المنافسة ايضا سقط مع تصاعد
الرغبة بالمنافسة وباحتلال
موقع قيادي يتلائم مع مكانة
تركيا الاقليمية والدولية.
والكرة في ملعب الثلاثي القيادة
التركي، وليس في اي ملعب آخرز ===================== حول
زيارة السفير الأمريكي إلى حماه *محمد
حيان السمان من
الصعب جداً أن يتصور المرء أن
السفير الأمريكي قد فاجأ النظام
السوري بزيارته إلى مدينة حماه ,
والمبيت فيها حتى يوم - جمعة لا
للحوار - . أما التساؤلات التي
أطلقتها السيدة بثينة شعبان حول
كيفية وصول السفير إلى حماه من
دون أن تهاجمه العصابات المسلحة,
فلا يمكن التعامل معها إلا
بوصفها تذاكي على الحقيقة,
ممجوج ومكشوف, وعلامة دالة على
خواء الدبلوماسية السورية وضيق
الأفق الذي يحكم رؤية النظام
لما يحدث, ولسبلِ الحل. هنا لابد
من التذكير بتصريحين أدلى بهما
وزير الخارجية المعلم – رأس
الدبلوماسية السورية – يندرجان
في سياق ضيق الأفق والتذاكي على
الحقيقة نفسه : الأول حول قرار
مسح أوربا من الخارطة. والثاني
القول بأن الدبابات السورية لم
ترغب في دخول حماه, بل هي كانت
متجهة إلى إدلب!! . الوزير
والسيدة شعبان كلاهما ما فتئا
يحاولان ستر الشمس بالغربال, في
زمن تغدو فيه الشفافية والوضوح
معياراً لشرعية العمل السياسي
وقيادة الدول. وبالعودة
إلى موضوع السفير الأمريكي
وزيارته لمدينة حماه التي نقلت
عبر ساحتها الرئيسية مسارَ
الثورة السورية نقلة نوعية
وحاسمة؛ لا بد من ملاحظة الهوة
الكبيرة بين قراءتين لساحة
العاصي والعصيان الشعبي الشجاع
الذي تجسده الحشود هناك. قراءة
النظام التسلطي الذي يحكم سوريا
من جهة, وقراءة الدبلوماسية
الغربية والمجتمع الدولي من جهة
ثانية. خلف
قراءة النظام السوري يقبع عقل
عنفيّ أمني بربري, يفتقر إلى
أدنى درجات المرونة والمبادرة
التي يتطلبها العمل في السياسة
وإدارة أزمات المجتمع. كما أن
الحملة الإعلامية التي شنها
النظام على زيارة السفير,
استناداً إلى التلفيق من جهة
والشعارات الخرقاء التي لم تعد
تقنع أحداً من جهة ثانية؛ هذه
الحملة تعكس فعلاً بدائية
النظام وافتقاره الفظيع
لأساسيات العمل السياسي, ومنطق
الدولة. لقد
كان واضحاً من خلال أحداث
الأسبوع الذي تلا المظاهرة
المليونية في حماه – جمعة ارحل
– ومرسوم إقالة محافظ المدينة
السيد أحمد خالد عبد العزيز,
الذي يمكن اعتباره ممثلاً للحد
الأدنى من الممارسة السياسية
والحنكة في استخدام السلطة, أن
النظام قد اختار المعالجة
الأمنية بأقسى أشكالها وأكثرها
عنفاً ودموية. وقد حدث ذلك
بالفعل, فخلال أسبوع كامل قام
الشبيحة وعناصر خاصة من أجهزة
الأمن بارتكاب فظاعات بحق
المدنيين السلميين في حماه,
وصلت ذروتها في ذبح المغني
الشهيد إبراهيم قاشوش, حيث
استهدف القتلة حنجرته تحديداً,
فقاموا بانتزاعها من رقبته مع
حباله الصوتية وكامل الأعضاء
المحيطة بالطعنة. وبعد يومين من
هذه الجريمة البشعة قُتل شابان
عند جسر المزارب شرقي المدينة,
وتم دهسهما بالدبابة والتمثيل
بجثتيهما. بالترافق
مع هذه الممارسات البربرية التي
تهدف إلى إخضاع المدينة والقضاء
بسرعة على ظاهرة ساحة العاصي
خشية اتساعها وامتلاكها عوامل
القوة والتأثير؛ أراد النظام
التسلطي استثمار زيارة السفير
إلى حماه ليتهم الثورة بالتواطؤ
مع الخارج لتنفيذ أجندات ضد
الوطن وضد النظام ومواقفه
القومية والوطنية...الخ. وهو
لذلك سمح بالزيارة, بل سهل
الطريق أمامها, وإلا فكيف
للسفير أن يقطع مسافة الطريق من
دمشق إلى حماه - 200 كم - من دون أن
تعلم السلطات الأمنية
والسياسية بذلك وتحاول منعه
وإجهاض الاتصال بين أطراف
المؤامرة المزعومة, والحؤول دون
تحريض السفير لثوار المدينة ضد
النظام , كما ادعى الإعلام
الرسمي البائس في حملة تم
التحضير لها مسبقاًَ بالشكل
والمضمون!!؟. لقد تناسى عباقرة
الأمن والإعلام داخل النظام أن
يوم الجمعة السابق لزيارة
السفير شهد خروج ما لا يقل عن 500
ألف متظاهر في حماه! وأن سياق
الأحداث يخضع لمحددات داخلية
ومطالب شعبية خالصة ومحقة. عاملان
عول النظام فيما يبدو على
تشغيلهما واستثمارهما من أجل
تطويق نموذج ساحة العاصي
والقضاء على الحراك الحضاري
السلمي في حماه, كخطوة على طريق
المعالجة الأمنية للأزمة في
عموم مدن ومناطق سوريا: عامل
الحل الأمني المتسم بأقصى درجات
القسوة. وعامل التحريض الإعلامي
الذي يقوم على تسهيل وقوع حدث ما,
أو التغاضي عن حدوثه, ثم
المسارعة إلى استثماره بعد
حدوثه, وتقديمه للجمهور بالشكل
الذي يخدم معالجته غير المجدية
للأزمة. وهو ما وصفه باحث حصيف
بالإعلام الفاجر. يقرأ
النظام السوري إذاً الأزمة وسبل
معالجتها, بشكل بالغ الغباء
والسطحية, كأنه يأتي من زمن مضى
وانتهى, ليقرأ حدثاً برسم
المستقبل, بحيث يتوهم أن العنف
العاري من جهة, والفبركات
الإعلامية والشعارات البائدة
من جهة أخرى , كفيلان بإخراس
الحراك الثوري وإرغامه على
الخنوع من جديد لمتطلبات النظام
التسلطي والحكم الاستبدادي.
ومما يوضح لنا مدى الغباء
والسطحية في مثل هذه القراءة
للحدث السوري, النظر إلى طبيعة
القراءة المقابلة التي قام بها
الغرب والمجتمع الدولي للحدث
نفسه, وهي القراءة التي يمكن
تلمس طبيعتها من خلال زيارة
السفير الأمريكي إلى حماه. لا
يوجد عاقل يستطيع الزعم أن
الولايات المتحدة الأمريكية
تحديداً, والمجتمع الدولي
عموماً, يتحركان في أي مكان في
العالم خارج اعتبارات المصالح
الخاصة وامتلاك المزيد من عوامل
القوة والنفوذ. ومن المؤكد أن
أحداث الربيع العربي وثوراته
الملتهبة, ستشكل مناخاً عظيماً
لتحركات غربية دائبة ومستمرة
على كافة الصعد من أجل التمهيد
لضمان مصالح دوله في المستقبل,
بعد انتصار الثورات العربية,
وانتقال المجتمع والدولة في
العالم العربي إلى طور جديد
كلياً, يقطع مع مجمل المراحل
السابقة وبشكل حاسم. ولم يكن من
المتوقع أن يقف المجتمع الدولي
مما يحدث في المنطقة موقف
المتفرج الذي لا يعنيه ما يجري.
ينضاف إلى ذلك, بالنسبة
للولايات المتحدة الأمريكية,
حاجتها إلى تجسير العلاقة من
جديد مع الشعوب العربية, بعد أن
لحقت بها أفدح الأضرار خلال حكم
جورج بوش الابن. إن السياسة
الخارجية للولايات المتحدة
الأمريكية, ومنذ أن تولى أوباما
الرئاسة فيها, تضع في الاعتبار
تنفيذ عملية غسيل هائلة للوجه
الأمريكي البشع الذي أسفرت عنه
مواقفها إزاء مصالح وقضايا
الشعوب العربية, خلال ولايتيّ
بوش. وقد افتتح أوباما هذا
التوجه بخطابه الشهير في جامعة
القاهرة. ويمكن التقاط عدد من
المواقف في هذا الاتجاه, كما في
زيارة وزيرة الخارجية كلينتون
إلى ميدان القاهرة بعد انتصار
الثورة, وزيارة السفير الأمريكي
إلى ساحة العاصي بحماه. لكن
وجود أهداف مصلحية ودعائية خاصة
بالولايات المتحدة من خلال
زيارة سفيرها إلى حماه, لا يضير
الثورة السورية بشيء على
الإطلاق, ولا يسيء بأي شكل إلى
وطنية الثورة وشرعيتها
التاريخية والأخلاقية. وقد صرح
أحد نشطاء الثورة بحماه أن
التظاهرات كانت قائمة قبل
الزيارة وأثناءها وستظل قائمة
بعدها أيضاً. كما نشرت صفحة
تنسيقية الثورة السورية في حماه
على موقع facebook
أن شباب الثورة ليسوا بحاجة إلى
مؤازرة من أي سفير أو جهة خارجية.
ورفضوا مراراً وتكراراً التدخل
الخارجي. وفي بيان صحافي
لتنسيقية الثورة في حماه تم
التأكيد على أن أحداً في
المدينة لم يدع السفراء
لزيارتها, وأن المدينة استقبلت
هؤلاء كشهود عيان لينقلوا
للعالم حقيقة الأعمال
الإرهابية الفظيعة التي
يرتكبها النظام في المدن
السورية. ويتساءل البيان بحنكة
وموضوعية يفتقر إليها إعلام
النظام بشكل واضح: ألم يكن هذا
الأسلوب نفسه الذي استعمله
النظام؟ ألم يكن السفير منذ
أيام في مدينة جسر الشغور بدعوة
من النظام السوري ليكون شاهد
عيان على الوضع في المدينة؟ بين
قراءتين لساحة العاصي والحراك
الشعبي العظيم فيها: قراءة
النظام السوري من طرف وقراءة
السفير الأمريكي , كممثل للعقل
السياسي الغربي, من طرف آخر؛ هوة
كبيرة فعلاً تعكس بؤس النظام
العربي, وتخلف أدواته في ممارسة
السلطة والحكم والسياسة و مجمل
متطلبات قيادة المجتمع وتحقيق
مصالح أفراده. أمر محزن فعلاً
هذا العجز الكامل للنظام العربي
على التفكير والممارسة داخل
السياسة والتاريخ والمنطق. كلاهما,
النظام السوري والسفير
الأمريكي أرادا تحقيق أهداف
محددة من الزيارة. لكن بينما كان
النظام السوري يرى إلى حماه
بعين ثمانينيات القرن الماضي,
وبمنطق الإبادة والإلغاء, ويرى
إلى الزيارة بمنطق الاستثمار
الإعلامي والشعاراتيّ المكشوف
والواهن, على أمل إرباك الحراك
الشعبي وتفتيت مرتكزات الثورة
السورية وطنياً وأخلاقياً؛ جاء
السفير الأمريكي إليها مدركاً
تماماً أهمية ساحة العاصي في
صنع مستقبل سوريا الجديد
والمختلف. وكما أشار المفكر
برهان غليون في تصريح لقناة
الجزيرة, فإن السفير الأمريكي
أدرك بشكل جيد وجود شرعية جديدة
آخذة في الحلول مكان النظام
الاستبدادي الذي افتقد أي نوع
من أنواع الشرعية القانونية, أو
المشروعية السياسية. من جهة
لدينا محدودية العقل التسلطي
الذي يحكم سوريا ويتخبط بين
استخدام العنف العاري المتوحش
بحق أبناء سوريا, وبين التذاكي
الإعلامي الإشهاري الغبي
والفاقد الصلاحية. ومن جهة أخرى
لدينا العقل الأمريكي- الغربي:
حسابات المصالح والنفوذ,
اعتماداً على المعرفة الدقيقة
والتخطيط المتكامل والمبادرة
المحسوبة والعنجهية المرتكزة
إلى القوة والدهاء معاً.
وبينهما لدينا سوريا التي, كما
قال المغني الشهيد إبراهيم
قاشوش: بدها حرية. منذ
مائة عام تقريباً, وعشية انعقاد
المؤتمر العربي الأول في باريس
عام 1913, قال رئيس المؤتمر عبد
الحميد الزهراوي: إن مشكلة
العالم العربي تتمثل في انحشاره
بين استبداد شرقي لا يرحم, وجشع
غربي لا ينتهي. لا أجد أبلغ من
هذا التوصيف لتشخيص حالة الثوار
في ساحة العاصي وفي سوريا
عموماً, وهم يواجهون الشبيحة من
طرف, والسفير الأمريكي وهو
يتملى الحشد في حماه, من طرف آخر. *
باحث وكاتب من سوريا. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |