ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مشاري
الذايدي تقول
العرب: بلغ السيل الزبى، إذا ما
تجاوز الأمر القدرة على الصبر
والاحتمال. وهذا بالضبط ما جرى
من قبل نظام الأسد في سوريا تجاه
التعامل مع الشعب السوري بعد
الاحتجاجات المندلعة منذ عدة
أشهر. خطاب
العاهل السعودي الملك عبد الله
بن عبد العزيز هو الأهم منذ
بداية المأساة السورية. هو
الأهم نظرا لموقع وحجم الدولة
السعودية، ونظرا لقيمة
ومصداقية الملك عبد الله. وربما
كان الخطاب السعودي الحاسم هو
آخر شيء كان ينتظره بشار الأسد،
بعد أن أتخم العالم وعودا
وتنظيرا وابتسامات باردة توزع
ذات اليمين وذات الشمال. للمتذكر
أن يستعيد لمحات من صورة الأزمة
السعودية - السورية بعيد اغتيال
رئيس الحكومة اللبنانية رفيق
الحريري، الذي كانت كل الأصابع
تشير فيه إلى تواطؤ سوري مع حزب
الله، وصدرت القرارات الدولية
الصارمة ضد جيش الأسد في لبنان،
وخرج منها خروجا ذليلا، لكنه
عاد لينتقم بطريقته الأثيرة،
عبر الابتزاز السياسي وإطلاق
الحملات الشتائمية من خلال
أبواقه اللبنانية، وعبر
التلويح بسلاح الحزب الإلهي
الأصفر ومدفعية خطب «سيد
المقاومة»، كما يحب أن يناديه
بذلك جمهوره من الإعلاميين. لكن
السعودية، ورغم خطبة الأسد
الشهيرة «أنصاف الرجال»، حاولت
طي صفحة الخلاف لتوحيد الصف
العربي من أجل القضية
الفلسطينية، بعد حرب غزة، كما
جاء في كلمة الملك عبد الله
الشهيرة في قمة الكويت
الاقتصادية، وقد رأى كثيرون في
ذلك إكراما غير مبرر للنظام
السوري، وهو لم يغير أصلا في
مواقفه وسياساته التي استدعت
الخلاف. وعلى رأس هذه السياسات
طبعا الارتماء في عباءة الولي
الفقيه في طهران، ولكن السياسة
السعودية مضت في طريق المصالحة
العربية - رغم عدم إثمارها -
خصوصا من قبل الجانب السوري،
حيث لم يتغير شيء يذكر إلا في
الكلام المعسول. مضى
الأمر على هذه الحال حتى اندلعت
أحداث درعا في أقصى الجنوب
السوري، بعد أن تفجرت
الانتفاضات في تونس ومصر وتم
الإطاحة بالرؤساء هناك، فجرت
دماء الحرية من جديد في شرايين
الشعب السوري، وكتب أطفال درعا
أولى سطور الحرية على جدران
الألم السوري وكانت العبارة
الشهيرة: «إجاك الدور يا دكتور!»،
وهي العبارة التي كان النظام
الأمني يخشاها أشد الخشية،
فاستخدم كامل قوته الإرعابية،
وكان أن أطلق قذائف الدبابات
على بضعة عصافير سورية في درعا!
ولم يفد الحل الإرعابي الأمني،
ولا قلع الأظافر، ولا تشويه
الجثث، فانفجر الماء الشعبي
كسيل منهمر، والتقى الماء على
أمر قد قدر! أسقط
في يد النظام بعد أن ثارت نار
الحرية والكرامة في ريف دمشق
وفي حمص وفي الشمال السوري بجسر
الشغور وفي معرة النعمان ثم في
حماه، تلك المدينة ذات التاريخ
الخاص مع قمع النظام الأسدي،
واستمرت في ثورتها العنيدة؛
الأمر الذي جعل سفيري أميركا
وفرنسا يزورانها لرؤية الأمر
بنفسيهما، فكان أن قال السفير
الأميركي، فورد، بعد ذلك: «إن
النظام السوري يكذب في حديثه عن
الجماعات المسلحة التي يزعم أنه
يسلط دباباته وجنوده عليها»،
وإنه لم ير إلا الأهالي
الثائرين فقط، ومنتهى ما لديهم
هو «المقلاع» الحجري. استمرت
الثورة وانطلقت إلى الشرق
السوري وبلاد الجزيرة
الفراتية، دير الزور هبت،
والقامشلي ثارت، والبوكمال
انتفضت، والحسكة تزأر،
والدبابات التابعة لماهر الأسد
تجوب البلاد شرقا وغربا، ولا
ننسى هبات الساحل السوري في
اللاذقية وبانياس. باختصار،
أكثر من ثلثي البلاد يقول: لا..
لنظام بشار الأسد. وبشار عبر
إعلامه التعيس يقول إنه فقط
يواجه جماعات مسلحة أصولية
وأحيانا يسميهم قطاع طرق،
ويحاول الأسد، الشاب قليل
الخبرة، أن يغطي على هول ما يفعل
بابتسامات بلاستيكية، لا تقدم
ولا تؤخر. وعوض أن يقوم بشيء
حقيقي على الأرض، لإطفاء النار
والغضب الشعبي، يقوم بعروض
كلامية بهلوانية، أو حركات
صغيرة مكشوفة مثل إثارة توترات
محدودة في منطقة الجولان، للقول
إنه: إما هو ونظامه، أو تسخين
جبهة الجولان، في اعتراف صريح
بأنه هو الذي يحمي حدود إسرائيل
في هضبة الجولان. أو هذه هي
الرسالة الضمنية المفهومة من
مثل هذا التصرف. لم يحظ
نظام عربي بالحماية الدولية،
ولم يكن له من الفرص، مثل نظام
بشار الأسد. تقريبا جميع وسائل
الإعلام العالمية والعربية
وبّخت مجلس الأمن الدولي وهيئة
الأمم المتحدة والاتحاد
الأوروبي وأميركا على تقاعسها
وخطابها الرخو تجاه المأساة
السورية قياسا بنوعية الخطاب
والإجراءات المتخذة في الأزمة
المصرية والتونسية. لقد أخذ
الرئيس السوري أكثر من فرصة،
ومنحه العالم الكثير من الوقت
ليفعل شيئا وغض الطرف عن كل
مصائبه وقتله في البلاد والعباد
لعدة أشهر. الإعلام
العربي أيضا وبخ الجامعة
العربية، والإعلام الخليجي على
وجه الخصوص أبدى مرارة من تقاعس
دول الخليج عن فعل شيء في سوريا،
ولزم الخليجيون «الرسميون»
الصمت واكتفوا بالعبارات
العامة والبعيدة؛ الأمر الذي
أثار بالفعل حنقا وغضبا شعبيا
لدى الناس بسبب شعورهم بأن هناك
خذلانا واضحا للناس العزل في
سوريا، ومع تناقل الإعلام
الفضائي والإنترنتي للصور
المستفزة عن جرائم الأجهزة
الأمنية والشبيحة في سوريا ضد
الناس، بلغ الغضب غايته، وبلغ
الحنق على النظام السوري
المستهتر أقصاه، خصوصا مع تدفق
الكذب والمغالطات من قبل أبواق
النظام في لبنان وسوريا. كما
قلنا لقد أخذ بشار أكثر من فرصة،
ولو حظي مبارك في مصر بربع هذه
الفرص لما كان مصيره سريرا
منقولا في قفص مهين! ولكن بشار
الأسد آثر المضي في طريق العناد
والمغالطة واستغباء العالم كله
في رهان كارثي على عباءة الولي
الفقيه الإيراني. لذلك
جاء البيان الخليجي قبل أيام
كمقدمة لحزمة من المواقف
الخليجية الضاغطة، فقد صدر بيان
«نصف قوي» طالب فيه السلطات
السورية بالوقف الفوري لأعمال
العنف، ثم جاء الخطاب الملكي
السعودي بلغة حازمة وتوبيخ
صريح، ونفي قاطع لحجج النظام في
قمع الناس، ثم توج ذلك بإجراء
واضح لسحب السفير للتشاور، وهو
إجراء معروف في عالم اللغة
الدبلوماسية يعني: رسالة احتجاج
واضحة. لتمضي الكويت والبحرين
على هذا المنوال وتسحبان
سفيريهما أيضا. ليست
هذه هي نهاية الأمر بل بدايته
بالنسبة للنظام السوري، وهو قد
قرر العناد، وها نحن نرى تركيا،
الدولة الأهم في شمال سوريا،
تقرر أن تسحب الدعم عن نظام
الأسد، ويتحدث أردوغان بلغة
صريحة وموبخة للأسد، ويقرر
إرسال وزير خارجيته، داود
أوغلو، ربما في رسالة المهمة
الأخيرة، ومع أوغلو أيضا رسالة
أميركية صريحة بإعادة الجيش «فورا»
إلى ثكناته. لتخرج بثينة شعبان
وتقول في مبارزة لفظية بأن
سوريا سترد على أوغلو بحزم أيضا!
الصورة
واضحة: نظام الأسد يسير على سنة
صدام حسين، العناد والمكابرة
والعنترية اللفظية والمزيد من
القمع وممارسات الشبيحة،
والاستهتار البدائي بخطورة سلب
الشرعية الدولية والسياسية منه!
لقد
قرر الأسد بكل مهارة في
الانتحار السياسي أن يصطدم
بالعالم الخارجي وبالإقليم من
حوله، كما اصطدم بشعبه من قبل
ذلك، ولا يزال. المسألة
مسألة وقت فعلا قبل أن ينتهي
النظام القائم على سيقان الأمن،
وهي أولى السيقان التي تنهار
حينما يفقد النظام شرعيته. خطاب
الملك السعودي دشن مرحلة جديدة،
وربما أخيرة، في قصة هذا النظام
العجيب في سوريا. المثير
للدهشة في قصة بشار الأسد
ونظامه العائلي الأمني، هو أنه
منح أكثر من غيره الفرص للتعلم
وغفرت له الكثير من الأخطاء،
لكنه لم يستثمر هذه الميزات،
تماما كما سجل لنا التاريخ
العربي تلك المقولة الشهيرة
التي قالتها والدة آخر السلاطين
العرب في الأندلس: ابك
مثل النساء ملكا مضاعا لم
تحافظ عليه مثل الرجال =================== الدكتور
عثمان قدري مكانسي وأخيراً
انطلقت بَحْريةُ النظام السوري
تدك معاقل العدو التاريخي
للنظام الممانع وتصليه نارها ؛
واستطاعت ببسالتها المعهودة أن
تقتل أكثر من أربعة عشر مواطناً
سوريا في اللاذقية المحتلة ! ولن
ننسى في عجالتنا هذه أن أن
الإجرام الأسدي ماض في كل
المحافظات يحصد الشباب قبل أن
يودّع في الأيام القادمة قريباً
إن شاء الله وسيلقى جزاءه
المناسب بكل تأكيد ليكون عبرة
لأولي الألباب . البحرية
السورية التي صنعت بدماء الشعب
السوري وتأسست بماله وشبابه على
مدى عشرات السنين لتكون القوة
الوطنية المدافعة عن الوطن
الحبيب انطلقت ببسالة وشجاعة
منقطعتي النظير تضرب شعبها
المسكين الذي ينادي بحريته
ويطالب بكرامته المهدورة على
أعتاب الديكتاتورية الأسدية
التي أذلته وأفقرته انضمت
البحرية السورية إلى منظومة
الأدوات الظالمة التي تنكرت
لشعبها وكانت سلاحاً بيد الظالم
ضد شعبه ، فاستقوى بها عليه وكان
ينبغي أن يصوب هذه الأسلحة
البرية والبحرية والجوية للعدو
التاريخي لا لصدور شبابنا
البواسل . وقد
كنا نسمع من هذا النظام الممانع
لكل حق وكل حرية من أربعين سنة
أو أكثر أنه سيرد على اعتداءات
الدولة العبرية الكثيرة في
الزمن المناسب والمكان الناسب ،
وطال هذا الزمن وابتعد هذا
المكان ، ونحن نعلم تمام العلم
ومنذ استلب حافظ أسد الحكم أن
هذا النظام الذي باركته
الصهيونية وكرّسته في بلادنا لن
تمتد يده إلى أسياده وأولياء
نعمته ، وإلا قطعوها ، فهو منذ
أن استلب زمام الأمور حافظ على
هدوء الحدود الغربية – في
الجولان – ثمن رئاسته
للجمهورية وثمن توريثها
لأبنائه. واليوم
وأمس ومنذ خمسة أشهر بدا رده
اليومي يدل على مواقف فريدة من
نوعها فقد أوضح أن عدوه
التاريخي ليست إسرائيل ولا
الدولة العبرية .. إن عدوه
اللدود هذا الشعب البطل المصابر
الذي برهن أنه صلب المراس ، قوي
الإرادة مصمم على إسقاط نظام
الخيانة الذي جثم على صدر أمتنا
خمسة عقود ، وسيلقنه درساً لن
ينساه الخونة والعملاء
والمجرمون من بني أسد ومن يسير
في ركابهم مدى الحياة ، والله
نصير الحق ================== بقلم
الكاتب الصحفي / رضا سالم الصامت
تعرض
القرن الإفريقي لأشد جفاف منذ 60
عاما،وتقدر الأمم المتحدة أن 11.5
مليون شخص يعانون من آلام
الجفاف،وتبقى الصومال هي
المنطقة الأكثر تضررا. وتشير
تقديرات الأمم المتحدة إلى ان
هناك بالفعل عشرات الآلاف من
الصوماليين لقوا حتفهم في هذه
الكارثة،وان هناك 640 ألف طفل في
الصومال مصابون بسوء التغذية
الحاد،وأظهرت بيانات سلطات
الولايات المتحدة أن 29 ألف طفل
صومالي دون سن الخامسة يموتون
من الجوع... هذه
المجاعة لم تحدث هكذا بين عشية
وضحاها أو أنها لم تكن متوقعة بل
أن المجتمع الدولي كان ينتظر
حدوثها و قد حذر قبل عامين بأن
الماشية في الصومال تموت وأسعار
الغذاء يزداد والقتال كان يخلق
وضعا مأساويا لغالبية
الصوماليين. في سنة 2010 كان الوضع
حرجا للغاية ، حيث كان هناك
الكثير من النازحين داخليا
يعيشون في مخيمات بالعاصمة
مقديشو. وبسبب النزاع كان
الأطفال يموتون حينها بنفس
المعدل تقريبا الذي يموتون به
الآن..... المطلوب
أن يتحرك المجتمع الدولي فورا
لإنقاذ ملايين الجياع . وتوفير
الطعام والماء والدواء والمأوى
على وجه السرعة،وتقديم المعونة
التي يحتاجونها. الولايات
المتحدة الأمريكية بدأت في
تقديم مساعدة تبلغ قيمتها 17
مليون دولار إلى منطقة القرن
الافريقى التى عانت بشدة من
الجفاف والمجاعة ،على أن يوجه 12
مليون دولار منها للصومال. هذا و
قد دعا مفتي لبنان الشيخ محمد
رشيد قباني بإطلاق حملة لإغاثة
الشعب الصومالي العربي الذي
يعاني مجاعة كارثية جراء الجفاف
الذي يعصف بمنطقة القرن
الأفريقي. أما
تركيا فقد سارعت في إرسال طائرة
تحمل 40 طنا من الإمدادات
الغذائية والطبية للصومال
وسيقوم ممثلون من الوكالة
التركية للتعاون الدولي
والتنمية والهلال الأحمر في
مقديشيو بتوزيع المساعدات التي
تتضمن غذاء بديل عن اللبن
للأطفال، ومسحوق لبن،وأدوية
لعلاج أكثر الأمراض شيوعا في
الصومال كالكوليرا. وغادرت أول
طائرتين تحملان على متنهما 50
طنا من الإمدادات الغذائية
والطبية للصومال، في جهودها
الساعية لمكافحة الجوع في
الدولة الواقعة في شرق إفريقيا
حيث يقدر برنامج الغذاء العالمي
عدد من هم في حاجة إلى مساعدات
إنسانية بعشرة ملايين شخص.
ويقدر صندوق الأمم المتحدة
للطفولة أن عدد الأطفال الذين
تعرضوا لسوء تغذية وفي حاجة إلى
عمل لإنقاذ حياتهم في المنطقة
تجاوز مليوني طفل.. و هكذا يظل
السؤال مطروحا ، هل تصل هذه
المساعدات الإنسانية لمستحقيها
أم سيبقى شعب الصومال يموت جوعا
؟ *
رضا سالم الصامت مستشار إعلامي
لوكالة الأخبار الدولية
الأردنية مكتب تمثيلها في تونس ============================== بقلم
: راسم عبيدات ...... مع
تصاعد الاحتجاجات الشعبية في
اسرائيل حول ارتفاع اسعار الشقق
السكنية،ومع الانشغال العربي
في الشأن الداخلي بسبب ربيع
الثورات العربية المتعثر،وجدت
حكومة اسرائيل ان تلك
الاحتجاجات وذلك الانشغال
توفران لها حلاً مناسباً
وتساعدها على تنفيذ برنامجها
الذي قامت على اساسه الا وهو
تكثيف الاستيطان في القدس
الشرقية بغرض تهويدها وتحويلها
الى "جيتو"يهودي،حيث جرت
في هذا الشهر مصادقة على اقامة
(930 ) وحدة استيطانية جديدة في
مستوطنة ابو غنيم"هارهاحوما"
و (1600) وحدة استيطانية جديدة في
شعفاط توسيع مستوطنة "رمات
شلومو" ويجري العمل للمصادقة
على اقامة (700 ) وحدة استيطانية
في مستوطنة"جفعات همتوس"
المقامة على اراضي بيت صفافا
وبيت جالا و(2000 ) وحدة استيطانية
في "بسجات زئيف" التله
الفرنسية والمقامة على اراضي
لفتا. وهذه
الهجمة الاستيطانية على مدينة
القدس والتي سبقتها عشرات
الهجمات الاخرى من خلال اقامة
احياء استيطانية في قلب الاحياء
العربية كما هو الحال في
مستوطنة "معاليه هزيتيم"
المزروعة في قلب سلوان ومستوطنة
"نوف تسيون" المزروعة في
قلب حي جبل المكبر وكذلك
الاحياء الاستيطانية التي يخطط
لاقامتها في قلب الشيخ جراح
ووادي حلوة في سلوان والطور
والعيساوية ومنطقة غزيل وغيرها. وكل
هذا الخرق والخروج السافر على
القانون الدولي لا تعتبره
اوروبا الغربية وامريكا خطوات
آحادية الجانب،بل هو عقبات على
طريق السلام،أما توجه السلطة
الفلسطينية الى هيئة الامم
المتحدة للاعتراف بالدولة
الفلسطينية على حدود الرابع من
حزيران بعد فشل ما يقارب عشرين
عاما من المفاوضات العبثية في
تحقيق دولة فلسطينية
مستقلة،وعدت بها ثلاث ادارات
أمريكية متعاقبة،فهذا خطوات
آحادية الجانب مضرة بالعملية
السلمية وتستدعي معاقبة السلطة
الفلسطينية وفرض الحصار عليها
وقطع المساعدات المالية عنها !!!،وهنا
يحضرني المأثور الشعبي "إذا
لم تستحي فافعل ما شئت"
يقدمون كل الدعم لاسرائيل
ويوفرون لها المظلة السياسية
والحماية في المؤسسات الدولية
من أية قرارات أو عقوبات دولية
تترتب عليها جراء خروجها السافر
على القانون الدولي وحقوق
الانسان،ولم يتخذوا أو يلوحوا
بأي إجراء أو عقوبة دولية ضدها
لقاء تهديدها للسلم العالمي
وخرقها للقانون الدولي،ويريدون
من الفلسطينيين أن يستجيبوا لكل
شروطها وإملاءاتها ،ويوافقوا
على كل ما تقوم به من إجراءات
وممارسات لتكريس الأمر
الواقع،وكذلك التي تلتهم أرضهم
وتلغي أية إمكانية لإقامة
دولتهم القابلة للحياة على وحد
وصفهم،وسينالون العقاب والعذاب
اذا ما تجرؤا ورفضوا شروط
اسرائيل وإملاءاتها. بالعربي
الفصيح كل هذا الضجيج والحديث
عن مبادرات ومؤتمرات إقليمية
ودولية من قبل أوروبا الغربية
وأمريكا لحل القضية الفلسطينية
أو إعادة المفاوضات الى مسارها
تستهدف أولاً الاستمرار في
إدارة الأزمة،وثانياً منح
اسرائيل الوقت الكافي لتنفيذ
وتطبيق خططها وبرامجها
ومشروعها السياسي بفرض السلام
الاقتصادي على
الفلسطينيين،مشروع نتنياهو
تحسين الشروط والظروف
الاقتصادية للفلسطينيين تحت
الاحتلال وبصندوق دعم عربي
ودولي،وهذا المشروع توافق عليه
أمريكا وأوروبا الغربية،ولكن
في إطار تقاسم وتوزيع الأدوار
يختلفون في هذه الجزئية أو
التفصيلية،ولكن الهدف العام
متفق عليه بينهم،وأيضاً تأتي
تلك الدعوة للمبادرات
والمؤتمرات في هذا الظرف بالذات
من أجل ثني السلطة الفلسطينية
عن وقطع الطريق عليها في التوجه
لهيئة الأمم المتحدة،وما
سيتركه هذا التوجه من تأثيرات
وتداعيات تعري المواقف
الأمريكية والأوروبية
الغربية،أو ربما تتجه الأمور
نحو تداعيات تخرج عن إطار
الايقاعات الأمريكية،في ظل
أوضاع عربية غير مستقرة فيها
الكثير من التغيرات والمفاجئات
غير السارة لأمريكيا وأوروبا
الغربية. والمسألة
في القدس غير مقتصرة على
تسونامي الاستيطان بغرض
التهويد والتطهير العرقي للعرب
المقدسيين،بل تشرع وتقوم
اسرائيل بسن وتشريع العديد من
القوانين والقرارات المهودة
للمدينة،والتي تجعل عودة أي طرف
فلسطيني للمفاوضات العبثية في
ظلها بمثابة انتحار سياسي،فمن
يشرع قوانين وقرارات تضفي
الشرعية على وضع غير شرعي وأراض
محتلة وفق القانون الدولي لا
يريد لا سلاماً ولا مفاوضات،حيث
ما يسمى بقانون الولاء والذي
يطلب من المحتلين الولاء للدولة
التي تحتلهم،هذا القانون
القراقوشي الذي على أساسه جرى
طرد وترحيل نواب القدس ووزيرها
السابق عن مدينتهم،حيث اعتقل
النائب ابو طير ومن ثم ابعد الى
رام الله،أما النواب احمد عطون
ومحمد طوطح والوزير السابق خالد
ابو عرفه،فمضى على اعتصامهم في
مقر الصليب الاحمر في القدس
اكثر من 410 أيام على خلفية رفضهم
لهذا القرار،وكذلك هناك قانون
اعتبار القدس أولوية وطنية في
التطوير قانون"التهويد"
وقانون الاستفتاء،منع أي
انسحاب من مدينة القدس الا بعد
موافقة 61 عضو كنيست عليه،ومن ثم
يجري طرحه على الجمهور
الاسرائيلي للمصادقة او
الرفض،وبما يعني استحالة
الانسحاب من القدس،وكذلك قانون
اعتبار القدس عاصمة ليست لا"اسرائيل"بل
لكل يهود العالم،وهناك العديد
من القوانين الاخرى من طراز
قانون صهينة التعليم وقانون
عبرنة الشوارع والاحياء
العربية،وغيرها من القوانين
العنصرية التي يجري تشريعها
واقرارها من قبل الكنيست
والحكومة
الاسرائيلية،والمندرجة في إطار
الأسرلة والتهويد. ان
استمرار العدوان
الصهيوني،والمتمثل في
الاستيطان وممارسة سياسة
التطهير العرقي،يفرض على
واشنطن و"الرباعية"والاتحاد
الأوروبي والعواصم صاحبة
القرار ان تتحرك فوراً لحماية
السلم العالمي،وحماية
مصالحها،وحماية المنطقة كاملة
من الارتهان للاحتلال والارهاب
والقرصنة. لقد
أثبتت الأحداث بشكل واضح
وجلي،انه منذ مؤتمر مدريد 1991
وما قبله وما تبعه من مؤتمرات
وحتى اللحظة الراهنة،ان
الانحياز الأمريكي والتواطؤ
الأوروبي الغربي مع العدو
الصهيوني هو السبب الرئيس في
رفضة الانصياع لقرارات الشرعية
الدولية،واصراره على رفض
الانسحاب من الاراض الفلسطينية
والعربية المحتلة والاعتراف
بالدولة الفلسطينية المستقلة. أنه لم
يعد مقبولاً من المجتمع الدولي
استمرار التعامل مع اسرائيل في
خرقها وخروجها السافر على
القانون الدولي بقفازات من
حرير،ورفع العصا الغليظة في وجه
الفلسطينيين المحتلة
أرضهم،والمناضلين وفق ما كفلته
لهم الشرعية الدولية من حقوق في
هذا الجانب من أجل التحرر
والانعتاق من الاحتلال. وفي ظل
تسونامي الاستيطان في
القدس،فإنه بات من الملح
والضروري اسلاميا وعربيا
وفلسطينيأ،ضرورة التحرك بشكل
عملي ويرتقي الى مستوى الحدث
وبعيداً عن لغة الندب والشجب
والاستنكار والاستجداء على
ابواب البيت الابيض والمؤسسات
الدولية،فالعالم لا يحترم
الضعفاء،وأمريكا وأوروبا
الغربية لن يتغيروا ما لم نتغير
نحن العرب والمسلمين،ويشعروا
ان مصالحهم في المنطقة عرضة
لمخاطر جدية وحقيقية. القدس
– فلسطين =========================== الأحداث
المتسارعة تقرع بابَ النهاية مجاهد
مأمون ديرانية هذه هي
الرسالة الحادية والثلاثون من
رسائل الثورة، سأبدؤها لأول مرة
وخلافاً لعادتي في سائر الرسائل
بموجز أقدم فيه فكرة المقالة
الرئيسية، ثم أستطرد في تفصيلات
يستطيع تركَها من يكره قراءة
المطوَّلات. قلت في
الرسالة الماضية والتي قبلها إن
النظام يعيش الآن أيامه الأخيرة
-بإذن الله- وإن الحكم عليه
بالإعدام صدر بالفعل، وأؤكد
الآن مرة أخرى أن هذا الحكم قد
صدر نهائياً واشترك في إصداره
تحالف دولي إقليمي عربي يضم -على
الأقل- أميركا وبريطانيا وفرنسا
وألمانيا وأكثرَ الدول العربية
وفي مقدمتها دول الخليج، ونحن
نشهد في هذه الأيام اللحظات
الأخيرة الفاصلةَ قبل البدء
بتنفيذ قرار الإعدام. إذا
كان كلامي هذا صحيحاً فينبغي أن
تدل عليه مجموعة من المؤشرات،
خمسة على الأقل، وسوف أستعرضها
وأفحصها أمامكم في النقاط
التالية، فإذا كانت تعمل بشكل
صحيح فينبغي أن يكون الاستنتاج
صحيحاً: (1)
زيادة الحصار والضغط الدولي على
النظام هذا
المؤشر يعمل بكفاءة على
المستويين الرسمي الدولي
والشعبي العربي، وفيما يلي بعضٌ
من آخر التطورات والمواقف
المعلَنة في اليومين الأخيرين
فقط: واشنطن تشدد على أهمية
التحالف الدولي في التعامل مع
نظام الأسد. كلينتون تدعو الدول
إلى قطع تجارة النفط والأسلحة
مع سوريا. وزير الخارجية
الهولندية للتلفزيون الألماني:
الدول الأوربية تبدأ فوراً
بتنفيذ عقوبات على جميع شركات
الاتصالات والبنوك والنفط
والغاز التي تتعامل مع النظام
السوري. كندا تجمد أصول
وممتلكات عدد إضافي من كبار
الشخصيات المرتبطة بالنظام
السوري. أما
الضغط الشعبي فقد شاهدناه بأقوى
صوره في الكويت والبحرين، وفي
تجمعات غير مسبوقة في الرياض
وجدة والخبر، وفي مظاهرات شعبية
ضخمة في القاهرة والإسكندرية في
مصر، ومثلها في طرابلس وبيروت
في لبنان، وفي الجزائر، وأخيراً
في مظاهرات هائلة مؤيدة لثورة
الشعب السوري خرجت في ثلاث
وثمانين مدينة وقرية في المغرب. بالإضافة
إلى الضغط الدولي والضغط الشعبي
يجب أن ندرس مواقف أصدقاء
النظام. شاهدنا موقف روسيا في
الأيام الماضية، وهو يعكس -ببساطة-
تخلياً صريحاً عن الصديق القديم.
الحليف الآخر، إيران، يلوذ
بالصمت الكامل أمام التطورات
المتسارعة الأخيرة منذ صدور
الإعلان الرئاسي لمجلس الأمن
قبل خمسة أيام. أما آخر الحلفاء،
حزب الله، فقد نطق أخيراً على
لسان نائب أمينه العام، نعيم
قاسم، فحضّ سوريا على الحوار مع
المعارضة ومع كل مكونات الشعب
السوري والقيام بخطوات إصلاحية
لتدعيم مسار الحوار وعدم اللجوء
إلى السلاح! ثم رأينا رئيس
الحكومة، نجيب ميقاتي، يلهث
وراء حزب الله في تصريحات تدور
حول المعاني ذاتها. أما جنبلاط (الحرباء)
فواضح أنه قرر أنّ الأوان آنَ
لتغيير لون جلده، وذلك بعد جولة
شملت السعودية وتركيا وروسيا.
ماذا تقرؤون في ذلك كله؟ لقد
انكشف ظهر النظام السوري وباعه
حلفاؤه. (2)
ارتفاع حرارة التحركات
السياسية والدبلوماسية الاتصالات
والتحركات الدولية في ازدياد
محموم، ولا بد أن تزداد باطّراد
خلال الأيام القليلة القادمة.
الرئيس التركي وصل أمس إلى جدة
للقاء بالملك عبد الله بن عبد
العزيز، وبعده سيصل ملك الأردن
للغرض ذاته. اجتماع وزراء
خارجية دول مجلس التعاون غداً.
الإعلان عن اجتماع وشيك لمجلس
الأمن يوم الخميس القادم
لمناقشة الملف السوري. البيت
الأبيض: الرئيس الأميركي باراك
أوباما والعاهل السعودي الملك
عبد الله في اتصال هاتفي اليوم
السبت: على النظام السوري وقف
حملة العنف الإجرامية الوحشية
التي يشنها النظام السوري ضد
شعبه الأعزل فوراً وبدون شروط.
محطة “سي إن إن”: الرئيس
الأمريكي باراك أوباما أعرب عن
قلقه العميق بسبب استخدام
الحكومة السورية العنف ضد
المدنيين، وذلك في اتصال هاتفي
مع رئيس الوزراء البريطاني
ديفيد كاميرون، مشدداً على
ضرورة تطبيق مطالب الشعب
بالانتقال نحو الديمقراطية. (3)
ارتفاع حدة إجرام النظام ووصوله
إلى درجات جنونية عالية هذا
المؤشر يعمل أيضاً بكفاءة عالية.
الأسبوع الماضي الفاصل بين
جمعتَي “الله معنا” و”لن نركع
إلا لله” (أعظم اسمَين لجمعتين
اهتدى الثوارُ إليهما) هذا
الأسبوع شهد تصعيداً جنونياً في
القمع والإجرام، فقد توسعت
قائمة المدن التي اقتحمها الجيش
اقتحاماً وحشياً لتضم حماة ودير
الزور والقصير وسراقب وتفتناز
وخان شيخون وبنّش ومعرة النعمان
والمسيفرة، وأخيراً اللاذقية
التي ضربها براً وبحراً، أما
المدن التي اقتحمها الأمن في
الأسبوع الأخير أو استمر
باحتلالها وخنقها فتضم غالبية
المواقع الثائرة في دمشق
وأطرافها: المهاجرين وركن الدين
والحجر الأسود ونهر عيشة والقدم
والعسالي، وزملكا وسقبا وعربين
وحمورية والتل والزبداني
وعرطوز وقطنا والمعضمية وداريا
والكسوة، وانضمت بصرى الشام إلى
قائمة اجتياحات الأمن الغادر
وأنا أكتب هذه السطور. لقد
استعمل النظام السوري ضد شعبه
الثائر الصابر الدبابات
والمدافع والبوارج الحربية،
ولم يبقَ إلا الصواريخ
والطائرات، وهذا التسارع في
الحملات العسكرية والتصعيد
الجنوني في العنف لا يدل إلا على
أمر واحد: النظام يسابق الزمن.
إنه يعلم أن الوقت المتبقي له
قليل، فهو يستميت في سبيل
القضاء على الثورة قبل صدور أي
قرار دولي، تماماً كما يستميت
فريقٌ رياضي لإدخال هدف الفوز
قبل سماع صفارة الحكم. (4)
زيادة مستويات الصمود والتحدي
من طرف الشعب الثائر هذا
المؤشر يعمل بكفاءة خرافية لا
يكاد يستطيع الإنسان تصديقها!
لقد انتهيت قبل ساعات من إحصاء
مواقع الثورة في جمعة “لن نركع
إلا لله”، اعتماداً على أخبار
العشرات من صفحات الثورة في
المناطق والمدن المختلفة،
فوصلت إلى مئتين وعشرين، وهي
نتيجة مقاربة للنتائج التي تدور
حولها حصيلة كل جمعة من الجمع
خلال الشهرين الأخيرين. أي أن
الجهود الإجرامية المستميتة
للنظام لم تصنع شيئاً يذكر.
والأعجب من ذلك أن المدن
المصابة كانت في الطليعة، فقد
خرجت في حماة نفسها إحدى عشرة
مظاهرة على الأقل هتف
المتظاهرون فيها: “حموية وما
نهاب الموت”، وخرجت في دير
الزور ست مظاهرات على الأقل هتف
المتظاهرون فيها: “ما احلى
النوم على صوت الدبابة”. صدقوني
إن هذه المظاهرات أقرب إلى
الأساطير! وليس أقل أسطورية
منها مظاهرات بابا عمرو التي لم
تكد تفرغ من دفن شهداء مجزرة
الأربعاء، ومظاهرات قرى الحولة
التي كانت تحت القصف قبل ثلاثة
أيام، ومظاهرات القصير التي
خرجت تحت الانتشار الأمني
المسعور في البلدة، ومظاهرات
سراقب الواقعة تحت الاحتلال،
ومظاهرات خان شيخون ومعرة
النعمان وبنّش وتفتناز التي لم
تكد تغادرها الدبابات،
ومظاهرات القدم في دمشق وعربين
وحمورية وسقبا في غوطتها… كل
هذه المظاهرات أقرب إلى الخيال
وإلى الأساطير، وهي مؤشر هائل
على حيوية الثورة وثباتها
وصمودها في وجه الهجمة
الهولاكية غير المسبوقة من حيث
الكثافة ودرجة الإجرام. (5)
تشقق وتهاوي شخصيات من داخل
النظام هذا
المؤشر متوقف عن العمل. إما أن
النظام يعاني من تصدعات خفية
غير ظاهرة للعلن أو أنها لم تبدأ
بشكل حاسم بعد، فأرجو أن
تراقبوا هذا المؤشر خلال
الأسبوع القادم والذي بعده لأنه
سيؤكد ظنوننا أو ينفيها. توقفنا
في الأسبوع الماضي عند خبرين
كبيرين، منع ذي الهمة شاليش من
السفر (وهو من صلب العائلة
الأسدية وله وزنه في النظام)
واغتيال وزير الدفاع علي حبيب.
بعد ذلك لم تصلنا أخبارٌ ذات
شأن، فلنفتح أعيننا ونراقب لنرى
ما يَجِدّ، وأتوقع أن نسمع
أخباراً كبيرة عما قريب. المؤشرات
الخمسة السابقة واضحة الدلالة،
وهي تدل على أن تطوراً كبيراً
اقترب أوانُه، تطوراً حاسماً
سيضع نقطة النهاية للملحمة. لا
أقصد إنهاء الأزمة وإسقاط
النظام فوراً بالضرورة، بل أقصد
الدخول في المرحلة الأخيرة من
الثورة التي ليس بعدها إلا سقوط
النظام. لكن قطعاً لا أحد يستطيع
أن يجزم كيف سيكون الحسم، لا أنا
ولا غيري، فهو يمكن أن يكون: (أ)
عملاً سريعاً جداً اعتماداً على
اختراق للنظام وشق لقياداته
العليا، ربما مع بعض العمليات
الخاصة السريعة والخاطفة
لإخراج بعض الرؤوس الكبيرة من
المعادلة، مما يهيّئ لانهيار
سريع لبنية النظام على مستوياته
الوسطى والسفلى. (ب) أو عملاً
طويلاً يتمثل في مواجهة على
الأرض اعتماداً على قوات منشقّة
تتحرك من منطقة آمنة. هذا
السيناريو يحتاج إلى تنسيق
وتعاون مع طرفَي الحدود
الشمالية والجنوبية (تركيا
والأردن) أو أحدهما على الأقل،
ويمكن أن يترافق مع حظر طيران. ما سبق
هو خلاصة الرسالة، وإلى مزيد من
البحث والتفصيل لمن يحب. * * * التطورات
القادمة خلال الأسبوعين
القادمين ستحسم الأمر وتحدد
واحداً من المسارين السابقين أو
مساراً قريباً من أحدهما، أما
التدخل العسكري الغربي فإنه
يبقى احتمالاً بعيداً جداً أو
شبهَ مستحيل بسبب إجماع
المعارضة على رفضه. وعلى أية حال
فإن أي تحركات عسكرية لم يتم
رصدها لدعم اتجاه كهذا، ولا حتى
تحريك أي قطعة بحرية أميركية أو
غيرها باتجاه الساحل السوري، مع
ملاحظة أن القطع البحرية بطيئة
الحركة وعادة تسبق حركتُها أيَّ
موقف سياسي حاسم. على
العكس من التحركات الغربية التي
لم يُرصَد منها أي شيء حتى الآن
فإن الجانب التركي من الحدود
يشهد نشاطاً عسكرياً ملحوظاً،
ولكنه ما يزال على مستوى ألوية
ولم يصل إلى مستوى فِرَق، وهذا
لا يدل على عملية عسكرية شاملة
لكنه يمكن أن يشير إلى استعداد
تركي لمواجهة توتّر متوقَّع على
الحدود، أو يشير إلى استعداد
لإنشاء منطقة آمنة. الأيام
الأخيرة شهدت أيضاً استدعاء
لبعض ضباط الاحتياط في الجيش
التركي، وهي خطوة يمكن أن
تفسَّر ضمن السياق نفسه أو أنها
جزء من إعادة ترتيب داخلية بعد
التعديلات الأخيرة التي جاءت
برئيس جديد لهيئة الأركان. وبالمناسبة
فإن التطور المفاجئ الأخير في
الجيش التركي ينبغي أن يخدم
التحركات التركية لا أن يعوقها.
فقد قدم رئيس هيئة الأركان
الجنرال إيشيق كوشانير وقادة
القوات البرية والبحرية
والجوية استقالاتهم، حيث قبلها
الرئيس التركي على الفور وعيّن
قائد قوات الدرك الجنرال نجدت
أوزال قائداً للقوات البرية،
ومن ثم رئيساً جديداً لهيئة
الأركان (تقضي أعراف القوات
المسلحة التركية بأن يكون رئيس
هيئة الأركان التركي قائداً
للقوات البرية أو البحرية أو
الجوية ولو ليوم واحد على الأقل
قبل استلامه رئاسة هيئة الأركان).
مع العلم بأن الجنرال نجدت
أوزال من الموالين لأردوغان وقد
سبق استبعاده من قيادة القوات
البرية لحرمانه من أية فرصة
لاستلام رئاسة الأركان. إن هذا
التطور الأخير لا يعني إلا
أمراً وحداً: لقد صار الجيش أقرب
إلى الحكومة من أي وقت مضى، بل
إن رئاسة الأركان صارت عملياً
جزءاً من رئاسة الدولة، وهكذا
فإن الطريق صار مفتوحاً أكثر من
ذي قبل لأي عمل يمكن أن تفكر فيه
الحكومة التركية. إن
المعارضة مجمعة بالكامل وبلا
استثناء على رفض التدخل
الخارجي، لكنها لم تمانع في
تلقي مساعدة عربية أو إسلامية،
دون أن تحدد شكل أو حجم هذه “المساعدة”،
مما يترك الخيارات مفتوحة.
وبمناسبة الحديث عن المعارضة
فإنني سأوضح نقطة ذكرتها في
رسالتي الماضية وشرحتها شفهياً
لبعض من تحاورت معهم، فقالوا
إنهم فهموها من العرض الشفهي
كما لم يفهموها من المقالة،
فأحببت أن أعود إليها بتوضيح،
وهي النقطة الخاصة بمؤتمر
الحوار الوطني. * * * الأزمة
انتقلت مع التطورات الأخيرة إلى
الأروقة الدولية، هذا النقل
يسمى “تدويلاً” وينقل المشكلة
من “قضية داخلية” كما يصرّ
النظام على وصفها (أي أنه يقول
للعالم: هذا شعبنا ونحن نذبحه
كما نشاء، فما علاقتكم أنتم
بنا؟) ينقلها من قضية داخلية إلى
مشكلة دولية. النقل بدأ بتبنّي
العرب للمشكلة على المستوى
الخليجي، ولا يُستبعَد أن تمرّ
بعد ذلك عبر الجامعة العربية
وصولاً إلى هيئة الأمم المتحدة.
عندما تصل أي مشكلة إلى هيئة
الأمم توصف بأنها مشكلة أممية،
أي أنها تخص أمم العالم وليس فقط
الدولة التي تقع فيها المشكلة،
ولو أن اجتماع الجمعية العامة
للأمم المتحدة أو اجتماع مجلس
الأمن ناقشها وقرر أنها تشكل
خطراً على الدول الأخرى،
إقليمياً أو عالمياً، بمعنى
أنها “تهدد السلام العالمي”،
فإنه يفتح الباب لاستثمار
المادة السابعة من ميثاق الأمم
المتحدة، وفي هذه الحالة يصبح
التدخل الدولي مباحاً
قانونياً، ويمكن للجمعية
العامة أو لمجلس الأمن أن يفوّض
أي جهة للقيام بما يلزم لحل
المشكلة وحماية السلم العالمي. هذا
التسلسل الطويل من الإجراءات
يحتاج إلى مظلة شرعية يتحرك
تحتها، وهذه المظلة وفرها
جزئياً التصريح الملكي السعودي
الذي ساعد على حشد خليجي سريع
يمكن أن يتحول بسهولة إلى حشد
عربي وإسلامي بمساعدة تركيا
والجامعة العربية، ولكن بقي
عنصر مهم ناقصاً، وهو السوريون
أنفسهم. لو رفض طرفا الأزمة في
سوريا أيَّ تدخل أو مساعدة
خارجية من أي نوع فسوف تفقد أيُّ
مبادرة القدرةَ على الحركة.
الطرف القاتل لن يطلب أي مساعدة
لوقفه عن القتل بالطبع، إذن فإن
الطرف الذي يمكن أن يقدم غطاء
قانونياً لأي عمل خارجي هو
الطرف المقتول، أي الثورة
والمعارضة. من هنا
كان الاهتمام الشديد بصناعة
هيئة رسمية تمثل المعارضة، وقد
بذل الأتراك جهوداً في سبيل
تحقيق هذا الهدف باحتضان
مؤتمرات المعارضة ودعمها من
وراء الستار، وحينما فشلت
المحاولات الأولى بدا التوتر
على الأميركيين وطالبت وزيرة
الخارجية الأميركية المعارضة
بالاتفاق السريع على هيئة
تمثلهم. مطالبتها التي سمعناها
قبل عدة أسابيع كانت بلهجة “عنيفة”
بالمقاييس الدبلوماسية، وأنا
شخصياً فهمت أن القوى الدولية
التي بدأت بالترتيب لما بعد
الأسد كانت بحاجة ملحّة لوجود
هيئة من هذا النوع، وأنها دفعت
في هذا الاتجاه، وأنها انزعجت
من إخفاق المعارضة المتكرر في
الاتفاق على هيئة تمثلها. بالنتيجة
صار واضحاً للجميع أن أي تجمع
يستثني معارضةَ وثوّارَ الداخل
لا يمكن أن ينجح، ويبدو أن
المهتمين بتشكيل هيئة ممثِّلة
للثورة أدركوا أن هيثم المالح
هو الشخصية الوحيدة القادرة على
تجميع الداخل والخارج معاً
والتي تحظى بقبول عام، لذلك
كانت الخطوة الحاسمة هي إخراجه
من سوريا وتنظيم مؤتمر إنقاذ
برئاسته وانتخاب هيئة تنفيذية
مقبولة من ثوار الداخل ومعارضي
الخارج، وهذه الهيئة ستكون
قادرة بعد ذلك على التفاوض باسم
الثورة وعلى تمثيلها أمام
المحافل الدولية. لتنفيذ ذلك
كله كان لا بد من خروج المالح من
سوريا، وهو أمرٌ كان النظام
سيقاومه بشراسة إلا إذا تعرض
لضغط شديد من جهة خارجية،
ومعلوم أن الجهة الأكثر قدرة
على الضغط على النظام السوري هي
أميركا، ومن ثم فقد استعمل
الأميركيون نفوذهم وأخرجوا
هيثم المالح من سوريا رغم أنف
النظام. هذا كله حدس حدسته
واستنتاج وصلت إليه بمراقبة
تسلسل الأحداث ودراسة
خلفياتها، إما أن تصدقه الأيام
القادمة أو تكذبه، لكن الأمر
المهم حصل على أية حال، وصار
للمعارضة أخيراً من ينطق باسمها. * * * والآن
أنتقل إلى الموقف التركي. لقد
راقبت باستغراب مشاعر وعبارات
الغضب التي ملأت مواقع صفحات
الثورة بسبب ما أشيع من أن وزير
الخارجية التركي منح الأسد مهلة
أسبوعين، وكأنه يقول له: حاول أن
تقضي على الثورة في هذين
الأسبوعين وأنا سأبذل جهدي
لتأخير أي تحرك دولي ضدك! سبب
الاستغراب ليس الموقف التركي
الذي راح الكل يتحدثون عنه بلا
توثق، الاستغراب من تصديق الناس
السريع لمثل هذه الأخبار. إن
المنطق العقلي هو المصفاة
الأولى لكل ما يتلقاه المرء من
أخبار، وعندما تكون فتحات
المصفاة واسعة يمرّ منها كل
غريب وعجيب من الأوهام
والخرافات، أما عندما تضيق هذه
الفتحات فإن الحقائق
والمعلومات الرصينة وحدها هي
التي تمر إلى العقل. إن فهم هذه
القاعدة والعمل على أساسها يصنع
الفرق بين التفكير العامي
والتفكير العلمي، ويمكن أن
أتحدث في هذا الأمر كثيراً في
غير هذه الرسائل، أما الآن
فلنبقَ في موضوعنا. بالمنطق
والعقل يمكننا الجزم بأن الخبر
المتداوَل عن تركيا غير صحيح،
أي أنه مختلَق. فزيارة الوزير
التركي لدمشق ليست تحركاً في
فراغ بل هي جزء من منظومة
متكاملة من التطورات الدولية
الدرامية، وتركيا جزء أصلي من
هذه المنظومة ولا يمكن أن تمشي
في طريق خاص بها، ليس الآن على
الأقل. في الماضي نعم، أما الآن
فهذا مستبعد جداً، بل الغالب أن
تركيا هي رأس الحربة في المشروع
الأممي القادم بسرعة. وضع
الأمور في أماكنها الصحيحة
ينبئنا على الفور بأن في الخبر
المنشور بصيغته تلك خطأ ما، فهو
“لا يركب على بعضه” (بالتعبير
العامي). إذا وصلنا إلى هذه
الدرجة من الشك فسوف نبدأ
بالبحث عن مصدر الخبر، لا سيما
وأننا لم نقرأه في صحيفة رصينة
أو موقع إخباري موثوق. هذا ما
صنعته، وكما هو متوقع فقد نقل
الخبرَ واحدٌ عن واحد من
المواقع والصفحات حتى كاد يضيع
مصدره الأصلي، لكني نجحت أخيراً
في الوصول إلى أصله في موقع قناة
“روسيا اليوم”. يبدو أن الخبر
انطلق منها أول مرة (يوم الخميس،
قبل نشره في موقع “الراي” يوم
السبت ومن ثم انتشاره على نطاق
واسع). هذا الأمر بحد ذاته،
انطلاق الخبر من موقع روسيا
اليوم، سيُفقده نصف قيمته. لا
أريد أن أستفيض بذكر السبب ولكن
كل من تابع هذه القناة من الأيام
الأولى لانتفاضة العرب الكبرى
لاحظ تحيزها الدائم
للدكتاتوريات ضد شعوبها، ثم
ألقت على بعير مصداقيتها قشةَ
الرحمة التي قصمته بوقوفها
الصريح مع طاغية سوريا ضد شعبه
الثائر المصابر. هذا أولاً، ثم
انظروا إلى الكاتب، هل لاحظتم
اسمه؟ جاء في الخبر: “قال حسين
عبد الحسين الكاتب والمحلل
السياسي في حديث لقناة روسيا
اليوم إن الرئيس الأميركي لن
يدعو قريباً إلى تنحي الرئيس
السوري، مشيراً إلى أن رئيس
الوزراء التركي طلب من الرئيس
الأميركي إعطاء مهلة أخيرة
للأسد…” هل لاحظتم اسم مصدر
الخبر؟ “عبد الحسين”… وفهمكم
كفاية. إن
الأخبار السياسية لا تُقرأ كما
تُقرأ التقارير العلمية. عندما
تقرأ مقالة علمية تأخذ ما فيها
على أنه صحيح من حيث المبدأ إلا
أنه يحتمل الخطأ، أما الأخبار
السياسية فتُقرأ بالمقلوب،
أعني أنك إذا قرأت خبراً
سياسياً فالأصل أن تفترض أنه لا
يعني أي شيء في الحقيقة، أو أنه
يعني عكس الحقيقة تماماً. سأضرب
لكم مثالاً من تطورات الأحداث
الأخيرة. لقد وصل الرئيس التركي
إلى جدة قبل ساعات، فلماذا جاء؟
لا داعي لأن نتعب أنفسنا
بالتفكير لأن وكالة الأنباء
السعودية تقدم لنا الجواب: “يصل
الرئيس التركي عبد الله غول إلى
جدة في زيارة إلى المملكة تستمر
يومين، يشارك خلالهما في اجتماع
مجلس الأمناء لمراكز الدراسات
الإسلامية بجامعة أكسفورد
والذي سيُعقد في جدة، ويؤدي
خلال الزيارة مناسك العمرة”. أرجو
أن تضعوا هذا الخبر مع التطورات
الدولية والإقليمية الثلاثين
التي سردتها عليكم في الرسالتين
الماضيتين، والآن لا بأس بأن
تتوقفوا عن القراءة ثلاث دقائق
تصرفوها في الضحك على هذه
الفكاهة! العالم يضطرب ويغلي من
غربه إلى شرقه والمسرح الدولي
يجري ترتيبه على عجل لشهود
الفصل الأخير من الأزمة السورية
التي تحولت إلى مشكلة عالمية،
وتركيا معنية أكثر من غيرها
بالأزمة باعتبار الجوار، لكن
رئيسها قرر أن يترك ذلك كله
ليعتمر ويشارك في اجتماع تشريفي! ربما
لا يكون هذا هو المقام المناسب
لتقديم نصيحة في القراءة
السياسية، لكنها فرصة قد لا
تتكرر، فاحتملوا مني بعض
الاستطراد، ومن مَلّ من طول
القراءة فليقفز من فوق هذه
الفقرة غيرَ مَلوم. * * * منذ
نحو أربعين سنة أو أقل قليلاً
فُتنت بقراءة مقالات سياسية كان
يكتبها في جريدة “الحياة” كاتب
دأب على نشر مقالاته باسمين
مستعارين، فكان يكتب عموداً
يومياً باسم “عامر” ومقالة
أسبوعية طويلة باسم “كريم”.
كان ذلك وأنا في أوائل سنوات
الدراسة الثانوية، وكان أبي -الحريص
على الثقافة السياسية- يُحضر
إلى البيت كل يوم جريدة أو
اثنتين ومجلتين كل أسبوع، فأما
الجريدتان فإحداهما كانت “الحياة”
دائماً، الحياة التي كان يصدرها
كامل مروّة قبل أن يغتاله
النظام السوري، والأخرى تتغير
فربما كانت “النهار” أو “الأنوار”
أو غيرهما، والمجلتان هما “الحوادث”
و”الوطن العربي”. ربما اختار
هذه الجريدة تحديداً وهاتين
المجلتين لأنها كانت ضد النظام
السوري، فهو -ككل واحد في
العائلة- من أشد كارهي البعث
أولاً ثم النظام الأسدي الذي
ورثه من بعد. لقد كرهنا النظامَ
السوري دائماً، وطبيعي أنه لم
يحبّنا كما لم نحبّه، فانتقم من
الأسرة بالقتل والتهجير. من بين
المقالات السياسية الكثيرة
التي كنت أقرؤها في تلك الأيام
كانت مقالات “كريم” (أو “عامر”)
هي الأكثر قرباً إلى قلبي، وقد
قرأت منها مئات ومئات وتعلمت
منها الكثير، بل لعلي لا أبالغ
إن قلت إن أساس ثقافتي السياسية
قد جاء من تلك القراءات، وجمعت
منها ملفاً كبيراً احتفظت به
سنين طويلة، ثم استعاره مني
صديق ذات يوم وأضاعه! الدرس
الأكبر الذي تعلمته منذ تلك
الأيام هو: لا تثق أبداً بما
يتداوله الساسة على السطح، فهو
يخفي غالباً النقيض الصحيح.
الحقائق في عالم السياسة تختبئ
وراء ستار من التمويه
المتعمَّد، وغالباً تأتي
مبعثرة جداً في نُتَف صغيرة
متفرقة ومتباعدة، وعليك أن تحسن
قراءة الأخبار وفرز صحيحها من
سقيمها ثم ترتيبها في نسق صحيح
لتخرج بالخبر الصحيح، وهذه
المهمة ليست سهلة لأن الخبر
الصحيح يضيع دائماً بين عشرات
الأخبار الملفقة. حاولوا أن
تتعلموا هذه المبادئ ومع الوقت
ستتعلمون كيف تقرؤون الأخبار
قراءة صحيحة، أما مجرد عبارة “دا
في الجورنال” التي سمعتها ذات
مرة من سائق سيارة أجرة في
القاهرة -وكأنها فصل الختام في
نقاش سياسي دار بيني وبينه- فسوف
تتركونها للعامة، ومثلها
تماماً الأخبار التي تتداولها
الفضائيات ومواقع الإنترنت. مع
الوقت ومع الانتباه واليقظة
أثناء القراءة وتشغيل العقل
الواعي يمكن للقارئ أن يطوّر
مَلَكة صالحة لتمييز الأخبار
الصحيحة من الأخبار الملفقة.
سأعطيكم مثالاً من ثورتنا
السورية العظيمة. في كل جمعة
أقرأ في عدد كبير من صفحات
الثورة خبراً منقولاً عن وكالة
رويترز يقول إن عدة ملايين
خرجوا في مظاهرات في أنحاء
سوريا. أول مرة نُشر فيها هذا
الخبر كانت في جمعة سقوط
الشرعية قبل نحو شهرين، ويومها
كان العدد ثلاثة ملايين، وقد
زاد مع النشرات اللاحقة في
الأسابيع التالية ليصل إلى خمسة
ملايين مؤخراً. بما أنني معتاد
على أسلوب وكالات الأنباء
العالمية في صياغة أخبارها (كرويترز
والبي بي سي ومن في طبقتهما من
المصادر الإعلامية العالمية
الموثوقة) فقد شمَمتُ في الخبر
رائحةَ الوضع (كما يقول علماء
الحديث)، ففتحت صفحة وكالة
رويترز وقرأت فيها أن “بضعة
آلاف من المتظاهرين خرجوا في
مظاهرات في شوارع سوريا”. ثم
تتبعت الخبر في الإنترنت فوصلت
إلى مصدره، وهو موقع لبناني
تابع لقوى 14 آذار كنت قد قرأت
فيه من قبل مقالات وأخباراً
تغلب عليها “الفبركة”. وبما
أني أعتقد أن نشر الأخبار “المفبركة”
يضر الثورة ولا يفيدها -لأنه
يطعن في مصداقية مصادرها
الإعلامية- فقد بادرت إلى إرسال
تنبيه إلى كل الصفحات بهذا
الخصوص، وتكرّم بعضها مشكوراً
بالرد وتجنّبَ ترويج الخبر في
الأسابيع اللاحقة. هذا
المثال يذكّرني بأمر آخر طالما
أحببت أن أنبه إليه، وقد جاءت
مناسبته. بعض الإخوة من مراسلي
صفحات الثورة يبالغون في تقدير
أعداد المظاهرات، فيجعلون
المئات ألوفاً والألوف عشرات
ألوف أو مئات ألوف. لاحظت هذه
المبالغات كثيراً في تقارير
مظاهرات معرة النعمان وحماة
ودير الزور على الأخص، حيث
ذُكرت دائماً أعداد غير واقعية.
اسمحوا لي أولاً أن أؤكد أن كل
متظاهر في سوريا يعادل ألف
متظاهر في غيرها من البلدان،
هذه المعادلة قالها كثيرون ولست
أنا من يخترعها اليوم، وتفسيرها
واضح. فلو أن الذين تظاهروا في
كل جمعة ألف رجل فقط لكانت
مظاهرات عظيمة، فهم ألف انتحاري
وألف مشروع شهيد يخرجون إلى
حتفهم حينما يخرجون إلى
الشوارع، فقد أبى النظام المجرم
إلا أن يحول المتظاهرين إلى
نعوش. ومع ذلك فإن الذين يخرجون
في المظاهرات أكثر مما يمكن
تخيله، قطعاً وبلا مبالغة يشارك
في المظاهرات في كل جمعة مئات
الآلاف، ربما وصولاً إلى نصف
مليون حسب اجتهادي وتقديري الذي
أتحرى فيه الدقة وأجتهد في
الاقتراب فيه من الصواب. لكن ليس
ثلاثة ملايين قطعاً ولا خمسة،
ولا يجتمع في مظاهرات حماة
ثلاثة أرباع المليون أبداً. أجدني
أُكثر اليوم من الاستطرادات،
ولكني انتهيت من زبدة المقالة
في أولها لذلك أسمح لنفسي
بكتابة ما أشاء هنا. قلت لكم إني
كنت أتابع جرائد ومجلات سياسية
وأنا صغير، وأذكر أني قرأت في
واحدة منها مقالة (أو قصة) أثرت
فيّ كثيراً وتعلمت منها منهجاً
صالحاً في التفكير والتقدير.
القصة كتبها صحفي عربي تخرج في
كلية الإعلام والصحافة في جامعة
عربية ثم التحق بوظيفة في جريدة
عربية، وذات يوم خرجت مظاهرة في
مكان قريب فأرسل رئيسُ التحرير
الصحفي الناشئ لتغطيتها وكتابة
تقرير عنها. ذهب صاحبنا إلى موقع
المظاهرة فوجد جمعاً من الناس
يرفعون لافتات ويتجمعون في
الطريق، فأحصاهم فوجدهم نحو
خمسين أو ستين، فكتب خبراً قال
فيه إن مظاهرة خرجت في المكان
الفلاني وشارك فيها العشرات،
وحمل المقالة إلى رئيسه سعيداً
بتغطيته الصادقة للحدث، فلما
قرأها الرئيس انفجر فيه قائلاً
بغضب: أنت مجنون؟ مظاهرة من بضع
عشرات؟ زوّد العدد. فشطب المحرر
العشرات وجعلها مئات، فعاد
الرئيس إلى ثورته قائلاً: أتريد
أن يتوقف القراء عن شراء
جريدتنا؟ زوّد العدد. فشطب
المئات وجعلها آلافاً. وبعد
المزيد من المفاوضات طُبعت
الجريدة أخيراً والخبر فيها
يتحدث عن مظاهرة شارك فيها
عشرات الآلاف. ثم دارت الأيام
وانتقل المحرر للعمل في وكالة
أنباء عالمية، ومرة أخرى أُرسل
لتغطية مظاهرة، فكتب تقريراً عن
عشرات الآلاف من المتظاهرين
وحمله إلى رئيسه، فلما قرأ
الرئيس التقرير دُهش وقال له:
عشرات الآلاف؟ هل أنت واثق؟ هل
أحصيتهم بدقة؟ فشطب العشرات
الآلاف وجعلها آلافاً فقط. قال
الرئيس: لكن موقع المظاهرة لا
يتسع لآلاف، راجع نفسك. فشطب
الآلاف وجعلها مئات. قال الرئيس:
تخيل الكتلة البشرية في صورة
مستطيل، كم شخصاً في المحور
الطولي وكم في العرضي، واضرب
هذا بهذا. فشطب المحرر المئات
وجعلها عشرات! خذوا
مثلاً ساحة العاصي، اقسموها إلى
أربعة أرباع، والربع إلى أرباع
أيضاً، والآن أحصوا عدد الرؤوس
في ضلعَي الربع الأصغر واضربوا
هذا بهذا لتحصلوا على عدد
المتظاهرين في ربع ربع الساحة،
اضربوا الحاصل في ستة عشر
لتعرفوا عدد المتظاهرين. هل
يبلغون نصف مليون؟ لو اتبعتم
هذا المنهج الدقيق فسوف تشكّون
في التقديرات التي يقدمها
المراسلون لكثير من المظاهرات
والاعتصامات، ليس في سوريا فقط
بل في غيرها، وقد فكرت بهذا
الأمر في كل مرة شاهدت فيه
اعتصام إخواننا المصريين في
ميدان التحرير أثناء ثورتهم،
وكنت أسأل نفسي: هل يعرف الذين
قدروا عدد المعتصمين بمليونين
والذين نقلوا هذا التقدير عنهم
وروّجوه، هل يعرفون جميعاً ما
معنى مليونَي إنسان؟ لا يمكن أن
يتسع الميدان لمليونَي شخص، ولا
حتى مع ميدان عبد المنعم رياض
القريب والشوارع المحيطة
بالميدانين، وأنا أعرفها كلها
معرفة جيدة وقد مشيت فيها
كثيراً. مع ذلك كان اعتصامهم
مهيباً رهيباً، وكذلك
مظاهراتنا في سوريا، هي أعظم
مظاهرات في الدنيا والذين
يشاركون فيها هم أشجع الرجال في
الدنيا، حتى وإن تحفظنا في
تقدير أعدادهم وقلنا إنهم نصف
مليون مثلاً وليسوا ثلاثة
ملايين. وهذا
يذكرني بذلك السخيف الذي أرسل
لي رسالة ملأها بما جادت به
قريحته “المهذبة” من شتائم
رداً على مقالة صغيرة نشرتها
قبل شهر بعنوان “يا مصفقون، ألا
تخجلون؟”، خاطبت فيها أولئك
الذين رقصوا على جراح الأمة
وجثث شهدائها في ساحة الأمويين
بدمشق احتفالاً بعيد الرئيس
المسخ، وفي تلك الرسالة القبيحة
قال الرجل: افترض أن مليون شخص
تظاهروا ضد الرئيس فهل هم أهم من
اثنين وعشرين مليوناً يريدون
بقاءه؟ ذلك التفكير الناقص أوحى
لصاحبه بأن الذين لم يخرجوا في
المظاهرات هم -حكماً- ضدها، ولم
يخطر بباله أن هؤلاء المليون هم
صفوة شجعان الأمة، وأن وراء كل
واحد منهم عشرة مع الثورة
بقلوبهم، منعهم من الخروج كِبَر
السن أو الصِّغَر، أو الخوف من
بطش النظام وإجرامه وقمعه،
فهؤلاء عشرة ملايين، ومثلهم من
النساء، فلم يبقَ خارج الثورة
إلا عصابة المجرمين ومن صفّق
لها وسجد لرئيسها من العبيد.
هكذا تُحسَب الأمور. * * * أعود
بعد هذا الاستطراد إلى الموقف
التركي: لقد تعلق الناس بتقرير
أو تعليق كتبه شخص مشبوه أو
مجهول وراحوا يتناقلونه بينهم
بحماسة بالغة، وتغاضوا عن تصريح
رسمي وتوضيح صدر عن مستشار
الرئيس التركي إرشاد هورموزلو
نفى فيه أن تكون بلاده قد منحت
النظام السوري مهلة أسبوعين، بل
أكد أن تركيا تتوقع إجراءات
سورية حاسمة خلال أيام، على أن
ينتهي الإصلاح خلال أسبوعين إذا
كانت النية صالحة. ولدفع اللبس
أو سوء التفسير قال الرجل إن
الرسالة الخطية التي حملها وزير
الخارجية التركي للرئيس الأسد
أكدت ضرورة التوقف عن إراقة
الدماء وإطلاق سراح جميع
المعتقلين والبدء فوراً
بإصلاحات تلبي طموحات الشعب
السوري. القراءة
الدقيقة للتصريح التركي الذي
صدر على لسان مستشار الرئيس يجب
أن تلاحظ كلمة “ينتهي” في
الحديث عن الإصلاح، الإصلاح “ينتهي
خلال أسبوعين”، أما الخطوات
المطلوبة فلم تُترَك لاجتهاد
الجانب السوري بل حُدِّدَت
بوضوح: وقف العنف، وإطلاق
المعتقلين، والبدء الفوري
بالإصلاحات. ثم لاحظوا أن
الرسالة خطية وليست شفهية، رغم
أن حاملها هو واحد من أركان
الحكومة التركية الكبار، وهذا
لا يعني إلا أن المطالب التركية
يجب أن تصل بوضوح وبلا رتوش أو
مجاملات. ولنعد
إلى قاعدة الأخبار السياسية: ما
يُعلَن هو أقل القليل من
الحقيقة أو هو خلافها. إذا كان
هذا أمراً عاماً في عالم
السياسة فهو أشد لزوماً في أيام
الأزمات، أما أن نقطف خبراً من
هنا وخبراً من هناك ونشتغل
بنشره وإذاعته وبناء المواقف
عليه فما هذا من فقه السياسة في
شيء. وأغرب
من الخبر السابق، بل غريبة
الغرائب وقاصمة الظهر، هو ذلك
البيان الذي صدر باسم أحد من
ينسبون أنفسهم إلى المعارضة (ولا
أريد أن أسمّيه)، وهذا هو نصه (بعد
أن بذلت جهداً كبيراً في تحريره
وتحسين أسلوبه ولغته): علمت
مصادر من المعارضة السورية أن
أوغلو قد اتفق مع بشار الأسد على
مهلة عشرة أيام ينهي بها بشار
الأعمال العسكرية مقابل عدم
صدور أي قرار أممي أو أي تصرف
دولي ضد بشار، ثم أن يقود بشار
نفسه برنامج الإصلاح الذي كتبت
نصه تركيا، في حين ضمنت تركيا
المعارضة الإسلامية لبشار بأن
تقوم بالحوار القادم والقبول به.
وقد اطلعت مصادرنا من بعض هذه
المصادر الإسلامية نفسها أن
البعض غير راض عن هذا الاتفاق
الذي يبقي بشار الأسد في الحكم
وغير راضين عن شروط الصفقة التي
تضمن لهم تمثيلا وقبولا في
الحكومة التي يزعم بشار تشكيلها
لقيام ببرنامج الإصلاحات
التركي. لم
أذكر اسم الشخص الذي نُسب
البيان إليه لأني أرجّح أنه
منسوب إليه زوراً، فقد قرأت
لهذا الشخص من قبل وأعرف أن له
قلماً أفضل من القلم الذي صيغ به
هذا النص المهلهل، ثم إنه أرجح
عقلاً من أن يردد أمثال هذه
الترّهات التي لا يقبلها
الأطفال. من الواضح لكل ذي لب أن
هذا الخبر من صياغة بعض الهواة،
وما أظنه اختُرع إلا لتلويت
سمعة الإسلاميين في هذه المرحلة
الدقيقة والفاصلة التي تمر بها
الثورة. إن المعارضة الإسلامية
أشرف من أن تتعاون مع السفاح
الكبير وتضع يدها في يده، وحتى
لو لم تملك ذرة شرف فإنها تملك
بعض العقل على الأقل، ومن يملك
ذرة عقل يدرك أن النظام يغرق
حالياً غرقاً سريعاً وأنه لا
مصلحة له بركوب سفينته! يا
سادة: إن الموقف التركي لم يكن
يوماً بهذا الوضوح وبهذا الحسم،
وهو لا يختلف عن الموقف
الأميركي أو الدولي الذي تشكل
في الأيام الأخيرة في صورة جبهة
موحَّدة ضد النظام، بل إن تركيا
لا بد أن تمثل رأس الحربة في
تنفيذ أي مشروع لحل الأزمة كما
قلت سابقاً، ولا قيمة لما
يُتداوَل على الملأ من تعليقات
وأخبار. وعموماً فأنا أرى أن لا
نستعجل بالهجوم على حكومة تركيا
ولا نتسرع في الحكم عليها
اعتماداً على “ظاهر” الأخبار،
وأن لا نساهم بالإساءة إلى
إسلاميّي المعارضة أو إلى غيرهم
من الشرفاء الذين نعتمد عليهم
في الأيام المقبلة من تاريخ
سوريا بعد اعتمادنا على الله،
ولننتظر قليلاً فإن الأيام
القادمة حُبالى بالكثير. =================== نحن
والبعث.. من دفاتري الشخصية جلال
عقاب يحيى ونحن
وقوفاً أمام السفارة السورية
احتجاجاً على جرائم نظام
الطغمة، وتضامناً مع شعبنا
وثورته السلمية، وقد صارت أغاني
القاشوش، أقنومتنا الصادحة،
كما هي نواعير حماة مدينتي
الصامدة الصابرة الخالدة..
والمحتجّون يرددون من قلب كليم
مفعم بالغضب، والتصميم تلك
المقاطع الرائعة التي تجوب
الآفاق معلنة : أن القاشوش حيّ
فينا، وأنهم وإن نزعوا حنجرته
بطريقتهم الإجرامية المعهودة..
فإنها تظلل سماواتنا السبع،
وتطلّ علينا بفطريتها،
وابتسامتها، وعذوبتها...وفيها
مقاطع واضحة عن رحيل بشار وحزب
البعثية : ارحل .. ارحل يا بشار
أنت وحزب البعثية ...جاء بعض
الصحاب يحاولون الاعتذار مني،
طالبين أن أتحمل ما يحمله
الكلام من دلالات، وكأني بذهنهم
الممثل" الشرعي، الوحيد"
للبعث، وكأني أقبل ما يًفعل
باسم البعث، أو ما يفعله شبيحة
البعث، أو التمريغ الذي هو فيه
البعث، أو طروحات البعث
الأحادية، الشمولية عندما كان
على شبه اصوله، ومشروع حزب،
ومشروع محاولة للحكم وليس مطية،
ومشروع تثوير وتنوير وتوحيد
وتحرر وتقدّم، وليس عباءة
للفئوية، والانتهاز، ونفي
الآخر، واغتيال الحريات
الديمقراطية، وتغليف
الديكتاتورية، وتعهير الشعارات
وذبحها برفعها وامتطائها
وتمريغها بالنجس والرذائل
والجريمة، وفعل الخيانة العظمى
: قتل الشعب، واغتيال الأماني ..وكثير
كثير مما فعله نظام الأسد وهو
يتمرجح بالبعث على حبال الأنا
المستبد، وهو يأكل كل حيّ فيه
ويلقيه جيفة نتنة لا مكان لها
سوى مزابل النفايات .. قد
يهتزّ البعثي المؤمن به، من
أولئك الذين دفعوا حياتهم، أو
أمضوا عمرهم في السجون
والمطاردة، والحصار، والغربة
القسرية ثمناً لمواقفهم، ولما
يعتبرونه المبادئ الأصيلة
للبعث قبل التلويث، وللبعث قبل
التمريغ، وللبعث قبل الامتطاء،
وللبعث قبل الفجوات البنيوية
والنظرية والفكرية والسياسية
والممارساتية، وللبعث قبل
الهزيمة الحزيرانية.. ناهيك عن
بعث الأسد الذي أعلنوا مراراً
وتكراراً تبرئتهم منه، ومما
يُمارس باسمه، وتحت راياته .. والحقيقة،
والبعث في أوج محاولات بنائه
كمشروع ثوري، أو كقائد لثورة
ناقصة، أو مسؤول ، ولو
بالواجهة، عن انقلاب يرغب
التحول لثورة(ولو بالقسر،
والرغبة الذاتية، وليّ الوقائع)
كان يعاني أزمة الانتقال من حزب
يؤمن بالعملية الديمقراطية
أيام العهد الديمقراطي،
بإيجابه وسلبه إلى حزب واحد،
قائد، شمولي، متأثر بالموجة
القوية لفلسفة الثورة الروسية
ببصماتها اللينينية عن العامل
الذاتي، وحرق المراحل، وموقع
التخطيط الشمولي، والديمقراطية
الشعبية.. وغيرها من المقولات
التي شكّلت بنية وإطار عمل معظم
قوى حركات التحرر الوطني
والقومي التي وصلت إلى السلطة(بكيفيات
مختلفة)، وما عرفته تلك
المقولات من تحولات لصالح الحزب
الذي اقتحم الذاتي كله وفرض
السيطرة عليه، ثم صارت الهياكل
الفوقية هي البديل، فجنين
البيرقراطية المتضخم،
فرأسمالية الدولة، والبرجوازية
الطفيلية المتولدة من رحم
التحولات الاجتماعية وعلى
هوامشها..والتي غالباً ما انتهت
إلى الانحراف، والفوات،
والارتداد.. حتى إذا ما سقطت
المنظومة الاشتراكية بتلك
الكيفية، لم يبق من حقيبتها سوى
الصدى تردده نظم الاستبداد
بطريقة ببغائية لا تقنع حتى
أصحابها، والتي لم يبرز منها
سوى القمع المنهّج للمجتمع،
واغتيال الحريات الديمقراطية،
ونفي كل آخر سوى أهل النظام
وكومة المستفيدين والمرتزقة
والشبيحة متعددي المناصب،
والخلفيات . ***************** عندما
سيطر الأسد بانقلاب عسكري
مصفّى، ولم يكن معه من الحزب سوى
أفراد قلائل من المغضوب عليهم،
وأغلبيتهم كانوا مهمّشين، أو في
مناصب حكومية، أو ممن زرعتهم
المخابرات العسكرية في جسم
الحزب.. كان يستحيل عليه أن يعلن
هوية انقلابه المشفّى كحالة
عسكرية فكان لا بدّ من لباس بعثي
ما فأقحم البعث غطاء، وراح
يقدّم" سخاءه" عطاءات
مفتوحة لمن يقبل، وإغواءات
متعددة الأشكال، خصوصاً وأن
حزباً في السلطة اعتاد عليها
وعلى مكاسبها ستركبه
الانتهازية التي طفت قوية على
سطحه، وسيبحث الكثير عن "مبررات"
للبقاء في نعيم الحكم.. فانساق
معظم ذلك التنظيم مع المنتصر،
بينما أبت قلة(بالقياس إلى
العدد الكبير للتنظيم) إلا
الانسجام مع قناعاتها، والوفاء
لمبادئها، وأخلاقها، وشرف
الانتماء . كانت
الإشكالية كبيرة، وتأسيسية حول
الذي جرى وخلفياته ونتائجه،
وحول المخرج.. ولئن كانت تلك
قضايا واسعة تستلزم الغوص
البعيد فيها بما لا يستوعبه
مقال، فإن قصة الحزب والشرعية،
والإرث، وحتى الثأر، والموقف..
جميعها شكّلت، ولسنوات طويلة،
محطّ تفاعل وتباين بين أولئك
البعثيين الذين تصدّوا منفردين
لنظام الأسد، ولسنوات، وقدّموا
قوافل متتالية من المعتقلين،
والملاحقين . الإشكالية يمكن
تلخيصها بسؤال كبير يتمحّور حول
مصير ومستقبل البعث : اسماً
ومبنى، وهنا يلاحظ التمايز بين
من اعتبر ما جرى من الأسد
المنقلب سرقة، واختطافاً، أو
مؤامرة خارجية وجدت في الأسد
بيدقها ورأس حربتها لنسف(تلك
التجربة الثورية)، والقضاء على
خط الحزب السياسي الرافض
للتسوية السياسية، والقرار /242/
الذي ينصّ صراحة على الاعتراف
بالكيان الصهيوني، ويحصر
الصراع العربي الصهيوني بما
احتل في الخامس من حزيران .. وبين
من كان يعتبر أن الذي جرى، في
وجهه الرئيس، وبغض النظر عن
موقع المؤامرة الخارجية في
حوامله، أو دعمه، التعبير عن
أزمة شاملة، كانت حزيران
الهزيمة كاشفها التي أماطت عنها
اللثام، كما كان التكتل العسكري
الذي قاده الأسد بطبيعته
الفئوية، والبنيوية برهاناً
على قوة العسكر وسيطرتهم، وعلى
شكلانية دور الحزب : حقيقة،
والذي لم يتجاوز، في أقصى حالات
الإيجاب : مشروع محاولة ليكون هو
قائد السلطة، وليس مركوبها،
وستارها . ضمن،
وفي أساس هذا التوجّه الذي كان
يمثل الزخم الأقوى بين إطارات
الحزب المتقدّمة الذين وضعت على
عاتقهم التصدي لمرحلة
الانقلاب، والسقوط، وبناء
التنظيم، في أصعب الظروف
وأقساها، ومع تطور بنيانهم
المعرفي، نجحوا في انتزاع
مقولات المشروعية، والثأر،
والاختطاف من عقولهم ومواقفهم،
انطلاقاً من اعتبار أن البعث
الحاكم الذي ركبه، ومرّغه
الأسد، وعجنه، وكوّنه، ولونّه،
وصيّره وفق ما يريد،
وبالاستجابة إلى شهيته
المفتوحة للسلطة، ونرجسيته
الذاتية المتضخمة، فالمنفلتة
من كل توصيف.. وصولاً إلى التفرد
الشامل، هو أحد تلاوين وإفرازات
البعث، كما هو حال البعث الحاكم
في العراق(بغض النظر أيضاً عن
القرب والبعد عن البعث الذي كان)،
واللذان يتشاركان بالأحادية،
والشمولية، والقمع المنظم،
ورفض الآخر.. وأن
البعث الطموح، برأي هؤلاء، هو
القادر على التجاوز، وفقاً
لصيغة : استمرارية تحول تجاوز،
وأن التجاوز يشمل كافة الجوانب :
الفكرية، والسياسية،
والممارساتية، وحتى الاسم . وعلى
ذكر الاسم، فإن الأغلبية من
هؤلاء، ورغم الذكريات
والانشداد العاطفي، ووجود معظم
قيادات الحزب في المعتقلات،
أولئك الذي مثلوا بصمودهم،
وثباتهم على المبدأ، ورفضهم
المساومة على مواقفهم، راياته
الأكبر، وعامل ضغط نفسي وأخلاقي
على عملية التغيير بغيابهم،
ناهيك عن قوافل المعتقلين
المتتالية التي دخلت السجون تحت
راية البعث(بغض النظر عن
محاولات التمايز لما قبل
التغيير الجزئي بالاسم،
كشباطيين، أو غير ذلك من
توصيفات التمايز) .. رغم
ذلك، وأثره على عملية التغيير
الشامل للاسم، وتبعاتها
اللاحقة.. فإن الأغلبية من
المناضلين البعثيين هؤلاء لم
تكن لديهم مشكلة بتغيير الاسم
إلى آخر يعبّر بصدق عن تطورهم،
وطموحهم، وأفكارهم، وخطهم
الفكري، السياسي.. رغم أنهم
تربّوا وعاشوا، وتكوّنوا في
مدرسة البعث الذي تشدّهم إليه
كثير الذكريات، والمشتركات .. ومن
جديد.. فإن ظروف البعثرة في
الخارج، وشدّة القمع، وغيرها..
حالت دون الوصول إلى موقف موحّد
من الاسم.. وحين حدث الافتراق في
" البعث الديمقراطي" و(الأسباب
كثيرة)، حاول كل طرف التمسّك
بالاسم، والتمايز بالصيغ(مكتب
سياسي لجنة مركزية).. وحين نامت
السنوات على قعاد البيات، وبعد
خروج الرفاق المعتقلين من
السجون(القدماء والأجدّ) تحرر
كثير ممن أرغمته الظروف على
الهجرة القسرية إلى وضع(الكرة)
بين أيدي هؤلاء، وعلى أساس أن
يقرروا هم، وبالتفاعل الممكن مع
الخارج، ما يرونه مناسبا.. وهو
الأمر الذي لم تساعد عليه عديد
الأسباب، ومنها الأوضاع
الأمنية المشددة، وجملة
التباينات والتفاعلات بين
الرفاق.. ومن
منطلق الخروج من الأطر الضيّقة،
والمركزية الديمقراطية
المعهودة، وبروحية الانفتاح
على الآخر البعثي، والوطني
الديمقراطي، وباتجاه عمل تياري
عريض.. كان " تجمع البعثيين
الديمقراطيين الوحدويين"
محاولة مفتوحة للتطور في كافة
المناحي، ومحطة انتظارية على
طريق إنهاض أشكال تستجيب
للتطورات .. ****** البعث
" الحاكم" وبغض النظر عن
مكانته من التوصيف لا يعنينا
بشيء حتى وإن داعب الاسم
العواطف والذكريات، ولذلك فكمّ
النقمة عليه، وكمّ المطالبة
بإسقاطه، وكمّ المسؤولية فيه عن
تغطية النظام الطغمة، والنظام
الشبيّح، وما يفرّخه من كتاب
تقارير وانتهازيين لصوص، وما
تقوم به هياكله المنصّبة من دعم
لنهج الفتك، والسحق، والوباء،
والإبادة.. إنما تعنيه، وتعني
الملتزمين بهم وليس غيرهم .. ولئن
كنا نتوجّه أحياناً ببعض الخطاب
لمن نعتبرهم بقايا بعثيين شرفاء
فيه، وبقايا مهمّشين مؤمنين
بالمبادئ، وبقيم البعث التي نشأ
عليها ولأجلها.. فليس ذلك من
منطلق بعثيوي، أو بغية توحيد
البعث.. كما يحلم البعض من أصحاب
النوايا الطيبة، والأحلام
الكبيرة الحالمة، وإنما لتقدير
وطني بضرورة انفكاك هؤلاء،
وتحديد موقفهم وخندقهم،
وواجبهم في رفض الذي يجري، وفي
الإسهام بثورة الحرية ضمن
الأشكال والصيغ التي يقررونها
هم وليس غيرهم .. البعث
الحاكم ممسحة القذارة، وعنوان
الاستبداد الاستثناء، وغطاء كل
الآثام التي حصلت، وهو المسؤول
بهيئاته وأعضائه عما آل إليه..
أما مستقبله فتقرره تطورات
الثورة السورية بعيداً عن منطق
الثأر، والاستئصال والاجتثاث
الذي لا يمكن أن يكون نهج
الثوار، أو نتاج الحرية.
فالحرية تسمح لجميع الأفكار
بالتعايش والتنافس على أرضية
التعددية حين يكون الشعب هو
الذي يقرر الأفكار والأحزاب
الجديرة بالحياة وتمثيله،
والتعبير عن مصالحه وأهدافه .. أما
ملاحقة ومتابعة ومحاكمة القتلة
الذين تلوّثت أيديهم بدماء
الشعب ، واللصوص الذين أثروا
على حسابه، ونهبوا المال العام..
فإن الدولة المدنية
الديمقراطية هي التي تحاكمهم في
محاكم عادية نزيهة لإنزال
العقاب الذي يستحقون بعيداً عن
التشفي، والحقد، وتصفية
الحسابات . ((
ملاحظة : هذا المقال وغيره مما
أكتب لا يلزم أحداً غير صاحبه)) *كاتب
وروائي الجزائر ======================== سورية
بين أبجديات الثورة وأبجديات
المعارضة .. الإقصاء وباء مزمن؟..
نبيل
شبيب لا
توجد بقية وقت للتقاعس والتقصير
من جانب المعارضين والناشطين
والحقوقيين وأمثالهم بحق شعب
سورية الثائر، لا سيما وأنّ كل
ما تمّ تقديمه من تضحيات بما في
ذلك التضحيات الكبرى خلال العشر
الأوائل من رمضان، وأنّ كلّ ما
تحقق من إنجازات، بما فيها
ازدياد معالم التحرّك الإقليمي
والدولي بتأثيرها، إنما هو من
عطاء الشعب الثائر مباشرة وليس
بتأثير المعارضين والناشطين
وأمثالهم، دون استثناء. ضوابط..
في الردّ على الإقصاء ظهرت
في بعض المؤتمرات والمبادرات
الأولى ممارسات إقصائية ومواقف
إقصائية، كان يؤمل أن تتلاشى
وتضمحلّ مع مشاهد الالتحام
الشعبي في الثورة الشعبية
البطولية.. وبقي بعض الأطراف على
الأقل مصرّا على نهجه الإقصائي
القديم، بل مضى إلى "توثيقه"
في مقالات ومقابلات إعلامية،
يستبيح لنفسه فيها توجيه السهام
علنا للآخر، مثلما يوجّهها (وأحيانا
دون ذلك) لاستبدادٍ قمعي فاسد لم
يميّز فيما صنع ويصنع، وأجرم
ويجرم، بين "الآخر" و"الآخر"،
ممّن عارضوا ويعارضون نهجه
وممارساته ووجوده. يكفي
التنويه هنا بقواعد أساسية
للتعامل مع هذا "الإقصاء
المزمن": 1- تفرض
مصلحة الثورة ومصلحة سورية
تجنّب ردود الفعل.. وتفرض أيضا
عدم الاستهانة بالانحراف
الإقصائي بحدّ ذاته.. 2- يجب
التشبّث بعدم الخوض مع الخائضين
في المحرّمات ومنها الإقصاء..
ويجب أيضا تجنّب التقصير بحقّ
الثورة ومستقبل سورية، ومن ذلك
سكوتٌ متواصل يفضي إلى غلبة
أطروحات الإقصاء ظاهريا على
المشهد. وبالمقابل
يظهر على هذه الخلفية للعيان
أنّ: 1-
الإقصائيون مسؤولون عن
استفزازاتهم أولا، ومسؤولون
ثانيا عمّا يُحتمل أن تسبّبه من
معارك جانبية.. 2-
الإقصائيون -حتى أثناء الثورة-
ينزعون "هم" عن أنفسهم
صلاحية العمل من أجل الثورة ومن
أجل مستقبل سورية. وندعوهم
إلى الارتقاء بأنفسهم إلى مستوى
الثورة التي لم يصنعوها، وإلى
مستوى سورية المستقبل التي لا
ينقطعون عن "الحديث" عنها. ولم
يكن بعض ما ظهر مؤخرا قائما
بذاته، بل جاء ضمن نسيج متكامل،
شمل: 1- "حملة"
مباشرة مضادّة لِما صدر مؤخّراً
عن جهات رسمية عربية وتحديدا:
الدول الخليجية.. وهذه حملة لا
تنسجم مع التنديد من قبلُ بما
عبّرت عنه جمعة "صمتكم يقتلنا"..
تلتقي مضمونا مع ردود الاستبداد
القائم في سورية على تلك الجهات. 2-
التشكيك في مواقف تركيا
المتقدّمة على سواها، وهي -رغم
كثيرٍ من العوائق والإشكاليات
والتساؤلات- الدولة الأقرب إلى
أداء دور يمنع تدخلا أجنبيا
منفلتا على غرار ما كان في ليبيا.. 3-
تعليل هذا التشكيك هو القول عن
تركيا (في صيغة اتّهام!) إنّها
تسعى لقيام حكم في سورية قوامه
"حزب إسلامي" (لو كان حزبا
علمانيا.. لغابت صيغة الاتهام
وحلّت صيغة التكريم!).. 4-
الأهمّ من ذلك هو تحديد
الإقصائيين لمواقفهم هذه من
منظور رؤيتهم الإقصائية
الذاتية للآخر "الإسلامي"..
وليس من منظور الثورة الشامل
ومصلحة سورية العليا، ومتطلبات
المرحلة الآنية بصورة مباشرة!.. 5-
إنكار حق الإسلاميين في الوجود
السياسي الآن وفي أي وقت، في
سورية الثورة وفي سورية ما بعد
الثورة.. هكذا بأسلوب "قائد
الدولة والمجتمع".. وعلى
الأقلّ بأسلوبٍ "تشكيكي"
كالقول مثلا بضرورة أن يقدّم
الإسلاميون (أو المعارضون
الدينيون!.. حسب آخر المصطلحات
المبتكرة) الدليل المسبق على
"مصداقية ديمقراطيتهم"!..
والواقع هو أنّ هذا الموقف
الإقصائي دليل مباشر على انعدام
"مصداقية الديمقراطية" لدى
من يمارسه!.. من هنا
وجب السؤال: أي مصلحة تكمن وراء
هذه الحملات.. الآن؟.. ومن هنا
وجب الجواب أيضا: إنّها حملات
تخدم رؤى أصحابها الذاتية
الإقصائية فقط، ولا تخدم الثورة
بواقعها وما يمكن أن تصنعه في
مستقبل سورية. المطلوب..
تجاه "الآخر" دوليا تشهد
المرحلة الراهنة ما يشبه "السباق"
على إيجاد منطلقٍ ما لمرحلة
انتقالية قريبة، وتسعى جهات
عديدة لرسم معالمها، ولن تستقر
الحصيلة في الاتجاه الصحيح حتّى
تحتضنها الثورة احتضانا واضحا
للعيان، تؤكّده القوى
الميدانية، بحيث يظهر للقاصي
والداني أنّ هذا ما يمثل ثورة
شعب سورية تحديدا. ويوجد
الكثير المطلوب طرحه بصدد
التعامل مع الآخر الخارجي،
إنّما يقتصر الحديث هنا على
نقطتين أصبحتا ملحّتين حاليا: 1-
يؤكّد الثوار رفضَ التدخل
الخارجي العسكري.. ويطالبون
بأداء الواجب المفروض إقليميا
ودوليا، أي: تصعيد التنديد
بالاستبداد القمعي الفاسد
وممارساته، وتصعيد الضغوط
بمختلف أشكالها، دون الوصول إلى
مستوى التدخل العسكري.. لا
ينبغي هنا لأي طرف من المعارضين
والناشطين في أي مكان، أن يغفل
عن الفارق الدقيق بين هذا وذاك،
وهو ما لا يغفل عنه شعب الثوار
أثناء تقديم ما يقدّم من تضحيات
جسام في أشد الظروف صعوبة. 2-
ينبغي التلاقي على أرضية مشتركة
شاملة للجميع في التعامل مع
تركيا تعاملا محفّزا وناقدا،
ولكن لا يستثير انحيازها لطرف
دون آخر، وقد فتحت أبوابها
لاستقبال الجميع، على اختلاف
توجّهاتهم وانتماءاتهم، ولا
يكاد يوجد سواها في الساحة
الإقليمية والدولية من القوى
الرسمية الأخرى مَن يمكن أن
يلعب دورا إيجابيا للتأثير في
اتجاه تحقيق أهداف الثورة
الشعبية، وترك مستقبل ما بعد
الثورة لإرادة الشعب المتحرّرة.
المطلوب..
تجاه "الآخر" وطنيا أهمّ
ما تفرضه المرحلة الراهنة في
التعامل مع "الآخر" في نطاق
الذات الوطنية المشتركة هو: 1-
سورية هي جميع السوريين ليست
سورية أو ليس الانتساب إلى
الوطن مجرّد انتماء، بل ممارسة
مقتضيات هذا الانتماء أيضا،
فيستحيل إلغاء فعالية وجود "الآخر"
في صناعة مستقبل سورية، ناهيك
أن يبدأ العمل لذلك "استباقيا"
قبل تحقيق الهدف الأول: إسقاط
النظام الاستبدادي القمعي
الفاسد جملة وتفصيلا.. 2-
الشعب سيد نفسه إنّ
إرادة الشعب المتحررة، وحدها،
هي التي تقرّر الموازين
والمعايير التي تقوم عليها
سورية المستقبل، بدءا بمرجعية
الحكم والحياة فيها، انتهاء
باختيار من يخدم الشعب وإرادته
عبر السلطة.. 3- سدّ
مداخل الاستبداد واجب كإسقاط
الاستبداد لا
ينشأ الاستبداد في الأعمّ
الأغلب دفعة واحدة بل تدريجيا،
فمع إسقاط ما وصل إليه
الاستبداد الفاسد خلال بضعة
عقود، لا بدّ من منع بذر بذور
استبدادٍ وريث. إنّ من
يتجاوز شمولية الإرادة الشعبية
أو يحاول تحييدها وإقصاء
مفعولها في قضايا أساسية كتثبيت
المرجعية للدولة والمجتمع،
بأيّ ذريعة، إنّما يعني ذلك
محاولة تثبيت إرادته هو
وتصوراته هو، كي "يقود هو
الدولة والمجتمع"، ولا يمكن
تمييزه -سلوكيا- عمّا صنعه الحكم
الاستبدادي الفاسد منذ اللحظة
الأولى لتسلّطه، فهو الذي بدأ
وجوده بممارسة الإقصاء (للإسلاميين
وسواهم) وأوصل عبر تصوّراته هذه
إلى الأوضاع التي ثار عليها شعب
سورية. 4-
التعددية المستقرة لتعددية
من ضمانات أن تكون حقوق الأفراد
وحقوق الأقليات مكفولة فلا
تتعرّض للانتهاك بقرارات
الغالبية، إنّما لا تستقر
التعددية أيضا دون تثبيت حقوق
الغالبية وعدم الانتقاص منها. 5-
توحيد المعارضة يناقض التعددية ليس
مطلوباً ولا ممكناً من أجل "سورية
التعددية" توحيدُ المعارضة
الآن على طرح واحد مشترك يحدّد
مستقبل سورية ما بعد الثورة،
فهذا ما تصنعه إرادة الشعب
المتحررة، ولكن المطلوب
والممكن، التواصل للتلاقي على
طرح مشترك، يثبّت قواعد التعامل
بين أطياف المعارضة، بما يحقّق
ما تفرضه الثورة الشعبية عليها
وليس العكس. 6-
سورية وانتماؤها الأكبر الانتماء
إلى سورية انتماء وطني يشمل
مكوّناتها، والانتماء إلى
الوطن العربي انتماء قومي يشمل
مكوّناته، والانتماء إلى
العالم الإسلامي انتماء ديني
يشمل مكوّناته، ولا يستقرّ
الانتماء الحضاري لسورية،
المتشكّل عبر ذلك كلّه، من خلال
أي طرح أو نهج يحدّ من هذه
الانتماءات أو بعضها، أو يوهم
بوجود تناقضات بينها. . . . أثبت
شعب سورية البطولي بثورته أنّه
في القمة من الوعي بأبجديات
ثورته، ولن يمكن لأحد الالتفاف
عليها، ويجب أن يعلم الإقصائيون
الذين لم ينجحوا من قبل في تحقيق
التغيير، أنّ الثورة تمنّ عليهم
بإعطائهم الآن فرصة جديدة،
مقيّدة بالثورة.. وبأبجديات
الثورة، فإن خرجوا عنها ضيّعوا
الفرصة على أنفسهم، ويستحيل أن
تكون لهم هم صلاحية فرض قيود
وإملاءات على الثورة
وأبجدياتها، أو على "الآخر"
في التعددية التي تفرضها. هذا
سلوك ينتسب إلى "القيود
والإملاءات" الاستبدادية
التي أسقطتها الثورة، وأسقطت
معها من فرضها من قبلُ وقد كان
"أقوى من هؤلاء شأنا وعتادا
وتسلّطا"!.. لا بدّ
إذن في هذه المرحلة الحاسمة من
تأكيد "أبجديات" أخرى لقوى
المعارضين والناشطين، وعلى وجه
التحديد في نطاق ما هو معروف
حاليا بصدد العلاقات بين قوى
إسلامية وعلمانية، على ضوء ما
سبق ذكره: 1-
العلمانيون يتحرّكون علنا تحت
راياتهم العلمانية المتعددة،
وبمسمياتهم الصريحة المعروفة،
وهذا ما لا ينبغي لأحد أن يشكّك
في حقهم فيه.. ما دام في حدود
امتناعهم عن إقصاء سواهم أو
إنكار وجوده وحقوقه. 2-
الإسلاميون المتردّدون يجب أن
يتحركوا علنا تحت راياتهم
الإسلامية، بمسمّياتهم الصريحة
المعروفة، وهذا ما لا ينبغي
لأحد أن يشكّك في حقهم فيه.. ما
دام في حدود امتناعهم عن إقصاء
سواهم أو إنكار وجوده وحقوقه. 3-
الشعب الثائر قادر على رصد من
يمارس الإقصاء من هؤلاء وهؤلاء
على السواء.. وهو سيّد قراره،
فكل طرح "إملائي" مسبق من
جانب جهة معارضة أو ناشطة، حول
مرجعية مستقبل سورية ما بعد
الثورة ونهج الحياة والحكم
فيها، طرح مرفوض، ولكل فريق أن
يطرح -دون إملاء- ما يراه، بل
ينبغي أن يطرح، بكل وضوح ما
يراه، وفق ما يريد، شريطة
الاستعداد المطلق أن يخضع لما
تقرّره الإرادة الشعبية
المتحررة. 4- كل
طرح من جانب طرف معارض أو ناشط،
ينطوي على التشكيك بالآخر، هو
المسؤول عن تفتيت جهود المعارضة
التقليدية، والمسؤول عن شَغلها
بما لا ينبغي أن تشتغل فيه، لا
سيما في المرحلة الحاسمة
الراهنة من مسار الثورة، وهو
مصدر إساءة للثورة، سواء سبّبت
استفزازاته ردودا عليه أم لم
تسبّب. الإقصائيون
يقصون أنفسهم لقد
ثبّتت الشهور الماضية أمورا
أساسية هي المنطلق لسواها، منها: 1- لا
وصاية على ثورة شعب سورية!.. 2- لا
إقصاء باسم شعب سورية وثورته!.. 3- لا
مكان لمن يخرج على التعدّدية
الشاملة!.. 4-
الاستقواء بالأجنبي مرفوض
بمختلف أشكاله!.. وأخطر
أشكال ممارسات الإقصاء ما يقترن
منها بالاستقواء بالأجنبي،
وغالب ما يقع من ذلك ما ينطلق من
خلفيّة تقاربٍ في "أيديولوجية
علمانية" يغفل تناقضا أهمّ
وأكبرر على صعيد "الهيمنة
الإمبريالية"!.. لن
يعلّم المعارضون والناشطون
الثورة وإن أفادوها، ولكن يمكن
القول إنّ كل من يحرص على ألاّ
يفوته أوان اللحاق بالثورة
وبمستقبل الثورة، أن يتعلّم
الكثير من جيل الثورة، وأطفال
الثورة، وأبطال الثورة، وصانعي
الثورة، وأطروحات الثورة: 1- هذه
ثورة شعبية.. وليست ثورة أي فئة
من الفئات، لا سيما من المعارضة
التقليدية تخصيصا. 2- هذه
ثورة شاملة.. وليس فيها ولا في
مستقبل سورية مكان لمن يمارس
الإقصاء لسواه مسبقا أو لاحقا. 3- هذه
ثورة تغيير جذري.. ولن يفلح من
يعملون على حلول وسطية بينهم هم
وبين من قرّرت الثورة زواله. 4- هذه
ثورة تحرير الإرادة.. ولا وصاية
لأحد على الإرادة الشعبية وما
تختار من مرجعية ومناهج تطبيقية. 5- هذه
ثورة سوريّة.. ولن تنحرف
بحصيلتها عن انتماءات سورية،
التاريخية والحضارية، العربية
والإسلامية. 6- هذه
ثورة الكرامة والحرية والعدالة
والحقوق الأصيلة على كل صعيد
سياسي وغير سياسي.. فلا مكان
لأطروحات تخصّ بهذه القيم
الكبرى، اتجاها دون اتجاه،
وتصوّرا دون تصوّر، وفئة دون
فئة، وطائفة دون طائفة، ونهجا
سياسيا دون نهج. هذا ما
يقوله كاتب هذه السطور من
منطلقه الإسلامي، القادر على
استيعاب الآخر، بقدر ما يتخلّى
الآخر عن نهجه الإقصائي
للإسلاميين.. أو لأي اتجاه من
الاتجاهات الموجودة في الساحة
السورية. =========================== حسين
شبكشي ككرة
الثلج التي تتدحرج من قمة جبل
فيزداد حجمها وتزداد سرعتها
قوة، هي كذلك ردود الفعل
المتزايدة والمتصاعدة في
وتيرتها تجاه الثورة السورية.
وكان بيان خادم الحرمين
الشريفين الملك عبد الله بن عبد
العزيز، الذي وصف بالتاريخي،
والموجه لسوريا شعبا وحكومة،
إضافة مهمة ومفصلية في هذا
الطريق. فالسعودية أول دولة
عربية إسلامية تأخذ موقفا واضحا
ورافضا لما يحدث في سوريا من قتل
وإبادة، وبينت بوضوح موقفها
العروبي والإسلامي من الأحداث،
وسحبت سفيرها من دمشق، وكانت
مواقف أخرى مهمة ولافتة انطلقت
من أماكن عدة حول العالم،
جميعها تصب في صالح حماية
الثورة السورية، ورفض النهج
الهمجي الذي اتبعه نظام بشار
الأسد بحق شعبه، والإبادة
الموتورة التي تتم من مدينة إلى
أخرى بشكل مسعور. فها هي تركيا
مجددا توجه تحذيرا شديد اللهجة،
وتفيد بأنها سترسل مندوبا عنها
لدمشق بلهجة حازمة لا تقبل
المساومة لكي توقف الحكومة
السورية مجازرها بحق شعبها.
وروسيا، أهم داعم دولي لنظام
الأسد، تتنصل من دعمه وتحذره من
مستقبل مأساوي ينتظره.
والفاتيكان الذي نادرا ما يتدخل
في مسائل سياسية، هاله مشاهد
الموت والقتل، فأصدر تعليقا
مقتضبا يؤكد على أهمية تلبية
مطالب الثوار السلمية في سوريا.
والاتحاد الأوروبي يزيد من
عقوباته واستنكاره وشجبه،
وكذلك الأمر في واشنطن العاصمة
الأميركية، مع عدم إغفال
التصاريح المستنكرة من مجلس
التعاون الخليجي وجامعة الدول
العربية. رحيل
النظام يتحول بالتدريج إلى مطلب
عالمي بامتياز، الكل حاول أن
يتعامل مع نظام الأسد على أنه
نظام طبيعي لديه القدرة على
الإصلاح واحترام حقوق الإنسان
وتلبية الحريات، إلا أنه كان
يزداد قمعا ووحشية مع كل وعد
بالإصلاح والتحسن. من المتوقع
أن تصدر قرارات قوية جديدة تسحب
فيها الدول سفراءها، وقد تعلق
جامعة الدول العربية عضوية
سوريا فيها، وكذلك منظمة
التعاون الإسلامي، وأيضا ستطال
العقوبات الاقتصادية مجالي
النفط والغاز في سوريا لتخنق
النظام أكثر حتى لا يستمر في
صرفه على آلته العسكرية
المجنونة التي تبيد شعبه. انشقاقات
الجيش مستمرة في سوريا، وهي
تواجه بالقتل الفوري إذا ما تم
التقاطهم قبل هروبهم، ولكن من
هرب تمكن من الانضمام إلى أحد
جيشين مستقلين تم تشكيلهما؛
الأول باسم «الضباط الأحرار»
والثاني باسم «جيش سوريا الحر»
وقوام الجيشين يقدر حتى هذه
اللحظة بأكثر من أربعة آلاف
جندي. تحرير سوريا من نظام الأسد
مسألة وقت، فالجيش غير المستعد
للمواجهات تم إجهاده بالقتال في
المدن ليلا ونهارا ومن مدينة
إلى أخرى، وهو يدك بالصواريخ،
ويقذف بالمدافع على بيوت عزل،
وهنا تحدث الصدمة فينشق
الشرفاء، لأن ما يتم تجهيزهم به
هو أنهم ذاهبون لمواجهة عصابات
مندسة ومسلحة من الخارج، وطبعا
يكتشفون غير ذلك. دمشق ستكون
التحدي الأكبر لسقوط النظام،
فالمدينة مليئة بالأقبية داخل
الأحياء المهمة والمباني
الاستراتيجية، وهذه الأقبية
فيها عناصر من المخابرات تتحرك
وقت «الطوارئ»، وكذلك دمشق
محاطة بمناطق «عشوائية»،
ولكنها عشوائية مدروسة، حيث تم
اختيار نوعية الناس الذين
يقطنونها، وتم تحصين مبانيهم
المطلة على دمشق من الجبل
بصواريخ وذخيرة لقصف المدينة،
وهذه المعلومات صرح بها سابقا
وعلنا رفعت الأسد في محاضرة له
بجامعة دمشق حينما سئل ماذا
ستفعل لو هوجمت دمشق، أو تعرض
الرئيس حافظ الأسد لاعتداء؟
فأجاب: «سأجعل الناس تنسى أنه
كان هناك مدينة تسمى دمشق!». هذه هي
عقلية النظام الحاكم لا جواب
لديه سوى القتل، لأنه على قناعة
بأن سوريا هي ملك مشاع لعائلة
الأسد، ولم تأت التسمية: سوريا
الأسد من فراغ، ولا من فرط محبة،
بل من قناعة وتأليه للحاكم.
ولكنه رمضان، وما أدراك ما
رمضان! شهر الفتوحات والبركات
والنفحات الربانية، الأحداث
تتحرك بشكل أشبه بالخيال،
والزلزال يدك في كافة قطاعات
النظام، ولم يتبق على شكله
الظاهري سوى أسابيع، النظام
أنهى نفسه عندما أهان شعبه، ولم
يعد الشعار الأقوى «الشعب يريد
إسقاط النظام» وحده صالحا،
ولكنه تحول إلى «العالم يريد
إسقاط النظام». ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |