ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 07/08/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

فضل الأمة على سائر الأمم

أ.د. عبد الرحمن البر*

أخرج البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الكِتَابَيْنِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ، فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ اليَهُودُ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاَةِ العَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنَ العَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ؟ فَأَنْتُمْ هُمْ، فَغَضِبَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالُوا: مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلًا، وَأَقَلَّ عَطَاءً؟ قَالَ: هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: فَذَلِكَ، فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ».

- وفي رواية: «إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلاَ مِنَ الأُمَمِ، كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ العَصْرِ وَمَغْرِبِ الشَّمْسِ، وَمَثَلُكُمْ وَمَثَلُ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا...» الحديث.

وأخرج البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلُ المُسْلِمِينَ وَاليَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ، عَلَى أَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَعَمِلُوا لَهُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالُوا: لاَ حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ الَّذِي شَرَطْتَ لَنَا وَمَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ، فَقَالَ لَهُمْ: لاَ تَفْعَلُوا، أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ، وَخُذُوا أَجْرَكُمْ كَامِلًا، فَأَبَوْا، وَتَرَكُوا، وَاسْتَأْجَرَ أَجِيرَيْنِ بَعْدَهُمْ، فَقَالَ لَهُمَا: أَكْمِلاَ بَقِيَّةَ يَوْمِكُمَا هَذَا وَلَكُمَا الَّذِي شَرَطْتُ لَهُمْ مِنَ الأَجْرِ، فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينُ صَلاَةِ العَصْرِ، قَالاَ: لَكَ مَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ، وَلَكَ الأَجْرُ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فِيهِ، فَقَالَ لَهُمَا: أَكْمِلاَ بَقِيَّةَ عَمَلِكُمَا مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ شَيْءٌ يَسِيرٌ، فَأَبَيَا، وَاسْتَأْجَرَ قَوْمًا أَنْ يَعْمَلُوا لَهُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ، فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا، فَذَلِكَ مَثَلُهُمْ، وَمَثَلُ مَا قَبِلُوا مِنْ هَذَا النُّورِ».

1- شرح الحديث وبيان المثل:

من رحمة الله تعالى وتكريمه لأمة محمد صلي الله عليه وسلم أن جعلهم خير أمة {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، ومع تأخرهم في الزمان وجودا فقد جعلهم الله السابقين إلى الجنان خلودا، كما في الحديث الذي أخرجه الشيخان عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: «نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، ثُمَّ هَذَا (يعني يوم الجمعة) يَوْمُهُمُ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَهَدَانَا اللَّهُ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ، اليَهُودُ غَدًا، وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ»، ولكي يوضح النبي صلي الله عليه وسلم هذا الفضل ضرب صلي الله عليه وسلم في هذين الحديث ثلاثة أمثلة:

أحدها: في مقدار مدة أمته، من سائر الأمم، وهو قوله صلي الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلاَ مِنَ الأُمَمِ، كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ العَصْرِ وَمَغْرِبِ الشَّمْسِ»، فهذه نسبة مدة أمته من نسبة مدة سائر الأمم، كنسبة مدة ما بين العصر إلى المغرب من نسبة مدة جميع النهار، وذلك نحو الربع تقريبا، وهي آخر الأمم، وما بينها وبين قيام الساعة وانقضاء الدنيا إلا وقت يسير، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنهم، صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ، أَوْ كَهَاتَيْنِ» وَقَرَنَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى.

والمثل الثاني: في مقدار زيادة أجور أمته، بالنسبة إلى أجور أهل الكتاب من اليهود والنصارى. وهو قوله: «مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الكِتَابَيْنِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ» إلى آخر الحديث. فمع أن مدة عمل هذه الأمة أقصر ومقدار عملهم أقل فإن الأجر الذي تفضل الله به عليهم أكبر وأعظم، حتى إنه يبلغ ضعفي أجور الأمم السابقة، ولا محل لاعتراض أهل الكتاب على ذلك، إذ الله تعالى هو الذي يحدد أجور الأعمال. وشبه النبي صلي الله عليه وسلم ذلك برجل استأجر جماعة ليعملوا مدة بأجر محدد، ثم استأجر آخرين ليعملوا مدة أخرى بذات الأجر، ثم استأجر آخرين ليعملوا مدة أقل بضعف الأجر الذي اتفق عليه مع المجموعتين الأوليين، فإذا اعترضتا على ذلك لم يكن لاعتراضهما وجه؛ لأنه وفَّى لهم بما استأجرهم عليه، وتضعيفه الأجر لغيرهم محضُ فضل منه لا يلزمه أن يفعله مع الآخرين.

والمثل الثالث: في ثبوت الأجر لهذه الأمة لإيمانها بنبيها صلي الله عليه وسلم وبمن سبقه من الأنبياء، وحبوط الأجر لمن لم يؤمن من الأمم السابقة إلا بنبيه فقط، ورفض أن يؤمن بمن بعده، وهو قوله صلي الله عليه وسلم: «مَثَلُ المُسْلِمِينَ وَاليَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلًا يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ، عَلَى أَجْرٍ مَعْلُومٍ». وشبه النبي صلي الله عليه وسلم ذلك برجل استأجر أجراء واشترط عليهم أن يعملوا له يوما كاملا إلي الليل، فعملوا حتى انتصف النهار، ثم أبوا أن يستكملوا العمل، ورفضوا مطالبته لهم باستكمال العمل ليحصلوا على الأجر، فأبو أن يستكملوا وقطعوا العمل، فلم يستحقوا الأجر المشروط لهم، ذلك أن تمام الأجر يكون بتمام العمل، فاستأجر آخرين وشرط عليهم أن يستكملوا ما بدأه الأولون إلى الليل ويأخذوا هم الأجر، فعملوا حتى جاء وقت العصر فتوقفوا وامتنعوا من العمل، ورفضوا مطالبته إياهم أن يستكملوا عملهم حسبما شرط عليهم، خصوصا وقد اقترب الليل، فأبوا وقطعوا العمل، فلم يستحقوا الأجر المشروط لهم، فاستأجر آخرين ليتموا ما بدأه الفريق الأول والثاني ويعملوا إلي الليل، فقبلوا وعملوا عملهم إلى الليل، ووفوا بما اشترط عليهم، فاستحقوا الأجر كاملا؛ جزاء وفاقا على وفائهم واستجابتهم.

فهكذا الذين آمنوا بموسى من اليهود، حتى إذا جاءهم عيسى ابن مريم كفروا به وخالفوا أمر الله فيه، فبطل إيمانهم بموسى، وكذلك الذين آمنوا بعيسى من النصارى، فلما بعث الله نبيه محمدا صلي الله عليه وسلم على وفق ما بشرهم به عيسى عليه السلام {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6] لكنهم كفروا وخالفوا، فبطل إيمانهم بعيسى عليه السلام، فأما المؤمنون بمحمد صلي الله عليه وسلم فقد آمنوا بموسى وعيسى وسائر رسل الله واستمروا على ذلك إلى انقضاء الدنيا، فاستحقوا وحدهم القبول من الله عز وجل.

وإنما ذكر في الحديث أهل الكتابين من اليهود والنصارى دون غيرهم؛ لأنهم أقرب الأمم للمسلمين، وشرائعهم هي الشرائع التي أنزلها الله يرون كتبها بأعينهم وإن كانت محرفة، وما زال المسلمون يرونهم ويعيشون بينهم، وما كان ليضرب المثل بشيء غائب ويترك ما هو مشاهد.

2 - أجر من أسلم من أهل الكتاب:

لو أن أحدا من أهل الكتاب آمن بمحمد صلي الله عليه وسلم لكان له ضعفان من الأجر، قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ. وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ. أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [القصص: 52 - 53]، وفي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ، فَيُعَلِّمُهَا فَيُحْسِنُ تَعْلِيمَهَا، وَيُؤَدِّبُهَا فَيُحْسِنُ أَدَبَهَا، ثُمَّ يُعْتِقُهَا فَيَتَزَوَّجُهَا فَلَهُ أَجْرَانِ، وَمُؤْمِنُ أَهْلِ الكِتَابِ، الَّذِي كَانَ مُؤْمِنًا، ثُمَّ آمَنَ بِالنَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَالعَبْدُ الَّذِي يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ، وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ».

وأخرج أحمد والطبراني منْ حديث أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَهُ مِثْلُ الَّذِي لَنَا، وَعَلَيْهِ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْنَا، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَلَهُ أَجْرُهُ، وَلَهُ مِثْلُ الَّذِي لَنَا، وَعَلَيْهِ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْنَا».

ويرى الإمام أبو جعفر الطحاوي في (شرح مشكل الآثار) أن الذي يؤتى أجره مرتين هو من كان مؤمنا بعيسى من النصارى فحسب، ولا يدخل في ذلك من كان يهوديا ودخل في الإسلام؛«لِأَنَّ دِينَ عِيسَى صلي الله عليه وسلم قَدْ كَانَ طَرَأَ عَلَى دِينِ مُوسَى صلي الله عليه وسلم وَلَمْ يَتَّبِعْهُ, فَخَرَجَ بِذَلِكَ مِنْ دِينِ مُوسَى صلي الله عليه وسلم, ثُمَّ اتَّبَعَ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم, وَقَدْ كَانَ قَبْلَ اتِّبَاعِهِ إِيَّاهُ عَلَى غَيْرِ مَا كَانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ تَعَبَّدَهُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مِنْ دِينِ عِيسَى صلي الله عليه وسلم. وَعَقَلْنَا بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الَّذِي يُؤْتَى أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ بِإِيمَانِهِ كَانَ بِنَبِيِّهِ , ثُمَّ بِإِيمَانِهِ كَانَ بِالنَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: هُوَ الَّذِي أَدْرَكَ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى مَا تُعُبِّدَ عَلَيْهِ مِنْ دِينِ النَّبِيِّ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ, وَهُوَ عِيسَى صلي الله عليه وسلم, حَتَّى دَخَلَ مِنْهُ فِي دِينِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم». وَاستدل الطحاوي لقوله هذا بما أخرجه مسلم من حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: « ... وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ» ثم قال : « فَأَخْبَرَ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مَقْتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُمْ عِنْدَنَا -وَاللهُ أَعْلَم- الَّذِينَ بَقَوْا عَلَى مَا بُعِثَ بِهِ عِيسَى صلي الله عليه وسلم مِمَّنْ لَمْ يُبَدِّلْهُ, وَلَمْ يُدْخِلْ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ, وَبَقِيَ عَلَى مَا تَعَبَّدَهُ اللهُ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ هَذَا الْقَوْلَ». ومع وجاهة هذا القول فإن الذي يستريح له القلب بقاء الأمر على عمومه، وأنه يدخل في ذلك اليهود والنصارى الذين آمنوا بموسى أو بعيسى صلي الله عليه وسلم، ثم آمنوا بمحمد صلي الله عليه وسلم.

أما الذي كفر من أهل الكتاب بنبينا محمد صلي الله عليه وسلم فهو مستوجب للنار كسائر الكفار بمحمد صلي الله عليه وسلم، فقد أخرج مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».

قال النووي في شرحه على مسلم: «وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ النصارى لَهُمْ كِتَابٌ، فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى».

على أنه لا يفوتنا هنا أن نشير إلى أن عيسى عليه السلام حين ينزل في آخر الزمان فإنه ينزل مؤمنا بنبوة محمد صلي الله عليه وسلم وحاكما بشريعته، كما في الحديث المتفق عليه عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ».

2 - فضل الأمة الإسلامية:

من فضل الله تعالى على هذه الأمة المسلمة أنه جعلها خير أمة {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110] وحدّد وظيفتها الكبرى في هذه الأرض، ومكانتَها العظيمة في حياة البشرية، و دورَها الأساسي في حياة الناس، إذ جعلها خيرَ أمة، وأرسل إليها خيرَ رسول، وأنزل عليها أفضلَ الكتب وخيرَ المناهج، وخصَّها بأفضل الشرائع، ومنحها خيرَ الأخلاق، ونقلها من ظلام الجاهلية الدامس، وأفكارها المضطربة، ومقاييسها الفاسدة، لتقود الأمم بهذا المنهاج الرشيد إلى نور الحق والخير، وسداد الحكمة والعدل، وكمال العلم والرشد {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة: 143]. فهي شهادة ريادة وتوجيه؛ لا شهادة تسلط واستكبار.

ولم يعوِّق هذه الأمة اليوم عن أن تأخذ مكانها هذا الذي وهبه اللّه لها، إلا أنها تخلَّت عن منهج الله الذي اختاره لها، واتخذت لها مناهج مختلفة، واصطبغت بصبغات شتى ليست صبغةُ اللّه واحدةً منها، واللّه يريد لها أن تصطبغ بصبغته وحده {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} [البقرة: 138]، ولا يزال القرآن يهتف بالذين يلتمسون الهدى في غير الإسلام {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].

ولا يقدح في هذا الدور القائد للأمة أنها جاءت إلى الحياة متأخرة عما سبقها، بل قد أتاح لها ذلك أن تأخذ خير ما سبقها وأن تتجنب ما وقعت فيه تلك الأمم من انحراف وضلال، أخرج الشيخان –واللفظ لمسلم- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم: «نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَاخْتَلَفُوا، فَهَدَانَا اللهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ، فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، هَدَانَا اللهُ لَهُ - قَالَ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ - فَالْيَوْمَ لَنَا، وَغَدًا لِلْيَهُودِ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى».

وهذا الفضل الذي اختص الله به هذه الأمة أوقع –ولا شك- الحسد في قلوب الأمم السابقة، إذ هدانا الله لما ضلوا عنه من الجمعة والقبلة وصلاة العصر وغيرها، ورزقنا الثبات على ما انحرفوا عنه من أسباب الخير، فأخرج أحمد عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عن النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلمقَالَ: «إِنَّهُمْ (يعني اليهود) لَا يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا اللهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ: آمِينَ».

ولعل ذكر صلاة العصر في هذا الحديث لكونها إحدى ما ضيعه اليهود والنصارى مما افترض الله عليهم، فاختص الله بها المسلمين، ودعاهم النبي صلي الله عليه وسلم للمحافظة عليها، فقد أخرج مسلم عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم بِالْمُخَمَّصِ(موضع بالمدينة)، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا – وعند أحمد: فَتَوَانَوْا فِيهَا وَتَرَكُوهَا- فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ» ، وَالشَّاهِدُ: النَّجْمُ. وأخرج البخاري عَن بُرَيْدَة رضي الله عنه قَالَ: قال النَّبِيصلي الله عليه وسلم: «من ترك صَلَاة الْعَصْر حَبِطَ عَمَلُه» وأخرج الشيخان عَن ابْن عمر رضي الله عنهم أَن رَسُول الله صلي الله عليه وسلم َ قَالَ: «الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاَةُ العَصْرِ، كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ» مُتَّفق عَلَيْهِ.

ولهذا الحفظ للدين وعدم التحريف فيه كانت هذه الأمة أعظم عند الله أجراً، وكان المسلمون أكثر الناس نجاة يوم القيامة ودخولا إلى الجنة، أخرج البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم، قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيُّنَا ذَلِكَ الوَاحِدُ؟ قَالَ: «أَبْشِرُوا، فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلًا، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا». ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ» فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ: «أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ» فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ: «أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الجَنَّةِ» فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ: «مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلَّا كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ، أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ».

وأخرج أحمد عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّهْطَ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلَ وَالرَّجُلَيْنِ، وَالنَّبِيَّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقُلْتُ: هَذِهِ أُمَّتِي، فَقِيلَ: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ إِلَى هَذَا الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا، يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلا عَذَابٍ ...» الحديث.

على أن هذا الفضل للأمة لا يعني التقصير في العمل أو الاتكال على الفضيلة، فالتفاضل عند الله بالأعمال، لا بالأنساب والألقاب، قال تعالى {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف: 72]. وأخرج البخاري عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] ، قَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا».

3 - شمول الشريعة الإسلامية وتتميمها لما سبقها من الشرائع:

ماجاء النبي صلي الله عليه وسلم لينقض ما سبقه من الرسالات، بل جاء يدعو إلى الإيمان بكل رسل الله وكتبه على ما نزلت عليه من غير تحريف المبطلين، ويدعو إلى ذلك سائر الناس، ويكشف لهم أن لا معنى للإيمان بمن سبق من الأنبياء ما لم يؤمنوا بكل الرسل، فقال تعالى {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 136، 137] وقال تعالى {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 84، 85]

كما بين صلي الله عليه وسلم أنه جاء ليتمم ويصحح وينفي تحريف من سبقه، ففي صحيح مسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بُنْيَانًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ! قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ»، وأخرج أحمد وصححه الحاكم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ»، وفسَّر الطحاوي في شرح مشكل الآثار: «صَالِحَ الْأَخْلَاقِ» فقال: أَيْ: صَالِحَ الْأَدْيَانِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ.

وجعل الله من خصائص هذه الشريعة صلاحيتها لكل زمان ومكان، وتكفل بحفظ القرآن من التحريف فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]. ولهذا كان القرآن ناسخا للتوراة والإنجيل التي نزلت من قبله، ومهيمنا عليها، وكانت شريعته صلي الله عليه وسلم ناسخة لما سبقها من الشرائع، قال تعالى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: 48].

ولو أن الأنبياء أدركوا محمدا صلي الله عليه وسلم لاتبعوه وحكموا بشريعته، بما أخذ الله عليهم من الميثاق، كما في قوله تعالى {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ. فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 81-82]

وأخرج الدارمي وأحمد وغيرهما عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنهأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم بِنُسْخَةٍ مِنَ التَّوْرَاةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ نُسْخَةٌ مِنَ التَّوْرَاةِ. فَسَكَتَ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَوَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَتَغَيَّرُ، فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ! مَا تَرَى بِوَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم؟ فَنَظَرَ عُمَرُ إِلَى وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ، رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ بَدَا لَكُمْ مُوسَى فَاتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي، لَضَلَلْتُمْ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَلَوْ كَانَ حَيًّا وَأَدْرَكَ نُبُوَّتِي، لَاتَّبَعَنِي».

على أن هذا ليس معناه الإعراض عن كل ما لدى القوم، بل ما كان عندهم من حق وصواب فنحن أولى به، وقد رأى النبي صلي الله عليه وسلم اليهود يصومون عاشوراء شكرا لله أن نجى موسى فيه، فصامه وأمر بصيامه لأنه أولى بموسى ممن حرفوا شريعته، فقد أخرج الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم المَدِينَةَ وَجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ، فَسُئِلُوا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: هَذَا اليَوْمُ الَّذِي أَظْفَرَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى فِرْعَوْنَ، وَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: «نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ» ثُمَّ أَمَرَ بِصَوْمِهِ.

وقد أخبرنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم ببعض ما بقي من آيات في التوراة لم يمسها التحريف، في الحديث الذي أخرجه البخاري عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنهم قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فِي التَّوْرَاةِ؟ قَالَ: «أَجَلْ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي القُرْآنِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} (الأحزاب: 45)، وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ، وَلاَ سَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ المِلَّةَ العَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا».

فما جاءنا عنهم مما يوافق ما جاء في القرآن والسنة قبلناه، وما جاء مما يخالفهما رفضناه، وما لم يأتنا فيه خبر صحيح بالإثبات أو بالنفي، فقد أمرنا النبي صلي الله عليه وسلم ألا نصدقهم ولا نكذبهم فيه، فأخرج أحمد وأبو داود بسند حسن عن أبي نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم جَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ تَتَكَلَّمُ هَذِهِ الْجَنَازَةُ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم: «اللهُ أَعْلَمُ». قَالَ الْيَهُودِيُّ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهَا تَتَكَلَّمُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلي الله عليه وسلم: «إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُمْ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُمْ».

________

*أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين وعضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين

============================

قراءة في غزوة خيبر(3)

الدكتور عثمان قدري مكانسي

شأن بني سهم الأسلميين

جماعة من بني سهم من أسلم أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : والله يا رسول الله لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء ، فلم يجدوا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا يعطيهم إياه ؛ فقال : اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليست بهم قوة ، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه ، فافتح عليهم أعظمَ حصونها عنهم غَناء ، وأكثرَها طعاما وودكا ( الودك الدسم من الطعام )، فغدا الناس ، ففتح الله - عز وجل - حصن الصعب بن معاذ ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاما وودكا منه .

مقتل مرحب اليهودي

لما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حصونهم ما افتتح ، وحاز من الأموال ما حاز ، انتهوا إلى حصنيهم الوطيحِ والسلالِمِ ، وكان آخرَ حصون أهل خيبر افتتاحا ، فحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضع عشرة ليلة ،وكان شعار أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر : يا منصور ، أمت أمت . قال ابن إسحاق : فحدثني عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل ، أخو بني حارثة ، عن جابر بن عبد الله ، قال : خرج مرحب اليهودي من حصنهم ، قد جمَع سلاحه ، يرتجز وهو يقول :

قد علمت خيبر أني مرحب == شاكي السلاح بطل مجرب

أطعن أحيانا وحينا أضرب == إذا الليوث أقبلت تحرب

 إن حماي للحمى لا يقرب

وهو يقول : من يبارز ؟

فأجابه كعب بن مالك دون أن يبارزه ، فقال :

 

قد علمت خيبر أني كعب == وأنني متى تشب الحرب

ماض على الهول جريء صلب == معي حسام كالعقيق عضب

بكف ماض ليس فيه عتب == ندككم حتى يذل الصعب

 

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من لهذا ؟

 قال محمد بن مسلمة : أنا له يا رسول الله ، أنا والله الموتور الثائر ، قتل أخي بالأمس ؛ فقال : فقم إليه ، اللهم أعِنه عليه

قال : فلما دنا أحدهما من صاحبه ، دخلت بينهما شجرة عمرية ( دهرية ، عمرها طويل) ، فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه ، كلما لاذ بها منه اقتطع صاحبه بسيفه ما دونه منها ، حتى برز كل واحد منهما لصاحبه ، وصارت بينهما كالرجل القائم ، ما فيها فنن ، ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة ، فضربه ، فاتقاه بالدرقة( المِجَنّ) ، فوقع سيفه فيها ، فعضت به فأمسكته ، وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله .

مقتل ياسر أخي مرحب

: ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر ، وهو يقول : من يبارز ؟ فخرج إليه الزبير بن العوام ، فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب : يقتل ابني يا رسول الله . قال : بل ابنك يقتله إن شاء الله فخرج الزبير فالتقيا ، فقتله الزبير .

وكان الزبير إذا قيل له : والله إنْ كان سيفك يومئذ لصارما عضبا ، قال : والله ما كان صارما ، ولكني أكرهته .

شأن علي يوم خيبر

 

وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - برايته ، وكانت بيضاء ، فيما قال ابن هشام ، إلى بعض حصون خيبر ، فقاتل ، فرجع ولم يكُ فتحٌ ، وقد جهد ؛ ثم بعث الغد عمرَ بن الخطاب ، فقاتل ، ثم رجع ولم يكُ فتحٌ ، وقد جهد ؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لأعطين الراية غدا رجلا يحب اللهَ ورسوله ، يفتح الله على يديه ، ليس بفرار

 

فدعا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عليا - رضوان الله عليه - وهو أرمد ، فتفل في عينه ، ثم قال : خذ هذه الراية ، فامض بها حتى يفتح الله عليك فخرج والله بها يأنح ( يتنفس بصعوبة) ، يهرول هرولة ، وإنا لخلفه نتبع أثره ، حتى ركز رايته في رضم من حجارة ( والرضم: صخور عظام مبنية بعضُها فوق بعض) تحت الحصن ، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن ، فقال : من أنت ؟ قال : أنا علي بن أبي طالب . قال : يقول اليهودي : علوتم ، وما أنزل على موسى( يقسم بالتوراة ) ، فما رجع حتى فتح الله على يديه .

 

إضاءة:

1-        يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " وجُعل رزقي تحت ظل رمحي" .ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعرف عنه استعمال الرمح في حروبه ....و انما سلاحه المفضل هو السيف ...و المعروف أن الرمح سلاح للدفاع و الرمي و قد قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ...) فقال: (ألا أن القوة الرمي . ألا أن القوة الرمي . ألا أن القوة الرمي ) . ويكون الرمي بالرمح والسهم.

ومعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيت الليالي جائعا و لم يكن رزقه إلا كفافاً ، وقد توفي و درعه مرهونة عند يهوديّ.

ومعنى هذا الحديث أن على المسلم - كي يضمن استمرار رزقه - أن يكون دائما مستعدا للعدوّ بقوة الرمي المعبَّر عنه بالرمح هنا، ولو كان المسلمون أقوياء ما ابتزّتهم دول الغرب وسلبتهم ثرواتهم عياناً ، ولا يُفهم مطلقاً ما يظنه الأعداء من هذا الحديث أن رزق المسلمين بالسلب والنهب ، وقد أعادوا لأهل حمص جزيتهم حين علموا أنهم لن يستطيعوا الدفاع عنهم ، فقال لهم أهل حمص : لأنتم أحب إلينا من أبناء ديننا .والتاريخ يشهد أن عمر بن عبد العزيز أمر جنده بالخروج من طشقند حين دخلوها دون أن يعرضوا – ابتداءً- على أهلها الإسلام أو الجزية أو الحرب .

2-        حين يرفض العدو العرضَين المطروحين قبل الحرب ( الإسلام أو الجزية ) وتبدأ المعركة ، فما يقع بين أيدي المسلمين فهو فيئهم وحلال لهم ، على هذا نفهم ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لفقراء أسلم حين جهدوا ، ولم يجدوا شيئاً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليست بهم قوة ، وأن ليس بيديّ شيء أعطيهم إياه ، فافتح عليهم أعظمَ حصونها عنهم غَناء ، وأكثرَها طعاما وودكا " ( الودك الدسم من الطعام )، فغدا الناس ، ففتح الله - عز وجل - حصن الصعب بن معاذ ، وما بخيبر حصنٌ كان أكثر طعاما وودَكا منه . فكان الحصنُ غنيمة للمسلمين.

3-        وشعار المسلمين في هذه الغزوة : يا منصور أمت أمت يدل أن المسلمين الذين يقاتلون في سبيل الله يعلمون علم اليقين أن نصرهم من عند الله ، وأنهم يقاتلون تحت رايته ونشراً لدينه ورغبة في رضاه ، وأن بيده كلَّ شيء . كما أن ترديد هذا الشعار في الليل وتحت سنابك الخيول وفي غبار المعركة واختلاط المقاتلين من الطرفين يُعَرِّف المسلمين بعضَهم ببعض فلا يُقتل أحدهم – في تشابك الناس - بيد أخيه ، كما يكون هذا النداء مدعاة للتكاتف على عدو ودعوة للنصرة والعون ضد مقاتل من العدو شرس.

4-        والحرب قتال بالسلاح ودفعٌ باللسان ألم يقل الشاعر حسان بيته المشهور :

 لساني صارم لا عيب فيه === وبحري لا تكدره الدلاء

فكذلك خرج اليهودي مرحب شاكي السلاح يفخر بنفسه كما مَرَ ، وأجابه كعب بن مالك بما يناسب قوله ، وبرز إليه محمد بن مسلمة البطل الشاب الذي قُتل أخوه محمود برحى سقطت عليه من سور الحصن ، وتبارزا ساعة فكان النصر حليفه ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولا بد أن نشير إلى أمرين مُهِمَّينِ في المعركة ، أحدهما الكفاءة في القتال وثانيهما دعاء الصالحين الذي تجلى بدعائه صلى الله عليه وسلم لمحمد بن مسلمة " اللهمّ أعِنه عليه". وكذلك في مبارزة ياسر اليهودي والزبير بن العوام فيتفاءل الحبيب صلى الله عليه وسلم ويجيب عمته صفية حين خافت على ابنها من اليهودي " بل ابنك يقتله إن شاء الله " وما أقرب الحبيب إلى الله تعالى ، فيتحقق ما قاله صلى الله عليه وسلم .

5-        ومن المهم أن نرى النساء يخرجن مع الرجال يشجعنهم ، ويدفعنهم إلى الجهاد فإذا المرأة صنوُ الرجل ورفيقته في كل عمل ، فهنّ شقائق الرجال ، وكم من امرأة فاقت الرجال في فعلها وقولها وكانت أسوة حسنة لأولادها ونسائها . ولأن المرأة مهما أوتيَتْ من ثبات وقوة فهي الأم التي تخاف على ولدها وترجو له النجاة والفوز ، فتتساءل مشفقة : يُقتلُ ابني يا رسول الله ؟ فهي على الرغم من دفعها ابنَها إلى المعركة قلقة ، وهذه سمة البشر جميعاً . ولكن لا بد من المغامرة وبذل الروح والمهجة والمال والولد في سبيل الدعوة وعلى الله الاتكال ، ومنه الفضل والحفظ والصون. ولعلنا نرى روعة تربيتها لابنها في جوابه الدال على الرجولة والبطولة حين قيل له : والله إنْ كان سيفك يومئذ لصارماً عضباً ، فقال : والله ما كان صارماً ، ولكني أكرهته . وقد أقر له الفاروق رضي الله عنه بالبطولة والشجاعة حين طلب عمرو بن العاص فاتحُ مصر المددَ فأرسل له الزبيرَ مدداً ،ويقول فيه : إنه يعادل ألف فارس . ولله درّه فقد كان كذلك . رضي الله عنه وتقبله شهيداً ، وعفا عنه وأكرمه.

6-        وللمغاليق في بعض الأحيان مفاتيح لا تفتح إلا بها ، لقد كان إخضاع الجزيرة في عهد الصديق رضي الله عنه فخاراً له وكذلك كان له الفضل في القضاء على المرتدين وفتح الشام والعراق وجمع القرآن الكريم ، وكان لعمر الفاروق رضي الله عنه فخارُ فتح مصر والقضاء على الفرس وضم فارس إلى الدولة الإسلامية والوصول إلى ما بين النهرين ، وكان لعلي رضي الله عنه فخار القضاء على يهود خيبر ، ولم يكن لهما ذلك. وهذا عطاء الله يهبه لمن يشاء . من صفاته التي أسبغها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يحب الله ورسولَه ،مقدامٌ ليس بفرار . ونعمَتْ هذه الشمائل العلائية لزوج البتول وابن عم المصطفى . يذكر عمر الفاروق أنه تشوّف لها ، فكانت لعلي رضي الله عنه.

7-        اختيار الأمير بعض قادته لمهمة خاصة دليلٌ على معرفته بهم وأنه يرسل لكل مهمة أكثرَهم أهليّة لها . والأمير الناجح من يعرف جنوده وقادته ويحملهم المسؤوليات المناسبة ، ويزوّدهم بما يعينهم في مهمتهم ويوضحها لهم ليكونوا على بيّنة من أمرهم. فرسول الله صلى الله عليه وسلم يختار علياً – وكان أرمدَ- فيتفل في عينه فتشفى بإذن الله ، ويسرع على الرغم مما به من مرض ويهرول – بعد أن تلقّى مهمته ووعاها – إلى الهدف لايريم عنه ولا يحيد . يسبق جنده إلى أرض المعركة غير هياب ولا وجل ، فيكون قدوة رائعة لجنوده فتنتشر فيهم حُمَيّا شجاعته وبطولته رضي الله عنه.

8-        ولم يكن بد من انتصار أهل الحق على أهل الباطل انتصاراً ساحقاً ، فدولة الباطل ساعة ، ودولة الحق إلى قيام الساعة . ومن كان مع الله كان الله معه . ومن نصر اللهَ نصره اللهُ ألم يقل اللهُ تعالى " ولينصرنّ اللهُ من ينصره ، إن الله لقوي عزيز "؟ .

=========================

أيها الأبطال .. أرأيتم مفعول : الله معنا

د . منير محمد الغضبان

لقد أجمعتم على تسمية هذه الجمعة بشعاركم –الله معنا- وتبرأتم من حولكم وقوتكم ونفضتم قلوبكم من الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والعالم كله ، وربطتم مصيركم بالله وحده . فماذا تم خلال هذه الأيام ؟ وخلال هذه الجمعة ؟

أولا : قال العالم كلمته . وصدقكم وكذب النظام . و

دعا الرئيس السوري إلى إيقاف العنف مباشرة من الشعب وحمله مسؤولية حقوق الإنسان في بلده .

صحيح أنه بيان وليس قرارا ، وصحيح أنه نادى بعدم استعمال العنف من الفريقين ولكنه أعلن للعالم ظلم وجبروت الأسد وهل نتصور أن تجمع الدول الكبرى والتي تملك حق تقرير مصير العالم أكثر من ذلك ؟

يا أبطال سورية المؤمنين . هذه الثمرة الأولى لإجماعكم على شعاركم الخالد : الله معنا .

ثانيا : لأول مرة ومنذ قامت ثورتكم العظيمة ، يُسخِّر الله تعالى لكم أمريكا أقوى دولة في العالم لتقول للمجرم الأسد : إن عليك الرحيل . وسنبحث مصير سوريا مع الشعب السوري بعد رحيلكم من الآن .

فهل رأيتم مفعول هذا الشعار ..

أليس الله تعالى بيده ملكوت السموات والأرض ، وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ؟

ثالثا : السند الذي اعتمد عليه بشار الأسد روسيا والصين والهند . ولبنان والبرازيل . انهار هذا السند على لسان الرئيس الروسي الذي هدد الرئيس السوري بقوله : كف عن العنف . ودع المعارضة لتشارك في مصير البلد سورية .وتحول إلى الديمقراطية حقيقة وإلا فعليك أن تتلقى المصير المحزن الذي ينتظرك .

أرأيتم أيها الأبطال العظام يوم اتخذتم شعاركم : الله معنا واعتمدتم عليه وحده كيف سخر لكم روسيا لتقف معكم وهي الخليفة والسند الأقوى للطاغية في العالم . إنه عند غير المؤمنين سحر ، ولكنه عند المؤمنين كرامة ومعجزة .

رابعا : أسمعتم ماذا تسمي فرنسا إصلاحات الطاغية : وقانون الأحزاب والانتخابات التي يعلنها ، إنها تسميها كما يسميها الشعب السوري المجاهد : هذه القوانين هي استفزاز للشعب السوري .أرأيتم مفعول : الله معنا الذي دفع فرنسا لتقف هذا الموقف وإيطاليا التي سحبت سفيرها من دمشق ، تدعو العالم أن يحذو حذوها .

خامسا " أرأيتم في انطلاق ثورتكم من المساجد ، وبعد صلاة التراويح ، ، وبهما سلاحان نوويان :

السلاح الأول : دعوة الصائم التي لا ترد

السلاح الثاني : دعوة المظلوم التي ليس بينها وبين الله حجاب ، يقول الله تعالى لها : لأنصرنك ولو بعد حين

ومزجتم دعاءكم بدمائكم وجراحكم وقدمتم ما لا يقل عن ثلاثمائة شهيد قربانا لله في رمضان ، وكانت القلعة الأولى حماة العظيمة ، الباسلة المجاهدة التي قدمت ثلاثين ألفا . وتعلن أننا جاهزون لتقديم ثلاثين ألف شهيد آخر .. ولن نركع إلا لله ، ولن نستسلم إلا لله .

سادسا : ونقول للذين ينقمون علينا إيماننا .سواء من إخواننا المحاربين للطاغية أو من أعدائنا ؛ الطاغية وأزلامه.

ذنبنا أننا قلنا إننا لن نركع إلا لله .

(( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ، الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد . والمرة الوحيدة في القرآن والتي يذكر فيها الطغاة بالجنود . لاستحقارهم وازدرائهم من ربهم . فقال عن أكبر طغاة الأرض .

((هل أتاك حديث الجنود . فرعون وثمود. بل الذين كفروا في تكذيب . والله من ورائهم محيط ))

يا إخواننا في الثورة والذين تشاطروننا هذا الإيمان . دعوا الشعب يضرع إلى ربه ويلجأ إليه . ويعلن بالتكبير ارتفاعه بأحذيته على رؤوس الطغاة لأن الله أكبر من الجميع ، والله معنا .

سابعا : ويا إخواننا أبناء شعبنا كله . بكل أطيافه وفئاته وعقائده وقومياته . أليست ثورتنا هي ثورة الإنسان في الوطن السوري ؟

إن اللجوء إلى الله تعالى سمة الإنسان كله وليس المسلم فقط ؛ بل المسلم والمشرك وكل آدمي .

((وإذا مس الإنسن الضر دعا ربه منيبا إليه ))

(( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ؟ .. ))

وليس المسلم فقط ..

ثامنا : ولتكن الجمعة القادمة جمعة بدر التي أنزل الله فيها ملائكته وقال لهم (( ... فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب ...))

رجاء أن يحقق الله لنا نصر بدر في رمضان يوم تنزل الفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم ، ويوم التقى الجمعان وقال للمؤمنين بعد النصر ((ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة . فاتقوا الله لعلكم تشكرون ))

اللهم نصرك لنا كنصر بدر ونحن الضعاف الأذلة .. الذين لا نملك إلا أرواحنا وصدورنا العارية لتواجه الدبابات والطائرات والمدرعات من أعدائك الذين خرجوا يحاربون الله ورسوله .

وأخيرا : اللهم يارب نصرا كنصر الفتح يوم تكسر الأصنام وتحطم الطواغيت ويسقط كل المتألهين على الناس وسنقول كما أمرت نبينا أن يقول : (( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ))

*باحث إسلامي سوري

=========================

احذر إذا ثارات حماة فإنها مكلومة والجرح فيها متقد

الشاعر: حموي ثائر

احذر إذا ثارات حمــاة فإنها مكلومة والجرح فيها متقد

احذر فدمع رجالهـا نار  سـتحرق عرشكم أل الأسـد

إن كان قد صمت التراب  فصمته لن يسـتمر إلى الأبد

أو كان قـد رحل الشـهيد فروحه لرقابكم حبل المسـد

هذي حمــاة رجالهـا سـجدوا لرب واحد وهو الأحد

احـذر فـرب العـرش مـد غطـاؤه وهـو المــدد

ما عاد يجدي بطش جيشك فاتعظ وارحل ولا تطل الأمد

حريتي سـأنالها فمتى سـتفهم أننا لا ننحني أو نضطهد

ســقطت جميـع رماحكم والشـعب قد جمع الجسـد

فارحـل إلـى مـاض بغيض دون عــود يا ولــد

========================

كلام في صميم الثورة السورية

بدرالدين حسن قربي

ابتدأ النظام السوري شهر رمضان بمجزرته الكبرى في مدينة حماة، التي بلغت ضحاياها المئات خلال أيام تأكيداً على نواياه الإصلاحية في مواجهة المتشككين، وكأنه بذلك يريد إعادة انتاج مجازر أب له وعمّ اسمه رفعت،كانت في ثمانينات القرن الماضي، ذهب ضحاياها عشرات الآلاف من سكان المدينة. ولئن كان الأمل الكبير أن يكون النظام الساقط قد شدّ حيله في الإسراع نحو حتفه وانتهاء أجله،فإن أمل السوريين الأكبر ألا ينتهي الشهر المباركإلا وقد خلص السورييون على اختلاف أديانهم وأعراقهم ومذاهبهم وطوائفهم من هذا النظام القميء.

ولئن أكّدت الثورة السورية عظمتها في شعبيتها، وتميّزها في سلامة وعيها وسلامها وسلميّتها، فقد أكدت أيضاًمع اقتراب تمام شهرها الخامس حيازتها للأسرارالقاتلة لأعتى الأنظمة المتوحشة في العالم.وعليه، فبدلاً من أن يتفهم النظام الوضع، ويأخذ الطريق من قصيرها، فيضبضب متاعه ويرحل عن صدور السوريين، فإنه أصر على المواجهة الخاسرة وإعلان الحرب على شعبه الأعزل، وحاله في ذلك حال المستكبرين في الأرض والمفسدين فيها. فالمظاهرات التي بدأت بالآحاد والعشرات هي اليوم بمئات الألوف وفي عموم المدن والأرياف، والمطالب التي بدأت بالإصلاح انتهت إلى المطالبة القاطعة والحاسمة بسقوط النظام، والجولات المتكررة للإيقاع بالمتظاهرين وإخراج التظاهرات عن سلميتهاباءت بالفشل. ومن ثَم فلئن كانت النتيجة عند أهل البصر والبصيرة محسومة لصالح الجماهير المقموعة والمستعبَدة، فإن النظام ماضٍعلى جثث السوريين ودمائهم إلى حتفه بخيار اختاره بنفسه وورثه عن عائلته، وأعانه عليه قوم آخرون ماتت نخوتهم وأعمتهم مصالحهم وانعدمت إنسانيتهم،دولاً ومنظمات وأحزاباً وأفراداًمن شبيحة المقاومة وتجار الممانعة.

شعبية الثورة وسلميتهاأمران إن اجتمعا فلا بد أن يُسقطا النظام أياً كان المستبد، حتى ولو كان من آل الأسد. ولئن كان النظام من بعد خمسة أشهر قد وصلإلى طريق مسدودة للحدّ من شعبية الثورة وانتشارها رغم كل مراواغاته، فإنه ودهاقنته ومستشاريه على اختلاف جنسياتهم لم ييأسوا بعد من عسكرة ثورتنا البيضاء، بل ويحاولون دون كللٍأن يضعوا بين يديها السلاح ليوقعوها فريسةً لهم، فيوغلوا في الدم والذبح بمبرر العصابات المسلحة، وهي حجة كثيراً مازعموها وافترضوها وأذاعوها تبريراً لمجازرهم وتوحشهم، ولكن رغم مضي كل هالأشهر والأيام من فظائع القتل والإجرام حرصوا أيّما حرص على استبعاد كل وسائل الإعلام العربية والأجنبية،لأنهم أعلم الناس بحقيقة فبركاتهم وإجرامهم وعصاباتهم وشبيحتهم، وفشلهم في الإيقاع بالمتظاهرينفي العسكرة والمواجهة المسلحة.

جديد أبلسة النظام معلومات موثوقة، تؤكد محاولته الحالية إيصال السلاح بطريقته الأمنية الرخيصة وبكميات كبيرة إلى المتظاهرين ورميها بين أيديهم ولو (ببلاش)، وكأنها قادمة من دول مجاورة أو من داعمين للثورة ومساندينلها، في نفس الوقت الذي يرتكب فيه أعظم مجازره وأشد عملياته قمعاً وتوحشاً في مدينة حماة تحديداً، مع تسويقه الشيطاني والدكاكيني بين الناس لمشروعية الدفاع عن الأنفس والمدن والبيوت والأعراض والحريات والكرامات، ليوقعهم في تسونامي دماء المواجهة. ومن ثَمفإنه يشرعن آثامه وجرائمه ومذابحه الحالية، بل ويأخذ من شرعيتها ليغطي أيضاً قباحات وبجاحات مامضى من الفظائع والقمع، بل وعندها يستدعي الفضائيات وماكان ممنوعاً من الإعلام كله للحضور والمعاينة ليؤكد تأكيداً صحة دعواه بمواجهة عصابات مسلحة، وليُشهدهم على أنفسهم بأن ماكان من اتهامات له على مر الشهور الماضية من قبلهم ليس إلا كذباً وافتراءً وبعض المؤامرة عليه، وليُخرج نفسهانتهاءً بعد آلاف القتلى وعشرات الآلاف من المعتقلين وكأنه ضحية الروايات الكاذبة للفضائيات المغرضة والمؤامرات الدوليه عليه في مواجهة شعبه.

أكّدت ثورتنا السورية بسلميّتها وصدرها العاري على امتداد شهورها الماضية وعياً شعبوياً عفوياً أعانها عليه إيمان راسخ بعدالة هدفها وسمو إرادتها لإسقاط النظام، فكان صبرها في ساحات المواجهة مع أعتى الأنظمة المتوحشة والفاشية، ووعيها في إفشال كل محاولاته للالتفاف على الثائرين والمتظاهرين المسالمين لعسكرة ثورتهم طلباً لنجاته وإيقاعهم في التهلكة.

ثورتكم ياأيها السورييون منصورة، وإنما النصر مع الصبر، ولو صبر القاتل على المقتول لوقع بين يديه، وهذا حال النظام واقع لامحالة بنداءاتكم وجُمَعِكم وحشودكم ووعيكم وصبركم، فلا تتجاوزوا رفع أصواتكم في النداء بسقوطه فهذا يكفيكم، وإن كنتم تألمون فإنه يألم بأكثر مما تألمون، لأنكم ماضون إلى حريتكم وكرامتكم،وماضٍ هو إلى مصير المجرمين البئيس.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ