ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
جرير
خلف (كان
يرسم بعضا من وجعه ومن إحباطنا
ويضع النقاط تحت الحروف لا
فوقها لكي نرتفع قليلا فقليلا
فنرفعها..، لم يشهر سلاحا يوما
ولم ينطق بما يملكه أو بما يهواه
أو يكتب بالدم ما لا يخشاه.. كان
يرسم فقط علي فرزات.. في
البداية حطموا فكيه فلم ينطق
شيئا كانت ابتسامته تعلن بأن
انتماءه لا يباع ولا يسرق ولا
ينتزع، واتجهت حينها زنودهم الى
كفيه تفتش عن سر الكرامة التي
فقدوها على أقدام (العائلة) فلم
يفهموا معنى الكرامة..، لم
يستطيعوا أن يسرقوا بضعا من شرف
من أصابعه فكسروها وأعلنوا بأن
معه هذه البداية فقط .. هؤلاء هم
الشبيحة..) اشتعلت
سوريا بالكرامة وانطلق المارد
السوري نحو المجد بلا عودة، هي
بلاد الشام التي ما عرفت الصمت
مع الظلم ولم تدمن الذل رغم
البعد الزمني الطويل ربما في
استراحة المحارب، صمتت عاصمة
الأمويين لعقود على سارقي
تاريخها وكظمت الغيظ على قطاع
الطرق المارقين ردحا من الزمن
انتظارا لسقوط ريش الحرام عن
جلودهم وانقلاعهم من عتبات
الوطن. ينقسم
الوطن في سوريا إلى ثلاثة أقسام
تتناوب الصراخ فيما بينها حسب
الحاجة وحسب الحالة، فالقسم
الأول وهو الهوامير (العائلة)
والتي تتمثل في الرئيس وإخوانه
وأخواله وأعمامه من الدرجة
الأولى.. يمارسون الصراخ على
الشعب وعلى العالم منذ أربعين
عاما حتى آمن بهم نصف العالم
بأنهم نظام له فضائله وله
مبررات بقاءه حاميا لكل
المشاريع الدخيلة على الوطن..،
والقسم الثاني الشعب التائب الى
ربه من عبادة الهوامير
الإلزامية في مقررات الحياة في
سوريا والذين يمارسون الصراخ
بالحد الأقصى قهرا من زمهرير
العائلة الأسود الذي طال تأبطه
للوطن، والقسم الثالث هم توابع
العائلة وخدمها وعبيدها
وجواريها المؤمنين بفضائل
الرئيس وظلاله المقدسة والذين
يلقبون (بالشبّيحة) ومعلمي
الشبّيحة والتي ترى على رؤوس (العائلة)
هالات مقدسة ( سبحان الله) تسقط
ماء الحياة لعصاباتهم التي وضعت
نصب أعينها تسيّد البشر والشجر
فبدأت الصراخ والعواء بأن كل
شيء مباح لخدمة الشيطان.. الجميع
يدرك ويرى (مزارع) الشبّيحة.. تلك
المنظومة العصبوية التي لها
قواتها ونقاط اتصالها مع
الأجهزة الأمنية ورؤوس العائلة
التي تحركها، ففي العقود
الأربعة السابقة السوداء من
تاريخ سوريا عاثت غربان
القرداحة فسادا وأجراما
واستحضرت حالة (تيمورلنك) في
شوارع الوطن فعملت على تصنيع
حالة القطيع الشعبي الذي يدر
الحليب والتبجيل للرئيس
وعائلته وحمت هذه الغربان نفسها
بشبّيحة من لدن العائلة
وشبيهاتها من عائلات عاشت على
الهامش دوما بإرادتها
واختيارها لأسهل طرق ( الشعبطة)
والتشليط للحضارة والمنطق. في
سوريا لم تكن هناك دولة في
الأربعة عقود الماضية بل هناك
كانت مافيا تملكها عائلة،
وأصحاب المشروع كانوا يجيّرون
الأحداث بتلوينها حسب مرئياتهم
وإعادة تشكيل عناوينها حسب
أدبياتهم لإدامة الحكم ضمن
المنظومة العائلية التي التحمت
عضويا في كل مراكز القرار
والقوة والاقتصاد ، وأذابت كل
القيم لخدمة (العائلة) بشكل
مصالحي خالص عبر مقاولين فرعيين
يتولون السيطرة على الوطن
والمواطن. ففي
سوريا يبدأ الورم الخبيث من رأس
الهرم وينتهي عند (شبّيحة) لا
يرون في غير القائد ربا. في
شمال سوريا يتحدث الناس عن
امرأة من (العائلة) اسمها (أم
أنور) لها جيشها الخاص ومرافقين
وأجهزة أمنية وإدارة مالية
فتسطو على الأراضي وتبيعها في
اليوم التالي لأصحابها
الأصليين (بالخاوة) وكل ذلك كان
يتم بواسطة عتاة من أبناء
المناطق الغربية الشمالية
والذين ينحدرون من قرية الرئيس
والقرى المجاورة وجدوا في خدمة
السادة في النظام كعبيد
ومرافقين وشبّيحة اقرب مهنة
لقلوبهم السوداء وعقولهم
الفارغة. في قرى
الشمال هناك مجموعات من العتاة
استوطنت مناطق الحدود لتعمل
بالتهريب من تركيا ولبنان
ويقودهم واحد من (العائلة) واسمه
فواز.. لهم سياراتهم ذات الدفع
الرباعي ولهم أسلحتهم ولهم طرق
خاصة لهم ولهم قوانينهم في
تهريب المخدرات والمعدات
والأسلحة وبيعها على عصابات
الوطن. في
دمشق هناك أبناء اصف شوكت
وشركاتهم ومرافقيهم والتي
يديرونها بالقوانين الموضوعة
من خلالهم وحسب الحالة والويل
للمارين على عتبات هذه الشركات
المشبوهة والتي يحرسها
المرافقون من الشبيحة بأسلحة
تصل الى الثقيلة أحيانا. وهناك
أبناء علي دوبا وعبيدهم
وجواريهم ومرافقيهم وهناك
أبناء مخلوف وهناك أبناء دعبول
وهناك أبناء..الخ، هم أبناء
للآباء الذين عاصرو (حافظ)
كمقاولي تشبّيح في عهده الأسود
أيضا.. فأكملوا مهمة الآباء كما
أكمل بشار المهمة. وهناك
الزئبقيون من منتسبي فروع الحزب
في الجامعات والدوائر الحكومية
والتكايا الصفراء المنتشرة في
كل المناطق لكي تفرز مشاريع
إجرام ترى في خدمتها لشخوص
العائلة الطريق الأقصر نحو
المال والنفوذ واختصار الزمن
لتشكيل المستقبل الفردي الضائع
بين أقدام النظام. هؤلاء
هم الشبيحة مجرد عبيد وزئبقيون
وعتاة المجرمين الذين ساق لهم
النظام طرقا مباحة في سحق الشعب
لكي يسلكوها وأسلحة من دم الشعب
لكي يستعبدوه.. هم باختصار حراس
بوابات العائلة الذين اختصروا
سوريا الحضارة والمستقبل بشخوص
ولاة نعمتهم الحرام وسادتهم
وختموا بالرصاص والحديد
المصهور على قلوب شعبها بأن
أصنام القرداحة باقون خازوقا في
الوطن للأبد... لقد آن
الأوان لكي نتقي الله في شعبنا
السوري فننصفه بأكثر من الدعاء
أو التصريحات الالتفافية
الخجولة كما نتوقع من الجامعة
العربية التي ستعقد غدا السبت
لبحث المشكلة السورية. ====================== الشيخ
خالد مهنا رئيس
الدائرة الإعلامية في الحركة
الإسلامية...الداخل الفلسطيني أيام
الله مضت
، صفحات طُويت ، حسنات قيدت ،
صحائف رُفعت ، وها قد حان وقت
الرحيل .ان هي الا أيام وتنقضي
ساعاته..وما أشبه الليلة
بالبارحة ، فقد كنا في شوق
للقائه ، نتحرى رؤية هلاله ،
ونتلقى التهاني بمقدمه ، وها
نحن في آخر ساعاته ، نتهيأ
لوداعه ، وهذه سنة الله في خلقه
، أيام تنقضي ، وأعوام تنتهي ،
إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
وهو خير الوارثين . فمن
المقبول منا فنهنئه ، و من
المحروم منا فنعزيه ، أيها
المقبول هنيئاً لك ، أيها
المردود جبر الله مصيبتك . وحكاية
اليوم حكاية عجيبة: إنها حكاية
امرأة اتخذت مِغزلا قدر ذراعٍ،
وصنارة مثلَ أصبع، وفلكة عظيمة
على قدرها، فكانت تغزِل الصوف
هي والعاملات معها من الصباح
إلى المساء، حتى صنعن شيئا
عظيما، وبعد أن أتممنه ونسجنه
وأحسنه؛ إذا بها تأمر العاملات
فينقُضْن ما غزَلْن، وتمسك
الفتلة الأساسية تشدها فَتَكر
كلَّ الذي عملتْه طوالَ النهار،
فيعود مرةً أخرى خيطاً كما كان،
وفي اليوم الثاني ظلت تعمل هي
ومن معها من الصباح إلى المساء،
وفي آخر النهار تسحب الفتلة مرة
أخرى، فيعود خيطا كما كان،
وهكذا كانت تعمل معهن كل يوم،
فكل الذي يعملنه طول النهار
يضيعنه في لحظة حين ينقضن هذا
الغزل. ما
رأيكم في هذا التصرف؟ هل هذه
المرأة عاقلة؟ لو أن أحد مِنا
مكانها هل كان سيعمل هكذا
مثلها؟ يجلس طوال النهار يعمل
وفي آخر النهار يضيع عمله في
لحظة؟ في الحقيقة، إن كثيراً من
العقلاء يعملون هذا وهم لا
يشعرون. نصوم
رمضان، ونقوم ليله، ونتعب فيه،
ثم يأتي العيد فننسى أننا كنا في
رمضان، ونضيع ما أتعبنا فيه
أنفسنا، ونضيع صياماً طويلاً
وقياماً طويلاً وعملاً
متواصلاً. اجتهاد عظيم في
رمضان، ثم تفاجأ في أول شوال أن
الذي كان يصلي الفجر لم يعد يصلي
الفجر، والذي كان يصلي العشاء
في جماعة لم يعد يحافظ على
الجماعة، والذي كان محافظا على
لسانه بدأ يطلق لسانه بما لا
يليق. هل غاب
رب رمضان مع غياب رمضان؟ نحن
للأسف نقع في هذا الخطأ كثيراً،
حينما نعبد الله سبحانه وتعالى
في رمضان ثم نهمل هذه العبادة
بعد رمضان، وقد نبهنا الله عز
وجل وحذرنا من هذا السلوك
الخاطئ، فقال سبحانه: (وَلَا
تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ
غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ
أَنْكَاثًا)). وأنكاثا: يعني
أنقاضاً جَمْعُ نِكْثٍ، وَهُوَ
الْغَزْلُ المَنْقُوضُ. يعني
لا تفعلوا مثل هذه المرأة،
فالإنسان الذي صام وجاع وعطش
ومنع نفسه من المباحات، وأتعب
نفسه غاية التعب، وقام الليل،
وقرأ القرآن، وفعل الخيرات،
وتصدق، وحفظ العين واللسان، ثم
يخرج من رمضان فيفسد كل ما كان
يعمله، وينهمك في المحرمات وترك
الطاعات، هو أشبه شيء بهذه التي
نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا. يجب أن
يكون لنا وقفةٌ في آخر الشهر
الكريم نعاهد الله فيها أن
نستمر على ما كنا عليه في رمضان،
فما الذي يمنعنا أن نحافظ على
الفجر وعلى صلاة الجماعة كما
نحافظ في رمضان؟ وما الذي
يمنعنا أن نحفظ ألسنتنا كما
حفظناها في رمضان؟ هل غاب رب
رمضان مع غياب رمضان؟ لقد جعل
الله رمضان فرصةً ليتعوَّد
الإنسان عادات الخير، يتعوَّد
الذي لا يصلي الفجر أن يصلي
الفجر ويعتاد عليه، ويتعوَّد
الذي لا يصلي في جماعة أن يصلي
في جماعة، ويعتاد عليها،
ويتعوَّد الذي لا يتطوَّع ولا
يقوم الليل أن يقوم الليل،
فيقوم بعد رمضان ويصلي ليلة بعد
ليلة في جوف الليل لظلمة
القبور، ويتعوَّد الإنسان على
حفظ اللسان فيخرج من رمضان
محافظاً على لسانه، وهكذا. فهذه
هي ثمرة الصوم الحقيقة. *ولهذا
دعا النبي صلي الله عليه وسلم
إلى الدوام على ما اعتاد المرء
من الخير من غير تفريط، فأخرج
البخاري عن عبد الله بن عمرو بن
العاص رضي الله عنه قَالَ: قَالَ
لِي رَسُولُ اللهِ صلي الله
عليه وسلم: «يَا عَبْدَ اللهِ،
لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ،
كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ
فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ» *وكان
صلي الله عليه وسلم يداوم على
أعمال الخير، ويدعو إلى
المداومة عليها، فأخرج البخاري
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها
قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلي
الله عليه وسلم: أَيُّ
الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى
اللهِ؟ قَالَ: «أَدْوَمُهَا
وَإِنْ قَلَّ» ثمرة
رمضان الحقيقة تظهر بعد رمضان،
فمن استمرَّ على أخلاق رمضان
وعلى عبادات رمضان وعلى طاعات
رمضان فهذا بالفعل قد أدى صياما
صحيحا مقبولا، والله تعالى يقول
) وأخرج الشيخان عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله
عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللهِ صلي الله عليه وسلم
يَقُولُ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا
فِى سَبِيلِ اللهِ بَاعَدَ
اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ
سَبْعِينَ خَرِيفًا»]. سبعين
سنة بينه وبين النار إذا صح
صيامه. الصيام
الذي يجعل العبد يباعد الله
وجهه عن النار سبعين خريفا هو
الصيام الذي يحقق في الدنيا
التقوى، ومن ثَمَّ يحقق النجاة
في الآخرة؛ لأنّ الصيام إما أنه
صحيح فأنتج أثراً نلمسه،
وبالتالي حين نلقي الله نطمئن
أنه سيعطي نفس الأثر وينجينا من
عذاب النار، وإما أنه لا يعطي
الأثر في الدنيا فلن يعطيه في
الآخرة، فالصيام الذي لا يحقق
لصاحبه التقوى لا يتوقع أن ينجي
صاحبه من عذاب الله رب العالمين.
نحن
أمام اختبار بعد رمضان، ينبغي
أن نكون فيه عقلاء لا ننقض ما
غزلنا، ولا نضيع ما بذلنا فيه
جهدنا، ولا ننكث بعهد الله الذي
عاهدناه. رمضانُ
لطفاً .. بالقلوب فقد سَمَتْ = و
استأنستْ بجلالِك استئناسا أتغيبُ
عن مهجٍ تجلّك بعدما = أحيا بك
الله الكريمُ أُناسا فلكلّ
نفسٍ في وداعك آهةٌ = و العين
تدمع والحشاشة تاسى اسمع
وداعك في نشيج مُشيّع ٍ = ولظى
فراقك يلهبُ الإحساسا قد
كنتَ غيثا للنفوس فأثمرتْ = برّا
و إشفاقاً .. و كنّ يباسا للتائبين
مدامعٌ رقراقةٌ = تـُحيي
الفؤادَ وتغسل الأرجاسا كم في
مقام الذلّ من تنهيدةٍ = تجلو
الصدأْ والرّان والأكداسا والنفسُ
ترتشفُ الضياءَ فتعتلي = وتكادُ
تسبحُ في الفضا استئناسا أنبتَّ
بالتقوى شِعَابَ قلوبنا = و
سقيتَ بالآي الكرام غراسا و
كسوتَ من حُلل الفضائل أنفسا =
فسعتْ إلى رب الملا أجناسا و رُبا
الأخوّة أينعت من مؤثرٍ = أو
منفقٍ لله .. أو مَن واسى نفحاتك
الغنّاء رفدُ سعادةٍ = تستنزلُ
الرحماتِ والإيناسا و
نسائمُ الأسحار تـَذهبُ بالضنى
= وتهدهد الوجدان مما قاسى و بكل
سانحةٍ مآثر سنّةٍ = من نور أحمد
أشرقت نبراسا وتجولُ
في رؤياك صحوةُ أمةٍ = رفعت
بأنوار العقيدة راسا و
تقلدت تاج الحضارة، وامتطت = ظهر
العلا المتمنع الميّاسا هذا هو
التاريخ يشهد فافتحوا = سفر
الحقيقة واقرءوا الكرّاسا وتمسّكوا
بسنا الرسالة وادحروا = دعوى
الدعيّ، وأخرسوا الأرجاسا ذودوا
عن الهادي.. وأحيوا أمّةً =
تتجرعُ الويلاتِ كاسا كاسا فمعاركُ
الأفكارُ أضرىُ شوكة ً = فقفوا
على ثغرِ الحجا حُرّاسا يا
شهرُ كم لي فيك من إشراقة = تطوي
الظلامَ وتستجيلُ الياسا ومعالمٍ
تبني الحياة هدىً، وفي = جنّاتِ
عدن ٍ تنشرُ الأعراسا سبحان
من أسداك جلباب التقى = و كفاك
زادا بالتقى ولباسا ومضى
هلال الصائمين فحَشْرَجَتْ =
ووقفتُ أجترعُ الأسى والباسا و مضى
الحبيبُ فهل لنا من ملتقى =
يُسلينِ.. أم تجني المنون غراسا وآها
لقلبي في غروبك بعد أنْ = ألِفَ
الطريقَ .. وعاشرَ الأكياسا أستودعُ
الله الكريمَ مآثرا = تعظ ُ
القلوبَ و تطرد الوسواسا و لسوف
تبقى ذكرياتـُك حيّة ً =
الواعظات ُ.. وإنْ بدينَ خِراسا.... ********* *كيف
لا تَجْري الدموعُ المخبتة على
فراقِ رمضان لا
أدري.. ااهنيكم
بقرب العيد المبارك ، أَمْ
أُعزيكم بفراق
شهرِ القُرآنِ والغفران فجَبَرَ
اللهُ مُصِيبَتَنا في رمضان . القلبُ
يمتلئ لوعة وحسرات
، والعينُ تُسطر بمدَادِها
لحنَ الخلود أاكتبُ
حالَ الرحيل ؟! أتقيِّدُ
مَوْقِفَ الوداع ؟! أَتَنْقشُ
ألَمَ الفراق ؟! أحقاً
انقضى رمضان ..! أَذَهبَ
ظمأ الصِّيامِ وانطفأَ نورُ
القيام ..! يا
وَلَهِي عليه .. أَذَهَبَ
رمضانُ وغابَ هلالُهُ ..؟ هل
قُوِّضتْ خِيامُه ..وتقطَّعتْ
أوتادُه .. ؟ أيُّ
حال للمؤمنِ والمؤمنةِ بَعْدَ
رَحِيْلِ رمضان ..؟ يا
راحلاً وجمـيلُ الصَّبْرِ
يَتْبعُهُ
هلْ مِنْ سَبيلٍ إلى
لُقْيَاكَ يَتَّفِقُ ما
أَنْصَفتْكَ دُمُوعِي وهي
دَامِيةٌ
ولا وَفَى لكَ
قَلْبي وهو يَحْتَرقُ مَنْ
الذي لا تؤلم نفسه لحظاتُ
الفراق ؟ من منا
لا تَجْرحُ مشاعرَهُ ساعاتُ
الغياب ؟ بالأمسِ
القريب ، بَارَك بعضُنا لبعْض
استقبالَ رمضان ، فَسُكِبَتْ
العبراتُ فرحاً واستبشاراً به ،
وطرِبَتْ القُلُوب ، وشُنِّفَت
الأسماع بصدى تراويحه . واليوم
.. له لونٌ غريبٌ من الدموع ! فانهملتْ
على الخدود .. وجادَتْ بأغلى ما
لديها .. يا
عيوناً أرسلتْ أدْمُعَها
ما بِذا بأسٌ لو أَرْسَلْتِ
الدّمَا رمضان
وأيُّ شهر كان
..؟ رمضانُ
.. شاهدٌ لنا أو علينا مما
أَوْدَعْنَاهُ من الأعمال .. فَمْن
أودعه صالحاً فلْيَحمدِ الله ،
وليُبْشِرْ بحسن الثواب ،
واللهُ لا يُضيعُ أجرَ مَنْ
أحسنَ عملاً . ومَنْ
أَوْدَعَهُ سَيِّئاً
فليَسْكُبِ الدَّمعَ الغزير ،
وليأتِ ما بقي من القليل . فكم من
جاء بالقليل وتُوِّجَ بالقَبول
! وكمْ منْ جاء بالكثيرِ
فَمُنِيَ بالحرمان . غداً
تـوفَّى النفوسُ ما كسبت
ويحصدُ الزارعونَ ما زرعوا إنْ
أَحْسَنوا فقد أَحْسَنوا
لأنفُسِهِم
وإنْ أساؤُوا فبِئْسَ ما
صنعوا أيُّ
شهرٍ كان رمضان ..؟ شهرٌ
عظَّمه اللهُ وكرَّمه ، فشرّف
صُوَّامه وقوامه ، منحهم
من الأجورِ ما ليس لغيرِهِ
من الشُّهُور ، فجعل أجرَ
صائميه متجاوزاً العشرةَ أضعاف
، بلْ والسبعمئةِ ضعف مما لا
يُحدُّ ولا يُعدّ ، كلُّ ذلك
لأنَّ الصيامَ له وهو سبحانه
الذي يَجزي به ، وكفى بهذا
شَرَفاً وفَخْراً للمؤمن....
أيُّ شهرٍ كان رمضان ..؟ وهو
مِضْمَارٌ واسعٌ للتَّنافُسِ
في الخيراتِ ، تَنَوَّعتْ فيه
الطَّاعات ، فيه سِرٌّ بين
الطَّائِعينَ وبينَ رَبِهِم في
أيَّامِهِ المعدودات ،
والمُحِبُّونَ يَغارُونَ من
اطَّلاعِ الأَغْيَارِ على
الأَسْرَار . لا
تُذِعِ السِّرَّ المصونَ
فإنَّني
أغارُ على ذِكْرِ
الأحبةِ مِنْ صَحْبِي أيُّ
شهرٍ كان رمضان ..؟ كان
موسماً لمضاعفة الأعمالِ
والغُفْران ، ومُنَبِّهاً لذوي
الغَفَلاتِ والنِّسْيَان ،
محفوفاً بفضيلةِ تلاوةِ القرآن
، حين فيوضات الجودِ والكَرمِ
من المنَّان . شهرُ
رمضان .. نهارُهُ
مصونٌ بالصيام ، وليلُهُ معمورٌ
بالقيام ، هبَّت فيه رياحُ
الأنسِ بالله ، وجَادَتْ
الأنفسُ بما عندها نحو الله . لكَ
الله يا شهراً أفاءتْ بِظِلِّهِ
قلوبٌ على حَقل الخطيئَاتِ
تُزهِرُ ألا
أيُّهذا الشهرُ أغدِق
فَضَائلاً على
كُلِّ مسْكينٍ على العَدمِ
يُفْطِرُ كيفَ
لا تَفيضُ دُموعُ المؤمنِ على
رَحيلِ رمضان ، ولا يَدري
أيدركُ تلكَ الفضائلَ والمزايا
مِنْ عَامٍِ ثَان ؟ كيف لا
تَجْري دموعُ المُخْبتةِ على
فراقِ رمضان ، ولا تَعْلم
أَحَظِيَتْ بالقَبولِ
والغُفْران ، أَمْ رُمِيَتْ
بالطَّردِ والحِرْمَان ؟ دَعِ
البكاءَ على الأطْـلالِ
والدَّارِ
واذكُرْ لمنْ بَانَ من
خِلٍّ ومِنْ جَارِ أَذْرِ
الدُّموعَ نحيباً
وابْكِ من أسفٍ
على فِـرَاقِ لَـيالٍ ذاتِ
أَنْـوارِ على
لَيالٍ لشهرِ الصَّومِ ما
جُعِلَتْ
إلا لِتَمْـحِيـصِ آثـامٍ
وأَوْزارِ يا
لائِمِي في البُكَا زِدْنِي به
كَلَـفَاً
واسمعْ غريبَ أحاديثٍ
وأَخْبارِ *
أَوْشَكْنا على التمام ، فكيف
وَداعُ المحبِّين ؟ أيُّ
شهر كان رمضان .. وفيه ليلةُ
القَدْر ؟ لك اللهُ يَا
رَمَضَان . يا
أيُّها الشهرُ الذي فِيكَ
أَشْهرٌ
ويا أيُّها الدَّهرُ الذي
فيك أَدْهُرُ رَحلَ
رمضانُ وانقضى ، فما حالُنا مع
هذا الرَّحيل ؟ ألا
نَأْتَسِي بِعِلْيَةِ القومِ
كيفَ يكونُ حالهم ؟ ألا
نَتفكَّرُ حالَ وداعِ
المحبِّين ؟ أَنَعْرفُ
كيف يُوَدِّعُ أبو بكرٍ ، وعمرُ
، وعثمانُ ، وطَلْحةُ ،
والزبيرُ ، وأبو عُبَيْدةَ
_ رضوان الله عليهم _ رمضان ؟ أَخَطرَ
في خُلْدِنا شَأْنُ الإمامِ
الأوزاعيِّ وصِلَةِ بن أَشْيَم
ورَابعةِ العَدويَّة والإمامِ
أحمد، وابنِ المبارك وشيخِ
الإسلام ابن تيميَّة رحمهم الله
_ في وَدَاعِهِم لرَمَضان.. أولئكَ
آبائِي فجئني بمثلِهُم
إذا جمعتْنا يا جريرُ
المجامعُ لقد
كان سلُفنا الصالح رحمه الله
خيرَ مثالٍ يُقْتدى به في حنينِ
الوداع ، ضَربُوا أروعَ
الأمثلةِ في ذلك ، سُطِّر عبيرُ
حياتهم في المصنفات ، وكُتِبَ
روعةُ حَنِيْنِهِمْ في
الكِتَابَات ، فانظرْ في
وَدَاعِهِم لشَهْرِهِم كيف
يكون ؟ فيا
لله .. ما أروعَ الخطبَ وما أجلّ
الموقفَ ! وما أحسنَ تلكَ الدموع
وهي تقفُ تُوَدِّعُ الضيفَ
الحبيبَ وقد سالتْ على الخدودِ !
وما أطربَ شجي الآهاتِ لوداعِهِ
! يالله
.. كمْ أناسٍ صَلُّوا في هذا
الشهر التراويح ، وأَوْقَدوا في
المساجدِ طََلَباً للأجر
المصابيح ، نَسَخَوا بإحسانِهم
كلَّ فعلٍ قبيح ، وقبلَ
التَّمام سَكَنَوا الضريح . وهانحنُ
اليومَ أَوْشَكْنا على التمام ،
فكيف وَداعُ المحبِّين ؟ وما
أمرُ المخْبِتِيْن ؟ تفيضُ
عيوني بالدُّمُوعِ
السَّواكِبِِ
وماليَ لا أَبْكِي
على خَيْرِ ذَاهبِ أتظن
أنلعيدَ تهنئة تسطر
في جريدة ؟! كيف
سيكونُ حالُنا ؟ وما مصيرُ
العمل ؟ ايقبل ام يرد ويطرح ؟ تَذكـرْتُ
أيـاماً مضتْ ولياليا
خَلَتْ فَجَرتْ من ذِكرهنَّ
دموعُ أَلا
هلْ لها يوماً من الدَّهر
عَوْدةٌ
وهلْ لي إلى وقتِ الوِصَال
رُجوعُ وهل
بعد إعراضِ الحبيبِ تَواصُلٌ
وهل لِبـدورٍ قد
أَفَلْـنَ طُلـوعُ) وفي
نهاية المطاف .. وقبل
أنْ تفرحَ بالعيد .. وتُهيئ
الملبسَ الجديد .. ارمُقْ
معي تلكَ البُنَيَّةَ اليتيمة
في بلاد المسلمين ، وهي
تَهْتِفُ بِتِلْكُم الكلمات
المكْلُومة نحو الهلال ، تشكو
له حالها . فهل
تفرحُ كما تفرحُ بُنَيَّاتُ
المسلمين بالحلْوى والثياب
الجديدة ؟ أنَّى
لها بالفرح ! فما لها إلَّا
الهلالُ لتَبُثََّ حُزْنَهَا
له فتناديهِ بقولها : غِبْ
يا هِلال .. قالوا
ستجلِبُ نحوَنا العيدَ السعيد ..
عيدٌ سعيد ؟! والأرضُ
ما زالت مبللةَ الثرى بدمِ
الشهيد .. والحربُ
ملَّت نفسَها وتقززتْ ممن تُبيد
! عيدٌ
سعيدٌ في قصور المترفين !! عيدٌ
شقيٌ في خيام الَّلاجئين !! هَرِمت
خُطانا يا هلال .. ومَدَى
السعادةِ لم يزلْ عنَّا بعيد ! غِبْ
يا هِلال .. لا
تأتِ بالعيدِ السعيدِ مع الأنين
؟ لا تأتِ بالعيدِ السعيدِ مع
الأنين ؟ أنا لا أريدُ العيدَ
مقطوعَ الوتين .. أتظنُّ
أنَّ العيدَ في حَلْوى وأثوابٍ
جديدة ؟! أتظنُّ
أنَّ العيدَ تهنئةٌ تُسطَّرُ في
جريدة ؟! غِبْ
يا هِلال .. واطلَع
علينا حين يبتسمُ الزمن ..
وتموتُ نيرانُ الفتن .. اطلَع
علينا حين يُورِقُ في ابتسامتنا
المساء .. ويذوبُ
في طرقاتنا ثلجُ الشتاء.. اطلَع
علينا بالشّذى .. بالعِزِّ ..
بالنصر المبين . اطلَع
علينا بالْتئامِ الشملِ بين
المسلمين .. هذا هو
العيد .. هذا
هو العيدُ السعيد .. وسواهُ
ليس لنا عيد !! غِبْ
يا هِلال .. حتى
نَرى راياتِ أمتِنَا تُرفرفُ في
شَمَمْ.. فهناك
عيد .. أيُّ عيد ؟ هناك ..
يبتسمُ الشقيُ مع السعيد ! غِبْ
يا هِلال.. وَيا شهر رَمَضانَ
تَرَفَّق ، دُمُوع المحبِّين
تَدَفَّق ، قُلُوبُهم من أَلَمِ
الفِراقِ تَشَقَّق
، عَسَى وَقفةٌ للودَاعِ
تطفئ من نار
الشوق ما أَحْرَق ، عَسَى ساعةَ
تَوبَةٍ وإقلاعٍ تَرْفُو مِنْ
الصيام كل ما تخرق
، عَسَى منقطعٌ عن ركب
المقبولين يَلْحق ، عَسَى أسيرُ
الأوزارِ يُطلَق ، عَسَى من
استوجبَ النار يُعْتَق ، عسى
رحمةُ المولى لها العاصي
يُوفَّق يا
نفسُ فازَ الصالحون بالتُّقَى وأبصرُوا
الحقَّ وقلبي قد عَمِي يا
حسنَهُمْ والَّليْلُ قـدْ
جنَّهُمْ
ونورُهُمْ
يَـفُوقُ نورَ الأنْجُمِ تَرنَّمـوا
بالـذِّكْر في ليْلِهِمُ
فعيشُهُم قـدْ طابَ
بالـتَّرنُّمِ قلوبُهم
للذِّكْر قدْ تفرَّغـت
دموعُهُم كَلُـؤْلُـؤٍ
مُنْتَظِـمِ أسحارهُم
بهم لهم قد أشرقَتْ وخِلَعُ
الغُـفْرانِ خَيرُ القِسَمِ ويْحَـك
يا نفسُ ألا تَيَقُّـظٌ
ينفعُ قبـل أنْ تَـزِلَّ
قـدمِي مَضَى
الزَّمانُ في توانٍ و هوىً
فاسْتَدْرِكي ما قدْ بَقي
واغْتَنِمِي اللهُمَّ
إنَّ هذا الشَّجنَ مما نفحَ به
الخاطرُ ، وزكّاهُ الضميرُ ،
وسالتْ به العبراتُ ، فهي
دمعاتُ مُحِبٍّ ، وحديثُ أُنْسٍ
، وصَدقةُ قائمٍ ، ومَشاعرُ
صائمٍ ، وشَهادةٌ تُؤدَّى يومَ
تُكْتبُ شهادتُهم ويسألون . لك
الله يا رمضان ، وقد تصرَّمت
لياليك . فعدْ
مثلما قد جِئتَ ضَيفاً مُكْرماً
تُعَمِّـرُ من
بُنْياننا ما تُعَمِّرُ لك
اللهُ يا رافداً مِنَ الله
للورى
وبحراً من الغفرانِ
لِلْخلْقِ يَغمُرُ فمثْلُكَ
شهرٌ لا تُوفَّى حُـقُوقُه
وعن مَدْحِه كلُّ
الأقاويلِ تقصُرُ ======================== أ.د.
عبد الرحمن البر أستاذ
الحديث وعلومه بجامعة الأزهر
وعضو مكتب الإرشاد بجماعة
الإخوان المسملين وعضو
الإتحاد العالمي لعلماء
المسلمين الحمد
لله الذي نعمه لا تحصى، وشكره لا
يؤدى، له الحمد كثيراً ، وله
الشكر بكرة وأصيلاً ، الله أكبر
الله أكبر الله أكبر.. الله أكبر
الله أكبر الله أكبر.. الله أكبر
الله أكبر الله أكبر. الله
أكبر ما تواضع كل شيء لعظمته،
الله أكبر ما ذلّ كل شيء لعزته،
الله أكبر ما خضعت الرقاب
لقدرته، الله أكبر ما سكن كل شيء
لهيبته، الله أكبر ما عنت
الوجوه لعظمته. الله أكبر خلق كل
شيء بقدر، أكبر ملك كل شيء وقهر.
الله أكبر مَا شَاءَ رَفَعَ
ومَا شَاءَ وَضَعَ، الله أكبر
مَا شَاءَ أَعْطَى وَمَا شَاءَ
مَنَعَ. الله أكبر كبيرا،
وسبحان الله بكرة وأصيلا. سبحان
من قهر بقوته القياصرة، وكسر
بعظمته الأكاسرة، وأذل بجبروته
الجبابرة والأباطرة، الذين
طغوا وبغوا
فأرداهم ظلمُهم في الحافرة. الْحَمد
لله الَّذِي هدَانَا
لِلْإِسْلَامِ وفضلنا بِهِ على
جَمِيع الْأَنَام، وأتم علينا
النعمة، وأكمل لنا العدة، فصمنا
رمضان، وخرجنا نكبر الله
ونشكره، وأشهد أن لا إله إلا
الله، ولي النعم كلها دون من
سواه، لا عصمة إلا لمن هداه، ولا
نجاة إلا لمن عصمه من اتباع
هواه، لا إله إلا هو له الملك
وله الحمد، يحيي ويميت وهو على
كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا
محمدا عبده ورسوله صاحب الحوض
المورود، واللواء المعقود،
والصراط الممدود، الذي أدبه
فأحسن تأديبَه، وزكى أوصافه
وأخلاقه ثم اتخذه صفيَّه
وحبيبَه، ووفق للاقتداء به من
أراد هدايته وتهذيبَه، ونسخ
بملته مللاً، وطوى بشريعته
أدياناً ونِحَلاً، اللهم صل
وسلم وبارك عليه وعلى آله
وأصحابه الذين سلكوا سبيل ربهم
ذللاً، ومن سلك سبيلهم واقتفى
آثارهم إلى يوم الدين. أما
بعد، أيها الأخوة الموحدون
الذين أتموا صيام رمضان وقيامه؛
فبشراكم توفيق الله إياكم
بإكمال عدة رمضان، وحق لكم
اليوم أن تأخذوا الجائزة ﴿يُرِيدُ
اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ
يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ
وَلِتُكْمِلُوا العِدَّةَ
وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى
مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ
تَشْكُرُونَ﴾ البقرة:185).
ولتهنؤوا أيها الموحدون بما
أنعم الله عليكم ﴿قُلْ
بِفَضْلِ اللَّهِ
وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ
فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ
مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس:
58] فلقد امتلأت المساجد في
رمضان، وكثرت صفوف المصلين في
العشاء والقيام وصلاة الفجر،
وفي هذا مؤشر قوي على أصالة
الإيمان في نفوس أمتنا، وتغلغله
في أعماق قلوبها، وامتزاجه
بدمائها ولحومها، وقد دفعت
الثورة المباركة هذا الشعور
الأصيل لأن يعلن عن نفسه حين
واتته الفرصة الطبيعية لتغذية
أشواقه الإيمانية بالعبادة،
دون خوف من مساءلة من السلطات
الظالمة، أو مراقبة من العيون
التي كانت تتربص به الدوائر،
ودون خشية من النظم الجائرة
التي كانت تطلق العنان لكل
مفسد، وتضيق الخناق على الشرفاء
الأطهار المصلحين، فالحمد لله
على نعمائه. رمضانُ
ولَّي والدمعُ
في الآماق
يا ليته دام دون فراق ما كان
أقصرَه على أُلَّافه
وأَحَبَّه في طاعة الخلَّاق شهرُ
العبادة والتلاوة والهدى شهرُ
الزكاة وطيب الأخلاق ها قد
مضى موسم إحياء الربانية
والوحدة الإيمانية والرابطة
الإسلامية، وموسم الصلوات
والجماعات والمساجد والمحاريب
، وموسم الإنفاق والصدقات،
وموسم طهارة القلوب وزكاة
النفوس وعفة الألسن وإغضاء
الأبصار وصون الأسماع وإخلاص
النوايا وإحسان الأقوال وإصلاح
الأعمال، ومن واجبنا أن نؤكد أن
هذا الإيمان الذي تجدد، وأعلن
عن نفسه، يجب أن يظل حياً في
نفوس الأمة، متقداً في قلبها،
يمنحها الزاد ويمدها بالقوة
التي تجعلها تواصل العمل الجاد
للإمساك بكل ما من شأنه أن يحقق
الرفعة والتقدم والازدهار
للأمة. وبدافع
من حبنا لديننا وقومنا ننادي
وبأعلى صوت أن تخمد هذه المعارك
الدامية غير الطبيعية، بين
الشعوب والجماهير المسلمة في
سوريا واليمن وغيرهما من جهة،
وبين الحكومات المستبدة في تلك
الدول من جهة أخرى، ولتعتبر هذه
الحكومات بما جرى للمستبدين في
تونس ومصر وليبيا، وليكن من
دروس الربيع العربي الراهن أن
الشعوب مصرة على أن تحافظ على
وجهتها الإسلامية، وتأبى إلا أن
تظل متمسكة بعقيدتها، وماضية في
سبيل تحقيق حريتها وكرامتها،
ولن تنجح الحكومات في الاستمرار
في هذا الاستبداد، أو في جر هذه
الشعوب المسلمة إلى الابتعاد عن
جادة الإسلام، كما أن عليها أن
تدرك أن هذه الجماهير المسلمة
تمتلك طاقات هائلة من الإيمان
والوطنية، لا يمكن لأحد
إخمادها، ولا مستقبل
لهؤلاءالحكام إلا أن يسيروا في
فلك شعوبهم، لتتوجه كل الطاقات
لطرد الغاصبين المحتلين،
واسترداد الأرض المغصوبة،
والحقوق المسلوبة، بل والوصول
إلى قيادة العالم والمشاركة في
صنع القرار العالمي، بدلا من
الارتماء على أعتاب أمريكا،
الذي لن يزيدهم إلا ذلة ومهانة،
أو التسكع على موائد المفاوضات
التي لم ولن ترد الحقوق
المسلوبة، بل على العكس تعمل
على أن تمكن للغاصب وتعطيه
شرعية، وتضغط على أصحاب الحق
للتنازل عن المقدسات، والتطبيع
مع المحتل، والوقوف إلى جانب
الصهاينة للقضاء على المقاومة
المشروعة ﴿ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ
تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ
إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ.
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ
وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ
آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ
رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ
بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى
صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ
اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا
تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا
نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً
فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ
فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ
إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى
شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ
فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ
لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران: 100 -
103]. لئن
عرف التاريخ أوسا وخزرجا
فلله أوسٌ قادمون وخزرجُ وإن
كنوز الغيب لتخفي طلائعا
صابرة رغم المكائد تخرج لا بد
أيها المسلمون -ونحن في موسم
عظيم من إظهار الفرح بطاعة الله
- أن نتذكر أمورا مهمة في هذه
المرحلة الفاصلة في تاريخ أمتنا:
أولها:
الاستمساك بديننا والاعتصام
به، فهماً لأصوله وتعلما
لشرائعه، وتمثلاً لأخلاقه،
وتحلياً بآدابه، وتطبيقا
لأحكامه وشرائعه، والتزاما
بأسسه وقواعده، وتوحدا على
عقائده ومبادئه، فهو عصمة أمرنا
وقطب الرحى في حياتنا، وهو غاية
ما لأجله خلقنا ربنا سبحانه
وتعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:
56]، فنجعل حياتنا كلها محراب
عبادة وطاعة لله ﴿قُلْ
إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي
إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا
كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي
وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ
أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ
الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام:
161 - 163]. إن تكبيرنا في العيد
إعلان لانتصار الدين على
الدنيا، والآخرة على الأولى في
نفوسنا, فالله أكبر من الدنيا
ولذائذها, والله أكبر من كيد
ومؤامرات الأعداء، لقد دخلنا
الأندلس لما كان نشيد طارق بن
زياد في عبور البحر (الله أكبر)
وبقينا فيها زماناً كانت الهمة
تغلب الشهوة, حتى ذكر أهل السير
أنه لما قُدِّم لعبد الرحمن
الداخل الخمر قال : إني لما يزيد
في عقلي أحوج؛ لا لما ينقصه،
ولقد انتصرنا على الصهاينة في
رمضان حين كان نشيدنا (الله أكبر)،
وكان يقين جنودنا أن الله أكبر
من كل تحصينات الصهاينة ومن
وراءهم إذا
جلجلت الله أكبر في الوغى
تخاذلت الأصوات عن ذلك
الندا ومن
خاصم الرحمن خابت جهوده وضاعت
مساعيه وأتعابه سُدى لما
كانت قلوبنا تردد التكبير مع
الألسن نصرنا بالرعب مسيرة شهر,
وأحكمنا الأمر، فهل نعي هذا
الدرس؟ أما
الأمر الثاني: فهو الحرص على
وحدة الأمة؛ إذ لا يمكن أن نواجه
تحديات المرحلة إلا بصف وطني
متماسك، ولحمة قوية متينة على
سائر المستويات، بدءا بالأسرة
الواحدة، ومرورا بالجماعات
والهيئات المتعاونة،
والمجتمعات المترابطة، والصفوف
المتحدة، والمودة المتبادلة
واحترام الحقوق الإنسانية بين
الحكام والمحكومين في الدولة
الواحدة، وانتهاء بتقوية أواصر
الوحدة بين الشعوب العربية
والإسلامية في مختلف المجالات،
لتكون كل دولة قوة لأختها في
مناصرة الحقوق المشتركة وتدعيم
القيم الفاضلة، وشعار الجميع
قوله تعالى ﴿إِنَّ هَذِهِ
أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً
وَأَنَا رَبُّكُمْ
فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: 92]،
وقوله تعالى ﴿وَإِنَّ
هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً
وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ
فَاتَّقُونِ﴾ [المؤمنون: 52]،
وليدرك الجميع أن التفرق سر
الضعف ﴿إِنَّ الَّذِينَ
فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا
شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي
شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ
إِلَى اللَّهِ ثُمَّ
يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا
يَفْعَلُونَ﴾ [الأنعام: 159]،
وأن التنازع باب الفشل ﴿وَأَطِيعُوا
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا
تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا
وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال:
46]، خصوصا إذا كان العدو على
أبوابنا، وحريصا على العبث
بمقدساتنا، ومجتهدا في شق
صفوفنا، وساعيا إلى الانفراد
بكل منا على حدة. والأمر
الثالث: هو مناصرة قضايا العرب
والمسلمين، وخصوصا المستضعفين
المعتدى عليهم المظلومين في كل
مكان وفي كل حال،
سواء منهم الواقعون تحت نير
الاحتلال كما في فلسطين، أو تحت
نير الاستبداد كما في سوريا
واليمن، أو تحت ضغط الفقر
والمجاعة والحروب الأهلية كما
في الصومال، فإذا كانت الشعوب
والحكومات غير المسلمة يناصر
بعضها بعضا ويغيث بعضها بعضا،
فنحن المسلمين أولى بذلك ﴿وَالَّذِينَ
كَفَرُوا بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا
تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ
فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ
كَبِيرٌ﴾ [الأنفال: 73]. أيها
الإخوة الموحدون، إن نصر هذه
الأمة قد انعقد غمامه، وقد
أقبلت أيامه فأحسنوا الظن
بربكم، واجمعوا صفوفكم ،
واقرنوا مع الأمل حسن العمل ,
واعلموا أن الشدائد التي تمر
بها الأمة هي أمارات ميلاد جديد
بإذن الله، فإن مع العسر يسرا إن
مع العسر يسرا. لا
تقولوا:زرع الزارعُ والباغي
حَصَدْ ذهب
الأقصى وضاعت قدسُنا منّا
وحيفانا ويافا وصَفَدْ لا
تقولوا: حارس الثَّغْر رَقَدْ أنا لا
أُنكر أنَّ البَغْيَ في
الدُّنيا ظَهَرْ والضَّميرَ
الحيَّ في دوَّامة العصر
انْصَهَرْ أنا لا
أُنكر أنَّ الوهمَ في عالمنا
المسكون بالوهم انتشرْ غيرَ
أنَّي لم أزلْ أحلف بالله
الأحَدْ أنَّ
نَصْرَ اللَّهِ آتٍ ، وعدوَّ
اللهِ لن يلقى من الله سَنَدْ لن
ينال المعتدي ما يبتغي في
القدسِ.... ما دام
لنا فيها وَلَدْ الأمر
الرابع: أن تتعلم الأمة كلها
الدرس الذي لم يفهمه المستبدون
الساقطون إلا بعد فوات الأوان،
وهو أن الركون إلى الدنيا
والاغترار بالسلطان والقوة
والجاه والإغراق في التنعم
والملذات وإهمال حاجات الشعوب
وإغراقهم في مجاعات قاتلة
وأمراض فتاكة، وتسليط قوى البغي
والقمع للتسلط على الناس مآله
إلى الخزي والعار ﴿فَاعْتَبِرُوا
يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ [الحشر:
2]. كان
المعتمد بن عباد أحد أمراء
الأندلس، وأقام بالملك نيفاً
وعشرين سنة، وذكر المؤرخون أن
زوجته اشتهت أن تمشي في الطين
وتحمل القرب؟! فأمر المعتمد أن
ينثر المسك على الكافور
والزعفران، وتحمل قرباً من طيب
المسك لتخوض فيه زوجته؛ تحقيقاً
لشهوتها, وجرت السنة الإلهية
وتهاوى ملكه بسبب اللهو والغفلة
والإغراق في الشهوات, ليؤخذ
المعتمد أسيرا إلى (أغمات) ويبقى
بنوه وبناته يتجرعن كأس الفقر
بعد الغنى، والذلة بعد العزة
وكُنَّ بناته يغْزِلن للنّاس
بالأُجرة في أغْمات، ويذكر
الذهبي في (تاريخ الإسلام)
وابن كثير في (المختصر في أخبار
البشر) أنه دخل عَلَيْهِ فِي
السجْن بنوه وَبنَاته يهنونه
يَوْم عيد، وعَلى بَنَاته أطمار
(أي ثياب بالية) كَأَنَّهَا كسوف
وَهن أقمار، وأقدامهن حافية،
وآثار نعمتهن عَافِيَة (أي
ذاهبة)، فَصَدَعْنَ قلبه، فقال: فيما
مضى كنتَ بالأعياد مسرورًا ...
فساءك العيدُ في أَغْماتَ
مأسورا ترى
بناتِك في الأطمار جائعةً ...
يغزلن للناس لا يملكن قِطْميرا بَرَزْنَ
نحوك للتّسليم خاشعةً ...
أبصارهُنَّ حسيراتٍ مَكَاسيرا يَطَأْنَ
في الطِّين والأقدامُ حافيةٌ ...
كأنّها لم تَطَأَ مِسْكًا
وكافورا قد
كَانَ دهرك إِن تَأمره ممتثلاً
... فردك الدَّهْر مَنْهِيّا
ومأموراً من بات
بعدَكَ في مُلْكٍ يُسَرُّ به ...
فإنّما بات بالأحلام مسرورا فهل
يعي المتحكمون في مصائر الشعوب
هذا الدرس قبل فوات الأوان؟ وهل
يدركون أن العصر القادم هو عصر
الشعوب بامتياز، فيقتربون من
شعوبهم، ويعدلون في حكمهم،
وينقذون أنفسهم وأهليهم
وأوطانهم من النهاية المأسوفة،
ويتعاونون مع المخلصين من أبناء
وطنهم في تحصيل أسباب المجد
والارتقاء؟ هذا أملنا، إن يكن
عزيزا فما هو على الله بعزيز.
أسأل الله العظيم رب العرش
العظيم أن يجمع الأمة على كلمة
سواء. أقول
قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. الخطبة
الثانية الحمد
لله كثيرا، والله أكبر كبيرا،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، جلت نعمُه عن
الإحصاء، وأشهد أن محمد عبد
الله ورسوله مسك ختام الأنبياء
، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه
ما بقيت الأرض والسماء. أما
بعد ، أيها الإخوة الموحدون ،
علامة قبول أي طاعة من الطاعات
أن يصلها صاحبها بطاعة أخرى،
وعلامة ردها أن يعقب تلك الطاعة
بمعصية، ما أحسن الحسنة بعد
السيئة تمحوها! و أحسن منها
بعدها الحسنةُ تتلوها، أخرج
الترمذي وصححه عَنْ أَبِي ذَرٍّ
رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم : «اتَّقِ اللَّهِ
حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ
السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ
تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ
بِخُلُقٍ حَسَنٍ»، فهل فكرتَ
وأنت تودع رمضان بكل ما فيه من
روحانيات عالية وإيمانيات
سامية، كيف سيكون حالك بعد
رمضان من الإقبال على الله
والقرب منه؟، أم أنك ستفعل ما
اعتاده بعض الغافلين من طي سجل
العمل الصالح بعد رمضان؟ على حد
قول القائل: رمضان
ولى هاتها يا ساقي
مشتاقة تسعى إلى مشتاق قيل
لبشر الحافي: إن قوما يتعبدون و
يجتهدون في رمضان، فقال : بئس
القوم لا يعرفون لله حقا إلا في
شهر رمضان! إن الصالح الذي يتعبد
و يجتهد السنة كلها, وسئل أحد
العلماء : أيما أفضل رجب أم
شعبان ؟ فقال : كن ربانيا و لا
تكن شعبانيا، كان النبي صلى
الله عليه وسلم
عمله ديمة. أخرج الشيخان
عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ:
سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ
عَائِشَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا
أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ
كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللهِ صلى
الله عليه وسلم ؟ هَلْ كَانَ
يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ
الْأَيَّامِ؟ قَالَتْ: «لَا،
كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً،
وَأَيُّكُمْ يَسْتَطِيعُ مَا
كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله
عليه وسلم يَسْتَطِيعُ». وأخرج
الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا
قَالَتْ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى
الله عليه وسلم : أَيُّ
الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى
اللَّهِ؟ قَالَ: «أَدْوَمُهَا
وَإِنْ قَلَّ» زاد مسلم :
وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا
عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ. إذا
كان رمضان قد ولى فإنه قد ترك
فينا خوفنا من الله رب
العالمين، وقد تدربنا فيه على
الصيام وحبس النفس عن الشهوات،
وتعلمنا أن نقوم فيه بالليل
لله، تدربنا على أن نقول فيه
للناس حسنا، وهو ما ينبغي أن
نحافظ عليه بعد رمضان، حتى نحقق
التقوى التي هي الغاية من تشريع
الصيام ﴿يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا
كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183]. فالعبد
المسلم الحقيقي يكون عبدا
ربانيا لا عبدا رمضانيا؛ لأن رب
رمضان هو رب الشهور كلها،
والعاقل يعتبر رمضان مرحلة
تدريبية يخرج منها قادار على
مواجهة الحياة والشهوات
والمفاسد ليعش حياته مرضيا لله
رب العالمين. فيا من وفَّى في
رمضان على أحسن حال لا تغير في
شوال، ويا من أدرك العيد عليك
بشكر النعم والثناء عليه ولا
تنقض غزلاً من بعد قوة وعناء
﴿وَلاَ تَكُونُواْ
كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا
مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً
تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ
دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن
تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى
مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا
يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ
وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا
كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾
(النحل : 92). وقد
شرع لنا النبي صلى الله عليه
وسلم صيام
ستة أيام من شوال وصيام أيام
الاثنين والخميس، وصيام ثلاثة
أيام من أوسط كل شهر، وصيام يوم
عاشوراء، وغير ذلك من صيام
النوافل؛ لنبقى دائما على حالة
من التواصل مع هذه الطاعة
الكريمة وما تربي عليه من أخلاق
وآداب. أيها
الإخوة الموحدون، العيد فرصة
لتحسين العلاقات وتسوية
النزاعات وقطع العداوات وصلة
الأرحام، وتقارب القلوب ، وزوال
الشحناء والغل من الصدور إلى
غير رجعة، فيجب أن نتمثل صفة أهل
الجنة لنكون من أهلها في الآخرة.
فأهل الجنة يقول الله عنهم: ﴿وَنَزَعْنَا
مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ
إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ
مُّتَقَابِلِينَ﴾ (الحجر:47).
ما أجدرنا اليوم أن نقرأ وننفذ
قول الله ﴿خُذِ العَفْوَ
وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ
وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ﴾
(الأعراف:199).
رَوَى ابن أبي حاتم عن
سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه
وسلم حِينَ
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
قَالَ: يَا جِبْرِيلُ مَا
هَذَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي
حَتَّى أَسْأَلَ الْعَالِمَ،
ثُمَّ عَادَ جِبْرِيلُ،
وَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ إنَّ
رَبَّك يَأْمُرُك أَنْ تَصِلَ
مَنْ قَطَعَك، وَتُعْطِيَ مَنْ
حَرَمَكَ، وَتَعْفُوَ عَمَّنْ
ظَلَمَكَ» فتأدَّبَ صلى الله
عليه وسلم بهذا؛
فأثنى الله عليه وقال: ﴿وَإِنَّكَ
لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (ن:4) وما
دعوة الإسلام إلى جمع المسلمين
في مكان واحد لأداء صلاة العيد
إلا توجيها عمليا لجمعهم على
الحق، والتأليف بين قلوبهم على
التقوى، حتى يحققوا ما أخبر عنه
النبي صلى الله عليه وسلم
في الحديث الذي أخرجه
الشيخان عن النعمان بن بشير رضي
الله عنه: «مَثَلُ
الْمُؤْمِنِينَ فِي
تَوَادِّهِمْ،
وَتَرَاحُمِهِمْ،
وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ
الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى
مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ
سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ
وَالْحُمَّى» نحن في
هذا اليوم أيها الأخوة والأخوات
جدير بنا أن نمد أيدينا
بالمصافحة، وألسنتنا بالكلام
الطيب، وقلوبنا بغسلها من
الأضغان والأحقاد والشحناء
والبغضاء، وأن يكون العيد فرصة
لصلة المتهاجرين والتقاء
المتقاطعين .إن الرجل الكريم هو
من يعفو عن الزلة، ولا يحاسب على
الهفوة، ورحم الله من قال: وإن
الذي بيني وبين بني أبـي
وبين بني عمي لمختلف جدا أراهم
إلى نصري بطاءً وإن هم
دعوني إلى نصر أتيتهم شدا إذا
أكلوا لحمي وفرت لحومهم
وإن هدموا مجدي بنيت لهم
مجدا ولا
أحمل الحقد القديم عليهموا
وليس رئيس القوم من يحمل
الحقدا اللهم
إنا نسألك طهارة قلوبنا، وزكاة
نفوسنا، وعفة ألسنتنا، وغض
أبصارنا، وصون أسماعنا عن كل ما
حرمت علينا، ونسألك اللهم
إيماناً كاملا، ويقيناً
صادقاً، وقلب خاشعا، ولسانًا
ذاكراً، وطرفاً دامعاً، وتوبة
قبل الموت، ومغفرة بعد الموت
برحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم
أعز الإسلام والمسلمين، وارفع
بفضلك كلمة الحق والدين، ونكّس
رايات الظالمين والمستبدين،
وأرنا فيهم عجائب قدرتك، وعظيم
سطوتك، اللهم اجعل الخلف في
صفوف الظالمين وأعداء الدين،
واقذف الرعب في قلوب الصهاينة
الآثمين، والطف بعبادك
المؤمنين من المضطهدين
والمعذبين في كل مكان يا رب
العالمين، اللهم أغث إخواننا في
الصومال غيثا مغيثا مريئا مريعا
جعدا قططا عاجلا غير آجل، اللهم
امسح عبرتهم، وسكّن لوعتهم،
وفرّج همهم، ونفّس كربهم، وعجّل
فرجهم، ووفّر أمنهم، وزد
إيمانهم ، وعظّم يقينهم ، وابسط
رزقهم، وأدرَّ لهم الضرع، وأنبت
لهم الزرع، وافتح لهم من بركات
السماء، وأخرج لهم من بركات
الأرض، ولا تجعلهم من القانطين. اللهم
اجعل لنا وللمسلمين من كل همٍ
فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن
كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء
عافية، واجعل هذا العيد أمناً
وسلاماً وراحة وطمأنينة على
المسلمين في كل مكان يا رب
العالمين . اللهم إنا نسألك أن
توفقنا بعد رمضان للصالحات،
والمواظبة على الطاعات، وعدم
الرجوع إلى الغفلة والمعاصي
والملهيات، برحمتك يا رب الأرض
والسماوات . وآخر دعوانا أن
الحمد لله رب العالمين. ====================== د.
مصطفى يوسف اللداوي القدس
تستحق منا أكثر من يوم، وأكثر من
سنة، إنها تستحق منا العمر كله،
نبذله من أجلها، ونفنيه
لنستعيدها، لا نحتفي بها بل
نقاتل من أجلها، ولا نحتفل
بيومها بل نخطط لاستعادتها، ولا
نبكي على ماضيها بل نجدد العهد
لنستبقيها، ولا نستسلم أمام
محتليها بل نعمل لتحريرها، ولا
نقبل بصلاتهم فيها بل نطهرهم
منها، ولا نسمح لهم بالسكن فيها
بل نحرمهم الأمن فيها، ولا نغيب
عنها ليستوطنوا فيها بل نزرع
أقدامنا فيها، ونرفع في سماءها
هاماتنا، ونصدح فوق مآذنها
بالآذان، ونصلي في محرابها ما
بقي الزمان، نرسم فوق ثراها
صوراً ذات ألوان، ونكتب على
جبينها آيات الرحمن، أن هذه
الأرض لنا ما عمرها الإنسان،
ولن تكون لغيرنا بنص القرآن،
وسيعيدها إلينا يوماً رجالها
الشجعان، فهذا وعدٌ خالدٌ،
ويقينٌ ثابتٌ، نؤمن به
ونتوارثه، نحفظه ونتواصى به. ينبغي
على المسلمين جميعاً في يوم
القدس أن يدركوا أن القدس أضحت
في خطرٍ شديد، فقد تاهت
ملامحها، واختلطت معالمها،
وزيفت هويتها، وزورت وثائقها،
وسرقت مستنداتها، واعتدي على
مقابرها، وأخرج منها رفات
أمواتها، وتبدل سكانها، وتغيرت
لغتها، وسميت شوارعها بغير
أسمائها، واستبدلت أسماء
بلداتها وحارتها بأخرى غريبة،
وتناقصت أرض سكانها العرب،
واتسعت حدودها لغيرهم من
اليهود، وقد أصبح مسجدها الأقصى
على شفا جرفٍ هارٍ قد ينهار في
أي لحظة، فقد تصدعت جدرانه،
ونقبت أساساته، ونهبت آثاره،
واعتدي على مقدساته، وانتهكت
حرماته، والإسرائيليون في
المدينة أعدادهم تزداد،
وأحلامهم تتعاظم، وجهودهم
تتضاعف، واستيطانهم يتوسع،
وأطماعهم في باحات الأقصى لا
تتوقف، واقتحامهم لساحاته
تتواصل، وجيشهم يحرس
مستوطنيهم، وحكومتهم ترعى
متشدديهم، وأحزابهم الدينية
المتطرفة تخطط وتنظم وتنفذ. القدس
في يومها العالمي تتطلع إلى
العرب والمسلمين أن يقوموا
بواجبهم تجاهها، وأن تتحد
جهودهم لتخليصها، وأن تتضافر
مساعيهم لتطهيرها، وأن تتقدم
أولوياتها لتكون القدس هي
الغاية والهدف، فهي ترنو أن
تعود إلى عمقها العربي
والإسلامي، وأن تعود لتلبس
ثوبها المقدسي القديم، فقد طال
غيابها، وطغى فيها المحتلون،
وعبثوا بها، وتآمروا عليها،
ويطمحون أن يستخلصوها لليهود
وحدهم، عاصمةً أبديةً موحدة. القدس
في يومها العالمي تؤكد بأنها
ضاعت يوم أن ضاعت فلسطين، وسقطت
في براثن الاحتلال الصهيوني
البغيض يوم أن سقطت الأرض
العربية الفلسطينية تحت
الاحتلال، فهي جزءٌ غالٍ وعزيز
من الأرض الفلسطينية، بل هي
القلب من فلسطين والأمة العربية
والإسلامية، وهي لن تنعم
بالحرية والطهر إلا يوم أن
تتحرر فلسطين كلها، وتعود إلى
أهلها وأصحابها الشرعيين، ولكن
تحريرها لا يكون بالأماني
والدعوات، ولا بالخطب
والابتهالات، ولن تجدي
الأمنياتُ بصلاةٍ في مسجدها
الأقصى قبل الممات في تخليصها
من نير وبطش الاحتلال، فتحريرها
الذي هو مسؤولية عربية وإسلامية
مشتركة، يتطلب إرادةً حقيقية
تقف في مواجهة الأحلام
الإسرائيلية، تضع حداً لها،
وتصدها بكل قوة، وتواجهها بكل
حزم. في يوم
القدس على العرب والمسلمين ألا
يتركوا الفلسطينيين وحدهم في
مواجهة الاحتلال الإسرائيلي،
وألا يتخلوا عنهم في محنتهم،
وألا يألوا جهداً معهم في
الحفاظ على الهوية العربية
والإسلامية للقدس، فهذا أقل
الواجب تجاهها، وحتى يبارك الله
في جهودهم، وتثمر مساعيهم، فإن
عليهم إسناد المقاومة، ودعم
إرادة القتال والمواجهة،
فالقدس التي هي حلم
الإسرائيليين، ومبكى اليهود،
وقلب المشروع الصهيوني، لن
يتخلوا عنها بغير القوة، ولن
يرحلوا عنها بغير المواجهة، فلا
سلامٌ يرحلهم، ولا مفاوضاتٌ
تقنعهم بأنهم ليسوا أصحاب حق،
ولا وساطاتٍ ومساعٍ دولية،
وحلولٍ أممية ترضيهم، فهم عنها
لا يرحلون إلا إذا فقدوا أمنهم
فيها، وتعرضوا للموت بين
أسوارها، وتأكدوا بأن أهلها
وأمتها جادين في استنقاذها،
وعلى استعدادٍ للتضحية من أجلها. القدس
في يومها الذي أراده المسلمون
يوماً عالمياً يجددون فيه العهد
مع الله ألا يتخلوا عنها، وألا
يتركوها وحدها تواجه الأطماع
الصهيونية، تجدد عهدها مع
فلسطين، وانتماءها إليها،
وارتباطها بها، ورفضها
الانسلاخ عن الوطن الأم لتكون
عاصمةً للدولة اللقيطة، فهي قلب
هذا الجسد، وروح هذا الوطن،
وعين هذه الأمة، فلن تقبل بكل
مساعي التغريب، وجهود التهويد،
ولن تخضع لقرارات الضم ومشاريع
الاحتواء، ولن تطفئ جذوتها
أدوات الاحتلال وسلطات القمع
والتنكيل، ولن تخيفها سياسات
نتنياهو ومساعي عمدتها، ولن
تقبل إلا أن تكون جزءاً من هذا
الوطن العزيز، وما على العرب
والمسلمين إلا أن يؤكدوا على
عروبة القدس وأصالة انتمائها،
وأن يرفضوا الاعتراف بمحاولات
فرض الأمر الواقع الإسرائيلي،
كقرارات الضم وبسط السيادة،
وتوسيع الحدود ومصادرة الأراضي
وبناء المستوطنات، فلا اعتراف
بأنها عاصمةً لكيانهم، ولا سكوت
عن محاولة تهويدها، ولا قبول
بمساعي عزلها وفصلها عن الوطن. في يوم
القدس العالمي نجدد العهد
لفلسطين كلها أنها أرضنا
ووطننا، وأن يوم عودتها مهما
طال فهو قريب، وأن غربتها لن
تدوم، واحتلالها لن يبقى،
وأهلها إليها سيعودون فاتحين
محررين، وستعود إليها حاميتها
العربية والإسلامية، لتبقى
القدس في قلب فلسطين الشامة
الغراء، ولن تبقى أمانينا أضغاث
أحلامٍ أو تنبؤات عارف، بل
ستصدقها المقاومة، وتؤكدها
إرادة الصمود والثبات، وقوة
التحدي والمواجهة، وصدق الأهل
وإخلاص رجالها المدافعين، ولن
يكون بإذن الله إلا وعده الخالد
للأمة "فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ
الْآَخِرَةِ لِيَسُئُواْ
وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ
الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ
أَوَّلَ مَرَّةٍ
وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا
تَتْبِيرًا". ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |