ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 06/08/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

أسلحة الشعب السوري الاستثنائية

نوال السباعي

"1"

"لا لطلب التدخل العسكري الخارجي"

أسلحة "خطيرة" يتوفر عليها شباب الثورة في سورية، ولا يتمكن من حيازتها النظام ومهما بلغت به الأيام والثورة، وقد أُعْلِنت نهايته من ساحة العاصي في حماة ، وسقط بكل المقاييس الاستراتيجية ، والسياسية ، والديبلوماسية ، والأخلاقية ، والتاريخية ، والإنسانية.

منها سلاح المنظومة الأخلاقية الإنسانية،وسلاح القيم الثورية المتفق عليها من قبل الجميع،وسلاح الثبات الأسطوري الذي يستمده الشعب من قدرة جلاديه على الإثخان في الجراحات، والولوغ في الدماء، والاستهانة بالحياة البشرية.

السلاح الثاني يتمثل باللاآت الثلاث التي أكدنا عليها منذ اليوم الأول للثورة: لا للعنف، ولا للطائفية والفسيفسائية،ولا لطلب التدخل العسكري الأجنبي.

وهذه ال"لا" الأخيرة، وعلى الرغم من الإجماع عليها ،أثارت الكثير من الجدل واللغط خاصة في أيام الشدة والبلاء، التي تتناوب فيها فرق الموت على المدن والقرى ،شرق البلاد وغربها ، لذبح الناس وتشويههم وإذلالهم وهدم مرافق الحياة فوق رؤوسهم وتدمير كل ما"منحته" لهم الدولة ، على نهج "قذاف الدم الليبي" :(أنا خلقت ليبيا وأنا انتزعها منكم)!!.

 

"لا" هذه ، تعني نعم لبذل كل جهد ديبلوماسي وسياسي وثقافي وإعلامي واقتصادي ،وكل أنواع الضغط الممكن على نظام دموي متوحش كهذا النظام .

دون أن يغيب عن الأذهان أن النظام هو الذي طلب التدخل العسكري الخارجي ، من إيران ومن حزبها اللبناني، وقد استبق الثورة ، باستقدام بارجتين عسكريتين إيرانيتين محملتين بالأسلحة والعتاد ، الذي ينكَل به الشعب السوري اليوم، وكانت "إسرائيل" ، كما المجلس العسكري الذي يدير شؤون مصر بعد الثورة،قد سمحا بمرور هاتين البارجتين من قناة السويس بعد أن كانت مغلقة في وجه مرور أية سفينة عسكرية!! ، ولابد أن الأقمار التجسسية الأمريكية وغير الأمريكية التي تجوب سماء المنطقة ، تعرف كل هذا ، تعرفه كما تعرف وترصد كل حركة وسكنة للجيش السوري ، وكل قبر جماعي فتح في أرض درعا ، وتلكلخ ، وبانياس ، وحمص ، وحماة ، ولكن الجميع آثروا الصمت ، ليس لأنهم يريدون أن تبقى حدود إسرائيل محمية من قبل هذا النظام وحسب، ولكن لأنهم يريدون أن يضمنوا "قناعة" الشعب السوري مستقبلا بهذه الحماية، وهو المصطف تاريخيا مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضيته الاولى، فكلما زاد القتل والتعذيب والتنكيل ، كلما زادت رغبة الشعب في الخلاص ولو بالتحالف مع الشيطان نفسه!، من هنا جاءت حركة السفيرين الأمريكي والفرنسي قبل شهر تقريبا ،عندما قاما بزيارة مدينة حماة لتقديم نفسيهما على أنهما "الضمانة" للشعب السوري لحمايته من أغواله الحاكمة! ، وكانت الولايات المتحدة ومعها الاتحاد الأوربي ، يحسبان بالمليمتر كل مايجري في سورية ، ويلاحقانه ب"سينهم"، و"سوفهم": سيفقد الشرعية ، وسوف يفقد الشرعية!!،كان عدّاد ارتفاع حصيلة الشهداء في سوريا يُجلَد ب"سين" وزيرة الخارجية الأمريكية ، و"سوف" رئيسة الاتحاد الأوربي ،ومازال الطرفان، يراهنان على قدرة النظام على الحسم ، وقد مدته إيران بكل أسباب الاستقواء ، ومده حزبها الذي اختطف لبنان بكل مايلزم من "شبيحة" و"قناصة" و"قتلة"، فعدو عدوي صديقي ، وإيران وحزبها اللبناني أثبتا أنهما عدوان لدودان للشعب السوري ،الذي لم يفعل إلا أن طالب بالحرية وشيء من الكرامة ورد بعض البعض مما نهبه منه هذا النظام .

ولاعدو للولايات المتحدة وحلفائها اليوم ، كهذا الشعب ، الذي يهدد بثورته استقرار "المنطقة" التي أمضى الغرب قرنين ونيف من الزمان في ترتيب أمورها بحيث تجبى إليه ثرواتها ، وتركع شعوبها ، وتستلم لجلاديها الذين يحكمون المنطقة بالنيابة عنه.. هذا هو الدرس الذي أكدته لنا أحداث ليبيا ، والتدخل العسكري الغربي الذي جاء سريعا لاهثا مرتميا على بترولها وملياراتها.

صحيح أنإيران وحزبها في لبنان يطبلان ويزمران بالمقاومة وإرادة تحرير القدس ، لكن الواقع على الأرض ، يشهد بأن النظام العميل في سورية ، كان قد حرس وحمى حدود الأمة مع العدو المحتل ، مدة أربعين عاما دون أن يطلق رصاصة واحدة في سبيل إقلاق راحة هذا العدو على جبهة الجولان ،التي يعرف الشعب السوري ويتناقل بالتواتر أن رئيسه السابق كان قد "باعها" ، وهي كلمة تعني ، أنه كان قد سكت عن احتلالها من قبل إسرائيل، مقابل تأمين السلطة في سورية لسلالته ، هذه السلالة التي رضعت الدم ، ورسخت وجودها بالدم، فلا عجب أن عاملت الشعب الذي سكت عنها ثلاثين عاما ، بالذبح والاغتصاب والتعذيب والتشويه.

فهم الشعب السوري أبعاد هذه الملابسات بصورة واضحة جلية ، فأعلن رفضه للتدخل الأجنبي العسكري ، وهو يعلم أن القوى الاستعمارية المهيمنة على المنطقة ، تستطيع أن تدمر أركان النظام بأشخاصه وأسلحته وتنظيماته في أقل من عشرين دقيقة ، سورية بالنسبة لهؤلاء لاتعدو كونها مساحة جغرافية صغيرة مسطحة مكشوفة أمام قدراتهم العسكرية!،وهذا مايعرفه كل مطلع ، إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة كانت قد أعدت خططا كاملة ، لضرب النظام السوري في حال تجرأ هذا النظام وشبّ عن طوق ممانعته الكلامية ، ومقاومته الإعلامية ، ومن هنا كان الرد السوري على كل الانتهاكات الإسرائيلية ، بأن سورية "تحتفظ بحق الرد في المكان والزمان المناسب"!!

وبالضبط وكما أعدت إسرائيل العدة لضرب أعدائها "الأصدقاء" في كل من سورية ولبنان وإيران وتركيا وحتى باكستان ، قام النظام السوري الشبح – الذي يحكم سورية في الظل- بإعداد الخطط الكاملة واللازمة لضرب الشعب السوري واستئصال حركاته الانتفاضية ، والقضاء على أي بادرة ثورة أو احتجاج يمكن أن تصدر عنه ، وقد شهدت مناطق الأكراد في الشمال ردا ساحقا على انتفاضتها عام 2004 ، وتشهد اليوم بقية مناطق سورية ردودا مماثلة ، الملفت للنظر والاستغراب فيها ، قدرة هذا النظام – كمثيله في ليبيا- على التدمير وسفك الدماء ، في سبيل بقائه في السلطة ، دون أن يفكر ولو لحظة واحدة في شكل العلاقة المستقبلية التي يمكن أن تربط بينه وبين هذا الشعب ، بعد أن فعل فيه مافعل! .

كان الشعب السوري على درجة متقدمة جدا من الوعي إذ قال "لا للتدخل الأجنبي" ، لأنه يعرف أن مثل هذا التدخل في سورية أمر غير وارد أصلا ، فالغرب يريد حماية إسرائيل ، وتدخل عسكري في سورية يعني انطلاق المارد من قمقه ، وقد يعني إعلان "الجهاد" ليس في المنطقة العربية فحسب ، بل في كل العالم الإسلامي ، وهذا يعني وبالضرورة أن لاحدود مع الكيان الإسرائيلي ، وأن بإمكان الجميع تهديد هذه الحدود واختراقها ، لأن الكلمة الفصل ستكون إذ ذاك للسلاح وللسلاح فقط ، على غرار ماجرى في الحرب الأهلية اللبنانية ، والتي لايمكن أن ينسى التاريخ أنها لم تنته إلا بمذبحة "صبرا وشاتيلا" والتي كان للنظام السوري يدا فيهما لاتقل إجراما وولوغا في الدم الفلسطيني عن يد المجرم الإسرائيلي "شارون".

إن الشعب السوري اليوم ، لم ينتفض ويثور في وجه النظام العميل لأكثر من طرف وأكثر من جهة إقليمية ودولية فحسب ، ولكن ثورته جاءت -ومن حيث لم يحتسب هو نفسه- ، في وجه نظام عالمي يمسك بأطراف اللعبة الدولية من مفتاحها الرئيس في المنطقة العربية ، والقلب الاصطناعي الذي زُرع فيها ليشل كل حركة للحياة والتحرر والكرامة لدى سكانها ، عن طريق شبكة العلاقات السرية والعلنية مع مجمل الأنظمة التي استلبت البلاد واختطفت الشعوب ونهبت الثروات .إن ثورة الشعب السوري ، لن تكون محطة عادية في طريق ثورة المنطقة على هذه الاوضاع المزرية التي تعيشها فحسب ، ولكنها ثورة ضد كل التحالفات الإقليمية والدولية التي ترمي إلى تركيع الأمة ، والمقامرة بحرية الإنسان ، والاستمرار في إلغاء إرادته ليبقى عبدا يدور في رحى هذه الطاحون لاستعمارية الجهنمية ، التي أذن الله بتفجير آليتها من تونس ، فامتدت ألسنة اللهيب لتزلزل العروش والجيوش التي لمتكنفي خدمة مصلحة شعوب المنطقة ، وحماية هويتها ، وضمان حريتها وكرامتها.

 

من أجل هذا صمت العالم ..إلا من سينه وسوفه !!.

 صمتت الأنظمة العربية التي تربطها بالنظام السوري علاقات المصاهرة والعمولات المالية والفضائح الشخصية ، والتي يهددها النظام بمحاولات تفجيرها من الداخل عن طريق "الأقليات" التي استقوت فيها، في غفلة من الأنظمة المشغولة بالنهب والتضييع والعمالة ، وغفلة من الشعوب التي استسلمت للاستبداد ، فلم "تستعد" ليوم مثل هذا يكاد يجعل الولدان شيبا!.

 وصمتت تركيا التي تشابه تركيبتها السكانية التركيبة السورية ، والتي هددها النظام بتحريك مكوناتها الطائفية لحسابه لتقوم بتدمير كل ماحققته الدولة التركية في العقود الأخيرة من تقدم وازدهار .

 وصمت الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة ، بسبب من خوفهم على إسرائيل ربيبتهم ، وماتعلق بذلك من تهديد للأمن والاسقرار ..أمنهم !،واستقرارهم! .

لكن كل هؤلاء..لم يأخذوا بعين الاعتبار قدرة الشعب السوري على الصمود والتحدي ، لم يفكروا بأن تدمير "حماة" قبل ثلاثين عاما على رؤوس أهلها ، كان مشفوعا بالتعتيم الإعلامي ، والتفسخ الاجتماعي في سورية، والغياب العربي والإسلامي في زمن الشعارات والمخاضات العربية، وأن العالم قد تغير اليوم ، ولكن النظام السوري لم يتغير ،بقيادة "رفعت" مجرم الحرب ، الذي لايشك السوريون لحظة في قيامه بالمساعدة في إدارة هذه الأزمة ، و"ماهر" الشبح الدموي المجرم، و"بشار".. الصورة التي كسر الشعب السوري إطارها وزجاجها فظهرت على حقيقتها دون رتوش ولاتزييف .

 لم يتغير هذا النظام ولم يفهم أن الشعب استفاق ، وخرج من قمقمه ، وأصبح يشعر أنه شعب واحد ، اذا اشتكى منه عضو في درعا تنادت لها بانياس ودوما والقامشلي وحمص بالسهر والحمى ، وأن إسرافه في القتل لن يجديه فتيلا ، فهاهنا شعب مؤمن ، يعرف أن المرء إذا حانت ساعته فلاتقديم ولاتأخير .

وليس لدى الشعب السوري مايخسر ، لقد نهبوا أمنه ، ورزقه ، وسلامته ، وحريته ، وكرامته ، وماضيه ،وحاضره ، لم يعد لديه مايخسر فهو خارج إلى المعركة بصدره الأعزل ، وأياديه البيضاء ، وقد قرر أن يستشهد في سبيل نقل الصورة والحقيقة ، ومحاولة رسم معالم المستقبل لمن سيأتون بعده ،على الطريق ، طريق الحياة التي سلبت منه ، والتي لم تعد في سورية تتمتع بالقداسة ، في زمن الأغوال التي تلتهم الشباب والأطفال فتمضغهم ، وتلغي بهم على قارعة الحياة أشلاء ..يتمنون الموت .

ليس لدى الشعب السوري مايخسره ، ولكن لدى جلاديه الكثير الكثير مما يقاتلون من أجله ، إنهم يقاتلون من أجل الانتقام من "العبيد" الذين انتفضوا ، يقاتلون من أجل الحلف الذي بنوه وانهار على رؤوسهم ورؤوس حلفائهمفي المنطقة ، إنهم يقاتلون من أجل أن لاتجرف الأقدار شتاتهم وبقاياهم ، إنهم يقاتلون خوف انتقام الشعب الأعزل من مجرميهم المتحالفين معهم بالصمت أو بالفعل.

 إنهم وفي سبيل بقائهم، يقاتلون وحتى النهاية ..شعبا قرر الصمود حتى لو فني عن بكرة أبيه!..وهكذا هي كل معارك الحق والباطل ، ويعرف التاريخ نهاية هذه الحكايات .

=========================

يابني الشام إنما أشكو بثي وحزني إلى الله!!

بقلم: د أحمد بن فارس السلوم

في هذا الشهر العظيم الذي تعودت أمتنا أن تتلقاه بالبشر والسعادة يتلقاه اليوم بنو الشام البررة بمزيد من دماءهم الزكية، وتضحياتهم الباهرة.

يتقطع قلب الإنسان حزنا وهو يشاهد الجرائم التي يرتكبها النظام الشبيحي ضد أهلنا في سوريا، ولا تسعفه الكلمات في وصف ما يجده ويشعر به تجاه هذه المجازر الفظيعة، التي يرتكبها النظام على مرأى من العالم ومسمع.

لا أجد ما أعبر به عن الأسى الذي يعتلج في قلبي إلا قول نبي الله الكريم يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام حينما قال: (إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون).

نعم يا بني الشام (إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله)، وأنتم كذلك اشكوا بثكم وحزنكم إلى الله، فنحن في آزفة ليس لها من دون الله كاشفة.

يا بني الشام، عزاؤنا وعزاء المؤمنين أنكم على الحق تدافعون عنه وتدعون إليه، وقد شهد لكم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بذلك، فقد قام في أجدادكم - من قبل - معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه خطيبا ، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (لا تزال من أمتى أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتى أمر الله وهم ظاهرون على الناس) فقام مالك بن يخامر: فقال: سمعت معاذ بن جبل يقول: وهم بالشام.

يا بني الشام، لا تجزعوا من هذا الخذلان الذي أحاط بكم من القريب والبعيد، فقد بشركم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنه لن يضركم، فأبشروا ثم أبشروا.

يا بني الشام، نتعزى بأننا على خطى الحبيب صلى الله عليه وسلم نسير، فكم فَقَد صلى الله عليه وسلم من حبيب وقريب، وكم قُتل من أصحابه بين يديه، فلا تسأل عن حزنه لفقد الحمزة بن المطلب، ولا عن وجده لمقتل سفيره مصعب بن عمير، ولا عن المستضعفين الذين كان يدعو لهم في كل صلاة.

يا بني الشام، نتعزى بأن هذه الدنيا ليست نهاية المطاف، ولنا بعدها حياة أخرى نجتمع فيها بين يدي حكم عدل، سبحانه وتعالى ، يقتص فيها للمظلوم من ظالمه، ولحمزة الخطيب من قاتله، ولأهل الشام من طغمة الأسد وشبيحته.

يا بني الشام، نتعزى بما تعزى به المسلمون من قبل، لما قالوا - بمشهد من الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحد - : لسنا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، وكفى بهذا عزاء.

يا بني الشام، يكفي أنكم خيرة الله من خلقه ساقكم إلى خيرته من أرضه، وأنتم في جهاد ورباط إلى يوم الدين..

فعن عبدالله بن حوالة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، خِر لي بلدا أكون فيه، فلو أعلم أنك تبقى لم أختر عن قربك شيئا، فقال : (عليك بالشام ) فلما رأى كراهيتي للشام، قال: (أتدري ما يقول الله في الشام؟ إن الله جل وعز يقول: يا شام أنت صفوتي من بلادي أدخل فيك خيرتي من عبادي ، إن الله تكفل لي بالشام وأهله ).

فكيف يحزن من تكفل الله بأمره، فقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل.

يا بني الشام، مهما عظم الحزن، وأظلم الليل، فقولوا كما قال أبو يوسف عليهما السلام: (إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله) فسيعقبكم ما أعقبه من الفرج والفرح، وذلك قريب، وما ذلك على الله بعزيز.

=====================

قراءة في غزوة خيبر (2)

الدكتور عثمان قدري مكانسي

-  منازل الرسول في طريقه إلى خيبر

 وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المدينة إلى خيبر سلك على عصر، فبُنِيَ له فيها مسجدٌ ، ثم على الصهباء( وعصر والصهباء مرتفعان قرب خيبر ) ، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه ، حتى نزل بواد يقال له الرجيع ، فنزل بينهم وبين غطفان ، ليحول بينهم وبين أن يُمِدوا أهل خيبر ، وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

-  دعاء الرسول لما أشرف على خيبر

وعن أبي معتب بن عمرو : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أشرف على خيبر قال لأصحابه ، وأنا فيهم : قفوا ، ثم قال : اللهم رب السموات وما أظللن ورب الأرضين وما أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ، ورب الرياح وما أذرين فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها ، أقدموا بسم الله . قال : وكان يقولها عليه السلام لكل قرية دخلها.

-  فرار أهل خيبر لما رأوا الرسول

روى أنس بن مالك ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوما لم يُغِرْ عليهم حتى يصبح ، فإن سمع أذانا أمسك ، وإن لم يسمع أذانا أغار . فنزلنا خيبر ليلا ، فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا أصبح لم يسمع أذانا ، فركب وركبنا معه ، فركبت خلف أبي طلحة ، وإن قدمي لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستقبلنا عمالُ خيبرَ غادين ، قد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم ، فلما رأوا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم والجيش ، قالوا : محمدٌ والجيشُ معه فأدبروا هرابا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أكبر ، خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين .

-  غطفان ومحاولتهم معونة خيبر ثم انخذالهم

وكانت غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر جمعوا له ، ثم خرجوا ليظاهروا يهود عليه ، حتى إذا ساروا منقلة سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حساً ظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم ، فرجعوا على أعقابهم ، فأقاموا في أهليهم وأموالهم ، وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر .

وتدنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال يأخذها مالا مالا ، ويفتتحها حصنا حصنا ، فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم ، وعنده قتل محمود بن مسلمة ، ألقيت عليه منه رحا فقتلته ، ثم القموص ، حصن بني أبي الحقيق ، وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبايا ، منهن صفية بنت حيي بن أخطب ، وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وابنتيْ عم لها ؛ فاصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه . وكان دحية بن خليفة الكلبي قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية ، فلما أصفاها لنفسه أعطاه ابنتي عمها ، وفشت السبايا من خيبر في المسلمين .

-  نهيُ الرسول يوم خيبر عن أشياء

وأكل المسلمون لحوم الحمر الأهلية من حمرها ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهى الناس عن أمور سماها لهم .

عن عبد الله بن أبي سليط ، عن أبيه ، قال : أتانا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الإنسية ، والقدور تفور بها ، فكفأناها على وجوهها

عن مكحول : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم يومئذ عن أربع : عن إتيان الحبالى من السبايا ، وعن أكل الحمار الأهلي ، وعن أكل كل ذي ناب من السباع ، وعن بيع المغانم حتى تقسم وحين نهى الناس عن أكل لحوم الحمر ، أذن لهم في أكل لحوم الخيل

عن حنش الصنعاني ، قال : غزونا مع رويفع بن ثابت الأنصاري المغرب ، فافتتح قرية من قرى المغرب يقال لها جربة ، فقام فينا خطيبا ، فقال : يأيها الناس ، إني لا أقول فيكم إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله فينا يوم خيبر ، قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماؤه زرع غيره ، يعني إتيان الحبالى من السبايا ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصيب امرأة من السبي حتى يستبرئها ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنما حتى يقسم ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ( هَزَلها )ردها فيه ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه ( رثه وبلاه) رده فيه

وعن عبادة بن الصامت ، قال : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن أن نبيع أو نبتاع تبر الذهب بالذهب العين ، وتبر الفضة بالورِق العين ؛ وقال : ابتاعوا تبر الذهب بالورق العين ، وتبر الفضة بالذهب العين .

إضاءة :

1-        يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً "، ومع ذلك فقد بنى المسلمون قرب خيبر وقبل فتحها مسجداً ، لأن المساجد علامة سكون الإيمان في البقاع ، وما إن وصل الحبيب المصطفى مدينته الطيبة حتى سارع إلى بناء مسجده فيها ، وقد بنى قبل ذلك مسجد قباء ، فالمساجد مدارس الأمة وأماكن تجمعها ، وهي مصانع العلماء والأبطال والأئمة ، ومنها ينبثق النور في أرجاء المعمورة .

2-        ومن النباهة أن يعرِفَ القائدُ عدوه الظاهر، وعدوه الباطن - ما أمكن - ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين انطلق إلى خيبر يعلم أن هناك أعداءه من غطفان يتابعونه ويساعدون الأعداء عليه ويؤلبونهم . فكان أول ما فعله صلى الله عليه وسلم أن عسكر في نقطة التقائهم ليمنع المدد عن أهل خيبر .

3-        يقول الفاروق رضي الله عنه للمسلمين حين ولي الخلافة وأرسل جيوشه إلى بلاد الشام ومصر : إن أعداءنا أكثر منا عدداً وعُدّة ، وما ننتصر عليهم إلا بالإسلام والتزامه ، وبالإيمان وقوته ، فإذا كنا مع الله كان الله معنا . تعلم الفاروق هذا من أستاذه العظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان صلى الله عليه وسلم كلما أشرف على قرية أو بلدة نبه أصحابه أن يقفوا متوجهين بقلوبهم إلى الله مخلصين له بالدعاء ، فما النصر إلا من عند الله. فإذا ما دعا وأمّن أصحابُه قال : " أقدموا باسم الله ".

4-        ليس من أوّليّات حرب المسلمين أن يغزوا ويفتحوا ويغنموا ، إن اهتمامهم منصب قبل فتح البلاد على فتح قلوب العباد ، وعلى هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَنْ بعده من قادة المسلمين إذا دنَوا من قبيلة أو مدينة أن يصيخوا السمع ؛ أهناك أذان وصلاة فإن سمعوا ذلك علموا أن مَن أمامَهم إخوانُهم فأمسكوا ، وإذا لم يسمعوا أذاناً ولم يروا صلاة علموا أنهم أعداء فأغاروا .

5-        القائد المحبوب من يتواضع لأمته وجنوده ويقاسمهم متاعه وطعامه ورَكوبه ، ألم يقل صلى الله عليه وسلم " من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له؟ وهو يبدأ بنفسه ، فيكون قدوة قولاً وعملاً ، إنه صلى الله عليه وسلم يردف خلفه اثنين في انطلاقته المباركة إلى خيبر أحدهما رجل من أصحابه هو أبو طلحة ، والثاني خادمه الفتى أنس بن مالك رضي الله عنهما . فيحفظها له الفتى ويخبرنا متأثراً بهذا الفعل الكريم ويعلمنا كيف يتصرف المسؤول بتواضع وحب لمرءوسيه ويعتني بهم .

6-        وقد علمنا القرآنُ الكريمُ أن المباغتة الصباحية والهجوم عند الفجر أو بعده بقليل يفجأ العدوّ ويربكه. " والعاديات ضبحاً ، فالموريات قدحاً ،فالمغيرات صبحاً ، فأثرن به نقعاً ، فوسطن به جمعاً " وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر، وفعله من بعده أسامة بن زيد ، وكذلك خالد بن الوليد وجمْعُ الصحابة في جهادهم . وإذا باليهود الخارجين إلى مزارعهم يهربون إلى حصونهم فزعين " هذا محمد والجيش " فيقع الرعب في قلوبهم وقلوب السامعين منهم ، وهذا أول بشائر النصر يزفه النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً " الله أكبر ، خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ." وبمثل هذا التصرف الواعي والقول الرائع يزرع القائد التفاؤل في نفوس جنده فينطلقون سيلاً هادراً يكتسح ما أمامه بقوة راعبة .

7-        حين يكون المسلمون قلباً واحداً جهادهم في سبيل الله بعيدين عن المصالح الخاصة هدفهم رضا الله سبحانه وتعالى فالنصر حليفهم يرونه رأي العين ، هذا ما كان في غزوة بدر حين فقد أنزل الله عليهم قبل المعركة غيثاً طهرهم به وأذهب عنهم وسوسة الشيطان وثبت به أقدامهم ، وأمر الملائكة أن تقاتل معهم وتقطع أصابع الكفار وأعناقهم ، أما في غزوة خيبر حين انطلقت غطفان لدعم اليهود أسمعهم الله في أموالهم وأهليهم صوتاً أخافهم فظنوا أن عدواً يتربص بهم ، أو أن المسلمين قصدوهم دون يهود فعادوا إلى ديارهم متوجسين ، وتخلّوا عن دعم يهود خيبر ، وكفى الله المؤمنين قتالهم.

8-        يفتح الله تعالى على عباده النصر فيقطفون ثمرته خطوة خطوة ، وتسقط الحصون حصناً حصناً بقوة الله وأمره ، وما المسلمون المقاتلون إلا صورة في المعركة يجاهدون احتساب الأجر عند الله وهو سبحانه من يرمي ويقتل . يذكرني سرعة َ سقوط الحصون بيد المسلمين قولُه تعالى في سورة الأنفال يحكي حقيقة معركة بدر وهذا ينطبق على كل ما يشابهها من غزوات ومعارك: " فلم تقتلوهم ولكنّ الله قتلهم ، وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى ، وليُبلي المؤمنين بلاء حسناً .."

9-        وتقع النساء سبايا بيد المسلمين يقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين المقاتلين ، والسبي كان في تلك الأيام من آثار المعارك تعارفوا عليها فباتت شرعاً مألوفاً ، وللأمم أن تتعارف على ما يناسبها في أزمنتهم وحضاراتهم ، وقد ضيّقَ الإسلامُ بابَ السبي والاستعباد وشرَع ما يجفف به استرقاق البشر بعضِهم بعضاً ، وقد حافظ الشرع حتى في قضية السبي على النسب ، فمنع الدخول على الإماء الحاملات حتى يضعن حملهنّ ، وعلى غيرهن حتى يستبرئن..

10-      تتنزل الشريعة تقنن الأمور وتبين الحلال والحرام في زمن السلم وزمن الحرب على حد سواء ، ففي غزوة خيبر نزلت كثير من الأوامر والنواهي تحدد مسارات الحياة الاجتماعية وتبني دستور الأمة إلى يوم الساعة ، منها : نهي أكل لحوم الحمر الأهلية وزواج المتعة ونهيُ أكل كل ذي ناب من السباع ، ونهى عن بيع المغانم حتى تقسم ، وعن بيع تبر الذهب بالذهب العين ، وتبر الفضة بالورِق العين . فبناء نظام الأمة ودستورها يساير حياتهم أينما كانوا وحيثما حلوا إلى أن تكتمل الشريعة ويتضح بناؤها ..

11-      والملفت للنظر أن المسلم الحقيقي يلتزم بالأوامر والمنهيات دون تلكؤ ، وهذا دليل على ثبات الإيمان في قلبه وتفاعله معه . من هذه الصور الإيجابية الرائعة ما رواه عبد الله بن أبي سليط ، عن أبيه ، قال : أتانا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الإنسية ، والقدور تفور بها ، فكفأناها على وجوهها . ولم يقولوا نأكل ما طبخناه الآن ونتركه لا حقاً ، وهذا مارأيناه في مجتمع المدينة حين نزل تحريم الخمر إذ فرغت الأواني في أزقة المدينة وقال المسلمون : انتهينا يا رب انتهينا حين سمعوا آية تحريم الخمر وفي آخرها قوله تعالى " فهل أنتم منتهون؟" . وهذا ما يجب على المسلمين أن يتحلوه ويعملوا به.

12-      ولا يصل الدين للخلف إذا تلكأ السلف عن إيصاله إليهم أو تهاونوا فيه فهو- الدين - أمانة لا بد من أدائها. ومن الصور الرائعة لأداء الأمانة ما رواه حنش الصنعاني عن رويفع بن ثابت الأنصاري الذي غزا في المغرب فنبه المقاتلين إلى التزام الحلال والحرام الذي جاء به هذا الدين العظيم . فالدين أمانة لا بد من أدائها ومن صورأدائها أن توظف المواقف المناسبة المشابهة لما حصل مع المسلمين الأوائل وكأن الأمر (رأي عين) .

======================

ثورة شباب سوريا ... الثورة العصامية

معاذ السراج

إن أهم محددات الثورة السورية على الإطلاق أنها أعادت المبادرة إلى يد الشعب وجعلته يوما بعد يوما يزداد تمسكا بها وتأصيلا لها وحماسة فائقة للدفاع عنها بأي ثمن ..نحن أمام عامل نفسي حاسم ولد إنسانا سوريا جديدا استعاد الشعور بالعزة وبالحرية والكرامة بعدما افتقدها طويلا ..هذا العامل النفسي هو الذي حسم الأمر منذ بداية الثورة لصالح الشعب لأنه شكل نقطة انطلاق قوية وثابتة التقت عليها فئات الشعب بأكملها وتنادت عليها مدن سوريا وقراها من أقصاها إلى أقصاها .. ومن هنا فقد اتسمت الثورة السورية بثلاث سمات رافقتها منذ البداية وستبقى معها حتى إسقاط النظام ..

أولها : كانت مطالب الثورة منذ بدايتها مطالب عامة تركز على جوهر مشكلة الشعب السوري وهي إهدار القيمة الإنسانية لأبناء الشعب التي أهدر النظام الأسس التي تقوم عليها من حرية وكرامة ومساواة وحقوق أساسية ..وهي التي قادت بالتالي إلى تراكمات كثيرة كان الفقر والفساد وغياب الحقوق السياسية من بعض نتائجها وليس هو جوهر المشكلة ولا أساسها..ولذلك عندما طالب المتظاهرون بالحرية والكرامة وإسقاط النظام فإنهم وضعوا أيديهم على الجرح وتجاوزوا كل المطالب الضيقة والصغيرة واعتبروا أن إسقاط النظام هو البداية الصحيحة والوحيدة لإنهاء مشاكلهم وإعادة بناء وطنهم ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم ..

ثانيا : وفي الجانب السياسي والاجتماعي اتسمت الثورة بالسلمية ووحدة الشعب والبعد عن الفئوية والطائفية وتجنبت ردود الأفعال التي حاول النظام أن يستدرجها إليها , كما تمكنت الثورة بوسائلها البسيطة والمتاحة من تنظيم نفسها في لجان وتنسيقيات و مجالس مكنتها من السيطرة على حراك الشارع واستيعابه وتوسيعه بسرعة فائقة واستطاعت من أول يوم أن توصل صوتها إلى العالم وتتصدى لسياسيي النظام وإعلامييه بكل جرأة واقتدار وتثبت حنكة وذكاء لايجارى وخاصة في غياب تام للإعلام العربي والدولي بكل أشكاله وألوانه ...وإذا ما أضفنا إلى هذا كله أن الشباب الثائرين بعيدون في معظمهم عن الأطر الحزبية والتيارات السياسية فإن هذا يقودنا إلى أن الثوار الشباب يتمتعون بإمكانات جيدة ووعي كبير وذكاء متميز سيمكنهم بكل تأكيد من الإسهام في رسم معالم دولتهم الجديدة بمؤسساتها وسياساتها وعلاقاتها ...

ثالثا : وأهم مسألة بدت معالمها بالظهور بشكل قوي كلما طال عمر الثورة واقتربت من ذروتها هي غياب الموقف العربي بشكل تام والموقف الدولي إلى حد كبير إلى جانب غياب شريحة لا يستهان بها من الشعب السوري نفسه وخاصة في حلب المدينة الهامة ودمشق بدرجة أقل مما شجع النظام وأمده بنفس أطول وأعطاه المزيد من الفرص للإمعان في حملة القمع الهمجية ضد الشعب السوري ..وإذا كان من الطبيعي أن يستنجد الناس ببعضهم في أوقات الشدة فمن الطبيعي أيضا أن يعتب الشعب السوري على الآخرين سواء من أبناء وطنهم أو من غيرهم ...لكن ضعف الإجابة والاستجابة وغياب النجدة يعيدنا إلى التأكيد على النقطة الأساسية التي افتتحنا بها هذه السطور وهي أن المبادرة عادت إلى جماهير الشعب وهي بأيديهم طالما تمسكوا بها وتحملوا كل الظروف القاسية المتوقعة اصلا أمام ثورة عظيمة كهذه ...

لا ينبغي لشعب سوريا أن ينسى أنه عندما قام بثورته المجيدة كان النظام يتمتع بتأييد واسع وله من التحالفات والتفاهمات الظاهرة والباطنة ما جعله يتبجح بمكانته وقدراته ويستهين بشعبه ويستسخف إمكان ثورته عليه ..بل وظهر من مواقف الآخرين منذ بداية الثورة ما يوحي بأنهم لن يتخلوا عن نظامهم المدلل وسيدعمونه بكل قوة ..وهذا ما نشهده اليوم وبعد أن اقتربت الثورة من إكمال شهرها الخامس وسط هدير دبابات النظام والأرقام المهولة من الشهداء والجرحى والمفقودين والمعتقلين والخسائر المادية الباهظة ..وسط سكون عربي وتخاذل دولي مريب.. نسوق هذا لنقول إننا لم نستغرب هذا كله بل ربما توقعناه وتوقعنا أكثر منه لأسباب لا تخفى على المهتمين بالشأن السوري ..لكن الأهم من هذا هو أنه يجب التأكيد على أن من قاموا بالثورة استعادوا زمام المبادرة ليس أمام النظام فحسب بل وأمام المعنيين بالشأن السوري أيا كانوا ولهذا فإن شباب الثورة السورية لن يكونوا معنيين بمواقف الآخرين ولا معتمدين عليها في شئ فهم من صنعوا الموقف وهم من يتصدون لطغيان النظام ويمتصون غاراته الواحدة تلو الأخرى ..ويوشك أن ينتهوا من هذا قريبا جدا وقبل أن تنضج طبخة مجلس الأمن وتثمر مداولات المجتمع الدولي وتنطلق الكلمات من بين شفاه الصامتين العرب وأبناء الملة والجيرة ...

هي رسالة إلى شباب الثورة السورية ..الثورة اليتيمة أو بالأصح الثورة العصامية ..التي اعتمدت أولا وآخرا على الله ربها ..ثم على سواعد أبنائها وجهودهم وإمكاناتهم على تواضعها وبساطتها .. ثورتكم هي ملككم ..بكم قامت ومنكم انطلقت ومن أجل مستقبلكم ستستمر وستسقط النظام بإذن الله ..أنتم المعنيون بشأنكم وأنتم من يملك المبادرة اليوم ..لأنكم ثابتون على أرضكم تديرون صراعكم بأنفسكم وتعالجون شؤونكم بقدراتكم وتتفوقون على النظام المجرم الطاغي بإيمانكم ويقينكم وصبركم وثباتكم ...قوتكم تنبع من قناعتكم بقضيتكم وصمودكم وإصراركم على مطالبكم وأهدافكم ....ستنجحون بإذن الله وسيبارك لكم العالم نجاحكم الذي سيكون بحق نجاحا فريدا لثورة عصامية أثبتت بكل فخار أن الشعوب وحدها هي من يصنع التاريخ ...

==========================

الثورة السورية ودور المعارضة التقليدية: ما هو المطلوب لمساندة إرادة التغيير الشعبي في مواجهة إرادة القمع والاستبداد؟

د. لؤي عبد الباقي

المجتمع الدولي يناقش الوضع في سوريا وأقصى ما يخرج به من قرارات هو بيان إدانة، والدول العربية تضاهي في صمتها سكون أهل القبور، أما المعارضة السورية في الخارج فتعقد المؤتمر تلو الآخر وتخرج بعد جدال وسجال ببيانات الإدانة أو التأييد.. بينما تمضي على أرض سوريا جحافل الأحرار الثائرين في وجه الطغيان بخطى ثابتة وإرادة صلبة، مقدمة قوافل الشهداء، لتتصدى بصدورها العارية لآلة القتل والإجرام الأسدي التي تسير في تنفيذ برنامجها القمعي ضد الشعب السوري الأعزل، فتمعن في القتل وسفك الدماء، ومحاصرة المدن ودكها بنيران الدبابات، وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، وتطلق شبيحتها وكلابها الأمنية تعيث بالبلاد فسادا وإفسادا...

لا ضبابية في أهداف الثورة ولا مواربة في شعاراتها؛ فالشعب المنتفض الذي أثبت أن إرادته من حديد يعرف تماما ما يريد، وقد أعلن عن ذلك بجلاء لا يلتبسه غموض: لا شيء أقل من إسقاط نظام الخيانة والإجرام، وانتزاع الحرية واستعادة الكرامة، والتطلع إلى مستقبل مشرق للأجيال القادمة، يسوده العدل والحق والحرية، ليس فيه أحد فوق القانون من آل أسد أو مخلوف أو شاليش أو شبيحتهم المجرمين. وقد اتخذ الشعب قراره على تحقيق هذه الأهداف من خلال الثورة السلمية ومواجهة الآلة القمعية بصدور عارية ونفوس حرة أبية.

فما هو الدور المطلوب من المعارضة السورية في المرحلة الراهنة؟

 

على أطراف المعارضة السورية أن تكف عن الانتقائية عندما تدعو إلى المشاركة في المؤتمرات، لا يمكن عقد مؤتمر وطني إذا هيمن عليه طرف أو تيار أو حزب واحد، فمن أهم أهداف الثورة القضاء على نظام الحزب الواحد. وكما أن ما يسمى "الجبهة الوطنية التقدمية" التي يقودها حزب النظام الفاسد لا تعبر عن تعددية حقيقية، فإن المؤتمرات التي يحضرها ويشارك بها بعض ألوان الطيف المعارض ويهيمن عليها طرف أو تيار واحد لا تعطي نموذجا واضحا لوجود عقلية أو ثقافة تعددية بديلة لما هو قائم ومرفوض شعبيا؛ مازالت المحسوبيات والعلاقات الشخصية والإيديولوجيات تلعب الدور الأساسي في توجيه الدعوات إلى المؤتمرات المعارضة.

نحتاج إلى مؤتمر وطني تشارك فيه كل الأطراف التي تتفق على هدف إسقاط النظام الحالي والانتقال إلى نظام ديمقراطي يضمن حقوق المواطن السوري دون تمييز..

على أطراف المعارضة أيضا التوقف عن الجدل حول تفاصيل المرحلة القادمة، فلا يمكن الحديث عن تفاصيل التعديلات الدستورية أو تغيير اسم الدولة أو العلم أو بنية النظام القادم: فدرالي أو برلماني أو رئاسي... هذا الجدل ينطلق من رؤى ضيقة وهو سابق لأوانه.

المعارضة التي تعقد المؤتمرات في الخارج كثيرا ما تعلن وتعترف أنها لا تمثل الشارع السوري، وأنها لا تقود الثورة الشعبية في الداخل السوري، وهذا شيء إيجابي، ولكن عليها أن تعترف بحق المتظاهرين باختيار من يمثلهم، ويتحدث باسمهم، وهؤلاء لا بد أن يكونوا من القادة الميدانيين الذين يقودون الحراك الشعبي، وسوف تفرز الثورة من يمثلها من قادتها الميدانيين عندما يتمكن المتظاهرون من الوصول إلى الساحات والميادين العامة والاعتصام بها، كساحة الأمويين وساحة العباسيين بدمشق، من هناك فقط يستطيعون أن يختاروا من يمثلهم ويتحدث باسمهم، والوصول إلى تلك اللحظة يعني سقوط النظام فعليا والدخول في المرحلة الانتقالية. عندئذ سيكون الهدف من اختيار ممثلين من القادة الميدانيين للثورة هو حماية أهداف الثورة من الانتهازيين والمتسلقين وأصحاب الأجندات الخاصة الذين تغص بهم أروقة ودهاليز قاعات المؤتمرات.

أما المعارضة العريقة والمعروفة بتاريخها النضالي فإذا أرادت أن يكون لها دور حقيقي وفاعل في إسقاط النظام، عليها أن تشرف على عقد مؤتمر وطني، ولكي يكون هذا المؤتمر ناجحا لا بد أن يكون وطنيا بمعنى الكلمة، أي أن يكون تعدديا حقيقيا تشارك به كافة تيارات المعارضة وعدد كبير من الشخصيات المستقلة المعروفة بمواقفها، ويجب أن يكون الهدف الأولي من هذا المؤتمر هو الخروج ببرنامج عملي موحد وتشكيل مجلس قيادة موسع ولجان لها مهام وأدوار محددة.

ويجب أن نحذر ونتجنب الحديث عن توحيد المعارضة ومحاولة صهرها في بوتقة واحدة فهذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان المطلوب هو تشكيل إطال شكلي (برواز) تهيمن عليه فئة أو حزب، على غرار "الجبهة الوطنية التقدمية" التي يقودها الحزب الواحد.

===========================

انقلاب 8 آذار عام 1963 في سورية، وحصاد الشوك فيها

الطاهر إبراهيم *

قاد الانقلاب "زياد الحريري"، وشارك فيه الناصريون، واستولى عليه البعثيون.

قبل أيام مرت الذكرى السابعة والأربعون لانقلاب 8 آذار عام 1963، الذي غير مجرى تاريخ سورية وعكس وجه الحياة السياسية فيها من عهد ديمقراطي واعد كان يزدهر أحيانا ويتعثر أحيانا أخرى حتى جاء ذلك اليوم الذي غير كل شيء في سورية، وسار بها باتجاه آخر غير الاتجاه الذي بدأته يوم استقلت عن فرنسا في 17 نيسان عام 1946.

وقد أعاد ذكرى ذلك اليوم إلى ذاكرتي برنامج "شاهد على العصر" الذي تبثه قناة الجزيرة القطرية ويقدمه الإعلامي "أحمد منصور" حيث يستضيف فيه المقدم "عبد الكريم النحلاوي" قائد الانقلاب الذي أنهى الوحدة بين سورية ومصر وطرد عبد الناصر من سورية.

لقد برر المقدم النحلاوي قيامه بالانقلاب بأنه احتجاج على مظالم كان يمارسها عبد الناصر في سورية -على الجيش والمواطنين- ما كانت تستأهلها منه بعد أن أستلم البلد على طبق من ذهب. كان ضباط الجيش السوري يحسون بتلك المظالم أكثر من بقية المواطنين، فعمل النحلاوي هو ورفاقه من الضباط الانقلابيين على القيام بتلك الخطوة التي أنهت عهد الوحدة بين سورية ومصر في 28 أيلول "سبتمبر" عام 1961.

كنت شاهدا على تلك الفترة. ورغم حزني على فصم عرى الوحدة، إلا أن الأيام أو ضحت أن السوريين كانوا قد خسروا حريتهم في عهد "عبد الناصر"، وأنه لا يمكن للبلد أن يتقدم في غياب الحرية والديمقراطية. كنت أشعر مدى الحرية التي استعادها المواطن في سورية بعد أن سُلبت منه على مدى 4 أعوام على يد أعوان عبد الناصر وفي مقدمتهم "عبد الحميد السراج" وزير الداخلية في عهد الوحدة. في عهد حكومة الانفصال لم يعد المواطن يشعر بالخوف من رجال "المكتب الثاني" أي شعبة المخابرات بفعل المقولة التي أشاعها "السراج" بين المواطنين وهي: " كل مواطن خفير" أي جاسوس على أخيه المواطن.

في نيسان 1962 غادر "النحلاوي" البلاد وغدت سورية بدون رقيب من العسكر وأصبحت بيد حكومة مدنية صرفة، بعد أن تم سحب الصلاحيات الاستثنائية من يد القوات المسلحة. لكن هذا لم يجعلها بمنأى عن خطر الانقلابيين، خصوصا وقد أصبحت سورية مفتوحة أمام أطماع ضباط مغامرين، كلهم تدفعهم السلطة. بعضهم يعمل لزعامة منفردة، وأكثرهم يسعى للزعامة من خلال تبنيه أيديولوجيا حزبية كالبعثيين، أووطنية عاطفية مثل من كانوا يسمون أنفسهم "ناصريين".

وهكذا أفاق سكان عاصمة الأمويين مرة أخرى صبيحة يوم8 آذار عام 1963 على صوت المارشات العسكرية والبلاغات الانقلابية تنطلق من الإذاعة، فأطلوا من نوافذ بيوتهم ليروا الدبابات تحيط بمبنى قيادة الأركان ومبنى الإذاعة وحول المنشآت الحكومية ذات الصبغة العسكرية، ولمّا يمضي على انقلاب الانفصال إلا سنة واحدة وخمسة أشهر و10 أيام فقط. كانت اللافتة التي رفعها انقلابيو 8 آذار هي إنهاء حكم الانفصال وإعادة الوحدة بين مصر وسورية، أوهكذا أعلن مذيع البلاغات العسكرية. وقبل أن ينتصف نهار يوم الانقلاب أعلن عن تشكل مجلس قيادة الثورة برئاسة العميد "لؤي الأتاسي".

ولكن كيف تم انفراد البعثيين بالحكم بعد انقلاب 8 آذار؟ كان العميد "زياد الحريري" قائد الجبهة مع إسرائيل هو القائدَ الفعلي لهذا الانقلاب. ولم يكن الضباط البعثيون يشكلون إلا أقل من نصف المشاركين في الانقلاب، مع ذلك فقد استولوا على حصة الأسد في مجلس قيادة الثورة الذي شكل في نفس اليوم. وقد عمل البعثيون في الهيئة القيادية العليا –مجلس قيادة الثورة- منذ اليوم الأول أن يضعوا يدهم على انقلاب 8 آذار، ومن ثم سيطروا على حكم سورية.

وفيما يلي جدول يبين أسماء أعضاء مجلس قيادة الثورة وانتماءاتهم:

اسم الضابط      عمله قبل الانقلاب ورتبته    الوظيفة بعد الانقلاب    رفع إلى     الانتماء

لؤي الأتاسي    عميد معتقل    رئيس مجلس القيادة    فريق    لا منتمي

زياد الحريري    عميد - قائد الجبهة    رئيس الأركان العامة    لواء    غير حزبي

محمد الصوفي    عميد -قائد لواء بحمص    وزير الدفاع    فريق    ناصري

راشد قطيني    عميد رئيس الاستخبارات    نائب القائد العام    لواء    ناصري

غسان حداد    عميد -قائد لواء بدمشق    إدارة شئون الضباط    لواء    بعثي

محمد عمران     عقيد مسرح موظف مدني    عضو في المجلس    لواء     بعثي

صلاح جديد     مقدم مسرح موظف مدني    نائب لشئون الضباط    لواء    بعثي

فهد الشاعر    عقيد قائد لواء في الجبهة    عضو في المجلس    لواء    لا منتمي

فواز محارب    رائد شارك في الانقلاب    عضو في المجلس    عقيد    ناصري

موسى الزعبي    نقيب شارك في الانقلاب     عضو في المجلس    مقدم    بعثي

لم يشارك فعليا في انقلاب 8 آذار من البعثيين إلا غسان حداد وموسى الزعبي. ومع ذلك كان تشكيل مجلس قيادة الثورة يوحي بأنهم في طريقهم إلى الاستيلاء على الحكم.

"صلاح جديد" ودوره في ترسيخ وجود البعثيين في الجيش:

يؤكد من تابع الانقلاب منذ يومه الأول أن "صلاح جديد" جاء من مكان وظيفته المدنية إلى مبنى رئاسة الأركان راكبا دراجة هوائية "بسكليت". وقد شارك مشاركة فعالة في اختيار أسماء أعضاء مجلس قيادة الثورة، واختار لنفسه مركزا بعيدا عن الأضواء لكنه في منتهى الخطورة، وهو منصب معاون مدير إدارة شئون الضباط.

لم يضيعْ وقته سدى. ففي نفس اليوم 8 آذار قام "جديد" بتسريح العديد من الضباط العاملين في الجيش من غير البعثيين من كافة الانتماءات الحزبية ومن الحياديين. كما قام باستدعاء أكثر من200 ضابط احتياط بعثي من وظائفهم المدنية إلى الجيش كان أهمهم على الإطلاق الرائد الجوي المسرح "حافظ أسد". (ليحكما سورية معا حتى عام 1970، ثم ليكون "حافظ أسد" فيما بعد "عدوا وحزنا" ل"صلاح جديد"، حيث اعتقله في16 تشرين ثاني عام 1970، فلبث في السجن حتى وفاته عام 1993، وينفرد "حافظ أسد" بعد ذلك في حكم سورية حتى وفاته في حزيران 2000).

كانت الخطوة الثانية التي قام بها "صلاح جديد": تنفيذ ( التشكيلات التي أجريت في الجيش السوري في غياب بعض أعضاء "مجلس قيادة الثورة" في مصر أثناء مباحثات الوحدة مع مصر والعراق من 3 نيسان إلى 17 نيسان، حيث قام بنقل بعض الضباط الناصريين إلى السلك الدبلوماسي أو الوظائف المدنية وإحالة البعض الآخر إلى التقاعد، ما أدى إلى استياء القيادات الناصرية في مجلس قيادة الثورة وتقديمها استقالاتها ورفضها أي حوار أو مساعٍ حميدة قام بها الفريق "لؤي الأتاسي" واللواء "زياد الحريري") (أنظر صفحة 164 من كتاب "أوراق شامية من تاريخ سورية من عام 1946 إلى عام 1966" كتبه عضو مجلس قيادة الثورة  البعثي "غسان حداد"). عندما نشير إلى دور "صلاح جديد" الفعال في تمكين حزب البعث من الاستيلاء على الحكم في سورية، فلا يعني ذلك أنه هو المسئول الوحيد عن ذلك. إلا أن دوره كان هو الدور الأساس، وذلك ما سأبينه لاحقا.

ماهو معروف في أدبيات قيادة الجيش السوري أنّ إدارة شؤون الضباط هي الجهة المخوّلة بتحضير وإعداد اللوائح والنشرات المتعلّقة بالضباط. وحتى تصبح هذه اللوائح والنشرات سارية المفعول ينبغي أن يوقع عليها قائد الجيش ووزير الدفاع. أما وزير الدفاع "محمد الصوفي" فهو ناصري، ولا يمكن أن يوقع على قائمة نقل وتسريح ضباط ناصريين. أما قائد الجيش "لؤي الأتاسي" فقد أكد "غسان حداد" -في كتابه- أنه قام بمساعيه الحميدة كما ورد ضمن القوسين أعلاه. كما أن "الأتاسي" و"الصوفي" كانا مع الوفد السوري في القاهرة أثناء مباحثات الوحدة. كما أن اللواء "غسان حداد" مدير إدارة شئون الضباط كان هو الآخر مع الوفد في القاهرة. وعليه لم أفترِ على "صلاح جديد" شيئا لم يفعله، حيث انتفت إمكانية مشاركة الآخرين في تسريحات الضباط الناصريين.

على أن تسليط الضوء على دور "صلاح جديد" في التمكين لحزب البعث، لا يعني أنه قام بذلك منفردا. فحتى يتم لها الانفراد بالسلطة، فقد قامت القيادة البعثية بالخطوة الثالثة التي تمثلت بإبعاد ثلاثين ضابطا من أنصار رئيس الأركان اللواء "زياد الحريري" إلى وظائف مدنية أو مراكز أقل أهمية أوائل شهر تموز أثناء زيارة الحريري مع وفد إلى الجزائر. بعد عودة "الحريري" إلى دمشق في 4 تموز قام مجلس قيادة الثورة –الذي اقتصر على البعثيين فقط بعد استقالة الناصريين من المجلس- بإصدار قرار بإبعاد اللواء "زياد الحريري" القائد الفعلي لانقلاب 8 آذار سفيرا متجولا لسوريا في أوروبا على أن يكون مقره في باريس.كما استقال الفريق "لؤي الأتاسي" فيما بعد احتجاجا على الإعدامات التي طالت مشاركين في محاولة انقلابية قادها العقيد المسرح "جاسم علوان" في 18 تموز 1963، أي بعد أربعة أشهر من انقلاب 8 آذار.

لم يبق الكثير لكي يقال عن حصاد الشوك في سورية الذي أعقب انقلاب 8 آذار 1963. فقد غيبت الحريات وأخضعت إلى قانون الطوارئ واحتكر حزب البعث الدولة والمجتمع، حيث نص في الدستور السوري في المادة 8: على أن "حزب البعث قائد للدولة والمجتمع".

لكن هل هي نهاية المطاف في سورية؟ البعض يؤكد أنه في سورية لا يوجد خاتمة اسمها نهاية المطاف. ويستشهد بما آل إليه حال عبد الناصر الرجل القوي الذي ما كان أحد يتوقع أن يأتي اليوم الذي يجرؤ فيه أحد في سورية على أن يقول لعبد الناصر: لا.

مع ذلك فها نحن نتابع -على فضائية الجزيرة- قصة الانقلاب الذي قاده المقدم "عبد الكريم النحلاوي" الضابط صغير الرتبة الذي قاد مجموعة صغيرة من الضباط صغار الرتب، وأن يتحدى بهم "عبد الناصر" وينقلب عليه في 28 أيلول من عام 1961، ويجبره على سحب أعوانه من سورية. ومن يدرى فالأيام حبالى يلدن كل عجيب؟

*كاتب سوري

taheralhamdou@hotmail.com

===========================

ماذا بعد الربيع العربي!

عماد رسن

هناك سؤال ملح كان يطرح في الأوساط الثقافية والشعبية في العالم العربي وهو, إلى متى ستبقى هذه الإنظمة جاثمة على صدور شعوبها, ومتى سيتغير الحال ويتخلى رؤساء الدول عن كراسيهم ومتى ينتهي عصر الدكتاتوريات في عالمنا العربي. لكن أحد لم يسأل, ماذا بعد سقوط الدكتاتوريات وماهو شكل الأنظمة السياسية التي ستأخذ بزمام الأمور من بعد التغيير. أن الذي يبدو أن التحولات التي حدثت والتي ستحدث في العالم العربي لاتمت بأي صلة لأي مشروع للتغير واضح المعالم في أهدافه وأدواته, بل أن الذي حدث هو عبارة عن تحرك جماهيري عفوي له أسبابه الموضوعية من تغيرات إجتماعية أدت بالضرورة لتغييرات سياسية أطاحت بأنظمة عتيدة في رسوخها, حتى إن ذلك التغيير فاجأ الكثيرين ومنهم النخبة من المفكرين والمثقفين. فلايوجد هناك مشروع لديمقراطية, كطريقة للحكم, ولا مشروع لدولة مدنية. وأقصد بالمشروع هو الخطاب الذي يدعوا إلى الدولة المدنية والديمقراطية من قبل مفكرين ونخبة من المثقفين حيث تتخذ خطوات واضحة من أجل تحقيق هذا المشروع من خلال التواصل الجماهيري في حركة إجتماعية لها قادتها وإعلامها ومراكزها. إن المشروع ليس عبارة عن شعارات يطرحها شباب ينادون بالحرية والديمقراطية والدولة المدنية ويهتفون بها في ميادين التغيير. إن الذي كان واضحا ً هو أن لاوجود هناك لتنظيم مسبق حتى بين القوى التي غيرت في بعض البلدان العربية بل جاء التنظيم أثناء التغيير أو بعده في تكتلات سياسية, والأكثر من ذلك أن الذي يبدوا أن التيارات الدينية كالأخوان المسلمين والجماعات السلفية كانت أكثر تنظيما ً ووضوحا ً في أهدافها وفيما تريد وترغب.

أن التحولات في أي مجتمع ما تحدث بطريقتين. الطريقة الأولى هو توفر الأسباب الموضوعية للتغير كالتي تحدث في العالم العربي, وهي متعددة ومتنوعة. ففي عالمنا العربي هناك تحولات كبيرة حدثت, كنمو الطبقى الوسطى بالخصوص من المتعلمين, إنتقال سكان الريف إلى المدينة بشكل كبير, الزيادة في إستخدام شبكات التواصل الإجتماعي بين أفراد الشباب الذي خلق فرصة لهم بتبادل الأفكار والآراء والتجارب, الإحباط الذي أصاب فئة الشباب, وهم النسبة الأكبر, من البطالة والأوضاع الاقتصادية السيئة بعد الإرتفاع الكبير بأسعار المواد الغذائية في كل دول العالم, غياب الحريات الفردية وسوء تعامل الحكومات والانظمة مع شعوبها, أزدياد نسبة الفقراء بعد إتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء نتيجة للتحولات الإقتصادية نحو إقتصاد السوق. الأكثر من ذلك هو فشل مشروع الدولة الإسلامية الذي رفعت شعار, الإسلام هو الحل, وفشل مشروع النهضة العربية وإتجاه الدول العربية نحو الداخل القطري أو الاقليمي كمجلس التعاون الخليجي كبديل للجامعة العربية, وأكبر دليل على ذلك هو فشل تلك الدول بتبني القضية الفلسطينية وإيجاد الحلول المناسبة لها. بالتأكيد لايمكن إغفال العامل الدولي في عملية التغيير والذي قد يسمح أو لايسمح بعملية التحول حسب مصالحه.

أما الطريقة الثانية وهي التحول من خلال مشروع واضح المعالم له أهدافه وأدواته وله قاعدة جاهيرية تتبنى مشروع التغيير. إن مشروع التغيير هذا يمكن أن ينقل الدولة والمجتمعات من العصر التقليدي إلى عصر الحداثة من خلال الدعوة للتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. أن التغييرات السياسية تتم من خلال تبني الديمقراطية والتحول نحو الدولة المدنية. أما الإقتصادية فهي التحول نحو الإقتصاد الحر مع قليل من التخطيط الذي يمكن أن يدعم الطبقات المسحوقة والضعيفة في المجتمع. أما الاجتماعية فهي دعم الهوية الفردية والهويات المستضعفة بالمجتمع كالنساء والشباب والاقليات الاثتية والدينية والثقافية وإشاعة مبدأ المساواة بين أفراد المجتمع مع التمييز الإيجابي لتلك الأقليات, وعدم تقييد الحريات الفردية, وإطلاق قوانين تؤسس لمنظمات المجتمع المدني وإعلام حر من خلال دعم حرية التعبير. أن الطريقة الثانية يمكن أن تتمم أو تستثمر الطريقة الأولى أو تكون بداية لها.

إذن, هذا ماهو مطلوب للإنتقال إلى عصر الحداثة, لكن الذي يبدو هو أن لامشروع متكامل يلوح بالإفق, في كل الدول العربية, فكل المطالب والشعارات عفوية وارتجالية. أن صياغة أي مشروع من هذا القبيل لابد أن يأخذ بنظر الإعتبار كيفية التغيير في البنى الإجتماعية والإقتصادية والإدارية والسياسية من أجل الدخول لعصر الحداثة. أن الذي يعيق نشوء ديمقراطية حقيقية هي عوامل متعددة يجب معالجتها وهي: النظام الإجتماعي التقليدي المتمثل بالبنية الأبوية الذكورية للمجتمع العربي والتي تتمايز من دولة لأخرى ومن مجتمع لآخر, فهي عائق أمام مبدأ الحرية الفردية والمساواة بعيدا ً عن السلم التراتيبي المجتمعي, وبالخصوص موقف المجتمع تجاه المرأة التي أثبتت جدارتها في ميادين التغيير. النظام الإقتصادي الريعي الذي يعتمد على واردات الثروات الطبيعية, أو المعتمد على المعونات الخارجية. النظام الاداري الذي ينخر فيه الفساد وتكبله البيروقراطية. النظام السياسي الذي يعتمد على القوى المتنفذه المرتبطة بمصالح اقتصادية أو علاقات قبلية أو انتماءات طائفية.

أن غياب مشروع الدولة المدنية في الاطار الديمقراطي سيفسح المجال للقوى الراديكالية الأكثر تنظيما ً من أخذ زمام المبادرة مما يؤدي إلى عودة الدكتاتورية والتسلط بشكل آخر. أن أكثر القوى تنظيما ً هم السلفيون الذين لايؤمنون بالديمقراطية ويستخدمونها فقط كأداة للوصول للسلطة, بالإضافة إلى قوى الإسلام المعتدل الذي لم تتصالح أفكاره مع جوهر الديمقراطية الحقيقي والذي يجعل ممارستها بالشكل فقط بعيدا ً عن باقي عناصرها المهمة للفرد والمجتمع. إن الذي حدث من ثورات وإنتفاضات هو ثورة لإستعاد الكرامة التي إنتهكتها الدكتاتوريات المتسلطة, لكن المطلوب هو أكثر من ذلك, وهو مشروع ينهض بالواقع المأساوي الذي تعيشه الشعوب ليدخلها في عصر الحداثة من أوسع أبوابه.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ