ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
رقية
القضاة لليل
مهما ادلهم وتلاطمت أمواج
الظلام في بحره نهاية ، وللحزن
مهما تعمق في القلوب ساعة تجلوه
،وللظلم لحظة ينتصر فيها العادل
الرحيم لعباده الذين ارتفع إليه
حنين نشيجهم ،وأنين جراحهم،
وتكبيرات الاستغاثة من حناجرهم
الموحدة، وللكرامة والعزة باب
واحد لا باب سواه ،هو باب الله
،ومهما طرقنا سواه من ابواب
ستظل مغلقة في وجوهنا ،إنه باب
الرحمة الواسع لمن طرقه بما
يدعو الى فتحه، واما مفتاحه فهو
دين الله الإسلام تلك مقولة
الفاروق، ظلت انشودة على افواه
المجاهدين قادة وجنودا،
والدعاة والعبَاد ،والامة
بأسرها، حين رفضت أن تكون رهينة
العبودية ،اسيرة المذلة
والقيود والاستعباد (نحن قوم
أعزنا الله بالإسلام ومهما
ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله) تتوارد
هذه المقولة على القلوب اكثر
ماتتوارد في ايامنا هذه، ونحن
نرى الأمة تتلمس السبيل
لاستعادة كرامتها المفقودة
،ومكانتها المعهودة ،وحريتها
المنشودة ،وقد تمادى الطغاة في
إذلال أحرارها، والصالحين من
ابناءها ،واستطال أشرارها على
خيارها، ساعين إلى محو مقومات
وجودها لإضعافها وإفناءها ،
إستجابة لأوامر ومغريات أعداء
الأمة ،ممن ابتليت بهم على مر
التاريخ ،تلك الامم التى آلت
على نفسها ألا تدع للإسلام
وجودا ولا حكما،ولا لأمته
بقاءولا شاهدا من حضارة أو تميز
أوخيرية أوتشريع، ولكن هيهات
لهم [يريدون ليطفئوا نور الله
بافواههم والله متم نوره ولو
كره الكافرون]. وهكذا
تحتدم الحرب، ويشتد أوارها يوما
بعد يوم ،بين شعوب عزلاء عيل
صبرها وهي تنتظر ولادة عهد جديد
تشرق فيه شمس الحرية، وتتألق
فيه حصائد الوعود، سنابل
خيرات،و انهار عدل وسكائب عزة،
وانظمة مسيرة مستبد ة ، وتمضي
السنون على الوعود المنهالة من
أهل الحل والعقد،المتمكنين من
رقاب العباد،ومقدرات البلاد
،فإذا الوعود سراب زائف، وإذا
العدل ظلم مجحف ،وإذاالحرية حلم
بعيد المنال، فلا يبقى لهم إلا
الإحتجاج السلمي على ما يحدث في
بلادهم من نهب واجحاف، واستعمار
واستبداد ،ولأن الفرعنة لا تأخذ
بالعدل نهجا ولا بالشرع
حكما،فمن الطبيعي أن يكون
الصدام حتما لازما ،فالشعوب شبت
عن الطوق ،ولابد لها من ان تقول
كلمتها، ولأن كلمتها لا تعجب
الطغاة ،بل وتسلبهم ما أعطوه
لانفسهم من صلاحيات وتفرد في
الرأي وتجاوز دون مساءلة ،فإن
الرفض العنيف هو الحل ،والقتل
هو الحل ،والقمع هو الحل ،وكل ما
يسلب الشعوب حريتها وكرامتها هو
الحل، وكل مايخنق صوتها ويسكت
زئيرها هو الحل ،والرصاص الحي
يوجه الى الامة العزلاء هو
الحل، والسجون هي الحل،وإسكات
الاصوات المنددة بالظلم هو الحل
،وتصحو الامة المشرذمة، وإذا
جحافل الضعفاء تتناثر في
المناطق الحدودية، في رحلة لجوء
جديدة، ولكن العدو هذه المرة
ليس غريبا ،إنه إبن الامة التي
غذته ورعته صغيرا ،وسودته
كبيرا، وسلمت إليه امرها،
وائتمنته على مقدراتها وإرثها
ومستقبلها وكيانها، وهكذا يطرد
الرعاة رعيتهم ويقتل الحكام
شعوبهم وينقلب الجندي الموكل
بحماية المال والنفس والعرض
والارض والحريات إلى مستاسد
يدوس اهله بالحذاء ويركل حريتهم
بقدمه التي تخطو على أجسادهم
المنهكة خطوات العبيد الاذلاء
المامورون بخلع رداء الكرامة
الجهادية،والشرف العسكري
ليرتدي ثوب ذئب غادر ، موجها
الشتائم لإخوته ابناء وطنه
منكرا عليهم ان يطالبوا بحقوقهم
السليبة المشروعة التي كفلها
لهم شرع ربهم ومواثيق الانسانية
وحتى قوانين بلادهم المعطلة. ويشاهد
العالم اجساد الاطفال المحروقة
الممزقة المعذبة ووجوههم
البريئة المزرقة وعيونهم
البريئة وقد جمدت في محاجرها
نظرات الخوف والرعب، والشكوى
الى الله،ويندى جبين الإنسانية
لما يحدث وتنكس الرؤوس العاجزة
في خجل من أولئك الأبطال ألا
تمتد أيدي الأمة إليهم
بالنصرة،وتوجف القلوب المؤمنة
خوفا من غضب الله أن يطال الامة
بعذاب وهي تستكين لما يجري في
مشارق ارض الإسلام ومغاربها. ايتها
الأمة التي انتظرت طويلا نور
فجرها الوليد لا تجزعي[ فشمسنا
لم تغب بعد] وليلنا لن يطول
وقيدنا لن يعصى على مطرقة
الطارقين لابواب الحرية في كل
مطلع شمس لنا وليد وفي كل
انبثاقة فجر فينا شهيد وعلى كل
طود شامخ لنا بيرق ترفعه طائفة
ثابتة على الحق لا يضرها من
عاداها الى يوم القيامة وصبرا
صبرا ايها القابضون على الجمر
ترتقبون نسائم الحرية القادمة
مع كل دفقة من دم شهيد فللحرية
ثمن و للكرامة موقف وللحق حراس
وإنه آن الاوان لكي ترفع
الوصاية عن الشعوب من قبل تلك
الأنظمة التي لاتحتكم الى قانون
دولي ولا الى شرع إلهي ولا إلى
حكمة الحوار ودراسة المعطيات
والاحترام لمكونات الشعوب
والبعد تماما عن البلطجة والقتل
والتنكيل التي ما عادت تشكل
عائقا أمام الشعوب الحرة
الباحثة عن العزة والكرامة سواء
تلك الشعوب التي تطالب بتغيير
أنظمتها أو تلك التي تطالب
بالإصلاح في إطار التوافق مع
انظمتها في قالب من الإحترام
للراي والراي الآخر(لاخيرفينا
إذا لم نقلها ولا خير فيكم إن لم
تسمعوها) اللهم
عجل نصرك وفرجك لهذه الامة يا رب
العالمين ================ بقلم:
زهير كمال يطلق
اهل الشام كلمة الشبح على نوع من
سيارات المرسيدس الالمانية
وتعتبر هذه سيارة راقية تتميز
بقوة محركها، ويستطيع سائقها
اذا اراد ان يختفي بسرعة
كالشبح، يتمنى معظم افراد
الطبقة الوسطى امتلاك سيارة
بهذه المواصفات او استبدال
سياراتهم بواحدة منها. وقد اشتق
من كلمة الشبح عدة مفردات
باللهجة الشامية، فاحياناً
تسمع احدهم يقول لصاحبه: لا
تشبّح علي بمعنى ان تتفاخر او
تستعرض قوتك، ومن هذه المعاني
جاءت كلمة شبّيح وجمعها شبّيحة. عندما
تقول شبّيح وشبّيحة فان أول ما
يتوارد الى الذهن، حزب البعث
سواء ذكرنا الحزب او لم نذكره،
وينطبق هذا ايضاً على كلمة
بلطجية فهم بلطجية الحزب الوطني
في مصر او بلاطجة المؤتمر
الشعبي في اليمن. ويعني
ارتباط هذه المجموعات
بالمؤسسات الحاكمة وتقوم
بتنفيذ اوامرها. ورغم بساطة هذه
الحقيقة الا انه ينبغي التأكيد
عليها فلا يوجد شبّيح او بلطجي
يقوم بالأعمال القذرة من تلقاء
نفسه مهما بلغت حماسته وانتماءه
للنظام الحاكم. لا
يقتصر الأمر في ظهور هذه
المجموعات على الدول الثلاثة
وانما هي حالة عامة في الوطن
العربي، ففي الاردن وفلسطين
يطلقون كلمة أزعر وجمعها زعران
وعادة ما توظفهم المخابرات
لتنفيذ أعمال قذرة تهدف لخدمة
النظام، اما في الجزائر فهي
وحدات خاصة تتبع احد الأجهزة
ويلبس أعضاءها أقنعة سوداء حتى
لا يتعرف على افرادها أحد وتكون
هدفاً لانتقام الناس. النظام
السعودي يمتلك شبّيحة من نوع
خاص وربما كانت من أخبثها ،
فظاهرياً لا تدافع عن الحاكم
وانما تدافع عن العقيدة. وهو ما
يعرف بلجنة الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، نوع من
الشرطة الدينية قامت على فلسفة
خاطئة لتفسير الحسبة في الاسلام
وبمعنى أدق التفسير الحرفي
لكلمة الأمر في جملة الأمر
بالمعروف، ويؤدي هذا الى تغليب
تأدية الطقوس الدينية على
الايمان الحقيقي النابع من
الارادة الحرة للانسان مما يخدم
النظام الذي يدعي انه حامي حمى
الاسلام وفي نفس الوقت يرتكب
أعظم الموبقات والجرائم والتي
تضعه في خانة أعدى اعداءه. اما
اذا اردنا التعميم اكثر فان
وزارات الإعلام الموجودة في كل
الأقطار العربية انما تدخل ضمن
اعمال التشبيح والبلطجة وربما
كانت أخطرها فهي تتناول التوجيه
الفكري للجماهير من أجل خدمة
العائلات الحاكمة والسهر على
مصالحها. وهكذا
فالمواطن العربي المسكين يرزح
تحت أثقال ضخمة تعمل كلها على
فرض الوصاية عليه وتدجينه
وإلغاء عقله فالنظام يفكّر عنه،
فان فكّر قليلاً وبدأ يتململ
فهناك اجهزة الأمن المختلفة
التي تحصي عليه حركاته وسكناته
وان اكتشف أن المشكلة عامة وبدأ
التظاهر فهناك الشبيحة
بانتظاره لضربه وتكسيره واحداث
عاهات مستديمة فيه. الشبيح
وما شابهه، في الغالب شاب مفتول
العضلات وربما من أصحاب السوابق
قادر على الصراخ لإحداث الرعب،
وله استعمال واحد: التصدي
للمتظاهرين المعارضين للنظام
بالضرب المبرح الى حد القتل
مقابل مبلغ معين سواء كان
مقطوعاً او راتباً شهرياً. وهو
ينفذ أوامر رؤساءه باستعمال
القوة لفرض النظام كما يرونه هم
وليس كما يرى القانون، إذ يخرج
عمله عن توصيف العمل للشرطي او
الجندي، فمن ناحية قانونية بحتة
يستطيع الشرطي او الجندي رفض
الأوامر الصادرة اليه من
مسؤوليه اذا كانت خارجة عن
المهمات المنوطة به حسب
القانون، ويدخل في هذا ضرب
المتظاهرين العزّل من السلاح،
ولكن هذا كلام نظري محض بالطبع
فكثير من هؤلاء الذين رفضوا
تنفيذ الاوامر تم قتلهم بدم
بارد. الشبيح
أداة ضرب وقتل وهو لا يسأل لماذا
عليه القيام بهذا العمل وفي
العادة يكون محدود العقل
والذكاء. ولن يفكّر قبل نومه بما
اقترفت يداه اثناء النهار من
ضرب لصبية وشباب لا يعرفهم. وقد
يفكر انه يؤدي واجبه نحو الوطن
ضد الخونة والمندسّين كما يوعز
مسؤوليه. وربما يعوّض المبلغ
الضخم الذي يقبضه عن تحريك
مشاعره والتفكير في امور تسبب
إحراجاً لضميره. وفي حالة
الشرطة الدينية فقد ينام
المطوّع قرير العين مرتاحاً انه
ادّى واجبه نحو الله عندما ضرب
مواطناً بالعصا قبض عليه ماراً
خارج المسجد بينما صلاة الجماعة
قائمة ، او نهر امرأةً بدون نقاب
وهي تجول فارعةً في الاسواق. بعد
وضع الشبّيحة وما شابهها في
مكانها الصحيح كأدوات سنلقي
نظرة على مشغّليهم، وسنأخذ حزب
البعث كمثال: هي
اسئلة لم تسألها قيادة حزب
البعث لنفسها وربما لن تسألها
فقد فقدت اثناء المسيرة كل
قياداتها المفكّرة وبقي منهم
هؤلاء الذين يصلحون خاتماً
مطاطياً في اصبع الرئيس وجهازه
الأمني : لماذا
لم تعد الجماهير تؤمن بما
نقوله؟ ما
الذي اوصل الجماهير للتظاهر
المستمر بدون كلل او ملل وعلى
مدار ستة اشهر، ولا يبدو انها
ستتوقف؟ هل هي
فعلاً مؤامرة الغرب واسرائيل ضد
خط الممانعة الذي ننتهجه؟ كيف
وجد الغرب واسرائيل كل هذه
الجماهير وفي مختلف المناطق
السورية للتظاهر ضدنا؟ لماذا
نضطر لاستعمال الشبّيحة ضد
الجماهير؟ السنا
حزباً طليعياً يعمل من أجل
الشعب وبالشعب؟ وما الذي اوصلنا
الى هذه النقطة في التاريخ؟ أسئلة
كهذه لا معنى لها بالطبع فهذا
الحزب الطليعي قد مات منذ زمن
بعيد وتحوّل الى مؤسسة أمنية
هدفها خدمة العائلة الحاكمة
والحفاظ على مصالحها وأصبح
الكلام عن المباديء والشعارات
نكتة يرددها إعلام النظام بدون
اي مضمون او معنى. وما تفعله
الجماهير السورية الغاضبة منذ
ستة أشهر هي مراسم الدفن لحزب
كان من المفترض ان يمثّلها
ويدافع عن مصالحها، ومراسم
الدفن هذه تقوم بها أيضاً
جماهيرنا في اليمن الآن للحزب
الحاكم وقد سبقتها الى ذلك
جماهير تونس ومصر من قبل. بعد
انتصار الثورة السورية الحتمي
سيتبخّر ملايين الأعضاء
الحزبيين كما تبخّر قبلهم اعضاء
حزب التجمع الدستوري والحزب
الوطني ولجان القذافي الشعبية. واخيراً
اذا اردنا ان نضع عنواناً لهذه
المرحلة من التاريخ ، فليس أفضل
من العنوان التالي: مرحلة
رفض الجماهير لكافة أشكال
الوصاية عليها لقد
سقط للأبد جدار الخوف عند كل
الشعوب من المحيط الى الخليج
وما هي الا مسألة وقت للحاق باقي
الشعوب بركب الثورة فلم يعد
ممكناً ترقيع الأوضاع كما حدث
في المغرب او قيام النظام
السعودي برشوة مواطنيه. ونحن
نشهد اليوم ولادة جماهير جديدة
تعمّدت بالدم والتعب والعرق
والدموع. وإمعان الانظمة في
التنكيل والقتل يزيدها تمسّكاً
بهدفها وإصرار عظيم على التغيير
لا يلين. ونشهد
اليوم امام أعيننا معجزة كبرى
لا تتكرر كثيراً في التاريخ وهي
استمرار جماهيرنا في سوريا
واليمن طيلة هذه الفترة تقاوم
بصدورها العارية آلة القمع التي
لا تعرف الرحمة او المنطق. سينتج
عن هذا المخاض الطويل قيادات
جديدة تختلف عما عرفناه سابقاً،
قيادات ستضعنا على أول الطريق
لنتبوأ مكاننا الطبيعي في مصاف
الشعوب المتقدمة حيث لا وجود
لشبيحة او بلطجية او وصاية من اي
نوع. وهذا
هو العزاء الوحيد لنا في
الشهداء الأبرار الذين سقطوا
ويسقطون كل يوم من أجل مستقبل
مشرق للأجيال القادمة. =============== طاغية
الاستثناء.. والمصير المحتوم عقاب
يحيى ونحن
صغار، ونحن في أول وعينا
السياسي.. تعلمنا ترديد كلمة
دكتاتوري مقترنة بمرحلة
الشيشكلي وانقلابه.. في غمار
مسلسل الانقلابات العسكرية بعد
نكبة فلسطين .. الكلمة
كبيرة تملأ الفم وتفيض ببعض
الحروف، وأكبر منها مداليلها في
الذاكرة، والوعي، وحتى
الكوابيس.. إلى درجة أنك تتصور
الدكتاتور وحشاً عملاقاً أضخم،
وأشنع من غولة الأساطير.. أو تلك
الحيوانات الكبيرة المنقرضة
التي تلتهم الأخضر واليابس ولا
تشبع فتطلب المزيد، وربما يكون
من فصيلة الديناصورات التي
قتلها حجمها، أو جشعها .. كبر
وعينا.. وبالذهن صورة الشيشكلي
مثال الدكتاتورية، ونحن نبحث في
هوس التعرّب عن كلمة من قاموسنا
العربي فلا نجد مقابلاً حرفياً
لها.. وكأن تاريخ العرب لا يعرف
الدكتاتورية فلم يشتقّ لها
وصفاً سياسياً محدداً، فرحنا
نضع المقابل : الفردي، الوحشي،
المطلق.. المستبد.. ثم توقفنا
طويلاً في المستبدّ هذا
وتفريخاته : المستبد العادل
وغير العادل. المطلق، والشامل..
وإذ ببحيرتنا العربية الراكدة
منذ قرون ملأى بزخم الأمثلة
الحية، وإذ بالاستبداد المكين .
الاستبداد الأسيل فرخنا،
ونكهتنا الخاصة.. فاستمتعنا
بالاكتشاف.. وهات يا تحليل عن
المستبد والبنى، والحاكم
بأمره، والمطلق، والمعصوم،
والجبروت، وأشباه الإله، وابن
الإله، وقرين الإله، وصلة الوصل
بالإله، ومفوض الإله، ويده
الضاربة وسيفه البتار، ومنفذ
أحكامه بصرامة الاستقامة..
فانفتحت مصاريع عالم الشرق
الفسيح.. وقد انتصب فيه الفرد
تاريخاً نربط به كل الأحداث،
وتتمحور حوله الدنيا كلها
والتطورات، ونقيس الأمور
الإيجابية والسلبية على مقاسه
وأهوائه وطبيعته ومزاجه،
ونزوعاته وغضبه وفرفشاته..
لندخل فلسفة الخليفة وما عرفته
من تطورات، وقطع، وانفصام بين
الأصل والتطبيق.. ونمط الإنتاج
الأسيوي، والمراحل التي عرفها
الشرق.. ومليون تحليل و بحث..والنتيجة
: غياب الحريات العامة، ونفيها،
وإعدامها إلى أجل غير مسمى،
والاستعاضة عنها ببدائل فرضها
الأمر الواقع . **** ونعود
للشيشكلي العسكري الطامح بترك
بصمته الخاصة، الذي هصر الأحزاب
والوطن والشعب بشخصه وطموحه، ثم
راح يقحمهم في تصوراته النمطية
بالقوة الجبرية.. وكيف كان مبعث
تشكيل جبهة ضده شملت معظم
الأحزاب السياسية.. وصولاً إلى
سقوطه..الملفت .. ووقفته الوطنية..وموقف
قائد الانقلاب عليه في تسليم
السلطة للمدنيين .. شيئان
ملفتان في تلك النهاية، أولها :
أن الشيشكلي وقد قام التمرد
العسكري عليه من حلب، وانضمّت
إليه بعض الوحدات العسكرية.. كان
بإمكانه أن يقاوم، وربما إجهاض
محاولة الانقلاب، لكنه كان يدرك
أن دون ذلك مجزرة لا أحد يعرف
عدد ضحاياها التي يمكن أن تغرق
البلاد بالدماء.. فآثر الشيشكلي
الانسحاب من السلطة مُقدّماً
الوطن ومصيره على مصلحته
الشخصية، وعلى تلك الطموحات
التي لم تستمر سوى بضع سنوات . وثانيها
أن قائد الانقلاب الضابط البعثي
: المرحوم مصطفى حمدون(وكلاهما
من مدينة حماة) رفض التحوّل إلى
مشروع دكتاتور صغير وسلّم
السلطة مباشرة للمدنيين
لاستمرار الحياة الديمقراطية
التي عرفت زهوها في تلك السنوات(1954
1958)، وفيما يعتبر من الظواهر
النادرة في تاريخ الانقلابات
العسكرية التي يعود فيها الضباط
إلى ثكناتهم . *** البعث
أيامها كان ضد الدكتاتوريات
والانقلابات العسكرية، مؤكداً
نهجه الديمقراطي الذي نصّ عليه
دستوره في مؤتمر التأسيس،
باختيار الحياة النيابية
والانتخابات الحرة طريقاً .. لكن
البعث، وبعد حله، وما آلت إليه
الوحدة السورية المصرية..
قَبِل، وبظروف أسوأ من أوضاع
الخمسينات، أن يسبغ غطاءه
وتأييده لحركة 8 آذار العسكرية
التي أنهت الانفصال عبر تحالف
بين عسكريين بعثيين وناصريين
ومستقلين.. ليتحول من حزب
ديمقراطي إلى آخر نمطي على
طريقة بقية أحزاب العالم الثالث
المبهورة بتجربة ونمطية
الاتحاد السوفياتي والمعسكر
الاشتراكي، وإن بشكل مجزوء،
وممهور ببنى التخلف، وغياب
النظرية، ومستوى الوعي،
والبنيان الطبقي، ومدى نضوج
الظرف الموضوعي وعلاقات وأنماط
الإنتاج ... إلخ .. دخل
البعث خيمة الحكم : أقلوياً،
مأزوماً.. ضعيفاً.. فظهرت بصمات
العسكر فيه قوية : قوة ضاربة،
ودرع حماية، وموقع تأثير.. وكانت
الأحادية ضمن منطوق الشمولية،
بدءاً من الحزب الواحد القائد،
إلى التأطير الشبيه بالعَسْكرة
لكل الفئات، والمجالات، فيما
يعرف ب"المنظمات الشعبية"،
ومقولات الديمقراطية الشعبية
التي ألغت وصادرت الحريات
الديمقراطية، وقوننت كل شيء في
إطار المركزة وما أنتجته من
مفاهيم رائجة عن العامل الذاتي
الذي يلوي عنق الموضوعي لإدخاله
(فرن) القبول بالأمر الواقع
لينضج بسرعة ورغماً عنه فيما
يعرف بحرق المراحل والمراهنة
عليها للدخول إلى العصر، والقفز
فوق المراحل التاريخية.. وصولاً
إلى نوع من الاشتراكية التي
تغلب عليها رأسمالية الدولة،
والمُشبعة بالشعارات الكبيرة،
والنوايا الأكبر، والتجارب
المتأرجحة . لكن
البعث، رغم ذلك.. رفض الأحادية
الفردية، وتقديس الفرد،
مُبرزاُ بديلها : القيادية
الجماعية داخله.. رغم أنها، وفي
بلدان ضعف التعضدي الطبقي
والمؤسساتي.. غالباً ما تفتح
الشهية لمزيد من الصراعات
والانقسامات، وبأمل أن يصبح
الحزب قائداً فعلياً للسلطة
وليس مركوباً من المؤسسة
العسكرية، أو من مجموعة قليلة .. ونلاحظ
أنه في حمأة الصراع الداخلي
الذي راح يحاول البلورة حول
خطين ونهجين : يمين ويسار(ضمن
المحددات والوعي السائد،
ومقتضيات الصراع) أن رئيس
الدولة الفريق أمين الحافظ (أبو
عبدو) الطيّب، البسيط، (الزغرتاوي
بعرف السائد) وهو يحاول تدعيم
مواقعه بنشر بعض الصور له في بعض
الأسواق(الحميدية) كيف جنّ جنون
الجميع، واعتبروا ذلك جنوحاً
خطيراً نحو الفردية والتزعّم..
فأدينت الظاهرة، ورُفضت من
أغلبية الحزب..وهي لا تتجاوز
جنينات شعبوية .. أما
الدكتور نور الدين أتاسي :
الطبيب، وابن العائلة الشهيرة،
رئيس الدولة الأمين العام للحزب..
فكان من التواضع والبساطة
والتقشف إلى درجة مثيرة، وربما
كان طبعه ذاك أحد أسباب تناول
موقعه، ومدى تأثيره في الدولة
والحزب.. هو الذي رفض دوماً نشر
أي صور له في الأماكن العامة غير
الرسمية .. ***** حين
سيطر الأسد ببسطاره الثقيل ذي
الطبقات العسكرية، الفئوية،
القهرية على السلطة، وركل به
بكل عنجهية الذات المتضخمة،
المزدوجة أعلى مؤسسة للحزب، ثم
جرجر الحزب ليكون غطاءه.. وعهّر
المناصب القيادية بترك قيادته
القطرية المعيّنة من قبله
مفتوحة على العدد والزمن.. حيث
لم يحدد لها عدداً معيناً،
وأبقاها مفتوحة نحو ستة أشهر..
وجاء بنماذج لا تملك من
المواصفات سوى التصفيق،
والانتهاز.. استصدر منها قراراً
بإحداث منصب جديد : القائد، ثم
ركلها بقسوة نحو الارتزاق
تاركاً لها كل مجالات الغوص
بالنهب والتكويش والتحويش
واللهط والشفط.. وهذا غاية المنى
عند معظمها.. بينما لا يتجرأ أحد
على توجيه كلمة نقد واحدة لما
يقوم به(سيد البلاد)، وسيدها،
وقد منح نفسه صلاحيات مطلقة..
وهو يؤسس لديكتاتورية فريدة في
تاريخ سورية الحديث .. لقد
استند المستبد الجديد إلى الجيش
عموماً، والأجهزة الأمنية
خصوصاً، عماده في ذلك أبناء
العائلة والطائفة والخانعين
الخاضعين لوضعهم في المفاصل
الحساسة، وبعدها، بعد ذلك
يتعكّز واجهياً على حزب حمل
يوماً مشروع النهوض والوحدة
والحداثة فأغرقه في وحوله،
ودنسه بكل الآثام، مثلما فعل في
تضخيم الواجهات المظهرية ليغطي
جوهر ارتكازه، ومشروعه
الاستبدادي الأقلوي، الحاقد . عند
المستبد الجديد.. ورغم ما يمكن
اعتباره بالازدواجية الفاضحة،
المقصودة بين الشعارات وما يفعل..
كل شيء يصبح قابلاً للسمسرة،
والمقايضة والبيع والشراء.. لأن
الأهم هو ديمومة النظام، ورفع
منسوب تعظيم الدكتاتور حتى
الخوارق.. وقد انهالت عليه
الصفات من أكوام المنافقين
والمبوقين، وهو نهم يطلب المزيد
فينتشي، ليصبح ذلك جزءاً رئيساً
من عدّة النظام ووسائل جبره
وترويع أذهان المواطنين
باستحالة الاقتراب من قامة بذلك
الارتفاع : نقداً، أو مطاولة، أو
محاولة إسقاط.. ***** كثيرة
هي فظائع الدكتاتور المؤسس.. وقد
فعس مرة أخرى ليس حزبه
الديكوري، وتغنيه بالملايين
المنضوية فيه، وبوجود مؤسسات
ونواب وقيادات وحسب.. بل
بالجمهورية وأسسها.. حين كان
التوريث جزءاً أساسياً في ذلك
التكوين المريض، وما عرفه من
مناقلات(تحضير رفعت الأخ باسل
الميت بحادث سيارة فاستقدام
مشروع طبيب العيون قبل إكمال
اختصاصه وتهيئته على عجل..)..
ووصول بغي الأنا إلى تقزيم
الوطن وإدخاله قمقم الملكية
الخاصة للعائلة والمقربين
والأهل.. وسط صخب الشعارات
الكبيرة، واليافطات الأكبر
التي ظنّ أنها تغطي الجرائم
المقترفة بحق الوطن،
والجمهورية .. اليوم،
والوريث المريض بوباء الإرث،
والنهج الدموي المعتمد،
وارتجاج ازدواج الشخصية.. يكشف
معدنه: سليلاً وفياً لدمامل
الحقد والعنف واحتقار البشر
والمواطنية، معلناً، كالمورّث،
استعداداً مفتوحاً لارتكاب
أفظع المجازر المتنقلة بحق
الشعب.. حتى لو وصلت أعداد
القتلى مئات الآلوف، بل
الملايين..وكأننا أمام (رفعت)
آخر وهو يهدد مدينة حماة في
مجزرتها السابقة بأنه سيسوي بها
الأرض ويحولها إلى حقول لزراعة
البطاطا.. تماماً كما يهدد
الشقيق الجزار ماهر، وكما يفعل
الوريث المتشدّق، المزدوج .. اليوم
يترّحم الناس على الشيشكلي الذي
آثر الوطن، وحقن الدماء على
وجوده حاكماً.. بينما يصرّ
الطاغية الوريث على إغراق
بلادنا بالدماء... كي يثبت أي نوع
من الاستثناء هذا الطاغية، وأي
مهر كبير سيدفعه شعبنا لانتزاع
الحرية.. وإسقاطه، بل خلع
الاستبداد من جذوره وإلقائه في
مستنقع القيح حيث مكانه الطبيعي
.. ==================== إيران:
تحول ضد النظام السوري أم
مناورة لإنقاذه؟ م.
عبد الله زيزان دأب
النظام الإيراني على دعم حليفه
السوري منذ انطلاقة الثورة
السورية بشتى الوسائل والطرق،
وحتى فترة قريبة لم يحسب
الإيرانيون للشعب السوري أي
حساب، فكان دعمهم للنظام علنياً
ودون أي تحفظ، فإلى جانب الدعم
المادي والتقني لم يتأخر
الإيرانيون في دعمه إعلامياً،
دون تفكير بخط الرجعة حال سقوط
النظام، حتى أنهم ربطوا أنفسهم
بشكل وثيق بالنظام السوري، وكأن
سقوط هذا النظام هو سقوط
للإيرانيين... ولعلّ
تخوفهم الشديد من سقوط النظام
السوري له مبرراته، فهذا السقوط
سيكون ضربة كبيرة لمشروعهم في
المنطقة والذي خططوا له لعقود
مضت، ومن أجله أنفقوا مليارات
الدولارات، كما أن مليارات أخرى
أنفقت من أجل تسويق أنفسهم لدى
الشارع العربي كحُماة للمقاومة
وكمناهضين للصهيونية العالمية
والامبريالية الأمريكية... يشعر
الإيرانيون الآن أنهم يخسرون كل
شيء، فمن جهة يزداد شعورهم أن
المراهنة على بقاء النظام
السوري ربما يكون خاسراً، ومن
جهة أخرى يشعرون أن بضاعة "المقاومة"
التي يبيعونها للشعوب العربية
بدأت بالكساد، وأن التأييد "الوهمي"
الذي كانوا يحظون به في الشارع
العربي بدأ بالانحسار
والتقوقع، وهذا تماماً ما دفعهم
إلى إعادة ترتيب أوراقهم،
وتغيير أسلوبهم في التعاطي مع
الثورة السورية... فشهدنا
في الفترة الأخيرة نبرة إيرانية
جديدة بدأت تظهر على ألسنة كبار
سياسييها، بدأت بتصريح الرئيس
الإيراني محمود أحمدي نجاد
ولحقه بذلك وزير خارجيته علي
أكبر صالحي، بأنه يجب تحقيق
مطالب الشعب السوري، وانتهت
بتصريحٍ جديدٍ لنجاد على
التلفزيون البرتغالي في السابع
من أيلول الجاري يحث فيه بشار
الأسد على وقف العنف تجاه
المتظاهرين، معللاً ذلك بعدم
نجاعة الحل الأمني... إذاً
الشيء الوحيد الذي يمكن تأكيده
في التصريحات الإيرانية
الأخيرة أن إيران غيّرت من
سياستها في التعاطي مع الملف
السوري، أما غير المؤكد فهو ما
إذا كانت إيران بالفعل تريد أن
تتنصل من حليفها الاستراتيجي
بأسلوبها البرجماتي المعروف،
أم أنها مجرد مناورة تريد من
خلالها لعب دور وسيط بين النظام
ومعارضيه؟ والأرجح
أن الإيرانيين يعلمون أن نزيف
الخسائر الذي يعانون منه حالياً
لا يمكن إيقافه، لكنهم بمواقفهم
الأخيرة يريدون الحد من تأثير
الثورة السورية على نفوذهم في
المنطقة، وبذلك يقللون ما أمكن
من خسائرهم المتلاحقة... فهم
بموقفهم الأخير يمسكون العصا من
المنتصف، فمن جهة يغازلون
المعارضة السورية، ليحصلوا على
مدخل لهم قد يتيح الفرصة للعب
دور وسيط بين النظام ومعارضيه
للوصول إلى صيغة مقبولة بينهم،
مقابل بقاء بشار الأسد على سدة
الحكم، وما يدلل على ذلك صمت
النظام السوري تجاه هذه
التصريحات الإيرانية رغم
تكرارها مرات عدة وبمناسبات
مختلفة، ومن جهة أخرى يأمل
الإيرانيون بلهجتهم الجديدة أن
لا يخسروا كل شيء في سورية ما
بعد الأسد حال سقوط النظام، وأن
يبقى لهم موطئ قدم يبنون فيه ما
تهدم من مشروعهم... لكن
الأخطاء المتتالية التي وقع
فيها الإيرانيون في تعاطيهم مع
الملف السوري في فترة الثورة
حجّم من هامش المناورات التي
يمكنهم اللعب بها، فقد انطبع في
ذاكرة السوريين الضحايا الذين
استشهدوا أو جرحوا بفعل المعدات
والتقنيات الإيرانية، بدءاً من
العصي الكهربائية وصولاً إلى
القناصة المزروعين على أسطح
البنايات، مروراً بالدعم
التقني لكشف اتصالات الثوار
وتحديد أماكن تواجدهم، ولن ينسى
أحد الدعم المالي الوفير الذي
حظي به النظام والذي أطال في
عمره قليلاً... وبناء
على ما تقدم فإن إيران أمام
خيارات محدودة جداً، فإما أن
تقوم بخطوات عملية وكبيرة
تتجاوز التصريحات، لصالح إنهاء
ارتباطها بالنظام السوري،
لتثبت على أرض الواقع أنها تنظر
إلى مستقبل سورية بعيداً عن آل
الأسد، لكسب تأييد الشارع
العربي حتى قبل الشارع السوري،
وهو ما لا يتوقع حدوثه في
المرحلة الحالية، أو أن تستمر
في دعم النظام وتتحمل بذلك
التبعات والتي تصل إلى إنهاء
حلمها في زيادة نفوذها غرباً
باتجاه الدول العربية، وإنهاء
حالة التعاطف التي كانت تحظى به
عند البعض في الشارع العربي... ==================== رغم
التحفظات: يجب دعم خطوة عباس صالح
النعامي معظم
التحفظات التي تسوقها الفصائل
والنخب الفلسطينية في الوطن
والشتات بشأن استحقاق أيلول،
والتوجه للأمم المتحدة: تحفظات
محترمة ووجيهة ولها ما يدعمها
من واقع الممارسة العملية.
فللأسف فإن تجربة العمل الوطني
الخاصة بالرئيس محمود عباس لا
تبعث على كثير من الطمأنينة
والثقة. ومع كل ذلك، فإن نظرة
متفحصة ومتأنية يجب أن تدفع
المشككين والمتحفظين إلى سلوك
آخر غير تعمد التشكيك والتظاهر
بالتحفظ، وهو تأييد خطوة عباس
وتشجيعه على المضي فيها، مع
التشديد غير القابل للتوافق على
الثوابت الوطنية التي تشكل محور
إجماع فلسطيني. يجب دعم خطوة
عباس لأنها تحمل في طياتها بذور
القضاء على مشروعه السياسي
ويفسح المجال أمام الفلسطينيين
للتوافق على برنامج إجماع وطني
مغاير، على الرغم من أنه قد لا
يكون هذا ما يقصده الرئيس عباس
نفسه. إسدال
الستار على التسوية على
الرغم من أن عباس يعلن صباح مساء
أن استحقاق أيلول يهدف بشكل
أساسي إلى توفير الظروف
المناسبة لإحياء مسار التسوية
مع إسرائيل، إلا أن هناك مؤشرات
تدلل على أن الأمور ستسير حتماً
بعكس ما يخطط له عباس ويرغب فيه.
ففي تل أبيب تدير شؤون الحكم
نخبة سياسية متطرفة لا تحسب
خطواتها بشكل منطقي وعقلاني،
وتعتمد خطاب شعبوي. وهذه النخبة
قد تنجر إلى خطوات تقلص هامش
المرونة أكثر أمام عباس. ففي
مقابلة نشرتها معه مجلة
أمريكية، قال السفير الأمريكي
في واشنطن مايكل أورن – المقرب
جداً من نتنياهو - أن حكومة
نتنياهو ستتجه إلى إلغاء كل
الاتفاقيات بين إسرائيل
والسلطة الفلسطينية في حال حصلت
الدولة الفلسطينية على عضوية
الجمعية العامة، في حين يرى
وزير الخارجية الإسرائيلي
أفيغدور ليبرمان أن إسرائيل لا
تستبعد أن تعلن عن السلطة
الفلسطينية ككيان " معادي "،
وهي نفس المكانة التي خلعتها
إسرائيل على قطاع غزة في أعقاب
سيطرة حركة حماس على مقاليد
الأمور في قطاع غزة. ويذهب بعض
الساسة في الائتلاف الحاكم في
تل أبيب إلى حد المطالبة بفرض
السيادة الإسرائيلية على جميع
مناطق الضفة الغربية كرد على
الخطوة الفلسطينية. وحتى عندما
لا تقدم الحكومة الإسرائيلية
على تنفيذ هذه الخطوات، فإن
إنزال عباس من الشجرة يتطلب –
على الأقل – توفير ظروف الحد
الأدنى لإستئناف المفاوضات،
سيما تجميد الاستيطان ومشاريع
التهويد، وهذا لم لن تقبله
حكومة نتنياهو. وإذا أخذنا بعين
الاعتبار اتجاهات سلوك
المستوطنين، فإن هؤلاء قد
يوفروا البضاعة التي يتمناها كل
من يريد القطيعة مع المفاوضات،
وذلك عبر مضاعفة عمليات العدوان
ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وهذا
ما بات ملموساً. أن
مآلات الأمور لا تتأثر بإرادة
عباس، فالواقع، وليس النوايا،
هو الذي سيملي وتيرة الأحداث
وليس العكس. من ناحية ثانية، إذا
كانت السلطة وإسرائيل قد عجزتا
عن إدارة المفاوضات قبل استحقاق
أيلول، فهل بالإمكان انجاز مثل
هذه المهمة بعد هذا الاستحقاق؟. محاصرة
إسرائيل وتراج مكانتها ومن
الواضح أن إسدال الستار على
إمكانية استئناف المفاوضات
يأتي في ظل قناعة معظم دول
العالم بأن إسرائيل هي الطرف
المسؤول عن هذه النتيجة،
وبالتالي فإن هذا السيناريو
سيضاعف مع عزلة إسرائيل وتراجع
مكانتها الدولية. فلم يعد أحد في
العالم مقتنع بحق أن هناك ما
يمكن التفاوض بشأنه مع الحكومة
اليمينية المتطرفة في تل أبيب.
ومما يزيد من خطورة وضع إسرائيل
هو حقيقة أن حصول " دولة
فلسطين "، وإن كانت على ورق ،
على صفة مراقب في الجمعية
العامة للأمم المتحدة، فإن هذا
قد سيفاقم من كلفة الاحتلال
الإسرائيلي. فكما يقول العديد
من خبراء القاانون الدولي فإن
الحصول على مكانة مراقب يعني أن
تتحول إسرائيل – حسب القانون
الدولي – من دولة محتلة إلى
دولة غازية، وتتحول الدولة
الفلسطينية إلى دولة تقع تأثير
غزو دولة أخرى، مع كل ما ينطوي
عليه من مخاطر رفع دعاوى دولية
ضد إسرائيل في المحافل الدولية.
وهناك إمكانية أن يتم نزع
الشرعية الدولية عن أي نشاط
للجيش الإسرائيلي في الضفة
الغربية. صحيح أن الولايات
المتحدة ودولاً أوروبية ستعمل
على تطويق تداعيات هذه الخطوات،
إلا إنها ستسبب ازعاجاً كبيراً
لإسرائيل. توقيت
صعب إن
أكثر ما يثير القلق في إسرائيل
هو حقيقة أن التوجه للأمم
المتحدة يأتي في توقيت صعب، وهو
تواصل ثورات التحول الديمقراطي
في العالم العربي، والمخاطر
التي باتت تحدق بإسرائيل جراء
هذه الثورات، والتي باتت تنبئ
بتحول أي حدث محدود إلى تطور
إقليمي يحمل في طياته بذور
انفجار كامل تدفع إسرائيل إزائه
أثماناً استراتيجية باهظة، كما
حدث في أعقاب عملية " إيلات
". فإسرائيل تحت القيادة
اليمينية المتطرفة ستكون في
مأزق كبير، فمن ناحية لا تسمح
لنفسها عدم الرد على الخطوة
الفلسطينية بشكل مناسب، لكنها
في نفس الوقت تدرك أن رد
إسرائيلي سيكون مقترناً برد ما
بعد ثورات التحول الديمقراطي
العربية، وهو رد يعكس عدم
استعداد العرب المرور مر الكرام
على السلوك العدائي الإسرائيلي
تجاه الفلسطينيين. إضعاف
الولايات المتحدة إن
هناك الكثير من الأسباب الوجيهة
التي دفعت الرئيس أوباما لبذل
جهود كبير لثني عباس عن التوجه
للأمم المتحدة وتلويحه بالعصا
والجزرة لردعه عن الذهاب إلى
هناك. فاوباما يعي النتائج
الكارثية للتحرك الفلسطيني على
مصالح الولايات المتحدة، حيث أن
اضطرار واشنطن للوقوف إلى جانب
إسرائيل عبر استخدام حق النقض
الفيتو لدى التصويت على المشروع
الفلسطيني في مجلس الأمن سيحرج
أمريكا ويقلص من صدقيتها ويكشف
زيف محاولات ركوب أوباما موجة
الثورات العربية وتقديم نفسه
كنصير للحراك الشعبي العربي. إن
اوباما يدرك سخف المسوغات التي
يقدمها لرفض توجه السلطة للأمم
المتحدة، حيث أنه يزعم أن حل
الصراع يتأتى عبر المفاوضات،
لكن العالم بأسره يعي أن أوباما
الذي حاول التأثير على الموقف
الإسرائيلي فشل فشلاً ذريعاً في
ذلك عندما اضطر للتراجع عن
مطالبته بوقف الاستيطان
والمشاريع التهويدية في القدس.
لقد بلع أوباما كل الوعود التي
قدمها للعرب في خطابه في جامعة
القاهرة واختار عمل كل ما في
وسعه لضمان ولاية رئاسية ثانية
عبر استرضاء المنظمات اليهودية
الأمريكية. وسيبلغ حرج أوباما
ذروته في حال نفذ النواب
الجمهوريون والديموقراطيون في
الكونغرس تهديدهم بتقديم
مشاريع قرار لقطع المساعدات
الأمريكية عن السلطة
الفلسطينية عقاباً لها على هذه
الخطوة. مثل هذه الخطوة ستضع
أمريكا في صف واحد مع اليمين
المتطرف الإسرائيلي. ومما لا شك
فيه أن هذا سيضعف مكانة
الولايات المتحدة في العالم وفي
المنطقة تحديداً وسيزيد من
عزلتها الدولية. قصارى
القول، على الرغم من الملاحظات
التي يمكن تسجيلها على التوجه
للأمم المتحدة، إلا إنه في
المقابل لا يمكن تجاهل دلالات
مظاهر الحرج الإسرائيلي
والأمريكي، وهذا ما يستوجب على
الفرقاء في الساحة الفلسطينية
تجاوز الخلافات القائمة
والاتفاق على برنامج عمل مشترك
ضمن الحد الأدنى من القواسم
المشتركة لاستنفاذ الطاقة
الكامنة في استحقاق أيلول. إن
مظاهر الهلع الإسرائيلي من
تداعيات استحقاق أيلول حقيقية،
وتعبر عن مأزق استراتيجي يمر به
الكيان الصهيوني، مأزق يقلص إلى
حد كبير من هامش المناورة
المتاح للقيادة الإسرائيلية،
ويفاقم من أزمات حكومة تل أبيب،
ويسحب البساط في المقابل من تحت
أرجل المنادين بالتسوية في
الجانب الفلسطيني. لذا
المطلوب تعقل وتأني قبل إصدار
الأحكام الجاهزة. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |